في لقاء الناقد وليد شميط مع يوسف شاهين في حديث ضمنه كتابه لم يتطرق الحديث عن فيلم «إسكندرية كمان وكمان» إلي النواحي الفنية للفيلم بل تحول الأمر إلي كلام في السياسة والتاريخ.

وهو يعد أعجب حديث بين ناقد سينمائي ومخرج كنت أتوقع مثلما يتوقع القارئ أن يقوم هذا اللقاء بإلقاء الضوء علي هذا الفيلم الغريب وتحليله من الوجهة الفنية حتي إنني كنت وأنا أقرأ ولا أجد ما أصبو إليه فأتعشم أن يفرغا من الحديث في السياسة وتتضمن الصفحات التالية ما كنت أفتقده ولا أنكر عمق ما يقوله يوسف شاهين في السياسة إلا أنني لم أجد جملة في الفن حتي ولو حديثا عن لقطة واحدة من الفيلم.

فهو يتحدث في البداية عن مفهوم الديمقراطية وعلاقة الحاكم بشعبه، كلام في غاية الأهمية إذا كنا نتحدث في السياسة ثم يتطرق الحديث بعد ذلك إلي التاريخ ومن الأمثلة التي يطالعها القارئ علي لسان المخرج الكبير بالنسبة لفيلمه الذي أثار الحيرة عند الكثير هي كالآتي:

التاريخ موجود بقوة عبر شخصيات تاريخية لعبت دورا في تاريخ الإسكندرية مثل الإسكندرية وكليو باترا، نحن خلاصة التاريخ كله لذلك فالتاريخ في غاية الأهمية، كثيرا ما تبدو الشخصيات التاريخية في السينما والمسرح سمجة وغريبة، أنا شعرت دائما بأنها شخصيات قريبة مني، عندما أطرح السؤال علي نفسي بمن تأثرت لماذا أفكاري علي ما هي عليه؟ أعود إلي المراجع. أنا من الإسكندرية والإسكندرية بناها الإسكندر، وكليوباترا كانت منها وعاشت فيها، وفي الإسكندرية تلاقت كل الأديان وقامت صراعات دينية خطيرة جدا. كيف تمكن هؤلاء الناس من التوصل إلي خلاصة معقولة للعيش المشترك؟ ومع أن هذا الكلام هو أقرب ما قاله يوسف شاهين بالنسبة للفيلم إلا أنه قد قاله قبل ذلك وقاله معه النقاد عند الحديث عن فيلم «إسكندرية ليه»؟

ويقول أيضا في جزء آخر من اللقاء لا أستغرب الردة الأصولية الرجعية التي نشهدها اليوم في العالم كله، وليس عندنا فقط وإن كانت عندنا تتخذ صيغة أكثر حدة. إن مراكز القرار الدولية هي مراكز ديكتاتورية اقتصادية لأنها تملك القوة في أن تملي إرادتها. كانوا يهددون بالاحتلال، صاروا يهددون بإقفال الحنفية.. ولا يمكننا نحن. إننا لا نحتاج إليهم.

لا أعرف ما علاقة كل هذا بفيلم يدور ببساطة في معظمه حول علاقات عاطفية متنوعة بينها علاقة مشكوك في طبيعتها بين مخرج كبير وممثل شاب يتمرد علي علاقته بهذا المخرج.. وعندما يستمع المخرج الكبير إلي لوم من مساعده علي تهافته علي هذا الشاب فإنه يغني أغنية بما معناه خدوا عيني وشوفوا بيها، وهذا قول في الحقيقة لا يقال إلا عن حب رجل لامرأة أو العكس.. ما علاقة الأصولية والرجعية بهذه العواطف الطبيعية والعواطف الشاذة؟

وفي الحقيقة فإن الناقد يحاول أن يغير دفة الحديث ويجذبه إلي الحديث عن الفيلم نفسه الذي بصدده هذا اللقاء فيطرح عليه سؤالا كالآتي لنعد إلي «إسكندرية كمان وكمان» دور المرأة في الفيلم لافت جدا.. فماذا تكون الإجابة علي هذه الملاحظة.

يقول يوسف شاهين لا يمكن أن أنفي نصف الطاقة الإنتاجية لشعب.. والمرأة هي نصف المجتمع ثمة خصائص للمرأة تجعلها ربما غير قادرة علي القيام ببعض الأعمال ولكن لا يجوز إطلاقا أن يتخلي المجتمع عن نصف طاقته.

احتار النقاد في تحليلهم لأغوار هذا الفيلم حتي إنه أصبح مثل لغز أبي الهول في مسرحية «الملك أوديب» وقد أدت بهم الحيرة إلي التخبط والحماس لكل مظاهر العنف والتفكك في هذا الفيلم، في الحقيقة فإن مشكلة النقد في مصر هو الحماس والتخبط عن الاقتراب من أعمال مبدع يحظي بشهرة كبيرة.. ومهما يرتكب هذا المبدع من أخطاء فإنهم يبررون له هذه الأخطاء وكأنها إبداع جديد في الأشكال الفنية.

ويتم كل هذا في حماس شديد وهذا للأسف هو موقف الكثير من النقاد بالنسبة لأعمال المخرج يوسف شاهين لقد كتب شيكسبير حوالي خمس وثلاثين مسرحية ولكن أغلبها لا تصدق أن شيكسبير هو الذي كتبها وعاش خالدا بمسرحيات لا تتجاوز السبع مسرحيات، لا يعرف الكثيرون عن أعمال جيمس جويس سوي روايته «يوليسيس» ولم يحظ بروست بالتقدير إلا برواية واحدة وهي «البحث عن الأزمنة الضائعة» وكثير من المخرجين السينمائيين لا نذكر من أعمالهم إلا عملين أو ثلاثة ونقدرهم كل التقدير ولدي يوسف شاهين من الأعمال التي تجعله علي قمة المخرجين في مصر، ولكن يوسف شاهين في كثير من الأحيان يقدم أعمالا يحدوها الطموح الفني ولكن تأتي مخيبة للآمال وذلك لعجزه عن تحقيق ما يحلم به.

ونري أعمالا أقرب إلي اللافن ولا نستطيع حتي أن نقبلها علي محمل التجريب فعندما خرج يونسكو وبيكيت وأراباك بأعمالهم الطليعية التي وضعها الكثير من النقاد تحت مسمي «مسرح العبث» حينا ومسرح اللامعقول حينا آخر فنحن نجد فيها معني عميقا رغم فزعنا الشديد من الشكل الذي قدمت فيه وهو شكل فرضه المضمون.

وكذلك هو الأمر بالنسبة لبيكاسو ومور ودالي في مجال التصوير والان روب جرييه ونتالي ساروث وفيليب روث في مجال الرواية، وكان الأمر نفسه بالنسبة لموجور سكي وسترافنسكي بالنسبة للموسيقي وبودلير ورامبو وفيرلين واليوت في مجال الشعر.

التجديد عند الفنان يأتي من قدرته التامة علي إبداع القديم وليس من فراغ يأتي من تمكنه من الفن وسبر أغواره والرغبة في تطويره وليس الأمر مجرد جرأة أو هذيان أو إحساس بالعبقرية وقول كل ما يريد أن يقوله بالطريقة التي يريدها دون أن نحاسبه علي ذلك.

إن مشكلة فيلم «إسكندرية كمان وكمان» هي عدم وحدة الموضوع، الفيلم مجرد شذرات أو التعبير عن كل ما قد يخطر علي بال صاحب الفيلم من ذكريات أو مواقف.

فهو يتحدث حينا عن فوز شخصية المخرج في مهرجان برلين وعن إحباطه لأنه لم يفز بالجائزة في مهرجان كان وعن انفصال ممثله المفضل عنه وعشقه له وعن وقائع إضراب الفنانين السينمائيين المصريين وعن عشقه لفتاة من المضربين وعن حادث كسر ساق زوجته يحدث كل ذلك دون رابط مع اختلاف الأساليب بحيث لا نستطيع أن نضعه حتي تحت مسمي تيار الوعي فإن هذا الشكل من أصعب الأشكال الفنية ويحتاج إلي براعة فائقة بحيث تعطي كل فقرة معني وهي باتصالها بالفقرة التي تليها تعطيان منه وتتجمع الفقرات في النهاية لتعطي معني واحدا وتأثيرا كاملا.

والغريب أننا نقرأ لناقد كبير مثل سمير فريد في حديثه عن فيلم «إسكندرية كمان وكمان» فنجده يقول بكل وضوح: لا دراما في إسكندرية كمان وكمان، ولكن مذكرات عن فترة من حياة البطل /اللابطل ثم يواصل بعد ذلك حديثه عن الفيلم وكأنه يتحدث عن فيلم تسجيلي عن حياة يوسف شاهين ومذكرات يوسف شاهين عن عام 1987 تعود إلي الماضي 1979 عندما فاز بـ «الجائزة» في مهرجان برلين عن «إسكندرية ليه» وعام 1985 عندما لم يفز بطله بـ «الجائزة» في مهرجان كان عن «الوداع يا بونابرت» وتعيد تكوين وقائع إضراب الفنانين وتستعين بمشاهد تسجيلية لأكبر اجتماعات الفنانين في مسرح البالون، وتحلق أقصي درجات الفانتازيا في ثلاثة مشاهد من عصر الإسكندر وعصر كليوباترا، فيها الأغنية وفيها الرقص وفيها الرسوم المتحركة والحركة الواقعية والحركة السريعة.

وهذه الكتابة الحرة بين الروائي والتسجيلي وبين الماضي والحاضر وبين الواقعية والفنتازيا لا تعني الفوضي فهناك شكل يربط بين كل هذا ولكنه شكل المذكرات وليس شكل القصة.. ويضرب بين المذكرات إضراب الفنانين حيث تتم كل التداعيات منذ أن يبدأ حتي نهاية الفيلم.

والأغرب مما سبق أننا نري الباحثة سعاد شوقي في كتابها عن يوسف شاهين تحاول أن تبرر التفكك والاضطراب بين أجزاء الفيلم فتقوم بنقل ما قاله سمير وتنسبه إلي نفسها وذلك في رسالة علمية كان من الأولي علي المشرف عليها والأساتذة الذين ناقشوها أن يدركوا هذا السطو العلمي، تقول سعاد شوقي وبالرغم من أن الفيلم مليء بأسلوب الكتابة الحرة بين التسجيلي والروائي وبين الماضي وبين الواقعي والفنتازي إلا أن هذا لا يعني الفوضي فقد كان هنناك شكل يربط بين كل هذا ولكنه شكل المذكرات وليس شكل قصة أو حكاية كما قلنا سلفا لها بداية وعقدة ونهاية.

وبصرف النظر عن هذه السرقة العلمية والسرقات الأخري التي تمتلأ بها رسالة سعاد شوقي فلا يهمنا شيء في هذا الأمر الذي تعودناه في الرسائل العلمية في المعهد العالي للسينما.

إن ما يعنينا في هذا كله أننا لا نعرف ما يسمي بالكتابة الحرة ولسنا نعرف بأن هناك عملا فنيا ليس له بداية ووسط ونهاية وليتها تحذف كلمة عقدة.. فقد أصبحت من الكلمات المبتذلة في علم الدراما والفن عامة.. وكما سبق أن ذكرت بأنني لا أعرف أن المذكرات التي لا رابط بينها هي شكل من أشكال الفن فعندما تكون المذكرات أو الخطابات أو اليوميات من الأشكال الفنية فإنها تتبع القواعدالفنية وعلي سبيل المثال فيلم «مذكرات خادمة» لبونيل، فالمذكرات هي مادة يعتمد عليها الفنان في إبداع فن عضوي متكامل وإلا أصبحت الأمور فوضي. ومن مظاهر الفوضي ذلك الغموض الذي يسود الأحداث ولا يجد توضيحا أو تبريرا فرغم حماس الناقد سمير فريد للفيلم فإنه لا يرضي علي هذا الغموض والإبهام فيقول: الإسكندرية عند يوسف شاهين ليست فقط مسقط رأسه ومدينته الأولي، ولكنها تعبير عن مصر التي يريدها وقد يري البعض أنها تعبر عن حقيقة مصر لا حلم يوسف شاهين وربما يكون البعض علي حق فيما يري.. والفيلم لا يوضح قصة إضراب الفنانين في مصر علي نحو يدركه المتلقي الذي لا يعرف شيئا عن هذا الإضراب وتلك نقطة ضعف في السيناريو.

ويبدو تأثر المخرج بفيلم «الموت في فينسيا» للمخرج الإيطالي فيسكونتي عن رواية الكاتب العظيم توماس مان وذلك عن علاقة كهل بشاب هو تجسيد لمعني الجمال وهي علاقة تمزج الرغبة الجنسية وأحاسيسها بالأحاسيس الجمالية فمن الواضح أن العلاقة المحورية في فيلم «إسكندرية كمان وكمان» بين المخرج يحيي مراد وممثله الأثير عمرو ليست مجرد علاقة فنية بل إنها تتجاوز ذلك إلي عشق جنسي من جانب شخصية المخرج علي الأقل.

وهناك تمرد من الممثل ويبدأ هذا التمرد برفضه لأداء دور هاملت وبالطبع فإن هذا الرفض هو المبرر الظاهري لهذا التمرد، تقول سعاد شوقي: «ونري هذه العلاقة تنتهي أمامنا ونري كيف عاني شاهين من أثر انتهاء هذه العلاقة، وكيف أنه يعتبر هذا غدرا وخيانة، وكيف ظل متأثرا بهذا الموقف وكيف كان يحبه وكيف كان يراه بعينيه، وكيف كان يري فيه نفسه كما تمني أن يكون فربما كان حبه الشديد لمحسن بسبب حبه الشديد لنفسه.

ولا أعرف كيف سمحت الباحثة لنفسها بأن تخرج من العام إلي الخاص وتسمي الأشخاص بأسمائها الحقيقية؟

ولكن هذا الأمر لا يعنيني أيضا فهذا من مسئوليتها التي عليها أن تتحمل عواقبها، ولكن كلامها هذا يذكرني بما قاله العقال عن الشاعر أبي نواس عندما وجد التبرير النفسي لولع هذا الشاعر العظيم ببني جنسه إلي حد اللواط.. ويري العقاد بأن ولع أبي نواس بمعاشرة جنسه جنسيا يرجع إلي أنه يري نفسه فيه أي أنه يعاشر نفسه وذلك حسب مفهوم النرجسية الذي قام العقاد بتطبيقه علي شخصية أبي نواس وقد اتفق نقاد يوسف شاهين بأنه تناول عرض ذكرياته بصراحة متناهية وجرأة جَبُنَ غيره من الفنانين المصريين علي الاقتداء بها فحسب قول سعاد شوقي بأن يوسف شاهين قرر في هذا الفيلم أن يتخلص من كل القيود ويقول الحقيقة بكل جرأة وتقول أيضا فقد قرر يوسف شاهين في الأجزاء الثلاثة أجزاء الذاتية أن يعري نفسه دون خجل.

ولست أوافق بالطبع علي هذا الربط الصريح بين أحداث الثلاثية وهي في الواقع رباعية فلم يكن أحد يعلم وربما لم يكن في نية يوسف شاهين أن يقدم جزءا رابعا وهو «إسكندرية نيويورك» وبين أحداث حياة يوسف شاهين فأنا لا أقبل الكلام هذا علي أساس أن شخصية يحيي مراد هي شخصية يوسف شاهين ولكن أقبلها علي أساس أنها شخصية في عمل فني مستقل عن شخصية مبدعه.

أقول بالطبع هذا الكلام من منطلق مذهبي في النقد وليس تبريرا لكي لا أقع في الغلط والافتراء علي مخرج الفيلم كما فعل غيري من النقاد، أما إذا اعترف يوسف شاهين صراحة وبموضوعية مطلقة وشجاعة نادرة بأن شخصية يحيي مراد هي شخصيته الحقيقية فهو حر في ذلك وهو الذي يتحمل مسئولية اعترافاته كما فعل من قبل روسو وهنري ميلر وفرانك هاريس وأندريه جيد وغيرهم من الكتاب والفنانين الذين تجردوا أمامنا عرايا سافرين.

أما من الناحية الفنية فتتناقض علاقة المخرج يحيي مراد بأبعادها الشاذة مع علاقة الحب بالفتاة نادية التي يقابلها أثناء إضراب السينمائيين 1987 كلما يثبت أنه مازال شابا فتيا وسيما ومازالت النساء ترغبه أيضا فعندما يريد مبدع الفيلم أن يضيف شيئا من الخيال الفني علي مذكراته فإنه يسقط في دائرة الافتعال حتي إنه يجعل من شخصيات فيلمه أبواقا تمتدح نضاله وجراءته حتي إنه كما تقول سعاد شوقي ينسب لنفسه الدور المهم في قضية اعتصام الفنانين وكأن دور الآخرين غير موجود فكان يريد أن يبرز أهميته.

ومن الملاحظ أيضا تكرار مشهد الظروف التي يضطر يحيي مراد إلي ترك زوجته في أزمة والسفر إلي الخارج فقد حدث هذا في فيلم «حدوتة مصرية» وحدث هذا في فيلم «إسكندرية كمان وكمان» عندما يقع حادث سيارة للزوجة ولكنها تصر علي سفره إلي برلين يستلم الجائزة.

ورغم التفكك الذي يسيطر علي أجزاء الفيلم إلا أنه لا يخلو من عظمة وإبداع يوسف شاهين من الناحية السينمائية خاصة في المشاهد الاستعراضية فهو كما سبق أن ذكرت خير من يقوم بإخراج الاستعراض.

إنه يحول الكاميرا إلي مركز إشعاع جمالي قلما يتحقق عند غيره من المخرجين الذين يقومون بإخراج الأفلام الاستعراضية، والاستعراض عند يوسف شاهين في جميع أفلامه نجد أنه جزء من النسيج الدرامي والسينمائي في الفيلم.

وإن ما يميز فيلم «إسكندرية كمان وكمان» أن المخرج يحرص علي أن يقدم الشخصيات وأحداثها من وجهة نظر الشخصية الأساسية شخصية يحيي مراد، تتحرك الشخصيات طوال الفيلم من خلال وجهة نظره وربما كان هذا الذي يجعل من الممكن خلق الوحدة الفنية بين أجزاء هذا العمل المفكك، فهو لا يتبع أسلوب «الشخص الثالث» في سرده الدرامي والسينمائي ولا يتبع طريقة «الشخص الثاني». فالأحداث كلها تدور من خلال عين الشخصية، ولذلك فإنه جعل وجهة نظر الكاميرا هي وجهة النظر الأساسية للفيلم وبذلك حقق الوحدة البصرية رغم تفكك الوحدة الدرامية للأسف.

جريدة القاهرة في 14 فبراير 2006

ضوء ... 80 عاماً على فيلم "مغامرات الأمير أحمد"

عدنان مدانات 

تصادف هذا العام الذكرى الثمانون لواحد من أهم البدايات التأسيسية لفن أفلام الرسوم المتحركة في تاريخ السينما العالمية وهو الفيلم المعنون “مغامرات الأمير أحمد” الذي ينتمي إلى فترة السينما الصامتة، الذي يعتبر واحداً من أوائل أفلام الرسوم المتحركة الطويلة في العالم، حيث يبلغ طوله خمساً وستين دقيقة، كما يعتبر الفيلم واحدا من أوائل أفلام الرسوم المتحركة المجددة والتجريبية التي تعاملت مع هذا النوع من السينما باعتباره وسيلة فنية إبداعية وليس وسيلة لسرد حكايات للأطفال. وكان قد تم إنجاز العرض في العام 1926 إثر ثلاث سنوات من الجهد الجماعي التحضيري. وهذه الحقيقة التاريخية المتعلقة باعتبار الفيلم من أوائل أفلام الرسوم المتحركة تتناقض مع المعلومة التي تتداولها بعض كتب تاريخ السينما التي تشير إلى فيلم “سنو وايت” للمخرج الأمريكي والت ديزني باعتباره أول أفلام الرسوم المتحركة الروائية الطويلة في تاريخ السينما، حيث أن فيلم “مغامرات الأمير أحمد” تم عرضه قبل أحد عشر عاما تقريبا من فيلم “سنو وايت”.

والفيلم من إخراج المخرجة الألمانية لوتيه راينجر التي اشتهرت بصفتها من أهم فناني أفلام الرسوم المتحركة في العشرينات من القرن العشرين والتي استمرت في صنع أفلام الرسوم المتحركة الفنية طوال نحو خمسين عاما، تميزت خلالها بأسلوبها الخاص في تقنيات أفلام الرسوم المتحركة، الذي يعتمد على استخدام المقص لتقطيع أشكال مرسومة على الورق وتحريكها بدقة من وراء ألواح زجاجية وإضاءة خلفية تعطي شكل خيال الظل.

ولمعرفة أهمية فيلم “مغامرات الأمير أحمد” في تاريخ سينما الرسوم المتحركة، نذكر أن أولى تجارب تطبيق الرسوم المتحركة في السينما بدأت في العام 1907 في نيويورك، حيث ابتكر فنان وتقني مجهول وسيلة لجعل الكاميرات السينمائية تلتقط الصور المرسومة صورة فصورة. وهكذا استخدم المخرج ستيوارت بلاكتون هذا الاختراع في فيلم سماه “الفندق المسكون” والذي رأى فيه المتفرجون الأشياء الجامدة تتحرك لوحدها دون الاستعانة بالخيوط الخفية، أي التقنية المستخدمة في العروض المسرحية الخاصة بالدمى المتحركة. وكان هذا الاختراع بداية لتطور فن الرسوم المتحركة في أمريكا ودول أوروبا، ومنها ألمانيا والتي كانت المخرجة لوتيه راينييجر من أهم مخرجيها الذين تخصصوا في هذا المجال وبرعوا فيه.

وهكذا و منذ بداية القرن العشرين شكلت أفلام الرسوم المتحركة عالما موازيا لعالم الأفلام السينمائية التي تعتمد التصوير المباشر لمواد وأشخاص الواقع الحقيقيين سواء كانت تلك الأفلام وثائقية أم روائية . ومن الجدير بالذكر هنا أن أفلام الرسوم المتحركة الأولى انطلقت من دوافع فنية وتجريبية بالأساس، ولم تكن مشمولة بخطط أو برامج شركات الإنتاج السينمائي أو المشرفين على صناعة السينما. هذه حقيقة لا تؤخذ عادة بعين الاعتبار ولا يتم التمعن فيها من قبل الدارسين لتاريخ السينما، بالنظر إلى أن التطور اللاحق لصناعة أفلام الرسوم المتحركة غير مسارها وجعلها تتجه نحو جمهور الأطفال، في حين بقيت الأفلام الفنية مجرد تجارب فنية غير شائعة التداول.

وقد تطور فن الرسوم المتحركة في السينما العالمية وفق أساليب مختلفة. فهناك الأسلوب الكلاسيكي الذي اشتهرت به السينما الأمريكية والذي يعتمد على رسم الحركة صورة فصورة على سطح مستو، وهناك الأسلوب الذي يعتمد على تحريك دمى مصنوعة من القماش والورق المقوى والمطاط. وهناك أيضاً أسلوب الدمى المتحركة التي هي أقرب إلى المنحوتات ذات الأبعاد الثلاثة. وهناك أفلام الرسوم التي تقوم على مبدأ خيال الظل والمستمد من فنون الشرق وبخاصة الصين، وهو الأسلوب الذي طورته المخرجة الألمانية لوتيه راينييجر. هذا إضافة إلى أسلوب الرسوم المركب على عدة سطوح شفافة مثل ألواح الزجاج والذي يتيح تصوير أبعاد مختلفة للصورة وحركات متطورة.

ويعتبر فيلم “مغامرات الأمير أحمد” من أهم أفلام التحريك التي صنعتها المخرجة لوتيه راينييجر بأسلوبها المميز الذي يعتمد على خيال الظل والأشكال المصورة بعكس الضوء بحيث تبدو ظلالاً سوداء تماماً.

تم تحقيق فيلم “مغامرات الأمير أحمد” أثر جهد متواصل لعدة سنوات استمر من عام 1923 حتى عام 1926 وساعد المخرجة في تنفيذ رسومات هذا الفيلم مجموعة من فناني الرسوم المتحركة الألمان ومنهم فالتر روتمان والكس كاردان، وفي النتيجة ظهر هذا الفيلم الطويل، حسب مقاييس ذلك الزمان.

وحكاية فيلم “مغامرات الأمير أحمد” مستمدة من حكايات وأجواء “ألف ليلة وليلة”. وهو بهذا أيضاً من أوائل الأفلام الأجنبية التي تأثرت بهذه الحكايات الشهيرة وبأجوائها الأسطورية. كذلك هو الأمر بالنسبة لطريقة عرض الحكاية القائمة على مبدأ خيال الظل حيث أن هذه الطريقة تحيل إلى مسرح الكراكوز الشرقي. يقتبس الفيلم من ألف ليلة وليلة قصة علاء الدين وحبه لدينارزاده شقيقة الأمير أحمد. وفي الفيلم بطلان رئيسيان ثانيهما هو الأمير أحمد الذي يقنعه أحد الأشخاص بالقيام برحلة فوق ظهر حصان طائر سحري. ويتمكن الأمير أحمد من السيطرة على الحصان وامتطاء صهوته والتنقل طائرا بواسطته نحو بلاد مختلفة من بلاد الواق واق الأسطورية وخوض مجموعة مغامرات أثناء تنقله، حيث يقع في إحداها في غرام أميرة جميلة يستطيع الفوز بقلبها فقط حينما يهزم جيشا من المردة.

ولم تكتف المخرجة باقتباس أحداث الحكاية من ألف ليلة وليلة واقتباس شكل العرض من أجواء وتقاليد الفرجة الشرقية، بل أنها استفادت، من الناحية التشكيلية من الفن الإسلامي و الشرقي و الصيني، وبخاصة فن المنمنمات حيث يتميز الأسلوب الفني الذي استخدمته المخرجة في فيلم “مغامرات الأمير أحمد” بالجمع ما بين فن الزخرفة الإسلامية وتكوينات خيال الظل ووضعها جميعاً في قالب ديكور تقليدي صيني وكذلك رسم الأشخاص بملامح صينية. وكأن المخرجة بهذا تريد أن تجمع فنون الشرق المختلفة في عمل واحد. ولهذا تعتبر رسومات هذا الفيلم لوحات تشكيلية رائعة ومتميزة وفريدة من نوعها.

ورغم أن هذا النوع من الأفلام لا يحظى بجماهيرية وشعبية بين المشاهدين في العالم، إلا أن أفلام لوتيه رانييجر تحديدا كانت في حينه تنال الإعجاب أينما عرضت. 

الخليج الإماراتية في 13 فبراير 2006

 

سينماتك

 

مصطفي محرم يكتب:

أعجب حوار بين ناقد سينمائي ويوسف شاهين

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك