أربع رصاصات تعصف بالصمت وتخترق آذاننا في نهاية فيلم خالد يوسف الثالث «ويجا» يهرول علي أثرها بطل الفيلم هاني «هاني سلامة» ونحن معه ليكشف من من أصدقائه الأربعة تحول إلي قاتل ومن أصبح قتيلا، ولكن صانع الفيلم لا يحاول أن يريحنا في النهاية بل ويكسر تقاليد فعل المشاهدة عند الجمهور وتتجمد اللقطة علي تعابير الفزع علي وجه هاني في إشارة لكارثة حلت بالأصدقاء، أصر المخرج ألا يراها المشاهدون ربما في إشارة منه أنه لا فرق بين قاتل ومقتول فاستسلامهم للكراهية وعدم قدرتهم علي المغفرة هو الذي قتلهم والبحث عن الحب والقدرة علي الصفح هي التي أنجت هاني وانتشلته من هذه المجزرة المفترضة، نهاية تتشابه إلي حد بعيد مع نهاية فيلم «عودة الابن الضال» لأستاذ خالد يوسف ومعلمه الأول يوسف شاهين. فيلم ويجا فيلما يستغرقك ويستولي عليك منذ اللحظة الأولي منخرطا داخل أحداث رحلة الأصدقاء أو بالأحري كابوسهم التراچيدي الذي يشبه إلي حد بعيد التراچيديات الإغريقية، فالفيلم يقدم الأصدقاء الأربعة أدهم «شريف منير» وزوجته فريدة «هند صبري» وهاني «هاني سلامة» ومريم «منة شلبي» وحبيبها إبراهيم «محمد الخلعي» والذين تربطهم علاقة صداقة ممتدة من أيام الجامعة ويقررون السفر لقضاء إجازة في الغردقة ولكن تنقلب هذه الرحلة إلي كابوس بعد أن يستخدموا إحدي الألعاب السحرية التي تتنبأ بالمصائر فتتوقع الفراق لفريدة فيتوفي والدها وتتوقع الآلام لمريم فيرفض إبراهيم الذي تحبه أن يرتبط بها وتحاول الانتحار وتتنبأ بأن يتم النصب علي هاني فتتحقق النبوءة عندما يقابل سارة «دولي شاهين» وتنصب عليه، ولكن ربما التوقع الأخطر والأكثر كابوسية هو تنبؤها بأن أدهم سوف يقتل وتمر الأحداث أو بالأحري تتعقد وتتشابك. فيلم بحاجة إلي مشاهد يقظ والممتع في الفيلم أنه لا يعتمد علي بناء كلاسيكي يعتمد علي حدث محرك يعقبه حدث صاعد انتهاء بالذروة في آخر الفيلم فقط بل دائما ما تتداخل فيه المشاهد التي تعرض للحاضر مع الأخري التي تتمثل الماضي بل والمستقبل أيضاً، كما أن البناء يتعمد المزج بين ما هو واقعي ويحدث وبين الأحلام والهواجس بشكل يكاد المتفرج غير اليقظ أن يعي هذا المزج بل أن حلما أو هاجسا لشخصية ما قد يوجه المشاهد نحو تبني إحدي وجهات النظر مثل كابوس إبراهيم الذي يري فيه مريم وقد اصطحبت أدهم لتكشف له خيانة فريدة زوجته وإبراهيم أقرب أصدقائه وهو الأمر الذي يوجه المشاهد نحو تصور أن هناك علاقة فعلا بينهما وهو تصور سرعان ما يكتشف المشاهد زيفه في لحظات الفيلم الأخيرة، إن الكوابيس والهواجس تعصف بالمشاهدين كما تعصف بمصائر وأقدار الأبطال، هذه الاختراقات أو الحيودات الزمنية اكسبت بناء الفيلم غني كبيرا وتخمة من الأحداث والهواجس وبالطبع تخمة من الرسائل، بل انها لاشك وكأنها اضافت زمنا غير حقيقي تستشعره يضاف للزمن الفعلي للفيلم، هذه التخمة التي لاشك أنها تحتاج مشاهد يقظ مشارك وربما لا تتوفر هذه الصفات في مشاهدي هذه الأيام الذين تربي وعيهم وتشكل سلوك مشاهدتهم علي الكليبات السريعة والسينما التي تتخذ من هذه الكليبات والاسكتشهات بناء لها «هل قلت بناء؟!». ولاشك أن خالد يوسف استطاع أن يرسم شخصياته بكثير من العناية والواقعية فجاءت شخصياته بها الكثير من اللحم والدم غير مقتصرة علي بعد واحد بل لها عدد من الأبعاد التي تصيب المشاهد بالحيرة فلا يستطيع أن يصدر حكما عليها وإذا أصدر المشاهد هذا الحكم سرعان ما سوف يغيره في موقف آخر، فالشخصيات محبة وكارهة، طيبة وشريرة، ضحية وجلادة، ظالمة ومظلومة وفي أحيان كثيرة ما تجتمع بدواخلها النقائض معا. الفيلم يبدو صادما مخترقا ما اصطلح علي تسميته بالسينما النظيفة ولا أقصد بالاختراق هنا مجرد أن الفيلم به مشاهد ساخنة وملابس بها بعض البحبحة فقط بل يخترق هذه السينما النظيفة بأنماط العلاقات القائمة بين الأبطال والتي لا تتوافق مع الرؤية المحافظة والشكل الاجتماعي والأخلاقي والتي هي مكونات تقليد هذه السينما النظيفة، فالفيلم يعرض بعادية شديدة وبصدر رحب لعلاقات ما قبل الزواج حتي الجسدية منها ويعرض بنفس العادية الإجهاض غير المبرر في كسر لقيم المجتمع الثابتة في الوقت نفسه الذي يحيد فيه الدين كموجه للسلوك، بل إننا لا نري أي أهل أو أي شكل أسري لأي فرد من أفراد الفيلم جميعهم في غياب كامل وكأنهم تلاشوا، بل إنني أتذكر أنني اثناء مشاهدتي للفيلم وفي المشهد الذي يصطحب هاني مريم «وهي في حالة سكر شديدة حتي البيت تعطيه المفتاح ليفتح الباب وتقول له: «متخفش مفيش حد كلهم بيصيفوا»، فإذا بإحدي المشاهدات تهتف ضاحكة: وهي ليها أهل أصلا؟!» وأنا لا أعرف هل هذا الغياب نقص في بناء الشخصيات أم أنه مقصود ليؤكد علي طبيعة الفيلم الكابوسية وعلي وحدة الأبطال المطلقة في مواجهة أقدارهم التي لا فكاك منها والتي لاشك أنهم يشاركون في صناعتها، أم هو يؤكد علي غياب الأهل تماما الآن عن حياة أولادهم تاركين اياهم في مواجهة الحاضر والمجتمع الذي ربما في إشارات سريعة ولمحات رشيقة يقدم المخرج هجائية له وبكائية عليه، لمحات عن الكراهية المختزنة والمضغوطة مثل الغاز داخل نفوس المصريين، إن القيم تتساقط، نراها في الطبيب الذي يقوم بعملية الإجهاض كأنها لا شيء انه المجتمع الشكلي الذي تحول الدين فيه إلي نمط شكلي تستغله مريم لتخالفه وتخرج عليه عندما ترتدي النقاب حتي تستطيع أن تذهب إلي بيت إبراهيم الموجود في منطقة شعبية فيرتاح لها أهل هذه المنطقة الشعبية عند إبراهيم ولا يسألونها إلي أين تتجه فهي ترتدي رداء الحصانة والعفة إذن لا شك في دنياها ودينها. عديد من اللمحات التي تلقي بالضوء علي شرائح وأمراض في المجتمع المصري، هذا المجتمع الذي يدعي رغبته في تحرير المرأة وحصولها علي حقوقها كاملة ورغبته في مزيد من الانفتاح ويذهب ليصوت للإخوان المسلمين في الانتخابات التشريعية، هذا المجتمع الذي ينظر بعين إلي قنوات الأغاني العارية وبالعين الأخري علي قناة اقرأ ولا يجد غضاضة في ذلك، هذا المجتمع الذي لم تعد فيه تقريبا أي ممارسة رسمية أو اجتماعية تستطيع أن تصفها بالعدالة والنظافة ويعلن رغبته في سينما نظيفة، نعم فالشخص لا يحب أن يري نفسه عاريا إلا في غرفة النوم. اختراق السينما النظيفة وعلي الرغم من أنه كما سبق وأوضحت أن «ويجا» يخترق السينما النظيفة بل يناقضها إلا أنه يتفق معها في عنصر الوعظ والذي اعتمده المخرج علي لسان هاني الذي كان بمثابة المؤلف الضمني وهو يقوم بالعديد من التصريحات وربما أهمها أن الإنسان الذي يبحث عن أسباب الكراهية في أكثر العلاقات حميمية وحبا سيجدها والعكس صحيح، ولا شك أن هؤلاء الذين يبحثون عن أسباب الكراهية قد انهزموا في آخر الفيلم، فالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله. إلا أن خالد يوسف يقدم ربما أكثر أفلامه تميزا ونضجا واتقانا مقدما بالتعاون مع فنان التصوير سمير بهزان صورة جميلة بها الكثير من الحيوية في الحركة والاقتراب من الموضوع والابتعاد عنه والتي تعبر وتنقل أجواء الإثارة والواقع الكابوسي، كذلك مشاهد الانتقال من الحاضر إلي الماضي والعكس والتي كانت غالبا ما تتم بواسطة حركة الكاميرا سواء الحركة الاستعراضية «البان» أو الحركة الدائرية وساعدت المونتيرة علي أن يكون هذا الانتقال سلسا ناعما علي عكس بعض الأوقات جاء القطع فيها مفاجئا عنيفا وخشنا لتحفيز إيقاع الفيلم. تصاعد ذروة الأداء يبدو أن نجم منة شلبي في صعود مستمر، فهي تخطو من اتقان إلي اتقان، حتي بلغت ذروته في الأداء في فيلم ويجا، فجاء دورها في فيلم ويجا تتويجا لأدائها المتميز جدا في الأفلام السابقة وإن حافظت «منة» منذ أكثر من فيلم علي صورة المرأة المغلوبة علي أمرها، وهو قالب آمل ألا تسجن نفسها فيه، لم يكن فيلم ويجا ذروة اتقان منة شلبي وحدها بل هناك هاني سلامة الذي بدأ أداؤه يختلف ويخرج من دائرة الفتي الجان إلي الأداء العميق وذلك منذ فيلم «أنت عمري» ولا يمكننا في حديثنا عن الأداء أن نغفل التميز الشديد لشريف منير والذي يؤكد أنه لديه الثراء والموهبة التي لم يخرج منها بعد إلا القليل، وجاء أداء هند صبري بمثابة أداء المحترفين الذين يعرفون كيفية العزف علي أوتار الشخصيات التي يلعبونها، وبداية معقولة لمحمد الخلعي الذي أظنه واجه تحديا كبيرا مع هذا الاتقان من زملائه في الفيلم ومن ثم فقد يستطيع أن يقدم أدوارا متميزة بعد ذلك. هذا التميز في الأداء الذي أضاف إلي الجمال والمتعة في الفيلم بعدا جديدا فلا يمكننا أن نتجاهل أو ننكر أن فيلم ويجا فيلم متكامل العناصر الفنية بل أنه من أكثر أفلام هذا الموسم تميزا وتفرداً. استطاع خالد يوسف أن يقدم من خلال فيلمه ويجا فيلما إنسانيا يكشف ذوات البشر في حبكة درامية غير كوميدية كما تعودنا في الفترة السابقة، وفي فيلم به عمق وجهد فهو غير سطحي كما في أفلام التيك أواي والتي يتم صنعها في أسابيع قليلة، وساعدت التخمة في الأزمنة التي يقدمها الفيلم إلي اثراء الفيلم ومن ثم قد تحتاج إلي مشاهدته مرة أخري ربما لتكتشف أبعادا أخري له أو لتستمتع به أكثر. جريدة القاهرة في 7 فبراير 2006
«ويجا» يقتحم الواقع ويكشف المسكوت عنه سهام العقاد «ويجا» هو الفيلم الرابع في مسيرة الفنان المخرج خالد يوسف تلميذ المخرج العالمي يوسف شاهين، النجيب، الذي تعلم منه الصنعة، وتميز عن باقي نجوم جيله بقدرته علي الهروب من النمطية والتصنيف بتقديمه مختلف الألوان الفنية سواء كانت سياسية كما في «العاصفة» أو كوميدية كما في «جواز بقرار جمهوري» أو رومانسية كما في «انت عمري»، ومؤخرا دخل منطقة الإثارة والتشويق عبر فيلمه «ويجا» الذي شارك في بطولته العديد من شباب السينما في مقدمتهم هاني سلامة، منة شلبي، هند صبري، شريف منير، والوجوه الجديدة دوللي شاهين، ومحمد الخلعي. «ويجا» لعبة تعرفها أكثر المجتمعات الغربية، وهي عبارة عن لوحة مكتوب عليها بالحروف الأبجدية والأرقام وبها قشاط، وعندما يقوم أحد بطرح سؤال علي الويجا يبدأ القشاط في التحرك ليجيب عن السؤال بالإشارة للحروف أو الأرقام، لذا يؤمن البعض أن روح الويجا هي التي تجيب عن أسئلته. وفي فيلمنا تفجر اللعبة كل الهواجس والأفكار الكامنة في العقل الباطن لأبطالنا، كل ما يدور داخل نفوسهم من تناقضات، وبالتالي تسقط الأقنعة وتتكشف الأمور وبالأخص حقيقة ما بينهم من علاقات، بوضوح وبمكاشفة، بعيدا عن الزيف والخداع الذي يلف تلك العلاقات، لذا يصبح منطقيا ما آلت إليه الأمور في نهاية المطاف، حيث وجدناهم جميعا في مواجهة حادة مع بعضهم البعض وقد تحولت اللعبة إلي واقع مرير وحقيقة مفجعة. نجح المخرج في الإمساك بأدواته الفنية، وأجاد اللعب بالكاميرا بأسلوب ممتع، كما برع في تفجير طاقات أبطاله الفنية، مكتشفا أبعادا جديدة في أغلب نجومه، ونجحت الموسيقي لتامر كروان في تأكيد الصراع الدائر بين الأبطال، وبرع المصور سمير بهذان في تقديم لوحات جميلة، وجاء التصوير من أفضل عناصر الفيلم بجانب التمثيل. أصدق الأحاسيس غير أن أكثر الشخصيات صدقا وتألقا وإحساسا كانت الفنانة منة شلبي التي أتقنت تقديم دور، مريم تلك الفتاة التي عشقت زميل الجامعة والذي استغلها جسديا وروحيا وماديا علي مدي سنوات طويلة، ثم تركها غير عابئ بكل ما قدمته له من حب، وتكتشف أيضا في نهاية الأحداث أنه كان علي علاقة بصديقتها خلال تلك الفترة التي ارتبط بها فيها. الفكر الحر كذلك ازداد الفنان هاني سلامة تألقا مع المخرج خالد يوسف، إذ يبدو أن الأخير يعرف جيدا كيف يفجر طاقاته الإبداعية، ففجر أفضل ما لديه من إمكانات مثلما فعل معه من قبل في فيلم «انت عمري»، وفي تقديري أن هاني سلامة بهذا الأداء يستحق أن يقف مع نجوم الصف الأول من حيث قدرته علي معايشة الشخصية بوعي وبفهم لأبعادها. كما جسدت الفنانة الجميلة هند صبري دور فريدة 00 المرأة المتحررة والمترددة أحيانا، التي تعشق الحياة المرفهة سواء من خلال اللعب أو الرقص بحساسية ودقة. لم يسر خالد يوسف علي نهج أستاذه في كتابة السيناريو لأفلامه فحسب بل ظهر تأثره واضحا في العديد من مشاهد فيلمه وتحديدا في الشخصية التي لعبها الفنان شريف منير في دور أدهم أستاذ الجامعة الذي وقع في حب تلميذته فريدة وتزوجها لكنه دائم الغيرة عليها، وقد أصيب بحالة من الهلع عندما أخبرته الويجا بأنه سيتحول إلي قاتل ومن ثم بدأت تطارده الهلاوس حتي سيطرت علي كيانه بالكامل. ورغم المشاهد القصيرة التي ظهرت فيها الفنانة الشابة بسمة إلا أنها ظلت في مخيلة المتفرج ترفرف كالفراشة حتي آخر الفيلم إثر المعايشة الصادقة والفهم الكامل لطبيعة دورها. أما الفنان الكبير يوسف شاهين فقد ظهر علي الشاشة لعدة دقائق متوهجة وكانت لمسة ذكية ووفية من التلميذ للأستاذ. الأهالي المصرية في 8 فبراير 2006 |
لعبة الخير والشر فى فيلمه الجديد خالد يوسف يلعب مع جمهوره الويجا فارس سعد مشهدان فى فيلم ويجا يعبران عن موضوع الفيلم ويلخصان فكرته، وليس المقصود بالطبع الاقتصار على رؤية هذين المشهدين فقط لفهم فيلم شديد التميز، ولكن الإشارة لهما تحديدا لأنهما يعبران بشكل مباشر عن الفكرة، وقد أتى كل من التفسير للفكرة والشرح للموضوع على لسان الشخصية التى أداها هانى سلامة خلال حواره مع مجموعة الأبطال الآخرين. يقول هانى سلامة فى المشهد الأول الذى أقصده لشريف منير تعليقا على اندهاشه بسبب حدوث أشياء لمجموعة الأصدقاء مطابقة لما أشارت إليه لعبة ويجا حينما مارسوها، إن ذلك يرجع إلى الرغبة الداخلية والأفكار المسيطرة على كل واحد منهم أثناء تحريكه لمؤشر اللعبة، فما حدث أن كل فرد اتجه للنتيجة التى تدور فى عقله فعلا، وليس مؤشر اللعبة هو الذى انطلق من تلقاء نفسه. هذا المشهد هو التفسير العلمى لما حدث من نتائج حين مارس الأصدقاء اللعبة، وهو نفس التفسير الذى يمكن تطبيقه على ما يحدث لهم فى حياتهم، بل وما يحدث لنا جميعا ونقوم به فى حياتنا هو تعبير عن معتقداتنا وأفكارنا وتوجهاتنا ورغباتنا، خاصة إذا نظرنا إلى الحياة الدنيا التى نحياها على أنها أيضا مجرد لعب ولهو، وهو الوصف الذى ورد فى الأديان السماوية للدنيا، وفى الأمثال والمعتقدات الشعبية، وهنا تصبح ويجا مجرد لعبة صغيرة، داخل لعبة الحياة الكبرى. يؤكد هذا الكلام داخل أحداث الفيلم، المشهد الثانى الذى أقصده عندما تأتى فى نهاية الفيلم، حينما يحتدم الصراع بين الأصدقاء ويصل إلى حد القتل، ويأتى أيضا على لسان هانى سلامة الذى يمثل نموذج التسامح والمحبة، فى مقابل نموذج الشر والكراهية الذى يمثله شريف منير، حيث يقول هانى لأصدقائه: لو أراد كل واحد منكم أن يبحث عن جوانب الشر فى الآخر فسوف يجدها، وإن أراد أن يبحث عن جوانب الخير فسوف يجدها، أنتم تجدون ما تفكرون فيه، فإن فكرتم فى الشر فسوف تجدون الشر ويقتل كل منكم الآخر، وإن فكرتم فى المحبة فسوف تجدونها، وتحبون بعضكما. هذه فكرة فيلم ويجا، وهذه سمات عدد من شخصياته، وهى فكرة إنسانية عميقة، لذلك فقد وفق خالد يوسف كمؤلف فى اختيار فكرة فيلمه، باعتبارها فكرة إنسانية مهمة، وشديدة العمق والتأثير فى حياتنا، كذلك كان شديد التوفيق عند اختياره لتلك اللعبة ويجا، وجعلها المحرك لأحداث الفيلم، التى تقع فى اللعبة الكبرى التى تسمى الدنيا. أما خالد كمخرج، فإن أفلامه السابقة التى قدمها كانت شاهدا له على ميلاد مخرج موهوب، لديه حس مرهف، وأفكار جيدة باستثناء فيلم جواز بقرار جمهورى بالإضافة بالطبع إلى تتلمذه على يد المخرج الكبير يوسف شاهين، الذى ظهر فى بعض مشاهد ويجا بشخصيته الحقيقية. فى فيلم ويجا هناك على مستوى الأماكن مشاهد تم تصويرها فى أماكن عديدة مختلفة داخلية وخارجية، وعلى المستوى النفسى هناك حالات نفسية حادة، وصراع مرير، وإثارة، استخدم خالد يوسف الكاميرا على مستوى الأماكن أو على المستوى النفسى استخداما جيدا، من خلال توظيفه لحركة الكاميرا، أو حجم اللقطة، وهو ما عبر بهما عن مضمون المشهد، وحقق حالة من التشويق، والمتعة امتدت بطول الفيلم. أما على مستوى الممثلين، فقد جاء حضور العنصر الرجالى أقوى من العنصر النسائي، ولكن ليس أفضل منه، ربما لطبيعة أحداث الفيلم باعتبارهم المحركين لها، وفى العنصر الرجالى برز شريف منير فى دور صعب، وفق فى أدائه بشكل جيد يحسب له، مؤكدا نضجه من دور لآخر، فقد أجاد فى تجسيد دور الشر حينما يستبد بالنفس الإنسانية، وأكثر مشاهده متعة تلك التى كان يحاور فيها نفسه. أما هانى سلامة فقد ساعدته ملامح وجهه البريئة فى التعاطف معه فى تلك الشخصية التى أداها وتدعو للمحبة والتسامح. اختيار خالد يوسف للممثلة دوللى لأداء الدور الذى لعبته كان موفقا، وجه دوللى رومانسي، بريء، وتتعاطف معها فى الشخصية التى أدتها فى الفيلم، ساعدتها مسحة الحزن فى صوتها، ووجهها، لذلك كانت قريبة من الشخصية، بالإضافة لكونها وجها لم يألفه بعد المشاهد، وبالنسبة لهند صبرى ومنة شلبى فقد أدت كل منهما دورا جيدا فى حدود الشخصيتين اللتين قامتا بتجسيدهما، ويأتى هذا الفيلم ليضيف فيلما جيدا آخر لرصيدهما، أما الفنان محمد الخلعى فلا يمكن الحكم المطمئن عليه من خلال هذا الدور، وإن كان لفت الأنظار إليه فى هذا الدور مؤكدا أن لديه حضورا قويا. العربي المصرية في 29 يناير 2006
أسد فى معركة ويجا ونعامة فى محنة الدانمارك شيخ الأزهر مهتم بمنة شلبى ويصف النبى بأنه شخص ميت! ماهر زهدي أقامت إحدى صحف الدنمارك مسابقة لتقديم رسوم كاريكاتيرية عن رسول المسلمين، وتقدم عدد كبير من الرسامين برسوماتهم التى لم تخل من إهانات كبيرة وبذاءات تجاوزت حد التطاول على النبى ص!! ومنذ عرض فيلم ويجا تأليف وإخراج خالد يوسف، فى موسم عيد الأضحى الماضي، وهناك مشكلة حقيقية أقامت الدنيا ولم تقعدها، بسبب مشهد فى الفيلم تقوم فيه إحدى بطلاته منة شلبى بارتداء الحجاب عندما تذهب لمقابلة رجل تزوجت منه عرفيا!! الواقعتان حدثتا خلال الأيام القليلة الماضية، وقد تصدى لهما الأزهر بكل رجاله وعلى رأسهم شيخ الأزهر نفسه، ودار الإفتاء بمفتى الديار الحالى والسابق، ليدلى كل منهم بدلوه فى هاتين القضيتين الشائكتين، وكانت المفارقة التى لا يمكن أن ترى عجبا مثلها. فى الواقعة الأولى راح رجال الأزهر يتقدمهم شيخ الأزهر ورجال الإفتاء فى مصر يستنكرون ويرفضون، مجرد رفض واستنكار على طريقة السياسيين المصريين والعرب، الإهانات التى تعرض لها النبى ص على صفحات الجريدة الدنماركية، بل وصل الأمر إلى أن تعامل فضيلة شيخ الأزهر مع الموضوع على اعتبار أنه مجرد إهانات عابرة اعتاد عليها الدين الإسلامى منذ وقت طويل من الدول الغربية فى أوروبا وأمريكا، لدرجة أنه عندما ذهب إليه سفير الدنمارك ليقدم اعتذارا رسميا للأزهر عما بدر من الصحيفة قال فضيلته بالحرف الواحد، وليته ما قال وكان أفضل له ولنا وللإسلام أن يسكت ويترك الرجل يعتذر ويمضي، حيث قال: ليس من المستحب أن تتم مهاجمة شخص ميت، فإن هذا يرفضه الله، وترفضه كل الديانات السماوية!! هكذا بكل بساطة تحول النبى ص إلى مجرد شخص ميت وحرام إهانة الميت، على طريقة: اذكروا محاسن موتاكم!! وهكذا كان رد فعل شيخ الأزهر فى موضوع إهانة سيدنا محمد أمام العالم كله، بغض النظر عن الاعتذار الرسمى المؤدب لسفير دولة الدنمارك لما بدر عن الصحيفة، ولكن المهم هو موقف المؤسسة الدينية فى مصر، وهذا الرد الضعيف الهزيل المتخاذل، الذى يؤكد أن الأزهر برئاسة مولانا الإمام الأكبر فضيلة الشيخ محمد سيد طنطاوي، أصبح مؤسسة سياسية وليس مؤسسة دينية، أو لنقل إنه طوال الوقت مؤسسة سياسية وعند اللزوم مؤسسة دينية!! وعند اللزوم هذا يظهر جليا فى موقف مثل الذى حدث مع فيلم ويجا ورد فعل المؤسسة نفسها، الذى جاء عنيفا جدا، وربما وصل إلى حد التطرف فى الحكم على الفيلم وصناعه، عندما وصف بعض رجال الدين من الأزهر يتقدمهم مفتى الديار السابق، الفيلم وصناعه بأنه خروج عن الدين، أو بمعنى أدق هو تكفير لمن أقدموا على هذا الفعل. الفيلم بطولة منة شلبى وهند صبرى وشريف منير وهانى سلامة، تأليف وإخراج خالد يوسف، ويدور حول فكرة لعبة ويجا وهى لعبة يقال إن أصلها فرعوني، وأن كلمة ويجا تعنى الحظ السعيد، وفكرة الفيلم لم تكن مطروحة فى السينما المصرية بهذا الطرح، وهى فكرة ماذا يمكن أن يفعل الإنسان إذا أتيحت له قراءة المستقبل، وذلك من خلال لعبة ويجا، وكيف يمكن له أن يساهم فى مقدراته بشكل أو بآخر، على اعتبار أنه مخير وليس مسيرا، والتفسير العلمى والمنطقى لما يحدث للإنسان بممارسة هذه اللعبة ويجا ومدى تأثير قراءة الغيب على الإنسان، حتى ولو لم يكن ما تتم قراءته صحيحا وأنها مجرد لعبة، أو أنها نوع من الدجل، غير أن هذه اللعبة يمكن أن تقود الإنسان إلى مصيره بشكل أو بآخر، كمن تقول له هذه اللعبة، أو غيرها ممن يقرأون المستقبل، إنك ستموت منتحرا، فتسيطر عليه هذه الفكرة، وتدفعه دواخله ومشاعره إلى هذا الاتجاه، للدرجة التى قد يقدم على الانتحار بالفعل، فهو مقدر له أن ينتحر، ولكنه قاد نفسه إلى هذا من خلال محاولته الاطلاع على المستقبل. الفيلم يحمل أبعادا وقضايا فلسفية مهمة، أهم كثيرا من مجرد مشهد الحجاب الذى تتستر خلفه بطلة الفيلم، وهى الأهم والأولى بالمناقشة، فلست مدافعا عن الفيلم أو مضمونه، وإذا ما كان جيد الصنع أم لا، فهذا أمر آخر، ولكن القضية التى تم تفجيرها لم تكن تستحق أن تكون بهذا الشكل، وأن يثار حولها كل هذه الضجة، وأن يتم اتهام الفيلم وصناعه بهذه الاتهامات، خاصة أن الموضوع لم يتخط كونه مجرد مشهد صغير فى فيلم سينمائي، لن يكون سببا فى هدم الدين الإسلامى وتراجعه، فالحجاب على إطلاقه ليس دليل عفة، وكثير من المشاهد التى نراها يوميا فى الشارع، وتنطوى على خروج أخلاقي، يكون من بين أبطالها محجبات، كما أن السفور ليس دليل فجور يا مولانا، فكثير من السافرات سيدات فضليات ومحترمات. والمؤكد أن هذا المشهد لن يكون سببا فى أن يكفر الشباب الذين سيشاهدونه، فالفيلم يناقش قضايا فلسفية واجتماعية موجودة فى المجتمع المصرى بالفعل، وكثير من المجتمعات العربية، وليست قاصرة على فئة بعينها، بمعنى أنها تحدث بين الفقراء والأغنياء على حد سواء، بين الأميين والمتعلمين، وليست هذه الازدواجية الوحيدة التى يعانى منها المجتمع المصرى أو العربي، فهناك العشرات، بل المئات من مشاكل الازدواجية الكامنة والراسخة فى المجتمع والتى تحولت بفعل الزمن والتجاهل إلى أمر واقع، والأمثلة عديدة ومتنوعة وموجودة على كل رصيف فى كل حى وشارع وحارة وفى كل بيت، فهناك عشرات المفاهيم الدينية الخاطئة التى يمارسها المثقف والجاهل على حد سواء، ولم يجدوا من يقول لهم هذا خطأ والصحيح هو كذا وكذا.. فقط لأن من هم المفترض فيهم أنهم منوطون بتصحيح وليس بتكفير هذه الأخطاء وهذه الازدواجية مشغولون بالسياسة وتصحيح ما يقوم به النظام من أخطاء قاتلة، وتجميل وجه الحكومة القبيح. العربي المصرية في 29 يناير 2006 |
نهايته تتشابه مع نهاية «عودة الابن الضال» «ويجا».. مذبحة للأصدقاء أم للسينما النظيفة؟! محمد ممدوح |