لعلها الصدفة وحدها التي جعلت فيلم المخرج الأمريكي الشهير ستيفن سبيلبيرغ الأخير ميونيخ يصل الي صالات العرض في لحظة تاريخية أقل ما توصف به أنها فاصلة، تشهد تقلبا سياسيا عاصفا علي جانبي الصراع العربي الاسرائيلي، يسدل الستار فيها علي حقبة في طريقها الي التلاشي، ويرتفع عن أخري بالمزيد من التقلبات. وأهم من ذلك التزامن الذي رتبه القدر، أن الفيلم الذي يتناول حادثة تاريخية لم يتلكأ كثيرا عند الخوض في تفاصيل ووقائع الحادثة المروعة وتسلسلها الزمني، كما هو المعتاد مع طرائق السرد البليدة التي تنتهجها مثل هذه الأفلام الوقائعية. بل إن سبيلبيرغ استلهم أهم ما في التاريخ وأعمقه، وهو العبرة المستقاة والتي لا يتأتي التوصل إليها إلا بتقادم الزمن عليها، وهو الجوهر الذي يمنح أي حادثة ـ او شخصية ـ تاريخية، تاريخيتها، أي ما يجعلها تبرز وتبقي وتستدعي من بين ركام الحوادث والشخصيات التي يطويها النسيان، في سلة مهملات التاريخ، مع الاعتذار عن العبارة المستهلكة. لهذه الاعتبارات، وليس من أجلها وحدها، نقول إن فيلم ميونيخ جدير بأن يشاهده الجميع، (ربما حتي قبل ان يفرغوا من قراءة هذا العرض.. إذا قرأوه)، فلسطينيين كانوا أم عربا، وقبل هؤلاء وأولئك أولاد عمومتنا اليهود. أيا كان موقع المشاهد من الصراع العربي ـ الاسرائيلي، هذا فيلم ممتع كعمل فني قائم بذاته، ولا نبالغ إن قلنا إنه من أفضل أفلام ستيفن سبيلبيرغ حتي الآن، وهو كمخرج تتجلي براعته الحرفية حين يتصدي لموضوعات واقعية، وليس بالضرورة حين يحلق في عوالم الخيال العلمي ويطلق العنان لألاعيبه الحاذقة في استخدام أحدث تقنيات المؤثرات المرئية والسمعية. ميونيخ دراما سياسية واقعية من الطراز الأول، صيغت في سيناريو محكم، شارك في كتابته إريك روث، والكاتب المسرحي توني كوشنر، (وهو صاحب سيناريو ملائكة في امريكا ، عن مسرحية له بنفس الاسم) جاء مترعا بالإثارة، يتوخي الدقة في تحري التفاصيل التي تصنع كل لقطة، ومدهش في خلق أجواء الحقبة التي شهدت احداثه الدموية في مطلع السبعينات. وهو فيلم عالمي بالمعني الحرفي للكلمة، تتسع رقعة أحداثه لتمتد من ميونيخ الي القدس مرورا بباريس وجنيف ولندن وروما ونيويورك وليس انتهاء ببيروت. أما اجتراح الفيلم الأكبر فهو سبره لجوهر الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، وتشريحه بمنطق درامي مكثف يبلور هذا الجوهر دون اختزال مخل، ويترك للمشاهد استكناه هذا الجوهر عبر تقاطع الخطوط الدرامية وتداعياتها علي مصائر الشخصيات. وأهم من ذلك كله أن فيلما يعالج موضوعا شائكا بفعل تقاطع العديد من المصالح والأيديولوجيات والعقائد الدينية المطلقة، وملحميا بفعل أبعاده التاريخية، وساخنا بفعل آنيته واحتدامه ومركزيته في شرق أوسط ملتهب اصلا، وفوق هذا وذاك فيلم مشحون وجدانيا لأنه يمس أوتارا مشدودة وعميقة في نفوس صانعيه بدءا من المخرج ومرورا بالممثلين يهودا وعربا، وليس انتهاء بقطاع عريض من المشاهدين الذين يتوجه إليهم، نقول إن فيلما محمل موضوعه بكل هذا الزخم الدرامي، لم يسقط في فخاخ المعالجات الفجة التي أتخمتنا بها هوليوود من تقسيم العالم الي أخيار وأشرار، خاصة تلك الأفلام التي امتطت موجة الحرب علي الارهاب وتنويعاتها التي لا تنضب. وليس الفيلم ميونيخ بعيدا بموضوعه عن الارهاب الذي يختلف تعريفه وفقا للموقع الذي يتخذه كل مشاهد من طرفي الصراع، بمثل ما أن كل طرف يجتهد في استخدامه لدمغ الآخر به من ناحية، ولاعتلاء صهوة التفوق الأخلاقي والحضاري من ناحية أخري، في ذات اللحظة التي يستخدم فيها ارهاب الطرف الآخر كذريعة للانتقام بأساليب لا تقل بشاعة أو وحشية. ولذا لم يكن مستغربا ان يتعرض فيلم سبيلبيرغ لانتقادات حادة تصل حد الادانة من بعض الأصوات اليهودية حتي أن البعض طالبوا بمقاطعته. وقد تجلي تميز الفيلم، من وجهة نظر كاتب هذه السطور، وقد شاهدته في نفس الفترة التي شاهدت فيها فيلمين آخرين، الأول فلسطيني بعنوان الجنة الآن Paradise Now يقدم معالجة باهتة ومفتعلة لجانب من الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، ومع ذلك حاز قدرا من الدعاية لا نعلم حتي الآن السر وراءها، وفيلم آخر بعنوان سيريانا Syriana أيضا نال قدرا من الثناء والدعاية لا يستحقهما. لكن هذا موضوع آخر نؤجل الحديث عنه لمقال منفصل. ميونيخ: لحظة تاريخية غير فاصلة ينطلق فيلم سبيلبيرغ من ذروة الحدث المأساوي لعملية ميونيخ المعروفة التي وقعت أثناء أوليمبياد عام 1972 في ألمانيا، لكنه لا يتوقف عنده كثيرا إذ بعد عرض سريع ومشحون باللحظات المرعبة بالأبيض والأسود ينتقل الفيلم إلي موضوعه الأساسي أي تداعيات الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بعد تلك العملية. لكن هذه اللحظات المرعبة ستظل أشبه بكابوس يطارد بطل الفيلم ضابط الموساد أفنر وهو الذي تابعها علي شاشات التليفزيون في منزله مع زوجته الحامل، مثل الملايين حول العالم. في منزل رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير (الممثلة لين كوهين)، يعقد اجتماع هام بحضور كبار جنرالات الجيش بمن فيهم مدير المخابرات يستدعي إليه أفنر الذي سبق وأن عمل في طاقم الحرس الخاص برئيسة الوزراء. تستحضر غولدا مائير خطاب الضحية التقليدي الذي ما فتئت إسرائيل تردده منذ نشأتها، وتندب حظ اليهود الذين يذبحون من جديد علي مرأي ومسمع من العالم أجمع، ولا أحد يحرك ساكنا، واين؟ في ألمانيا ذاتها، التي صنعت مأساة اليهود في القرن العشرين. استدعاء خطاب الضحية هذا ليس سوي المقدمة المنطقية إن جاز التعبير لتعلن غولدا مائير أن زمن اسرائيل الضحية قد ولي، علي ما في ذلك من مغالطات فادحة. لأن إسرائيل سارعت بالرد علي عملية ميونخ بقصف مخيمات اللاجئين في جنوب لبنان وقتلت ما لا يقل عن ستين شخصا بحساب الجنرال الاسرائيلي الذي قال إن القصف استهدف معسكرات تدريب الفدائيين، ونحو مئتين بحساب مسؤول في منظمة التحرير الفلسطينية. لكن الاجتماع مقدم هنا ليؤشر لبداية مرحلة جديدة في تعامل اسرائيل مع أولئك المهووسين أو من يسمونهم بالفلسطينيين، وهي تتساءل في استنكار: من هم هؤلاء الفلسطينيون؟! لا يمكن حتي التعرف عليهم او تحديد هويتهم؟ وتسأل أيضا المدعي العام إذا ما كان هناك تكييف قانوني ما يمكن اسرائيل من التعامل مع هؤلاء القتلة والرد عليهم بالمثل. المنطق الاسرائيلي الذي يستخلص من هذا المشهد هو أن ميونيخ أضحت نقطة فاصلة وأنه بات لإسرائيل منذ تلك اللحظة الحق في أن تتخذ ما يحلو لها للدفاع عن نفسها. إنه منطق يشبه الي حد ما ما أعلنته الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، التي استولدت استراتيجية الضربات الاستباقية وشن الحروب علي كل من ليس معنا، لأنه بالضرورة ضدنا. هذا المنطق الاسرائيلي الذي يجسده مشهد اجتماع الحكومة هو ما يتصدي الفيلم لتبيان فشله كخيار استراتيجي فضلا عن افلاسه السياسي وانحطاطه الأخلاقي ليس فقط بمعايير القانون والأعراف الدولية وبما فيها القانون الاسرائيلي ذاته، بل وأهم من ذلك في سقوطه بالمفهوم الأخلاقي اليهودي، وهو التأثير الأعمق الذي سيدمغ الشخصيات الرئيسية الضالعة في تنفيذ خطة الاغتيالات، وعلي حسب تعبير أحدها هذا مناقض لليهودية، نحن يهود وهو ما يعني أننا صالحون ومستقيمون . غضب الرب : أو الكيد المرتد غضب الرب أو العقاب الإلهي (The Wrath of God) هو الاسم الذي اختارته غولدا مائير وجنرالاتها للعملية التي كلف بها ضابط الموساد افنر ، وذلك سيرا علي النهج القويم الذي تتبعه اسرائيل في إسباغ صبغة دينية علي عملياتها العكسرية الانتقامية من خلال منحها أسماء ذات رنين توراتي (تذكرون عناقيد الغضب التي استهدفت جنوب لبنان). العملية باختصار تتلخص في تشكيل فرقة اغتيالات يقودها الضابط أفنر، يتم تزويده بقائمة من أحد عشر اسما فلسطينيا تجزم الموساد بأنهم كانوا وراء التخطيط لعملية ميونخ. الفريق يضم أربعة يهود جندوا من مجالات مختلفة في الحياة: ستيف (الممثل الصاعد دانيل كريغ، الذي سيلعب دور جيمس بوند الجديد خلفا للنجم الحالي بيرس بروزنان) وهو يهودي متعصب حد التطرف يتحرق لأن يلغ في الدم العربي ولا يأسي لدم يراق إلا إذا كان يهوديا، علي حد قوله، وقد جند لمهارته في قيادة السيارات في المواقف الحرجة التي تتطلب الفرار السريع من مسرح الجريمة. و روبرت (لعب دوره المخرج الفرنسي الشاب ماثيو كاسوفيتس) وهو اصلا صانع لعب ودمي جند ليكون صانع القنابل والمتفجرات التي تستخدم في عملية الاغتيالات. والثالث هو هانز (الممثل الألماني هانز زيخلر) وهو في الأصل تاجر تحف اثرية ومتخصص في تزوير المستندات التي يحتاجها أعضاء الفريق للتنقل في البلدان الأوروبية مثل جوازات السفر. والرابع هو كارل (الممثل كياران هندز) وهو ضابط سابق في الجيش يتميز برباطة الجأش حين يفقد الجميع أعصابهم، ومهمته التأكد من إتمام الاغتيال وتنظيف موقع الحدث من أية آثار قد يكون رفاقه قد تركوها. كل واحد من هؤلاء انتزع من عالمه الأثير أو تخلي عنه طواعية من أجل المهمة المقدسة التي يؤمن كل واحد منهم فيها بدرجة متفاوتة، لن تتكشف لنا مدي صلابتها إلا عبر العواقب والتداعيات المميتة لأفعالهم وتلطخ اياديهم بالدماء. وشيئا فشيئا يتبين لهم، ولنا نحن المشاهدين، أن غضب الرب لا يستثني أحدا من عباده، (وهو لا يفرق بالضرورة بين يهود ومسلمين، عربا واسرائيليين) وأنه سرعان ما يتجسد ككيد مرتد الي نحر صاحبه الذي أطلق السهم لأول مرة. فالدم لا يورث إلا الدم، والعنف لا يلد إلا عنفا. البطل أو الشخصية المحورية (فالبطولة وصف يعز استعماله هنا، رغم أنه يغدق بسخاء من الشخصيات الاسرائيلية علي أفنر )، يدخل الي الحلبة مثقلا بماض عائلي باهظ، تخلت عنه أمه صغيرا وتركته يكبر في إحدي معسكرات الكيبوتز بعد أن دخل أبوه السجن (لا نعلم لماذا؟ رغم أن رئيسة الوزراء تفتخر به وتصفه بالبطولة) وراحت الأم تبحث عن السلوي في أحضان الرجال الآخرين. زوجته الحامل تداعبه قائلة إنه اتخذ من اسرائيل أما له بعد أن تخلت عنه أمه الحقيقية، وذلك حين يرفض أن يخبرها عن طبيعة المهمة التي أوكلت إليه واقتضت منه أن يغادر البلاد لفترة طويلة. وحين يقول لزوجته إنه لم يكن له من وطن سواها، تسخر من استخدامه التعبير المستهلك. هذه التضاعيف الدقيقة في شخصية أفنر تشكل المادة الأولية التي ستتشكل منها معاناته مع نهاية الفيلم. فهو من جيل الصابرا الذين ولدوا في اسرائيل، لكنه كان يتيما بأكثر من معني، وقد كلف بمهمة لا يستطيع ان يواجه نفسه لو أنه تقاعس عنها، كما يقول هو، والأوامر تصله مباشرة من غولدا مائير التي تحنو عليه كأحد اطفالها وقد شب عن الطوق وتذكره بأنه يشبه أمه اكثر لا أباه. مهمته كما صورت له تتلخص في الدفاع عن اسرائيل (الوطن الأم)، ولكنه كي يدافع عن ذلك الوطن عليه ان يرحل عنه ويترك زوجته وجنينهما الذي يوشك ان يولد وحدهما. لكل هذا، وربما بسببه، فإنه لا يتوقف لحظة ليتساءل عن شرعية المهمة أو قانونيتها، ويقبل كجندي مطيع كل الأوامر التي تقضي باستقالته رسميا من الموساد واتخاذه اسما وشخصية مختلفة. بل إن قبوله شبه السريع ودون ان يتوجه بسؤال واحد الي كبار القادة يثير اعجاب ضابط الاتصال المكلف بالاشراف علي العملية أفرايم ، (الذي تألق في أدائه الممثل الأسترالي جيفري رش). لكن كل هذه الأسئلة ستعود لتطارده لاحقا حين يحين موعد دفع الثمن الباهظ لما ارتكبت يداه. لم يسأل أفنر ولا أي من أعضاء الفريق الأربعة عن فحوي الأدوار التي قام بها الأحد عشر فلسطينيا في عملية ميونيخ. ونحن نتابع عملية اصطيادهم واحدا واحدا، مع المعلومات عنهم ومراقبة تحركاتهم انتهاء بتصفيتهم. وكما تابعنا المشاهد الدموية لاختطاف الرياضيين الاسرائيليين الأحد عشر وقتلهم، نتابع العمليات ذاتها في تصفية الفلسطينيين. أول الضحايا يكون اسمه وائل زعيتر (الممثل مكرم خوري)، الذي رصدوه بعد الانتهاء من قراءة مقاطع من الترجمة الايطالية لألف ليلة وليلة التي أنجزها في إحدي ساحات روما، وبعد أن خابر ابنته هاتفيا في دمشق كما يفعل كل ليلة من هاتف في نفس متجر البقالة الذي ابتاع منه طعام عشائه. يفاجئه اثنان منهما أمام مصعد البناية التي يسكنها ويسألانه في إلحاح إن كان هو زعيتر ، ويطلقان النار عليه فيسقط مضرجا بدمائه التي اختلطت بالحليب المسكوب من زجاجة كان يحملها. هذه هي أول صيحات غضب الرب او انتقامه الإلهي إذا! بعد العملية الأول يجتمع فريق القتل ليحتفلوا، إلا أن ستيف المتعصب المتطرف (لا شك أنه رضع التعصب من موطنه في جنوب إفريقيا) يصر علي أنه لن يحتفل celebrate، بل سيبتهج rejoice ، مؤكدا علي الدلالة التوراتية للكلمة من خلال استحضار قصة دينية من العهد القديم، ويراقص زميلا له ابتهاجا، لا احتفالا. العين بالعين.. والسن بالسن العملية الثانية تستهدف محمود الهمشري (إيغال ناعور)، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في باريس، من خلال تفخيخ هاتف منزله بواسطة صانع القنابل/ اللعب روبرت الذي يدخل الي منزله كصحافي فرنسي لاجراء حوار معه حول عملية ميونيخ حيث يؤكد له الهمشري علي نحو لا يخلو من تهكم مبطن أن المنظمة أدانت العملية، في حين تتدخل زوجته صارخة حول صمت العالم المطبق حيال معاناة الفلسطينيين في المخيمات، ويذكره الهمشري بان اسرائيل قصفت مخيمات اللاجئين وقتلت مئتي فلسطيني بعيد ميونيخ مباشرة. كل هذا بالطبع لا يحرك ساكنا في الصحافي المزيف، الذي سينفذ العملية في غضون ساعات، بعد أن تأجلت في المرة الأولي بسبب عودة الطفلة ابنة الهمشري لتجلب شيئا من المنزل نسيته قبل ذهابها للمدرسة، فترد علي الهاتف بدلا من والدها مما اضطر فريق الاغتيالات لتأجيلها في اللحظة الأخيرة، وهو مشهد استعصي هضمه علي بعض المشاهدين العرب الذين يجدون صعوبة في تصديق أن ضباط المخابرات الاسرائيلية ستأخذهم الشفقة بطفلة فلسطينية بريئة، لكنهم في اللحظة التالية مباشرة يفجرون والدها بدم بارد في شقته، ليموت متأثرا بجراحه في المستشفي لاحقا. لم يحن بعد وقت طرح الأسئلة عن جدوي العمليات أو أخلاقيتها أو قانونيتها، رغم التداعيات المأساوية والتعقيدات الانسانية لكل عملية اغتيال، مثل تلك التي نفذت ضد كادر فلسطيني بارز يحظي بحراسة المخابرات السوفييتية وتم تفخيخ فراشه في الفندق الذي ينزل فيه في ألمانيا، وكادت أن تودي بحياة زوجين اسرائيليين يقضيان شهر العسل في الغرفة المجاورة بالفندق، بل وأوشكت أن تقتل أفنر نفسه الذي حجز الغرفة المجاورة ليعطي اشارة التفجير بمجرد التأكد من نوم الفلسطيني في فراشه. ويتضح ان نوع المتفجرات التي استخدمت كان غير ذلك الذي طلبه صانع القنابل، فتحوم الشبهات حول لوي الوسيط الفرنسي الذي يتولي تزويد أفنر بالمعلومات عن الاسماء التي تضمها القائمة الفلسطينية مقابل ستين الف دولار لكل اسم. بعد تبدد الشكوك يزوده لوي بثلاثة اسماء أخري: كمال عدوان، وكمال ناصر، وأبو يوسف، وجميعهم في بيروت. ويثور جدل حاد بين الفريق وبين ضابط الاتصالات أفرايم الذي يرفض تماما ذهابهم الي بيروت لأن مهمتهم تقتصر علي أوروبا الغربية والعمليات في البلدان العربية من اختصاص الجيش فقط، وبعد إلحاح يوافق علي مشاركة بعضهم في العملية مع فريق من القوات الخاصة، وهي العملية التي شارك فيها إيهود باراك، رئيس الوزراء الاسرائيلي فيما بعد وقد تنكر في زيّ امرأة. وفي جلسة عشاء يراجع فريق الاغتيالات كشف حساب ما أنجزوه حتي الآن، دون أن يغيب عنهم التكلفة المادية النهائية لكل عملية (في تقليد يهودي اصيل). تخيم علي هانز (تاجر الأثريات/ مزور المستندات) سحابة اكتئاب وقد اغرق في الشراب وامتنع عن الأكل وهو يعدد ما أنجزوه فيذكرهم أنهم وإن كانوا قتلوا ثلاثة أسماء حتي الآن علي القائمة، فقد قامت منظمة ايلول الأسود بارسال طرود مفخخة الي نحو ثلاث عشرة سفارة اسرائيلية حول العالم، وتم اغتيال الملحق العسكري الاسرائيلي في واشنطن، وتم اختطاف عدة طائرات فضلا عن أرواح الضحايا التي سقطت في هذه العمليات. يرد أفنر بأن هذا يعني أن ايلول الأسود بدأت تتحاور معهم بنفس اللغة، فيما يري ستيف أن هذا ليس وقت طرح الأسئلة، المهم القتل أولا ثم الأسئلة لاحقا. و هانز يرد علي قول أفنر بأنه يبدو دائما مترددا فيقول متهكما لقد ولدتني أمي مترددا . ويحكي له عن زميل عرفه في الجيش بلغ به الرعب من انتقام ضحاياه منه أنه لم يعد ينام إلا في ارضية خزانة ملابسه. وقبل نهاية الفيلم سيكون هذا بالضبط مصير أفنر بعد أن قتل روبرت اثناء تركيبه إحدي القنابل (وهو مصير تقليدي متوقع لكل صناع القنابل كما يخبره الفرنسي لوي ) أما هانز مزور المستندات الذي كان أول من أنصت للشكوك التي راحت تنهشه، فقد عثر عليه مقتولا بطعنة خنجر علي شاطئ البحر. وقتل كارل علي يد قاتلة محترفة هولندية تقمصت دور حسناء وحيدة تبحث عن رجل يشبع ظمأها في أحد فنادق لندن، بعد أن حاولت نصب شباكها حول أفنر نفسه، وقد كانت مأجورة لصالح طرف ثالث بلا جدال، كما يشرح له لوي قائلا ان عملياته قد أغضبت الكثيرين ولا شك أن كل واحد من هؤلاء يسعي للقصاص منه، ولا يستثني من ذلك المخابرات السوفيتية التي كانت تتولي حماية بعض الشخصيات الفلسطنيية، وفقدت أحد رجالها في إحدي عمليات فريق الاغتيال الاسرائيلي. ويصمم الفريق علي الاقتصاص من المرأة الهولندية ويسافرون لتصفيتها بعد ان زودهم لوي بالمعلومات عنها، وتظل الطريقة البشعة التي قتلت بها بعد أن تعمد هانز تركها عارية في النزع الأخير، تظل صورتها تلاحقه حتي يعثر عليه مقتولا. وفي لندن أيضا تفشل عملية لملاحقة علي حسن سلامة ، أحد ابرز القيادات الفلسطينية، بفضل تدخل بعض السكاري تبين فيما بعد أنهم من رجال السي آي إيه، التي تتكفل بحماية سلامة في مقابل عدم استهداف أيلول الأسود للرعايا الأمريكيين. كم يكلف الوطن غاليا؟ طوال الشطر الأعظم من الفيلم تتواصل حرب الاغتيالات والعمليات السرية هذه بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي دون أن يلتقي الطرفان وجها لوجه أمام أعين المشاهدين. تحين لحظة المواجهة هذه في واحد من أهم مشاهد الفيلم دلالة واحتشادا بالمعني. حين يسافر فريق الاغتيالات الي اثينا لاصطياد كادر فلسطيني بارز لم يكن علي القائمة الأصلية، لكن لوي يخبر افنر أن زياد موتشاسي حل محل احد الذين تمت تصفيتهم. وكالمعتاد يوفر لهم لوي مستلزمات العملية ومن بينها منزل آمن في العاصمة اليونانية، وحين يصلون الي الشقة ويتربصون بها، تصل مجموعة الفلسطينيين الي الشقة ذاتها (وهو ما يثير السؤال من جديد حول حقيقة الدور المزودج الذي يلعبه لوي وزعيمه المافياوي أو بابا الذي يشرح لـ أفنر أنه لا يدين بأيديولوجية بعينها ولا يعمل لصالح اية حكومة بعينها). ويشهر الفريقان السلاح في وجه بعضهم البعض، وبعد مواجهة متوترة وقصيرة يزعم الفريق الاسرائيلي أنهم ممثلون لمنظمات ثورية مثل إيتا الاسبانية، و العمل المباشر الفرنسية، و إيه إن سي الجنوب إفريقية، وينزع فتيل المواجهة مؤقتا، في تلك الشقة الخربة المهجورة أو منزل آمن كما يقول أحدهما. فأي منزل آمن هذا الذي اجتمع فيه ممثلو كل المنظمات الثورية آنذاك؟! حتي تلك اللحظات القصيرة التي تجمعهم في المنزل الآمن لا تخلو من تحدي حين يصر ستيف الجنوب إفريقي علي تحويل المذياع عن محطة الموسيقي العربية التي اختارها خصمه الفلسطيني. علي سلم المنزل في ليل اثينا الحار يدور حوار مثير بين افنر و علي الفلسطيني الشاب، (عمر متولي)، لا يستطيع الأول ان يخفي حقيقة آرائه ويقول للفلسطيني أنه يحلم ومن المستحيل أن يلغي دولة قائمة من الوجود، ويرد علي متعجبا من أنه يتكلم كمتعاطف مع اليهود، ويخبره أن اليهود انتظروا أكثر من الفي عام ليكون لهم وطن، ولن يضير الفلسطينيين أن ينتظروا مئة عام أخري. ويتساءل أفنر متهكما هل هذا المنزل القديم المتهالك وشجرة الزيتون هو ما يحلم به فعلا لنفسه ولأولاده في المستقبل؟ ، فيؤكد له علي : قطعا، إن الوطن هو كل شيء ولا شيء سواه . هذه اللحظات القصيرة من المواجهة الأخيرة بين الجلاد والضحية قبيل دقائق من وقوع المجزرة البشعة، تتجلي كلحظة كشف مضيئة وعميقة علي بساطتها تلخص جوهر الصراع ومأساويته في آن. وهي تراكم تدريجيا إدراك الشخصيات المتنامي لعبثية الصراع حتي وإن واصلوا المضي في الطريق ذاتها التي لا يزيدهم المضي عليها سوي احساسا بالخواء وعبثية الحلقة الجهنمية من القتل والانتقام. حين تفشل محاولة ثانية لاغتيال علي حسن سلامة علي شاطئ مربيا في إسبانيا، ينصح لوي افنر بأن يقلع عن المضي في طريقه، وقد سقط ثلاثة من رفاقه حتي الآن، وصار نهبا للهواجس والهذيانات يري في كل سيارة وكل شخص شبحا يطارده او يتربص له بقنبلة، ويصل به الأمر الي النوم في أرضية خزانة الملابس وقد انتقل للعيش مع زوجته في نيويورك والكوابيس المرعبة تطارده في صحوه ومنامه. وبعد زيارة قصيرة لاسرائيل يلتقيه قائده الجنرال ليشكره علي ما أبلاه ويعانقه مبتسما أن هذا كل ما سيناله فلا أنواط شرف ولا ميداليات ليعلقها علي صدره. وفي حوار مع افرايم يطرح عليه الأسئلة التي لم يشأ ان يطرحها يوم قبل المهمة، لماذا لم تتم محاكمة هؤلاء إذا كانوا فعلا وراء ميونيخ، كما تمت محاكمة إيخمان مثلا؟، لكن أفرايم يصم أذنيه، ويفاجئه قائلا إنهم حتي لو لم يكونوا مسؤولين عن ميونيخ فقد كانوا وراء عمليات أخري لكنه لا يقدم له أي دليل، ويصر علي أن يضع المسألة في معادلة مطلقة قائلا هؤلاء الأشخاص إن عاشوا تمت إسرائيل وإن ماتوا تعش اسرائيل . وفي لقائهما الأخير في نيويورك يستحثه علي العودة الي اسرائيل ويخبره أن القائمة التي قام بتنفيذها ليست سوي واحدة من عدة قوائم وهي جزء من عملية أكبر شاركت فيها فرق اغتيالات أخري. يرفض افنر العودة الي إسرائيل، ويخبره أنه ما من سلام في نهاية ذلك النفق المظلم، وبدوره يرفض افرايم دعوته ليقتسم الخبز معه وفقا للتقليد اليهودي، ويتهمه بأنه يدير ظهره للبلد الذي ولد فيه. وهو في الحقيقة قد فقد سلامه ووئامه النفسي وصار نهبا لخواء موحش يفترس روحه ويقض مضجعه ليل نهار. ناقد من مصر يقيم في واشنطن القدس العربي في 18 يناير 2006
فيلمه «ميونيخ» يحاكم العنف المستشري في الشرق الأوسط...
محمد موسى انطلقت يوم 26 من شهر كانون الثاني (يناير) العروض الأوروبية لفيلم ستيفن سبيلبرغ الجديد «ميونيخ» الذي ينطلق من العملية الفلسطينية الشهيرة التي نظمها التنظيم الفلسطيني المعروف آنذاك «أيلول الاسود» داخل القرية الأولمبية في ميونيخ عام 1972 باحتجاز 11 من الرياضيين الأسرائيليين أدى في النهاية الى قتلهم جميعاً مع محتجزيهم الفلسطينيين. تبدو مفارقة لافتة ان يصادف توقيت العروض الاولى للفيلم مع الانتخابات الفلسطينية الأخيرة والفوز الكبير للحركة الأسلامية المتشددة «حماس»، المفارقة أن فيلم سبيلبرغ هو وجهة نظر واضحة وحادة ضد العنف الفلسطيني - الاسرائيلي، العنف الذي يأمل المخرج ان ينتهي خلال سنوات حياته الباقية وكما قال بنفسه عن دوافعه لعمل فيلم مثل «ميونيخ». فوز «حماس» الشعبي والسياسي الذي غطى كثيراً على الجدل الدائر حول الفيلم لا يوحي أبداً بأي بشارة لتوقف العنف او أنحساره، «حماس» لا تعترف في أدبياتها بالدولة الاسرائيلية ولا بالسلام مع دولة تراها غير شرعية . واسرائيل بدورها تعتبر «حماس» منظمة أرهابية وتخوض منذ زمن حرباً عنيفة معها هي التي قتلت دون تردد وبعنف حاد الشيخ أحمد ياسين الزعيم الروحي للمنظمة وخلفه الرنتيسي ومئات من أعضاء المنظمة، المنظمة التي يبدو ان عليها ان تدير خلال أسابيع أمور أكثر من 3 ملايين فلسطيني داخل فلسطين! فاذا بدا أفق السلام بعيداً ومشوشاً، والعنف محركاً للجماعات في الشرق الاوسط، ما الذي يبقى من فيلم سبيلبرغ اذن؟ نخشى ان الباقي ليس مهماً جداً لكنه يستحق التوقف وبعض الاشادة. مهما يكن ليس توقيت الفيلم وظروف الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الراهنة، هي التي أضعفت الفيلم ورسالتة السلمية، بنية الفيلم نفسه ومرجعياتة التاريخية الخاطئة وغير الدقيقة أفقدته الكثير من قوتة ومصداقيتة . على رغم من أن قصة الفيلم حقيقية والحادثة شهيرة جداً والشخصيات فلسطينية وإسرائيلية مازال قسم منها موجوداً، الا ان المخرج سبيلبرغ أختار أستخدام كتاب لمؤلف كندي لأحداث وشخصيات فيلمه. نواقص الكتاب هو «انتقام» للمؤلف الكندي جورج جوناس الذي يحكي قصة عملية ميونيخ وعمليات الاغتيال التي تلتها والتي نفذها جهاز المخابرات الاسرائيلي الموساد لكل قادة العملية الفلسطينيين الروحيين والفعليين. هذا الكتاب اعتمد عليه المخرج سبيلبرغ وهو كتاب خيالي يسرد بأثارة عالية قصص الانتقام الموسادي التي نعرف نهاياتها لكننا بالتأكيد لا نعرف تفاصيلها وظروف الأعداد لها. نعرف ان الموساد قتل أكثر من عشرة قياديين فلسطينيين من المخططين لعملية ميونيخ وعشرات غيرهم صادف وجودهم في أوقات وأمكنة الاغتيالات. لكننا لا نعرف كيف جرت تلك الاغتيالات وفي أي ظروف، الفيلم يتبع الكتاب فيسطر أحداثاً وهمية قد تصلح مع موضوع أقل شائكية من موضوع الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، الفيلم تحول أحياناً في مسعاه الى سارد لأحداث عنف مثيرة بدت قريبة الى أفلام المافيات او جيمس بوند منها الى الصراع الأعقد في العالم. شخصيات فريق الاغتيالات والذي أختارت رئيسة الوزراء غولدا مائير أعضاءه بدت مسطحة وغير قابلة للتصديق ولا تستطيع الحصول على التعاطف الذي سعت اليه أحياناً. أجتهد الفيلم لإظهار صراع نفسي متصاعد بين أفراد الفريق الاسرائيلي الذي كلف بإغتيال القادة الفلسطينيين ، الصراع النفسي بين أفراد المجموعة والذي كان يتعاظم مع كل تعقيدات وقسوة عمليات الأغتيال، وشكوكهم بجدوى وقانونية ما يفعلون بقيت داخل الشاشة بعيداً ومعزولة. امامنا في نهاية الامر تردد فريق الاغتيالات الاسرائيلي وشكوكه الوجودية لكننا لسنا متأكدين منه، كل المشاهد العاطفية المرتبكة الزائدة عن حرص الفريق بأن لا يصاب عوائل الفلسطينيين بأذى بدا شيئاً غير مقنع وزائداً، نعرف ان العشرات من الأبرياء قتلوا مع من قتل من القادة الفلسطينيين كما نعرف ان بعض الأجانب قتل أيضاً في دوامة العنف تلك، الفيلم لم يذكر مثلاً السيدة النروجية التي قتلت خطأ في أحد المقاهي الاوروبية أثناء واحدة من عمليات الاغتيال التي نفذها الموساد. بدا الفيلم في معظمه يخاطب جمهوراً غير مهتم بحوادث بدت انها حدثت منذ مئات السنين وليس قبل 30 سنة ومازال معظم شهودها أحياء. لا أعتقد ان الجمهور العربي سيخرج راضياً عن الفيلم (هذا اذا تم عرضه في الدول العربية) ولا أظن ان الفيلم أرضى الجمهور الاسرائيلي (هناك أعتراضات واسعة على الفيلم في أسرائيل) ، ليست مسؤولية المخرج بالطبع خلق فيلم يرضى عنه الجميع خصوصاً أذا تم تناول قضايا شائكة كقضية الصراع العربي الفلسطيني. لكن المخرج نجح في أغضاب حتى الجمهور الغربي المحايد والمثقف البعيد جغرافياً وعاطفياً عن موضوع الفيلم وقسوة العنف فيه بسبب غياب الحقيقة التاريخية في الفيلم وأحادية وتكرارية شخصيات فريق الاغتيالات الأسرائيلي. لكنها في المقابل قد تكون هذه المرة الأولى التي تكون صورة الفلسطيني بهذا الوضوح والأنكسار في فيلم من أنتاج هوليوود، هوليوود لم تقارب الصراع الاسرائيلي الفلسطيني والعربي بهذه الجرأة والتجديد من قبل، قد تكون لدى كثر اعتراضات على الفيلم حتى قبل مشاهدتة، أعتراضات على المخرج أو على هوليوود نفسها لكن الفيلم يقطع طريقاً لم يسلك من قبل بجرأة غير مسبوقة. يبدأ الفيلم بالمجموعة الفلسطينية التي تتسلل الى القرية الأولمبية من أجل هدف واضح واحد سوف يهز العالم ، المجموعة والتي كانت جزءاً من حركات سياسية فلسطينية بدأت بتنفيذ عمليات خطيرة ومتهورة من أجل لفت أنتباه العالم الى القضية الفلسطينية سوف تحتجز الفريق الأسرائيلي الرياضي بأكمله قبل أيام من بدء الالعاب الرياضية الأولمبية في ميونيخ. لا تمر عملية الأحتجاز بدون مقاومة عنيفة من الرياضيين الاسرائيليين، مشاهد العنف الأولى بين المجموعة الفلسطينية والرياضيين الاسرائليين مميزة ببشاعتها وأنغلاقها وتوحي بسعي صادق للمخرج وفريق عمله الى فيلم حيادي انساني يسعى الى تحليل ظاهرة العنف الشرق الاوسطي، طبعاً لن نستطيع أن نعرف ابداً اذا كان العنف خياراً للمجموعة الفلسطينية المسلحة ام انه رد فعل لمقاومة غير متوقعة من الرياضيين الاسرائيليين. شبان وسيمون فلسطينيو ( سبيلبرغ) هم شباب عرب عاديون بل يميلون الى الوسامة غاضبون ومتحمسون وأبناء فترة زمنية سياسية وإجتماعية معقدة جداً، غابت تلك الصورة النمطية الحازمة البشعة المتشنجة للعربي في الفيلم الهوليوودي من فيلم سبيلبرغ وحلت صورة تبدو متجانسة مع ذاك الزمان والمكان. فيلم سبيلبرغ يسلط الضوء على قصة الانتقام الاسرائيلي من المجموعة الفلسطينية التي خططت لعملية ميونيخ بعيون أسرائيلية لكن مشاهد العرب القليلة فيه مميزة والشخصيات العربية أتت بأبعاد متعددة وغنية وحية (قبل بدء عروض الفيلم عرض التلفزيون الهولندي برنامجاً مع القيادي الفلسطيني الوحيد الناجي من عمليات الاغتيال والذي يعيش في أحد البلدان العربية الآن ، هذا الفلسطيني تحدث بلغة جامدة عن الرياضيين الاسرائيليين هدف العملية آنذاك وكيف انهم خدموا قبل ذلك الوقت مع الجيش الاسرائيلي ، لغة شخصيات الفيلم الهوليوودي كانت أنضج بكثير من لغة الناجي الوحيد!). هناك مشاهد مؤثرة وحوارات قصيرة بين الفلسطينيين في الفيلم تكاد تكون معبرة عن الخطاب الفلسطيني السياسي والشعبي في الماضي وبعض الحاضر، هناك مشهد للسيد الفلسطيني المثقف وزوجته الغاضبة من العنف الاسرائيلي في فلسطين وتبريرها لعملية ميونيخ، كذلك المشهد المهم لعلي وهو شاب فلسطيني كان يحرس أحد قيادات أيلول الأسود وها هو يحاور الآن رئيس فرقة الاغتيالات الاسرائيلية، للأسف لم تترجم تلك الحوارات في صالات العرض الهولندية ولا نعرف اذا كان تأثيرها في الآخرين يشابه تأثيرها في العرب!، على رغم ذلك فإن الصحافة الهولندية شكت من أنحياز الفيلم الى اسرائيل واشتكت مجدداً من الصورة العربية الهزيلة فيه! مرة أخرى خطا المخرج سبيلبرغ مجدداً خطوة يصعب على الآخرين تخطيها، أنجاز مشروع كهذا بكل الأخطاء والهفوات ربما يكون بداية لتعامل جدي لهوليوود مع الفلسطينيين والقضايا العربية في شكل عام. وسبيلبرغ لم يعد يحتاج الى تعريف فالمخرج صاحب الأفلام التجارية الناجحة يصر على التنويع واختيار مواضيع متجددة، سبيلبرغ يصر على تقديم شهادات وأفكار ذات معنى أنساني كبير، فيلمه الحميم «صالة الانتظار» (2004) مثلاً هو وقفة شجاعة ضد مشاعر العداء للأجانب بعد أحداث 11 سبتمبر في أميركا، أفلام سبيلبرغ تعج بشخصيات غريبة قادمة من أمكنة بعيدة لكنها في الغالب تكون مملوءة بالحب للآخرين. فيلم «ميونيخ» لا يحتوي على الكثير من الحب ولا ينتهي نهاية عاطفية كحال الكثير من افلام سبيلبرغ ومع هذا تبقى الأبواب مفتوحة ما دامت القضايا لم تحل بعدالة. المخرج سبيلبرغ تحدث لجريدة هولندية عن أمنيته بأن يشاهد فيلمه الشباب الفلسطيني والأسرائيلي معاً وربما ليشاهدوا ان العنف لا يجلب الا عنفاً أقوى وأن لا نهاية لدورة الموت والكره الا بالاعتراف بالآخر واحترامه! الحياة اللبنانية في 10 فبراير 2006 |
ماجدة خير الله تكتب عن «ميونخ»: «جولدا مائير» وأشباح الموساد ومنظمة أيلول الأسود الفلسطينية في فيلم يعيد للذاكرة مذبحة الإسرائيليين في دورة ميونخ الأوليمبية * ضاعت فرصة الجولدن جلوب عن الفيلم.. فهل يحصل علي الأوسكار؟! قبل أن تنقضي آخر أيام عام 2005 فجر المخرج «ستيفين سبيلبيرج» قنبلته السينمائية «ميونخ» الذي أحدث حالة هائلة من الجدل حتي بين الجهات التي لم يسنح لها مشاهدته حتي الآن.. الفيلم يعيد للذاكرة ما جري أثناء الدورة الأوليمبية التي أقيمت في ميونخ عام 1972.. حيث قام فريق من منظمة أيلول الأسود الإرهابية بالتسلل داخل القرية الأوليمبية والوصول إلي مكان مبيت أعضاء الفريق الإسرائيلي المشارك في الدورة وقام بقتل اثنين من بين أحد عشر فردا ثم أخذ التسعة الآخرين رهينة.. وقبل أن تتم المباحثات بين أفراد المنظمة الإرهابية الفلسطينية وجهات الأمن في ألمانيا تم قتل بقية الرهائن.. تلك كانت الوقائع المعلنة التي طواها النسيان طوال أكثر من ثلاثين عاما قبل أن يعيدها «سبيلبيرج» للذاكرة ويجعلها مادة للمناقشة بين طرفي الصراع العربي ـ الإسرائيلي.. اعتمد «سبيلبيرج» في الحصول علي المادة التاريخية لفيلمه علي كتاب وضعه جوج جوناس باسم «الانتقام» يحكي عن رد فعل الحادث علي الجانب الإسرائيلي.. حيث عقدت جولدا مائير العزم علي الانتقام بأن طالبت الموساد بالعمل علي تكوين فريق لتصفية بعض الشخصيات الفلسطينية التي تدور حولها شبهة التورط في الحادث أو حتي التحريض عليه.. وقام هذا الفريق الجهنمي باغتيال إحدي عشرة شخصية فلسطينية ما بين روما وباريس وأمريكا خلال عدة أعوام.. قام بكتابة سيناريو الفيلم كل من «إريك روث» و«توني كاشنر» الذي سبق له كتابة فيلم «فورست جامب».. فيلم «ميونخ» عن خمسة من عملاء الموساد الذين قاموا بتنفيذ عملية الانتقام!! وميزة الفيلم أنه يسمح بحوار أو مناقشة عقلانية حول فكرة الانتقام أو العنف والعنف المضاد بين الفريقين العربي والإسرائيلي.. وجاء علي لسان أحد شخصيات الفيلم «أفنر» ويلعب دوره النجم الاسترالي «إيك بانا» وهو قائد المجموعة الإرهابية الانتقامية: ما جدوي ما نصنعه؟ إننا جميعا يقصد «الفلسطينيين والإسرائيليين» نغرق في بركة من دمائنا!! وما يعيب الفيلم من وجهة نظر بعض النقاد المتشددين والمنحازين للجانب الإسرائيلي أنه يظهر بعض التعاطف تجاه الفلسطينيين!! «ستيفين سبيلبيرج» مخرج متعصب، هذا موضوع لا يقبل المناقشة، فالرجل مثل غيره من المبدعين يدافع دائما عن فكرة يؤمن بها، وهو يهودي يؤمن بحق إسرائيل في الحياة والوجود! ولا نستطيع أن نلومه علي تفكيره ولا نطالبه بتبني وجهات نظرنا في القضية الفلسطينية.. وقبل أن نسارع كالعادة بالهجوم عليه.. لماذا لا نلعن مبدعينا ونهاجمهم، لأنهم طوال أكثر من نصف قرن من الزمان لم ينجح أحدهم في تقديم أعمال سينمائية محترمة تقدم القضية من وجهة نظرنا أو كما نحب أن يفهمها العالم.. إن الأثرياء العرب «أصحاب المليارات» فضلوا بناء القصور وإنشاء القنوات الفضائية التي تساهم في تغييب الوعي العربي من خلال برامج شديدة السطحية.. والتفاهة ولم يفكر أحد منهم في إنتاج فيلم سينمائي نشرح من خلاله قضيتنا للعالم.. إننا نكتفي بلعنة الآخرين إذا أخلصوا لما يؤمنون به.. دون أن يحرك أي منا ساكنا أو يبذل جهدا لإلقاء الضوء علي ما يؤمن به.. إننا نفضل الإيمان السلبي الذي لا يكلف مالا ولا جهدا ولا حتي تفكيرا.. هل كنا نتوقع أن ينفق «سبيلبيرج» أو غيره من صناع السينما الأمريكية ملايين الدولارات لمناصرة قضايانا؟ ومع ذلك فإن «سبيلبيرج» يتعرض لحملة عداء من البعض.. لأنه لم يكن منحازا للجانب الإسرائيلي بالقدر الكافي.. وسمح ببعض لحظات التعاطف.. بل إنه ولأول مرة يناقش هل كانت إسرائيل محقة فيما صنعته أم لا؟ إن صورة أفيش الفيلم يظهر فيها شخصية البطل «أفنر» ومسدسه يتدلي من يده ورأسه متجه إلي الأرض وكأنه مثقل بالهموم والإحساس بتأنيب الضمير لما اقترفه هو وفريق الاغتيالات في حق بعض الفلسطينيين الأبرياء.. مجرد الأفيش فيه شبهة التعاطف مع الجانب الفلسطيني.. وهذا ما يعرض «سبيلبيرج» لفقد جائزة الجولدن جلوب المرشح لها كأفضل مخرج!! رغم أن «سبيلبيرج» ينهي فيلمه فوق جسر بروكلين وفي خلفية الكادر يظهر برجا مركز التجارة العالمي اللذان تعرضا للنسف بعد حادث ميونخ بسنوات طويلة.. وكأنه يوجه رسالة للعالم مؤداها أن استمرار حالة العنف بين الفريقين سوف تمتد نتائجه لكل أطراف العالم.. بما فيها أمريكا!! طبعا استعان «سبيلبيرج» بالجرافيك لإعادة خلق البرجين ووضعهما مع اثنين من أبطال الفيلم في كادر واحد. كتب ناقد الـ«نيويورك تايمز» أن فيلم «ميونخ» يعتبر أكثر أفلام «سبيلبيرج» عنفا ودموية.. وهو لا يقارن بما قدمه في «إنقاذ العريف ريان» ولا «قائمة شندلر».. ولذلك تم تصنيفه لمن هم أكبر من سبعة عشر عاما.. ومن الناحية الحرفية فهو من أكثر الأفلام متعة وتشويقا لو اعتبرناه من أفلام الجريمة واستبعدنا وجهة النظر السياسية.. واضح أن ناقد الـ«نيويورك تايمز» يبدي إعجابه بالفيلم من تحت الضرس.. وعموما فالفيلم رغم عرضه في 23 ديسمبر يعني منذ أكثر من شهر.. إلا أنه لم يدخل ضمن قائمة العشر أفلام الأكثر تحقيقا للإيرادات في أمريكا. يشارك في بطولة الفيلم «إيريك بانا» الذي سبق وأن شاهدناه في فيلم «طروادة».. و«دانييل كريج» الذي تم اختياره لأداء شخصية «جيمس بوند» بعد انسحاب «بروس بروسنين» و«جوفيري راش» الذي يؤدي شخصية «أفرايم» العقل المدبر لعملية الانتقام التي قام بها فريق من أعضاء الموساد الإسرائيلي.. أما شخصية «جولدا مائير» فأدتها الممثلة اليهودية «لين كوهين». جاءت نتائج الجولدن جلوب التي تم الإعلان عنها منذ قرابة أسبوعين مخيبة لآمال المخرج «ستيفين سبيلبيرج».. ولم يحصل فيلمه علي أية جوائز.. ولكن يتجدد الأمل مرة أخري الليلة 31 يناير 2006 حيث تعلن أكاديمية فنون وعلوم السينما ترشيحات الأوسكار.. وبالطبع يعلق «سبيلبيرج» آمالا عريضة علي وجود فيلمه بين الأفلام الخمسة المرشحة لجائزة أفضل فيلم.. بالإضافة لترشيحه هو شخصيا لجائزة أفضل مخرج.. يقال إن جوائز الجولدن جلوب تتوافق بنسبة كبيرة كل عام مع جوائز الأوسكار.. وإذا صح هذا التوقع فإن «ميونخ» سوف يخرج أيضا من الأوسكار صفر اليدين.. فـ «سبيلبيرج» ليس من بين المخرجين الذين يسعدهم شرف الترشيح لـ«الأوسكار» فقط!! ولكنه لا يرضي إلا أن يحتضن تمثال الأوسكار بين يديه.. ليؤكد لنفسه وللعالم أنه لايزال المخرج المدلل في هوليوود. جريدة القاهرة في 31 يناير 2006
ريع «ميونيخ» لشراء 500 كاميرا للفلسطينيين والإسرائيليين ستيفن سبيلبيرغ : توقعناها من اليمين فهوجمنا من اليسار حسين قطايا يتعرض فيلم ستيفن سبيلبيرغ الجديد «ميونيخ» إلى حملة عنيفة من الأوساط الإعلامية والنقدية الأميركية المحسوبة على اليمين أو على اليسار على حد سواء. والفيلم يحكي قصة العملية الفدائية، التي قامت بها منظمة فلسطينية أثناء الدورة الرياضية الأولمبية في ميونيخ في العام (1972)، حيث تم احتجاز 11 رهينة هم أعضاء الفريق الرياضي الإسرائيلي المشارك في الألعاب. حول هذا الفيلم أجرت مجلة «نيوز ويك» مقابلة خاصة مع سبيلبيرغ الذي كان قد امتنع عن الكلام حول عمله الجديد من ضمن أطر تسويقه، بانتظار ردة الفعل بعد مشاهدته. ويقول سبيلبيرغ: «مخرجو الأفلام شعروا براحة وصراحة أكثر سياسياً بعد إعادة انتخاب جورج بوش للرئاسة الأميركية. أي ان مخرجين كثر شعروا أنهم يملكون روح المبادرة، وراحوا يعبرون عن ما يؤمنوا به». وأضاف: «لا أحد يمثلنا في حقيقة الأمر، فالمخرج يمثل نفسه ورؤيته، ويسعى لرد الهجوم عن عمله لوحده». لقد عرفت مسبقاً أن الفيلم سوف يتلقى وابلاً من الانتقادات، التي توقعتها أن تأتي من جهات اليمين أكثر بكثير من الجهات اليسارية، ولكن ويا للأسف لم يكن توقعي صحيحاً، فالوابل أتى من اليسار بما لا يقاس، وعلى قدر كبير لم أتوقعه. وهذا تركني أعي أكثر بكثير بالعقيدة الدينية (يقصد اليهودية)، ومواقف رفض التغيير الذي يتخذه البعض وهم ليسوا قلائل عندما يوضع الشرق الأوسط موضع تساؤل. وأن الأصوليين اليهود ليسوا جميعهم من اليمين، مع أن كلا الجهتين غضبوا مني ومن كاتب السيناريو طوني كوثنر الا اننا سمحنا للفلسطيني أن يتكلم ويعبر عن رأيه في حوارات الفيلم، وغضبوا أكثر لأن الفيلم يوضح ان اسرائيل ردت على العنف بالعنف، أي انها اختارت الطريق الذي اختاره الآخر. ولا اعتقد ان الفيلم يهاجم إسرائيل بالمطلق، وهو ينتقد سياسات العنف جميعها، بما فيها العنف المضاد، والفيلم يقدم أسئلة كثيرة، لم أقدمها في أي من أفلامي، ولذا اعتز بأنني رويت عن هذا الحادث الأليم بذكراه، حتى يرى العالم كله ما يحدث في الشرق الأوسط من عنف متبادل، ومن يهموا بمساعدة هؤلاء للوصول إلى حل يرضي الطرفين. وقال سبيلبيرغ في رده على سؤال حول تكلفة الفيلم وإذا كان يتوقع له ان يقع في خسارة: «لقد كلف الفيلم مئة مليون دولار، لا أتوقع ان نخسرها، مع أننا خصصنا بأن تكون أرباحه لشراء 500 آلة تصوير فيديو صغيرة توزع مناصفة على الشباب الفلسطيني والإسرائيلي، كي يصوروا أفلاماً عن حيواتهم اليومية في المنزل والمدرسة والجامعة وعن أحلامهم وذواتهم يتبادلونها فيما بينهم حتى يشعروا ان كلا الشعبين هم بشر لديهم همومهم الخاصة والفردية وليسوا آلة قتل ضد بعضهما بعضاً، وهذا أمر يقلقني كإنسان وكفنان، ويتركني مشدوهاً أمام الأحداث المرعبة واستمرارها على الأرض الإسرائيلية والفلسطينية. وما زلت حائراً من اتهامنا أنا وكوشنر بأمر المراوغة الأخلاقية». لعب دور البطولة في الفيلم الممثل الاسترالي أريك بانا ودانيل كريغ، ويذكر ان الفيلم ما زال لم يعط إذناً من الرقابة لعرضه في الصالات المحلية. البيان الإماراتية في 31 يناير 2006 ستيفن سبيلبرغ: مستعد للموت في سبيل اسرائيل برلين 23-1 (اف ب)- رد المخرج السينمائي الاميركي ستيفن سبيلبرغ المتهم بانه ساوى بين عناصر الاستخبارات الاسرائيلية (الموساد) وخاطفي الرهائن الفلسطينيين في فيلمه الاخير ميونيخ على الانتقادات الموجهة اليه في مقابلة تنشر اليوم الاثنين. ويعرض الفيلم مطاردة الاسرائيليين للمسؤولين عن عملية الخطف الدموية خلال الالعاب الاولمبية عام .1972 وقال سبيلبرغ في مقابلته مع مجلة دير شبيغل الالمانية لست مدعيا لدرجة تسمح لي بالقول انني اطرح خطة سلام للشرق الاوسط مع هذا الفيلم الذي يعرض قريبا في الصالات الالمانية والاسرائيلية. وتساءل هل هذا سبب لترك المجال مفتوحا امام الذين يبسطون كل الامور؟ امام اليهود والفلسطينيين المتطرفين الذين يعتبرون حتى اليوم اي حل تفاوضي خيانة؟ (هل هذا سبب) للسكوت لكي لا نواجه مشاكل؟". واضاف سبيلبرغ اردت فقط ان استخدم الوسيلة العظيمة التي تمثلها السينما لحمل الجمهور على النظر الى موضوع لا نعرفه عامة الا بصورة مجردة رافضا اعطاء اجوبة بسيطة لقضايا معقدة". وتابع صدقوني لم اتطرق الى هذا الموضوع بسذاجة. انني يهودي اميركي واعرف جيدا الحساسيات في النزاع الاسرائيلي الفلسطيني مشيرا الى انه مستعد للموت في سبيل اسرائيل". ويروي فيلم ميونيخ الذي بلغت كلفته سبعين مليون دولار كيف طاردت الاستخبارات الاسرائيلية وقتلت ثمانية فلسطينيين ينتمون الي مجموعة ايلول الاسود مولوا اودبروا عملية احتجاز رياضيين اسرائيليين في الخامس والسادس من ايلول/سبتمبر .1972 وانتهت عملية خطف الرهائن بمذبحة قضى فيها 11 اسرائيليا وخمسة فلسطينيين وشرطي الماني. والفيلم الذي بدأ عرضه في الولايات المتحدة اثار ردود فعل متفاوتة. وانتقد عدد من المسؤولين الاسرائيليين الفيلم واعتبروا ان سبيلبرغ ساوي بين عناصر الاستخبارات الاسرائيلية (الموساد) وخاطفي الرهائن الفلسطينيين. واعلن القنصل العام لاسرائيل في لوس انجليس ايهود دانوخ بعد مشاهدته الفيلم "انها معادلة معنوية خاطئة وفي اسرائيل نعلم هذا الامر جيدا، ثمة ايضا شيء من الغرور في محاولة تناول صراع مؤلم مستمر منذ عقود بشكل سطحي ضمن فيلم مدته ساعتان ونصف ساعة". موقع "ألف ياء" في 26 يناير 2006
إسرائيل تعلن الغضب علي سبيلبرج وهاني أبو سعد تقرير ــ معتز أحمد كان عام2005 بمثابة' عام سينمائي أسود' في إسرائيل, حيث شهد العديد من الأفلام والأعمال الدرامية التي هاجمت إسرائيل وكشفت عن سياستها العنصرية ضد العرب بصورة عامة أو الفلسطينيين بصورة خاصة. اللافت أن أغلب هذه الأعمال لم تكن دولية في معظمها بل كان العديد منها قد صور في إسرائيل وأنتج بها.ومن أبرز هذه الأفلام فيلم الجنة الآن الذي أخرجه المخرج العربي الإسرائيلي هاني أبو أسعد, وهو الفيلم الذي كان بمثابة طعنة قوية لإسرائيل خاصة وأنه يعالج مشكلة العمليات الاستشهادية بل ويحلل لها وكيف تجبر الفلسطينيين علي القيام بها بعد أن يفقدوا كل شيء بسببها. ولقد غضب الإسرائيليون بشدة من هذا الفيلم ليس بسبب تناوله للعمليات الاستشهادية التي تمثل رعبا لأي إسرائيلي ولكن بسبب دعم الفيلم دوليا, حيث قامت ألمانيا بنفسها بدعم تصوير الفيلم ماديا بل وقررت بعض الدول الأوروبية ترشيحه لنيل الجوائز في المهرجانات التي تنظمها, والأخطر من هذا كله أن الكثير من النفاد الفنيين عبر العالم مدحوا هذا الفيلم واعتبروه' تجسيدا واقعيا لمأساة الفلسطينيين التي تدفعهم للقيام بالعمليات الاستشهادية'.
ومن هذا
الفيلم إلي فيلم ميونخ الذي أثبت أن عام2005 أبي أن ينصرف دون أن يترك
ذكري طيبة للإسرائيليين, ولهذا الفيلم قصة مثيرة مع الإسرائيليين حيث
يكشف واحدة من أهم العمليات القذرة التي نفذتها الأجهزة الأمنية
الإسرائيلية وعلي رأسها الموساد بالاشتراك مع كبار المسئولين الإسرائيليين
مثل رئيسة الوزراء الراحلة جولدا مائير ضد أعضاء المقاومة الفلسطينية
المتهمين بالتخطيط للقيام لعملية ميونخ التي راح ضحيتها11 رياضيا
إسرائيليا تم اختطافهم إبان دورة ميونخ الأولمبية عام.1972 وأشارت التقارير الإسرائيلية إلي أن خطورة مثل هذه الأعمال أنها ستنتشر بين مشاهدي السينما العالمية, الذين سيتذكرون هذا الفيلم ولن ينسوه بسهولة, الأمر الذي يمثل تخليدا لهذا العمل الذي أغضب الإسرائيليين. غير أن هذا الفيلم وبغض النظر عن الغضب الإسرائيلي الناجم عنه فإنه يعكس أحد أهم المجالات التي يجب علي العرب محاربة إسرائيل فيها وهي المجال الفني الذي يبدو أنه بات يمثل صداعا في رأس إسرائيل. الأهرام العربي في 14 يناير 2006
|
قد يكون أفضل أفلام ستيفن سبيلبرغ وأكثرها اشكالية ميونيخ: العقاب الإلهي الذي ارتد إلي نحر أبناء الرب عماد عبد الرازق |