كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما

 

جديد الموقع

 

قال البعض إن فيلم دم الغزال يحمل زعيقا وصراخا‏,‏ والبعض رأي أن صورة الإرهابي نمطية وصارت مستهلكة‏,‏ والآخرون رددوا أن الفيلم جاء في غير أوانه‏!‏ فلم يعد هناك إرهاب بهذا الشكل ولكن لا يستطيع أحد منا أن ينكر أن المباشرة في بعض الأحيان تكون مطلوبة وأن الصراخ قد يوقظ النائمين في ثبات كما أن هناك شريحة من الإرهابيين والمتطرفين لاتزال علي شكلها التقليدي يرتدون الجلباب ولهم نفس الذقون ولغة خطاب لا تحيد عن فرض الرأي‏,‏ والأهم أن مؤلف الفيلم وحيد حامد اختار الفترة الزمنية منتصف التسعينيات لأحداث فيلمه وهي المرحلة التي سبقها الكثير من عمليات العنف ضد المواطنين وضباط الشرطة والمفكرين‏,‏ أما أن الفيلم جاء في غير أوانه فهذا الكلام بعض الشيء لحد ما‏,‏ ومن وجهة نظري الشخصية أري أن دم الغزال يحمل استشرافا للمستقبل‏,‏ فالتطرف والعنف في حالة سكون مؤقت‏,‏ كما أن أشكاله قد تلونت فالعنف الاجتماعي يزداد‏,‏ والعنف الفكري قائم‏,‏ والقهر مسيطر؟‏!‏

ولا يصح أن نقرأ دم الغزال بعيدا عما سبق وناقشه وحيد حامد في أفلامه السابقة التي عادة ما كانت تحذر أو تحلل أو ترصد‏.‏

ومنذ اللحظة الأولي ومع مشهد قبل التترات ستري أنك أمام فيلم يحمل روحا خاصة جدا‏,‏ نور الشريف جابر عميش يقوم بإطلاق حمامه الزاجل فوق السطوح‏,‏ ويلوح بعلمه الأحمر هذا المشهد يعكس عناية شديدة بالتفاصيل الفنية الموسيقية الساحرة‏,‏ حركة الكاميرا شديدة النعومة‏,‏ سلاسة المونتاج تأسرك التداخل و اللوني ما بين لون الحمام الأبيض‏,‏ وزرقة السماء ولون العلم الأحمر‏,‏ هذا الصفاء الذي يأخذ عينيك وقلبك مع اتساع الأفق ورحابته كل هذا ينقلب فجأة إلي ظلمة كأن هناك شيئا يخرج من الأعماق مع نزول الكاميرا في حركة سريعة‏,‏ من أسطح المنازل والانتقال من النهار المبهج إلي الليل‏,‏ وإلي الحارة بضيقها وتعرجاتها ودخان الأنفاس المتصاعد من الشيشة‏,‏ والذي تشعر لحظتها أنك تستنشقه من جماليات الصورة والديكور وصخب الفرح الشعبي بكل طقوسه من تدخين ومشروبات تتنقل من يد إلي أخري إلي الراقصة وطبالها ريشة ـ محمود عبد المغني ـ إلي كوشة تضم عريسا يدخن الجوزة محمد شرف ـ سعيد سوبر ـ وبجواره عروس شديدة الرقة والبراءة ليبدو أنها لا تنتمي إلي هذا العالم‏,‏ وعينيها تطلب الخلاص ولكنها تحمل براءة مقهورة‏,‏ مني زكي التي حملت اسم حنان‏(‏ لاحظ دلالة الأسماء‏)‏ ومن الموسيقي الراقصة الصاخبة إلي حالة السكون التي تنقلها الكاميرا بذكاء مع دخول البوليس جسد دور الضابط ـ عمرو عبد الجليل ـ ضابط يمارس قوته في مجتمع مقهور‏,‏ وعشوائي والصوت الأعلي فيه وصاحب القانون هو من يملك القوة‏,‏ من أجمل مشاهد الفيلم أداء صلاح عبد الله ـ عم عبده ـ وعمرو عبد الجليل‏,‏ وحوار زكي بين شخص مقهور‏,‏ وآخر لا يرغب سوي في كسره‏.‏

صلاح عبد الله يحاول أن ينقذ الفرح ويخبر الضابط بأنه يعرف الوزير ويقدم له القهوة في النادي والعريس الذي تم ضبطه يحمل قطعة حشيش لزوم ليلة الدخلة بعد الوشاية من البلطجي عمرو واكد ـ عاطف عفشه ـ ويؤخذ العريس‏,‏ وتطرد الحماة العروس من منزل الزوجية لأنها وش نحس علي ابنها‏.‏

حنان منذ اللحظة الأولي تبدو منساقة لأقدارها كما يخطط لها أصدقاء والدها نور الشريف وصلاح عبد الله‏.‏

شخصيات الفيلم جميعها مهمشة بلا جذور‏,‏ حنان يتيمة بلا أب أو أم‏,‏ ريشة الطبال بلا عائلة‏,‏ عمرو واكد البلطجي‏,‏ صلاح عبد الله وزوجته ماتت الابنه فليس هناك مستقبل‏,‏ جابر عميش موظف علي المعاش يخبر الجميع بأنه يذهب إلي بلدته كل فترة ليجلب إيراد الأرض وأبدا لم يشاهد أهل الحارة أحدا من أهله فهم بشر سكنوا مكانا شديد العشوائية لا يحمل قدرا من النظام ولا يعرف القانون‏,‏ لذلك صارت حنان الشخص الوحيد الشارد خارج هذا السياق‏,‏ والجزء المشرق في تلك العشوائيات وقد تكون البراءة المفقودة في كل شخص عشوائي من شخصيات الحارة‏,‏ لذلك تتحول إلي هدف‏,‏ يرغب فيها ريشة الطبال والبلطجي الذي يجبر زوجها علي أن يطلقها في السجن‏,‏ وحلم عمها جابر عميش في العيش بشرف ونقاء‏,‏ لذلك كان من الطبيعي أن يسجل البلطجي ريشة الذي تجرأ وطلب يدها وبعد هذه الصراعات‏,‏ والخوف عليها من جانب صديقي والدها‏(‏ حنان جملها الحوارية قليلة جدا‏),‏ لذلك كان أمام مني زكي مساحة كبيرة للتعبير عن انفعالاتها في هذا المشهد تصرخ مطالبة بأن تعمل وتخرج من الحارة ويأتينا مشهد خروجها من الحارة ممسكة بيد عم عبده وفي الخلفية تفاصيل الشارع المصري بزحامه وصخبه‏(‏ من الأشياء التي أصبحنا نفتقدها في أفلامنا‏)‏ هكذا يشعرك الكاتب والمخرج وموسيقي عمر خيرت والكاميرا التي تراقب كأنها تخطو خطواتها الأولي‏.‏

وتبدو حركة الكاميرا مع يسرا نادية التي تمتلك صالة ألعاب رياضة في أحد الفنادق الضخمة بمثابة راصدا للتحول الاجتماعي الذي يشهده المجتمع المصري ما بين عشوائيات وطبقة أغنياء‏,‏ وتأكل الطبقة الوسطي‏,‏ وبعيدا عن عنف الطبقة الفقيرة وقانون التطرف والقهر الذي يحكم هذه الشريحة فوحيد حامد لم يرصد فقط هذه الطبقة بل قدم عنف الأثرياء‏,‏ وطرق اختلافهم من خلال يسرا وعلاقتها بطليقها عبد العزيز مخيون الذي سلبها ابنها لذلك كان من الطبيعي دراميا أن تلقي يسرا بنفسها في أحضان حنان الجزء البريء منها والذي افتقدته هي الأخري في زحامها وصراعها مع الحياة‏.‏

دم العزال ليس فيلما عن عشوائيات القاهرة فقط ولا عن طبال تعرض للقهر من البلطجي فقرر أن يتحول إلي الجبهة الأقوي وهي جبهة التطرف والعنف‏,‏ لذلك أصبح الشيخ ريشة أميرا لجماعة المنطقة وأصبح يعظ‏,‏ ويحاول إرساء الأخلاق في حين أنه شخص مكبوت جنسيا لا يتورع عن في محاولة اغتصاب الراقصة التي كان يعمل وراءها‏,‏ ولا عن جابر عميش الحالم الذي يتعايش من خلال إلقاء نفسه أمام السيارات ليحصل علي مقابل ولا عايدة رياض المطلقة التي تدخل في علاقة سريعة مع جارها عميش‏,‏ ولا نادية صاحبة الملف القديم في الآداب والتي تحولت إلي سيدة أعمال استغلها مسئول فاسد ولا عن عم عبده ـ صلاح عبد الله الذي يعيش اليوم بيومه ويستمد طاقته من صديق عمره جابر ولا عن عاطف عفشة الذي لم يجد سوي البلطجة ليحيا في عالمه الفوضاوي ويفرض سطوته في مجتمع يوحي بالتماسك ولكنه ينتظر الانفجار في أي لحظة‏,‏ وعن بشر مقهورين وعنف أصبح سائدا وفقراء يتحايلون علي فقرهم بكل الطرق‏,‏ وتواطؤ السلطة مع الفاسدين لذلك من الطبيعي أن تقتل البراءة وتضيع الطهارة ويتفرق دمها ويغتالها العنف نهاية دم الغزال ومقتل حنان تصيبك حالة من المرارة الموجعة‏,‏ ولكننا كثيرا ما نحتاج هذه المرارة علي الأقل لكي نفكر‏,‏ إذا كنا لن نفيق فكلهم فشلوا في حماية الغزال كما يبدو في مشهد الفيلا والمواجهة بين يسرا‏,‏ حنان‏,‏ صلاح ونور لذلك صار العنف طليقا‏.‏

حالة فنية

دم الغزال من الأفلام القليلة التي شهدت تكاملا في عناصره الفنية من سيناريو محكم بشخصيات من لحم ودم وحوار شديد الذكاء ورؤية فكرية واضحة‏.‏

‏*‏ المخرج محمد ياسين قدم فيلما مشدود الإيقاع وأدار فنانوه بتمكن شديد وأثبت أنه يستطيع تقديم كل الألوان بعد أن قدم تجربتين كوميديتين‏.‏

‏*‏ نور الشريف من الصعب أن تصفه الكلمات ممثل يمسك بشخصيته‏,‏ ويصنع لها إيقاعها الخاص وأبدا لم تفلت انفعالاته وكأنه يقيس بميزان من ماس‏.‏

‏*‏ يسرا كانت تحتاج لمثل هذه الشخصية لتؤكد أنها ممثلة ذات أداء متميز‏.‏

‏*‏ مني زكي نجمة شديدة الموهبة غسلت روحها بهذا الدور بعيدا عن الأفلام التجارية‏.‏

صلاح عبد الله نجم تخذله الأفلام التجارية دوما‏.‏

‏*‏ محمود عبد المغني نجم الأفلام القادمة ويحمل رائحة أحمد زكي‏.‏

*‏ عمرو واكد أكثر ممثل في جيله قادر علي التشكل والتلون‏.‏

*‏ شريف سلامة ممثل تفتقد السينما نموذجه منذ فترة‏.‏

*‏ نجوم وراء الكاميرا عادل المغربي مهندس الديكور الذي قام ببناء حارة شديدة الخصوصية عمر خيرت صاحب الموسيقي التصويرية ومحسن أحمد صاحب التصوير والإضاءة‏,‏ وناهد نصر الله مسئولة الملابس‏,‏ ومعتز الكاتب المونتير لا يقلون بطولة ونجومية عن أبطال باقي العمل‏*‏

الأهرام العربي في 21 يناير 2006

 

وحيد حامد‏:‏ لا أصنع أفلاما للصفوة.. وحصار الموزعين لن يفقد الفيلم قيمته

كثيرة هي المرات التي كان يحدثني فيها الكاتب وحيد عن فيلمه دم الغزال عندما انتهي من كتابته منذ أكثر من ثلاث سنوات‏,‏ وشرح لي كيف أنه أودعه درجه الخاص لأن الظروف الإنتاجية لم تكن متاحة‏,‏ وخشي الكثير من المنتجين من الإسهام في هذا العمل‏,‏ خاصة أن أغلبهم أصبح يجري وراء الحصان الرابح في وقتها وهو الكوميديا‏.‏

في أحيان كان الأستاذ يحن إلي دم الغزال يخرجه ليتصفحه‏,‏ يتشاور مع مخرجين أصدقاء‏,‏ عن إمكانية تنفيذه‏,‏ وتأجل المشروع أكثر من مرة إلي أن حدثت انفراجة قليلة في السينما‏,‏ ووجد الشركة روتانا التي تبنت المشروع ثم أسند إخراج المشروع إلي محمد ياسين الذي سبق أن قدمه في فيلم محامي خلع‏.‏

علي الرغم من أنه يعرف جيدا أن فيلمه لا يصنف ضمن الأفلام التجارية وأن قيامه بتنفيذ الإنتاج لصالح روتانا يحمل مخاطرة‏,‏ إلا أنه لم يتردد في إنجاز الفيلم وتكلفته إنتاجيا‏,‏ وقد تكون إيرادات الفيلم حتي الآن ليست كما ينبغي‏,‏ علق قائلا‏:‏ يرجع ذلك لأن أصحاب دور العرض أصبحوا قوتين عظميين‏,‏ وأصبحوا يتحكمون في أذواق الناس‏,‏ وكذلك الإيرادات‏,‏ وعرفت أن الفيلم يعرض في الحفلات الصباحية‏,‏ ويرفع في الحفلات المسائية بحجة أن جمهور العيد عايز يضحك وبس‏,‏ ويؤكد وحيد حامد علي أن ما يحدث غير شرعي و غير قانوني‏,‏ ومخالف لكل الأعراف السينمائية‏,‏ بالإضافة إلي أن دم الغزال طبعنا منه‏27‏ نسخة تعرض في أصغر القاعات بالمولات‏,‏ في حين أن الأفلام الأخري طبع أصحابها‏60‏ نسخة وتعرض في دور عرض أكبر‏,‏ كل هذه التفاصيل تجعل الإيرادات لغير صالحنا مؤقتا‏.‏

أعرف تماما أن فيلمي مختلف‏,‏ وفي نفس الوقت واثق من أن لكل شيئا ثمنه‏,‏ فالاحترام له ثمنه‏,‏ كذلك صنع شئ جيد‏,‏ وأنا دائما مع الأفلام التي تمس البشر وتتحدث عنهم‏,‏ فأنا لا أصنع أفلاما للصفوة‏,‏ لكن أفلاما تحمل أفكارا نعم تحمل هموم المواطن البسيط‏.‏

وعلي الرغم من الحصار المفروض من قبل الموزعين علي فيلمي‏,‏ إلا أنني أؤكد أنني أحترم كل النوعيات الأخري من الأفلام الموجودة في دور العرض‏,‏ لكن في نفس الوقت من حق أي فيلم مختلف أن يجد له متنفسا‏.‏

يروي الكاتب وحيد حامد عن تجربة قد حدثت له عندما سمع عن أحد الأفلام‏speed‏ وردود الأفعال الواسعة التي حققها‏,‏ وصادف أنه وقتها كان في طريقه إلي نيس‏,‏ سأل عن الفيلم ولم يجده‏,‏ قيل له إن الفيلم يعرض في كان‏,‏ قطع تذكرة وذهب إلي كان لمشاهدة الفيلم وعرض الفيلم في موعده تماما علي الرغم من خلو قاعة العرض من المشاهدين فيما عدا سيدة جاءت هي الأخري لتشاهد الفيلم‏,‏ يصف وحيد المشهد بتفاصيله‏,‏ ويروي كيف توقع أن يتم إلغاء العرض‏,‏ ولم يحدث ذلك‏,‏ يضرب لنا هذاالمثل ليوضح آلية ومنهج عمل شركات تحترم السينما وتقدر صانعيها علي عكس العشوائية التي تحكم سوق السينما عندنا‏.‏

عن اختياره لفترة منتصف التسعينيات كبداية لأحداث الفيلم علق‏:‏ في هذه الفترة كانت الأعمال الإرهابية علي أشدها‏,‏ لذلك اخترت الرجوع إلي تلك المرحلة التاريخية بكل تفاصيلها الحياتية‏,‏ خاصة أن شكل القاهرة يتغير كل فترة‏.‏

عن الصورة النمطية للإرهابي التي ظهرت في الفيلم‏,‏ تلك الصورة التي كانت سائدة في هذه الفترة الزمنية‏,‏ ومن يقول إن الإرهابيين تغير شكلهم ولم يعد هناك من يرتدي الجلباب فهذا غير حقيقي‏,‏ فالإرهاب مازال موجودا‏,‏ وآخر حادثة وقعت في شرم الشيخ‏,‏ بالإضافة إلي الحوادث التي تقع في الكثير من الدول العربية‏.‏

نعم الفيلم يقدم طبقتين في المجتمع المصري‏,‏ طبقة الفقراء والأغنياء‏,‏ ذابت الطبقة الوسطي‏,‏ وأصبحت العشوائيات تخترق القاهرة من كل جانب وهناك غياب كامل لدور الدولة في هذه المناطق‏,‏ وأصبح كل شئ في هذه المناطق خاضعا للأقوي‏,‏ أيا كان الأقوي بلطجيا أو متطرفا‏,‏ بعيدا عن سلطة الدولة‏,‏ قصدت أن تكون النهاية مؤلمة وحزينة لأنه علينا أن نتحمل مرارة الفيلم حتي نفيق‏.‏ فالإحساس بالمرارة أصبح ضرورة للتساؤل‏,‏ والتفكير حول المثل التي أصبحنا نفتقدها في المجتمع‏,‏ فالحرية والكرامة لهما ثمن‏,‏ وكذلك الحياة الكريمة بدون فقر‏*‏

الأهرام العربي في 21 يناير 2006

 

نور الشريف يهمه الدور ولا يعنيه عدد المشاهد 

أكد الفنان نور الشريف بأن ما يحدث للفيلم من حصار وقيام الموزعين برفعه من حفلات بعينها‏,‏ لم يعد يحبطه وذلك علي الرغم من أن هذه الأمور كانت تصيبه باليأس والإحباط قبل خمس سنوات‏..‏ عندما حدث نفس الأمر مع فيلمه العاشقان وقال وقتها للموزعين بأنه لا يصلح للعرض موسم العيد إلا أنهم أصروا‏,‏ علي عرضه آنذاك مما إثر بالسلب علي إيرادات الفيلم‏.‏

وعبر نور عن سعادته بالشركات الجديدة التي تحكم سوق السينما المصرية الآن خاصة فيما يتعلق بمجهودها في بناء دور العرض وإن كان ضد منهجها في العمل‏,‏ وشرح نور من واقع منصبه كنائب لرئيس غرفة صناعة السينما‏..‏ بأن الغرفة تأتيها العديد من الشكاوي من المنتجين بشأن رفع أفلام‏,‏ أو إضافة إيرادات أفلام لأفلام أخري‏.‏

ومن واقع خبرته كمنتج رأي أن الفيلم ينتمي لنوعية خاصة من السينما وستزداد إيراداته بمرور الوقت مثلما حدث مع فيلمه حبيبي دائما‏.‏

أضاف عن نفسي أنا متحمس للفيلم جدا‏..‏ فالفيلم يبرز العنف الواقع في المجتمع‏,‏ ولا أنسي أنني عاصرت حوادث عن فتي قتل من أجل بنطلون جينز‏,‏ وآخر لخاطر جزمة كوتشي بتنور‏..‏ فالفيلم رصد عشوائية المكان والقهر الاجتماعي‏..‏ لبشر يعيشون علي استنشاق رائحة المجاري؟‏!‏

لم يحدث من بداية مشواري أنني قمت بقياس مشاهدي بالشبر ولا تعنيني عدد المشاهد المهم الدور وتأثيره‏..‏ وعن نفسي وقعت في حب جابر عميش‏.‏

وأذكر أنني في بداياتي قدمت فيلم سونيا والمجنون ووقتها أنا الذي طلبت من المخرج أن أقدم الدور الثاني مع سبق الإصرار كنت أنا‏33‏ مشهدا‏,‏ ومحمود ياسين‏102‏ مشهد وهذا ما تعلمته من كبار النجوم العالميين أمثال مارلون براندو‏.‏

لذلك سبق أن عملت أدوارا كثيرة ولم أكن أنا المحور‏..‏ أقصد الشخصية المحور بمنطق الدراما‏..‏ مثلا في العار كان حسين فهمي هو البطل الحقيقي لذلك فالمسألة بالأساس تتعلق بقناعات الممثل واختياراته‏.‏

الأهرام العربي في 21 يناير 2006

 

يسرا‏..‏ بعد علقة ساخنة لمخيون‏:‏

دم الغــزال‏..‏ كسـر أنفـي

أجرت الحديث ـ زينب هاشم 

يسرا‏,‏ من النجمات اللائي يملكن وهجا خاصا‏,‏ ومنحتها تجربتها الفنية الثرية والمتنوعة نضجا صار يمنح أداءها رونقا ورائحة مميزة‏,‏ من شاهد يسرا في دم الغزال سيشعر بكل هذه المعاني‏,‏ خاصة وأنها أمسكت بكل خيوط الشخصية الداخلية والخارجية‏,‏ وأبدا لم يفلت انفعالها‏,‏ وفي حوارها مع الأهرام العربي تحدثت عن تجربتها في الفيلم وعملها علي الشخصية وترد علي الشائعات التي تحدثت عن خلافات بينها وبين مني زكي‏.‏

·         أشاد النقاد كثيرا بفيلمك الأخير دم الغزال فماذا تقولين عن رد فعل الجمهور؟

رد فعل الجمهور جيد للغاية وأنا سعيدة جدا به لأنني أتلقي يوميا عشرات التليفونات منذ بدء عرض الفيلم تجاريا وبالتحديد بعد عرضه بيومين‏,‏ وكل المكالمات تؤكد إعجاب الجمهور به لدرجة تصل إلي أن أغلب من شاهده لم يكتف بمرة واحدة‏,‏ بل شاهده أكثر من مرة وأعتقد أن هذا الأمر صحي جدا ومفيد للمجتمع لأنني توقعت له منذ البداية النجاح‏,‏ وأنه سيؤثر بشكل إيجابي في المجتمع وفي ثقافتنا التي تعد انعكاسا حقيقيا لثقافة المجتمع خاصة وأن الفيلم يتعرض لقضية مهمة وهي قضية التطرف‏,‏ فنحن في أمس الحاجة لعمل قادر علي تغيير المعتقدات والأفكار الخاطئة التي يعاني منها المجتمع‏.‏

·         وهل تعتبرين الفيلم تجربة مختلفة عن السائد في الساحة السينمائية حاليا؟

بالتأكيد مختلف وهذا هو إحساسي الأول تجاه الفيلم منذ الساعة الأولي التي قرأت فيها السيناريو وشعرت بأن هذا الفيلم يعمل علي تنشيط الذاكرة للتأكيد علي مدي الخطورة التي يعاني وسيعاني منها المجتمع بسبب التطرف والإرهاب وهو ما يتضح منه عوامل كثيرة تحدث من حولنا كل يوم ونمر بها‏,‏ وتؤثر بالسلب في حياتنا ومجتمعنا وهي ظروف حياتية نعيش فيها ونغفلها ولا نأخذ بالنا من مدي خطورتها وتأثيرها ولا نلتفت حتي إليها سوي للحظات في حالة وقوع حادث أو مرورنا بأزمة‏,‏ ثم يمر الأمر بعد ذلك وكأن شيئا لم يكن‏.‏

·     حمل الفيلم الكثير من المشاهد الصعبة خاصة مشهد المشاجرة التي دارت بينك وبين عبدالعزيز مخيون في حمام البخار‏,‏ فماذا تقولين عنه؟

بصراحة الفيلم كانت فيه مشاهد صعبة كثيرة مثل مشهد الضرب الذي دار بيني أنا ومني ذكي ضد عبدالعزيز مخيون‏,‏ وهذا المشهد تحديدا ضربت فيه بـ الروسية وكانت روسية قوية جدا إلي جانب أن أنفي تعرض للكسر‏,‏ وذلك لأننا اندمجنا جدا لدرجة أن الضرب كان حقيقيا وظللت فترة كبيرة بعد المشهد أنا ومني ذكي نعتذر ونطمئن علي عبدالعزيز مخيون خاصة وأن مني كانت بتضرب بيدها علي جسمه بشكل جاد أدي إلي ترك بصمات واضحة علي جسده فهذا المشهد كان صعبا جدا بالنسبة لنا جميعا‏,‏ وكان يمكن أن تنتج عنه إصابات ولكن ربنا ستر‏.‏

·         انتقد البعض شخصية نادية التي قدمتيها في الفيلم لأنها غامضة لدرجة أن أغلب تفاصيلها كانت مبهمة بدون جذور فما تعليقك؟

هي ليست غامضة ولكن طبيعة الشخصية في الفيلم وحيثياتها تؤكد أنها عاشت من قبل حياة مختلفة عن الحياة التي عاشتها بعد ذلك وكانت تحاول طوال الأحداث أن تغطي تاريخها الملوث في المجتمع الأول الذي عاشت فيه‏,‏ ولا تنظر للناس في مجتمعها الجديد لأنهم سواء عرفوا تاريخها وتناسوه أم لم يعرفوه أم حتي يريدون مواجهتها به وغير قادرين فهي كلها أمور لا تلتفت إليها لأنها قامت ببناء نفسها من أول وجديد‏,‏ وعاشت حياة مختلفة‏,‏ وليست بالضرورة نري كيف تكونت ولكن الأهم أن نري الحالة الجديدة التي توصلت إليها كما أنه ليس من المهم أن نعرف من أين أتت إليها الثروة أو من هو الرجل الغني الذي أتي إليها بها‏,‏ وكان الأهم هو أن يري الجميع علاقتها بحنان وهي الفتاة التي قدمت شخصيتها مني ذكي وكيف تهتم بها أو تحافظ عليها لأن جمال الموضوع في هذه العلاقة وليس في أي شيء آخر‏.‏

·         لماذا لم يكن هناك فلاش باك يستعرض سريعا تاريخها بحيث تبدو تفاصيل الفيلم مقنعة؟

الأحداث ليست بحاجة إلي فلاش باك لأن أحداث ما قبل ذلك كانت واضحة في بعض الجمل في الفيلم خاصة في المشهد التي قامت مني أو حنان بمساعدتها في إزالة آثار البنزين الذي وضعه زوجها السابق عبدالعزيز مخيون في صالة الألعاب الرياضية التي تملكها كنوع من التهديد بحرق المكان لإيذائها وفي هذا المشهد حكت نادية لحنان بعض تفاصيل حياتها‏,‏ ومن أين أتت لها هذه الثروة ومن هو هذا الرجل الثري‏,‏ لذلك أعتقد أن الأحداث لم تكن بحاجة لفلاش باك‏,‏ وأنا عن نفسي كممثلة لم أشعر أنه سيضيف للأحداث إلا إذا كانت هناك تفصيلة معينة بحاجة لذلك‏,‏ وفي هذه الحالة سيرجع الأمر إلي رؤية كاتب الفيلم لأن الأهم هو التركيز علي موضوع الفيلم المهموم بقضية التطرف بكل أبعادها وحالاتها‏.‏

·     هل ترين أنه كان مبررا أن يتحول رفضك في الفيلم لشخصية حنان إلي قبول بشكل يجعلها تعيش معك في نفس البيت وفي مشاهد تجلس وتنام علي سريرك؟

بالطبع كان مبررا لأنها في هذه اللحظة التي سمحت لها بالعيش معها في بيتها والدخول إلي حجرتها الخاصة‏,‏ قد اعتبرتها شريكتها في هذا البيت وقالت لها اعتبري نفسك من هذه اللحظة في بيتك وذلك بسبب أنها خافت عليها جدا ورأت زوجها فيها‏,‏ وشعورها هذا جعلها متوقعة ما يمكن أن تلاقيه حنان في المستقبل من أضرار لأنها كانت مؤمنة طوال الوقت أن حنان لو كانت قد وقعت في يد أي شخص غيرها كانت ستتعرض لأضرار كثيرة‏,‏ لذلك حاولت نادية في الأحداث أن تفرغ أمومتها تجاهها لأنها تعرضت لتطرف وقهر من نوع آخر وهو حرمانها من ابنها من جانب والده ومنعها من رؤيته‏.‏

·         عند قراءتك الأولي للشخصية كيف نظرت إليها؟

شخصية نادية تبدو قوية‏,‏ ولكن بقدر قوتها هي أيضا ضعيفة وتحاول دائما أن تتستر علي شخصيتها الحقيقية حتي تحافظ علي روحها ولا يمسها أحد والدليل علي ذلك أنها لم تملك الحفاظ علي الشيء الوحيد الذي تمسكت به وهو حبها لحنان‏,‏ وبالفعل ضاعت منها‏,‏ وفي إحدي الجمل في الفيلم قالت لها ها توحشيني ومع ذلك لم تملك حمايتها‏,‏ هذا بالنسبة للشخصية‏,‏ أما بالنسبة للفيلم بشكل عام نظرت إليه علي أنه عمل هادف يبحث عن حل لأزمات حقيقية موجودة في المجتمع لأنني فنانة مصرية سعيدة بأن أكون جزءا من هذا العمل لنؤكد جميعا علي الخطر الموجود في المجتمع‏,‏ وذلك من واقع مسئوليتي فأنا وكل من عملوا في الفيلم نرفض التطرف والقهر بكل صوره‏.‏

·         هل تدخلت في سيناريو الفيلم أثناء الجلسات التحضيرية للتصوير؟

لا علي الاطلاق‏,‏ ولم يسبق لي التدخل في السيناريو لأي عمل سواء أثناء التصوير أم في جلسات التحضير طالما كنت مقتنعة بالشخصية وليست لدي أي ملحوظات عليها‏,‏ لأنني من الممكن أن أتكلم عن الشخصية قبل التصوير‏,‏ ولكن بعد ذلك بمجرد بدء التصوير لا ولا أتدخل لمجرد التدخل ومادمت سعيدة ومقتنعة بالعمل يصبح الأمر منتها‏.‏

·         ماذا عن أجواء وكواليس التصوير خاصة وأنه متردد من قبل أن هناك خلافا كبيرا وقع بينك وبين مني ذكي أثناء التصوير؟

بالنسبة لأجواء وكواليس التصوير كانت رائعة وممتعة جدا لدرجة أنه في كثير من الأوقات كنا لا نذهب إلي بيوتنا ونفضل البيات مع بعض وهذا منطقي لأننا نعيش في مواقع التصوير ومع بعض أكثر مما نعيش في بيوتنا مع أسرتنا‏,‏ أما عن ما تردد من وجود خلافات بيني وبين مني ذكي فهذا الحديث غير حقيقي‏,‏ ومني ممثلة جميلة وموهوبة وأنا كنت مبسوطة جدا بها أثناء التصوير‏.‏

·         ما تقييمك للتجربة ولالتقاء الأجيال الذي حدث في الفيلم بينك وبين نور الشريف مع عمرو واكد ومحمود عبدالمغني ومني ذكي؟

تقييمي للتجربة الحمد لله في رأيي أنها تجربة ناجحة جدا أما التلاقي بين الأجيال فهذا أجمل ما في السينما‏*‏

الأهرام العربي في 21 يناير 2006

سينماتك

 

نبوءة دم الغزال قادمة‏:‏

العشوائية وتحايل الفقراء‏..‏ تواطؤ السلطـة‏..‏ اغتيال البراءة

علا الشافعي

 

 

 

 

سينماتك

 

د. رفيق الصبان يكتب:

دم الغزال.. هذه السيمفونية السينمائية  

* فيلم بديع تأليفًا وتمثيلاً وإخراجًا.. يعيد للسينما المصرية بهاءها المفقود

* ميلاد أحمد زكي جديد اسمه محمود عبدالمغني.. ومخرج عبقري اسمه محمد ياسين  

المفاجأة الحقيقية في فيلم وحيد حامد الأخير «دم الغزال» ليس السيناريو المحبوك جيدا والحوار اللاذع المليء بالمعاني والرموز والإيحاءات الذي عودنا عليها هذا الكاتب السينمائي الكبير.. وإنما هو صعود نجم مخرج شاب هو محمد ياسين.. استحق بهذا الفيلم الثالث الذي يخرجه ألقاب النبالة السينمائية.. وأكد وجوده كواحد من أهم مخرجينا الشبان الذين يمكن للسينما المصرية أن تعقد حولهم آمالها الكبار.

منذ الدقائق الأولي للفيلم.. عرس بلدي في حي شعبي.. حيث تزف فتاة يتيمة شابة إلي رجل متعب ومستهتر وإلي حد ما مدمن مخدرات.. تنظر حولها (وماكياج فاقع علي وجهها) نظرات تائهة مستسلمة جريحة.. إلي جمع الحارة التي أتت لتحتفل بهذا الزواج العجيب.. الذي تحييه راقصة شعبية ترقص علي دقات طبلة شاب.. يلقي نظرات جائعة محمومة علي العروس «المعتقلة».. ويقتحم الفرح لص محترف تعرفه الحارة كلها وتدعوه بالهجام.. أتي ليعلن ولاءه واحتجاجه معا.. قبل أن يدخل إلي الفرح.. ويقفون علي باب سرادقه ثلاثة ملتحين بثياب بيضاء.. يلقون نظرات من نار علي ما يجري وكيف يجري.. ثم يغادرون المكان تاركين سحابة من فزع.. ومن ترقب مختلط بشيء من اللامبالاة.

عشر أو خمس عشرة دقيقة من السحر السينمائي المتمكن.. استطاع فيه المخرج الشاب أن يقول كل ما يريد قوله بسلاسة سينمائية وفهم عميق للشخصيات والجو وطبيعة المكان.. ساعدته في ذلك إضاءة عبقرية لـ«محسن أحمد» ربما كانت واحدة من أجل الإضاءات التي قدمها للسينما حتي الآن.. والتي ستستمر علي هذه القوة وهذه الشاعرية وهذا الإحساس العميق بالمكان والدلالة النفسية للزمن.. خلال الفيلم كله.

العروس المشتراة والطبال والهجام.. هم الأبطال الحقيقيون لفيلم «دم الغزال» أما ما عداهم فهي شخصيات ثانوية مؤثرة.. عرف وحيد حامد كيف يرسمها.. وكيف يستغل كل أعماقها من خلال مشهد أو مشهدين.. وأحيانا عدة جمل حواره وهذا هو بالضبط مركز القوة الثاني في هذا الفيلم الذي يطرق فيه وحيد حامد كعادته موضوعا شائكا.. سبق أن عبر عنه بشكل أكثر قوة وتأثيرا في «طيور الظلام».. أو في مسلسل «العائلة»..

في السيناريو الجديد.. الذي استطاع محمد ياسين أن يحلق إلي أبعد مستوي يمكن أن يحلم به كاتبه.. ركز الكاتب الكبير علي شخصياته الثانوية ومنحها حياة حارة ومتدفقة أعطت الفيلم كله نكهته وطعمه ومذاقه.. منذ المشاهد الأولي المتميزة للفرح.. وتدخل رجال البوليس ومكافحة المخدرات.. وتفتيش الموجودين والعثور علي قطعة حشيش كبيرة أهداها أحد الزملاء للعريس في ليلة دخلته والتي ستتسبب في القبض عليه.. ظهرت شخصية ضابط البوليس الذي يلعب دوره باقتدار ممثل شاب نفتقده كثيرا.. بعد أن لعب أدوارا باهرة في أفلام كثيرة.. وهو عمرو عبدالجليل الذي اختفي قليلا من الساحة.. دون أن تستفيد سينمانا الشابة من مواهبه وحضوره اللافت وقدرته علي تقمص الشخصية التي يلعبها.

ثم «فتحية طنطاوي» المذهلة في ثلاثة مشاهد أدت فيها دور أم العريس المدمن الذي يقبض عليه في ليلة فرحه.. صراخها الهستيري.. اندفاعها وراء عربة البوليس.. ثم طردها القاسي للعروس الشؤم في نظرها.. وإعادتها إلي الدار التي خرجت منها.

ثلاثة مشاهد أكدت حضور هذه الممثلة الطاغي.. وصوتها المميز.. وقدرتها علي خلق جو ومناخ.. من خلال صرخة غاضبة.. أو همسة جريحة.

ومن خلال حفلة الفرح الذي انقلب إلي شبه مأتم.. نتعرف أيضا علي كهلين.. «نور الشريف وصلاح عبدالله» وهما الأبان الروحيان لهذه العروس المباعة.. يقفان دون حيلة أمام مأساة.. تسببا فيها رغما عنهما.

نور الشريف «جابر» كهل يعيش وحده.. علي قمة عمارة شبه متهاوية.. مملكته هي أسراب من الحمام رباها.. وأرسلها إلي السماء الزرقاء الواسعة.. تدور فيها ثم تعود إليه.. إنه يعيش كذبة كبيرة ضخمة.. فهو يدعي أنه يعيش علي إيراد يأتيه من أطيان وأملاك له تقع في عزبة بعيدة.. وينفق منها أحيانا علي كل من له حاجة أو تدفعه الضرورة للاستدانة من الآخرين.. ولكنه في الحقيقة يعيش من خلال مهنة خاصة يجيدها تماما.. وهي إلقاء نفسه أمام السيارات المسرعة في إشارات المرور.. وقبول تعويض من السائقين المذعورين.. إنه يفهم هذه المهنة جيدا.. ويسعي دائما للخروج منها بأقل الجروح وأقل الأضرار إنه يكن حبا مكتوما لهذه الفتاة اليتيمة.. لا يصرح عنه.. ولا تعرف نوعيته إلا في اللحظات الأخيرة من الفيلم التي يذهب فيها ضحية تهور سائق شاب.. «خبطه» هذه المرة دون قصد منه.

دور جانبي.. فيه إنسانية خاصة عرف نور الشريف كيف يبرزها.. وكيف يحقق تأثيرها من خلال أستاذية اعتدنا عليها.. وذكاء خاص به في فهم أبعاد الشخصية وتطورها.

أما الكهل الآخر «عبده» الذي آوي الفتاة لديه هو وزوجته فإنه يعمل «نادلا» في نادي أرستقراطي إنه إنسان طيب.. ولكن طيبته أحيانا تقوده إلي ارتكاب أخطاء لا يدركها.. إنه هو الذي يسعي بعد طلاق الزوجة العذراء إلي التوسط لها كي تعمل خادمة لدي سيدة تدير ناديا صحيا في فندق ضخم.. ولكي يهرب بها من الحارة ومن مطاردة الهجام «عاطف».. والطبال «ريشة» اللذين يتنازعان عليها.

وهناك أيضا الراقصة بدرية.. التي تقيم علاقة مع طبالها.. قبل أن تكتشف أنه يهوي الفتاة اليتيمة «حنان» والتي تضطر بعد أن تحول «ريشة» إلي جانب المتعصبين الدينيين وإثر تهديده لها.. إلي ترك الحارة والعيش تبوح له بالمكان الذي تعمل فيه «حنان».. ورغم أنه لا يفوز منها بأي ضوء يهديه.. فإن البوليس الذي يطارده يكتشف نقطة الضعف التي يمكن لهم أن يوقعوه من خلالها.. وأن تصبح حنان هي «الكمين».. الذي سيجرونه إليه.. في مشهد معركة نهائي.. تسيل فيه دماء بريئة.. ويطلق النار من كل جانب.

في المعهد الصحي الذي ستعمل فيه حنان بناء علي توسط «عبده» (ويعود لنا صلاح عبدالله في دور مدهش يؤكد قدرته وحضوره.. وينسينا بعض الأفلام التافهة التي تضطره الظروف لأن يلعبها) نتعرف علي نادية السيدة التي ستعمل لديها «حنان» (وتلعب دورها يسرا برقة تختلط بها القسوة.. وبعذاب وشجن خفي.. لا أحد يمكنه التعبير عنه قدر يسرا).

والتي تحمل ماضيا ملوثا.. تابت عنه.. بعد أن أهداها كهل عجوز اعتنت به قبل وفاته.. مبلغا كبيرا ساعدها علي أن تبدأ من جديد.

إنها توافق بعد جهد علي استخدام حنان عندها.. وتري فيها شبابها المذبوح وتحاول أن تثأر بواسطتها ومن خلال مساعدتها لماض ملوث وظروف قاسية أجبرتها أن تكون «جارية» في سوق النخاسة العصري.

وفي «المعهد الصحي» نتعرف علي شخصية شاب يعمل في تدريب الأعضاء علي حركات رياضية راقصة إنه الوجه الجديد شريف سلامة.. الذي يملك ابتسامة رائعة ستفتح له أبوابا كثيرة ومذاقا خاصا في أدائه.. يجعله مختلفا عن بقية شباب جيله.

شخصية أحسن وحيد حامد رسمها.. إنه يعطف علي الخادمة حنان.. ويبادلها مشاعر غامضة.. ويخرج معها.. ويحدثها عن أحلامه كما يستمع إلي أحلامها.. ولكن عندما تعرض عليه نادية أن يتزوج حنان.. وأن تقدم له كل التسهيلات المادية التي يحتاجها يرفض بأدب ورقة لأنه يسعي إلي تكوين حياته.. ولا يرغب بالزواج لمجرد العطف والاستلطاف.

صورة جديدة لشباب معاصر عرف وحيد حامد كيف يجعلها مؤثرة وشفافة وتعكس هموم جيل كامل.. وأحلامه ونظرته إلي الدنيا.

وأخيرا هناك هذا الظهور المدهش لرجل الدولة «عبدالعزيز مخيون» والزوج السابق لـ«نادية» الذي أنجبت منه ابنا حرمها من رؤيته حتي عن بعد.. مما سبب لها جرحا داميا لم يلتئم.

وشاهد يسرا معه في حوار وصل إلي أعلي درجات التأثير.. تعتبر من أجمل مشاهد الفيلم خصوصا المعركة التي تدور بينهما في حوض الاستحمام وتشارك فيها الخادمة الصغيرة حنان.

مشهد مدهش مدهش مدهش يحسب لكاتبه أولا.. ثم للمخرج الذي عرف كيف يعبر عنه ويقوده بطريقة تذكرنا بأعمال الأساتذة الكبار سواء في مصر أو في أوروبا.

هذه هي الشخصيات الثانوية التي أغنت السيناريو وأعطته مذاقه وأهميته وكلها تحوم حول الثلاثي الأصلي عصب الفيلم وعموده الفقري.. حنان والهجام عاطف.. والطبال الذي تحول أميرا للجماعة «ريشة».

حول هذا الثلاثي عبر وحيد عن الأفكار التي يريد أن يقولها لنا.

«ريشة» الطبال الذي يتعرض لإهانة قاتلة من الهجام كي يمنعه من منافسته علي حب الفتاة.. والذي تجرحه هذه الإهانة حتي الصميم.. ولأنه يستطيع ردها.. فإنه يقرر الانتماء إلي الجماعة الدينية والاحتماء بها لتحقيق غرضه من الانتقام لكرامته الجريحة.

وتقبل الجماعة.. تطوعه.. رغم معرفتها بفجوره وقلة إيمانه.. لكي تستغله في عمليات إرهابية ويحقق ريشة حلمه.. عندما تختطف الجماعة خصمه وتقيم عليه حد السرقة.. بقطع ذراعه.. إنه لم يقطعها إيمانا بمبدأ ديني.. ولكنه قطع اليد التي ضربته وأهانته.

من خلال تضارب لمواقف الثلاثة.. يقود محمد ياسين حركة الفيلم ويضبط إيقاع السيناريو ويقدم لنا أداء فاخرا متمكنا من أبطاله الرئيسيين الثلاثة.

مني زكي.. في دور الفتاة التي تخرج من عالم الحارة.. إلي عالم جديد ملون مختلف لا تعرف كيف تواجهه.. وتلقي بنفسها في خضمه كما يلقي عاشق البحر نفسه في الأمواج.. دون أن تدرك إمكانية الغرق.. مني زكي عبرت بنضارتها ومهارتها وتكنيكها السينمائي الذي ابتدأ يتطور بشكل مذهل.. عن كل ما يدور في أعماق هذه الفتاة الشابة.. التي تتقاذفها تيارات عاطفية واجتماعية ونفسية شتي.. واستطاعت أن تعبر عن كل ذلك بمهارة وعبقرية وقدرة تشهد لها دون شك أنها أصبحت واحدة من أقدر ممثلات جيلها.

محمود عبدالمغني في دور الطبال «الإرهابي» هو مفاجأة الفيلم الحقيقية إلي جانب مخرجه الكبير.. إنه يذكرنا بوجهه الشاحب وعيناه اللتان تشعان غضبا وحبا وثورة وحنانا وشبقا وقسوة بـ«أحمد زكي» في بداياته.. ولعمري هذا ليس بالقليل.

أما عمرو واكد فيؤكد من جديد ما سبق أن قلناه عنه في أكثر من فيلم وأكثر من مناسبة أنه نمر صغير.. يتوثب أمامنا.. بدهاء ورشاقة ووحشية.

وتبقي نهاية الفيلم التي جاءت مختلفة عن السيناريو الذي قرأته والتي تشير إلي أن «ريشة» مازال حيا يسعي بيننا بعد المذبحة المهولة التي دارت في الحي.. وقتلت علي إثرها «حنان».

«ريشة» الذي يجلس حافي القدمين.. ينظر إلي النيل ويتأمل دون أن يعبر وجهه عن أية عاطفة.. إنه «الوحش» الذي ينبهنا الفيلم عنه والذي يمكن أن ينطلق في أية لحظة ليشعل الحريق.. وعرف محمد ياسين كيف يعبر عنها بكل قوة واقتدار.

جريدة القاهرة في 17 يناير 2006

 

دم الغزال.. ودم الفقراء.. بين السطوة وقلة الحيلة

أشرف بيدس 

يدخل بنا وحيد حامد إلي عالم الفقراء والمهمشين المنتشرين بطول الأرض وعرضها - بفيلمه الجديد «دم الغزال» للمخرج محمد ياسين - ليكشف لنا عن احباطاته وانفعالاته، جنوحه وجنونه، وقلة حيلة الضعفاء، ويسلط الضوء علي مساوئه ويفضح المستور، ينزع اللافتات التي تخفي أكوام القمامة لتبدو الصورة بقسوتها، حيث تستوطن الهمجية وتفرض سطوتها علي المكان والزمان، فنري البيوت المتاخمة والأزقة الضيقة، والرغبات المتصادمة، والأقدام التي تتعثر في السير، وتختلط رائحة البانجو بالمجاري، وتضيق فرص العيش الكريم في ظل هذه الظروف التي تتشعب بها الجريمة حتي تصبح تلالا لا نستطيع تحريكها، وعند أول عاصفة تطيح في وجوهنا بكل ما تعفن وتراكم بها من مشاكل، إنهم إناس يعيشون في الجانب المظلم من الحياة، يتم استخدامهم في أدوار (كومبارسية) إما للتهليل أو للتصفيق، مجرد مجاميع لتزيين المشهد المعدني الذي لا يشعر ولا يحس ولا يتغير!!

الأقوياء يحكمون في كل زمان ومكان بقوانين خاصة بهم دون مراعاة لأي شئ، المهم أن ينالوا ما يطمحون إليه حتي لو استدعي الأمر القتل، وباستعراض شخوص الفيلم تجول الكاميرا للكشف عن هويتهم، فنجد «حنان» - مني زكي - تلك الفتاة اليتيمة التي لم تكمل تعليمها، تقبل الزواج بمن لا تحب، بعد أن ملت نظرات العطف والشفقة من المحيطين بها، وترضي بعريس - محمد شرف - يبدو من عدم تجاوبها مع مداعباته أنها لا تطيقه، وفي ليلة العرس يتوالي ظهور الشخوص، «ريشة الطبال» - محمود عبد المغني- الذي لا يكف عن النظر للراقصة -صفوة - ويبدو من نظراته للعروسة أنه يكمن لها عاطفة، ثم يظهر (البلطجي) - عمرو واكد- الذي يعتلي المسرح ويرقص بمطواة مشوحا بها في وجه الحاضرين معبرا عن سطوته وإجرامه، ولا يكف هو أيضا من النظر للعروسة0 تداهم الشرطة العرس وبتفتيش العريس يعثر علي قطعة حشيش أهداهها له أحد الموجودين بالفرح علي سبيل التحية، يقبض علي العريس، ويسرع «عبده الجرسون» - صلاح عبد الله - يستعطف الضابط أن يتركه، ولكن الضابط يصر علي اصطحابه بعد أن يتم تفتيش كل الموجودين، ويتحول الفرح إلي مأتم، وتعود العروسة إلي شقة الزوجية لتفاجأ بأم العريس تلقي عليها وابلا من الشتائم والسباب وتطردها بعد أن تلقي بملابسها الجديدة في وجهها، وتبدأ الحكاية لسرد تفاصيل أشد مأساوية من ليلة العرس0

حنان بين حجري الرحي

يبدأ الصراع بين الأفراد بمنتهي القوة، وتكون «حنان» هي تلك القمحة التي يدور عليها حجرا الرحي، ما بين البلطجي والطبال وحرصهما المستميت علي الفوز بها، ومواجهة ضعيفة من (عبده وعميش) لحمايتها؛ تنجح في بادئ الأمر لكنها سرعان ما تنهار0

تدور الكاميرا لتكشف لنا عن الوجه القبيح للمناطق العشوائية والفوضي المستباحة بها، ويتجلي ذلك بقوة في مشهد يجمع بين صبي القهوجي وضابط المباحث، عندما يسأله الضابط :

·         لماذا احضرت سيارة للإرهابي؟

وقبل أن يجيب علي السؤال، يطرح عليه سؤالا

·         لو طلب منك رئيس الجمهورية أي شيء00 هل تنفذه؟

أجاب الضابط : علي الفور0

فقال له (صبي القهوجي) : «ريشة» - ويقصد الإرهابي- هو رئيس جمهوريتنا، فكيف لا أطيع أوامره؟

يواصل وحيد حامد بالفيلم كشف الألغاز حول جماعات التطرف، وفي مشهد بالغ الدلالة، يقتاد أتباع «ريشة» ذلك الطبال الذي تحول إلي أمير جماعة خصمه اللدود (البلطجي)، ويقول له في تشف وغل : - هذه يداك التي سرقت، سوف أقطعها؟

فيبادله البلطجي نظرات الحقد والتحدي ويجيبه : هذه اليد التي ضربتك؟

فيستشيط «الطبال» غضبا ويلقي بكل قوته علي يديه حاملا سيفه فيشطرها نصفين0

وتتضح الصورة، فلم يعد الحلال والحرام هو ما يحكم بينهما، ولكن الثأر القديم، والرغبة في ازاحة كل منهما الآخر حتي يخلو له الجو ويمارس سطوته علي الحارة أو الحبيبة0

وفي حوار آخر يقول مدرب الرقص «إن الفقراء لا يأكلون الفقراء» بينما في الحقيقة هناك من يتربص بهم ويستخدمهم، ويجعلهم يأكلون بعضهم0 الفيلم يكشف كثيرا من العيوب والمساويء وتدني أحوال الفقراء وغياب دور الدولة في حمايتهم ورعايتهم وتثقيفهم، ويرصد بقوة سطوة الأغنياء التي تحركهم وفق أهوائهم0

إنها دولة داخل الدولة تصيغ أحكامها بمنطق القوة والقدرة علي الفعل، حتي إن البلطجي تمكن من دخول السجن ليرهب «العريس» ليطلق زوجته البكر، وعندما حاول الرفض، تلقي ما جعله يعدل عن تردده00

ربما كان يرمز وحيد حامد بشخصية «حنان» إلي مصر والتي عانت مصيرها المشئوم بين البلطجة والتطرف ورجال الأعمال وقلة حيلة البسطاء والطيبين الذين وقفوا في النهاية يذرفون الدموع لفقدانها بعد أن كانت سلبيتهم أحد أهم الأسباب الرئيسية لضياعها0

نجوم وأدوار

لا استطيع أن أشكك في مدي وعي نور الشريف، وهذا جعلني أفكر كثيرا قبل الحكم عليه في فيلم «دم الغزال» حتي اكتشفت بعد إعادة قراءة دوره أكثر من مرة، أن هناك كادرين بالفيلم لم يؤدهما طوال تاريخه الفني الكبير من قبل، ربما هذا ما دفعه لقبول الدور ليضيف جديدا حتي لو بدا للبعض أن ذلك قليل، أو أن الفكرة العامة للفيلم استهوته، ولم يقف عند حجم الدور، ورغم ذلك حافظ نور الشريف علي وضع اسمه بطريقة لائقة عكس ما يفعله الآخرون0

يسرا00 كتلة من الأحاسيس، وشعلة لا تنطفئ بفعل الزمن أو الملل، أصبحت صنايعية تملك مهارة التشخيص، وتضبط انفعالاتها عندما تستلزم الأمور ذلك، لكنها في لحظة ما تبدو كالطوفان لا يستطيع أحد إيقافه، إلا إذا كان علي ذات الدرجة من الاندفاع والتدفق الذي تملكه، ولا يقلل من إمكاناتها استهلاك الدراما التليفزيونية لطاقتها0

يخطو صلاح عبد الله بدور «عبده الجرسون» خطوات غير مسبوقة كان قد بدأها في «مواطن ومخبر وحرامي» في دور الصول عبد الغفور، وأصبح الآن يملك براءة اختراع أدوار معينة لا يستطيع أحد الاقتراب منها، لأنه يملك مفاتيح تلك الشخصيات، ويستطيع أن يكشف عن بعضها كلما جاد عليه الزمان، يحلق بعيدا عن الأداء المفتعل لأنه يؤمن بأن تلك الشخصيات المليئة بالعفوية والبساطة الطريق إليها لا يكون إلا عبر الصدق، لذا نراه في «دم الغزال» يعزف مقطوعة خاصة تفوح منها رائحة الأصالة والتي تنقرض من أحيائنا الشعبية وحوارينا. فهناك شخصيات بسيطة جدا مازال قوام بيوت كثيرة مرهون ببقائها، ولأن يدرك الابعاد الاجتماعية والنفسية ل «عبده الجرسون» كان الأقدر علي تصدير مفرداته، ربما هذا ما جعل الجماهير تشفق كثيرا عليه، إن صلاح عبدالله رغم محاولات أفلام (النص نص) التي استهلكت إمكاناته يملك الكثير شريطة أن يكون هناك دور يفجر داخله تلك الإمكانات الرائعة وغير التقليدية0

مازالت مني زكي قادرة علي أن تضيف لتلك الشخصيات التي تقوم بأدائها بعدا إنسانيا مضحية بأي إغراء لتحسين صورة تري أن قبحها لمصلحة الدور، وتستطيع أن تفاجئ جماهيرها بأداء راق به كثير من التحولات الحسية التي تنتاب الشخصية التي تؤديها والعودة مرة أخري بسهولة ويسر دون أن يغفل عنها أي تفصيلة صغيرة، إن مني زكي فنانة تصبغ الأدوار بأحاسيس خاصة0

عمرو واكد ومحمود عبد المغني، بطلان حقيقيان وفي مواقع مرموقة ومتقدمة، في وجود عمالقة مثل نور ويسرا وصلاح ومني، اعطاهما نص وحيد حامد الفرصة للكشف عن تلال الإمكانات التمثيلية الكامنة داخلهما، تصارعا وتباريا ولأنهما مؤهلان بما يملكانه من موهبة رفعا بعضهما البعض، وكانت مشاهدتهما كمباراة لخصمين يملكان مفاتيح اللعب في ملعب مفتوح، ولأن المهارة لا تنقصهما جاء العرض ممتعا بعيدا عن الاستعراض، وحتي لا تشوه الأعمال الرديئة مهاراتهما العالية، يجب عليهما توخي الحذر، لأنهما بالفعل يستحقان مكانة أعلي، حتي لو اضطرا كثيرا للتضحية بمغريات وإغراءات لا يفرط فيها البعض0

أما عبد العزيز مخيون، وعايدة رياض، وفتحية طنطاوي، ومحمد شرف، وسعيد الصالح، وسامي مغاوري، سلامة، وعمرو عبد الجليل، رغم قصر أدوارهم إلا أن وجودهم كان له بالغ الأثر في إتمام هذا العمل الجيد والممتع0 من الأشياء الجميلة التي ساعدت علي نجاح الفيلم موسيقي عمر خيرت الملهمة والتي أضفت علي الفيلم مذاقا خاص0

أخيرا نص وحيد حامد المتوهج، هو بحق البطل الأول، شخوص تتكلم لغتها، دون أن تتجمل، تتصرف علي طبيعتها وفي سياق واحد تتحرك فيه وتتوازي مع احباطاتها، كما أنه يكشف عما يتعرض له الفقراء من ظلم وقسوة وتجاهل، ترك نهاية الفيلم مفتوحة ايذانا بأن الأمراض مازالت قابعة في جسد الوطن تنخر في مواطن قوته وتفتك به0

نجح المخرج محمد ياسين في التعبير عن الجو الذي تدور به الأحداث ورصد تفاصيل ساعدت المتفرج علي معايشة الشخوص واقعها، وجاء مشهد غرفة نوم العروسة بكل ما فيه من تفاصيل: البيجامة البيضاء، وقميص النوم الأحمر، والمحرمة، وزجاجات البيرة والفاكهة، لينقل صورة حقيقية لم يسبقه غيره إليها من قبل0 كما تنقلت الكاميرا بهدوء وأحيانا بعصبية في مساحات ضيقة للغاية لتضع رتوش بلورت الجو العام للفيلم0

في الأحياء العشوائية كل شيء مباح، القتل، السرقة، التطرف، النصب، البلطجة، العنف، المخدرات، ولأن الفقر هو الذي يحرك كل الشخوص، تأتي النتائج في النهاية مرعبة، في ظل أجواء ينقصها الحد الأدني لحياة كريمة، فالأرض خصبة وجاذبة لكل الأمراض التي تهدد أي مجتمع بالانهيار، ويساعد علي نمو هذه الآفات عدم الاهتمام من قبل الدولة، وفساد الأجهزة المحلية، وغياب الرقابة الأمنية، والجهل والتهميش الذي يمارسه المجتمع (الفوقي) علي هذه الطبقات الفقيرة دون أن يرمش لها جفن0 وكأنها كما يقول أحد أبطال الفيلم : «بلد تانية غير بلدهم ميعرفوش عنها أي حاجة».

الأهالي المصرية في 18 يناير 2006

 

الإرهاب‏..‏ في السينما 

في أواخر الثمانينيات وحتي منتصف التسعينيات تزايدت وتيرة الأحداث الإرهابية‏,‏ وبدأت الدولة في التصدي ومواجهة العنف بالعنف‏,‏ ونظر السينمائيون بعيون الحذر والسلبية إلي ما يحدث حولهم‏,‏ ولم يجرؤ أحد أن يقترب في تلك الفترة من هذه المنطقة الشائكة‏.‏

والبعض كان يري أنها مواجهة سياسية بين الدولة وتلك الجماعات‏,‏ وأن دور الدولة بمؤسساتها هو القضاء عليهم‏,‏ بعد ذلك أخذ السينمائيون الضوء الأخضر من الدولة حسبما ذكر الناقد محمود قاسم في كتابه صورة الأديان‏..‏ ولكن اقتصر دورهم في فترة عن الحديث عن أزمات شركات توظيف الأموال‏,‏ ولكن سرعان ما أدي تطور الأحداث إلي قيام الرقابة بالتصريح بعرض فيلم الملائكة لا تسكن الأرض للمخرج سعد عرفة‏1988‏ والذي تناول بعض المتسترين بالدين‏,‏ وشهد الفيلم قبل ذلك ظروفا حالت دون عرضه‏,‏ حتي تمكن المنتج من عرضه علي استحياء في دار سينما ليدو في أواخر‏1995‏ كما كان الفيلم يعرض بشكل خفي في نوادي الفيديو‏,‏ وعندما زادت العمليات الإرهابية المسلحة في مصر وتم قتل مفكرين ممن يختلف معهم التيار الديني‏,‏ وبعد ذلك أنتج مسلسل العائلة للمؤلف وحيد حامد وهذا المسلسل شهد اعتذارات كثير من النجوم عن الاشتراك في العمل خوفا من التهديدات بالقتل التي لاحقت صناعه‏,‏ وفي نفس الفترة قدم الزعيم عادل إمام فيلمه الإرهابي‏,‏ ثم الإرهاب والكباب لوحيد حامد وشريف عرفة والذي حمل إشارة لأحد المتسترين بالدين‏..‏ وأثناء عرض فيلم الإرهابي‏..‏ كانت هناك حراسات من وزارة الداخلية لجميع دور العرض التي عرض بها الفيلم‏,‏ وجاء بعد ذلك طيور الظلام لوحيد حامد‏,‏ ثم الناجون من النار لعلي عبدالخالق والذي تم إنتاجه في منتصف التسعينيات وتعذر عرضه إلي الآن‏..‏ وتم تسويقه فضائيا أخيرا‏.‏ وهذه الأفلام تناولت لأول مرة شكل التنظيمات الإرهابية وقوانينها في علاقاتها الخاصة ببعضهم البعض من آلية عمل إلي زواج‏.‏

يعد وحيد حامد من أكثر الكتاب الذين تناولوا ظاهرة الإرهاب والتطرف الديني في مجتمعنا‏.‏ سواء في السينما أم التليفزيون‏.‏

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك