من أخطر الاشكاليات التي تعاني منها السينما في بعض الدول هي الشوفينية و المغالاة في الوطنية في ظل المناخ العولمي الذي احكم قبضته على كل شئ وتقوده قوى كبرى . تعتبر فرنسا في العشرة عقود الاخيرة البلد الاوربي الوحيد الذي حمل راية التحدي في مواجهة المد الهوليودي وغزو الثقافة الاميركية للعديد من الشعوب على الرغم من العثرات والصعوبات ، مستفيدة من شوفينية متأصلة منذ القدم بهدف الدفاع عما ماتبقى من الارث السينمائي الفرنسي وحمايته من الغزاة الجدد ، كما تستفيد فرنسا كذلك من عروض المنافسة الحرة في بعض الدول الاوربية ، التي تحكمها قوانين وتشريعات اقتصادية جديدة ، ونستطيع القول بان السينما الفرنسة الراهنة هي الابنة الشرعية لأرث سينمائي ثقيل التركة مع اشكالياته المتعددة وتعقيداته يعود لسنة 1947 كما تتصاعد الدعوات حاليا في فرنسا ، تنادي بحماية ذلك الارث من الزوال قبل فوات الاوان ، كليشيهات عقيمة عفا عليها الزمن لكنها لازالت تتردد في الاوساط الثقافية الفرنسية والصالونات الادبية التي تعني يثقافة الافلام ، رغم أن الواقع أليم للغاية ،ولاتزال بعض الاقلام الهامة تنادي بعودة الافلام الهادفة التي أثرت المشهد الثقافي الفرنسي في الماضي بالعديد من الأعمال الرائعة ،، موضوعات الافلام الراهنة تتعامل مع مؤثرات مختلفة من خلال توظيفها لوسائل الاقناع المختلفة ولكنها تتميز بانها ذات طابع تجاري للغاية تفتقد الى المصداقية اللازمة لكسب الجمهور الى صفوفها ، ولاتزال السينما ترواح مابين ثرثرات وجدالات عقيمة . في حقيقة الامر ان عدد الافلام المعروضة كثير جدا ولكم مايبقى عالقا في ذاكرة الجمهور قليل للغاية، اتسمت الشخصية الفرنسية بالتعصب لكل ماهو وطني ، مع استخدام بعض الألفاظ الرنانة والاصطلاحات الفلسفية الفخمة ، وما لبثت أن طرحت أسلوبا مبتكرا ، تمخض عن ظهور مقاومة شديدة محاولة لصد المحاولات الاميركية لتسويق المنتجات الثقافية على الرغم من غزارتها ، كما تنشط بعض المنظمات العالمية منذ 1993 لحماية ثقافة الافلام في مواجهة قوانين التجارة الحرة الكاملة، على الرغم من تلك المقاومة السرية ، يبدو أن اللوبي الهوليودي لايتوقف وليس له نهاية ولاتزال فرنسا تحمل راية التحدي مستفيدة من شروط اتفاقية التجارة الحرة الدولية التي تعطي الحق للفرنسيين باتخاذ جملة من القرارات والاجراءات لانقاذ صناعة الافلام من الانهيار و الافلاس، ومنذ ذلك الحين ونخن نسمع عما يسمي بالاستثناء الفرنسي ، اذ نطل على اسلوب جديد من المقاومة يملك تصميما نادرا على قدم عصره ، حاشدة لكل الوسائل والطاقات المتاحة للبقاء في ظل العصر العولمي الذي لايعرف الرحمة والبقاء فقط للأقوى ، وتترقب فرنسا في رهبة مفزعة النتائج الخيالية لهوليود التي تحمل صفة الانتاج الضخم والتي لاتضاهيها ضخامة في العالم قاطبة مقارنة بالديكورات التي تعتمد على تكاليف قليلة ، وعلى الرغم من غزارة الانتاج الفرنسي الا ان قلة من تلك الافلام اتجه الى تصوير المنطقي ويفتقد الى الواقعيةالمطلوبة ، على سبيل المثال في مهرجان فينيسيا الأخير للأفلام السينمائية وهو يعتبر واحدا من أقدم المهرجانات في العالم قاطبة ، ظهر غزو المخرجين الاميركيين واضحا كعادتهم كل سنة، حاملين في جعبتهم ابداعات جديدة حتى ان بعض فناني هوليود اكتسب شهرة واسعة من خلال بوابة هذا المهرجان السنوي ،مع نجوم عمالقة امثال جورج كلوني ـ روسل كرو ، مات دامن وكيت وينسلت وغيرهم وكان من الصعوبة هذا العام اختيار بعض الافلام المحلية مقارنة بجودة الأعمال الثقافية المهيمنة مثل فيلم المخرج "جون مادن " "جيال آنج لي" وفيلم "ليلة هانئة وحظ سعيد" لجورج ملوني و كذلك فيلم "رومانسية وسيجارة" للمخرج جون توتورو" ، أما ستيفن سودربيرج قدم فيلم" غموض الجريمة" ، جون سينجلات " أربعة اشقاء" وكاميرون كراو "اليزابيث تاون" أما رون هوارد أخرج فيلم خيتعلق برياضة الملاكمة التي تشتهر بها اميركا بعنوان "سيندرا مان" . ولكن ماذا بمقدور الشوفينية الفرنسية السينمائية أن تفعل ازاء الرأسمالية المدوية ومهما يكن حكم الجمهور لتلك الافلام ، الا اننا لاننكر بذلك مكانتها واحتلالها جزءا هاما في تاريخ الفن السينمائي الحديث ولقد أصبحت شهرتها مثارا للجدل والنزاع من النقاد في كافة أرجاء المعمورة ، ويبدو ان الشعب الفرنسي لايثمن بركات العولمة ، اتخذت فرنسا خطوتين لحماية ذبك الارث القومي : اولا الاستفادة من عائدات المحطات التلفزيونية والتي تصل الى نسبة عشرين بالمائة و الخطوة الثانية تمثلت في الحصول على ايردات مبيعات شباك التذاكر ، على سبيل المثال قبل عامين بلغت كلفة الافلام المنتجة في فرنسا 813 مليون دولار مقارنة بصناعة الافلام الاميركية التي تقدر بثمانية مليارات سنويا ، وليس بمقدرو القائمين على صناعة تلك الافلام التخلي عن مساهمة التلفزيون التي تقدر بالثلث سنويا من اجمالي ميزانية الافلام الفرنسية السنوية ، في فرنسا تبدو الامور مختلفة عن أوروبا خصوصا المضمون عدا أنها تتأثر باتجاهات ومسارات الاتحاد الاوربي الحالية وانتهج بعضها أسلوبا جديدا يقلد فيه هوليود من حيث كثافة الانتاج ولكن اذا استمر الانتاج الفرنسي على تلك الشاكلة فهل بامكانه الصمود في صالات فارغة تقريبا لان الحمهور يقبل على مشاهدة الافلام الاميركية معتقدا انها الافضل ، سواء من التقنيات كما انها تتمتع بجودة سينمائية في حين أن الانتاج الفرنسي على كثرته لايحمل صفة الجودة . أو يقدم رسالة خاصة للمشاهد العادي على الرغم من "الجيتو" المتشكل للحفاظ على مايسمى بالفيلم الفني . في نهاية المطاف تعتبر سياسة مربحة ولكنها تبدو اكثر قساوة على الشعب .مقارنة بالدول الاوربية الاخرى تبدو السياسة الفرنسية مختلفة نوعا ما كونها تضع في حساباتها جيدا اهتمامات العامة من الناس وما يثار حول المشهد الثقافي الحالي في باريس ، أما النقاد فيطلقون عليها "الشوفينية الثقافية" ، بالنسبة لتلك النوعية من الافلام فهي لاتحمل أية هوية ثقافية وتتجلى وظيفتها في اثارة جو من المرح و التسلية للمشاهد العادي ولاشئ آخر بالنسبة للساسة الفرنسيين يبقى الفيلم سياسةثقافية هامة جدا . النهر الارجواني : يبدو ان الاصوان النقدية في الآونة الأخيرة ، قد خمدت واتسمت الجو النقدي بالهدوء عموما فقد اتضح أن النظام القائم اعتمد سياسة التجارة الناججة ، وليس هناك ضرورة لافتتاح متحف يعني بالثقافة السينمائية الفرنسية ، كما نادى بعض النقاد في الماضي ، منذ عام 1947 وحتى يومنا هذا ، لاييدو أن هناك تحسنا في أعداد المشاهدين ، كان طبيعيا في هذا الجو أن تظهر اتجاهات جديدة تطالب بتحسين جودة الانتاج السينمائي فقط أربعة افلام تجذب مايقرب من خمسة ملايين زائر نحو صالات العرض ، على سبيل المثال في عام 2001 نجح فيلم "آميلي" في جذب ثمانية ملايين مشاهد ، من اجمالي 190 مليون زائر للسينما ، يظهر فيلم واحد فقط ينال الاستحسان ، حيث لا يحتوي معظم الانتاج على أية قيم حقيقية ولم تظهر في القائمة سلسلة من الافلام تحتل نفس مكانة فيلم "آميلي" أو غيرها بنفس الجودة مثل الفيلم الرومانسي "الفتاة السمينة" للمخرجة كاترين بريلاتس والفيلم الشهير "العنصر الخامس " للمخرج بيسون الذي أحرز عدة جوائز دولية في ذلك الحين ، واحتوى على جميع عناصر التصاعد الدرامي الرائع الذي كانت تمتاز به الافلام الفرنسية في الماضي القريب كان بيسون سيدو أنه كان من حيث الابداع الفني أوفر المخرجين موجة كان موهوبا بالفطرة اسمه في عالم النجاح من خلال ذلك الفيلم الذي لايزال عالقا في ذاكرة الجمهور حول العالم كما أضاف مزيدا من الحرفية الى فن الجدل والمناورة الى العروض الفرنسية رغم تحول في الوقت الراهن الى كتابة وانتاج الافلام التجارية الكوميدية مثل "تاكسي" وفيلم "تاكسي-2" . قبل عامين خلت ظهر المخرج الفرنسي الشهير "ماثيو كاسوفيتز" بفيلم "النهر الارجواني" الذي يدور حول مفتش البوليس "جان رينو" الذي يبحث عن قاتل محترف في بلدة نائية ، تقوده عملية البحث الى العثور على جامعة تجري فيها أمور غريبة للغاية الاحتاس ومعالجات جينية لتحسين طبيعة النوع البشري ، ناقد الافلام الشهير من صحيفة صن-تايمز شيكاعو "روجر ايبرت" وصف الفيلم بانه كان ناجحا للغاية وقابض للأنفاس ومروع في نفس الوقت وربما يوازي نفس النجاح الذي تميزت به سلسلة أفلام "هانيبال" الشهيرة للممثل انطوني هوبكنز ، وهناك فيلم "آشتيركس و أوبيلكس" الذي تحول الى سلسلة تلفزيونية والقائمة تطول ، مع وجود استثناءات قليلة مثل فيلم "ميثاق الذئاب" وحاليا "فيدوك" ، وفيلم "مودموزيل" للمخرج فيليب ليورت كواحد من الافلام الهامة في السينما الفرنسية وفيلم الكوميديا السوداء "أبواب المجد" للمخرج كريستيان ميريت ويدور حول محموعة من بائعي الكتب الذين يبحثون عن أحلام ضائعة وطموحات في حياة هانئة كريمة ولكن هيهات ، لايجدون سوى الوهم في أرض الواقع المر باسلوب سوداي مرح بطبيعة الحال تتمتع تلك الافلام بانها حافبة بمشاهد المتعة ولكنها لاتترك انطباعا استثنائيا لدى الجمهور لدى المشاهد ،وعلى الرغم من الدعايات الضخمة التي تسبق عرض تلك الافلام الا انها معظها فشل في صنع قاعدة جماهيرية عريضة. يصفها النقاد بانها سينما ثقافية تتمتع باستثناء خاص لكنها وقعت في شباك التجارية رغم انها بعضها يتضمن معالجات درامية متطورة في مشاهد ملفتة للنظر فقط لكنها لاتحقق أرباحا خيالية مقارنة بتكاليف الانتاج ويبقى المشاهد في بحث دائم عن اسطورة حقيقية تتضمن معاني انسانية واضحة المعالم . موقع "القصة العراقية" في 30 يناير 2006
الجبل البارد: وحشية الحرب وقسوة الحب فراس عبد الجليل الشاروط تبقى الحرب وماسيها ميدانا خصبا عند الأدباء والسينمائيين، فالموضوع وخلفيته ومأساة الإنسان فيها وعلاقته بالآخر والهوية يعد بحد ذاته مرجعا للقراءة يثير مخيلة الكتاب من قصاصين وشعراء وكتاب مذكرات وقراء للتاريخ. والسينما جنس أدبي خاص وهو غير معني بقراءة التاريخ كوثيقة بل يقرأ الماضي كي يسقط فرضياته على الحاضر من خلال وسائله الخلاقة بغض النظر عن مصداقية الحدث التاريخي، وبالتأكيد أن مخيلة السينمائي( سيناريست/ مخرج) سوف تتدخل لتروي غير المعلن من ذاكرة الحرب والناس، معتمدا على اللغة السينمائية باعتبارها الوسيط المؤثر، مفسرا من خلال تلك اللغة الأحداث بمعقولية فكرية وجمالية...فقد يصور المخرج الحرب كعنصر أساس في هيكلية الشريط أكثر من كونها مرجعا أو خليفة للأحداث، وقد يختار العكس كما فعل هنا المخرج (أنتوني مانغيللا) فالخيارات التي يطرحها الشريط مختلفة ومتعددة حسب المعالجة والأسلوب. أنتوني مانغيللا يظهر ولعا خاصا بدوا خل النفس البشرية وما تعانيه من ويلات الحروب، ونجد هذه الرؤية منذ شريطه المتميز ( المريض الإنكليزي) الحائز على جوائز الاوسكار، وتجدد هذه الرؤية في شريطه الجديد (الجبل البارد) حيث نرى نفس الثيمات ( الحب، الحرب، الموت) وهي القاسم المشترك في كلا الفلمين، مأساة أينمان (جود لو) وبحثه عن طريق العودة للبيت/ الوطن هي تقريبا بحث المريض الإنكليزي عن الهوية، ومثلما أحترق بطل فلمه الأول وشوهت ملامحه التي كان يخفي خلفها قصة حبه وبغضه للحرب تختفي ملامح أنيمان خلف الدم والقذارة خافيا خلفهما ولعه بادا( نيكول كيدمان) وصاب لعناته على الحرب وويلاتها. حاول مانغيللا أن يصنع ملحمة سينمائية رومانسية على خلفية الحرب الأهلية الأمريكية ويسير على نفس الطريق الذي سارة قبله فيكتور فليمنغ منذ أكثر من (60) عاما، ولكن شريط مانغيللا جاء عكس رائعة فليمنغ( ذهب مع الريح) الرومانسي جدا جاء الشريط عنيف دموي وقاسي جدا. يصور شريط الجبل البارد ذكريات الحرب من خلال وجهة نظر راويتها (آدا) والتي تروي بحزن ولكن بصوت رومانسي بعيد انتهاء الحرب قسوتها وفقدانها لحبيبها أنيمن، وما الجبل البارد سوى المكان الذي دارت فيه حكاية حبهم مكان وسط الجبال العالية التي تغمرها الثلوج طوال العام، وعلى خلفية الحرب التي انتهت وأصبحت ذكرى تروي آدا قصة الحب والحرب على مسامع ابنتها التي لأتعرف والدها... يبدأ سير الروي عندما يساق أنيمن مع رفاقه للحرب ولقاء آدا به قبل الرحيل في مشهد عاطفي مثير عبر فيه مانغيللا بحسية عالية عن الانفعالات التي يعيشها العاشقين، وهل مقدر لهما أن يعيشا هذه اللحظة مرة أخرى أم لا ؟؟ في الحرب يصاب أنيمن بجروح بليغة ثم يقيد مع مجموعة من الجنود الأسرى بسلاسل ضخمة ويعدمون حينما يحاولون الهرب من مصيرهم بإطلاق النار عليهم ( في واحد من أجمل مشاهد الفيلم واشدها بشاعة) ليخرج أنيمن من وسط أكوام اللحم المتهرئة من الرصاص حيا لكنه مازال مكبلا مع الموتى بالسلاسل التي يعجز عن فكها، يحاول أنيمن اختراق الجبهة والحدود ليعود إلى آدا في رحلة شاقة وقاسية يلتقي فيها بأناس أشبه ما يكونون في عالم سفلي يعيشون وسط الفقر والمرض والبؤس، حيث يلتقي عجوز تعالجه باستخراج الرصاص من جسده وبطريقة بدائية مستعملة السكين الحامي وتضمده بالبن وتؤويه وتطعمه حتى يستعيد صحته ليكمل طريق ألعوده وسط الثلوج والتعب والجوع، يعمل أجيرا في بيت امرأة وحيدة مع طفلها، يطارده القتلة، يهرب ولكنه يعود لمتابعتهم عن بعد وهم يقتحمون البيت ويغتصبون المرآة فيما يصرخ طفلها في العراء لكنه ينقذهما بعد فوات الأوان، يصل أخيرا إلى الحبيبة التي تضنه عدوا لقذارته ولحيته الكثة الطويلة، ولكنها تدرك انه من تنتظره ؛ مع رحلة انيمان الشاقة هناك رحلة آدا التي تسير بخط مواز لسير الحكاية الأولى فهي تعاني أيضا نفس العذاب، خشونة الحياة التي هي كخشونة الجبل وبرودته، حرب ولكن من نوع اخر، حرب الحياة، تتحول من امرأة رقيقة إلى مقاتلة تدافع عن أرضها( هنا نتذكر بقوة شخصية سكارليت اوهارا بطلة ذهب مع الريح) ونلتقي بامرأة قوية الشخصية ( رينييه زويليغر) الحائزة على الاوسكار عن دورها هنا في هذا الفيلم، تعلم آدا كيف تحافظ على أرضها وكيف تدافع عنها، وهناك أيضا رجل موسيقي يحاول أن يجعل حياة الفتاتين سعيدة حتى يعود الحبيب. قدم مانغيللا في شريطه هذا صورا دقيقة ورائعة للجبل الجليدي الذي يخيم بشموخ على البلدة الصغيرة بأكواخها الخشبية والتي يعيش أهلها حياة باردة كبرودة ثلج الجبل بعد مقتل أبنائهم في الحرب، صور مبهرة اختلط فيها الموت بالحياة، الواقع بالخيال، الرعب بالرومانسية، الحب بالحرب، الثلج بالنار، وقدم لنا شخصيات إنسانية معقولة لها وجهة نظرها في الحب والفرح والحزن ولديها مخاوفها من الحرب وعواقبها، كما قدم المكان بشكل مؤثر ليصبح وجوده بطلا آخر مع شخصيات الفيلم فهو من تدور الإحداث فيه وحوله. وبذل مدير التصوير جهدا طيبا في مشاهد عاطفية مؤثرة، فيصور لنا واحدا من أجمل وارق مشاهد الفيلم على خلفية النار والموت عندما يعود انيمان مكسورا محبطا لينام في حضن آدا في مشهد ساخن كان الجليد فيه يذوب مع ذوبانهما ببعضهما، مثلما كان للموسيقى العذبة والجميلة للموسيقار جبرائيل يارد في ثالث تعاون له مع مانغيللا وثالث ترشيح للاوسكار ليكرس نفسه موسيقي عربي مؤثر في مسيرة السينما العالمية. يوصلنا مانغيللا للنهاية برقة مؤثرة مذكرا المشاهد بكلاسيكيات السينما، وقد تعد إدانة المخرج للحرب موقفا موفقا لأنه لم يتعامل مع الحدث بنمطية وببطولة مجانية رخيصة، ففي الحرب الجميع خاسرون يبقى الجبل البارد فيلما جميلا ومهما عن ما فعلته الحرب الأهلية بالناس إلا انه اقل رقة والأصح اقل عذوبة وأكثر دموية من اشهر وأجمل كلاسيكيات السينما (ذهب مع الريح). موقع "القصة العراقية" في 30 يناير 2006 |
المخرجة الفلسطينية ابتسام مراعنة: الرجال لا يتقبلون افلامي لانها تكسر العادات والتقاليد الناصرة ـ من زهير اندراوس: قالت المخرجة الفلسطينية ابتسام مراعنة، ابنة قرية الفريديس بالقرب من مدينة حيفا ان افلامها تلاقي اعجاب الكثيرين بالرغم من انتقادها لظواهر اجتماعية مختلفة، وتابعت ان كسر الحواجز والعادات والتقاليد المتعارف عليها تثير الاعجاب والنقد في آن واحد، وشددت في حديثها علي ان عائلتها تدعمها باستمرار ووالداها لعبا ادوارا في افلامها، وكشفت النقاب انها تلقت التهديد بالقتل بسبب اظهار الحقيقة في فيلم الجسر، كما قالت: لا اظهر للعالم غسيلنا الوسخ ولا اظهر مجتمعنا بانه متخلف انما افضح سياسة التمييز التي تسببه . المخرجة مراعنة شقت طريقها بنفسها في عالم السينما ودخلته من اوسع ابوابه، وفي رصيدها مجموعة من الاعمال القيمة والمشرفة، ومؤخرا عرض لها علي القناة الثانية فيلم الجسر الذي تدور احداثه حول قرية جسر الزرقاء، المتاخمة لقريتها، وكعادتها طرحت فيه ابتسام وبجرأة مجموعة من المواضيع الي اثارت التساؤلات ولاقي فيلمها جملة من الانتقادات وصلت الي حد التهديد. عن افلامها وانطلاقتها وحبها للسينما الوثائقية بشكل خاص وعن مواضيع قيمة ومثيرة كان لنا معها هذا اللقاء: في بداية حديثنا سردت لنا ابتسام دخولها الي هذا البحر الواسع.وقالت: انهيت تعليمي السينمائي والتلفزيوني في مدرسة السينما في جفعات حبيبه عام 1997، وبعدها التحقت بكلية دافيد يالين واتممت دراستي لاخذ اللقب الاول في موضوع الاتصال والتربية وبعد انهاء دراستي اخرجت فيلمي الاول بعنوان تصبحون علي وطن وكان باكورة اعمالي وعالجت فيه قضية القري غير المعترف بها، بعدها انتجت فيلمي الوثائقي الفردوس المفقود وحصل علي جائزة افضل سيناريو ضمن مسابقة اقيمت بالتعاون مع السينما الاسرائيلية، ونال جائزة افضل فيلم في مهرجان الافلام العالمي دوك افيف عام 2003، وعام 2004 حصل علي جائزة افضل فيلم في المهرجان النسائي الذي اقيم في حينه في رحوفوت وتم بيعه لعدة شبكات تلفزة عالمية. وانتجت فيلم الجسر الذي اثار الجدل، حيث تطرقت فيه الي قرية جسر الزرقاء والمشاكل التي تعاني منها. والفيلم الثالث كان بدل الذي يعالج قضية زواج البدل حيث انتج بعد ان اختير السيناريو الخاص به من بين 400 سيناريو. واعمل في الوقت الحالي علي اخراج مسلسل وثائقي الي النور اسمه حكاية ويتالف من 10 حلقات بمشاركة 10 مخرجين فلسطينيين يسكنون داخل اسرائيل . وتابعت المخرجة ابتسام مراعنة حديثها عن خوض هذا البحر الواسع المليء بالتحديات والعواقب والصعوبات: دخولي الي هذا المجال لم يكن صدفة، ومن خلال افلامي انتقد ظواهر كثيرة في المجتمع، ومنذ صغري كنت اوجه اصابع النقد الي العديد من الظواهر والقضايا خصوصا ان مجتمعنا لا يساعد نفسه بالرغم من اننا شعب مضطهد، لا علي الصعيد الاجتماعي ولا الثقافي... . وتستمر ابتسام في حديثها: عندما كنت في الـ 16 من العمر انتقدت اوضاع بلدتي، الفريديس، في مقال نشر في صحيفتكم كل العرب . لمست العنصرية الداخلية التي يعاني منها مجتمعنا خصوصا انني تعلمت في حيفا وعشت بنفسي نظرة اهل المدن الي ابن القرية وطالما دخلت في جدالات ومناقشات حول هذه النظرات واردت انتقاد هذه الامور وامور اخري وافضل وسيلة لنقلها هي الصوت والصورة وعن طريق السينما الوثائقية رأيت انه بالامكان ايصال الافكار بطريقة مثيرة . ايجاد فكرة ملائمة لاي فيلم ليست بالامر السهل، وعن اختيار الافكار والمواضيع قالت ابتسام: من بين المشاكل التي تعاني منها السينما بشكل عام هي قلة الوعي لذلك كان المجتمع يتهمني من خلال المواضيع التي اعالجها بانني اخرج الغسيل الوسخ واظهره للعالم واقول بانني لا اخرج الاوساخ الي الخارج ولا اشوه صورة مجتمعنا العربي، انما اتناول قضايا تتعلق بالسياسة الاسرائيلية وكل افلامي تعالج قضايا تنبع من سياسة المؤسسة الاسرائيلية خصوصا انها وضعتنا في اطار مجتمع محبط لا توجد له لا ثقافة ولا ثقة بالنفس وجعلونا ندخل في نقاشات ومشاكل حمائلية تندمج في سياسة فرق تسد، بالاضافة الي دفعنا للعيش في آفات مختلفة من بينها المخدرات ودفعونا للاهتمام بقضايا بعيدة عنا في محاولة يائسة لجعلنا نغض النظر عن السينما والحضارة والثقافة والهوية وغيرها من امور ملحة، لذلك فانني افضل طرح القضايا السياسية والمشاكل الاجتماعية وانظر الي الامور القريبة مني والتي تنبع من الم معين . وعن تقييم الافلام من قبل المشاهدين، قالت ابتسام: بشكل عام تحظي افلامي باعجاب الجمهور وخصوصا بين النساء، اما الرجال العرب فقسم منهم يواجه صعوبة في تقبل افلامي وافكارها لانها تكسر العادات والتقاليد المتفق عليها داخل المجتمع مثل توجيه اللوم الي الرجال والقاء المسؤولية عليهم او ابراز المرأة في دور قيادي وغيرها من امور تكسر ما اعتاد عليه مجتمعنا العربي . فيلم الجسر، الذي عرض مؤخرا علي القناة الثانية وتطرقت فيه ابتسام الي المشاكل التي تعاني منها قرية جسر الزرقاء، ولاقي الفيلم انتقادات كثيرة من قبل الاهالي وقالوا بان مخرجة الفيلم ابتسام حاولت تشويه صورة القرية، وعن ذلك قالت ابتسام: قرية جسر الزرقاء هي قرية عربية مضطهدة من قبل السياسة الاسرائيلية المحنكة التي تضيق الخناق وتقوم بشبك الاخوة وتدفع المواطنين للدخول في مناوشات حمائلية بدل المطالبة باراضيهم المصادرة وباقي حقوقهم. جسر الزرقاء هي قرية فقيرة للغاية مقارنة مع جارتها قيسارية المتطورة. وجسر الزرقاء هي القرية العربية الوحيدة التي بقيت علي الساحل ولم يهجر سكانها ومن خلال الفيلم اثرت هذا التساؤل، ووصلت في الفيلم الي النتيجة بان الدولة ابقت المواطنين ليعملوا في الزراعة لدي اليهود في البلدات اليهودية المجاورة، وجسر الزرقاء هي بمثابة غيتو محاط ببرك الاسماك، والبحر، وقيسارية، والشارع الرئيسي ولا مجال لتطوير القرية، فالعدو من الوراء والبحر من الامام. وللاسف لم يفهم المواطنون في الجسر بانهم ليسوا المذنبين وانني حاولت اظهار الواقع خصوصا انني عشت الظروف الحقيقية وتم تصوير الفيلم عام 2002 ـ 2003 خلال فترة الانتخابات حيث وقعت مناوشات واطلاق رصاص، وتوجهت الي عدة جهات قيادية ومتعلمة من القرية لكنها رفضت التعاون معي، ولانني اظهرت الحقيقة ثارت حفيظتهم ووجهوا اصابع اللوم لي . وتتابع ابتسام: في اعقاب عرض فيلم الجسر وصلتني عدة اتصالات وانا اليوم مهددة بالقتل وبدل توجيه اصابع اللوم الي الجهات المسؤولة وجهت لي وهذا يؤسفني كثيرا لكنني اؤكد بان الفيلم انتج من محبة وتضامن مع الاهالي في القرية الصامدة التي تعيش سياسة عنصرية وسياسة ذل واهانة وليس لاظهار ان مجتمعنا هو مجتمع متخلف والفيلم يظهر الامكانيات باحداث التغيير . الدعم والتشجيع هما امران هامان وضروريان لاستمرارية تقديم الجديد والافضل، وعائلة ابتسام هي بمثابة محور تستند عليه، وعن ذلك قالت: امي تدعمني وتشجعني كثيرا، فالام هي محور مركزي في العائلة ولديها قوة في ارضاء جميع افراد العائلة، وللام قوة رهيبة في التأثير.. امي احدي مشاهداتي الثابتات وبنفس الوقت تلعب شخصية في افلامي، وشاركت في فيلم الفردوس المفقود وفي فيلم بدل، وهي تؤمن بقدراتي وتضع نفسها بين يدي. اما بالنسبة لوالدي فهو معجب كثيرا بافلامي وبشكل خاص يعتبر فيلم الفردوس المفقود افضل افلامي حيث جسد فيه شخصية الرجل الفلسطيني المضطهد الذي طرد من الطنطورة وشارك في حفر القبور الجماعية وهذا كان من بين الامور التي اعطته محفزا لاتقان دوره بمهارة، وانا اهدي افلامي لاحيي ذكري شقيقتي حنان التي توفيت قبل حوالي ثمانية اعوام جراء اهمال طبي . يجب ان تجتمع في كل فيلم ناجح مجموعة من العناصر الهامة لتعطي عملا فنيا متقنا ومتكاملا، وعن ذلك قالت ابتسام: يجب اختيار قصة جيدة للفيلم والقصة الجيدة هي التي تسرد خلال 5 ـ 7 دقائق وتحتوي علي صراعات تمر بها الشخصية بشكل يثير مشاعر واحاسيس المشاهدين والمحافظة علي السيرورة في الفيلم، والفيلم الجيد هو الذي يظهر الشخصيات علي واقعها في حياتها الطبيعية، وتلعب الموسيقي التصويرية دورا مركزيا في الفيلم الناجح ويجب ان تؤلف الموسيقي خصيصا للفيلم وتلائم الآلات الموسيقية شخصيات الفيلم ويجب ان تميز كل شخصية موسيقي خاصة تلائمها وهنالك آلات موسيقية معينة تلائم شخصيات معينة، مثلا آلة الكمان والتشيلو تلائم الشخصية النسائية الحساسة والمكبوتة، بينما يلائم العود الشخصيات الرجولية . تنتج في وسطنا العربي في الداخل الفلسطيني افلام كثيرة لكننا لا نسمع عنها وذلك لعدة اسباب، وبنظر ابتسام فان احد اسباب هذه القضية يعود لدعم الافلام من الناحية المادية، وتابعت ابتسام حديثها: النوع الاول من الافلام التي تنتج هي المدعومة ماديا وتعرض في دور للسينما اليهودية في اعقاب انعدام وجود دور للسينما في وسطنا العربي، حيث نجد سينماتك الناصرة الوحيد. وذلك ليس بسبب سياسة التمييز من قبل الحكومة، انما بسبب غياب مستثمرين عرب يهتمون بهذا الجانب ويفضلون الاستثمار في امور اخري منها المطاعم وصالات الافراح بدل اقامة صالات ودور سينما. والنوع الثاني من الافلام هي التي تخرج الي النور بشكل مستقل لكننا لا نسمع عنها وتبقي علي الرف بالرغم من جودتها . القدس العربي في 30 يناير 2006 |
واقع السينما الفرنسية مابين الشوفينية المتأصلة… ومواجهة المارد الهوليودي ! انتصار الغريب |