كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما

 

جديد الموقع

 

عن فيلم «ليلة سقوط بغداد» للمخرج محمد أمين...

صرخة مصرية فانتازية في مواجهة «الغطرسة الأميركية»

هاشم النحاس 

منذ أن شاهدت فيلمه الأول «فيلم ثقافي» عام 2000، وأنا أشعر بأنني أمام شاب سينمائي موهوب. اسمه محمد أمين، يكتب ويخرج للسينما على مستوى رفيع من البلاغة والتمكن الحرفي وخفة الظل، فضلاً عن الجرأة في اقتحام المحظورات وتحطيم التابوات. حيث كان معظم مشاهد الفيلم مفاجأة لنا بجرأتها وخفة ظل أدائها وتلقائية العرض مع وحدة الاسلوب التي حافظ عليها المخرج محمد أمين. لكننا منذ البداية نقول هنا انه افتقدها في بعض أهم لحظات في فيلمه الجديد «ليلة سقوط بغداد». وإن كان في هذا الفيلم من الجوانب ما يستحق التقدير.

في مقدمة ايجابيات الفيلم أنه يناقش مشكلة راهنة تؤرق كل المصريين اليوم، كما تؤرق غيرهم من شعوب الدول المحيطة العربية وغير العربية، وهي «غطرسة السياسة الأميركية»، وشعور المواطن في هذه المنطقة بالتهديد والقهر في كل لحظة، فضلاً عن المهانة، والإبادة اليومية التي تصيبه أو تصيب أقرانه من جراء البطش والعدوان المباشر أو غير المباشر. وجاء الفيلم في وقته ليعبر عن هذه المشاعر الشعبية المكبوتة التي لا تجرؤ الأجهزة الرسمية على الاقتراب منها.

ويتخذ الفيلم شكل «الفانتازيا» للتعبير عن هذه المشاعر ويسمح الخيال الجامح للفانتازيا بالتحرر من منطق الواقع وقيوده ويمنح الفنان من الحرية ما لا تتيحه المعالجة الواقعية. انها «فانتازيا» ساخرة، والمشاهد المقهور تطربه السخرية من قاهره، كما تطربه السخرية من نفسه أحياناً حينما تكشف عن مواطن ضعفه فتختلط عنده مشاعر الضحك بالبكاء.

القصة

ناظر المدرسة (حسن حسني) يؤرقه كابوس يداهمه في المنام عن الاحتلال الأميركي لمصر بعد سقوط بغداد، وخصوصاً بعد تهديد سورية وايران، ويعاني في اليقظة من شعوره المضني بأن طوق الحصار الأميركي يزداد اقتراباً منا. يلجأ الى البحث عن تلميذه القديم الذي كان يحمل بوادر العبقرية في صغره، ويشاكس المدرسة والزملاء باختراعاته، لعله يجد عنده اختراعاً للمقاومة.

وعندما يعثر عليه (ويقوم بدوره احمد عيد) يبيع حضرة الناظر كل عقاراته ليوفر له عملية البحث عن سلاح للردع. ويدعوه الى الإقامة مع أسرته. ويوفر له كل طلباته لتحقيق هذا الهدف حتى لو اقتضى الأمر أن يشتري له الكيف بنفسه ويزوجه من ابنته (بسمة).

وينتهي الفيلم بما يشبه الحلم أو الكابوس حيث تصل طوابير المارينز الأميركية الى أرض مصر. وتتحرك الطائرات الصاروخية، لكن سلاح الردع الذي اخترعه العبقري (احمد عيد) أخيراً يصعق الطائرات، ويتوجه حضرة الناظر (حسن حسني) الى جمهور المشاهدين سعيداً بما حققه ليقول لهم ماذا كان يمكننا أن نفعل لو أننا لم نخترع هذا السلاح الرادع»!

القصة على رغم فانتازيتها البعيدة من الواقع، تحاول أن تظل على تماس معه. ذلك أن هذا التماس هو ما يجعل لها معنى ويبرر وجودها. ويسعى الفيلم للحفاظ على هذا التماس في معالجته التفاصيل: فعندما يبحث الناظر عن تلميذه العبقري بعد أن تخرج في كلية العلوم، يجده مع مجموعة من زملائه في جلسة حشيش، لشدة ما أصابه من إحباط. ويوظف عبقريته في اختراع جهاز يلحقه «بالجوزة» ليضبط من طريقه كمية التخدير التي يسحبها بأنفاسه!

ولا يستطيع «العبقري» مواصلة البحث لاختراع السلاح المطلوب من دون ان يعمر دماغه بسيجارة من المخدرات، ويأمره الناظر بالبقاء في معمله في البيت حتى لا يتعرض للقبض عليه. ويذهب هو بنفسه - بعد أن يتنكر في زي شيخ - الى وكر بيع المخدرات ليجد في طريقه ثلاثة من تلامذته الصغار في طريقهم الى الوكر ذاته، فيعترضهم ويمارس عليهم وظيفة الناظر، ما يكشف حقيقته، فيدعي انه جاء لشراء المخدرات لاجراء بحوث علمية عليها، ويترك لهم حرية شرائها.

مبالغات

هنا يعاني العبقري الشاب من هواجسه الجنسية فيحلم ببمارسة الحب مع كونداليزا رايس (وزيرة خارجية أميركا) ويجعلها ترقص له على السرير! ويقع في حب بنت الناظر (بسمة) فيطلب يدها من أبيها فيوافق حتى تهدأ مشاعر العبقري ويصفو ذهنه للبحث والاختراع. وتدعي (بسمة) الموافقة «من أجل مصر». وتتحول أغاني حفلة الزفاف الى أناشيد وطنية تعود بالذاكرة الى أيام الزهو الوطني، ما يدفع المدعوين الى المشاركة الجماعية في ادائها!

وهكذا يواصل الفيلم عرض تفاصيل أحداثه الخيالية، لكنها في تماسها بالواقع تشير الى دلالة أو أكثر من الدلالات الخلفية التي تتجاوز ما يبدو على السطح من المشهد.

لكن الفيلم أفرط أحياناً في استخدام الجنس لاستخراج بعض الدلالات السياسية، وكان منها ما يبدو في مثل لوحة جندي المارينز الذي يضعها خلفه على قاعدة المرحاض وهو يقضي حاجته، لإذلال نفسه على حد تعبيره أو يضعها أمامه على ركبتيه انتقاماً منه (؟!) ومنها ما يربك المشاهد كما حدث عندما ارتدت العروس (بسمة) لزوجها زي المارينز لتحثه على ممارسة العلاقة الزوجية معها بعد أن فشل في ليلة الدخلة.

واذا كان التحليل النفسي يرى أن العلاقة الجنسية لا تخلو من قدر من العدوانية إلا أنه يرى أيضاً أن الحب هو الأساس الغالب على هذه العلاقة بين المحبين، وارتداء العروس زي المارينز يسقط عنها بعدها الأساسي ويحولها الى عملية عدوانية، وهو ما يتناقض وطبيعة العلاقة بينهما، كما يتناقض مع بناء شخصية الزوج (احمد عيد) داخل الفيلم حيث يكره المارينز وينظر اليهم كأعداء، وكانت مثل هذه المحاولة من الزوجة بارتداء زي المارينز لاثارته جديرة بأن تؤدي به الى فشل أكبر. لكنها على العكس نجحت في إثارته، كما أراد المخرج - الكاتب.

استطاع محمد أمين تمرير هذا الخطأ النفسي - الدرامي على المشاهد ونجح في تطوير الموقف الى فكاهة ساخرة لا تخلو من دلالة واضحة حين نرى في المشهد التالي أم العروس (هالة فاخر) تفاجئ زوجها (حسن حسني) وهو يتجه الى سرير النوم بأنها تنتظره بلباس المارينز الذي يثيره ايضاً. وفي صباح اليوم التالي نرى حبال الغسيل الممتدة خارج كل الشرفات منشوراً عليها أزياء المارينز بعددٍ كبير!

الى هذا يشوب الفيلم قصور أساسي، يتمثل في عدم الاحتـفـاظ بالسير على شعرة التماس المشدودة بين الواقع والخيـال. اذ وقـع الفيلم أحيـاناً في شباك المعالجة الواقعية للأحداث، فـفـقد وحدة الأسلوب، وقطع على المشاهد الطريق الى التمتع بمواصلة المتابعة الخـيـاليـة. أوضح الأمثـلة على ذلك مشهد دفاع (بسمة) عن كثرة الإنجاب، ومشهد الحوار الحاد بين الناظر و «العبقري» عن مسؤولية التخلف في مجتمعنا بين الجيل السابق والجيل الحالي.

المشهدان أُخرجا بعيداً تماماً من جو السخرية (والفانتازيا) التي سار عليها الفيلم. ودار الحوار بجدية واقعية تنافس أي فيلم واقعي. يضاف الى ذلك أن الانحياز الى رأي (بسمة) باعتبار كثرة الانجاب قوة وطنية، يجيب عن سؤال خاطئ، ومخادع، لأن المسألة ليست في كثرة الإنجاب أو تحديده، وإنما في كيفية استثمار الطاقة البشرية. واذا كان للفانتازيا أن تتحرر من قيود الواقع، فلا يعني هذا تمرير أفكار سطحية أو مغلوطة.

ويتبع هذا القصور الميل أحياناً الى الخطابية والمباشرة كما حدث في المشهدين السابقين، والاعتماد في السرد على الحوار والتعبيرات اللفظية، وإن كان منها ما قد يمثل قفشات مثيرة للضحك أو مثيرة للمعنى كأن يعلق «احمد عيد» على قبول «بسمة» الزواج به من أجل مصر بقوله: «أهي مصر إدتنا حاجة». أو أن يرد اللواء متقاعد (يوسف داوود) على سؤال الناظر ان كنا نملك سلاحاً للردع بقوله: «إننا نملك الايمان والله يتـولانا» قـالها بنبرة جدية فيها من المبالغـة وطريقـة الأداء ما يثـير معاني عكسية. إن مثل هذه المحاولات تظل في حدود التعبير عن المعنى بالحوار لا بالحدث، الذي كان حرّكه محمد أمين في فيلمه الأول «فيلم ثقافي» حيث كانت المعاني تتدفق تلقائياً عن الأحداث.

غير أن ما قدمه محمد أمين كاتباً ومخرجاً في فيلمه الثاني «ليلة سقوط بغداد» جاء مبتسماً ببراعة حرفية لا بأس بها، وجهد فني وخفة ظل، فضلاً عن جرأته في تناول الموضوع، والتدقيق في اختياره وتقديمه في الوقت المناسب بما يكفي للحفاظ على أملنا فيه باعتباره واحد من رموز شبابنا الواعدين في السنيما المصرية - العربية.

الحياة اللبنانية في 10 فبراير 2006

 

ليلة سقوط بغداد.. يعرى واقعنا ويضحكنا عليه

فاتن محمد علي 

يقدم محمد أمين كمؤلف ومخرج فى فيلمه ليلة سقوط بغداد الكوميديا فى أرقى مستوى، حين تتبنى قضايا خطيرة تؤرقنا فتنتزع منا الضحك على طريقة شر البلية ما يضحك.

الفيلم يتناول عددا من القضايا الاجتماعية نعيشها وننغمس فيها ولكن حالة التخدير التى يعيشها المجتمع بشبابه المحبط والمغيب، ومواطنيه الذين يعيشون تحت خط الفقر يلهثون وراء لقمة العيش، فيدق السيناريو ناقوس الخطر من خلال الموضوع الرئيسى يطرح قضية البلطجة الأمريكية التى تمارسها على الشعوب، بداية من احتلال العراق وما تمارسه من وحشية وقهر، وهذا الخطر القادم لا محالة علينا من خلال مواطن مصرى شاكر الناظر فى إحدى المدارس الثانوية يتابع ما تبثه الفضائيات من وحشية وهتك للأعراض وسلب واغتصاب، تسيطر على أحلامه كوابيس يرى فيها اقتحام المارينز لمنزله واغتصاب ابنته الوحيدة، هذه الكوابيس تجعله يتساءل فى رعب.. ماذا نفعل حال احتلال أمريكا لنا؟ هل لدينا ما ندافع به عن أنفسنا؟ وينتقل من التساؤل إلى البحث والتقصى، ويهديه صديقه إلى احد قادة المقاومة الشعبية عام 56، ولا نعرف لماذا 56 تحديدا، ربما أراد استلهام روح الجماهير فى هذه الحرب.

لا تتوقف كوابيس الناظر التى تتعدى مرحلة النوم لتظهر فى صحوه أيضا فيتخيل فى لقطة أبدع فيها المخرج طابور المدرسة أن العلم المصرى أصبح العلم الأمريكى بديلا له، وصفوف التلاميذ هم جنود المارينز، الناظر يقرر التصرف بنفسه، يتذكر احد طلابه النابغين طارق غير أنه سرعان ما تتبدد فرحته بلقاء طارق حين يجده فى احد أوكار تعاطى المخدرات غائبا عن الوعى، ليؤكد على الحقيقة المرة وهى وأد مواهب أبنائنا وتبديد قدراتهم، يعرف طارق انه يريد استثمار عبقريته فى اختراع سلاح ردع نواجه به أمريكا، وفى إطار الخيال العلمى يحاول طارق الاختراع، بينما يهيئ الناظر كل الوسائل التى تحفز طارق وتساعده على إنجاز اختراعه الحلم ليس من خلال المراجع والكتب العلمية، ولكن من خلال المخدرات والجنس، فيضطر الناظر لإحضار المخدرات له بنفسه، ليطرح السيناريو عددا من القضايا المصاحبة مثل الإحباط الجنسى واللعب على التقاليد والحلال والحرام، فيزوج شاكر ابنته لطارق لكى يشبعه عاطفيا، بعد الزواج يكتشف طارق عجزه نتيجة الإحباطات السياسية وما يراه من ممارسات وحشية يمارسها الأمريكان فى البلاد المحتلة والتهديدات المستمرة، حيث استخدم السيناريو العجز الجنسى مرادفا لعجز الحكومات العربية، ويؤكد على هذا ما تقوم به زوجته حين ترتدى ملابس مجندة أمريكية، فيستعيد طارق فحولته، وكأنه يثأر ويرد الصفعة، ونرى فعل الانتقام يتكرر حين يحلم طارق بأنه يضاجع كونداليزا رايس رمز التجبر الأمريكى، وفى إشارة مباشرة من السيناريو نرى أن أمريكا تخترقنا حتى حجرات نومنا، وبالطبع تتطلع إلى اختراع طارق وتحاول نزعه منه، وأمام محاولات ضباط الاستخبارات شراء الاختراع تتصاعد وتيرة الفيلم بتصاعد التهديدات الأمريكية وفشل المشروع فى أولى تجاربه، وفى لقطة أراد المؤلف أن يؤكد على سلاح الإيمان نجد أهالى الحى مجتمعين يؤدون صلاة الفجر يبتهلون إلى الله لإنجاح الاختراع.

نجح الفيلم فى تقديم الواقع المؤلم لنكتشف أن حالة التخدير والتغييب متعمدة حين يتجاهل رجل مال كبير اختراع طارق ويطالبه باختراع كارت رنات للمحمول الذى يعتبره هو المشروع المناسب تماما للمرحلة، ويحسب للسيناريو تلميحاته إلى إمكانية تغيير الواقع واستعداد الناس لهذا التغيير من خلال مشهد من أجمل مشاهد الفيلم حين وضع الناظر أغانى وطنية فى عرس ابنته مستخصرا الوعى فكان حماس المدعوين على اختلاف شرائحهم مركّزا على فتاتين تجذبان شاليهما لتغطى كل منهما عريها احتراما للحظة، كما يحسب للمخرج اختيار شابين ليضطلعا بالبطولة الأولى لهما، احمد عيد بحضوره وطبيعية أدائه وخفة ظله حيث لا يجتهد فى إضحاك الجمهور، وبسمة وجه جميل وأداء جيد متفهمة لدورها وللشخصية فكانت الثورية المتحمسة والأنثى الجميلة الناعمة، أما المبدع حسن حسنى فى أفضل أدواره على الإطلاق منذ غزوه لأفلام الشباب فجاء أداؤه صادقا يبرهن على أن الفيلم الجيد ينزع الإبداع من الممثل والعكس صحيح، كما يحسب للمخرج الاستعانة بممثلين كبار مبدعين نعتز بهما هما يوسف داود وإحسان القلعاوى اللذين أبدعا رغم صغر دوريهما.. وأخيرا يحسب للفنانة المنتجة إسعاد يونس تحملها فيلما جريئا يطرح قضايا ملحة ومؤرقة.

العربي المصرية في 5 فبراير 2006

 

سينماتك

 

سمير فريد يكتب من هنا وهناك

«ليلة سقوط بغداد» أحسن فيلم مصري عام 2005

 

 

 

 

سينماتك

 

* برنامج خاص عن السينما المصرية المستقلة في مهرجان الفيلم الأوروبي

لم أهتم بنقد «فيلم ثقافي» أول أفلام مخرجه محمد أمين عام 2000 الذي أخرجه بعد 15 سنة من تخرجه في معهد السينما بالجيزة، لأنني رأيت أنه مجرد نكتة طويلة عن ثلاثة شباب يعانون من الكبت الجنسي، ويريدون مشاهدة فيلم «بورنو»، وعندما يجدون المكان المناسب، يكتشفون أنه تسجيل لإحدي جلسات مجلس الشعب.

كان ما يميز الفيلم أنه يعبر عن معاناة الجيل الذي ينتمي إليه محمد أمين، ويعلن مولد ثلاثة ممثلين موهوبين، وهم: أحمد عيد وأحمد رزق وفتحي عبدالوهاب، وكان ما يميزه أيضا، جرأة في تناول الجنس في عصر «السينما النظيفة» أو بالأحري السينما «المحجبة»، وجرأة في تحطيم ممنوعات تقليدية عن المسجد والكنيسة، ومجلس الشعب وطقوس الموت وغيرها. ولكنه ظل أقرب إلي فيلم قصير تحول إلي فيلم طويل من دون مبررات درامية كافية.

ولكني عندما شاهدت فيلم محمد أمين الثاني «ليلة سقوط بغداد» عام 2005، أدركت أننا أمام فنان سينمائي، متميز يصنع عالما فنيا خاصا، وهو نوع نادر من فناني السينما في مصر. كما يؤكد هذا الفيلم من ناحية أخري أن منتجته إسعاد يونس تحمل في داخلها فنانة حقيقية، ولا تريد أن تتبع السائد فقط، وإنما تريد أيضا أن تساهم في صنع تاريخ السينما في مصر.

محمد أمين لا يريد أن يقف وراء الكاميرا ليضيف إضافة كمية إلي الأفلام المصرية، وإنما إضافة نوعية، حتي لو انتظر 15 سنة لإخراج فيلمه الأول، وخمس سنوات بعدها لإخراج فيلمه الثاني. ومن حسن حظه أنه وجد المنتجة التي تؤمن بموهبته ولو متأخرا، ومن حسن حظ السينما في مصر وجود محمد أمين وإسعاد يونس. وقد كانت إدارة مهرجان القاهرة موفقة تماما في اختيار «ليلة سقوط بغداد» لتمثيل السينما المصرية في دورة عام 2005، فهو بالفعل أحسن فيلم مصري ذلك العام، ولا يغير من ذلك عدم فوزه بأي جائزة في المهرجان، كما لا يؤخذ عدم فوزه علي لجنة التحكيم، فالجوائز دائما مجرد وجهة نظر هذه اللجنة أو تلك، وليست المقياس الوحيد لتقييم الأفلام.

عالجت الأفلام المصرية عام 2005 قضية التطبيع مع إسرائيل في فيلم «السفارة في العمارة»، وقضية غزو قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا لـ«العراق» في فيلمي «معلش إحنا بنتبهدل» و«ليلة سقوط بغداد». وقد جاءت الأفلام الثلاثة في إطار تيار السينما الكوميدية الكاسح منذ عشر سنوات، أو بتعبير أدق سينما الفارس (الترجمة الصحيحة لكلمة فارس هي الهزلي). وعندما قرأت أخبار تصوير هذه الأفلام قلت للوهلة الأولي، وهل تصلح مثل هذه القضايا للهزل؟! وأليس هذا هو الهزل في موضع الجد والدماء تسيل في فلسطين والعراق كل يوم؟! ولكني عندما شاهدت «ليلة سقوط بغداد» شعرت أن انطباعي الأول لا يعدو جمودا عقائديا سينمائيا، وتذكرت الفيلم الأمريكي «ماش» (الحروف الأولي من مصطلح مستشفي ميدان عسكري) تحفة روبرت التمان عام 1970، وهو فارس تدور أحداثه في مستشفي ميدان أثناء حرب فيتنام، وعرض في ذروة هذه الحرب، ويحفل بالعمليات الجراحية وأشلاء الجنود المتناثرة!

15 سنة من السينما المستقلة

كانت الموسوعة البريطانية علي حق عندما اعتبرت عام 1989 أهم أعوام القرن العشرين. فهو العام الذي شهد سقوط جدار برلين، وتوحيد المدينة بعد نحو نصف قرن من نهاية الحرب العالمية الثانية، وما تلاه من توحيد ألمانيا، وسقوط الاتحاد السوفييتي، وسقوط النظم الشيوعية في شرق أوروبا، وباختصار نهاية النظام السياسي العالمي الذي بدأ عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية، ومولد نظام عالمي جديد لايزال في طور التكوين منذ ذلك الحين، أو لم يتبلور بعد بوضوح كامل.

ومن اللافت أن العام التالي لأهم أعوام القرن، وهو عام 1990 شهد تحولا جذريا أيضا علي صعيد العالم العربي. ففي ذلك العام قام نظام صدام حسين في العراق بغزو الكويت تحت دعاوي خرافية وحمقاء مثل حق العراق التاريخي القديم في الكويت، وهو خرافة، أو الوحدة العربية بالقوة العسكرية، وهي حماقة، أو أن ذلك الغزو بداية الطريق لتحرير فلسطين، وهو ما يجمع بين الخرافة والحماقة. وقد أنهي ذلك الغزو حلم الوحدة العربية علي الأقل في الأفق المنظور، والأخطر أنه أدي إلي عودة الجيوش الأجنبية إلي المنطقة علي طريقة القرن التاسع عشر.

وارتبط مولد النظام العالمي الجديد في التسعينيات آخر عقود القرن المنصرم بثورة تكنولوجية هائلة جعلت العالم قرية صغيرة بالفعل علي حد تعبير عالم الاتصالات الكبير مارشال ماكلوهان. فمع حرب تحرير الكويت ولدت الـ «سي إن إن» كأول قناة إخبارية تبث من الفضاء من دون توقف علي مدار الـ 24 ساعة، وتطور الكمبيوتر الشخصي، وربطت شبكة إنترنت بين كل من يملك كمبيوتر في الأرض، وتطورت كاميرا الفيديو ونافست كاميرا السينما.

وقد تبدو هذه مقدمة طويلة لا علاقة لها بالموضوع، وهو السينما المستقلة في مصر، ولكن هناك ارتباطات قوية. ففي مطلع التسعينيات كانت السينما المصرية مثل عجوز يعاني من أمراض كثيرة وعلي وشك الموت، ولكن وفي مؤسسة بروهلفستيا السويسرية بدأت ورش عمل مصرية ـ سويسرية محدودة في استخدام كاميرا الفيديو لإبداع أفلام لمخرجين مصريين شباب ينتمون إلي عصر ما بعد 1989 وتطورت هذه الحركة مع تطور كاميرا الفيديو، وأصبح لها بعد 15 سنة مئات الأفلام التي تنتج كل يوم من دون رقيب ولا حسيب، ومن دون توثيق أيضا. لم يعد الأمر في حاجة إلي ميزانيات كبيرة، ولا حتي إلي شركة إنتاج، إنها السينما تعود من حيث بدأت مع أفلام الهواة، ولكنها هذه المرة سينما محترفين يعملون خارج السوق، ولا يريدون منه شيئا ولا حتي جمهوره.

إنها سينما تصنع في البيوت، كما يصنع الأطفال في بطون أمهاتهم علي حد تعبير فنان السينما السنغالي الكبير «عثمان سمبين». ومثلما يصنعها أصحابها في بيوتهم، يصنعون جمهورها أيضا خارج دور العرض التجارية. وهي تمثل الأمل الحقيقي لإعادة السينما المصرية علي خريطة العالم السينمائية مرة أخري بعد غياب طويل. وقد أدرك الفنان «فاروق حسني» وزير الثقافة ذلك، وقرر دعم السينما المستقلة، ومن دون شروط بيروقراطية تفقدها استقلالها.

وعلي مدي عشرة أيام من 1 إلي 10 فبراير القادم، وفي إطار المهرجان الثاني لأفلام دول الاتحاد الأوروبي الذي يقام في دار أوبرا القاهرة، وتحت رعاية فاروق حسني، يقام لأول مرة برنامج خاص عن السينما المستقلة في مصر يعرض 44 فيلما لـ 28 مخرجا ومخرجة من إنتاج الـ 15 سنة الماضية.

جريدة القاهرة في 24 يناير 2006

 

فرق كبير بين نوايا صناعه وما أنجزوه

فيلم ليلة سقوط بغداد.. التفسير الجنسى للاحتلال

أحمد يوسف 

يعيش الناقد دائماً أمام فيلم مثل ليلة سقوط بغداد إحساساً بالورطة، ففى مواجهة سيل من الأخبار التى تنهال عن صراع بين صناع الفيلم والرقابة، لابد أن تجد نفسك منحازاً لما نطلق عليه فى الفاضية والمليانة حرية الإبداع، وإذا قيل لك إن الفيلم سياسى يتناول قضية شائكة من النوع الذى تخشى صناعة السينما المصرية ومن هم وراءها من تناولها بجرأة وهى قضية الغزو الأمريكى للعراق فلا حيلة أمامك إلا أن تحيى هذا النوع من الأفلام فى فترة كادت فيها السينما المصرية أن تصاب بالبلاهة وتصيب جمهورها بها، وعندما تعرف أن فيلم ليلة سقوط بغداد من تأليف وإخراج محمد أمين فإن تجربة فيلم ثقافى سوف تقفز على الفور إلى ذهنك، لتذكرك بفيلم كان مأمولاً فيه أن يفتح طريقاً أمام نوعية جديدة من الأفلام، تعتمد على خفة ظل المعالجة وجديتها معاً، وتقوم على أكتاف مجموعة من شباب الممثلين الذين لاينتمون على الأقل حتى تاريخ عرض الفيلم لطائفة أشباه النجوم الذين يكبسون على أنفاسنا ليقدموا ما يعن لهم من شرائط لاعلاقة لها بالسينما، لكن وظيفتها الوحيدة هى بروزة هؤلاء النجوم المشوهين من أجل انتزاع الفلوس من جيوب المتفرجين.

ذهبت إلى الفيلم وفى خاطرى كل تلك المشاعر والأفكار، خاصة أن اسم الفيلم ليلة سقوط بغداد استدعى إلى ذاكرتى مسلسلاً تليفزيونياً شديد الأهمية لكنه للأسف أو كما هو متوقع لم يعرض أبداً فى التليفزيون المصرى برغم عرضه فى جميع التليفزيونات العربية منذ ربع قرن هل لك أن تتصور ذلك؟ وهو مسلسل ليلة سقوط غرناطة الذى لاتنبع أهميته فقط من التلميحات السياسية القوية للتشابه بين اتفاقية كامب ديفيد وتخاذل حكام إمارات الأندلس، لكن أهميته على مستوى الشكل تأتى من أن حلقاته جميعاً تدور بالفعل فى ليلة سقوط غرناطة حيث تمثل كل حلقة إحدى ساعات هذه الليلة، فماذا وجدت فى ليلة سقوط بغداد؟ لا أدرى لمن أقدم الاعتذار: للقارئ والمتفرج، أم لبعض النقاد الذين أشادوا بالفيلم وقد شاهدوه فى زحام مهرجان القاهرة؟ فللأسف الشديد لم أجد فى الفيلم على مستوى الشكل أية ليلة، ولم أجد فيه على مستوى المضمون أى بغداد، لكن ما أثار استفزازى بحق هو ذلك التناقض المفزع بين ما أعلنه صناع الفيلم من نوايا وماحققوه من إنجاز.

فلنبدأ كالعادة بحدوتة الفيلم، التى تحكى عن شاكر حسن حسنى الأب العطوف على أسرة يفترض فيها أنها نموذج لعائلة مصرية من الطبقة الوسطي، فالابنة سلمى بسمة طالبة فى الجامعة، والزوجة مايسة هالة فاخر أم عادية تدور اهتماماتها حول تلبية احتياجات أسرتها، والحماة إحسان القلعاوى لا تتوقف عن انتقاد شاكر زوج ابنتها. إن شاكر يقضى حياته بين عمله ناظراً لمدرسة، وجليساً على المقهى مع مجموعة من الأصدقاء لا ملامح لهم لطفى لبيب وسامى مغاوري، لكن إيقاع حياته وحياة كل من يعرفهم يضطرب مع أنباء سقوط بغداد إذ يصاب الجميع بالإحباط والوجوم، لكن الأهم أن شاكر تنتابه الكوابيس حول احتمال سقوط القاهرة عندما يأتى عليها الدور، مما يؤدى أيضاً إلى معاناة شاكر من فقدان رغبته فى الطعام أو الجنس، فيلجأ إلى صديقه الطبيب رياض نبيل الهجرسى الذى يخبره أن حالته تعود إلى البؤس واليأس اللذين يعيش فيهما العالم العربى كله سوف يؤكد له أن الإنسان الوطنى لابد أن يكون عاجزاً جنسيا، ويتوقف الفيلم طويلاً عند هذا الإفيه !!.

من بداية مبشرة ببعض الأمل فى فيلم جاد وممتع فى وقت واحد تنطلق حبكة ليلة سقوط بغداد، يتداخل فيها الواقع والحلم أوالكابوس بمعنى أدق وهو التداخل الذى سوف ينتقل إلى ما يفترض أنه المستوى الواقعى للفيلم، عندما تمضى الأحداث إلى نهايتها بافتراض أن القوات الأمريكية قد غزت القاهرة بالفعل، وبين هذه البداية والنهاية تدور الحبكة شبه الخيالية حول عزم شاكر على توفير سلاح رادع لمقاومة الاحتلال المنتظر، لذلك فإنه يفتش فى دفاتره القديمة حتى يتذكر طالباً نابهاً يدعى طارق أحمد عيد، انتهى به الحال إلى وظيفة حكومية متواضعة لاتفى بأحلامه بمسكن أو زواج، لذلك فإن شاكر يقرر أن يرعى طارق حتى يخترع هذا السلاح الرادع، موفرا له كل الإمكانات التى تطلق حريته الإبداعية بما فى ذلك المخدرات!

يمكنك أن تلخص الرسائل السياسية للفيلم فى بضع عبارات أو بالأحرى شعارات قد لاتختلف عليها، مثل ضرورة أن تتسلح الأوطان بما يدافع عن كرامتها، وأن يتوفر مناخ من الحرية حتى يوجه الشباب طاقاتهم إلى العمل الجاد بعد أن يتمكنوا من إشباع حاجاتهم الطبيعية، وأن الناس قد تضطر لأن تعيش حالة من الأوهام السياسة الزائفة فى ظل إعلام مغيب للعقل، وأن على الجماهير أن تعتمد على ذاتها من أجل إعادة تعبئة طاقتها دفاعاً عن كرامة الوطن بدلاً من صناع القرار العاجزين بإرادتهم عن اتخاذ أى قرار. وبسبب هذه الشعارات وغيرها يبدو الفيلم على السطح جاداً فى رسالته، والمفترض ألا يمنع هذه الجدية التناول الكوميدى للحدوتة، لكن عندما تصل هذه الكوميديا إلى حد الفرسكة شديدة المبالغة السخرية من أى شئ وكل شئ بما يذكرك ببعض أفلام رأفت الميهى الأخيرة فإن الرسالة تنتهى ربما دون قصد من صانع الفيلم إلى عدمية كاملة، حيث لاجدوى ولا أمل، حتى لو انتهى الفيلم بمشهد مصطنع عن تحقق حلم شاكر باختراع سلاح رادع بعد سنوات طويلة من الصبر والمعاناة، ووقوف الجماهير أمام قوات الاحتلال، ليرقص الجميع معانا ريال ويخاطب شاكر الكاميرا والجمهور قائلاً: تخيلوا كان هايبقى شكلنا إيه من غير سلاح رادع، كان هايبقى فيه كل الأوضاع مش وضع واحد، وفى تلك الجملة الأخيرة إن كان المعنى قد فات عليك دلالة جنسية سوف نتوقف عندها لأن الفيلم يدور فى ثلاثة أرباعه حولها.

فى فيلم ثقافى كانت هناك رسالة عن أن مجتمعاً يعانى من كبت جنسى لايستطيع التقدم للأمام، وبصرف النظر عن الجدل المشروع حول إذا ما كان التقدم الاجتماعى شرطاً سابقاً على الإشباع الجنسى أم العكس، فإن المعادلة ينقلب حالها فى ليلة سقوط بغداد، إذ يصبح الجنس إشارة على إذلال الفاعل تجاه المفعول به، وهى عودة للمفهوم السوقى للجنس، وهذا لاينطبق فقط فى الفيلم على حالات الاغتصاب التى يمكن أن توازى بينها وبين الاحتلال، بل إن كل الرجال دون استثناء يعانون من العنة التى لن تنفك عقدتها إلا عندما ترتدى زوجاتهم كل النساء ملابس جنود المارينز، وتلك كما ترى علاقة سادية مازوكية لاتشوه فقط صورة العلاقة الجنسية، بل إنها تشوه أيضاً العلاقة السياسية بين الدول المستضعفة والقوى العظمي، وهى علاقة فى ظل هذا المفهوم تقوم على الاختيار بين أن تكون فاعلاً ويكون الآخر مفعولاً به أو العكس، إما أن تكون مغتصِباً بكسر الصاد أو مغتصَباً بفتحها، إما أن تفشل فتضع خلفك صورة جندى مارينز أو تنجح فتضع الصورة أمامك فى دورة المياه وبدون السروال، وبالمعنى الحرفى للكلمة!، إما أن تترك السياسة الأمريكية تفعل ماتشاء فى المنطقة أو أن تحلم بأنك تضاجع من تشبه وزيرة خارجيتها بعد أن ترقص لك رقصة استربتيز فتشعر بالارتياح! لا أدرى إن كان صناع الفيلم يتصورون أن المتفرجين بعد مشاهدته سوف يصبحون أكثر وعياً بحالنا، أم أنهم أرادوا استغلال القضية الساخنة لصنع فيلم تجارى لايخلو من مشاهد الاستمتاع بالمخدرات التى تطلق الإبداع، والجنس العنيف حرب بقي!. يقول البطل طارق فى إحدى جمل حواره: ها أخلف عشرة وفى يوم من الأيام ها يحكموا العالم، ونحن لانريد لأى عشرة أو أمة أن تحكم العالم، ولانريد أن نكونفاعلاً فى مفعول به بهذا المعنى السوقي، فما نريده حقاً هو سينما تجعلنا أكثر وعياً بحاضرنا، وأكثر قدرة على صنع مستقبلنا، وللأسف فإننا لن نجد ذلك فى ليلة سقوط بغداد.

جريدة القاهرة في 24 يناير 2006

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك