كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما

 

جديد الموقع

 

في إبريل 1994، وبينما كان الرئيس الرواندي الأسبق "جوفينال هابياريمانا" (من قبيلة الهوتو) عائدا إلي بلاده عقب توقيع اتفاقية سلام بين حكومته والجبهة الوطنية الرواندية المتمردة (من قبيلة التوتسي)، اخترق صاروخ طائرته لتسقط محترقة؛ لتندلع أكبر مذبحة إفريقية قادتها مليشيات يطلق عليها اسم "إنتراهامو" من متطرفي قبيلة الهوتو الذين يمثلون أغلبية سكانية في البلاد وبرعاية مباشرة من الجيش الرواندي ذي الأغلبية من الهوتو أيضا.

المذبحة التي راح ضحيتها قرابة مليون قتيل من قبيلة التوتسي (أقلية) قُتلوا بالسواطير والسيوف، كانت بمثابة تطهير عرقي واضح ناتج عن جهل وتعصب قبلي أججه صراع القوى الاستعمارية (فرنسا وبريطانيا وأمريكا) على المصالح والنفوذ في هذا البلد الهام في منابع النيل، وكانت مثالا حيا على "جرائم الحرب الغربية" في القارة السمراء التي تقوم بها بالوكالة عنهم عصابات عرقية مسلحة!.

أفضل الأفلام بلا جمهور

ومع أن المذابح العرقية التي شهدتها رواندا في التسعينيات كانت موضوعا لعدة أفلام روائية ووثائقية كان آخرها الفيلم الوثائقي "اقتلوهم جميعا" للصحافي الفرنسي "جان سان أوكسيبري" والذي سبق أن بثته القناة الفرنسية الألمانية "أيه ر تي"، فقد كان فيلم "فندق رواندا" (Hotel Rwanda) للمخرج الأيرلندي "تيري جورج" الذين يعرض حاليا في دور العرض الأفضل على الإطلاق؛ لأنه يروي قصة حقيقية عن المذبحة من جهة، ولأنه يكشف بلا رتوش الدور الغربي في السماح بوقوعها.

والغريب أن هذه الأفلام القوية التي تعتمد على تقنيات فنية عالية لإيصال حجم الدمار والقتل من حيث البراعة في تصوير حجم الدمار، وبشاعة القتل بالسيوف، لا تجد الإقبال الكافي من جمهورنا العربي.

ففي قاعة عرض تتسع لـ 500 لم يحضر سوى 3 أفراد لمشاهده الفيلم، رغم أنه يصنف ضمن أفلام الأكشن أو التاريخ التي يفترض أن الجمهور يفضلها.

قصة حقيقية

الفيلم يحكي قصة حقيقية عن دور "بول ريزساباجينا" مدير فندق "ميل كولين" بالعاصمة الرواندية Kigali (وهو من الهوتو ومتزوج سيدة من التوتسي) الذي يمثل دوره الممثل الأسباني "دون تشيدل"، في إنقاذ حياة 1268 شخصا غالبيتهم من التوتسي من القتل على يد عصابات الهوتو، بعدما سمح لهم بالدخول إلى الفندق والإقامة فيه بدل السياح الأوربيين الذين غادروه، وسعى بأساليب عديدة (منها الرشوة المالية لقادة الجيش الرواندي، وزعم علاقته بجهات متنفذة في الداخل والخارج) لحمايتهم من عمليات التقتيل الجماعي حتى بدأ التدخل الدولي.

والفيلم بمثابة شهادة إدانة واضحة لجرائم الحرب الأهلية بعدما رفضت كل الدول الغربية ذات النفوذ والقوات في المنطقة (فرنسا وبريطانيا وأمريكا) التدخل لإنقاذ الضحايا أو وقف عمليات الذبح الدائرة علنا بالسيوف في الشوارع والتي نقلتها عدسات مصوري التلفزيونات الأوربية على الهواء مباشرة إلى العالم!.

والفيلم يقدم شهادات حية على لسان مسئولي قوات الأمم المتحدة في رواندا التي حمت الفندق، وشهادات عن الدور الغربي الصامت حيال المجازر ورفض التدخل، ومن بين تلك المشاهد نرى أن قائد هذه القوات الدولية يصب جام غضبه على فرنسا وأمريكا وبريطانيا. كما يقدم كذلك أدلة واضحة على قدرة هذه الدول على وقف المذابح ولكنها لم تفعل!.

أنتم.. "حثالة"!

وربما كان أفضل مشهد معبر عن هذا التخاذل الغربي والمسئولية المباشرة عن المذابح هو مشهد قائد القوات الدولية وهو يبلغ مدير الفندق "إنهم لا يهتمون لشأنكم.. إنكم حثالة بالنسبة لهم"، وذلك بعدما استبشر مدير الفندق بوصول قوات أوربية وظن أنهم حضروا لوقف المذابح ففوجئ بأن لديهم أوامر بإنقاذ الأوربيين (البيض) فقط، ورفض إنقاذ أي شخص أسود لحد منع شخص بريطاني الجنسية أسود اللون يعمل مع فريق أحد التلفزيونات الغربية من الصعود لحافلات الإنقاذ لمجرد أنه أسود اللون.

أيضا كانت الميزة الحقيقية التي ميزت الفيلم أنه كشف الدور الفرنسي والأمريكي والبريطاني والبلجيكي أيضا في تأجيج المذابح، حيث كانت فرنسا ودول الفرانكوفون مؤيدة لقوات الهوتو في حين تؤيد أمريكا وبريطانيا والمحور الأنجلوسكسوني، التوتسي، بدليل أن ميليشيات "إنتراهامو" والجيش الرواندي ذا الغالبية من الهوتو أوقفت هجومها على الفندق عندما قام مدير الفندق بالاتصال برئيسه في بلجيكا وطلب الاتصال بالرئيس الفرنسي "فرانسوا ميتران" وقتها لممارسة نفوذه على حكومة رواندا لوقف الهجوم.

بل إن إنقاذ حياة رواد الفندق الهاربين من القتل الجماعي لم يتم إلا عندما بدأت قوات التمرد ذات الأغلبية من التوتسي في الهجوم على المدينة وتحقيق تقدم فتم عقد اتفاقات تبادل لاجئين بين طرفي النزاع نزح معها رواد الفندق.

أيضا يكشف الفيلم علاقات الفساد بين قادة الجيش الرواندي وعصابات التجارة والمال، وكيف أن هذه العصابات استفادت من الحرب في الإثراء بشكل فاحش من خلال رفع أسعار السلع، واستيراد حتى السيوف التي استخدمت في المذابح.

وما جعل فيلم "فندق رواندا" فيلما سياسيا بامتياز هو كشفه موقف الأمم المتحدة وفرنسا والغرب عموما، حيث أثبت الفيلم أنهم مجرمو الحرب الحقيقيون الذين أداروا المعركة من خلف الستار عبر دمى من العرائس هم عصابات الهوتو وبعض قادة الجيش الرواندي.

المقابر لم تملأ بعد!

وقد أجرت جريدة "لوفيجارو" الفرنسية حوارا مع "بول ريزساباجينا" مدير الفندق الذي صورت به أغلب مشاهد الفيلم بعددها الصادر بتاريخ 30 مارس 2005 قال فيه إنه تمكن وأمام لامبالاة الرأي العام الدولي ومن خلال مفكرة كان يحتفظ بها من الاتصال بالعالم الخارجي ليضعهم على صورة ما يحدث، فقد هاتف العديد من الأشخاص والمؤسسات بما فيها البيت الأبيض وقصر الإليزيه.

ويرى أن بثه للشائعات لدى قادة الجيش الرواندي المتضمنة أن الغرب سيحاكمهم بتهمة جرائم الحرب مكّنه من إبعاد المجازر عن الفندق، وهذا ساهم في الضغط على الولايات المتحدة التي أعلنت بالفعل فيما بعد أنها ستلاحق المسئولين، مشيرة إلى أن العملية ترمي إلى القبض على المسئولين عن جرائم الحرب في رواندا عام 1994 وأولئك المسئولين عن قتل 8 سياح أجانب بينهم أمريكيان عام 1999.

وقد ظلت فرنسا تنفي عن نفسها تهمة التورط في المذابح رغم أنها صمتت عنها وساعدت قوات الهوتو عمليا عبر تسليحهم وتدريبهم، بل تدخلت فقط عندما بدأت قوات التمرد التوتسية التقدم داخل العاصمة وهزيمة الهوتو.

ويفسر مدير الفندق في حديثه مع "لوفيجارو" ما حدث بأنه نتاج لسياسة اللاعقاب بعد نهاية الحقبة الاستعمارية وحصول رواندا على الاستقلال سنة 1959، حيث قام الهوتو بوضع حد لهيمنة التوتسي الذين كانوا عرضة للمذابح واللجوء إلى الدول المجاورة. إضافة إلى فساد المسئولين عن البلد الذين استعملوا راديو فندق "ميل كولين" لبث الحقد والكراهية؛ فحينما بدأت المذابح أصبحت عبارة "اقتل" واجبا وطنيا والتزاما وكان الراديو يردد: "اقتلوا جيرانكم، المقابر لم تملأ بعد"!

تجاهل تام!

الفيلم ولطبيعة القضية التي عالجها فاز بجوائز فنية عدة، إذ حصل كاتبو سيناريو فيلم على جائزة "هومانيتاس" أي أفضل سيناريو عن كتاباتهم المتميزة في التصوير الدقيق لواقع ما تعرض له ضحايا الفصل والتمييز العنصري، وهما "كير بيترسون" و"تيرى جورج"، كما ذهبت جائزة اختيار جمهور السينما لصالح الفيلم في ختام أعمال المهرجان السينمائي بكندا مؤخرا.

الفيلم على بشاعة مشاهده وعمق الألم الذي يقدمه للمشاهد يعتبر وثيقة روائية مصورة تشكل دليل إدانة على جرائم الحرب التي ارتكبتها الدول الغربية في إفريقيا في سعيها لتأمين مصالحها ومطامعها فقط.

لكن عندما يتجاهل وزير الخارجية الفرنسي مثلا تصريحات وزير الخارجية الرواندي "تشارلز موليجاند" متهما فرنسا بأنها "لا تعترف بأخطائها، فلو كانت لهم قلوب بشرية لشعروا بالخزي وطلبوا السماح..."، ندرك أن الغرب يرى جرائمه ولا يعترف بها مطلقا.

ادخل إلى موقع الفيلم لمشاهدة بعض المشاهد

______________________________________

** المحلل السياسي بموقع إسلام أون لاين.نت

موقع "إسلام أنلاين" في 14 يناير 2006

 

عصي الدمع : تحطيم المؤسسة الزوجية لكسر هيمنة الرجل!

دلع الرحبي كاتبة النص كانت نجمة العمل الحقيقية

دمشق ـ من أنور بدر  

ينتمي حاتم علي إلي جيل المخرجين الشباب في الدراما السورية، بل هو أحد ممثلي هذا الجيل، الذي تألق بسرعة عبر ثنائية درامية بكل عام، إحداها تاريخي (الزير سالم، صقر قريش، التغريبة الفلسطينية، ملوك الطوائف)، والثانية معاصرة (الفصول الأربعة بجزأيه، أحلام كبيرة، عصي الدمع)، وهو يدرك أن المشاهد السوري يميل أكثر إلي الدراما الاجتماعية المعاصرة، لكنه يدرك أيضاً أن نجوميته علي الفضائيات العربية ترتبط بنوع من الدراما التاريخية، أشتغل عليها بشكل جميل، حتي أن نتاجات الدراما المصرية أصبحت تقاس إلي نتاجاته كما حدث في ملوك الطوائف.

إلا أننا في مسلسل عصي الدمع الذي عرض علي التلفزيون السوري والعديد من الفضائيات العربية الأخري، فقد شاهدنا لأول مرة في الدراما السورية سيطرة للنص والسيناريو، ففي مصر تنسب الكثير من الأعمال الهامة لأسامة أنور عكاشة مثلاً، أكثر مما تنسب لمخرجيها أو ممثليها، فعكاشة هو نجم العمل الحقيقي في الكثير من المسلسلات المصرية، وفي عصي الدمع كانت دلع الرحبي نجمة حقيقية لهذا العمل إلي جانب حاتم علي مخرجاً، وقد سبق لهذا الثنائي أن تألق في عمل كوميدي معاصر من جزأين باسم الفصول الأربعة .

لكننا الآن نسمع من يتحدث عن دكتاتورية النص بالمعني السلبي للعبارة، وأنا لن أذهب في هذا الاتجاه، لكنني أقول أن اهتمام دلع الرحبي بقضايا المرأة المعاصرة جعلها تبتعد عن المنطقة الحيادية في الكتابة، جعلها تكتب بحميمية وانتماء إلي موضوعها وإلي أبطالها، حتي أنها في بعض المشاهد تركت هؤلاء الأبطال ينظّرون باسمها لما يعانون في واقعهم.

ورغم أن هذا المسلسل لم يظهر في استبيانات الصحافة السورية حول أهم الأعمال التي عرضت في دورة رمضان الأخيرة، لارتباط خيارات المشاهـــدين بفترة العرض أو المتابعة من جهة، وللمجزرة الإعلانية التـــــي رافقت هــــذا العمل وأساءت له من حيـــــث لا تريد، حتي أن مخرجه رفض المشاركة في نــــدوة تلفزيونية حول هذا العمل احتجاجاً علي التلفـــزيون السوري الذي استسلم لدكتاتورية المعلن علي حساب العمل وعلي حساب المتلقي بآن معاً.

رغم ذلك نكتشف أن مسلسل عصي الدمع كُرّم مرتين بعد انتهاء الدورة الرمضانية، التكريم الأول كان من قبل لجنة دعم قضايا المرأة السورية في مطعم بيت الياسمين بدمشق القديمة، حيث حضر المخرج حاتم علي وكاتبة العمل دلع الرحبي وعدد كبير من نجوم العمل ونجوم الدراما السورية وبعض الصحافيين إضافة إلي السيدات أعضاء اللجنة.

بينما التكريم الآخر كان من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بدمشق، وصندوق الأمم المتحدة للسكان بالتزامن مع انتهاء نشاطات مشروع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول تدعيم وتعزيز قضايا النوع الاجتماعي الممول من قبل الحكومة الهولندية. وقد حضر هذا التكريم إضافة لأسرة العمل، والشركة المنتجة سورية الدولية السيد وزير الإعلام وحشد من الشخصيات السياسية والاجتماعية والإعلامية.

اعترف هذا التكريم ـ وإن جاء متأخراً ـ بأهمية هذا العمل، بمستوي القضايا المعالجة فيه، والتي ركزت علي قضايا المرأة المعاصرة، من خلال مجموعة من النماذج النسائية المهزومة أو المقهورة في واقعها، والتي لم تستطع أن تكسب حريتها إلا في نموذج واحد حين لجأ إلي تحطيم المؤسسة الأسرية، وأعطي للطرفين حرية العيش المنفصل كل في بيته أو منزله.

فالمرأة قبل أن تولد تكون خاضعة لمشيئة الذكر الأب، الذي أراد أن يحافظ علي لقبه أبو رياض فسمي ابنته سلاف فواخرجي عند ولادتها رياض العمري وهو أسم ذكوري، دفع بهذه الطفلة ثم المراهقة فيما بعد إلي البحث عن أنوثتها المغيبة في هذا الاسم، حتي تلتقي بحبها الأول وسميّـــها رياض المرادي جمال سليمان، فنكتشف أنه ذو تجربة سابقة بالزواج، وتجربة أعمق في الحياة، يبدأ معها رحلة الإدهاش والسيطرة وهو ينظّر لها ويحدثها عن معارفه الثرة في المأكل والمشرب وفي الموسيقي الكلاسيكية الغربية، مقابل ثقافة كلاسيكية شرقية تشربتها رياض العمري من جدتها آنة زهرية مني واصف التي تعزف العود وتحب أم كلثوم، وتتحدث عنها بمناسبة وبغير مناسبة أيضاً.

نموذجان من الثقافة لا يتفاعلان، بل يسيران في خط صراعي، يحاول من خلاله رياض المرادي تكريس هيمنة ذكورية في تجربة زواجه الثاني، بينما نكتشف أن زوجته الأولي شهد نجوي علوان الرسامة والتي كانت تتألق بمعارضها الفنية وشخصيتها الجميلة، فقدت توازنها إثر الطلاق، وفشلت كفنانة وكأم.

باقي النماذج النسائية كلها محبطة، العوانس معزز/لينا باتع، ومكرم، أمانة والي العانس التي تتحول إلي حطبة يابسة إن لم تتزوج، أو أنها سترضي بأي رجل يستغلها مقابل الزواج.

رغم تأكيد دلع الرحبي أنها لم تتقصد تقديم مرافعة نسائية ضد الرجل، إلا أن كل النماذج الذكورية كانت بائسة، زوج رزة/ شكران مرتجي الرجعي، وزوج سلمي/ صباح جزائري الذي تزوج عليها ثانية وهي الطبيبة. وزوج القاضية خلود/ يارا صبري المرتشي، وصولاً إلي رياض المرادي المدعي و الكاذب.

لم تترك لنا الكاتبة خياراً إلا تحطيم المؤسسة الزوجية، مؤسسة الأسرة، مع أن هذا التحطيم قد لا يقدم حلاً في حالة الطلاق، ونري معاناة الطبيبة التي تفكر بالانفصال عن زوجها، وإحساس القاضية بالضعف أمام أي شخص يتحرش بها في المصعد، وتبقي النهايات مفتوحة لأسئلة يجب أن تتفاعل في الواقع أكثر مما نبحث عن حلول لها عبر الشاشة أو في الدراما التي نجحت في رصد الواقع، فالعمل يتابع أحوال الأسرة السورية في زمن يعصف بالمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

القدس العربي في 23 يناير 2006

30 عاماً في 13 دقيقة

«القفص» غربة يتسلل منها الصوت والصورة نحو الحرية

حسين قطايا 

ثلاث عشرة دقيقة تكفي السينمائي الليبي محمد مخلوف ليصور 30 عاماً من الغربة والقهر والوجع والألم في فيلمه القصير، الذي اختار له عنوان «القفص»، في دلالة تحمل المعنى العميق للهجرة بعيداً عن الوطن والأهل والذات التائهة بين عالمين، الأول أساسي وثابت يقبع في جذور النفس، والثاني ضبابي هلامي واقعي وغير حقيقي.

والمسافة بين هذا وذاك في مساحة الروح الممزقة على إيقاع جرس الهاتف الذي يستمر طوال الفيلم يقرع حتى تفتح له العلبة الصوتية كفيها فيستعيدها مخرج سيرته مخلوف من شريط الآلة التسجيلي إلى شريط الذاكرة الفردية، التي هي هنا بالضرورة إنسانية تواقة إلى كسر «القفص»، والعودة إلى العالم الأول أي الحرية، كما ينظر إليها محمد مخلوف بوعيه وباللاوعي.

من العلبة التسجيلية تتسلل الأصوات، هذا صديق يسأل، وهذه صديقة تشكي، وتلك حبيبة لم يبق منها إلا صرخة الندم، وهذا صاحب البيت يهدد ويتوعد.

والمصرف لا ينسى أن يطالب بحقوقه، ومخلوف يضع قبعته ويسير ولا يجيب، يتبادل عبارات بسيطة مع تائهة خلف فنجان قهوة، وعينه خلف الكاميرا في مقدمة القطار يشق بها عتمات النهار والظلام الكثيف المتراكم في دواخله. والصورة تسبق الأذن أحياناً والعكس صحيح في أحيان أخرى.أنتج وأخرج محمد مخلوف عدة أفلام قصيرة، وهو ناشط سينمائي ومؤسس لمهرجان الشاشة العربية

وعضو مبرمج في مهرجان دبي السينمائي الدولي، وله عدة مشاركات نقدية حول أوضاع السينما العربية وسبل تطورها وتشجيع الشباب الجدد على تقديم سينما معبرة عن البيئة العربية التي يفاخر محمد مخلوف بالانتماء إليها، ولم تثنها سنوات الغربة الطويلة عن البحث دائماً للعودة إلى تراب يعشق رائحته.

البيان الإماراتية في 11 يناير 2006

 

في ذكري مرور 60 عاما علي أكبر مأساة شهدتها البشرية

السينما الألمانية تعتذر للعالم عن خطايا النازية

فوزي سليمان

* «الساعات الأخيرة» فيلم يقدم هتلر من وجهة نظر سكرتيرته ويظهره في صورة رجل مقوس الظهر.. محاصر كالفئران المذعورة

* فيلم عن الفظائع التي ارتكبها الجستابو يعتمد علي وثائق جديدة عثر عليها في أرشيف ألمانيا الشرقية بعد سقوط حائط برلين

 

هل هي محاولة إيجابية لمراجعة الذات.. أم للكشف عن المسكوت عنه؟ فإنه بمناسبة مرور ستين عاما علي نهاية الحرب العالمية الثانية تقدم السينما الألمانية للعالم أكثر من فيلم ما بين روائي وتسجيلي عن الماضي وعن فترة النازية بالذات، كانت من قبل أقرب إلي «تابو» في شبه اتفاق بمنع الاقتراب منه، فكيف قدمت هذه المرحلة، وكيف كانت رؤية الفنان السينمائي الألماني مختلفة عن الصورة النمطية الفجة أو الدعائية المضادة في الفيلم الأمريكي.

شهد العامان الأخيران عرض أكثر من فيلم ألماني يتناول حقبة النازية.. لعل أهمها فيلم «السقوط» إخراج أوليفر هير شبيجيل 2004 الذي يروي الأيام الأخيرة للرايخ الثالث، والساعات الأخيرة للزعيم الذي انفرد بالسلطة 12 عاما، وذلك من وجهة نظر سكرتيرته حين حبس هتلر وأعوانه كالفئران في مخبأ أسفل المستشارية وقد فقد هالة القائد الذي كانت تهتف له الملايين، قدم في هيئة رجل قصير مقوس الظهر ولم يترك سوي انطباعا منفرا وقد عرض الفيلم في برنامج مهرجان المهرجانات بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي الأخير، أما فيلم «صوفي شول» أو «الأيام الأخيرة» فقد عرض بمسابقة مهرجان برلين السينمائي الدولي الأخير فبراير 2005 وهو من إخراج مارك روتموند وهو عن بطولة الفتاة صوفي شول الناشطة في حركة مقاومة الشباب للنازية، وقد قبض عليها وعلي شقيقها في فبراير 1943 وهما يوزعان منشورات تحريضية ضد النظام بالجامعة، وقد ظلت طوال التحقيق الذي استخدمت فيه وسائل الضغط النفسي والجسدي صامدة لم تكشف عن أي من أسماء زملائها من جماعة «الوردة البيضاء» وقد استفاد الفيلم من الوثائق التي عثر عليها في أرشيف ألمانيا الشرقية بعد سقوط جدار برلين وقد صور الفيلم وسائل تحقيق الجستابو كما صور حياتها في الزنزانة: آخر سيجارة وآخر لقاء مع والديها، وآخر وجبة، وآخر صلاة قبل إن تساق للإعدام.

من الصورة المهتزة للزعيم في فيلم «السقوط» إلي صورة فتاة المقاومة الصامدة في فيلم «صوفي شول»، تستعيد السينما الألمانية مرحلة أحدث من الماضي، في ربط بين الرياضة هنا ـ كرة القدم ـ والسياسة، وذلك في فيلم «معجزة بيرن» الذي يتناول موضوع مونديال كرة القدم 1954 يأتي متوافقا مع مونديال كرة القدم بألمانيا 2006 مع اختلاف كبير في الظروف والرؤية. تدور الأحداث في عام 1954 في إقليم الرور الصناعي، تنتظر أسرة عائلها الذي ظل أسيرا في روسيا تسع سنوات عند محطة سكة حديد علي الحدود، لا يكاد أفراد الأسرة يتعرفون عليه فقد غيرت محنة الحرب شكله، ولم يستطع أن يتعرف علي ابنه ماتياس، الذي ولد بعد ذهابه للحرب بشهور قليلة.. كان من الصعب علي الأسير العائد أن يتأقلم مع الجو والمجتمع الجديد في وطنه بعد تسع سنوات من نهاية الحرب.. كان الابن الأكبر قد انضم إلي الحزب الشيوعي ثم ارتحل إلي برلين الشرقية عاصمة ألمانيا الديمقراطية التي تبنت النظام الشيوعي، عادات مستحدثة صدمته وخاصة حينما وجد أن كلا من زوجته وابنته تعملان في بار، وراعه أن ابنته تقوم بنادمة جنود قوات الحلفاء التي كانت قد احتلت ألمانيا الغربية بعد نهاية الحرب.

كان الجو مشحونا بأنباء الاستعدادات لمباريات كأس العالم في كرة القدم التي كان معدا أن تقام في بيرن بسويسرا أرسلت جريدة سود دويتش مندوبا شابا كان حديث الزواج يغطي أخبار المباريات بدلا من أن يقضي شهر العسل.

كان الفتي ماتياس معجبا أشد الإعجاب بلاعب الكرة هيلموت، وكان يسعده أن يخدمه أثناء المباريات حتي ولو يحمل له حقيبته، الأب الذي كان مندهشا لكل ما يراه في بلدته أخذ يتفهم الأوضاع الجديدة بل إنه فاجأ ابنه ماتياس بأنه استعار سيارة كاهن البلدة لكي يصحب ابنه إلي بيرن ليشاهدا معا المباراة النهائية التي كان هيلموت سيلعب فيها.. يشقان طريقهما إلي الاستاد ويسعد ماتياس بمشاهدة معبوده «هيلموت» وهو يسجل الهدف النهائي الحاسم.. ويرافق الوالد والابن الفريق المنتصر في عودته إلي ألمانيا واستقبال الجماهير الحماسي له.

لم يكن قصد المخرج سونكي فورتمان أن يسجل أو يعيد تسجيل مباراة كأس العالم 1954 بل كان قصده أساسا أن يصور أو ينقل لنا روح العصر، والمكان، قد يذكرنا برائعة فاسندر «زواج ماريا براون» حينما استمعت البطلة ماريا إلي الإذاعة التي أعلنت فوز ألمانيا بكأس العالم وقد جاء الفوز نهاية لحياة البطلة ونهاية لمرحلة مهمة في تاريخ ألمانيا بعد الحرب.

قصد مخرج فيلم «معجزة بيرن» أن يربط بين إقليم الرور الصناعي في بداية ما عرف بالمعجزة الاقتصادية، تلك التي أخذت تتحقق ببطء، حيث لم يكن يشاهد إلا عددا قليلا من السيارات علي الطرق.. وكان علي النساء أن تعملن في المصانع، للحاجة للقوة العاملة بعد مقتل الكثير من آلاف الشباب في الجبهات ولم يكن الناس يستطيعون مشاهدة مباريات كأس العالم النهائية علي شاشة التليفزيون في البارات إلا بعد دفع نصف مارك لأنهم لم يكونوا يملكون وقتئذ أجهزة تليفزيون في بيوتهم.

وقد رسم المخرج جو العصر من خلال المواجهة بين الأب العائد بعد سنوات من نهاية الحرب والأسرة التي كان عليها أن تواجه الحياة بدونه، وحيث وجد الرجل نفسه غريبا بينها أمام ما حدث من تغيرات سيكولوجية واجتماعية، فهو كان يتوقع ما كان متعودا عليه من قبل، طاعة الأسرة واحترامها للأب، ولكن كان عليه بعد أن يقبل التغيير.

نقل لنا الفيلم جو فريق كرة القدم من خلال التدريب وما تخلله من خشونة، مع التأكيد علي روح الفريق والألفة، وقد استعان المخرج بلاعبين محترفين، كما أبرز دور المذيع الذي بث تفاصيل المباراة ودور المندوب الصحفي وعلاقته بعروسه التي تركها من أجل المباراة.

ويحمل الفيلم رسالة مهمة فإن ما تحقق من نصر في كرة القدم في 21 يوليو 1954 ساعد علي دعم الروح والوطنية بعد أن خرجت ألمانيا مهزومة ممزقة من الحرب وخرج الألمان أنفسهم وهم يشعرون بالضياع والانكسار.

الفريق الذي انتصر عليه لاعبو الكرة الألمان كان مجريا ومن الطريف أن نقرأ تعليقا لناقد يكتب فيه «كنت أخشي أنني لن أحب هذا الفيلم لأنني أنتمي إلي المجر التي هزم فريقها في نهائي كرة القدم العالمي سنة 1954 في بيرن ولكني أعجبت بالقصة، وبرسم الشخصيات بين هبوطها وصعودها مثل شخصية الوالد أسير الحرب العائد أراد في البداية أن يبدو متشددا مع أولاده ولكنه اضطر أن يكشف عن ضعفه ومراراته وتجربته الأليمة في الحرب لا سعيا وراء القرب من أسرته وختم الناقد مقاله بأنه يتمني أن يشاهد الناس من بلدان وثقافات أخري.. هذا الفيلم، ليفهموا ألمانيا أكثر من خلال ما أثاره من قضايا حول الأسرة والحرب والتجارب المريرة، والفشل والنجاح وهذه كلها قضايا عالمية.

فاز الفيلم بجائزة الجمهور بمهرجان لوكارنو 2003 حيث كان استفتاء كل ليلة علي عروض الساحة الكبري 8000 مقعد ذات الصفة الجماهيرية.. كما عرض مهرجان مونتريال خارج المسابقة، ومهرجانات دولية أخري: أشبيلية ووارسو وجوتبيرج، ودنفر، وشنغهاي، وجوا بالهند، كما عرض في قسم السينما الألمانية لمهرجان برلين 2004 وفاز بجائزة فيلم العام. والفيلمان «صوفي شول» ـ الأيام الأخيرة ـ و«السقوط» يشاهدهما شباب القاهرة بمركز الإبداع الفني هذا الشهر في إطار ضيف الشرف بمعرض الكتاب الدولي.

جريدة القاهرة في 24 يناير 2006

 
سينماتك

 

"فندق رواندا".. إفريقيا الدامية فيلما

محمد جمال عرفة**

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك