شهر شباط
هو شهر افلام الجوائز، او بشكل ادق افلام الاوسكارات، في الصالات
السينمائية. هذا على الصعيد المحلي بالطبع ذلك ان معظم تلك الافلام المدرجة
على لائحة الاوسكارات التي ستُعلن نتائجها في 5 آذار، خرج في الصالات
الأميركية. اما دور العرض المحلية فستستقبل معظمها خلال الشهر المقبل بينما
يتبقى عدد قليل لشهر آذار الذي يليه. غير ان ثلاثة من افلام الاوسكارات قد
لا يكون مرورها سهلاً تحت سقف الممنوعات. اثنان من بينها مازال قيد التمحيص
والتشاور بين يدي "الأمن العام" او الرقابة على المصنفات الفنية. اما
الثالث فثمة تردد من قبل الموزعين انفسهم ازاء استقدامه وقبل الحديث على
موقف الرقابة منه. وهناك رابع هو "الجنة الآن" للفلسطيني هاني ابو اسعد قد
يتحول قبلة الموزعين المحليين بعد فوزه قبل ايام بغولدن غلوب افضل فيلم
اجنبي بما يضاعف حظوظه بأوسكار عن الفئة عينها. اما الفيلم الثاني، Munich، فمن اخراج ستيفن سبيلبورغ ومن تمثيل ايريك بانا ودانييل كرايغ وجيوفري راش وماثيو كاسوفيتس. ونحن هنا لسنا امام سبيلبورغ "الحديقة الجوراسية" او "امسك بي اذا استطعت" او "تقرير الاقلية". بل نحن ازاء سبيلبورغ "لائحة شندلر" وامام سبيلبورغ مؤسس "شواح فاوندايشن" المكرسة لجمع شهادات مصورة للناجين من الهولوكست. في Munich، يعيد سبيلبورغ بناء أحداث ميونيخ 1972 عندما اغتيل أحد عشر رياضياً اسرائيلياً على يدي فدائيين فلسطينيين. ولكن سبيلبورغ وبذكاء معروف عنه يذهب خلف الحدث المثير الى كواليس الرد الاسرائيلي على العملية حيث شكلت غولدا مائير رئيسة الوزارء وقتذاك عصبة سرية لملاحقة الفدائيين وقتلهم. وُصف الفيلم من قبل بعضهم بالمناهض للفلسطينيين بينما وصفه بعض الاسرائيليين بأنه ليس صديقاً لاسرائيل. في مطلق الاحوال، ليس هناك من سبب اي سبب يبرر منع اي فيلم. ومن البديهي ان تكوين رأي خاص بنا فيه يتطلب ان نشاهده لا ان "نُحمى" منه.
على صعيد
آخر، قد يشكل شريط آنغ لي
Brokeback
Mountain الفائز قبل ايام بأربع جوائز غولدن غلوب تهديداً ـ اهكذا
يعتقد الموزعون واصحاب الصالات ـ لجمهور محافظ نوعاً ما لجهة تقديمه قصة حب
بين راعيي بقر في اوائل الستينات من القرن الماضي. الفيلم المندرج في اطار
الويسترن يروي قصة حب كبيرة بيم هيث ليدجر وجايك غيلينهال تمتد خلال عقود
من الزمن على الرغم من زواج كل منهما وتشكيله عائلة خاصة به. المخرج الصيني
لي صاحب
Crouching
Tiger, Hidden
Dragon
وA
Devil's Ride
وسواهما يرفض التسمية التي اطلقها بعض الصحافة في هوليوود على الفيلم "الويسترن
المثلي" معتبراً ان الفيلم يقدم قصة حب كبيرة وكفى. ولكن نظرة سريعة على
تاريخ الويسترن كفيلة بأن تذكرنا بأنها افلام قامت بالدرجة الاولى على
علاقة حميمة ومتوترة بين رجلين دائماً وان النساء كن دائماً ديكوراً غير
اساسي. بمعنى آخر، ان المثلية او الحميمية الذكرية اذا جاز التعبير كانت
دائماً ملمحاً دفيناً للويسترن الذي هو تعبير خالص عن سينما الذكورية
والدليل ان المرأة فيها كانت دائماً مشكلة حيث انها اما مومس او الابنة
التي تحتاج الى الانضباط او الام التي يخشاها البطل... ربما لذلك يقول احد
المؤرخين السينمائيين ان الرجال يصنعون الويسترن ويملكونه بما يجعله تسلية
عظمى للرجال ومدعاة ملل هائل للنساء! المستقبل اللبنانية في 20 يناير 2006
مل غيبسن "يغازل" اليهود؟ مجدداً يعود الممثل والمخرج الأسترالي الأصل مل غيبسن الى الجمهور بمشروع مثير للجدل وللشجون أيضاً. "فلوري" Flory هو مشروعه الجديد لفيلم تلفزيوني لحساب محطة "آي.بي.سي"، يرتكز على القصة الحقيقية لفلوري فان بيك الهولندية اليهودية وصديقها غير اليهودي الذي خبأها عندما كانت النازية تلاحق اليهود وتعتقلهم في مخيمات التعذيب. أي باختصار يتناول فيلمه المقبل المحرقة اليهودية ويتجه الى أن يكون توثيقياً. المفاجئ في هذا المشروع ليس موضوعه الذي أصبح مطروقاً في السينما والتلفزيون مراراً وإنما توقيته. فالمعلوم أن غيبسن واجه اتهامات شتى بسبب فيلمه السابق "آلام المسيح" لا سيما تهمة معاداة السامية. كما أن والده المعروف بتديّنه، أنكر مراراً عبر مقابلاته أن تكون المحرقة اليهودية حدثت أصلاً. فهل يسترضي غيبسن اليهود وسلطتهم الواسعة في أميركا وهوليوود بهذا الفيلم؟ لا يتوقف السؤال عند الجمهور بل إن التساؤلات تصدر أيضاً عن مرجعيات يهودية منها رافييل ميدوف رئيس معهد الدراسات حول المحرقة الذي أكد أن ارتباط اسم غيبسن بمشروع من هذا النوع يجب أن يسبقه اعتراف علني بالمحرقة وتنديد بالقائلين عكس ذلك، أي والده بمعنى آخر. غيبسن المنشغل حالياً بتصوير فيلمه الجديد Apocalypto لم يدلِ بتعليق رداً على ما يتردد. ولكن منتجاً في المحطة التلفزيونية المذكورة والذي قد يشرف على فيلم غيبسن علق بالقول: "أصمتوا وانتظروا حتى تشاهدوا الفيلم قبل أن تحكموا. لسنا في صدد إعادة كتابة التاريخ هنا بل إننا سنكتشف قصة حب رائعة ملهمة". المشروع الجديد مقتبس عن مذكرات الزوجين في عنوان "فلوري: النجاة من وادي الموت" الصادرة عام 1988 وفيها يروي الزوجان كيف نجيا من غرق السفينة خلال هربهما من هولندا ومن ثم مختبئين من النازية لثلاث سنوات. الجدير ذكره أن المشروع في حال تم بالفعل سيكون الخامس في سجل غيبسن إخراجياً بعد The Man Without a Face (1993)، Braveheart (1998)، Passion of the Christ (2004) وقريباً Apocalypto الذي يعود به نصف قرن الى الوراء ويقدمه بلغة شعوب المايا الميتة كما كانت اللاتينية والآرامية لغة فيلمه عن المسيح. المستقبل اللبنانية في 20 يناير 2006
جهاد الترك "إنني أكثر الناس إحساساً بالعزلة والوحدة. لو كان ثمة مكان أسوأ من الجحيم لكنت أنا فيه". كلمات تلفظ بها، من دون تردد، أكثر الرؤساء الأميركيين شهرة: إبراهام لنكولن. وثائقي هام وشفاف حول هذه الشخصية المغرقة في غموض جميل على الرغم من ما أشيع عنها من تلقائية ووضح وحب للحياة. يُعرض هذا العمل الاستثنائي على قناة "التاريخ" المتخصصة بنبش الملفات النائمة في أدراج النسيان، وذلك بدءاً من مساء أمس. ومن المتوقع أن يعاد بثه خلال فترات متقاربة. مدة الوثائقي ثلاث ساعات يختلط فيها التاريخ بالذكريات بالأسرار الشخصية، بأسرار سيكولوجية تكشف للمرة الأولى. استعادة مرهفة لتلك الحقبة الملتهبة في التاريخ الأميركي على إيقاع الحرب الأهلية والبحث عن هوية سياسية كانت تتكون بعنف لمجتمع هجين ممسك حتى العظم بتقاليد الرقّ والنخاسة. نفاجأ، في ثنايا العمل، إن هذا الرئيس الأقدر على معالجة المآزق الأميركية المستعصية، كان فريسة سهلة لا يناب الاكتئاب والخوف المرعب من الموت. بدا متعذراً استشراف هذه الشخصية الفذة من دون قراءتها على خلفية الإحساس المرضي المزمن بالموت. ندرك، بعد مشاهدتنا هذا العمل، كم كان هامش المعاناة واسعاً في حياته المأزومة لأسباب حقيقية. من بينها موت شقيقه في عمر الطفولة. ثم الوفاة المفاجئة لوالدته وهو لمّا يبلغ التاسعة بعد، ثم موت والده في هذا السياق من الخسارات المتتالية. وبعد ذلك موت الفتاة التي أحبها وشكّلت له نافذة نادرة للأمل. وأخيراً وليس آخراً الموت المأسوي لولديه وهما لم يتجاوزا بعد عمر المراهقة. أجواء تبعث على القشعريرة تلفها رائحة الغياب، مصحوبة بموسيقى حزينة تعزف بآلة الكمان. يُتوج هذا المسار بنشوب الحرب الأهلية الأميركية على نحو من دموية قل نظيرها، حصدت عشرات آلاف القتلى وخلّفت وراءها جروحاً عميقة في بنية المجتمع وندوباً أعمق في شخصية الرئيس. يبلغ هذا الوثائقي ذروته عندما يعترف لنكولن بأن إقدامه على الانتحار هو وحده الكفيل بطي صفحة المعاناة في حياته المعذبة. غير أنه لم يفعل ذلك. استعاض بالنضال السياسي والتجوال في الأماكن التي أغرقتها الحرب بالدماء، من دون أن يفارقه شبح الإحساس باقتراب النهاية. عمل يستوفي شروط الوثائقي بامتياز. مشدود الى فكرة محورية هي استفحال فكرة الموت في حياة الزعيم، والقدرة على إعادة التشكّل الدائم على إيقاع هذه الفكرة المرعبة. غير أن ثمة تطوراً آخر لا يقلّ أهمية ودلالة هو: إماطة اللثام عن أجزاء مخفية في حياة لنكولن تتمثل في علاقته الملتبسة بأحد أصدقائه المقرّبين إليه، وهو محام قدير من ولاية إلينوي الأميركية. يروي الوثائقي، بجرأة استثنائية، أن الرجلين كانا يتشاطران السرير عينه طوال سنوات، بما يشير الى احتمال نشوء علاقة بينهما لا تخلو من الريبة. وثائقي يخاطب الإحساس قبل العين. يدخل الى الذاكرة من دون استئذان، خصوصاً في عملية استذكار مقتنيات الرئيس، ودائرة معارفه، وأوقات استغراقه في القراءة وممارسة هواياته. كل هذه التفاصيل تستخدم بذكاء تصويري قلّ نظيره، تماماً كما كانت في منتصف القرن التاسع عشر. المستقبل اللبنانية في 20 يناير 2006 |
سبعة أفلام قصيرة من إنتاج «نما في بيروت»... تهكّم ومرارة ورسوم متحركة بيروت - فيكي حبيب حسناً فعلت مؤسسة «نما في بيروت» بطرحها في السوق «دي في دي» يضم سبعة افلام لبنانية قصيرة اختيرت من الدورات المتلاحقة لبرنامج مهرجان الفيلم اللبناني «نما في بيروت» (2001- 2005)، في خطوة تهدف الى إيصال الانتاج السينمائي المحلي الى الجمهور العريض. وطبعاً ليس أي إنتاج محلي، إنما أفلام قصيرة - قلما تعرض في الصالات التجارية أو على شاشات التلفزة - تحمل تواقيع مواهب شابة تثبت يوماً بعد يوم المستوى الفني العالي الذي تتمتع به هذه السينما التي لم تتوقف منذ عشرة أعوام على الأقل – على رغم كل المعوقات - عن ضخ الشاشات الكبيرة بعشرات الأفلام القصيرة والمتوسطة، والتي بات مجموعها يشكل ما يشبه تياراً سينمائياً خاصاً يخرِّج أجيالاً متلاحقة من سينمائيين شبان، يبدو كل منهم – على أية حال - في انتظار مشروع فيلمه الطويل الاول الذي نادراً ما يتحقق. وعندما نتكلم على معوقات في هذا المجال، لا نعني معوقات بسيطة تواجه أي عمل فني في العالم، إنما معوقات تمسّ العمود الفقري لهذه السينما بغياب الدعم الرسمي وغياب الإنتاج. لكن اللافت في الامر كله، هو إصرار أبناء الجيل الشاب في لبنان على التحدي والمواجهة بلا أي كلل، وبالحد الادنى من الإمكانات المتاحة لهم... وخصوصاً بالتضافر في ما بينهم. فلا يعجب المرء مثلاً، إن هو قرأ على «جينيريك» فيلم المخرج الفلاني أسماء مخرجين آخرين ساهموا في هذا الفيلم، أكان في الديكور، أو المونتاج، أو الكاستينغ... ثم الأسماء نفسها تتكرر في فيلم ثان وثالث إلخ... ولو بوظائف مختلفة. تعاون مؤسس روح التعاون هذه بين السينمائيين الشبان، يمكن ان تؤسس لصناعة سينمائية لبنانية حقيقية، بعيداً من الجهود الفردية التي طبعت المرحلة الماضية من عمر السينما في هذا البلد... مع غياب الجهود «الجماعية»، وجهود الدولة في هذا المجال. فماذا عن الأفلام المختارة في هذا الـ «دي في دي»؟ سبعة أفلام يشكل مجموعها لسان حال الشباب اللبناني، بدءاً من الوقوف على عتبة السفارة الاميركية والمعاناة التي يتكبدها الشاب للحصول على الـ «فيزا»، كما يصورها فيلم جورج حمصي «معجزة»... الى الحياة البسيطة التي تعيشها عائلة لبنانية، لم نتعرف منها إلا الى الأم وولدين وهاجس الأخ الميت الذي يسيطر على فيلم سينتيا شقير «الكرسي»، وصولاً الى السخرية من المجتمع مع أندريه شماس في «وين يو»، و «أفلام منزلية» في «افلام وطفولة في لبنان»، وهناك فيلما الكرتون المشغولان بإتقان وحرفية عالية، فيلمان يجعلان المرء يتساءل ما أنجزا فعلاً في لبنان على يد سينمائيين لبنانيين شباب. الفيلم الأول هو «ذي بيغ فول» لأمين واكد، والفيلم الثاني «غرايسكال» لأمين دورا. أفلام يربط بينها انتماؤها الى المدرسة اللبنانية الهزلية الجديدة في السينما. هذه الهزلية التي اكثر ما تتجسد في فيلم أندريه شماس الذي اختصر واقع المجتمع بساحة ضيعته، في معالجة هزلية ذكية، ماراً على مشكلات هذا المجتمع بسخرية سوداء. آفاق مسدودة والسخرية السوداء نتلمسها أيضاً في فيلم جورج حمصي «معجزة» (25 دقيقة)، ولو في شكل غير مباشر. في هذا العمل ينقلنا المخرج الى عالم السفارات، إنطلاقاً من معاناة شخصية لم توفر مجموعة كبيرة من أقرانه الراغبين في الحصول على إذن الدخول الى أميركا والعمل في ذاك البلد، بعد أن سدت كل الآفاق بوجههم في بلدهم... «معجزة» فيلم ذو فكرة ذكية مشغولة بحرفية، من هنا لم يكن غريباً ان يجول في مهرجانات عالمية ويحصل على جوائز عدة. وإذا كان التهكم موجوداً في شكل خفي في فيلم حمصي، فإنه يسيطر على فيلم «هز يا وز» الذي لم تستطع الدقائق الـ25 أن توصل فكرته بوضوح، لا بل قدّر بعضهم أنها فكرة فيلم طويل لا فيلم قصير. سينتيا شقير لم تخذلها الدقائق الـ22 (مدة فيلمها)، إذ استطاعت أن تقول فيها كل ما تريد قوله بطريقة تهكمية أيضاً، لكنها على خلاف زملائها، لا تتهكم على مواقف او أشخاص، إنما جاء التهكم في الفيلم ليطاول عبء الماضي وما خلّفه على شخوص الحاضر. اما الفيلم الأبرز في هذه المجموعة فهو فيلم الرسوم المتحركة «ذي بيغ فول». من يشاهد عمل أنطوان واكد هذا، لا يفوته التشابه والتأثر الكبير بفرانك ميللر و «سين سيتي». فالأجواء هي نفسها، والصبغة البوليسية نفسها... من هنا لا يعود مفاجئاً ان نرى اسم ميللر مشكوراً على الشريط الختامي للفيلم. الحياة اللبنانية في 20 يناير 2006
السينما الفرنسية في عيون مبدعيها... سينما المؤلف المتوحد! دمشق - بندر عبدالحميد اختار الباحث الفرنسي اريك لوغيب خمسة وستين سينمائياً، من الأعلام ومن أجيال مختلفة، ليتحدثوا بصراحة، في لقاءات مكثفة، عن تجاربهم، من جوانبها كلها، وخصوصيتها، على مدى قرن من تاريخ السينما الفرنسية، التي كانت على علاقة وثيقة بتيارات فكرية وفنية وأدبية، تركت تأثيرات واضحة على ثقافة القرن العشرين وفنونه. وفي هذه الحوارات، أو الشهادات التي تحمل اعترافات بالأسود والأبيض، مفاجآت وأحداث، لم تكن معروفة، في كتابات المؤرخين والباحثين والنقاد، الذين كتبوا عن المخرجين والكتّاب والأفلام من الخارج، بينما جاءت هذه الحوارات من الداخل، وكان عدد من السينمائيين أعضاء في الأكاديمية الفرنسية، مجمع الخالدين، وهم: جان كوكتو، مارسيل أشار، رينيه كلير، مارسيل بانيول، ما يشير إلى أهمية الفن السينمائي في نسج الثقافة الفرنسية. عنوان الكتاب هو «السينما الفرنسية في قرن» (ترجمة محمد علي اليوسفي – سلسلة الفن السابع)، ويمكننا النظر اليه على انه سلسلة الفن السابع، نموذج نادر من الكتب التي تختار زوايا أكثر قرباً من المنجزات الإبداعية، حينما نقرأ هذه المنجزات بعيون مبدعيها أنفسهم. يؤكد المؤلف، بداية، أن السينما الفرنسية هي أغنى السينمات وأعرقها وأكثرها تنوعاً، غير أنها تظل الأكثر صعوبة، حيث تتعدد أوصافها بتعدد مخرجيها، وهي سينما المؤلف، فكل مخرج هو «فارس متوحد» كما يقول المؤلف. في شهادة آبل غانس رصد لأعماله المهمة التي امتدت نحو ستين عاماً، بين السينما الصامتة والسينما الناطقة، ومنها الفيلم الصامت «نابليون» الذي أنجز عنه نسخة ناطقة بعد خمسة وأربعين عاماً من تصويره بعنوان «نابليون والثورة» وكان آخر أعماله السينمائية. ويتحدث غانس بحب وأسى عن أعماله التي كتبها بنفسه، وتحولت إلى أفلام، وعن نجاحاته وإخفاقاته، وعن الذين عرفهم وعمل معهم، مثل سارة برنار وساشا غيتري، وعن السينما: «لم أكن أسعى إلى السينما، كانت السينما هي التي تسعى إلي... أعتقد بأنني اكتشفت قسماً كبيراً من الحروف الأولى لأبجدية السينما». أما جان كوكتو الذي أضاف السينما إلى مواهبه المتعددة في الشعر والمسرح والأوبرا والقصة والرسم والتمثيل، فإنه أضاف إلى السينما أربعة أفلام مهمة خلال ثلاثين عاماً: «دم الشاعر»، «النسر ذو الرأسين»، «الآباء المزعجون» و «وصية أورفيه»). وكانت هذه الأفلام محوراً لدراسات الباحثين في السينما وجمالياتها وشعريتها وغرابتها، فالسينما عند كوكتو هي التي تجعل اللامرئي يرتدي الضوء. ويبدو أن الحواجز التي تفصل الكتابة عن الإخراج السينمائي كانت واهية، كما هي الحال بين المسرح والسينما، ومن هنا جاءت تجربة مارسيل ليربييه، التي امتدت من أوائل العشرينات إلى منتصف الخمسينات من القرن الماضي، حيث انتقل إلى الأعمال التلفزيونية، وكان نشاطه موزعاً بين الكتابة والإخراج، وأسس مع رينيه كلير وجاك فيدر وجان رينوار وآبل غانس لجنة الدفاع عن السينما الفرنسية، كما أسس معهد الدراسات السينماتوغرافية العليا (إيديك). ثمة رأي لجان رينوار، الذي باع لوحات أبيه ليصنع بعض أفلامه، يبرر فيه حبه للكوميديا، يقول: «إن الحياة ذاتها ليست على ذلك القدر من البهجة، فلماذا نريدها أكثر سواداً». ويؤكد رينوار أن فيلمه «غداء على العشب» ليس من له علاقة بلوحة مونيه الشهيرة، لأن «صورة السينما مضروبة بأربع وعشرين صورة في الثانية، أما اللوحة فهي الصورة ـ القرن». ويمكننا أن نلاحظ أن عدداً كبيراً من السينمائيين الفرنسيين كانوا يعملون في السينما والتلفزيون معاً، بينما يرفض آخرون العمل في التلفزيون. أما موريس كلوش فيرى أن «المعركة بين السينما والتلفزيون مفتعلة»، وينحصر الخلاف بين الفريقين في أن أحدهما يرى أن التلفزيون يشوه السينما، ويرى الآخر أن التلفزيون يخدم السينما في الإنتاج والتوصيل إلى الجمهور العريض. ونقرأ في إجابات السينمائيين حول بداية علاقتهم بالسينما، ما هو مختلف جداً بين سينمائي وآخر، ويبدو أن عدداً كبيراً منهم بدأ من خلال خدمته في الجيش، أما مارسيل كامي فإنه تعلم الإخراج في معسكر اعتقال نازي، وآخرون بدأوا من خلال إعجابهم الجنوني بفيلم أو مخرج أو ممثلة، لكن جان جيرو أصيب بفيروس السينما حين كان يدرس الطب. ويرتبط الاختلاف في الأسلوب، بالاختلاف في تعريف السينما، والموقف من التقنية والجمهور، وهذا ما نراه لدى الروائي والسينمائي آلان روب غرييه الذي يرى أن السينما التي يحلم بها هي «لغة موسيقية، شعرية، تشكيلية، أما الجمهور فيجب أن يهتز دائماً، لأنه قد يفضل النوم في السينما». الحياة اللبنانية في 13 يناير 2006 |
إثنان منها في ذمة الأمن العام وثالث يخيف الموزعين أفلام الأوسكارات في صالاتنا بمزاج للسياسة والحب غير التقليدي ريما المسمار |