* أكتب لطول ما أكرهت كامرأة ـ علي الصمت.. ولأتحدي كل المحرمات والممنوعات التي تسعي لإخراسي! * انتخابي عضوا بالأكاديمية الفرنسية انتصار للمرأة الفرنسية وللآخر الأجنبي الذي يكتب بلغة غير لغة البلد الذي ولد وعاش فيه.. وتقدير تأخر للكتاب العرب الذين يكتبون بالفرنسية * الفرانكفونيون المصريون والعرب ساهموا في إثراء اللغة الفرنسية.. وأنا امتداد للتيار الذي أسسه جورج حنين والبير قصيري وأندرية شديد وأمين معلوف ومحمد ديب ومولود معمري * دعاوي الاستشراق دعمت الهيمنة الذكورية التي تسعي لسجن أجساد النساء الشرقيات.. وتحالف الاثنان علي استباحة جسد الوطن * عندما بدأت نشاطي في السينما الجزائرية، توقعوا أن اختار بطلات أفلامي من نجوم السينما الفرنسية وفوجئوا حين طلبت كاميرا لكي أصنع فيلما تسجيليا عن القرية التي ولدت فيها
من الصعب ان يكتب المرء عن صديق يعرفه، ويقدره ويحبه، وبخاصة عندما يكون هذا الصديق امرأة، وتخشي لحساسيتها و شفافيتها وكرمها الفائق ان ترتكب هفوة وتجرحها. وكان هذا الحوار الذي اجريته مع الكاتبة الروائية والمخرجة السينمائية الجزائرية الكبيرة الصديقة آسيا جبار التي انتخبت حديثا في الاكاديمية الفرنسية " مجمع الخالدين "، من الاوصياء والمحافظين علي اللغة الفرنسية، قد بدأ يلح علي أن افرغه من شريط التسجيل، ويشغل عقلي. وكنت ترددت كثيرا في أن أنقل هذا اللقاء الانساني الحميمي، الخاص جدا، الذي دار بيننا، ووافقت آسيا جبار علي تسجيله ونشره بحب، وبخاصة انها بعد الاعلان عن فوزها بمقعد في مجمع الخالدين، الاكاديمية الفرنسية، ومن حقها، رفضت الادلاء باية تصريحات للصحفيين العرب والفرنسيين، وتركتهم يكتبون ما يريدون عنها. فشعرت عندئذ ان مسئوليتي تجاه الحوار كبرت وزادت، وكنت سارعت الي الاتصال بها لتهنئتها علي انتخابها في الاكاديمية، و لم نلتق منذ زمن، فطلبت مني ان احضر لزيارتها، ووافقت علي الحوار. · تري هل تحتاج آسيا جبار بمسارها الابداعي الفني الغني في الادب والسينما الي تعريف ؟.. لغة المستعمر غنيمة حرب ولدت «فاطمة الزهراء ايمالاين» في شيرشيل بالجزائر عام 1936 وكتبت اولي رواياتها " العطش " في سن العشرين في خضم حرب الجزائر، وكشفت فيها عن تعاطفها الكامل مع حرب التحرير واستقلال الجزائر، فمنعت الرقابة الحربية الرواية، فراحت تكتب المقالات الوطنية في صحيفة " المجاهد " واستطاعت مثلها مثل كتاب الجزائر بالغة الفرنسية آنذاك، ان تنتزع لغة المستعمر كغنيمة حرب، وتستعملها كسلاح ضده، غطرسته وهيمنته واحتلاله. · ثم اعقبت " العطش " بثلاث روايات هي " عديمو الصبر " و" أطفال العالم الجديد " و " القبَّرات البريئة ". وبعد سنوات صمت طويلة خرجت بكتاب عن " نساء الجزائر في شققهن " ومجموعة روايات تعد بمثابة نوع من " السيرة الذاتية " للكاتبة، مسكونة بحرب الجزائر، احداثها ووقائعها، وتضم المجموعة روايات " الحب والفانتازيا " و" ظل سلطاني " و" واسع هو السجن "، واعتبرت آسيا جبار نفسها في تلك الروايات " حكواتية " جزائرية، وواعظة اخلاقية تتواصل مع اعماق الضمير الجزائري . وبعد ان عملت كمديرة لمعهد الدراسات الفرنسية والفرانكوفونية في جامعة لويزيانا، تشغل آسيا جبارحاليا منصب استاذة بروفيسور في جامعة نيويورك بامريكا، وكانت اخرجت في الجزائر فيلمين هما " نساء جبل شنوة " الذي حصل علي جائزة النقاد من مهرجان فينيسيا عام1976 وفيلم " الزردة او اغاني النسيان ". وخلال مسارها الادبي الفني حصلت آسيا علي العديد من ارفع الجوائز الادبية لعل ارفعها جائزة السلام (وقيمتها25000 مارك الماني ) التي تمنحها دور النشر والمكتبات الالمانية في معرض فرانكفورت للكتاب وحصلت عليها آسيا جبارعام 2000 للثقة التي زرعت بكتاباتها في نفوس النساء الجزائريات والعرب، ولما تمثله هي بنفسها كعلامة من علامات الامل في السلام، في جزائر المستقبل . وكان حصل علي تلك الجائزة بعض عمالقة الادب المعاصر الشوامخ من ضمنهم الدكتور الكاتب والطبيب البرت شفايتزر، والكاتب الالماني العظيم هرمن هسه، والكاتب التشيكي فاكلاف هافل، كما كانت آسيا القت كلمة مؤثرة بالمناسبة، اهدت فيها جائزتها الي كل الكتاب الجزائريين الذين اغتالتهم يد الظلامية والتطرف والارهاب في وطنها . ويبدو ان تلك الجائزة بالاضافة الي جوائز اخري مثل جائزة الفرانكفونية التي حصلت ايضا عليها، مهدت الطريق امامها لاختيارها ـ في يونيو الماضي 2005 ـ للانضمام الي الاكاديمية الفرنسية، لتصبح بذلك أول شخصية عربية، وخامس امرأة، تدخل تلك المؤسسة العريقة التي اسسها الكاردينال ريشيليو وزير الملك لويس الثالث عشر في سنة 1635 وتضم اربعين " خالدا " للسهر علي احترام اللغة الفرنسية الوعاء الفكري للتراث القومي في البلاد وتدبيج وتأليف قواميس اللغة والنظر الي قواعدها واجروميتها وتطورها. وكان الرئيس الفرنسي جاك شيراك ورئيس الوزراء الشاعر دومينيك دو فيلبان اعلنا عن بالغ سعادتهما بانتخاب «آسيا جبار» عضوا بها واعتبرا الامر بمثابة شهادة جديدة علي علاقة المودة والمحبة بين فرنسا والجزائر، وصرحت آسيا جبار وقتها انها لم تكن تتصور انتخاب امرأة تكتب في الادب، من خلال ارتباطها الوثيق بجذورها الثقافية العربية والاسلامية. نساء الجبل في لوكارنو والحقيقة اني كنت التقيت «آسيا جبار» لاول مرة منذ اكثر من عشرين عاما، عندما بدأت السينما الجزائرية تثير اهتمام العالم، بأعمالها السينمائية الروائية المتميزة في ذلك الوقت مثل " وقائع سنوات الجمر " لمحمد لخضر حامينا و" عمر قتلتو " لمرزاق علواش و " الفحام " لبوعماري و" اطفال الريح " لابراهيم تساقي و" نوة " لعبد العزيز طلبي، وفيلم تسجيلي طويل مهم من اخراج آسيا جبار بعنوان " نساء جبل شنوة "، سنحكي عنه لاحقا، مما دفع بعض المهرجانات السينمائية الاوروبية مثل مهرجان لوكارنو في سويسرا، دعاه الي تنظيم اول تكريم للسينما الجزائرية في اوروبا بحضور الافلام الجزائرية ومخرجيها، ومن ضمنهم آسيا جبار،.. وذهبت بتكليف من مجلة عربية كانت تصدر آنذاك في باريس لتغطيته، والتقيت عندئذ بآسيا التي تحمل حبا فائقا لبلدي مصر، وتصادقنا . ثم تواصلت هذه الصداقة بعد عودتنا من لوكارنو الي باريس، من خلال اللقاء في التجمعات والتظاهرات العربية الثقافية والفنية.. حملت الي آسيا كوبا من عصير الاناناس، فقد كان صيف باريس حارا ومشتعلا، ومن النافذة كانت جلبة ميدان " لاريبوبليك " الجمهورية " الكبير، تصل الينا خافتة، ووضعت آسيا اسطوانة موسيقية اندلسية، عابقة بالطرب الانساني العميق، والموشحات الاندلسية القديمة، وانطلقت في الحديث.. في البداية تحدثت آسيا عن " الحدث " الجلل بانتخابها عضوا في الاكاديمية، المشرف طبعا للعرب وللثقافة العربية التي تنتمي اليها كاتبتنا، وتحدثت عنه، علي اعتبار انه انتصار اولا للمرأة الفرنسية، الاديبة المبدعة، وعدد النساء في الاكاديمية لايتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة كما هو معروف، ومازالت الاكاديمية حكرا في اغلب اعضائها علي الرجال. و نوهت بانه يعتبر ايضا انتصارا للآخر، الاجنبي الغريب، الذي يكتب بلغة غير لغة البلد الذي ولد وعاش فيه، وتقديرا ربما يكون قد تأخر قليلا، أكيد . تقدير يستحقه العديد من الكتاب العرب، الذين يكتبون بالفرنسية، مثل المغربي طاهر بن جلون الذي حصل علي جائزة "الجونكور " ارفع الجوائز الادبية عن أحد اعماله الروائية، و الشاعرة والكاتبة الروائية اللبنانية اندريه شديد، والروائي اللبناني امين معلوف، والروائي المصري البير قصيري وغيرهم. بالاضافة الي جيل الكتاب الجزائريين الروائيين العظام مثل محمد ديب " الحريق " ومولود معمري و كاتب ياسين " نجمة " وما آسيا جبار الا امتدادا لهؤلاء، بعد ان نهلت من كتاباتهم، وتقاليد الرواية الجزائرية بالفرنسية التي ارسوها، وتعلمت الكثير علي ايديهم، ومن اعمالهم. آسيا باختصار هي" رابعتهم " ان صح التعبير، وهي تكملة لمسيرتهم في الحاضر، بحساسية جديدة في الكتابة، تناسب عصرنا وزمننا وتبدلاته وتقلباته، وربما كانت آسيا مؤثرة وفاعلة اكثر، لا بسبب غياب هؤلاء الكتاب الذين غيبهم الموت، بل بسبب دراستها الاكاديمية للتاريخ، وعملها كمحاضرة و كاستاذة في التاريخ في العديد من الجامعات العربية في المغرب والجزائر وفرنسا وامريكا، وتدرس آسيا حاليا الادب الافريقي الفرانكفوني وآثاره الادبية والابداعية، في العديد من الدول الافريقية، وتكشف لطلبة الدراسات العليا في تلك الجامعات، تكشف عن الاضافات التي حققتها تلك الآثار، لاعلي مستوي اللغة فحسب، بل علي كافة مستويات الوعي الثقافي السياسي والاجتماعي التاريخي، في تلكم بلدان، والتأثيرات التي خلفتها.. أفضل ما كتب سألتني آسيا ان كنت طالعت ماكتب عن " الحدث " ولما اجبتها بالنفي قامت واحضرت لي مجلة " هي " الفرنسية وأرتني صورة لها وهي تجلس وترتدي فستانا احمرا فاقع وجدته انيقا ومحتشما ولم اعلق علي الفستان بل علي الابتسامة. ابتسامة آسيا الطيبة الوديعة في الصورة التي تعصر فيها كل ألفة اهل الجزائر الطيبين، وتواضعهم الجم وكرمهم الريفي البسيط العميق واليد الممدودة دوما الي الآخر في عناق. قالت انها اول مرة تظهر بصورة "حلوة " في المجلة النسائية المذكورة، وان افضل ماكتب عن " الحدث " بجدية كتبته جريدة " اللوموند " وجريدة " ليبراسيون "، وقالت انها قبلت عضويتها في " الاكاديمية " لوجود بعض الاديبات المشهورات اللواتي ارتبطت معهن بصداقة مثل الاديبة فلورانس دوليه وهي تنتمي الي حلقة ابداعية شعرية ناشطة في فرنسا، ومن اجل تقوية العنصر النسائي وشكيمته في الاكاديمية، وليمت البعض من الادباء والكتاب اعضاء المجمع، يموتون بغيظهم، وراحت تضحك. قلت لها ان انتخابها في الاكاديمية يعتبر بمثابة لطمة علي وجه كل اعداء العرب في البلاد من اليمين المتطرف الفاشي العنصري، الذي يصورهم علي انهم ارهابيين ومجرمين ومثيرو شغب، ومازالت فرنسا اسيرة صورة امبراطوريتها الاستعمارية في افريقيا وآسيا، وماخلفته تلك الفترة في اعماق الضمير الفرنسي من مآس وجروح لم تندمل بعد، وسألتها: * لم اختارت فاطمة الزهراء ( اسم آسيا جبار الحقيقي ) اسم آسيا، لتوقع به علي رواياتها، ولم اختارت آسيا جبار الكتابة بالغة الفرنسية، لغة الآخر…؟ قالت: اخترت اسم آسيا جبار لان اسم آسيا من المواساة، وهواسم جميل من المشاركة في مواساة الناس، أي ال consolation بالفرنسية، اليس كذلك؟.. واخترته لاني اردت ان اوقع علي رواياتي واعمالي الادبية الابداعية باسم مستعار، حتي لايعرف ابي اني اشتغل بالتأليف والكتابة، ولم اكن اريد لابي ان يعرف اني اكتب، فعندما وقعت عقد نشر روايتي الاولي " العطش " LA SOIF لم اكن تجاوزت التاسعة عشرة بعد، وكتبت باللغة الفرنسية، لانها كانت اللغة التي اتقنها آنذاك، علي الرغم من اني احب اللغة العربية، واعشقها، وكان حماي لزوجي الاول، وانا تزوجت وطلقت ثلاث مرات للعلم،.. كان اماما لمسجد حنفي، وكان من تركيا، وكانت حماتي من اصول بربرية امازيغية، وكانا يتحدثان باللغة العربية الصافية النقية في بيتهما، وذكرني هذا الامر بكاتبة انجليزية من ويلز، نسيت اسمها، كان حماها هو السبب الذي دفعها وشجعها علي تعلم اللغة الانجليزية وآدابها في الجامعة، بعدما كانت ترطن بعامية "ويلز " في المملكة المتحدة، ترطن بها من قبل فقط مع النساء،من غير المتعلمات، ويكتفين بذلك، وبعدها صارت تلك المرأة بفضل حماها، صارت في مابعد اديبة معروفة.. وانا ادين لهؤلاء بالفضل في تذوق جمال اللغة العربية وموسيقاها وسحرها. و ذكرت لي آسيا بعد ذلك انها تعاني بسبب مهنة التدريس والتأليف والكتابة من الآم فظيعة في الظهر، والبعض يعتقد بان الكتابة " سياحة " واستمتاع وسفر، وسخرت من الامر، فنصحها الاطباء باجراء تمرينات رياضية كل صباح، وكانت رفضت ان تجري لها عملية جراحية في العامود الفقري في امريكا، وترفض اجراء اية عملية جراحية لها، وبعد اعلان انضمامها الي الاكاديمية، انهالت عليها دعوات التكريم من كل حدب وصوب، فاعتذرت بسبب تلك الالام عن المشاركة كعضو في لجنة تحكيم مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي 21، وكنت نقلت لها رغبة ادارة المهرجان في تهنئتها والاحتفال بها، وتكريمها في المجلس الاعلي للثقافة في مصر، بعد الانتصار الذي حققته للعرب وثقافتهم وحضارتهم، ورفعت اسمهما عاليا في بلاد الغال.. كتب ضد كل المحرمات وانطلقت آسيا جبار تقول اجابة علي سؤالي : - عادة ما يسألني الصحافيون لماذا اكتب، فاقول لهم اني اكتب من طول خرسي، ورفضي للسكوت، بسبب اجباري دوما كأمرأة علي أن اخرس، مما يعني ايضا ان الكتابة عندي هي نوع من الافصاح والنطق، لاستكشاف الهوية والذات، في نفس الوقت. فانا اكتب، ضد كل الممنوعات والمحرمات والتابوهات، لاعرف من انا.. اعرف نفسي. انا اذا اردتم ـ كما اقول لهم عادة ـ انا " صوت " فرانكفوني، ينطق من آن لآخر، بعد فترات صمت طويلة .. ويفصح. ولا اريد ان ادفن " صوتي "، واكتفي فقط بأن اخرس من حين لحين، أو لمعظم الوقت. وإضافة إلي ذلك آسيا جبار تقول: وقبل ان نتحدث عن اللغة، هناك اولا حب اللغة. فانا احب اللغة الفرنسية، وارتبطت معها بعلاقة عشق، واجعلها من خلال الكتابة بها ملاذي وسلوتي. ومن عندي تخرج الكتابة بتلك اللغة، تخرج ببطء.. وتتسلل.. وتتسرب.. وتنزلق بخفة علي السطور، الي أن تنفجر وتنفجر فجأة. وهذه الكتابات التي اكتبها، مثلها في ذلك مثل الكتابة علي الرمل والحجر والحرير والسبورات والشجر، تتشكل في واقع عجيب مدهش، وتصبح عندي كائنا حيا، يختال.. ويمشي.. ويعدو مسرعا.. ويركض.. وكأنه حين يحاول الامساك بذلك الصوت المتفرد صوتي، فانه يريد ان يترك أثرا.. أو يضع علامة.. وشاهدا علي تلك المغامرة.انا امرأة بتعليم فرنسي، وبحساسية جزائرية، أوعربية بربرية، وحتي بحساسية اسلامية ان شئت ايضا، اذا نظرنا الي الاسلام كثقافة، لا كدين وممارسة. انا اذن، وبهذا المعني، امرأة فرانكوفونية " في ممارساتي الفنية والثقافية. واكتب لكي احارب صمتين : صمتي الشخصي، وبخاصة تجاه الاحداث المدوية التي عاشها بلدي الجزائر في السنوات الاخيرة، وكنت صوتا صامتا واخرسا حقيقة، ولا اعرف كيف يمكن للمرء تجاه مأساة كهذه ان يتكلم، او يعقب بتعليقات علي تلك الاحداث المرعبة ! ولايمكن في رايي التعليق علي المآسي. كما اني اواجه منذ فترة طويلة صمتا من نوع آخر. صمت نسائي وراثي أمومي، ولاتبدو لي الكتابة بالفرنسية كنوع من الغوص في بحر لغة اخري، والاحتواء والغرق، وليس هذا دفاعا عن الفرانكفونية، او الكتاب الذين يكتبون بلغة اخري غير لغتهم الاصلية، بل تبدو لي هذه الكتابة بمثابة الصعود من الاعماق، والخروج من مناطق العتمة والظل الي النور. نور الحياة والحقيقة الساطع. ثم.. هل انا اولا " كاتبة " أم لا ؟ . هذا هو المهم. وبعدها نستطيع ان نسأل عن أي شيء.. تحرير الجسد واضافت آسيا جبار منطلقة، ولم أشأ أن اقاطعها فقد كنت كمن يستمع الي " تقاسيم " عازف ساكسفون في فرقة من فرق موسيقي الجاز، ومنتشيا بالنغم، يطلب المزيد.. قالت : " ..اكتب لتحرير ذلك الجسد. جسد النساء المسجون في الظل. ظل تلك الهيمنة الذكورية التي غذتها دعاوي الاستشراق فرانكفونية وانجلوفونية، لتجعل ذلك الجسد. الآخر. الغريب. الوطن مباحا دوما للنهب و الغزو..اكتب كي اعلن عن صوت النساء. الذاكرة عندي هي صوت امرأة، امرأة نخنقها ليلة بعد ليلة في اوطاننا، تحت ستار من نعاس ثقيل مثل الرصاص.. ان اقصي متعتي ان اعود الي قريتي. قرية طفولتي كي اجلس علي حافة الطريق في التراب واختلط بالعجائز واستمع الي حكاياتهن وانا اراقب الفلاحين والغادين والرائحين واتأمل في الناس والطيور والطبيعة والشجر، واعتبر تلك المتعة التي استشعرتها حين رحت اصور فيلمي " النوبة . نساء جبل شنوة " ومن اجله عدت لتصوير قرية طفولتي والجدات، واختفت شخصية الكاتبة واصبح شخصا مجهولا وغير معروف للجمع من حوله. اعتبرتلك المتعة البسيطة في الجلوس علي حافة الطريق في التراب ترفا حقيقيا.. " ... وانطلقت آسيا تحدثني عن اشياء كثيرة. وتشي بالعديد من الاسرار الحميمة، وتتحدث بمنتهي الصراحة.حدثتني ـ كصديق ـ عن الكتابات والدراسات الجادة عن الادب والادباء التي لاتوجد الا في امريكا. وعن وصولها الي الترشيحات النهائية في جائزة نوبل، ثم فضلت اللجنة في آخر تصويت ان تمنحها الي الكاتبة النمساوية. وتكلمت مطولا عن الاباء المصريين الذين ساهموا بكتاباتهم في اثراء اللغة الفرنسية مثل الشاعر جورج حنين ومشاركته في الحركة السريالية المصرية .وكان هؤلاء فرانكفونيين كما تذكر لمقاومة المستعمر الانجليزي . كما حدثتني عن عملها بالسينما لفترة في الجزائر، وكانوا يتوقعون ان تطلب ان تكون بطلات افلامها، من النجمات الفرنسيات المعروفات، وتدر افلامها اموالا كثيرة، فاذا بها تطلب كاميرا، لكي تذهب وتصنع فيلما تسجيليا عن نساء الجبل والقرية التي عاشت فيها اجمل ذكريات حياتها، و حدثتني آسيا عن كيف تعلمت من خلال مونتاج الفيلم ان تكتب فيما بعد روايتها " الحب والفانتازيا ".. وحين تحكي آسيا، وبخاصة لصديق حميم، فانها لاتتوقف ولا تستطيع بالطبع ان تقاطعها، وفي نهاية جلسة استمرت اكثر من ساعتين، لايمكن بحال ان الخص هنا لكم كل ماقالته لي فيها. الولع بمصر طلبت من آسيا ان تحكي لي عن اهم لقاء في حياتها، واهم مشروعاتها في المستقبل، وبخاصة بعد اختيارها عضوا في الاكاديمية الفرنسية " مجمع الخالدين ".. وكانت دهشتي كبيرة، حين اجابت آسيا علي سؤالي اجابة لم اكن اتوقعها ابدا.عرفت منها ان اهم لقاء في حياتها كان لقاؤها مع المخرج الفنان المصري الراحل شادي عبد السلام مخرج فيلم " المومياء "، وقالت لي آسيا اعذب كلام سمعته عن المصريين الذين تعشق فيهم طيبتهم والفتهم، ولم تكن ابدا بعدما جزمت لي، ابدا لم تكن تتملقني، وقالت: " احب في المصريين رقتهم، وعلمهم، واحسدهم علي لغتهم ـ تقصد لهجتهم ـ الجميلة، وامنية حياتي ان ازور مصر، واتجول فيها بين النهر والنخيل والوادي والجبل، واصنع فيلما عن مصر، وعن شادي عبد السلام، واهديه كقصيدة الي الشاعرة الالمانية الراحلة انجبورج باخمان، التي قالت " ليس هناك تحت الشمس، ما هو اجمل من أن تكون تحت الشمس. عش حياتك الآن، في حب وسلام، واستمتع فيها بكل لحظة، حيث ان احدا في هذا العالم المسعور الذي نسير فيه الي حتفنا، لايتمني ان يكون سحابة.. "... وهنا فقط سكتت شهر زاد الجزائرية عن الكلام المباح .. جريدة القاهرة في 17 يناير 2006 |
فاتن حمامه... تدخل مواجهة سياسية حادة في عهدي عبد الناصر والسادات * في عهد عبدالناصر وزع الفقر علي الجميع.. وأغلق البلد.. أما السادات فقد فتح الأبواب عي مصاريعها.. فدخل القرش كل بيت!! * أنا لا أدافع عن الانفتاح في عهد السادات... لكن بعد الإغلاق الكامل للبلد فلابد من سلبيات واغتني من اغتني وسرق من سرق!! * لم أجد فرصة لكي أمثل دور البطولة في قصة من قصص العظيم نجيب محفوظ لأن المنتجين كانوا يخطفونها بمجرد نشرها * في زمن أفلام المقاولات وانحطاط السينما اخترت «ليلة القبض علي فاطمة» لأعود به.. لم ينجح في الجو السائد إلا في أوساط المثقفين * اخترت خيري شلبي لأمثل «يوم مر ويوم حلو» كان المخرج والمؤلف والممثلون كلهم من الجيل الجديد.. فطلبت أن التقي بهم في جلسة تعارف * لم يكن هناك مبرر لهجوم حسن الإمام علي فاتن وهو يستعرض نجوما صنعهم مثل حسن يوسف وصلاح قابيل ونور الشريف في ندوة تليفزيونية
فاتن.. تكملة تمنت فاتن حمامة أكثر من مرة أن تمثل إحدي روايات كاتبنا الكبير نجيب محفوظ صاحب نوبل، لكن أكثر ما حصت عليه هو التعريب الذي اتخذ منه صلاح أبو سيف أساسا لفيلمها معه «لك يوم يا ظالم» عن قصة إميل زولا تريز راكان. وبررت لي هذا التباعد بينها وبين روايات نجيب محفوظ قائلة: «لا يكاد نجيب محفوظ يبدأ في نشر إحدي قصصه، حتي يتصارع المنتجون علي الفوز بإنتاج أفلام عنها، ولم أجد فرصة لأمثل بطولة قصة من قصصه». لقد عاشت فاتن أدوارا كتبها إحسان عبدالقدوس في أفلام «الطريق المسدود» و«لا أنام» ـ وقد اقتبس المنتج رمسيس نجيب اسم فاتن في هذا الفيلم «نادية لطفي» ليطلقه علي بولا شفيق عندما قدمها للسينما أول مرة ـ ولا تطفئ الشمس و«إمبرطورية ميم» و«الخيط الرفيع» وقدمت لعميد الأدب العربي طه حسين «دعاء الكروان» وللدكتورة لطيفة الزيات «الباب المفتوح» وليوسف إدريس «لا وقت للحب» و«الحرام» وليوسف السباعي «بين الأطلال» و«الليلة الأخيرة» لكن لم يسعفها الحظ لدور بطولة في قصة من قصص نجيب محفوظ. فاتن.. و«بين القصرين» وحسن الإمام فاتن حمامة، مشاهدة جيدة لمختارات من الأفلام وهي كربة بيت مصرية، أحيانا كان يستهويها متابعة المسلسلات الدرامية التليفزيونية، خاصة إذا كانت مأخوذة عن قصة لكاتب من كتابنا الكبار وعلي الرغم من أن المخرج حسن الإمام كان واحدا ممن عاصروا بدايات فاتن حمامة وصعودها إلي القمة وقدمها في أفلام مثل «اليتيمتان» و«أنا بنت مين»، إلا أنه في فترة من الفترات أخذ يشكو تباعدها عنه، وتفضيلها عددا من المخرجين مثل يوسف شاهين وهنري بركات وكمال الشيخ وحلمي حليم، بل تعمد مرة في برنامج تليفزيوني في ندوة عن فيلم له بعنوان «هي والرجال» كانت بطلته لبني عبدالعزيز وحسن يوسف وصلاح قابيل، وكان الثلاثة ضيوفه في الندوة، أن يلقب نفسه بأنه صانع النجوم ومكتشفهم وقال إنه صنع من حسن يوسف نجما في فيلم «امرأة علي الهامش» أمام هند رستم وصنع من صلاح قابيل نجما أمام شادية في «حميدة» لـ «زقاق المدق» وأنهم جميعا يعترفون بفضله وليسوا كفاتن حمامة التي تنكرت له بعد عدد من الأفلام مثل «اليتميتان» أوصلتها إلي القمة. والحقيقة أن ابتعاد فاتن حمامة عن العمل مع حسن الإمام «مخرج الروائع» كما كان يسمي نفسه هو أنها خلال العمل في فيلم «أبو زيد الهلالي» التقت بشاعر السينما الكبير الراحل عزالدين ذوالفقار الذي كان يعمل كمساعد أول في الفيلم، وتحابا وتزوجا وأصبحت نجمة أكثر أفلامه مثل «خلود» و«موعد مع الحياة» و«موعد مع السعادة» و«بين الأطلال» و«نهر الحب».. وفي الوقت الذي ربط فيه حسن الإمام نشاطه السينمائي بالفنانة الكبيرة هند رستم الذي قدمها في سلسلة متواصلة من الأفلام منها «الجسد» و«اعترافات زوجة» و«شفيقة القبطية» و«الراهبة». ومع هذا فما كانت فاتن تقاطع حسن الإمام، أو يكون لها رأي ضد حسن الإمام، ففي أوائل الستينيات قامت ببطولة فيلم من إخراجه وإنتاج حسن رمزي عنوانه «لن أبكي أبدا» ظهرت فيه ابنة لباشا من الإقطاعيين، صادرت الثورة أرضه، تركت له النصاب القانوني وهو 100 فدان، وكان الباشا هو زكي رستم، وكانت فاتن هي ابنته التي اضطرت للعمل في فلاحة الأرض رافضة التباكي علي ما كان وكان حسن الإمام، في سنواته الأخيرة يخرج فيلما عن قصة نجيب حفوظ «دنيا الله» وكان قريبا مني في هذه الفترة بحكم صداقتي لولديه حسين ومودي الإمام، وكان من الطبيعي أن أتردد علي البلاتوه، وهو يصور مشاهد الفيلم، وفوجئت به ذات مرة يسألني: ما قلتليش رأي صديقتك في فيلم «بين القصرين» وبقية الثلاثية.. كان يقصد «فاتن» طبعا، وفهمت.. وكان بالفعل قد أثار ضجة بعد عرض «بين القصرين» وتعرض لهجوم عنيف بسبب مشاهد العوالم والتركيز علي الأجساد وهن يرقصن.. وأذكر ان فاتن أبدت رأيا أمامي في حضور كمال الشيخ الذي كان وقتها يخرج فيلم «سيدة القصر» وهي بطلته أمام عمر الشريف.. قالت: إن الفيلم سيئ للغاية، وقد عرف حسن الإمام أن يقدم أبطاله مثل يحيي شاهين وشويكار ونادية لطفي وعبدالمنعم إبراهيم ولم يبتعد كثيرا عن جو نجيب محفوظ. جريدة القاهرة في 17 يناير 2006 |
صلاح هاشم في أول حوار معها بعد فوزها بمقعد في «مجمع الخالدين»
|