منال الصيفي مخرجة شابة قدمت تجربتها الإخراجية الأولي مع فيلم الحياة منتهي اللذة الذي أكدت من خلاله أنها مخرجة تملك موهبة فنية كبيرة ورؤية و اضحة, وهذا طبيعي, فمنال نشأت في بيت فني عريق شهد ذهبيات السينما المصرية, فهي ابنة المخرج الكبير حسن الصيفي الذي توفي منذ تسعة أشهر والفنانة القديرة زهرة العلا إلي جانب أنها شاركت المخرج يوسف شاهين سنوات عديدة, العمل في معظم أفلامه كمساعد مخرج. · ماذا عن تأثير وفاة والدك المخرج حسن الصيفي وما أهم الدروس التي تعلمتها سواء منه أم من والدتك الفنانة زهرة العلا؟ تأثير والدي المخرج حسن الصيفي علي, انعكس علي كل حياتي, لأنني أحببت الإخراج بسبب حبي الكبير له, علي الرغم من أنه كان شيئا غير مفهوم بالنسبة لي عندما كنت أصحبه إلي مواقع التصوير, وفي كل مكان يذهب إليه, وعندما انتهت فترة المدرسة, فضلت الالتحاق بمعهد سينما عن كلية الآداب قسم علم النفس الذي كان المقرر أن التحق به طبقا لمجموع درجاتي, أما والدتي فكان تأثيرها علي في الفن تأثيرا سلبيا, فكانت ترفض أن أدخله, ومبرراتها أنه عمل مرهق وفقد احترامه في الآونة الأخيرة, لكن أمام إصراري وتشجيع والدي نجحت في العمل بمهنة الإخراج, وشاركت والدي مسلسل أوتار التغريبة بعدها اتجهت إلي شركة أفلام مصر العالمية لأعمل بها كمساعد في الإخراج. · اخترت لبداياتك المهنية كمخرجة فيلما اجتماعيا.. هل أنت أميل إلي هذه النوعية؟ جاءت البداية مع هذا الفيلم لأنني أعجبت جدا بالأفكار التي يحملها وجمعني بمؤلفة الفيلم شهيرة سلام جلسات كثيرة كانت تقرأ علي كل جزء تنهيه من السيناريو, لذلك فأنا أعتبر أنني شهدت مولد الفيلم كسيناريو وتقريبا تجمعنا نفس الأفكار, لذلك جاء كخطوة أولي لنا نحن الإثنين, وبدأنا الخطوات الفعلية لتنفيذ السيناريو بعد أن أنجبت ابني يوسف ووجدت شهيرة تعرض السيناريو علي المنتجة نهاد رمزي بصفتها الصديقة المقربة لها. · لماذا تأخرت تجربتك الروائية الأولي؟ كنت أشعر طوال الوقت وقبل هذه التجربة بأنني غير مستعدة علي الإطلاق لخوض تجربة تقديم أول فيلم يحمل اسمي علي الأفيشات, ولم يكن لدي الدافع للبحث عن سيناريوهات أو مشروعات, وكنت أترك المسألة للمصادفة, وعندما تأخرت لم أغضب خاصة أنني كنت متحققة تماما كمساعد مخرج أول. · كانت هناك بعض التوقعات حول الفيلم بأن موضوعه مختلف, وهو ما استوحاه العنوان الحياة منتهي اللذة.. ما تعليقك؟ لم نقصد منتهي اللذة بالمعني الذي توقعه الجميع, حيث سارت التوقعات في الاتجاه الحسي للكلمة, وأعتقد أنه لم يأت أي تصريح علي لساني أو لسان أي فرد من أسرة الفيلم بهذا المعني, وما قصدناه من منتهي اللذة هو منتهي اللذة في الحياة بشكل عام, وأعتقد أن هذا واضح تماما في أحداث الفيلم وشخصياته أيضا. · معني ذلك أنك قصدت تقديم عمل نظيف بلغة سينما هذه الأيام, وحتي تضمني سرعة إنجازه؟ بغضب أجابت: أنا ضد كلمة سينما نظيفة ولا توجد سينما نظيفة أو سينما غير نظيفة, هذا كلام غير مفهوم أو مقبول, لكن في نفس الوقت أنا ضد منطق القبلات أو حتي المشاهد الساخنة بدون مبرر إلا إذا كان الموضوع والأحداث تتطلب ذلك, ففي هذه الحالة مباح استخدامه, لكن ما دمنا استطعنا التعبير عن المعاني والمعلومات الموجودة بالسيناريو التي تتطلبها الأحداث بدون استخدام القبلات أو غيرها, فلماذا لا نفعل ذلك؟ أما عن سرعة إنجاز الفيلم فهذا كان توفيقا من الله لا أكثر ولا أقل. · وجه البعض النقد لأداء يوري مرقدي في الفيلم بأنه لا يجيد التمثيل, كما أنه معلوم أن أحد أصوله لبنانية لكن ذلك لم يصل إلي الجمهور, وبالتالي لم يجدوا مبررا في لكنته اللبنانية طوال أحداث الفيلم؟ في هذه الجزئية أعتقد أنني قدمت كل ما كان مطلوبا مني لأنني ذكرت في الفيلم بأن والدته لبنانية, أما أداؤه فأعتقد أن الأخطاء التي وجهت له كانت بسبب اللغة وليس الأداء, وأعتقد أن اللغة كانت بسبب أنه استعد للفيلم قبل بدء تصويره بشهرين فقط, وفي رأيي أن يوري مجتهد جدا وهو ما لاحظه الكثيرون علي أدائه في الفيلم, وأعتقد أن الأفلام القادمة سيحقق فيها نجاحا أكثر. · علق بعض النقاد بأن أجواء الفيلم متشائمة وكئيبة هل تتفقين مع هذا الطرح؟ الفيلم نوعية مختلفة من الأفلام, وأنا عن نفسي لا أري أنه متشائم لأنه كما انتهي الفيلم بوفاة حنان ترك, انتهي أيضا بعودة الحياة الزوجية مرة أخري بين منة شلبي ومجدي كامل, وأعتقد أيضا أن نماذج كثيرة في الحياة تتشابه مع نماذج شخصية زينة التي تبحث عن الحب, وتجده في شخصية يوري مرقدي, وأيضا يوري الزوج الذي يعاني تجاهل زوجته, فيبحث عن الحب مع أخري, أي أن الفيلم واقعي بنسبة كبيرة جدا, ولماذا عندما نأتي بقصص حقيقية يري البعض أنها تحمل المبالغات, مع أن هذه المبالغات نعيشها كل يوم أو نسمع عنها, وربما السبب في الإحساس الذي وصل إلي الجمهور هو أن الفيلم مختلف في الموضوعات التي طرحها بعيدا عما يشاهده. واعتاد الجمهور علي تعاطيها في الفترة الحالية. · هل علاقة البطلة الوطيدة والرائعة بوالدها هي انعكاس لعلاقتك بوالدك المخرج الراحل حسن الصيفي الذي تأثرت بوفاته؟ بالفعل كان نموذج حنان ترك وعلاقتها بوالدها وحزنها لفراقه هي نفس الحالة بالنسبة لي مع والدي, لكن أنا لم أتدخل في السيناريو علي الإطلاق, وحتي عندما كتبت شهيرة الفيلم كان والدي لا يزال علي قيد الحياة وخشيت عليه أن يقرأ السيناريو الذي زرع بداخلي خوفا فظيعا عليه, لذلك عندما توفي قطعت إجازتي ونزلت الشغل في رابع يوم علي وفاته, لأنني أجزمت بأن الحياة انتهت بنهايته, وكان علي أن أتغلب علي هذا الشعور, وكنت أبكي يوم العرض الخاص للفيلم لإحساسي بفراقه, ولأنني فقدت ضلعا كبيرا في حياتي بوفاته, لأن حبي لوالدي كان أكثر من حبي لأولادي, لكن المخرج والأب حسن الصيفي ترك لي ميراثا كبيرا من الإبداع, وحب الحياة, و الكثير من القيم*
...وكاتبة السيناريو شهيرة سلام في تجربتها الأولي: شخصيات الفيلم حقيقية ولم أقصد المبالغة شهيرة سلام مؤلفة فيلم الحياة منتهي اللذة الفيلم الذي أثار كثيرا من الجدل حول القضايا المطروحة بداخله و التي عبر عنها الفيلم من خلال مجموعة من الشخصيات التي تعكس قضايانا ومشكلاتنا الاجتماعية خاصة في الفترات الأخيرة, وربما كان هذا هو السبب في نجاح العمل بشهادة شباك التذاكر والآراء النقدية التي كتبت حوله, و ذلك علي الرغم من أن العمل تم عرضه في موسم عرض جديد علي السينما المصرية, لذلك كان نجاحه مفاجأة لأبطاله وصانعيه. مجلة الأهرام العربي التقت بشهيرة التي حدثتنا عن تجربتها الأولي وعن مأزق جيلها من السينمائيات الشابات. · هناك فجوة كبيرة بين توقيت تخرجك في معهد السينما عام1992 وتجربتك السينمائية الأولي ماذا عن هذه الفترة؟ فيلم الحياة منتهي اللذة هو أول عمل يظهر للنور, لكن من قبله كانت لي تجارب في أفلام روائية قصيرة كان أبرزها فيلم مدته40 دقيقة, يحمل عنوان طيري ياطيارة للمخرجة هالة خليل, وعرض في المهرجان القومي للسينما وحصلت من خلاله علي جائزة أفضل سيناريو, وفيلم آخر مدته نصف ساعة يحمل اسم ليلة, بطولة محمد نوح ولقاء الخميس, وإخراج سعاد شوقي, وفيلم ثالث بعنوان العشرة جنيه, قامت ببطولته جيهان راتب, وإخراج هشام عكاشة, وهذه الأفلام حصلت علي جوائز في مهرجانات كثيرة خارج مصر. · ما السبب في تأخر تجربتك في فيلم الحياة منتهي اللذة برغم أنك انتهيت من كتابة السيناريو منذ فترة طويلة؟ هي بالفعل تأخرت, لكن والحمد لله أنها تمت بهذا الشكل ولا أحد يعلم ربما لو تم تنفيذها منذ فترة طويلة كانت ستتم, لكن بأبطال أقل نجومية من يوري مرقدي وحنان ترك ومنة شلبي وباقي أبطال الفيلم. وفي النهاية أسرة العمل بالكامل طاردتها أحلام كثيرة تمنت تحقيقها من خلال فيلم الحياة منتهي اللذة, ونجحنا في تحقيقها, وربما كنا متعجلين وطموحين, لكن عندما نصطدم بالواقع ومقاييس السوق الفني والتجاري سنجد أن كل شئ مقدر له التوقيت الذي سينفذ فيه, لأن ظروف السينما هي التي تقرر واقع تنفيذ أحلامنا, وذلك لأن تراجع الأفلام الكوميدية أتاح الفرصة لفيلم مثل الحياة منتهي اللذة في الظهور. · البعض رفض نهاية الفيلم بموت بطلته حنان ترك ورأي أنها ميلودراما مبالغ فيها.. ما تعليقك؟ موضوع الفيلم كان يتطلب أن تكون نهايته هكذا, وكان لا يصح أن تكون نهايته مختلفة عن هذه النهاية, لأن وفاة حنان ترك هو المشهد الأخير في الفيلم, هو النهاية المنطقية له من وجهة نظري, وأعتقد أننا سبق أن أعجبنا بشدة بأفلام كثيرة انتهت بموت أبطالها أهم هذه الأفلام كان دعاء الكروان, وإني راحلة, وحبيبي دائما إلي جانب أن أحداث الفيلم وشخصياته حقيقية ولا نقصد أن نوجه للجمهور محاضرة من خلال الفيلم لأنه في النهاية توفت البطلة في حضن حبيبها, وهذه النوعية من المشاهد لو تم تنفيذها بشكل صحيح سيصدقها الجمهور لأنه ليس الفيلم الأول في السينما الذي ينتهي بهذه النهاية. · بعض الموضوعات والشخصيات التي تضمنها الفيلم كانت تحمل المبالغة ألا تتفقين معي في ذلك؟ أنا لم أر مبالغة في الفيلم لأنني حاولت التعبير عن عدد كبير من القضايا والمشكلات الموجودة في المجتمع والمنتشرة فيه بشكل مثير وواقعي وحقيقي, بمعني أنني أري أن التكنولوجيا التي نعيشها هذه الأيام والمرتبطة بتطور الحياة, أضفت المادية علي العالم الذي نعيشه, وكلما ازدادت التكنولوجيا زادت الحياة المادية, وهذه القضية عبرت عنها من خلال شخصية منة شلبي, المرأة التي تخون زوجها عن طريق الكمبيوتر, وفي المقابل شخصية مجدي كامل, وهو أستاذ الجامعة الذي يري أنه مع تقدم التكنولوجيا, يولد انهيار في القيم والمثل, وهذه التكنولجيا في كل شئ سواء الكمبيوتر أم الموبايلات أم العربات ومدي تطورها فهي كلها وسائل للمتعة علي أرض مخربة ونفوس ضعيفة, وموضوعات أخري, أي أننا في الفيلم نربط ما بين الشاتنج, المحادثات عن طريق الإنترنت, واستخدام الشباب لكاميرات التليفون المحمول حتي يعتدوا به علي زميلاتهن في الكلية عندما يقوم بتصوير الجزء العادي من ظهرها أثناء متابعتها للمحاضرة, وأيضا مشكلة حنان ترك التي كانت تقيم نفسها وتكتب مذكراتها, فهي لم تقصد الحديث عن تقييم المجتمع, لكن قصدت كتابة مذكراتها من وجهة نظر والدها الإنسان المتصالح مع نفسه, وصاحب الأحاسيس المرهفة. · علي لسان بطلة الفيلم حنان ترك طرحت قضية الحجاب و غيرها من القضاياالتي تم استخدامها في أعمال كثيرة من قبل, فما الجديد الذي يحمله الفيلم؟ تناولنا قضية الحجاب من وجهة نظر مختلفة تماما, وهنا في الفيلم تحدثت حنان ترك عن الحجاب وهي تقيم نفسها, وهذه قضية تشغلنا دائما نحن الفتيات إلي جانب أن حنان كانت تراجع نفسها, وأعتقد أن هذا الأمر يواجهنا جميعا إلي جانب أنها في الفيلم حاولت التفرقة بين الخيانة والخطيئة, لأن كثيرا من الأمور تختلط علينا, ولا نعلم هل ما نفعله سلوك صحيح أم به شبهة, وهي الأسئلة التي تطرحها قضية منة شلبي طوال الوقت, هل عندما تقيم علاقة من خلال الشات هي تخون زوجها أم لا. وفي نفس الوقت تصارح حنان ترك بالحقيقة عندما تستشيرها بدون تجميل لموقفها أو تبحث له عن مبررات. · هل تتفق آراؤك الشخصية مع آراء الشخصيات في الفيلم ؟ ليس بالضرورة أن أقدم آرائي الشخصية في الفيلم, لكنني حاولت البحث عن شخصية وردود أفعالها, لكن من الممكن أن تكون آرائي معاكسة لكل آراء وسلوكيات الشخصيات في الفيلم. · ما تقييمك لتجربتك في فيلم الحياة منتهي اللذة؟ الحمد لله راضية جدا, وأعتقد أنها ناجحة بشكل كبير, والدليل علي ذلك إيرادات الفيلم والنجاح الذي حققه في هذا التوقيت السيئ لعرض الأفلام, وهو التوقيت المعروض فيه الفيلم, ولم نعتد مشاهدة أفلاما عربية في هذه الفترة. بالطبع عندي الكثير من المشروعات والطموحات والأحلام أتمني أن أحققها وتساعدني الظروف السائدة علي أن أصل ولو لجزء منها* الأهرام العربي في 14 يناير 2006 |
محاكمات في السينما عدنان مدانات قاعة المحكمة واحدة من الأماكن المألوف تكرار تصويرها في السينما بالعلاقة مع المشاهد التي تحتوي على جلسات المحاكمة المرتبطة في أكثر الأحيان بالأفلام البوليسية أو بالأفلام التي تعالج قضايا مرتبطة بالخلافات الأسرية على أنواعها. وفي الغالب الأعم تتحول مشاهد جلسات المحاكمة في الأفلام إلى وقائع روتينية شكلا، يتم تصويرها بأساليب متشابهة، ولها هدف درامي متكرر ينتهي إما بتبرئة المتهم أو بإدانته. تاريخيا، يسجل لفيلم “م” (والحرف “م” هو الحرف الأول باللغة الإنجليزية من كلمة “القاتل”)، وهو الفيلم الذي أخرجه فريتز لانغ في العام ،1931 انه أطرف وأغرب وأعمق، وعلى الأغلب حتى يومنا هذا، الأفلام التي صورت واقعة جلسة محاكمة. تتكون هيئة قضاة المحكمة في هذا الفيلم من لصوص وشحاذين، المدعي العام لص، محامي الدفاع لص، المسؤولون عن تنفيذ الحكم لصوص، أما المتهم فهو مجرم مهووس ارتكب مجموعة جرائم قتل متسلسلة ضحيتها أطفال. وعلى غرابة الأمر فإن المحاكمة تتم بطريقة واقعية وأصولية طرًا. ويتبين من مجرى المحاكمة التي تجري في قبو أحد المباني المهجورة بحضور جمهور غفير من اللصوص والشحاذين أن الجميع ملمون تماماً بأصول القانون الجزائي التي اكتسبوا معارفهم فيها من خبراتهم الشخصية نتيجة تعرضهم المتكرر للمحاكمة. ما تسبب في هذه المحاكمة الغريبة كون الجرائم التي ارتكبها القاتل المهووس والتي أثارت الذعر في المجتمع، أدت إلى انتشار رجال الشرطة في أرجاء المدينة بحثا عن القاتل، مما تسبب في إعاقة عمل اللصوص والشحاذين فأصبح من مصلحة أولئك العثور على المجرم ومعاقبته على ما ارتكبه من جرائم ما كان لهم أن يهتموا بإدانتها لولا أنها منعتهم من ممارسة جرائمهم الخاصة. بعد نحو تسعة عشر عاما من هذا الفيلم ستنبهر الأوساط السينمائية في العالم بعد مشاهدة فيلم “راشومون” بتوقيع المخرج الياباني غير المعروف عالميا آنذاك أكيرا كيروساوا، وهو الفيلم الذي تضمن وقائع محاكمة غريبة جديدة من نوعها طرحت الكثير من الأسئلة الجذرية المتعلقة بمفهوم الحقيقة ومدى موضوعيتها بالعلاقة مع مصالح الطبقات والفئات الاجتماعية المختلفة. ويقدم المخرج الأمريكي أورسن ويلز في العام 1962 فيلم “المحاكمة” المقتبس عن رواية الكاتب فرانز كافكا، حيث تتحول المحاكمة إلى حالة تجريدية عبثية في آن. يحكي الفيلم قصة رجل يدعى “جوزيف. ك” هو مواطن في بلد لا اسم له، يتعرض للاعتقال ويجد نفسه متهما في قضية غير محددة وعندما يحاول الدفاع عن نفسه لا يعثر على هيئة المحكمة. إضافة إلى هذه المحاكمات السينمائية غير التقليدية والمهمة في مضامينها ودلالاتها والتي تنتمي إلى مرحلة مبكرة من عمر السينما، تميزت لاحقا أفلام قليلة أخرى بواقعيتها وبقيمتها السياسية أو الاجتماعية التاريخية. وهذا ما نجده في فيلم المخرج الأمريكي ستانلي كرامر، وهو فيلمه الشهير “محاكمة نورنبرغ” الذي أخرجه في العام 1961 واعتمد فيه على وقائع موثقة ترتبط بالمحاكمة التي جرت في مدينة نورنبرغ في العام 1950 لبعض قادة الجيش النازي المتهمين بجرائم حرب ضد الإنسانية، وهي المحاكمة التي توصف بأنها محاكمة العصر. ولا تقتصر أهمية المحاكمة في هذا الفيلم على مضمونها وعلى قوة إخراجها، بل تتركز أساسا على مصداقيتها كونها تجسيداً سينمائياً صادقاً ومؤثراً لوقائع موثقة أي انه فيلم روائي تسجيلي في آن يمزج قوة الدراما بمصداقية الوثيقة. ومن الجدير بالذكر هنا أن ستانلي كرامر نفسه سبق له وأن اخرج في العام 1960 فيلما مميزا يتضمن محاكمة ذات قضية جذرية مرتبطة بالمجتمع الأمريكي وذلك في فيلمه المعنون “أن تحصد الريح” والذي تجري أحداثه في العام 1925ويكشف زيف الديمقراطية الأمريكية من خلال اعتقال ومحاكمة أستاذ يقوم بتدريس نظرية داروين. ويقدم المخرج الأمريكي سيدني لوميت في العام 1957 فيلمه المثير “اثنا عشر رجلاً غاضباً” الذي تميز من الناحية الفنية، في تجربة أولى من نوعها في السينما العالمية، بتصويره المشوق للغالبية العظمى من مشاهد الفيلم داخل قاعة ضيقة مغلقة ملحقة بقاعة المحكمة يجتمع فيها المحلفون الاثنا عشر لتقرير مصير المتهم فيحتد الصراع بينهم بسبب موقف أحدهم الأخلاقي الرافض لإدانة المتهم والمعارض لموقف بقية المحلفين. يتميز الفيلم من الناحية الدرامية بنقله المسؤولية من هيئة المحكمة إلى هيئة المحلفين، فلا تعود المحاكمة مسألة قانونية بل مسألة أخلاقية. أشهر المحاكمات السياسية في السينما العالمية نجدها في الفيلم الإيطالي “ساكو وفانزيتي” الذي اخرجه جوليانو مونتالدو في العام ،1971 ويستعرض فيه وقائع محاكمة اثنين من العمال الإيطاليين المهاجرين إلى أمريكا وتحميلهم مسؤولية قتل أحد الأشخاص في أنه تم قتله من قبل رجال الشرطة أثناء التحقيق معه بسبب مواقفه السياسية اليسارية. وقد تم اتهام العاملين ساكو وفانزيتي أيضا بسبب علاقتهما بتنظيم سياسي يساري. وانتهت المحاكمة بإدانة العاملين ثم إعدامهما، هذا في حين أن قضيتهما أثارت الرأي العام العالمي الذي تعاطف معهما، وتجلى ذلك التعاطف بالاعتصامات والمظاهرات وباقي أشكال الاحتجاج على تلك التهمة الملفقة. ومن المفارقة انه تم تبرئة هذين العاملين بعد موتهما بعدة عقود. ينتمي فيلم “ساكو وفانزيتي” إلى تيار السينما السياسية الإيطالية الذي انتشر في ستينات القرن العشرين، وهو التيار الذي يستند منهجه إلى إعادة بناء وتنظيم الوقائع، ليس فقط المرتبطة مباشرة بالحدث بل التي قد تبدو للوهلة الأولى غير ذات صلة مباشرة إنما يمكن ربطها به والاستفادة منها في عملية تحليل الحدث وصولا إلى استنتاج سياسي. ويقدم الفيلم الأمريكي ذو العنوان الدال “مدان بالشبهة” (1991) للمخرج إيرفين وينكلر نموذجا مهماً للفيلم الذي يصور محاكمات ترتبط بقضية سياسية بشكل مباشر. فهذا الفيلم الذي يعود بنا إلى أمريكا سنوات الخمسينات من القرن العشرين التي شهدت تشكيل لجنة النشاطات المعادية لأمريكا برئاسة السيناتور ماكارثي. توجد في تاريخ السينما العربية أيضا أفلام تضمنت محاكمات ذات دلالات عميقة سواء على المستوى الإنساني العام أو الاجتماعي أو السياسي، يمكن أن نميز بينها حالات، اثنان منها ينتميان إلى السينما المصرية والثالث، وهو الأحدث والأهم من إنتاج مغربي. أول هذه الأفلام هو “أريد حلا” للمخرج سعيد مرزوق المنتج في بداية السبعينات من القرن العشرين، والذي تتحول فيه جلسة المحاكمة الخاصة بطلب زوجة الطلاق من زوجها، إلى محاكمة ليس فقط للاضطهاد الذي تتعرض له المرأة، بل بشكل خاص إلى إدانة للقانون المدني نفسه. وفي فيلم المخرج يوسف شاهين “حدوتة مصرية”، وهو بمثابة سيرة ذاتية للمخرج نفسه، ثمة محاكمة رمزية خيالية يلعب دور المدعي فيها طفل يجسد صورة الطفل الموجود في داخل الفنان، أما المدعى عليه فهو الفنان الذي تضعه المحاكمة في مواجهة ذاته وتاريخه ومجتمعه، فيدافع عن نفسه ملقيا اللوم على آليات القمع المختلفة ومن مختلف الأوساط، والتي يتعرض لها الإنسان منذ طفولته فتمنعه من تحقيق ذاته، كمبدع. أما الفيلم الثالث فهو “درب مولاي الشريف” من إنتاج عام 2004 وتوقيع المخرج حسن بن جلون، المقتبس عن رواية “الغرفة السوداء” للكاتب المغربي جواد مديدش والتي يسرد فيها وقائع حقيقة عن تجربة السجن والتعذيب والمحاكمة لأسباب سياسية في المغرب المعاصر. ويتشابه فيلم “درب مولاي الشريف” مع الفيلم الأمريكي “مدان بالشبهة” من حيث الخط العام لحكاية بطله المدعو كمال والموظف في المطار، الذي سبق له أن كان عضوا في منظمة ماركسية أيام كان طالبا، ثم تخلى طوعا عن النشاط السياسي، ويجد نفسه مطالبا بعد سنوات بأن يكون واشيا ضد رفاقه القدامى فيمنعه ضميره وكرامته من ذلك الفعل ويتحمل نتيجة ذلك كل أصناف التعذيب الجسدي والنفسي ثم السجن ثمانية عشر عاما. الخليج الإماراتية في 16 يناير 2006
مخرج "مديونير" يقوده "ضباب" لفخ الديون حمد الريامي: خسرت 30 ألف درهم وربحت "شرف المحاولة" أبو ظبي- محمد عبد المقصود: اقترض المخرج حمد سيف الريامي ميزانية فيلمه السينمائي الأول "ضباب" من احد البنوك، قبل أن يكون رفض وزارة الثقافة والإعلام منحه تصريحاً للتصوير بجزيرة دلما إحدى حلقات مسلسل كابوسي طويل ما زال يعيشه الريامي واقعاً، حيث اتجه بعده مباشرة لمنطقة الطويين، برأس الخيمة، لكن غياب التبني الحقيقي للمواهب الإخراجية الشابة، جعل نهاية فيلم " الضباب" أقرب ما يكون للمعنى الفيزيقي للاسم، تلاشى "ضباب" المخرج الشاب وتنصل الجميع من تهمة وأد المواهب الشابة الذي أضحى متوالية شبه اعتيادية رصدتها "الإمارات اليوم" في أكثر من مناسبة رغم شعارات تبني صناعة سينمائية حقيقية في الإمارات . موهوب يعتبر الريامي من أنشط اعضاء مجموعة البعد الرابع السينمائية بابو ظبي، قاده طموحه السينمائي إلى دراسة الإعلام التطبيقي في كلية التقنية، وأخرج سبعة أفلام ما بين تسجيلية وقصيرة، كما أنه يعتبر الإماراتي الوحيد الذي عمل في قناة "سي أن بي سي" عربية، بالإضافة إلى عمله في القناة الأوروبية أيضا من المجموعة نفسها،وقد عرض فيلمه "كابوس" في الدورة الثالثة من مهرجان "أفلام من الإمارات" ونال جائزة أحسن إخراج وأحسن فيلم من مسابقة ""I dream التي تجمع الموهوبين من دارسي الإنتاج السينمائي، كما حصل فيلمه التسجيلي "مديونير" على جائزة أفضل فيلم تسجيلي إماراتي العام 2004 من المسابقة نفسها، فيما شهد العام الجاري إخراج فيلم "رنين" الذي يعد أحدث أفلامه السبعة، حيث نال الفيلم تقدير المتابعين قبل ان يعرض بالأردن وتونس . لكن مأساة الريامي الحقيقية بدأت مع فيلم "ضباب" الذي انتهى المخرج الشاب من إعداد السيناريو الخاص به، مستفيداً من خبرة المخرج القدير مسعود أمر الله، حيث يضيف : " علمت من أصدقائي أن قناة الشارقة الفضائية بصدد إعداد خطة لدعم المخرجين المحليين تتبنى من خلالها أعمالهم لتقدم في مجموعة من السهرات الدرامية التي كان من المقرر عرضها خلال رمضان الماضي، وبالفعل عُرض السيناريو على المسؤولين بالقناة، وقابلت مدير الإنتاج حسن أبو شعيرة على أساس ان يتم إنتاج "ضباب" من خلال القناة... انتظرت كسائر المخرجيين الإماراتيين، وفيما كنت أترقب بدء إنتاج ضباب، فوجئت بإعلامي بإلغاء الفكرة من الأساس من قبل قناة الشارقة، بحجة أن جهود الإنتاج حولت لصالح مسلسل محلي وحيد هو (أمواج هادئة). ويضيف الريامي : " بعد أن سُدَّت في وجهي أبواب قناة الشارقة الفضائية، طرقت أبواب نظيرتها في أبو ظبي، وهناك أخبرني المسؤولون بأنهم غير معنيين بدعم الدراما السينمائية، رغم أن قناة أبو ظبي الفضائية أنفقت ذلك العام بالتحديد ملايين الدراهم لشراء مسلسلات عربية عديدة كان الاستغناء عن واحدة منها كفيل أن يمول أعمال عشرات المخرجين الشباب" . اعتذار بعدها لم يترك المخرج الشاب أي جهة رسمية ذات صلة قريبة كانت أو بعيدة بمشروع إنتاج "ضباب" إلا وتواصل معها قبل أن يحصل على اعتذارات ووعود ربطها مطلقوها بالمشيئة الإلهية دون أن يحركوا ساكناً،"حتى شركات القطاع الخاص عرضت عليها فكرة إنتاج الفيلم، لكن الخوف من الخسارة المادية لفيلم إماراتي قد لايجد إقبالاً جماهيرياً في حالة عرضه سينمائياً جعل "ضباب" مجرد حبراً على ورق مخرجها" . قرار ميلاد "ضباب" بالقوة كان ردة فعل المخرج حينها معتمداَ على موارده الذاتية حيث يضيف : " أخذت قرضاً من أحد البنوك بغية إنتاج الفيلم، واستأجرت كافة الآلات اللازمة لعملية التصوير،وتعاقدت مع إحدى الشركات التي ستتولى إدارة تلك العملية ودفعت من القرض كافة الرسوم والأجورالخاصة بالفنيين، وكانت أسرة الفيلم بالكامل على أهبة الاستعداد بما فيهم الزملاء نواف الجناحي،علي الجابري، سعيد سالمين، جمعة السهيلي، عبد الله الرمسي، حسن الكثيري، ولأننا جميعاً هواة غير محترفين، ويعمل معظمنا في وظائف حكومية نهاراً، قبل أن نصاب بداء السينما وهمها ليلاً كان القرار أن يبدأ تصوير "ضباب" يومي العطلة الأسبوعية الخميس والجمعة، وذهبنا جميعا لجزيرة دلما التي اخترتها كموقع رئيسي للتصوير، لكننا فوجئنا بمنعنا من التصوير هناك حيث رفضت وزارة الثقافة والإعلام الموافقة على منحنا ترخيص بالتصوير في الجزيرة، في الوقت الذي لم يكن أحد في أسرة العمل يتوقع ان تأتي العقبة الأولى من الوزارة، التي كنا نعتقد بانها سوف تكون أولى الجهات الداعمة لنا في هذا الموقف، خاصة وأن جانباً كبيراً من الرؤية الإخراجية كان معتمداً على عبقرية الجزيرة ذات الجبال البركانية التي لا تزال عذراء أمام عدسات المصورين دون أن ترصدها عين إخراجية " . ويواصل حمد : " الإحباط الذي أصاب أسرة ضباب جراء ذلك لم يمنعنا من مواصلة محاولات إنجاز الفيلم، رغم كل ما يعنيه ضياع يوم من دون تصوير في ظل استئجار آلات تصوير متخصصة وفريق فني على مستوى عال متقاضى أجره مسبقاً، فكان الذهاب إلى منطقة الطويين في رأس الخيمة واختيارها كموقع للتصوير هو خيارنا، وذهبنا هناك يحدونا الأمل في إنتاج "ضباب"، لكن للأسف انتهى الوقت المحدد لاستئجار "الكرين" وسائر الأجهزة اللازمة للتصوير، وفنيي الصوت والإضاءة والتصوير وأخصائيي الماكياج وغيرهم، من دون إنجاز المشروع الذي تعرض لمشكلات كبيرة أثناء التصوير بسبب غياب الجهة الحاضنة له وقلة خبرة مجموعة من الشباب جريرتهم أنهم أرادوا تقديم شيء يحرك مياه الإبداع السينمائي الإماراتي الراكدة، أردنا ان نقول أننا موجودون لكن لم يسمعنا احد، لا في جزيرة دلما ، ولا في الطويين، فانقضت الأيام الأربعة التي استعنا فيها بفرق متعددة من الأخصائيين الفنيين، والآلات الفنية لإنتاج الفيلم دون أن ينجز "ضباب"، وعُدنا جميعاً ورصيدنا الإحباط ... وبقايا إرادة خائرة " . وبنبرة ملؤها التحدي يقول حمد : " بعد أن تجاوزت مرارة محاولات إنتاج "ضباب" لن أتنازل عن إنتاجه، لكننا كجيل إماراتي شاب كنا نأمل بتبني حقيقي لمواهبنا، فكيف تتبنى مدينة دبي للاستوديوهات دعم أول فيلم سعودي، وما زال دعمها للسينما الإماراتية غائباً؟ وكم من مخرج حاول تقديم شئ يشكل بداية لرصيد سينمائي إماراتي قبل أن تتحول تجربته إلى سراب ويبدأ من تأخذه نشوة الإبداع بعده من المربع الأول؟ مسعود أمر الله نفسه رغم مجهوده الرائع في مسابقة "أفلام من الإمارات" لم يقدم سوى فيلم وحيد أخرجه في التسعينيات هو "الرمرام"، وقدم سهيل العبدول فيلم وحيد أيضاً هو "عابر سبيل"، وكذلك الإعلامي في قناة أبو ظبي الرياضية محمد نجيب انجز فيلماً روائياً قبل أن يسلم بأن الكف عن الإبداع منتهى الإبداع في صناعة لا تجد من يرعاها إماراتياً، بدليل أن معظم الأعمال المهمة لم يتجرأ أصحابها على تكرارها، رغم أن أكثرهم أصبح ذا صلة قوية بصناعة الإعلام المحلي وفرصهم بالتالي أكبر لإيصال إبداعاتهم، لأنهم إما ما زالوا يعانون من خسائر الإنتاج، أو أنهم لم يجدوا صدى لما قدموه بالأساس " . شرف المحاولة ويرى الريامي أن الإبداع الإماراتي في الإخراج بحاجة إلى احتراف وتفرغ كي يؤتي ثماره: "فالمخرجون الشباب يملكون بالفعل رؤى حديثة تنسجم مع تطورات الحياة الإماراتية المعاصرة، لكنهم متفرقون في مجموعات لا يجمعها سقف يظللها وينسق بينها، فبين مجموعات البعد الرابع، صقر الصحراء، فراديس، الانعكاس، الرؤية السينمائية، وغيرها تتشتت الجهود الإخراجية ليمارس المخرجون الجري في المحل الذي لا يتقدم بالصناعة السينمائية المحلية قيد أنملة،بقدر ما يستنزف جهوداً كانت ستكلل بأعمال تحمل في ثناياها انفاساً وملامح إماراتية حقيقية لو صادفت الرعاية الحقيقية لا الدعائية" . ورغم قرض مقداره ثلاثون ألف درهم خلفه فشل تصوير الفيلم، غلا أن المخرج الشاب الذي لم يكف عن سعيه في إنتاج "ضبابه" سعيد على حد تعبيره بـ "شرف المحاولة" . موقع "الإمارات اليوم" في 27 ديسمبر 2006
|
منال الصيفي مخرجة فيلم الحياة منتهي اللذة: زهرة العلا رفضت دخولي الفن أجرت الحديثين ــ زينب هاشم |