وسام مغربي واحتفال فرنسي متواصل وكتاب عنه...
باريس – ابراهيم العريس |
يقال عادة ان التكريم – كل تكريم – هو وضع للشخص المكرَّم في متحف ما، مع تقديم فائق الاحترام له، بالطبع. هو، بكلمات أخرى، «بروفة» عامة لجنازة خمسة نجوم. ومن هنا يفــرق المبدعــون الكبــار عــادة بين التعبـيـر عن تـقدير أعمالهم، وبيـن التـكريم الذي يأتي ليتوج كل هــذه الأعمال. ولم يكن مخطئاً، في هذا الاطار، صديق لنا، مخرج كبير كان يقول دائماً: ويلي من يوم يبدأون فيه تكريمي في شكل جدي! لكن لكل قاعدة استثناء يؤكدها أحياناً. ولأن المخرج الأميركي مارتن سكورسيزي، عرف كيف يكون استثناء في حياته – حتى الآن – وفي عمله ولا سيما في علاقة الشغف التي يقيمها مع فن السينما، يمكننا الافتراض ان ضروب تكريمه التي بدأت أواسط الخريف الفائت، ولا تزال متواصلة، من دون أن ينهيها اختتام مركز جورج بومبيدو في باريس، في السادس من آذار (مارس) المقبل لـ «الكارت بلانش» الذي أعطي له، وللعروض الاسترجاعية لكل ما حقق من أفلام حتى الآن، ستكون استثناء، بمعنى ان مروره على «المتحف» لن يكون سوى مرور عابر. فالرجل الآن، في أوج نشاطه، على رغم دنوه الحثيث من الخامسة والستين من عمره. ففي الأعوام الثلاثة الأخيرة نشط سكورسيزي كما لم ينشط في أية مرحلة أخرى من حياته، محققاً ما لا يقل عن أربعة أفلام طويلة، ثلاثة منها روائية يمكن اعتبارها أساسية في مساره، وواحد وثائقي عن مغني الروك «بوب ديلان» أتى تحفة في هذا المجال، وحكى عن المغني، حتى لحظة متوسطة من حياته ومسار فنه، لكنه حكى أيضاً عن المخرج. الفيلم عنوانه «لا اتجاه نحو الديار»، قدم في عرض سينمائي أول – هو المصنوع أصلاً للتلفزة – في مهرجان مراكش الدولي الأخير... وكان تقديمه مناسبة لتكريم ملك المغرب محمد السادس، هذا الفنان الكبير، بوسام رفيع، فرد الفنان التحية بمثلها معلناً – شراكة مع زميله الايراني عباس كياروستامي – اشرافه على تدريب وتبادل فني بين سينمائيين مغاربة شبان وآخرين أميركيين. ستينية خلاقة أما الأفلام الثلاثة التي أنجزها سكورسيزي في المجال الأثير لديه، السينما الروائية، فهي تحفتان عرضتا خلال الفترة الماضية تباعاً («عصابات نيويورك» ثم «الطيار») وفيلم انجز أخيراً يتوقع عرضه قريباً... كل هذا والمشاريع التي يخطط سكورسيزي لتنفيذها لا تتوقف وكأن ستينيته أعطته طاقة استثنائية. ما يدفع المرء الى التساؤل: من أين تأتي هذه الطاقة؟ في انتظار مشاهدة فيلمه الجديد «المرحّل» الذي أنجزه منذ أسابيع من بطولة ممثله المفضل الجديد ليوناردو دي كابريو (بطل أفلامه الثلاثة الأخيرة) – وهو فيلم يعيد انتاج حكاية فيلم من هونغ كونغ حقق نجاحاً قبل سنوات -، وعبر جولة تأملية في فعاليات تكريم مركز جورج بومبيدو الباريسي الثقافي له، يحاول المرء أن يعثر على جواب عن هذا السؤال المطروح. ويقيناً ان قراءة متأنية للكتاب الضخم الذي أصدره المركز للمناسبة، شراكة مع منشورات مجلة «كراسات السينما» التي ما انفكت منذ ثلث قرن عن متابعة سينما سكورسيزي والكتابة بحماسة عنها، بل حتى اصدار كتب متتابعة عن هذه السينما، قراءة متأنية لهذا الكتاب فيها الجواب. فهذا الكتاب ليس عادياً، ولا هو دراسة جامعية أو حتى تحليل نقدي لعمل فنان، ما يحتمل كل ضروب التأويل، بل هو رسم متتابع لمسار سكورسيزي، على لسان سكورسيزي نفسه، يتناول كل انجازه الفني حتى الآن، منذ أفلام الجامعية القصيرة حتى «المرحّل» عبر حوارات أهم ما فيها انها ذات نفس واحد، مع ان اجراءها موزع على نحو ثلاثين عاماً. طبعاً يعرف المهتمون بسينما سكورسيزي ان الرجل لم يبخل على أحد بحوار يوماً... بل لعل اجراء الحوارات واحد من ضروب شغفه الرئيسة (كما هي الحال مع الكاتب الأرجنتيني الكبير الراحل خورخي لويس بورخيس)، وهو عادة شغوف بالحكي، ويحدث بسرعة عجيبة وانما دائماً في كلام واضح مرتب تماماً. لكن الأمر هنا يختلف اختلافاً تفسره حكاية هذه الحوارات. الحكاية هي ان الناقد – في مجلة «بوزيتيف» الفرنسية أساساً – ميكائيل هنري ويلسون، ارتبط منذ العام 1974 بصداقة مع سكورسيزي الذي عرض في ذلك العام في باريس واحداً من أوائل أفلامه «ما الذي تفعله فتاة مثلك في مكان كهذا؟»... وحاوره حول ذلك الفيلم، ومنذ ذلك الحين صار حوار هنري مع سكورسيزي حول كل فيلم من أفلامه، تقليداً متواصلاً، ما خلف شفرة و «كوداً» مرمزاً بين الاثنين، وجعل سكورسيزي يحرص عند انجازه كل فيلم من أفلامه على عرضه لهنري أولاً ومحاورته في شأنه. واذا كانت هذه الحوارات نشرت في وقتها – غالباً في مجلة «بوزيتيف» نفسها – فإن الاثنين (السينمائي والناقد) رأيا أن جمعها في كتاب واحد يتجاوز في الوقت نفسه كونه كتاب حوارات، هو أفضل الحلول الممكنة لإصدار عمل يواكب عروض أفلام سكورسيزي في مركز جورج بومبيدو، بين أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) 2005، وأوائل آذار (مارس) 2006. ومن المؤكد ان الاختيار كان صائباً، اذ ان قراءة الحوارات اليوم، منذ أبكرها وحتى أحدثها، أي الحوار حول «لا اتجاه نحو الديار» و «المرحّل» تعطي نكهة جديدة، ليس للحوارات المتتابعة نفسها، بل لسينما سكورسيزي، اذ تعاد مشاهدتها اليوم على ضوء هذا «الكلام» الطويل والمتواصل لصاحبها عنها. أصحاب اللحى وهذا الكتاب الذي يحل بالنسبة الى فن سكورسيزي، في مكانة مشابهة لمكانة كتاب حوارات كان فرانسوا تروفو أجراها مع ألفريد هتشكوك في حينه، قدم للمرة الأولى، في احتفال خاص في مركز جورج بومبيدو، موقعاً من هنري ومن سكورسيزي معاً. وكانت «الحياة» هناك بين المدعوين الى التوقيع. وحينها، خلال يومين متتاليين قدم الكتاب وعرض فيلم «لا اتجاه نحو الديار» (4 ساعات من العرض المتواصل)، ثم تحفة سينما سكورسيزي الوثائقية «رحلة عبر السينما الأميركية» الذي حققه سكورسيزي شراكة مع ميكائيل هنري ويلسون نفسه، ففيلم لسكورسيزي عن التيبيت هو «كوندون» مصحوباً بوثائقي حققه ويلسون عن الفيلم نفسه. وما كان المرء، في الحقيقة، في حاجة الى أكثر من هذا ليدخل عالم هذا الفنان – سكورسيزي – الذي يعتبر اليوم أكبر سينمائي أميركي على قيد الحياة... والذي كان في بدايته واحداً من «أصحاب اللحى الذين ثوروا السينما وبدلوا هوليوود» قبل ثلث قرن، بحسب تعبير قديم لكاتب هذه السطور. ولعل أول ما يمكن قوله حول دخول عالم سكورسيزي السينمائي، عبر ضروب التكريم، ثم بخاصة عبر هذا الكتاب الاستثنائي، هو أن هذا الدخول يبدو على الفور أليفاً، حال الداخل فيه، حال العائد الى حياة عائلية سرعان ما يكتشف انه يعود اليها بعد غياب لم يطل كثيراً. فالحال ان المرء سرعان ما يحس هنا، انه يعرف هذه السينما، ربما أكثر مما ينبغي، من دون أن يفقده هذا لذة اكتشافها من جديد في كل مرة... فأفلام مثل «سائق التاكسي» (1976)، و «نيويورك نيويورك» (1978) و «الثور الهائج» (1981) و «بعد وقت الدوام» (1985) و «فتيان طيبون» (1986) و «لون المال» (في العام نفسه)، وصولاً الى «كيب فير» و «زمن البراءة» وبخاصة «كازينو» (1995) و «ايقاظ الموتى» (2000)... وغيرها، هي أعمال من الحضور في مخيلة محبي السينما، بحيث ندر ان غاب منها مشهد أو عالم بصري. فمن نيويورك الى لاس فيغاس فهوليوود (هوارد هيوز في «الطيار»)، ومن تاريخ تأسيس نيويورك (حين بنيت أميركا وسط الشارع والدماء السائلة فيه) الى تاريخ القمار في واحة صحراوية صاخبة، ومن تأثيرات حرب فييتنام الى فعل الندامة والتوبة الكاثوليكية المدهشة (بخاصة في «الثور الهائج») وصولاً الى زمن السيد المسيح (في فيلم صور انطلاقاً من رواية لنيكوس كازانتزاكيس، وأثار سجالاً عنيفاً في حينه) وغزو الصين للتيبيت... عبر هذا السياق المكاني والزماني، عرف سكورسيزي كيف يصوغ سينماه بقوة وثبات، مع فارق أساس يميزه عادة عن الذين لديهم كل هذا الزخم في تتبعهم مواضيعهم، يكمن في ان سكورسيزي حاذر دائماً أن تغلب أية مرجعية أخرى على مرجعيته السينمائية البصرية. فلديه لا مكان للغة الأدب (حين يقتبس أعمالاً أدبية لاديث وارثون – «زمن البراءة» أو كازانتزاكيس) ولديه لا يعود التاريخ سوى ذريعة للاحتفال بالسينما، سواء أكان تاريخاً جماعياً («عصابات نيويورك») أو تاريخاً فردياً (جاك لاموتا في «الثور الهائج» أو هوارد هيوز في «الطيار»)، ان العناصر كلها تشتغل في سينما سكورسيزي كي توصل الى السينما، فهو لا يؤمن بالفيلم الذي يمكن أن يروى، ولا يؤمن بالفيلم الرسالة. السينما عنده سينما. صورة، لغة، مشهد، تفاعل. هكذا كان سكورسيزي في بداياته وهكذا لا يزال حتى الآن. وهو لهذا - أمر يشرحه بوفرة في معظم حوارات الكتاب - يتعاون دائماً مع «شركاء» يوفرون له هذا البعد. من تعاونه في العدد الأكبر في أفلامه الأولى مع «أناه – الآخر» روبرت دي نيرو (الذي كان هو من اطلعه)، الى تعاونه مع نجمه المفضل الجديد ليوناردو دي كابريو، مروراً بلحظات تعاون مع نيكولاس كايج وجو بيتشي (هل كان صدفة أنهم جميعاً مثله ايطاليو الأصل؟). ها أنذا قد عدت حسناً هناك ثوابت في سينما سكورسيزي (ممثلون يعودون بين فيلم وآخر، نيويورك لا يغيب عنها في أفلامه الا ليعود اليها، لغة سينمائية صاخبة ذات نبض استثنائي ينبض بقوة حتى حين يتلعثم، كاثوليكية طاغية ومناضلة يعجز هو عن ايجاد تفسير لإلحاحها لديه)... ومع هذا هناك تنوع كبير في سينما تتأرجح بين حكايات المافيا والتاريخ، بين الموضوع الديني وطغيان الفردية، بين لحظات المرح والنجاح (النادرة) ولحظات الفشل والكآبة المتواصلة. لكن سكورسيزي يرى دائماً ان هذه هي الحياة... والسينما هي الحياة: نحتاج نتفة من كل شيء كي نصنع حياة، يقول. وهو اذ لا يخفي ان احباطاته كانت دائماً أقوى من لحظات نجاحه، يقول انه مع هذا عرف دائماً كيف يعود، وأكثر قوة من ذي قبل. ترى، هل يستطيع أحد في هذا السياق أن ينسى اللقطة الختامية في فيلمه «لون المال» حين يخبط، لاعب البلياردو المكتهل بول نيومان طابات البليار بقوة، بعد سلسلة هزائمه وخيانات اللاعب الشاب (تلميذه) له – توم كرويز – وهو يقول بقوة وعزم: «ها أنذا قد عدت»؟ الحياة اللبنانية في 13 يناير 2006 |
أحبه الجمهور العربي في «ماتريكس» وكُرّمه مهرجان دبي مع نجوم عالميين... لورنس فيشبرن: تطور مجتمع الأفارقة - الاميركيين انعكس في السينما الهوليوودية دبي - فيكي حبيب ربما لم يلحظ أحدٌ وجوده كما ينبغي في واحد من أول الأفلام التي مثّل فيها، «يوم القيامة الآن» لفرنسيس فورد كوبولا غير ان هذا الفيلم الذي حقق قبل أكثر من ربع قرن، كان أساسياً في مسار لورنس فيشبرن المهني، وكذلك الحال بالنسبة الى أفلام عدة تالية لكوبولا، كانت له فيها أدوار راحت تتنامى بالتدريج. لكن الحضور الأكبر والحقيقي لهذا الفنان الاستثنائي، لم يبرز إلا في ثلاثية «ماتريكس» حيث لعب الدور الثاني بعد دور «نيو» الذي لعبه كيانو ريفز. في أفلام «ماتريكس» الثلاثة، كان لورنس فيشبرن «مورفيوس» الذي يقود اللعبة كما يشاء ويتحكم في المصائر كما يحلو له... الى ان يبرز منقذاً صلباً في نهاية الامر. ولأن أفلام «ماتريكس» الثلاثة شوهدت على نطاق واسع في العالم العربي - وهو أمر ما كان فيشبرن يحسب له حساباً في حقيقة الامر - وخصّه الجمهور العربي في دبي، باستقبال كبير، فوجئ به شخصياً، تماماً كما فوجئ بما يعرف عنه في هذه المنطقة من العالم، كما قال لنا... لكنه في المقابل لم يخف خيبته من ان أفلاماً أخرى له، قد تعنيه أكثر من «ماتريكس» لم تثبت حضورها لدى الجمهور العربي. لا سيما منها الأفلام التي تتناول قضايا الأفارقة - الأميركيين في شكل مباشر، والتي لعبها تحت إدارة سبايك لي حيناً، وجون سيغلتون حيناً آخر، «ليس لأنني مناضل نشط في سبيل قيام سينما سوداء خالصة، فهذه سمات عنصرية مضادة لا أوافق عليها، بل لأنه يفرحني ان تصبح الشخصية الأفريقية - الأميركية جزءاً من سينمانا القومية بحجم يتناسب مع حجم وجودنا في المجتمع الاميركي»، كما قال لـ «الحياة» حين التقته في دبي. صورة العرب مثل حال الصحافة مع النجوم العالميين جميعهم الذين كُرّموا واستُضيفوا في دبي، لم يكن الوقت كافياً لطرح اسئلة كثيرة على فيشبرن، خصوصاً ان هذا الفنان - وكما حدث مع زميله ومواطنه مورغان فريمان - كان يتوق لطرح اسئلة على الصحافيين، اكثر من الإجابة عن اسئلتهم. كان يبدو عليه انه يتطلع الى معرفة الكثير، والى ان يفهم أكثر وأكثر عالماً اكتشف «أن صورته الحقيقية تختلف عن الصورة التي يلحّ عليها الإعلام الاميركي». ومع هذا، لم يفت فيشبرن ان يسهب بعض الشيء في الحديث عن دوره في «ماتريكس» وفي أفلام أخرى، بلغ عددها منذ بداياته عام 1975 وحتى اليوم، نحو اربعين فيلماً، تحمل تواقيع كبار صانعي السينما. هذا الحضور لا يدهش فيشبرن الذي يفرّق بين أدوار كانت تعطى للأفريقي - الاميركي، أيام كان لا يزال اسمه «زنجياً» ويتراوح بين طيّب، ترسُم صورته بنفاق شديد (كما حال معظم الأدوار التي لعبها سيدني بواتييه)، وبين شرير يشارك في عصابات البيض، ثم يجب – عرفاً - أن يكون في مقابله شرطي أسود طيب. وهو أمر قد لا يكون اختفى تماماً من السينما الأميركية، ومن المسلسلات التلفزيونية، لكنه لم يعد الأمر الغالب، كما يؤكد فيشبرن، ويقول: «اليوم صار الأفريقي - الأسود انساناً مثل كل إنسان آخر. إنه طيب لانه طيب وليس لانه مقبول من مجتمع السود. وهو شرير لانه شرير وليس لانه أسود اللون». إذاً، رحلة طويلة قطعها الافريقي على الشاشة الأميركية، هي للصدفة - تتزامن مع مسار رحلة فيشبرن نفسه الذي بعدما ولد في ولاية جورجيا، أمضى طفولته وصباه الاول في بروكلن - نيويورك، حيث انخرط في العمل الفني، ممثلاً منذ كان في العاشرة، «كان دوري الأول في مسرحية «في أسمائي وأيامي العديدة».. ثم كنت في الثانية عشرة حين اعطيت اول ادواري على الشاشة. عام 1979، كان لقائي مع فرنسيس فورد كوبولا، ودوري في فيلمه «يوم القيامة الآن». ومنذ ذلك الحين صارت السينما كما المسرح شغلي الشاغل». من الصعب تعداد الأفلام كلها التي مثّل فيها فيشبرن، لكنه، كما قال لـ «الحياة»، «كان من حظي أن اعطيت ادواراً في أفلام مهمة حملت تواقيع معلمين كباراً مثل ستيفن سبيلبرغ (اللون القرمزي) ووالتر هيل وآبيل فيرارا(ملك نيويورك) ومايكل آبتد، وصولاً الى الأخوين فارشوفسكي، في ثلاثية «ماتريكس». والمهم في الأمر كله، «ان هذا النوع من المخرجين لم يكن الهم لديه مركزاً على لوني، بل على أادائي، وكان يمكن لأي منهم أن يعطي الدور ذاته لأبيض او اسود...». تسامح ما... بالنسبة الى فيشبرن، يأتي هذا الإندماج في السينما انعكاساً، كما أشرنا، الى الاندماج في المجتمع فـ «زمن الرق ولى، وزمن التناحر ولّى... زمننا هو زمن التسامح، والخروج من الدونية من ناحية، ومن عقدة الذنب من ناحية ثانية...». وإذ وصل فيشبرن الى هذا الحدّ من حديثه السريع مع «الحياة»، بدا واضحاً انه يشير من طرف خفي الى أوضاع عربية محددة، وحين حاولنا الغوص معه فيها، ابتسم وقال: «بلا سياسة، لنتكلّم في السينما». وكلام فيشبرن التالي في السينما، تركّز على فرحه بقيام مهرجان في دبي، هذه المنطقة من العالم التي كانت لا تعني سوى اهل المال والنفط والعمال الآسيويين في رأيه، فإذا بها تتنطح الآن لتقوم بدور سينمائي في زمن تزداد فيه أهمية السينما في حياتنا، سواء عرضت في الصالات، أو عبر الشاشة الصغيرة». وفي هذا الإطار قال فيشبرن انه أحبّ المهرجان كثيراً «خصوصاً انه لم يطرح نفسه منذ الآن كمهرجان يهمه ان يعطي جوائز. فعرض أفلاماً جيدة من شتى أنحاء العالم هو، أولاً وأخيراً، جائزة مشتركة: جائزة لأهل السينما وجائزة لجمهورهم». وقال فيشبرن أخيراً، أنه، بالنظر الى النجاح الذي يحققه مهرجان دبي - وكثر حدثوه عنه بصورة مؤكدة - فإنه يتوقع نجاحاً مماثلاً، أو حتى أكبر في الدورات المقبلة «ذلك أنني لمست هنا طموحاً محبباً، وحباً للسينما يفوق كل ما كنت أتصوره». وحين سألناه أخيراً عن مشاريعه المقبلة قال: «كثيرة... لكنني لا أحبّ أن اتحدث عن الأمور قبل أوانها... انتظروا لتروا». الحياة اللبنانية في 13 يناير 2006 |