من ابرز الظواهر التي فرضت حضورها في المشهد السينمائي في العالم منذ خمس سنوات تقريبا بروز السينما الوثائقية بقوة كما في عدة افلام امريكية مثل " بولينج لكولومبيان" للامريكي مايكل مور الذي حصل علي جائزة الاوسكار في الفيلم الوثائقي ونعتبره درسا في افلام الريبورتاج السياسي داخل افلام النوع، وكان قبلها حصد جائزة في مهرجان " كان " في فرنسا، ويحكي عن الهوس الامريكي بالسلاح والدم والعنف والحرب، وتأصله في تاريخ العالم الجديد امريكا، وهناك افلام فرنسية برزت في هذا النوع ايضا، مثل فيلم" ETRE ET AVOIR "، الذي يحكي عن معلم فرنسي في اعماق الريف ومنهجه في تربية الصغار، وهو ايضا درس في السينما الوثائقية التربوية، كما ان هناك افلاماعربية وثائقية متميزة، مثل فيلمي " نشيد الالفية " للتونسي محمد زرن الذي شاهدناه في مهرجان القارات الثلاث في نانت-فرنسا، وكتبنا عنه ل" ايلاف "، وفيلم " Baghdad On/Off " للمخرج العراقي سعد سلمان، اللذان حققا للسينما العربية حضورا وتوهجا في المشهد السينمائي العالمي، وشاركا في العديد من المهرجانات السينما العالمية..، وكنت بعد ان شاهدت فيلم Baghdad On/Off واعجبت به كثيرا، وتحمست للفيلم ومنهجه السينمائي، واعتبرته بحق "اوديسة بصرية"، كنت التقيت مخرجه سعد سلمان عدة مرات، وجمعتنا عدة لقاءات في القاهرة وباريس، فتعرفت اكثر علي مشروعه السينمائي الكبير. ويحسب لسعد سلمان هنا، وقبل الحديث عن مشروعه السينمائي الجديد وتفاصيله، ذلك الانحياز السينمائي الكبير الذي حققه بفيلمه، علي مستوي "الامساك" بواقع العراق، في لحظة تاريخية مهمة، قبل الحرب، والكشف عن مآسيها، بل علي مستوي اختراع النظرة "السينمائية الجديدة" ايضا، هذه "النظرة" LE REGARD التي قدمها سعد سلمان في Baghdad On/Off، من خلال التساؤلات التي طرحهاعلي السينما كفن وفكر، ومنهج، واداة تفكير في الواقع، وهي التساؤلات التي تطرحها السينما ذاتها، تطرحهاعلي نفسها،قبل واثناء وبعد تصوير الفيلم، لكي تتعرف علي هويتها ووظيفتها، وكيف تتعامل مع تناقضات عصرنا ومجتمعاتنا، كما نسأل نحن مالذي يجعل حياتنا جديرة بأن تعاش.. ذاكرة الرعب يؤسس مشروع " صمت وذاكرة " لسينما عراقية جديدة، تحاول ان تلملم ذاكرة الرعب، المنثورة علي الدمار و الانقاض و الخراب في عراق اليوم، من خلال " شهادات " ضحايا النظام الذي هوي، وحكاياتهم المخيفة، ومن مبدأ اعتمده سعد سلمان يتلخص بأن خلف كل باب مأساة، وتحت كل حجرة قصه، و فوق كل شجرة دراما في العراق.. ويتلخص المشروع في انجاز عشرة افلام سينمائية دفعة واحدة ( مدة الفيلم: 52 دقيقة ) من اخراج 9 مخرجين عراقيين وغير عراقيين ويختاركل مخرج موضوعه بنفسه من زاوية اسم المشروع اي " صمت وذاكرة " ومن دون تدخل او وصاية من احد، و تتوزع تسعة من العشرة افلام علي 3 محاور، بحيث يتضمن كل محور ثلاثة افلام، ويقوم باخراج الفيلم العاشر مخرج فرنسي كبير ويكون بمثابة رؤية وتقييم وكشف حساب سينمائي.. إن شعب عاش لفترة ثلاثة عقود او اكثر، في مناخات المنع والرعب’ يقينا بحاجة الي عشرات السنين، لتوثيق وتدارس الاسباب التي أدت، الي هذا القدر الهائل من الدمار والخراب.. ان توثيق مفردات هذا الخراب، لا تتم الا عبر قنوات الذاكرة العراقية المغلقة منذ عقود، وحتما سوف يستغل سعد سلمان، اجواء الحرية الجديدة التي يعيشها العراق اليوم، لينفذ الي ابواب هذه الذاكرة، وربما يحالفه الحظ في قتحها،..وكلنا نعلم حجم التحديات التي عليه ان يجابهها في رحلته، اذ كيف يستطيع ان يحافظ علي استقلاليته، علي ارض تحتدم بالمشاعر والافكار، وتتحكم بها العشائرية والقومية والمذهبية، وكيف سيستطيع سعد ان يلملم هذه الشذرات المتناثرة علي سهول وجبال العراق، لينثرها في عيوننا كرؤي سيتمائية مبتكرة.. ميتكرة لانها متصلة بتجارب سعد سلمان التي تكشف لنا عن قدرته في تحويل المصاعب الي نجاحات كما تذكرنا الناقدة الفرنسية ايف ليفيه حين كتبت اته" اخترع من المصاعب والعقبات اساليب تعبيرية بصرية راقية.." صراخ العراق الحزين حين ينطلق قطار السينما في ليل العراق البهيم، ويسمعنا صرخة العراق الحزينة، ويتواصل المشروع هكذا مع رحلة سعد سلمان في فيلمه " Baghdad On/Off " وتوغله في قلب العراق وروحه ومأساته، كما يتواصل المشروع ايضا مع هموم سعد سلمان في البحث عن اساليب سينمائية جديدة تتوافق مع الحساسية الجديدة في السينما، ويتزامن مع الاهتمام المتزايد في العالم بقيمة السينما الوثائقية، وانهيار الحدود في السينما بين ماهو روائي وماهو تسجيلي، وتضافر الفنيين في التجارب السينمائية الحديثة كما في افلام الايراني عباس كيارستمي، في" كل " سينمائي جديد، منفتح علي متغيرات الواقع الانساني المعاش وتبدلاته وتحولاته، وتقديم سينما جديدة بنت عصرها وزمنها، تتواصل مع الواقع والبشر في كل مكان. مشروع يخطط لممارسات سينمائية جديدة تعني بالتأهيل والتكوين، كما يؤسس من خلال انتاج عشرة افلام في العراق، تؤسس لارضية سينمائية جديدة، قائمة علي ممارسات وعلاقات عمل سينمائية احترافية، من خلال استحداث ورشة سينمائية او ATELIER ورشة تشرف علي تصوير ومونتاج الافلام المذكورة بمشاركة فنيين متمرسين عراقيين و غير عراقيين، والاستفادة من خبراتهم، لتعليم وتدريب سينمائيين جدد، في التصوير والمونتاج والانتاج وكتابة السيناريو، ويمكن بعد تخرجهم في الورشة،واكتسابهم للمهارات الفنية الضرورية ان يشاركوا في مابعد في صنع بقية افلام الثلاثية، علي ان يتم وضع اللمسات الفنية النهائية في الثلاثية الاولي في فرنسا، وبالتعاون مع بعض المراكز السينمائية، والمحطات التلفزيونية الفرنسية، وسوف تؤسس هذه الورشة بالطبع، لعلاقات تعاون عراقية فرنسيةجديدة في حقل السينما، وتخطط لعدة مشروعات سينمائية وليدة، لخدمة بناء مجتمع عراقي سينمائي جديد، وسوف تكون الورشة ATELIER بمثابة معمل سينمائي، لتخريج الفنيين، وبيتا مفتوحا علي انجازات السينما الجديدة واتجاهاتها في العالم.. مشروع " صمت وذاكرة" لسعد سلمان،يسنحق دعم وتشجيع ومساندة كل المهتمين، من السينمائيين والسياسيين والمفكرين والمثقفين الاحرار في العالم.. موقع "إيلاف" في 7 مارس 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
يشمل إنتاج 10 أفلام وثائقية جديدة لـ10 مخرجين عراقيين جدد: "صمت وذاكرة": مشروع سينمائي عالمي ضد النسيان صلاح هاشم |
|