فيلم محمد ملص الجديد يدور على المهرجانات ويحصد الجوائز... «باب المقام»: أحكام جاهزة عن الذات العربية المغرب – طارق أوشن |
إيمان ربة عائلة في الثلاثينات من عمرها، تحيا عيشة هنية لا تخرج عن السائد في المجتمع السوري المحافظ مع زوجها سائق التاكسي المولع بتتبع نشرات الأخبار انها منشغلة بروتين الحياة وما يستلزمه من واجبات الأم والزوجة والأخت الوفية لذكرى الأخ المعتقل لنشاطه السياسي النضالي المعارض لتوجهات الحكم. وطوال يومياتها الرتيبة بالبيت تحول إيمان عشقها الأبدي لأغاني أم كلثوم إلى سيمفونية غنائية متواصلة تترنم خلالها بألحان وأغاني الزمن الجميل هروباً من واقع حياتي ممل ورتيب. أغاني أم كلثوم كانت إذن البلسم لجروح إيمان النفسية الداخلية ونقطة الضوء الوحيدة التي استطاعت ضخ بوادر أمل متوهجة في حياتها ومنحها الشحنة العاطفية اللازمة للصمود والاستمرار. لكنها ستتحول في المقابل إلى صك الاتهام الذي سينتهي بذبحها حية بيد الأخ والعم وأبنائه انتقاماً لشرف مفترض لا يستقيم بحضور الموسيقى في حياة الأنثى. القصة واقعية شهدت مدينة حلب السورية أحداثها في الخامس والعشرين من أيلول (سبتمبر) سنة 2001 حين أقدم الأهل على وضع حد لحياة أخت لهم لمجرد التشكيك في أخلاقها وسلوكها بذريعة حبها للموسيقى وتغنيها بها طوال اليوم، وتلك كانت في نظرهم قرينة لا يرقى الشك إليها في انحرافها من الطريق القويم بلا أدنى اعتبار لرأي زوجها «الوصي» الحقيقي عليها بعد الزواج. صدر الحكم ونفذ بدماء باردة لم تستطع قدسية علاقة الدم والقرابة الشفاعة للأخت والابنة أو حتى منحها حق الدفاع عن النفس وتبرير التصرفات التي اعتمدت دلائل اتهام ضدها. القصة بتراجيدية أحداثها الواقعية تستحق، بلا شك، نقلها على الشاشة الفضية، لكن تحويلها من مجرد حدث إجرامي معزول إلى فيلم سينمائي يعتمد الهاجس الإبداعي والهم الفني أساساً له ، يفترض الكثير من البحث والتنقيب لإثرائها وجعلها تعبيراً صادقاً عن تحولات مجتمع سوري معاصر تعتمل داخله صراعات وتناقضات تتوزع بين الرغبة في الانفتاح والحداثة وبين الجنوح إلى المحافظة والانغلاق. ولعل اختيار محمد ملص وقائع الغزو الأميركي للعراق خلفية سياسية لأحداث الشريط وما صاحبها من تظاهرات وحركات احتجاجية على مستوى الشارعين السوري والعربي، محاولة جادة في هذا الاتجاه، لبصم الحدث «العادي» بأبعاد أكثر شمولية تتخذ من الوضع السياسي العام إطاراً جامعاً لتفسير التغيرات السلوكية لدى الأفراد كما الجماعات. المحاولة كانت واضحة لكن درجة التوفق فيها تبقى مثار نقاش باعتبار غياب الربط الذي تحدثنا عنه وانفصال الحدثين (الخاص والعام) عن بعضهما البعض بشكل فوت على الشريط إمكان التحول إلى وثيقة تاريخية راصدة للمجتمع السوري، ومن خلاله العربي، في بداية الألفية الثالثة بما حملته من تطورات مصيرية ستطبع حال الأمة ومستقبلها لعقود مقبلة. حملت أفلام محمد ملص على الدوام هماً إبداعياً محسوساً ورغبة دائمة على التميز والتألق كما الحال مع «أحلام المدينة» و «الليل»، ما بوأه مكانة في المشهد السينمائي العربي، كرسها بحصوله على عدد مهم من الجوائز التقديرية في كثير من المهرجانات الإقليمية والدولية. هذا التألق كان مفترضاً فيه تحصين المخرج من السقوط في متاهة التنازلات أملاً في تحقيق أفلام أخرى لم تكن لتضيف شيئاً الى رصيده السينمائي. صحيح أن تفضل المؤسسة العامة للسينما في سورية لإنتاج أشرطة المخرجين بذاك القطر العربي يستدعي سنوات لا تنتهي من الانتظار تدفع بهؤلاء إلى المغامرة في البحث عن مصادر إنتاج بديلة لن تكون غير المؤسسات الأجنبية/ الفرنسية منها على الخصوص. وكل منتج لا بد له من التدخل في التركيبة الدرامية للسيناريو بما يعني الإخلال بالرؤية الفنية الأولية التي حركت هاجس التناول لدى المخرج/ المبدع. وفي «باب المقام» لن نغفل كيف أصبح السيناريو عملاً مشتركاً بين محمد ملص وأحمد بهاء الدين عطية المنتج التونسي وعراب الإنتاج المشترك في منطقة المغرب العربي. إذ تحول عطية من منتج، له إسهاماته التي لا يمكن نكرانها في مجال تخصصه، إلى كاتب سيناريو لا تخفى بصماته على الشكل النهائي للفيلم الذي سعى فيه إلى إرضاء العين الغربية بالاعتماد الكلي على الكليشيهات الجاهزة التي لا يمكنها أن تخدش النظرة «البرانية» لواقع الحال العربي بمميزاته في العلاقة البينية للجنسين. هذه العلاقة التي قدر لها سينمائياً أن تظل حبيسة الطغيان الذكوري والاستسلام والخنوع النسائي من دون أدنى اعتبار للتحولات المجتمعية المحسوسة التي طرأت على المجتمع المديني على الأقل. لقد كان إصرار المخرج محمد ملص، ولو اضطرارياً، على الإبقاء على الأحكام الجاهزة بل منحها قوة إقناع أكبر، من أهم العيوب على مستوى الموضوع المثار. وذاك ما أثر سلباً في المستوى الفني للشريط حيث سادت الرتابة والملل والكآبة والفتور في معظم فتراته باستثناء قليل من الفلتات التي أعادت للأذهان جزءاً من «التراث» السينمائي لملص المفعم بالحيوية والحرفية العالية والنظرة المبدعة النافذة إلى العمق الإنساني للفرد وإلى البعد الحضاري للمكان. ولعل أهم ما يمكن تسجيله على «باب المقام» هو ضعفه الواضح في استغلال الموسيقى، أساس العقدة الدرامية في الشريط، لمنح أحداثه الشاعرية والتوهج والرقة والحيوية المفترضة في عمل درامي يعتمد أغاني أم كلثوم العاطفية المتغنية بالعشق والحب والوله منطلقاً لبنائه الحكائي، حيث بدت الأغاني مشتتة التوظيف غير قادرة على الدفع بالحدث تصاعدياً. كما أن استغلال المكان/ مدينة حلب لم يرق الى مستوى تحويله إلى شخصية درامية قائمة الذات بدل الاقتصار على مجرد استضافة الأحداث من دون التأثير فيها فعلياً على رغم محاولات المخرج التذكير منذ البداية بالفضاء أملاً في تحقيق الألفة المطلوبة بين المتفرج وذات المكان. أضف إلى ذلك بعضاً من الخطابة والمبالغة في الحدث كذاك الذي تلا مقتل البطلة حين خرج الفتى المعوق، المتلصص على غنائها، صارخاً في الشارع بأعلى صوته: لقد قتلوا الأغنية... ليسارع بعدها الجيران إلى إغلاق أبواب نوافذهم خوفاً من المجهول ودرءاً للمشاكل في مجتمع يراد له أن يظهر بمظهر الخانع والمقهور والمغلوب على أمره في مناخ يغلب عليه التسلط والعنف والوصاية أسرياً. لا يمكن أن ننكر أن الشريط حفل ببعض الإشارات المتعلقة بالاعتقال السياسي الذي ما زال معمولاً به عندنا، وبالعجز والإحباط المسيطرين على المجتمع في مواجهة التدخلات الخارجية في شؤون المنطقة العربية، وعودة بعض من التوجه المحافظ للسيطرة بقوة على سلوكيات الأفراد والجماعات. لكن الإسراف في تقديم رؤية سوداوية للبيئة الشعبية العربية يحيل على نوع من الاستسهال للدور الذي تلعبه السينما في تنميط الصورة في المخيلة الجماعية للمتتبعين بالشكل الذي تتحول فيه الأحداث المعزولة إلى وقائع معممة تسري على المجتمع كله، وفي ذلك ظلم كبير يقع على أفراده الساعين للتغيير والتحديث. وتلك تبقى النتيجة العامة التي يستخلصها كل من تابع أحداث «باب المقام» وحكاية إيمان مع الأغنية والأهل التي انتهت بها إلى الموت. «باب المقام» فيلم رتيب وممل أفقده التسرع وغياب التمويل المحلي الكافي، العمق والحرفية الكفيلين بتكريسه فيلماً مؤثراً ومحركاً للركود المزمن المميز للفعل السينمائي العربي. وبه شارك محمد ملص ضمن فعاليات الدورة الخامسة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش حيث فاز بجائزة التحكيم الخاصة مناصفة مع الفيلم الكندي (كرايزي) للمخرج جان مارك فالي.
الدمام - فضيلة الجفال كثيراً ما اتسمت الأفلام السينمائية الأميركية بالجرأة والتحدي، و «سيريانا» الذي بدأ طرحه الأربعاء الفائت، من نمط الأفلام الواقعية التي تتسم بهاتين السمتين، فهو فيلم درامي سينمائي، يتسم بالغموض والمغامرة، يتناول مواضيع متداخلة حول الإرهاب والمخدرات والفساد السياسي والمال والسلطة، كما يوجه حملة «للتقليل من الاعتماد على الصناعة النفطية في العالم». الفيلم من إخراج ستيفن سودربرغ، الحاصل على جوائز أوسكار عدة لأفضل عرض سينمائي عن فيلمه «Traffic». وفي ظاهره ينتقد «سيريانا» أنظمة عربية بصورة تلميحية، ولكن النقد الأساس ينصب فيه على مسؤولية الولايات المتحدة في حماية تلك الأنظمة. يذكر أن مقاطع عدة من الفيلم تم تصويرها في الإمارات، وهو أول تصوير لفيلم أميركي داخلها، بعد إقناع المسؤولين في الإمارات بأن الفيلم لا يسيء لها ولا لأي نظام عربي، بل هو معالجة لقضايا عدة تم تناولها في الفيلم. ويتناول الفيلم، الذي أخذ منحى سياسياً، قضية الحرب على الإرهاب التي تبنتها أميركا كهدف، كما يتناول الصراعات التي تدور جراء صناعة النفط في العالم أجمع، وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص. يقول سودربرغ في مقدمة عن فيلمه: «نحن نعيش في عالم من التعقيدات والصعوبات، وأهدف من خلال «سيريانا» إلى عرض هذه التعقيدات بصورة روائية في الفيلم، ليس هناك شخص جيد وآخر سيئ، وليست هناك إجابات سهلة، فالشخصيات ليست تقليدية، والحكايات ليست مجرد دروس حياتية بسيطة محددة، فالسؤال يظل مفتوحاً، ويبقى الأمل بألا يكون الفيلم مجرد إظهار كل الأمور على السطح، فالفيلم سيتسلل إلى تحت جلدك ويبقى فيك طويلاً، وقد يعكس الصورة الأكثر صدقية لعالم ما بعد 11 أيلول (سبتمبر)، الذي نرى أنفسنا فيه جميعا». يعرض الفيلم في الصالات السينمائية في بعض المدن التي حددت حصرياً، بدءاً من 23 تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، كما بدأ عرضه عالمياً في التاسع من كانون الأول (ديسمبر)، وعبر عنه في إعلانات مختلفة بأنه «سيكتسح العالم». والفيلم من بطولة جورج كلوني، ماكس مينغيلا، جيمي شريدان، توم ماكارثي، مات دومان، وممثلين آخرين. «سيريانا» مقتبس من مذكرات الجندي روبرت باير، وهو يروي مذكرات باير خلال 20 عاماً قضاها في وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي أي»، حيث صنع المخرج منها رواية تسلسلية والفيلم من إنتاج شركة ستيفن سودربورغ وجورج كلوني، في استوديو «وورنر بروذر». «سيريانا» اسم استوحاه أصحاب الفيلم من تعبير جغرافي يطلق على المنطقة التي شكلت صراعات عدة على مر التاريخ. جورج كلوني أحد أبطال الفيلم الرئيسين يقوم بدور «بوب بارنز»، وهو موظف في «سي آي أي» يبعث في مهمة بين بيروت وطهران، ويكتشف بعدها أنها ليست مهمة، كما يبدو. وتحدث كلوني عن الفيلم خلال لقاء له بعد أول عرض للفيلم مباشرة، بقوله: «نحن لا نقوم بتلميع صورة الإرهابي، أعتقد أن علينا أن ننشئ حواراً بيننا وبين العالم بدل الحرب معه، الصعوبة أننا نقدم فيلماً لا يرضي أي فريق وسط الأحداث الراهنة، ولكنه يحاكم الظروف التي تقود إلى الإرهاب». وتعرض كلوني لإصابة بسبب قلب أحد الممثلين الطاولة عليه في أحد المشاهد بناء على طلبه، وتم نقله للمستشفى حيث أصيب في ظهره. أما الممثل مات دومان فيلعب دور محلل مالي طموح في جنيف، يصبح بعدها المحلل المالي الخاص لشركة نفط إماراتية تابعة للأمير ناصر، الذي يدير شركة والده. يحصل الأمير ناصر بعدها على تصريح للتنقيب عن الغاز الطبيعي لشركة صينية. كما يقوم جيفري رايت بدور محام في واشنطن، يشارك في الفيلم باكستانيان يتحدثان لغة الأوردو، أحدهما يدعى وسيم ويقوم بدوره «مزهر منير» الذي يخسر وظيفته في شركة الزيت ليتلقفه أحد المسلمين المتطرفين، لتبدأ حكاية «الإرهاب». وعلق كلوني على هذا الجزء من الفيلم بقوله: «الضغط السياسي والأمني والاقتصادي قد يولد المتحمسين لتفجير أنفسهم، كما يقرر أحد هذين الباكستانيين فعله»، حيث يطرح الفيلم فكرة أن صنع الإرهابي جاء كنتيجة لسياسات غير متوازنة، تقوم بها الحكومة الأميركية حول العالم. وتناولت الصحف الأميركية فيلم «سيريانا» بزخم كبير، منها صحيفة «يو إس توداي» التي وصفت الفيلم بـ «بورتريه عالمي يصور الخطر، والنفاق، والإحباط، والضحايا البشرية». أما صحيفة «نيويورك تايمز» فقالت عنه: «حواراته ومقاطعه تتضمن معلومات مهمة، تحتاج كثيراً من التركيز، وهو ما يجعل منه تجربة غنية وممتعة». ويتوقع نقاد وكتاب أميركيون إيرادات عالية ونجاحاً ساحقاً لـ «سيريانا» نظراً إلى كونه يتناول اللعبة السياسية، والإرهاب والنفط في الشرق الأوسط، وهو ما يشد لمعرفة كنه هذا الغموض الذي أسفر عن «سيريانا». الحياة اللبنانية في 16 ديسمبر 2005 |
شهادة سينمائية فرنسية في اختفاء المهدي بن بركة... «كلهم يكذبون في تلك القضية» باريس – ندى الأزهري «كلهم يكذبون في تلك القضية...» تقول الشخصية التي جسدت دور الكاتبة الفرنسية مرغريت دوراس في أحد مشاهد فيلم «شهدت مقتل بن بركة»، في تعليقها على الأحداث التي تلت اختفاء المعارض المغربي مهدي بن بركة في باريس عام 1965. قضية بن بركة، ما زالت تثير الاهتمام في فرنسا. فبعد فيلم «الاغتيال»، الذي أخرجه في بداية السبعينات المخرج الفرنسي إيف بواسييه وقام ببطولته جان لوي ترنتنيان، تعود القضية إلى الواجهة عبر شريط سيرج لو بيرون «شهدت مقتل بن بركة» الذي عرض على الشاشات الفرنسية منذ أسابيع متزامناً مع مرور أربعين عاماً على اختفاء هذه الشخصية البارزة. يقدم الفيلم بعض العناصر الجديدة (الصحيحة؟) التي قد تكون لعبت دوراً في القضية، بعضها عن دون قصد كالكاتبة دوراس، وبعضها الآخر عن قصد كالاستخبارات الأميركية. ويبرز الشريط بن بركة (الدور لسيمون أبكاريان وسبق وشاهدناه في دور البطولة في فيلم إسرائيلي عن يهود المغرب «اتخاذ زوجة») كشخصية ناشطة لها ثقلها المحلي والعالمي، من خلال حركته المناهضة للاستعمار في العالم الثالث، ومساهماته في المؤتمرات العالمية التي تدعم حركات التحرر التي كانت في أوجها في ستينات القرن الماضي. كما يدين أوفقير وزير الداخلية المغربي في عهد الملك الحسن الثاني، كمسؤول مباشر عن عملية خطف بن بركة في باريس واغتياله. وفي إخراج يعود بنا إلى أجواء الستينات في أسلوبه، يبدأ الفيلم بمشهد جثة مطروحة أرضاً في غرفة حقيرة، وحولها محققون ورجال شرطة كانوا قرروا مسبقاً «انتحارها». ويسخر صوت «الضحية» من أكاذيبهم ويبدأ عبر الفلاش باك بسرد الحقيقة التي شهدها صاحبه والتي أدى شهودها إلى نهايته. إنه «جورج فيجون» صاحب السوابق في عمليات نصب، والذي كانت له «مساهمات» مع الاستخبارات الفرنسية ورجال الشرطة. يُقنعه اثنان من أصدقائه المأجورين مثله، بالتعاون مع الاستخبارات المغربية التي تريد تحقيق فيلم وثائقي عن حركات التحرر في العالم الثالث، مشترطة استخدام «بن بركة» كمحقق تاريخي للفيلم (في محاولة منها لاستدراجه). يقبل «قيجون» بالعرض. ويقنع المخرج الفرنسي المعروف حينها «جورج فرانجو» بإخراج الفيلم. تحمس هذا الأخير للعرض وطلب من صديقته الكاتبة مرغريت دوراس المشاركة في كتابة الموضوع. وعلى رغم شك بن بركة بنيات فيجون فقد كانت سمعة هذا المخرج، كما أورد الفيلم، العامل الحاسم في قبول بن بركة المساهمة فيه عدا بالطبع أهمية الدعاية التي سيحققها الفيلم لحركات التحرر. وهكذا شكل الاثنان أي المخرج والكاتبة، وبلا علمهما، خيطاً في جذب «بن بركة» إلى الفخ الذي نصب له. فأثناء توجه بن بركة للقاء المخرج فرانجو والمنتج فيجون حسب موعد مسبق (أعلمت به الاستخبارات المغربية عبر فيجون) في حانة «ليب» الباريسية الشهيرة في حي سان جيرمان، قطع الطريق على بن بركة وتم اقتياده من جانب رجال الشرطة الفرنسية «لمقابلة شخصية سياسية مهمة» كما ادعيا. ولم تكن تلك «الشخصية» سوى «أوفقير». ولم تكن المقابلة سوى للاستجواب والتعذيب. وكان هذا آخر ظهور للزعيم المغربي المعارض حيث اختفى بعدها ولم تكتشف جثته إلى الآن. وأبرز الفيلم نهم « فيجون» للمال وشعوره بالإحباط بعد تخلي الجميع عنه لانكشاف مهمته في العملية، ما دفعه إلى قول (أو بالأحرى بيع) الحقيقة. هو الذي شهد من المقهى عملية الاستدراج، من جانب الشرطة الفرنسية وبعض المأجورين الفرنسيين المتعاملين مع الاستخبارات المغربية، إلى منزل في ضاحية «فونتني لو فيكونت» وتعذيبه هناك بوجود وزير الداخلية المغربي أوفقير. وفجرت تصريحات «فيجون» للصحافة الفرنسية فضيحة كبرى. وقامت محاكمات تم على أثرها الحكم غيابياً على الوزير المغربي. وعلى رغم ما يقوله الفيلم في النهاية من أن الوثائق الخاصة بقضية بن بركة والتي كشفت بعد رفع فرنسا السرية عنها «لم يكن ثمة شيء فيها سوى العجاج...» إلا أنه تحدث عن دور «سي آي إيه» في هذه القضية التي لم تتضح إلى الآن كل ملابساتها. وتمحور الفيلم حول شخصية فيجون فقدمها في أسلوب مختلف عن ذلك الذي ظهر فيه ترنتنيان. فجاءت شخصية معبرة عن مغامر أفاق، ثائر على احتقار الآخرين له ولا سيما بعد معرفة دوره. لكن السيناريو لم يهمل بقية الشخصيات التي جاءت مدروسة بعناية وعمق و لا سيما منها المخرج فرانجو وبن بركة. نجح الفيلم في التعريف بالقضية لا سيما للجيل الحالي الذي لا يعرف عنها الكثير. وهكذا، تعيد السينما بعث القضية جماهيرياً فيما بعثها قضائياً، قد بدأ هو الآخر في فرنسا والمغرب. الحياة اللبنانية في 16 ديسمبر 2005 |