يبدو أن أول فيلم سينمائي يمني تدور أحداثه في مدينة صنعاء القديمة لن يرى النور في موعده المحدد منتصف شهر مايو/ أيار المقبل ضمن فعاليات “صنعاء عاصمة للثقافة العربية 2004”. هذا ما تؤكده مقدمات مشروع فيلم “يوم جديد في صنعاء القديمة” منذ أول إعلان عن إنتاجه، ومروراً بحملات الانتقادات المحلية للسيناريو، وتأخر وصول المعدات التقنية، ووصولاً إلى احتجاج أهالي مدينة صنعاء على فكرة ومشاهد الفيلم كليا. الفيلم الذي تساهم وزارة الثقافة والسياحة اليمنية بأربعين ألف دولار دعماً أولياً من تكلفته التقديرية البالغة 750 ألف دولار، يتولى إنتاجه مركز الإعلام اليمني في صنعاء ومؤسسة “فيلكس فيلمر انترتاينمنت” المحدودة ومقرها لندن، وكان المخرج البريطاني من أصل يمني بدر يحيى الحرسي (35 عاماً) أعلن مطلع العام الماضي، عن مشروع إنتاجه، وأنه يعتزم “المشاركة بالفيلم في العديد من المهرجانات العالمية مما يكسب اليمن شهرة واسعة”. وقد اختار “الحرسي” للفيلم طاقم ممثلين يمنيين مؤلفاً من 68 ممثلاً وممثلة بينهم ممثل أجنبي واحد نمساوي الجنسية والممثلة اللبنانية دانيا حمود التي تلعب دور البطولة مع الممثل اليمني نبيل صبر، واستقدم مدرباً لتأهيل الممثلين من فرنسا،وأعلن في سبتمبر/ أيلول الماضي أن وزارة الثقافة والسياحة أقرت سيناريو الفيلم وإنتاجه، وأن التصوير سيبدأ في أكتوبر/ تشرين الأول على مدى ستة أسابيع بمعدل 12 ساعة يومياً لعرضه ضمن فعاليات الاحتفال بإعلان صنعاء عاصمة للثقافة العربية لهذا العام. يومها كان التفاؤل يغمر “الحرسي” الذي ولد ونشأ في لندن ويُعد من المخرجين والمنتجين العالميين وسبق له إنتاج عدة أفلام عن اليمن والعالم العربي والإسلام كان أبرزها فيلم “الشيخ الإنجليزي والجنتلمان اليمني” إلى جانب فيلم وثائقي عن جزيرة سقطرى، وقال: “إن فيلم صنعاء سينقل صورة اليمن الحقيقية وسيبرز القيم الإسلامية العريقة للمجتمع اليمني، خلافاً لما نقلته أفلام أجنبية سابقة كانت أحداثها تدور في اليمن”، مُشيراً إلى أن لغة الحوار في الفيلم “لن تكون باللهجة الصنعانية بالكامل بل ستكون أقرب إلى العربية الفصحى حتى يفهم حوار الفيلم في جميع البلدان العربية والأوروبية”. لكن موعد التصوير تأجل من أكتوبر/ تشرين الأول الى منتصف ديسمبر/ كانون الثاني الماضي لأسباب عزاها مخرج الفيلم بدر الحرسي إلى “حلول شهر رمضان وتأخر وصول الفريق الفني الأجنبي، وعدم اكتمال بعض الترتيبات والتجهيزات الفنية”، موضحاً أن الأجهزة الحديثة التي ستستخدم أثناء التصوير “يبلغ وزنها 7 أطنان من بالونات إضاءة، وقطار كاميرا، ورافعات وغيرها من الأجهزة عالية الدقة والتي تتطلب وقتا أطول لنقلها وترتيبها”. وبعد أن وصل صنعاء قادماً من لندن وبيروت فريق تصوير الفيلم وعددهم 35 خبيراً وفنياً من جنسيات أجنبية مختلفة، أعلن “الحرسي” أنه يأمل أن يكون يوم الخامس عشر من ديسمبر/ كانون الأول هو موعد بدء التصوير “ليكون العرض الأول بصنعاء في حفل افتتاح رسمي تنظمه وزارة الثقافة في شهر مايو/ أيار المقبل ثم يعرض بعدها خلال الشهر نفسه في مهرجان كان”، مُضيفاً أن المهرجانات العالمية للأفلام السينمائية قبلت الفيلم لكونه أول فيلم يمني “لكنني على يقين أنهم بعد مشاهدته سيكون صدمة لهم ومفاجأة لا يتوقعونها،إذ سيكون من أفلام الدرجة الأولى”. بيد أن سيناريو الفيلم ، ومع بدء تصوير مشاهده كان قد تسرب إلى الصحافة اليمنية، فشن جمهور المثقفين والمهتمين في اليمن الذين رحبوا بفكرة الفيلم من حيث المبدأ حملة انتقادات صحافية للسيناريو الذي يحاول تقديم ثلاثية “التاريخ السياسة الدين”، ويحكي في سياق أحداث تاريخية شهدتها المدينة قصة إمام مسجد في صنعاء القديمة وقع في تجربة إنسانية اضطرته للدخول في قصة حب مع فتاة تقيم مع أسرتها الفقيرة في المدينة. وأمام اتهامات الصحافة الثقافية اليمنية لسيناريو الفيلم بأنه “يسيء للقيم والأخلاق العامة اليمنية ويقدم صورة مشوهة لمجتمع مدينة صنعاء القديمة المحافظ”، ومطالبة رجال دين وشخصيات اجتماعية تعديل بعض مشاهد الفيلم وبخاصة المتصلة بالبعد الديني، توقف تصوير الفيلم واضطرت وزارة الثقافة والسياحة في اليمن إلى تشكيل لجنة تحكيم من قيادة الوزارة أوكل إليها تقييم سيناريو الفيلم، وأقرت في الرابع من فبراير/ شباط الماضي استمرار تصوير فيلم “يوم جديد في صنعاء”. لكن تصوير الفيلم رغم ذلك توقف للمرة الثالثة “لأسباب فنية تتعلق بحاجة الممثلين اليمنيين في الفيلم إلى مزيد من التمرين نتيجة عدم اعتيادهم العمل السينمائي، إضافة إلى اضطرار الحرسي التوقف عن العمل مؤقتاً بسبب وفاة والده” على حد قول مساعد مخرج الفيلم. ورغم أن التصوير بدء فعلياً مطلع الأسبوع الفائت في حواري وبساتين المدينة القديمة وبوتيرة عمل عالية تبلغ “12 ساعة تصوير في اليوم الواحد”، إلا أن احتجاجاً أقوى على الفيلم رافق معاودة التصوير، اتخذ هذه المرة طابعاً شعبياً وبواسطة وثيقة موقعة من قبل أهالي مدينة صنعاء القديمة. وفي وثيقة الاحتجاج التي حصلت “الخليج” على نسخة منها، دان الأهالي بناء مسرح “الهواء الطلق” في مساحة بستان مسجد قبة المهدي كونه “مخالفة لوصية الواقف والغرض الذي أوقفت له المتمثل بتصريف المياه وترك البستان كمتنفس للمسجد والمدينة”، وهاجموا بشدة فيلم “يوم جديد في صنعاء”، مُعتبرين أنه “يتضمن إساءة إلى السمعة الوطنية للبلاد والى موارده الثقافية والسياحية حيث يتم تصوير قصة تسيء إلى أهالي صنعاء القديمة وتصورهم على انهم يتنكرون لتعاليم دينهم الحنيف وعاداتهم الحميدة”. واستهجن أهالي صنعاء القديمة قصة الفيلم التي “تنسب إلى رجال الدين سلوكاً متنافياً مع الآداب والأخلاق والعقائد” على حد تعبيرهم في وثيقة الاحتجاج المرفوعة إلى وزير الثقافة اليمني خالد الرويشان، وقالوا: إن “قصة الفيلم سيطرت عليها أحداث غرامية لا أخلاقية صورت انه سلوك معتاد ومألوف بين أهالي مدينة صنعاء القديمة”، مُهددين “باللجوء إلى القضاء في حال تجاهل مطالبهم من قبل مسؤولي وزارة الثقافة وكذا القائمين على الفيلم” بتعديل ما يتضمن الإساءة لمدينة صنعاء وقيم وتقاليد أهلها. من جهته فضل مخرج الفيلم بدر الحرسي عدم التعليق، مؤكداً أنه من خلال اختياره قصة الفيلم “أردت عمل فيلم لكل واحد في العالم قادر على الفهم، والقصة كلها تعبر عن سوء الفهم”. ونافياً أن يكون الحب هو جوهر القصة لأن “الأشخاص في الفيلم لا يعرفون بعضهم بعضا وبالتالي لا توجد قصة حب. هناك شخص خاطب لفتاة يشاهد أخرى ترتدي فستانها، فيبدأ يفكر ويخبر نفسه أن يحبها، ولكنه لا يعرفها، فالقصة ليست مثل روميو وجوليت، وإنما القصة تدور حول الناس الذين يكبروا القصة، وكيف أن كلام الناس في الحارات يغير صورة بأخرى”. وكان “الحرسي” في أحاديث صحافية سابقة أكد أن الفيلم سيحافظ على عادات وتقاليد المجتمع اليمني ذات الطابع الإسلامي البحت وخاصة فيما يمس احتشام الفتاة، وقال مُطمئناً الجميع: “طوال عشر سنين اشتغل أفلاماً عن العالم العربي واليمن والإسلام، ولا يمكن أن أقدم الآن عملاً يغضب أي يمني وأي عربي ومسلم، والفيلم ليس فيه أي شيء حرام، وسوف ينال إعجاب الجميع”. وحتى إشعار آخر من وزارة الثقافة والسياحة في اليمن لا يعرف حتى الآن مصير فيلم “يوم جديد في صنعاء” الذي يعتبر أول فيلم سينمائي يمني خالص تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً وإنتاجاً، ويجري تصويره وفق تقنية حديثة تنافس أشهر أفلام المهرجانات السينمائية العالمية. الخليج الإماراتية في 1 مارس 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
أيدته وزارة الثقافة وتأجل تصويره أكثر من مرة: إحتجاج شعبي على أول فيلم سينمائي في اليمن إبراهيم الحكيم |
مقالات ذات صلة: موت مخرج فيلم "يوم جديد في صنعاء القديمة" آخر الشائعات
|