شعار الموقع (Our Logo)

 

 

تكتظ ذاكرة التراث الانساني بتراكمات روائية حول شخصية سيدنا المسيح عيسى بن مريم. ففي القرآن الكريم هناك قصص تتناول سيرته على نحو فريد ومغاير لما جاء في أناجيل سابقة أو وفق معتقدات آمن بها قدماء بني اسرائيل الذين جاء اليهم المسيح مبشرا بكلمة الله أو يهودا معاصرين لا زالوا عاكفين على قراءة ارث اسلافهم وآخرين أيضا لا زالوا على عهد طال عليه الأمد، لأن المسيح عيسى باعتقادهم لم يأت بعد.

وباختلاف صيغ الأناجيل الوارد منها الى الكنائس وما هو ممنوع بما لا اجماع عليه لدى الكاثوليك أو في الكنسية الشرقية، لوثرية كانت تلك الكنائس أو بروتستانتية، تعتبر الأناجيل جميعها السيد المسيح شخصية محورية تبدأ بها قصة الدين المسيحي وتنتهي اليه أيضا باعتباره مخلصا لخطايا العالم.

وفي أدبيات التراث الانساني تتشكل شخصية السيد المسيح وفق نسخ متفاوتة بحسب اختلاف مرجعيات يشرأب اليها كتاب ونقاد وشعراء ودارسين وعاملين في حقل الوراقة.

والواقع أنه ما اختلف الناس لعشرين قرنا متوالية، تلامذة وأساتذة، كهنة وباحثين فيما بينهم مثل ما اختلفوا عليه وبه حول شخصية المسيح.

فميلاد المسيح لم يكن شيئا جرت عليه العادة من قبل، وكذلك أيضا كان الجدل مثيرا ولا يزال حول بعضا من شذرات حياته ومعجزاته وأما قصة موته بما تثيرها من احداث تشكل في النهاية تاريخ حضارة تمسك بتلابيب العالم فلا زالت مربط فرس ونقطة رهان آيلة لاحياء خلاف يؤول الى خلاف وربما لا أحد يستطيع الحد من تدافع هذه الخلافات اذ يأتي المسيح لاحقا فيكون مجيئه الآتي في آخر الزمان نقطة الوقف.

كانت ولادته من بين خوارق لا مراء في ذلك ولا خلاف عليه بين مسيحي ومسلم، فسلام عليه اذ ولد بكلمة الله لأنه هكذا اراده الله أن يكون متفردا في الأرض، وينفرد القرآن الكريم بذكر معجزة الطفولة أكثر مما تشير اليها المرجعيات الأخرى بأن سيدنا المسيح تكلم في المهد بالهام الهي من روح القدس.

لقد ولد بمعجزة وفي طفولته اذ كان صبيا جرت على لسانه معجزة وتكتظ حياته بمعجزات ثرية جدا وعندما مات، فقد ترك بموته بين من أحبه فأتبعه وبين كارهيه أيضا الكثير من الخلافات وتبادل الاتهامات والظنون.

ولولا الاختلاف حول موت السيد المسيح لأنتقت عقيدة التثليث من العقيدة المسيحية، لأن رواية الصلب وما جاء بعدها هو مربط الفرس وأساس الخلاف بين اتباع الديانات السماوية.

غير أنه يستحيل أن تنتفي رواية الصلب من اساسها لأن الأناجيل المعتمدة باختلاف رواياتها وتداخل الأحداث التي تصيغ حياة وموت سيدنا المسيح منذ مراحل التدوين ولاحقا النقل من خلال ترجمات قديمة تتفق ضمنيا فيما بينها على رواية موت المسيح فوق الصليب.

ومن هنا فالايمان بالصلب وما يؤدي اليه ويجر معه واليه هو ركن أساسي لا تختلف عليه طوائف المسيحية أيا كانوا عليه.

ومن الملاحظ أن قصة الصلب هذه بملحقاتها الايمانية وما تؤدي اليه من أخبار سارة بحسب آخر تفسيرات انجيلية دفعت بالفكر المسيحي الى كتابة سجل من الخصومات والعداء فيما بينهم وبين اليهود اذ لا يزال الطرفان منذ كتابة الانجيل بصيغه الاربعة يختصمان.

فالمسيحيون مثلا لا زالوا بحسب طروحات الأناجيل الأربعة يحملون اليهود وزر قتل سيدنا المسيح،  لأنهم وشوا به عند بيلاطس البنطي الحاكم بأمر الامبراطورية الرومانية وقتئذ، وذلك بأنهم قبلوا وسعوا أيضا لالقاء القبض عليه بتهمة التمرد ومحاولة قيادة انقلاب ضد الحكومة، وبذلك فهم قد ضحوا به لكي ينجوا من تبعات غضب الرومان.

والواقع أن القصة هنا لها أكثر من وجه، فاليهود لا ينكرون بحسب الرواية التاريخية أن ما حدث كان صحيحا بزعمهم، وهم يبررون بحسب نبوءات لديهم أن من قبضوا عليه وقدموه الى حكومة بيلاطس البنطي لم يكن هو المسيح نفسه، وانما كان رجلا لصا أمتهن التجديف على الله وهو اذ يفعل ذلك فانما يتبوأ لنفسه زعامة الملك على بني اسرائيل.

وبحسب تدافع الروايات وتراشق الخلاف وتباين المواقف بين اليهود والمسيحين حيال موت المسيح، فاليهود كانوا يعتبرون أنفسهم من نواح تاريخية ودينية أيضا ولا زال الكثير يعتقد منهم الى الآن رغم استياء المسيحيين أنهم انما قتلوا لصا لا أكثر ولا أقل.

وعلى هذا الأساس فاليهود لا زالوا الى اليوم يعيشون مرحلة انتظار لمجئ المسيح الحقيقي الذي طال على مجيئه الأمد في معتقداتهم لأن ساعة مجيئه لم تئن بعد.

لكن مسيحيين ينظرون الى الموقف من ناحية أخرى، فهم يرون أن لصلب المسيح وجهان: أولهما تاريخي ممثلا في كون اليهود قبضوا عليه حسدا له ونكايه به لتقديمه قربانا الى الصليب، وأما الناحية الأخرى فهي دينية محضة لأن الله اذ يسوق (ابنه) الى الصليب، فهو يفعل ذلك لأن المسيح نفسه قبل أن يكون كبش فداء لخلاص من يؤمن أنه هكذا أسلم نفسه لغسل خطايا العالم.

هنا تضيف السينما الينا بعدا آخر من الخلاف والتوقعات، ففي السادس والعشرين من فبراير لهذا العام سوف يعرضون فيلما يتناول ( الآم المسيح)، وهو فيلم لميل جبسون ويعيش عرضه الآن العد التنازلي على مستوى الغرب المسيحي اذ يكرس من خلاله المخرج احتفال الفن بآخر يوم في حياة المسيح نفسه.

أنه دون جدال يثير القصة مرة أخرى بما تحمله من تداعيات دينية وتاريخية، وهو الى جانب ذلك أيضا يطرح سؤال قتل المسيح واضحا باقتباسه اربعة أناجيل واعتماد ثانوي آخر على روايتي راهبتين عاشتا حياتيهما قبيل مئات من سنوات ماضية بعلامات ميسمية شبيهة بجراح المسيح.

ان جيبسون يورد شهاديتهما التاريخية باتكائه على اضبارة العهدة الكنسية في كل من اسبانيا والمانيا، ويمكننا دون مواربة اعتماد جبسون لتلك الشهادتين من بين مشفوعات تاريخية تستخدمها الدراما لتعميق وشحن الاحساس المسيحي بتوريث اليهود اثما جماعيا بتورطهم في قتل المسيح وان كان جبسون قد نفى عن نفسه في لقاءات الميديا الغربية مسألة الاعتقاد الديني بتخصيص وراثة الاثم.

يتبع......

موقع "إيلاف" في  16 فبراير 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

بسام الذوادي ـ لقاء

      مهرجان البندقية.. يكرم عمر الشريف

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

آسيا جبّار عبّرت عن الهواجس الدفينة للمرأة

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

السؤال الأكثر جدلاً منذ سلطة الرومان إلى عهد الأمريكان؟؟

عبد الله الحكيم *

(1)

* كاتب صحافي سعودي

ab_13@hotmail.com

__________________

صور أخرى من الفيلم

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة:

السينما تعيد قتل المسيح إلى الواجهة مرة أخرى!!

"آلام المسيح" يثير (هولوكوستا) فنياً باقتباسات من الإنجيل