شعار الموقع (Our Logo)

 

 

تمضي الطريق في مدينة بارك سيتي بمحاذاة الجبال العالية ثم تلتف وراءها لتختفي صوب الأبد‏.‏ كل صباح حينما أخرج من قوقعتي في ذلك المنفي المؤقت‏,‏ أتساءل هذا الطريق تراه إلي أين يذهب؟ وما إن يلفحني الهواء المثلج في تلك الجبال العالية الواقعة شمال غربي مدينة سولت لايك سيتي في ولاية يوتا‏,‏ حتي يتحول السؤال إلي‏:‏ لماذا كان عليهم إقامة هذا المهرجان في هذه المنطقة؟ هكذا يتساءل الفنان روبرت ردفورد الذي يعمل ممثلا ومخرجا ومنتجا معروفا‏.‏

روبرت هو أول من أحب هذه الجبال العالية حيث صور فيها فيلم جيرومايا جونسون ثم زارها أكثر من مرة‏.‏ قبل‏23‏ سنة اكتشف أن فيها مهرجانا سينمائيا صغيرا وأن أصحابه يعرضونه للبيع وإذا لم يتقدم أحد لشرائه أقفلوا الدكان وذهب كل في حاله‏.‏ انتهز ردفورد هذه المناسبة المتاحة واستحوذ علي المهرجان الذي لم يكن سوي تجمع لهواة السينما في مدينة بارك سيتي وجوارها‏,‏ وحوله إلي مهرجان سينمائي دولي يأتيه الناس من فرنسا وألمانيا واليابان‏,‏ وأحيانا‏-‏ كما حدث في العام الماضي‏-‏ من فلسطين حينما قدم المخرج هاني أبو أسعد فيلمه التسجيلي فورد ترانزيت حول سائق تاكسي فلسطيني وما الذي تعنيه له هذه المهنة في زمن الحواجز‏.‏

هذا العام ليس هناك من فيلم فلسطيني ولا عربي‏,‏ وإن كانت رندة الشهال‏-‏ صباغ وصلت إلي حدود مدينة لوس أنجيليس مع المنتج العالمي طارق بن عمار حيث عرضا فيلمها الأخير طائرة من ورق‏.‏ العرض كان بهدف إتاحة الفرصة أمام أعضاء الأكاديمية لمشاهدة الفيلم المرشح عن لبنان‏.‏ لكن صديقا يعمل في وولت ديزني حضر العرض قال إن معظم الحاضرين كانوا من الجالية اللبنانية والأجانب كانوا قلة‏.‏

ردفورد قرر تحويل مهرجان سندانس فيلم فستفال إلي مناسبة كبيرة‏.‏ ألقي سريعا نظرة حول وضع المهرجانات الأمريكية ولاحظ غياب مهرجان خاص بالسينما الصغيرة‏.‏ السينما المستقلة‏.‏ تلك التي لا تدين لهوليوود بشيء وقرر أن الوقت حان لولادة مثل هذا المهرجان‏.‏ يقول لـ الأهرام العربي حين جلسنا معه‏:‏

وضعت أمامي خمس سنوات في البداية كخطة أولي‏.‏ أردت أن أقيم مهرجانا للأفلام التي لا تجد ممولين في هوليوود لكن أصحابها من المخرجين يؤمنون بها إلي درجة الاستدانة ورهن منازل آبائهم من أجل تمويلها‏.‏

خطة من خمس سنوات؟

  • خطة من خمس سنوات لكني لم أطرح علي نفسي إذا ما كنت سأستمر بعدها أم‏.‏ لا‏.‏

- ذكرت أن الوسيلة الأفضل لنجاح هذه الخطوة هي تأمين العناصر المطلوبة لكل دورة علي حدة‏.‏

  • ‏كيف روجت له‏..‏ هل اعتمدت علي الصحافة أم علي علاقاتك الشخصية؟

- لا هذه ولا تلك‏.‏ طبعا العلاقات الشخصية لعبت دورها‏.‏ الصحافة المحلية كتبت لكن السنوات الأولي لم تجذب الصحف العالمية‏,‏ بل حتي الأمريكية خارج ولاية يوتا‏.‏ ما فعلته في الأساس هو أني تركت المهرجان يتحدث عن نفسه‏.‏ وإلي اليوم أتركه يتحدث عن نفسه‏.‏

اليوم لا داعي لأن يتحدث عن نفسه إذا ما شاء المهرجان ألا يفعل‏.‏ الصحافة من نيويورك إلي لندن ومن مدريد إلي طوكيو‏-‏ ولا ننسي مصر‏-‏ موجودة فيه‏.‏ في الحقيقة‏,‏ طغي سندانس في السنوات العشر الأخيرة علي كل ما عداه من مهرجانات أمريكية علما بأن بعضا منها أكبر حجما‏,‏ بقياس عدد الأفلام التي يجلبها‏,‏ والبعض الآخر أقدم شأنا‏,‏ بتعداد السنوات التي مرت عليه‏.‏ لكن في حين أن نيويورك بات لا يثير أحدا‏,‏ وسان فرانسيسكو ‏(‏أقدم المهرجانات الأمريكية‏)‏ يحاول العودة إلي ما كان عليه في السابق من شأن‏,‏ وشيكاغو يكاد يتحول إلي تظاهرة‏,‏ فإن سندانس هو الذي يتكلم عنه الجميع‏.‏ ويقول روبرت ردفورد مرة أخري‏:‏

يقولون إن هوليوود تغزو المهرجان ويصرخون سندانس أصبح كله بيزنس‏.‏ الحقيقة أنهم لا ينظرون إلي لب الموضوع فسندانس لايزال ملتقي كل الباحثين عن أفلام السينما المستقلة والمواهب الجديدة ولا شيء سيغير من هذه الحقيقة‏.‏

  • إذن هذا ما أفعله في سندانس‏...‏ أتابع الأفلام المستقلة التي يتلهف علي اكتشافها موزعون كثيرون تجدهم يتابعون الفيلم لعشر دقائق ويمضون‏.‏ السبب هو‏,‏ وكما قال لي أحدهم‏:‏ لأنه إذا ما كان الفيلم جيدا كان علينا الاتصال بصاحبه قبل الآخرين لشرائه‏...‏ أما إذا كان رديئا فلم نضيع وقتنا فيه؟

- هذه هي القرارات السريعة وإلا فلا‏,‏ لكن النقاد هم وحدهم الذين عليهم المعاناة إذا ما كان الفيلم رديئا‏.‏ وإلي الآن هناك نسبة من الأفلام التي لا يهم إذا ما كانت تحوي روح الشباب أم لا‏...‏ هي رديئة بلا ريب‏.‏ شيء من النوع الذي كان عليه البقاء في البيت حبيس الأدمغة التي أنتجته‏.‏

أحد الأفلام المعروضة في الدورة الأخيرة للمهرجان عنوانه تأثير الفراشة مع أشتون كوتشر وآمي سمارت‏.‏ العنوان مأخوذ عن نظرية خرافية تقول إنه إذا ما حركت الفراشة جناحها الأيمن ألهبت عاصفة عاتية بجناحها الأيسر‏...‏ في حالة هذا الفيلم فإن الفراشة جامدة في مكانها لا تطير والعاصفة الوحيدة التي يحصدها الفيلم هو عند النهاية عندما يهب من بقي في الصالة لمغادرة المكان خشية أن يسألهم المخرج آريك بريز آراءهم فيضطرون إلي الدبلوماسية‏.‏ فهذا الفيلم المفترض فيه أن يكون تشويقا بوليسيا يبدأ سخيفا ثم يهبط من ذلك الي حيث لا مجال للهبوط أكثر‏.‏ في الحقيقة يقول لك الفيلم الكثير في بدايته‏:‏ الصبي إيفان‏(‏ يلعبه لاحقا الممثل أشتون كوتشر‏)‏ في المدرسة الابتدائية والأستاذ يتوقف عند رسم له‏.‏ كان الأستاذ طلب من الأولاد رسم أي ما يخطر لهم ليكتشف أن ما خطر علي بال الصبي صورته يحمل سكينا يقطر دما‏.‏ هذه الصورة ستلعب دورها في مراحل لاحقة يقفز الفيلم بينها قبل أن يهدأ وقد أصبح إيفان شابا مجتهدا لا تبدو عليه مظاهر أي مشاكل نفسية او ميول عاطفية شاذة‏.‏ إنه إنسان طبيعي مقبل علي الحياة بكل ما فيها من زخم ومتعة لولا أن الماضي يقفز في وجهه فجأة‏.‏ الميول للعنف والخوف من الآخرين يسيطر عليه دافعا به إلي السجن تارة وحافة الجريمة تارة أخري‏.‏ وإذا كان تمثيل صديق ديمي مور الشخصي يبدو في كل هذه المواقف مفتعلا انتظر لتراه في المشهد النهائي وهو يبدو مثل دجاجة منتوفة‏.‏

المشكلة مع هذا الفيلم ومع أفلام أخري عديدة نتلقفها في الأيام الأولي من المهرجان هي أن مفهوم الاستقلالية فيها انحدر واختلف عما كان عليه‏.‏

الفيلم المستقل لم يكن فقط الفيلم الذي يتم إنتاجه بعيدا عن هوليوود وبأموال بطاقات المصارف‏,‏ بل‏-‏ أساسا‏-‏ ذلك الذي يحمل أساليب تعبير سينمائية لا يمكن لهوليوود تمويلها‏.‏ لكن ما يحدث الآن هو أن عددا كبيرا من هذه الأفلام يستجيب لما تريده الشركات الأمريكية الكبري من تكتيكات وأنماط محفوظة‏.‏ والشركات الأمريكية الكبيرة بدورها كانت لاحظت أن بعض هذه الأفلام الصغيرة يمكن لها أن تدر مالا كثيرا فبدأ الاهتمام بها‏.‏ وكان الاتفاق الضمني هو أن كل طرف يتنازل قليلا من أجل حل وسط‏.‏ لكن مع أفلام مثل تأثير الفراشة وحديقة الملك هذا العام‏,‏ وثقة والحدث وطبيعي في العام الماضي اختفي تقريبا الحل الوسط في هوجة البيع والشراء‏.‏

وسط ذلك كله تبدو الأفلام التسجيلية هي التي لاتزال تقود النخبة‏,‏ لاسيما بعد النجاح الملحوظ للسينما التسجيلية تجاريا في الولايات المتحدة في العام الماضي‏,‏ ازدياد عدد الباحثين عن الفيلم التسجيلي الذي يقول شيئا مثيرا‏.‏ والمواطن كينج أحد هذه النوعية من الأفلام‏,‏ إنه فيلم يدور حول داعية اللا‏-‏عنف من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية مارتن لوثر كينج وما بقي من النضال الذي انطلق قبل‏40‏ عاما في الولايات المتحدة‏.‏

أعراق وطوائف

ومن قضايا الزمن الماضي إلي قضايا اليوم الواردة في فيلم ماليزي دوريان الكبير‏,‏ فيلم من كتابة وإخراج أمير محمد يلقي نظرة فاحصة ومتأملة‏(‏ وبالأبيض والأسود‏)‏ علي الحياة السياسية في ماليزيا اليوم‏,‏ ولو أنه ينطلق من حادثة اغتيال وقعت في العام‏1987‏ وبحثا في قضايا التعدد العرقي والعنصري والديني في ماليزيا حاليا‏.‏ الفيلم مثير للاهتمام لكن أن يجد سوقا باستثناء محطات تليفزيونية تشتريه لعروض قليلة فذلك ليس واردا‏.‏

في كل عام بات متوقعا أن يظهر فيلم تسجيلي يتحدث عن عائلة يهودية حقيقية كانت قد تعرضت لتهمة وأدانتها المحكمة ويثير الفيلم‏,‏ بعد سنوات طويلة‏,‏ مسألة ما إذا كان الحكم جائرا‏.‏

في العام الماضي شاهدنا عائلة فرايدمان‏,‏ وهي عائلة يهودية من شيكاغو داهم البوليس منزلها وألقي القبض علي الأب‏(‏ الذي يدرس الكمبيوتر في أحد المعاهد‏)‏ وابنه الأكبر بتهمة تصوير أولاد صغار في أوضاع مخلة وتصدير الصور الي شبكة دعارة علي الإنترنت‏.‏ التهمة كانت ثابتة‏.‏ المراسلات تؤكد ذلك‏.‏ الأولاد الذين تم استجوابهم يؤكدون ذلك‏,‏ بل أن الابن انهار واعترف بذلك‏...‏ لكن الفيلم‏-‏ رغم كل هذا‏-‏ انطلق ليثير الشكوك حول ما اذا تم قصد العائلة لأنها يهودية‏.‏

في هذا العام يوجد فيلم آخر من هذه الشاكلة بعنوان إرث الإعدام ومع عائلة أشهر‏.‏ إنها عائلة روزنبرج التي اتهمت في الخمسينات بتسريب معلومات سرية حول صنع القنابل النووية إلي الاتحاد السوفيتي‏.‏ الحالة هنا كانت أيضا ثابتة‏.‏ الأدلة لا التباسات فيها‏,‏ وكل شيء يمضي إلي تأكيد أن أحدا لم يلعب لعبة الكره الطائفي عندما أودع جوليوس وايثل روزنبرج في السجن‏...‏ إلا أن الفيلم يريد أن يصور الأمر علي أنه لم يخل من التجني‏.-‏ أو كما قال زميل لي هامسا‏:‏ لعله كان يجب إطلاق سراحهم حتي لا نتهم بالمعاداة للسامية‏*‏

هنا سندانس

            **‏ آل جور شوهد يتناول وجبة عشاء في المطعم التابع للفندق الذي اتخذه المهرجان مقرا وبعد انتهائه من الطعام خرج إلي الصقيع استجابة لإلحاح المصورين لكنه لم يتحمل البرد القارس واكتفي بثلاث دقائق ابتسم فيها ثم هرع إلي داخل المطعم من جديد‏.‏

‏**‏ الممثل ديفيد أركيت وزوجته كورتني كوكس وصلا للترويج فيلمه الأول كمخرج وعنوانه ايزي ستريت ويقول عنه هذا فيلمي الأول كمخرج ولا أدري ما أتوقع منه‏.‏ نظرت حولي فوجدت العديدين من الممثلين يقدمون علي خطوة الإخراج فبحثت عن الموضوع الذي يهمني وأنتجته‏.‏ زوجته التي وقفت إلي جانبه بقبعة رأس من القطن الخالص قالت‏:‏ نصحت زوجي بشراء قبعة من المطار والآن يندم أنه لم يفعل‏.‏

            **‏ الممثل داني دي فيتو شوهد علي المنحدرات الثلجية التي تطل علي المدينة وهو يتزلج‏.‏ حين سئل في المساء عن ذلك أفصح أنه يحب التزلج ويحب التزلج خصوصا في سندانس قائلا‏:‏ بعد نهار من الرياضة تدخل لمشاهدة الفيلم وتقارن إذا ما كان نهارك أفضل من مساك‏.‏

الأهرام اليومي في  14 فبراير 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

بسام الذوادي ـ لقاء

      مهرجان البندقية.. يكرم عمر الشريف

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

آسيا جبّار عبّرت عن الهواجس الدفينة للمرأة

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

دولارات هوليوود تهدد بإفساد سنداس:

حكاية مهرجان يتنفس الهواء الطلق.. والأحلام

محمد رضا

روبرت ردفورد

فى ثلوج جبال سندانس

 

 

 

 

 

 

 

اشتون كوتشر وآمى سمارت في لقطة من فيلم تأثير الفراشة