شعار الموقع (Our Logo)

 

 

عبدو خليل شاب في مقتبل عمره, آت من مدينة عفرين (كرداغ) الى مدينة حلب, المدينة الحاضرة في ذاكرة كل فرد من الشرق الأوسط وربما العالم أيضاً, آت ليمزج الثقافة الشفهية الكردية بالثقافة المدنية, وليحقق طموحاته, ولو جزءاً بسيطاً قبل أن يموت. يقول خليل انه مشتت بين عمله كتقني, (خريج معهد الالكترونيات) وبين هواياته واهتماماته ومواهبه. وهو, إضافة الى أنه يمارس الاخراج السينمائي يكتب الشعر (له ديوان شعر قيد الطبع) ويشتغل على عمل روائي عن الهجرات الكردية وفصول الموت... كما شارك في الكثير من المعارض الفوتوغرافية. إلا أنه "رجع" الى السينما أخيراً, على رغم انه كان شغوفاً بها قبل كل شيء آخر, اذ كانت حلمه الأول منذ الصغر وهو ما زال يركض خلف أحلامه الملونة كطفل لا يمل ولا يتعب. كل هذا لكي "لا تصدأ الذاكرة"... وهنا دردشة عن فيلمه القصير "الحذاء الأسود" الذي يستعير اسلوب يلماز غوناي (سينمائي كردي تركي حاصل على جائزة "كان" في الاخراج) ويسلك دربه الشاق عن حال الأكراد.

  • قل لي من أين تأتي فكرة فيلمك القصير "الحذاء الأسود" وعما تبحث في هذا الفيلم؟

- الفكرة قديمة وهي لي... انما كانت بالنسبة إليّ حلماً.. حلم أن أصنع فيلماً سينمائياً... لذا كنت أحاول طوال السنين السابقة أن أعوض هذا الحب للسينما بالتوجه الى الفوتوغراف.. وأحياناً كثيرة حملت صوري الفوتوغرافية فوق طاقة احتمال الكادر. وكثيراً ما هيأت لبعض اللقطات طقوساً اخراجية أشبه بالسينما... ولكن في النهاية, النتيجة كانت واحدة: كل هذه اللقطات كانت تحركني لأنها في الأصل تحتاج الى عنصر الحركة ومن هنا صرت أبحث عن مفردات السينما كصناعة, فدرستها دراسة خاصة عبر مطالعاتي ومشاهداتي للأفلام وكان لي ما أريد بأن قبضت على حلمي الأول في فيلمي "الحذاء الأسود".

  • "الحذاء الأسود" تشبيه غامض, ترى لماذا سميت فيلمك بـ"الحذاء الأسود"؟

- الفيلم محاولة لنظرة جديدة الى السجن كحال قسوة وذلك بمقاربته مع حديقة هادئة وارفة الظلال. قسوة السجن نراها مؤلمة لحد الوجع... قد تضطر الى الصراخ وقد تتقلب وأنت تبحث عن الجريمة التي ارتكبتها... فهنا يغدو الحذاء العسكري (البوط) كسارة الحجر تطحن برحاها بذور انسانيتك... أما في الطرف الآخر (الحديقة) فتبدو القساوة كحال لذة. تماماً كحذاء أنثى وهو يطرق أرض الحديقة برتابة لا تخلو من موسيقى ربما اعادتك الى حال القسوة التي شاهدناها في بداية الفيلم. عموماً التركيز على السجن - كرائحة - يلازمنا نحن الشرقيين في شكل عام, وكأكراد في شكل خاص هو سمة وعنوان الفيلم... مع أنه يمكن إسقاط الفيلم على أي مكان في العالم دونما تحديد.. ولكن كما تعلم للسجن مساحة شاسعة في ذاكرة الكردي حتى ولو كان يعيش في أكثر بلدان العالم ديموقراطية وتمدناً...

  • لتركيب الفيلم ثمة ورشة عمل, من ساعدك على اكمال فيلمك, وكيف انجزته؟

- قمت وحدي بتنفيذ الفيلم من الفكرة الى السيناريو الى الديكور والانتاج... لدي الكثير من السيناريوات والأفكار, و"الحذاء الأسود" أحدها, وهو في الأصل قصة قصيرة كنت كتبتها منذ سنوات, انتاجياً أعتمدت على نفسي في عملية التمويل ولم اتلق أي مساعدة من أي جهة... لأننا لم نصل بعد الى حال ان تدعم مؤسساتنا وشركاتنا... حتى على صعيد الأحزاب التي لا تسند ولا تمول أفكاراً كهذه. فالسينما ما زالت على لائحة المحرمات. وما زالت تحارب على أنها نوع من التسلية الممنوعة... اما الديكور فصممته كذلك بنفسي ونفذته بالتعاون مع بعض الأصدقاء وهم أنفسهم الذين وقفوا أمام الكاميرا ومثلوا الأدوار وساعدوا في الاضاءة والتصوير...

  • هذا يعني أنك واجهت عقبات جمة, هل يمكننا معرفتها؟

- العقبات التي واجهها الفيلم كثيرة بدءاً من التمويل الى الديكور... الى تأمين الكاميرا... ولكن العقبة الأهم ان تعمل في بلد تحتاج الى رخصة لإقامة حفلة زفاف مثلاً, أو لاستقبال مجموعة من الأصدقاء اذا تجاوز عددهم رقماً معيناً. انت تحتاج الى موافقات حيثما تحركت. فما بالك أن تصور فيلماً سينمائياً؟ لذلك لا أنكر أنني عملت بشيء من الخوف والتردد, خصوصاً كوني كردياً, الكردي لو حدق في السماء ملياً ربما سُئل عن حجم الزراق الذي اختلسه بعينيه...

  • من الطبيعي أن يكون هناك تداخل بين الثقافة الكردية والعربية. والسؤال: هل للثقافة العربية دور في متابعتك شؤون شعبك وشجونه؟

- الثقافة العربية والمثقف العربي ما زالا بعيدين من الوسط الثقافي الكردي نتيجة جملة عوائق. وما زالت التقاطعات قليلة مع ان الاثنين يعيشان في وسط "جغرافي" واحد... لذا لم يظهر هذا التأثير واضحاً. مع أنني حاولت أن أقحم المثقف العربي في الفيلم اقحاماً من خلال بعض الجمل العربية التي تظهر مكتوبة على الجدار. وحاولت أن أظهر أن الكثير من جوانب المعاناة بين الطرفين واحدة...

  • هل لديك مشاريع جديدة, وعما تبحث بعدما أنجزت فيلمك الأول؟

- أحضر حالياً لفيلم قصير آخر يدور حول "غسل العار" وهذا من المواضيع التي يجب أن نسلط عليها الضوء في مجتمعنا الكردي والشرقي عموماً. اذ ان المرأة كانت وما زالت ضحية هذا "الشرف الملعون"... وللأسف ما زلنا مكتوفي الأيدي أمام حالات كهذه... وما زال المثقف الكردي يقف صامتاً أو ربما متجاهلاً الخوض في اشكالات كهذه.

  • وجدنا في "الحذاء الاسود" سجناً حقيقياً. هل فعلاً صور الفيلم في السجن؟

- لا, الفيلم صور في منزل مهجور وقد قمت بتصميم الديكور ونفذته بمساعدة بعض الاصدقاء. والعمل بالديكور شيء متعب, إذ ان خلق اجواء تشبه السجن الحقيقي امر ليس بالسهل نظراً للإمكانات المتواضعة المتوافرة, والسينما ليست عملاً فردياً.

  • قلت في فيلمك الثاني "المنديل المالح" انك تنبأت بالواقع الذي وصل اليه الاكراد, أي الهجرة. ترى أي هجرة قصدت؟

- انه فيلم قصير ايضاً مدته 15 دقيقة, يبدأ بقصة حب صغيرة عبر نافذة كوخ في عفرين التي توقف الزمن فيها, والحياة تبدو كمريض مصاب بهبوط في الضغط والأزمان تمر بطيئة ومملة, وهذا ما يدفع البطل لأن يترك القرية ويقرر الهجرة مثله مثل بقية الشباب وذلك عبر العطار الذي هو الصلة الوحيدة بين العالم وهذه القرية الموغلة في العزلة. يسافر البطل ويترك خلفه قصة حب لم تكتمل بعد. لكنه يعود بعد فترة وجيزة ميتاً. الفيلم محاولة لتصوير حال الكثير من الشباب الهاربين من زمهرير الشرق ليضيعوا في ظلمات البحر المتوسط, هذا البحر الذي احتضن الكثير من احلام الشباب بخاصة الكردي الهارب ابداً من الموت الى موت آخر. ومع انني اطمح الى تحقيق فيلم طويل قادر على سبر اغوار الهجرة بكل تفاصيلها وبكل قساوتها الا انني وقفت عاجزاً.

جريدة الحياة في  13 فبراير 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

بسام الذوادي ـ لقاء

      مهرجان البندقية.. يكرم عمر الشريف

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

آسيا جبّار عبّرت عن الهواجس الدفينة للمرأة

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

حينما تطاول السينما قضايا المجتمع وتظل محرمة

فاروق حجي مصطفى