شعار الموقع (Our Logo)

 

 

انقسم الناس على فيلم عبداللطيف عبدالحميد الجديد "ما يطلبه المستمعون", فالبعض رأى انه "تجارة ما بعد الإفلاس", كما ورد في صحيفة سورية, ورأى آخرون انه "باستورال ريفي" متعدد الخيوط في زحفه على مواجعنا وأحاسيسنا, وإن القضايا الوطنية لا تزال تحتل المقام الأول في هذا الزحف, وبخاصة اذا ما كانت اسرائيل هي المسببة لهذه المواجع والأحاسيس.

هنا يضيء المخرج عبدالحميد في حواره مع "الحياة" نقاطاً ضاعت بين الرأيين, فكان لا بد من تجديد, أو تصويب لتلك النقاط, كما يطلب القرّاء أيضاً, فالبعض منهم دمعت عيناه في المشاهد النهائية, فيما كان يصدح صوت السيدة فيروز في الأغنية المهداة من عزيزة الى جمال بإسمين مستعارين.

  • تتحدث كثيراً عن الحب في أفلامك؟

- هذه هي القصة الأزلية التي أباركها في أفلامي, طالما يوجد رجل وامرأة, فسأظل أتحدث عنهما. والحب عندي هو سلم أصعد عليه حتى أطل منه على العالم, وهو موضوعه الناس كلهم باستثناء المرضى منهم.

  • ماذا لو تحطم الراديو الذي يجتمع حوله ممثلو الفيلم كلهم؟!

- سؤال جميل... أولاً: سيبحثون عن مكان آخر يوجد فيه راديو, وإذا ما تعثر وجود هذا الراديو, فإما انهم سينقلبون على بعضهم بعضاً ويعيدون انتاج مشكلاتهم اليومية, وإما انهم سيعودون الى أعمالهم.

نقيض الراديو

  • الأبكم سليم هو النقيض المفترض للراديو... أما كان يجب أن يقوم هو بهذا الفعل حتى تكتمل دورته - درامياً -؟!

- في شكل عام البكم يكرهون الأماكن المزدحمة. وبالنسبة الى سليم (لعب دوره فايز قزق) هذا الازدحام الذي كان يحدث اسبوعياً في بيت أبو جمال كان يخطف منه الأضواء. وهو يعرف تماماً ان الراديو هو سبب اجتماع كل هؤلاء الناس.

  • لكن هذا الأبكم ألم يكن قادراً فعلاً على تحطيمه؟

- البكم في شكل عام يحسون بالخجل الشديد, هو كان يعبر عن رفضه الاجتماعات الاسبوعية والراديو بالالقاء المتكرر للدينامية.

  • الخيط الذي يربط بين شجرة جمال وشعر عزيزة, والذي يبدو لي انه ناظم لهذا الحب, ألم تشوشه الخيوط الأخرى التي تداخلت معه في ريف تميزه كل هذه البساطة؟!

- العلاقات في الريف متداخلة بشبكية بسيطة, فهم يجيئون الى البيت بصفتهم مجموعة بالدرجة الأولى. فصالح مثلاً زواجه من وظيفة مرهون ببث الأغنية من الراديو, لذلك لا يمكن ان نفصل هذه الخيوط عن بعضها.

تبسيط العلاقات

  • أتحدث عن تبسيط العلاقات والتي لا تبدو لي مأزومة بدل هذه الشبكية البسيطة؟!

- أنت تعمل حدثاً متوازياً. العلاقة بحد ذاتها ليست معقدة, حتى شبكة الخيوط التي تتحدث عنها ليست معقدة, فهي تنسج قصصاً متوازية تجري في مساحة جغرافية معينة, وفيما لو قلنا اننا نعمل قصة حب خاصة بين جمال وعزيزة, فهذه لها مقومات درامية أخرى.

  • وهذا الخيط الذي يربط بينهما؟

- أعتقد ان قصة حب بين جمال وعزيزة فقط على مدى ساعة ونصف لها مقوماتها, ولها بداية ونهاية وهي حتماً ستجري ضمن نطاق آخر. أنا أتحدث في فيلمي عن شبكة علاقات, وهذا الخيط هو وسيلة اتصال بديلة للخوف والرعب الذي يعكر صفو الحبيبين. الخيط بريد وإشارات, فهما لا يملكان "موبايلات", إذ يظل هذا الخيط هو الوسيلة الوحيدة للاتصال بينهما.

  • أفلامك تدور في الريف... لو انتقلنا الى مرحلة بصرية أغنى, مثل انتقال التلفزيون الى الريف, ومحاكاة هذا الحب بصرياً. صوت المذيعة يظل يدور في فضاء مسموع فقط في "ما يطلبه المستمعون"؟!

- عندي ما أقوله بخصوص دخول التلفزيون الى الريف, ولكن بخصوص ما كتبته في هذا الفيلم, فهو يعكس علاقات من نوع آخر, وردود فعل أخرى. بالنسبة إلي كعبداللطيف عبدالحميد, الراديو يعتمد مبدأ بشار بن برد: "يا ناس أذني لبعض الحي عاشقة / والأذن تعشق قبل العين أحياناً".

  • ولكن يمكن أن يكون "القلب مصحف البصر" أيضاً؟!

- أنا لست ضد هذا الكلام أبداً, ولكن التلفزيون يحد من خيال البشر ويقضي, أو يفتك بالمخيلة, فهو يقدم مادة جاهزة, كما يتخيلها ويسطّحها في مخيلته صاحب هذه السلعة, بينما الراديو ينمي المخيلة, فأنت تبحث عن صورة لكل ما تسمعه في مخيلتك. تسمع أصوات مطربين لم ترهم, أو حتى مذيعة قد تغرق في هواها, فصوتها يقطّر أنوثة, وتعشقها, وينسج خيالك لها مليون صورة. التلفزيون ينفي هذه المخيلة ويقدم لك المذيعة كما هي. عندما كنت طفلاً كنت أحاول أن أتخيل شكل المذيعة, هل هي سمراء؟ أم شقراء؟! وكان خيالي هو من يلعب ويصور. حتى عندما كنت أسمع "مارشاً" عسكرياً كنت أتخيل ان مجموعة كبيرة من الناس تقف وراء هذا المارش, وليس هو ببساطة إلا شريطاً مسجلاً يبث عبر الراديو.

  • ولكنك تكتب للتلفزيون أحياناً؟

- التلفزيون موجود سواء كتبت له أم لم أكتب, وأنا أكتب له لأحرض عنده أشياء أخرى.

  • وهل تنجح في هذا التحريض؟

- صُوِّر لي عمل واحد في التلفزيون ("اسبوعان وخمسة شهور" أخرجه مأمون البني) وقد أحبه الناس كثيراً.

مخلوقات نهارية

  • قيل ان مخلوقات "ما يطلبه المستمعون" نهارية, مع ان الحب لا يتفتح بين عزيزة وجمال إلا في الليل؟!

- لا تشبهني هذه الجملة اطلاقاً, وأنا شخصياً لم أقرأ هذا الكلام, مخلوقات فيلمي عندها مشكلات نهارية ومشكلات ليلية.

  • ما الذي يريده سليم من هذه المراوح الورقية الصغيرة التي تظل تدور في فضاء بدا لي مغلقاً؟!

- هذه هي ديمومة الأبكم سليم وأثره المتبقي على السطح, وهي مراوح تنكية تصدر أصواتاً مهمتها الأساسية طرد الطيور والوحوش.

  • ولكنها بقيت في إطار تزييني؟!

- لا ليس كذلك, فهي صدى روح هذا الأبكم, وهو لم يبق من روحه سوى هذه المراوح الثلاث التي تظل تدور, وهذا الدوران له علاقة باسرائيل التي تظل تراوح في أمكنتنا, وتخطف فرحنا.

  • ألا يبدو أن تسلل جمال من مهجعه باتجاه الصوت المنبعث من الراديو, الذي يبث اغنية أم كلثوم في هذه اللحظة غير مقنع, لجهة علاقة ضابطين (وهما في حال استنفار مفترضة) يلعبان الشطرنج في هذه اللحظات العصيبة, وسماحهما له بسماع الأغنية وهو في حال استعداد لأنه يخبرهما بحبه لعزيزة؟!

- دعني أجيبك. لو كنت تؤدي خدمتك في الجيش, ولديك مناوبة ليلية تقضيها بلعبة الشطرنج, وبجانبك مذياع يبث أغنية, ويجيئك جندي عاشق كما في الفيلم, أنت هل كنت ستطرده؟

  • لا لن أطرده..!!

- جيد ويوجد مثلك الكثيرين الذين يخدمون في الجيش, ولديهم هذا الضمير. في الجيش ليس هناك المتطوعون فقط, هناك أيضاً المحامي والطبيب والمثقف. ولو كان هناك واحد في المئة يقبل بحال هذا الجندي الولهان فأنا سأبرزه.

حساسية الناس

  • ولكن مهمة الفن هي الكشف, فالعالم من حوالينا يظل دائماً بحاجة الى الكشف؟!

- أنا كشفت في فيلمي عن وجود أناس لديهم هذه الحساسية وعندهم هذه المواقف الانسانية من حال هذا الجندي المتيم بحب عزيزة, ولو قدمته بالصيغة المعروفة لكل الناس, كنت سأكتفي بـ(انقلع ولا...)!!

  • يقطع الارسال الاذاعي ليعلن المذيع عن قصف جوي اسرائيلي لدمشق... لكن في مرة أخرى يتكرر القصف ولا نرى هذا القطع بل تستمر الأغنية؟!

- أنت في الدراما لا تستطيع أن تقدم نسخاً حرفياً للوقائع, وبخصوص القطع أو عدمه, فهناك تقنية ارسال البرقيات للاذاعة, وهي تمر بمرحلة معقدة تبدأ من نقل الخبر وتفاصيله والتأكد منه في أرض المعركة وحتى يصل الى الاذاعة مروراً بوزارة الدفاع, قد تأخذ ترتيبات بثه أوقاتاً مفاجئة لنا.

  • كنت أتوقع أن أرى ناجي (لعب دوره محسن غازي) متبجحاً الى ما لا نهاية... يبدو ان انكساراً حدث في تطور شخصيته...؟!

- بدأ عارياً وهو يغني تلك الأغنية الثورية وكان يصعد من البئر وانتهى عارياً أمام (وظيفة) وهو يحاول الاعتداء عليها.

  • ما هو سر عملك على كمٍّ من الأفلام يعتبر الأكبر نسبياً بين زملائك في المؤسسة العامة للسينما؟!

- ليس هناك سر أو أي شيء من هذا القبيل. المؤسسة تطلب مني المشاريع دائماً لأنني دقيق في مواعيدي, وليس لي ذنب في أن زملائي يتقدمون بمشاريعهم كل خمس أو ست سنوات, وبالنسبة الى الكمّ الأكبر الذي تتحدث عنه, إليك كشف به ولك أن تقارن: "ليالي ابن آوى" 1988 - "رسائل شفهية" 1991 - "صعود المطر" 1994 - "نسيم الروح" 1998 - "قمران وزيتونة" انتاج قطاع خاص 2001 - "ما يطلبه المستمعون" 2003.

  • ولكن عمل كل مخرج على حدة لا يبدو انه يشكل اضافة الى تجارب الآخرين للخروج من مأزق السينما السورية؟!

- أنا عندي المقدرة على صنع الأفلام بالمواعيد المحددة, وللخروج من المأزق على كل واحد فينا أن يعمل فيلمه وأن يلون سجادته بيده. والمؤسسة مطالبة بالدعم وتوفير الموازنة. والمسألة لا تلقى على عاتق جهة معينة, فالكل يتحمل المسؤولية.

حضور عميق

  • ألا يبدو ان المؤسسة العامة للسينما عاجزة عن تقديم الحل؟!

- في خطة المؤسسة لهذا العام اقتراحات للخروج من هذا العجز, آمل أن تتحقق هذه الاقتراحات على الصعد كافة التي تهم السينمايين السوريين.

  • تتردد دائماً جمل مثل استعادة الطقس السينمائي... أين الجمهور من كل هذا؟

- هذا الحضور الكثيف في مهرجان دمشق يشكل اشارة في غاية العمق. فإذا ما كان هناك فيلم نظيف, فإنه يمكن استعادة الجمهور بكل زخمه. عندما يقول لك صاحب صالة سينما انه منذ ثلاثين سنة لم يشتم رائحة عطر امرأة في صالته, والآن هو يشتمها, فصدّقه. الجمهور يريد الشيء الانساني. شروط عرض ممتازة, صوت, صورة, مقعد مريح وفيلم نظيف.

  • ولكن خروج معظم الناس (في افتتاح المهرجان) بعد انتهاء فقرات العرض الراقص مع ان الفيلم الذي سيعرض بعد الاستراحة هو الفيلم الروسي "العودة" وهو فائز بأسد البندقية الذهبي, وهو العرض العربي الأول... هل يعطي هذا اشارة من نوع ما؟!

- دائماً تتكرر المشكلة نفسها في كل افتتاح, فالمكان بعيد والناس يذهبون اليه بالباصات. وهذه المشكلة لا تحدث إلا في قصر المؤتمرات وعندما كانت الافتتاحيات تحدث في قلب المدينة, لم تكن تحدث مثل هذه المشكلات... هذا من جهة, ومن جهة أخرى فإن الجمهور يعرف ان الفيلم الروسي سيعرض في وقت لاحق في صالات المدينة. كما انه لا يخلو الأمر من أناس يجيئون لحضور عروض الافتتاح. على أي حال يظل هناك أمل باستعادة الطقس السينمائي عندما تتوافر وسائل العروض الحديثة, وعندما يتوافر لنا إمكان انتاج الأفلام وصناعتها, فالإنسان ميّال بطبعه الى التواصل مع الآخرين, حتى لو توافرت أمامه كل أجهزة الاتصال الأخرى مثل الصحون اللاقطة والموبايلات".

  • ما هي مشاريعك المقبلة؟

- قصة حب خطرة..!!

جريدة الحياة في  13 فبراير 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

بسام الذوادي ـ لقاء

      مهرجان البندقية.. يكرم عمر الشريف

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

آسيا جبّار عبّرت عن الهواجس الدفينة للمرأة

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

عبد اللطيف عبد الحميد:

الحب في أفلامي شرفة أطل منها على العالم

فجر يعقوب