شعار الموقع (Our Logo)

 

 

على رغم أن "من نظرة عين" هو الفيلم الروائي الأول لمخرجه إيهاب لمعي, وهو كاتب سيناريو الفيلم ومصمم ديكوره أيضاً, يعرف السينمائيون والنقاد لمعي جيداً منذ فيلمه القصير "كما في المرآة" الذي كان مشروعاً لتخرجه في معهد السينما عام 1995.

تميز "كما في المرآة" بالتمرد, على مستوى مضمونه وكذلك على مستوى شكله, عاكساً ما يحمله مخرجه من فكر وروح متمردين. وعلى رغم قلة أعمال لمعي, فإن اسمه ظهر في العام الماضي مشاركاً مع ليانة بدر في كتابة سيناريو الفيلم الفلسطيني "القدس في يوم آخر" لهاني أبو أسعد. ربما جعلتنا هذه العوامل ننتظر من لمعي أن يقدم عملاً "ضد التيار" ولا ينضم الى كوكبة المخرجين الشبان الذين ارتضوا الوقوف في الصف أملاً في الحصول على فرصة عمل, ما أدى إلى تحول مهنة الإخراج السينمائي - في أكثر حالاتها - إلى نوع من (الاسترزاق).

لم يخذلنا لمعي في "من نظرة..." على مستوى الرغبة في صناعة فيلم مغاير. فقد جاء فيلمه فعلاً مختلفاً عما تقدمه السينما المصرية اليوم في الكثير من إنتاجها, مع أنه قدمه من داخل منظومة السينما التجارية ماراً بعناصرها وعابراً فوق آلياتها. لكنه خذلنا في قدرته على ترجمة تلك الرغبة إلى فيلم متماسك بدءاً من اختيار أسلوب لمعالجة فكرته ومروراً بتحويل هذه الفكرة إلى مشاهد مكتوبة على الورق, ثم اختيار الممثلين لأدوارهم. وانتهاءً باختيار معادلات بصرية للتعبير عن الفكرة, وانعكاس كل هذا على مستوى الفيلم الذي بدأه فيلماً متمرداً مختلفاً وأكمله فيلماً شبابياً عادياً بل يفتقر الى الجاذبية في بعض أجزائه.

مصور أفراح

الفكرة عن مصور أفراح شاب, هو أكرم (عمرو واكد) الذي يبحث عن فتاة مستقبله, ويحاول أن يكوّن وجهها على الكومبيوتر من مجموعة صور مختلفة يجمعها من المجلات. وهو يذهب في اليوم التالي لتصوير استعدادات عروس الى حفلة زفافها, فيفاجأ بأن العروس سارة (منى زكي) هي صاحبة الصورة التي كوّنها, فيباغتها بعبارة "باحبك وحاتجوزك", تصفعه ويصفعها, ثم تخرج مذهولة وحينما تُسأل عما حدث تنفي حدوث أي شيء وتستمر العروس في استعدادها للعرس, وكذلك أسرتها: الأم (سوسن بدر) الأب (أحمد راتب), الجدة (هدى سلطان) والأخ حسام (شريف رمزي). ويستمر أكرم في مغامراته من أجل إفساد العرس والفوز بسارة معتمداً على مساعدة معاونته (بسمة) وعمته (ماجدة الخطيب) وجارة سارة (مها أبو عوف). وفي النهاية بعد عشرات المواقف ينجح أكرم في الفوز بقلب فتاته. وهنا ينتهي الفيلم, ويخرج المشاهد من دون أن يصدق ما حدث. والسبب في نظرنا يكمن بخاصة في اعتماد لمعي على الواقعية في معالجة فكرته المجنونة مع أنه حينما يجد مأزقاً درامياً عسيراً على الحل يلجأ إلى الفانتازيا, ثم يعاود ملامسة الواقعية وهكذا... ربما لو لجأ لمعي الى الفانتازيا كلية لاستطاع الهرب من عشرات المطبات, وكان أكثر قدرة على اقناعنا بما نشاهد. صحيح أنه سار في نصف الطريق نحو الفانتازيا لكنه لم يكمله.

تقنية مختلفة

هناك بالطبع تقنية مختلفة قربت الفيلم من منطقة الفانتازيا. فاللقطات القصيرة والمونتاج الوثاب والاعتماد على اللقطات المكبرة خلقت جواً غرائبياً وبخاصة في ما يتعلق بتفاصيل حياة شخصية البطل. لكن بعض هذه التفاصيل لعب دور الضد. فلو عدنا الى البداية نجد أن تكوين البطل صورة فتاة أحلامه هنا هي صورة مقلوبة لفكرة مشابهة في الفيلم الأميركي "ترومان شو" للمخرج بيتر واير, إذ يكوّن البطل ترومان صورة من المجلات لفتاته التي التقاها ثم حُرم منها. لكنها ليست فتاة متخيلة كما الوضع في "من نظرة...". فحينما يكوّن أكرم صورة لسارة, نراها على الكومبيوتر مجرد صورة لسارة وليست مركبة من أجزاء أخرى.

هذا يعني أن هناك الكثير من التفاصيل التقنية والدرامية مرت مرور الكرام أو لُفقت من أجل أن يصل المخرج المؤلف إلى هدفه, منها المشاجرة بين حسام شقيق سارة والعريس, وهي مشاجرة ملفقة من أجل زرع الشقاق بين أهل العروسين. أو تبرير شخصية الجارة على هذا النحو الغرائبي لمجرد أنها تحب قراءة الروايات البوليسية, وتحضر العمة لأنها وحيدة وتصنع صورة لها أصغر عمراً حينما تدردش على الإنترنت. حتى شخصية جميل راتب تبدو مفتعلة حينما وظفها لمعي في النهاية لتلقي خطبة عن الحب الذي لم ينله بعد أن قابل فتاة مرة واحدة, أحبها من النظرة الأولى ولم يتزوجها فظل كل عام يحتفل بهذه المناسبة مع كرسي خالٍ عليه فستان زفاف (...) المفترض أن تكون كلمات راتب هذه تكون بمثابة الخطوة الأخيرة نحو تحول سارة واقتناعها بترك عريسها والزواج بأكرم, ولكن نظراً الى افتعال الموقف بأكمله لم نصدق راتب, ولم نصدق قرار سارة في النهاية.

ثانويون وأساسيون

انعكس المزج بين الواقعية والفانتازيا على اختيار الممثلين, فبينما جاء اختيار الممثلين الثانويين أكثر ملاءمة وترسيخاً لفكرة الفانتازيا مثل أسرة المصور الفوتوغرافي (الأم والابن) ومساعده الذي فجر الضحكات في مشهد توصيله الصور التي جمعت بين أكرم وسارة بدلاً من أن تجمع بين سارة وعريسها إلى الفندق. وهناك أيضاً ابن خالة سارة الذي لا يردد سوى عبارة واحدة. أما الأدوار الثانية فكانت تحتاج إلى مزيد من المجهود في الكتابة وفي اختيار من يؤدونها أيضاً, ربما كان الحل هو اللجوء إلى ممثلين غير معروفين بعيداً من الأسماء المعروفة. فلم تكن ماجدة الخطيب ومها أبو عوف مقنعتين في دوريهما. أما بسمة فاكتفى المخرج لها بدور التابع, وظلت تردد طوال الأحداث "حاضر يا معلم". أما المشكلة الكبرى فتكمن في الدورين الرئيسين من حيث الكتابة والاختيار أيضاً. فاختيار عمرو واكد قد يكون ملائماً من حيث الشكل للمسار الواقعي للشخصية المقدمة, لكن هذه الشخصية التي تعيش في هذا المنزل المملوء بالكاميرات المعلقة والشاشات والذي يردد "أنا مش مصور أفراح, أنا باعمل فيلم قصير عن المناسبة" مصيره المنطقي الدخول في مصحة للأمراض العقلية وليس قفص الزوجية (...) والشخصية بمسارها الفانتازي المحتمل لم تكن ملائمة لعمرو واكد قط. أما منى زكي فقد أدت دور سارة من منطق الفتاة الرومانسية المحرومة من الحب, لكنها لم تكن مقنعة في سارة التي تعتنق فكرة مجنونة وتغير شريك حياتها في غضون ساعات. كما أنها تكاد تكون محتفظة برد فعل واحد على وجهها طوال الفيلم وهو الشعور بالذهول الممزوج بالدهشة.

من العناصر الجيدة في "من نظرة عين" شريط الصوت, وكذلك إعادة توزيع أغنية محمد فوزي "من نظرة عين", وقد تميزت مطربة الأوبرا عبير منصور في أداء الأغنية.

مونتاج داليا الناصر تماشى مع أسلوب لمعي التقني وواكبه في صنع إيقاع متدفق. أما إضاءة وليد نبيل فكانت أقرب الى حياد السيناريو الذي تذبذب بين الواقعية والفانتازيا ولم ينتصر لإحداهما.

لقد حاول إيهاب لمعي أن يجرب على مستوى الشكل, وهي محاولة بالطبع جديرة بالاحترام, لأنه لم يستسهل كما فعل غيره, لكننا لشدة ثقتنا في موهبته وفكره المتمرد كنا نتمنى أن يقطع الطريق الى نهايته وليس الى نصفه. فالأمل في إنقاذ السينما المصرية معقود على أبناء هذا الجيل من السينمائيين الحقيقيين.

جريدة الحياة في  13 فبراير 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

بسام الذوادي ـ لقاء

      مهرجان البندقية.. يكرم عمر الشريف

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

آسيا جبّار عبّرت عن الهواجس الدفينة للمرأة

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

فيلم "من نظرة عين":

نصف الطريق لصنع فيلم متمرد

أحمد رشوان