أثار فيلم "رشيدة" الجزائري جميع المشاهدين عند عرضه في أكثر من مهرجان سينمائي دولي حيث تجمعت فى هذا الفيلم عدة نقاط هامة جدا فبداية هو فيلم يتحدث عن الإرهاب في الجزائر، الموضوع المقلق والمثير. ثم أن المخرجة يمينة بشير تخوض تجربة الإخراج لأول مرة بعد أن تمرست معظم حياتها فى المونتاج، وأخيرا التمويل الفرنسى الذى بدونه ما كان ممكن أن يخرج الفيلم إلى النور.. وأمام كل هذه العوامل خرج علينا فيلم "رشيدة" والذى يحكى قصة مدرسة شابة تمثل دورها "ابتسام جوادى" ترفض الرضوخ لمطالب جماعة إرهابية أرادت تجنيدها في صفوفها بوضع قنبلة فى المدرسة التى تعمل بها، وهو ما كاد يكلفها حياتها حيث نجت بإعجوبة من محاولة اغتيالها بيد هذه الجماعة الإرهابية، وبعد نجاتها وخروجها من المستشفى تقرر مغادرة الجزائر العاصمة للاستقرار بمدينة صغيرة بعيدة ولكن هذه المدينة الصغيرة يصل إليها يد الإرهابيين وتتكرر الحوادث الإرهابية التى يذهب ضحيتها أطفالاً ونساءاً وشيوخا إضافة إلى حوادث الاغتصاب التى تتكرر يوميا، ثم ينتهى الفيلم بمجزرة إرهابية يذهب ضحيتها معظم أطفال المدرسة التى تدرس بها، ولكنها تصمم على الذهاب صباحاً إلى الفصل وسط الدمار الحادث فى المدرسة بعد الانفجارات لتدرس للبقية الباقية من التلاميذ. وقد كانت نهاية موفقة من المخرجة التى صورت مشاهد الفيلم ببراعة وجعلت المشاهد مندمجا فى كل لحظة من لحظات الفيلم ومنفعلاً كأنه وسط الأحداث وهو ما استحقت عليه عدة جوائز من مهرجانات دولية منها جائزة لجنة التحكيم الخاصة فى مهرجان قرطاج وجائزة أخرى في مهرجان العالم العربى بباريس وجائزة العمل الأول من مهرجان إسكندرية السينمائى، وتحكى يمينة بشير عن تجربتها فى هذا الفيلم فتقول: كتبت السيناريو فى عام 1996 ولكن النواحى المالية أعاقتنى لتنفيذ الفيلم حتى جاءت الفرصة خلال عام 2001 عندما اضطررت للتمويل الفرنسى لأنه لا يوجد أى تمويل للسينما فى الجزائر وكل الأبواب مغلقة. وكان لابد للجزائريين أن يعبروا عن أنفسهم إزاء العنف الحادث على أراضيهم وهذا التعبير ما عرضته فى فيلم "رشيدة" فليس المطلوب منا أن نقعد وننتظر إلى أن يحكى عنا أحد وفى النهاية سيحكى من منظوره الخاص، والإرهاب يجعل الإنسان يعيش جبانا ويظل تحت ضغط دون أن يتحكم فى مشاعره أو يعبر عنها وهو ما صورته فى الفيلم. وتضيف يمينة لقد حاولت فى الفيلم أن أقدم تحية للشعب الجزائرى البسيط المسجون بين نوعين من العنف الأول مقنن وهو عنف الدولة والثانى الأكثر خطورة وهو عنف الإرهابيين والشعب فى النهاية يقاوم لآخر نفس لديه، وهناك أبطال مجهولى الأسم لم يعرفهم أحد ولكنهم ضحوا بحياتهم من أجل مبادئهم وشرفهم والحفاظ على هويتهم، ومع الأسف فكل العالم ينظر لما يحدث فى الجزائر من خلال إحصائيات رقمية عن عدد القتلى وعدد الحوادث وعدد الإرهابيين إلى غيرها من الأرقام المتنوعة ولكن لا أحد ينظر إلى المأساة التى يعيشها الشعب الجزائرى نفسه وهو ما حاولت أن أقدمه فى "رشيدة"، وقد قررت ألا أتعامل فى الفيلم مع ممثلين محترفين لعدة أسباب الأول هو إعطاء فرصة للشباب لإثبات جدارتهم والثانى إحساس هؤلاء الشباب بما يحدث فى الجزائر ومعايشتهم لمعظم الحوادث الإرهابية الجارية وبالتالى كانوا أكثر إحساساً بالأحداث التى يحكى عنها الفيلم، وعندما قابلت البطلة عرفت بالصدفة أنها تدرس الدراما واخترت البطلة مدرسة لأن الأطفال هم مستقبل البلاد ولابد للكبار أن يكونوا قدوة للصغار فكانت رشيدة هى التى تقوم بهذا الدور، كما أننى من هذا المنطلق اخترت النهاية والتى توضح المعنى من إصرار رشيدة على الذهاب للمدرسة لتقوم بدورها كمعلمة وسط الأنقاض ومع المتبقى من التلاميذ، ولم أكن أتوقع أن يحوز الفيلم كل هذا الإعجاب والإقبال حتى انه لأول مرة تهتم عائلات بالكامل لحضور الفيلم بدور السينما فى الجزائر وليس مجرد شباب فقط كعادة ما يحدث دائما فى دور السينما، وهذا النجاح يجعلنى أتردد كثيرا قبل الإقدام على إخراج فيلم جديد فلا يجب أن يقل فى مستواه عن "رشيدة"، وما أنوى الإعداد له حاليا هو فيلم تسجيلى وسيكون عن "نساء عاديات" وهو يدخل ضمن إطار اهتمامي بقضايا المرأة. موقع "إيلاف" في 14 فبراير 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
الإرهاب في الجزائر من منظور سينمائي حسام عبد القادر |
|