ما كتبه حسن حداد
برنامج أسبوعي يعني بسحر السينما
من إعداد: حسن حداد, وتقديم: بروين حبيب وغازي عبدالمحسن
وإخراج: لطيفة بومطيع
برنامج إذاعي استمر عام ونصف العام في أربع وسبعين حلقة إذاعة البحرين (سبتمبر 1997 ـ فبراير 1998)
مشاهير ـ الحلقة 25 ـ إعداد : حسن حداد أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في أولى حلقات برنامجنا الأسبوعي ( مشاهير ) ، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في حلقتنا هذه سنواصل حديثنا عن الفنان سامية جمال .. ونواصل الحديث عن مشوار عطاء فني قارب النصف قرن من الزمن . وكنا في الحلقة الماضية قد توقفنا عند الثنائي الفني الذي كونته مع الفنان فريد الأطرش ، وكان فيلم (حبيب العمر) بداية لسلسلة من الأفلام جمعت بينهما كثنائى ناجح في الغناء والرقص ، وهي أفلام أحبك إنت ، عفريته هانم ، آخر كدبة ، تعال سلم ، ماتقولش لحد . وأصبحت سامية جمال ، في تلك الفترة ، ملكة من ملكات الفتنة والإغراء على الشاشة كنجمة من نجمات الرقص الشرقي . ــ فاصل موسيقي ــ الرصيد السينمائي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ إن رصيد سامية جمال السينمائي طيلة إشتغالها بالفن ( إثنان وثلاثون عاماً ) خمسون فيلماً فقط ، حيث أنها فنانة مقلة في الإنتاج ، إذا قورنت بزميلاتها اللواتي وصل رصيدهن السينمائي الى أكثر من مائتي فيلم . وبالرغم من أنها عندما ظهرت على الشاشة في الأربعينات ، كانت شعلة من الفتنة والجاذبية والإغراء ، إلا أننا نظلمها ونظلم المتفرج إذا إعتبرناها ممثلة تجيد التعبير عن مختلف الشخصيات التي تحتاج الى أقنعة ، تخفي بها الممثلة ملامحها الطبيعية لتظهر بملامح الشخصية المطلوبة للفيلم . ــ فاصل موسيقي ــ كانت سامية جمال ذات جسد يبعث على الفتنة والإغراء ، يجعل لها سحراً وجاذبية في الرقص لا في التمثيل . فكانت الشخصية الوحيدة التي تليق بها هي شخصية الراقصة الغانية التي تعبر فيها الممثلة عن نفسها ليس بتعبيرات الوجه وإنما بتعبيرات الجسد كله وحركاته الراقصة. علماً بأن عبقري الكوميديا نجيب الريحاني أراد أن يصنع منها ممثلة جيدة ، دون الإعتماد على الرقص في فيلم ( أحمر شفايف ) ، غير أنها لم تستطع إثبات وجودها أمام هذا العملاق . ــ فاصل موسيقي ــ ولقد كونت سامية جمال ثنائياً ناجحاً في الأفلام الإستعراضية مع كثير من نجوم الغناء ، أمثال : محمد عبدالمطلب ، فريد الأطرش ، محمد أمين ، عبدالعزيز محمود ، محمد فوزي ، محمد مرعي ، عبدالفتاح راشد ، ماهر العطار . كما مثلت أمام المشاهير من فتيان الشاشة الأوائل ، أمثال : أنور وجدي ، حسين صدقي ، محسن سرحان ، كمال الشناوي ، رشدي أباضة ، فريد شوقي ، عمر الشريف ، شكري سرحان ، أحمد مظهر . ــ فاصل موسيقي ــ العالمية .. ولكن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ ثم أن سامية جمال كان من الممكن أن تغزو الشاشة العالمية ، ويلمع نجمها في السينما الأمريكية والفرنسية ، بعد أن إشتركت برقصة لمدة ثلاث دقائق في الفيلم الأمريكي ( وادي الملوك ) تمثيل روبرت تايلور واليانور باركر ، والذي صورت مناظره الخارجية في مصر . كما مثلت دور البطولة في الفيلم الفرنسي ( علي بابا والأربعين حرامي ) وقامت بدور »مرجانة« أمام النجم الكوميدي الفرنسي فرناندل ، والذي صورت منظره بين المغرب وباريس . ثم أنها رقصت بعد ذلك في فرنسا ، بين »كان« و »دوفيل« و »مونت كارلو« ، وطرقت أبواب هوليوود عندما رقصت لمدة ستة عشر شهراً في خمس عشرة ولاية أمريكية . ــ فاصل موسيقي ــ فنانة مجتهدة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ لقد كانت سامية جمال فنانة مجتهدة ، طموحة الى التجديد ، بعد أن بدأت حياتها الفنية بدراسة الرقص الغربي ومن ثم الباليه . فعندما زارت فرقة باليه الماركيز دي كويفاس الفرنسية مصر لإحياء موسم على مسرح دار الأوبرا ، كانت تحاول الإتجاه الى رقص الباليه ، فتعرفت بالماريز وعرض عليها الإنضمام الى فرقته ، لكنها إعتذرت لإرتباطها بعقود أفلام . ومن أشهر رقصات سامية جمال السينمائية ، والتي تحمل طابع التجديد ، تلك الرقصات التعبيرية التي أدتها على موسيقى عبدالوهاب في فيلم ( تاكسي حنطور ) ، وخصوصاً رقصة »الحلم« . كما رقصت على موسيقى فريد الأطرش مجموعة من الرقصات التعبيرية ، مثل رقصات : الأسيرة ، زمردة ، كهرمانة ، الجواري ، توتة ، سوق العبيد ، النيل ، الطبول ، قمر الزمان ، بساط الريح ، وإستعراض »الموسيقى العربية والغربية« . ــ فاصل موسيقي ــ كان فريد قد رآها في رقصة »النار« على موسيقى »دي فايا« ، فإقتبس موسيقاه في رقصة أخرى بنفس الإسم في فيلم ( أمير الإنتقام ) . ورقصت على موسيقى أغانيه ، مثل : حبيب العمر ، يازهرة في خيالي ، قوليلي إيه أقولك . كما رقصت حافية القدمين على رمال صحراء الهرم ، في فيلم ( الرقص على الرمال ) . ــ فاصل موسيقي ــ الحب المأساوي في حياتها ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ وإذا تحدثنا عن حياة سامية جمال العاطفية والإجتماعية ، فإننا سنجد قلبها مليئاً بقصص الحب والغرام ، والتي تفيض بالسعادة والهناء ، إلا أنها تنتهي نهايات مأساوية ، كبقية قصص الغرام الكلاسيكي . فقد أحبت سامية جمال إثنين من عمالقة النغم الشرقي ، وعضواً سابقاً في البرلمان ، وتزوجت أمريكياً ونجماً سينمائياً ، وقرنت الشائعات إسمها بإسم الملك فاروق . ــ فاصل موسيقي ــ لقد كان فريد الأطرش هو حبها الأول ، والذي إقترن إسمه بإسمها منذ بداية حياتها الفنية ، وكان الجميع يعتقد بأن هذا الحب سينتهي بالزواج حتماً ، خصوصاً بعد نجاحهما فنياً كثنائي ناجح في مجموعة أفلامهما الإستعراضية . إلا أن فريد قد عاش معها بلا قلب ، وعرف كيف ينسحب من حياتها في الوقت المناسب ، بالرغم من أنه أحبها بجنون . هذا لأنه قد آلى على ألا يتزوج ، إعتقاداً منه بأن الفنان في حاجة دائماً الى الحب المتجدد ليكون مصدر وحيه وإلهامه ، وإن الزواج سيقضي على عاطفة الحب ، ويقضي بالتالي على مصدر الوحي والإلهام . وكانت قصة حبهما من أشهر قصص الحب في الأوساط الفنية ، وأصبحت قصة غرام خالدة بين موسيقار وراقصة ، إستمرت سنوات طويلة . ــ فاصل موسيقي ــ في التاسع والعشرون من نوفمبر عام 1951 ، تزوجت متعهد الحفلات الأمريكي »شبرد كينج« ، الذي كانت قد إلتقت به في باريس قبل شهر من هذا التاريخ . ولأنه كان مسيحياً ، فقد أشهر إسلامه وتسمى بـ »عبدالله كينج« . وسافر الإثنان الى هيوستون بولاية تكساس ، حيث يقيم الزوج ، لتمضية شهر العسل . وهناك في أمريكا أمضت ستة عشر شهراً ، حيث إستطاع زوجها أن يحصل لها على عقود عمل في مسارح خمس عشرة ولاية أمريكية ، وربحت من تلك الرحلة مايقارب العشرة آلاف جنيه ، إستولى عليها زوجها ، مما دفعها من طلب الطلاق والعودة الى مصر . ــ فاصل موسيقي ــ أما فارس الغرام الثاني ، فكان عضواً في البرلمان ومن الأثرياء وإسمه »أحمد عبدالفتاح« ، نزل ميدان الإنتاج السينمائي بفيلم واحد كتب قصته بعنوان ( غروب ) أخرجه أحمد كامل مرسي عام 1946 . وقد روى في هذا الفيلم قصة غرامه مع سامية جمال ، وكيف أنها تركته لتعود الى حبيبها الأول فريد الأطرش . ــ فاصل موسيقي ــ الحب الأول ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ وهكذا تنقلت بالحب بين موسيقار وبرلماني وزوج أمريكاني ، بالإضافة الى قصتها مع الملك فاروق الذي إستضافها ليلة واحدة في قصره ، لتصبح ملكة لليلة واحدة . وبالرغم من كل هذا ، إلا أنها بقيت على حبها الأول لفريد الأطرش . فقد أحبها فريد حباً جارفاً ، لكنه كان أنانياً في حبه ونرجسياً ، أحب فيها ذاته ليدعم بهذا الحب مجده الفني وشهرته كمعبود للنساء . بينما كان حبها له يقوم على التفاني والإخلاص ، وتريد أن يكتمل هذا الحب بالزواج لتحمل إسمه ، لكن أنانيته منعتها من تحقيق هذا الأمل . ــ فاصل موسيقي ــ كانت تعرف جيداً أنه يحبها كما تحبه ، لذلك شهرت في وجهه سلاح الغيرة . وأخذت تتنقل بالحب بين النائب والملك والزوج الأمريكاني ، وبعدها إقترن إسمها بالموسيقار الشاب »بليغ حمدي« الذي كان يصغرها بثماني سنوات ، والذي كان قد بدأ إسمه في اللمعان كملحن لأغاني عبدالحليم حافظ . وقد نشأت قصة الغرام بين الموسيقار الشاب والراقصة السمراء عن طريق الموسيقى والرقص ، حيث رقصت في إحدى السهرات على موسيقاه ، فكان ذلك هو السبيل الى الإعجاب بينهما . ــ فاصل موسيقي ــ لم يكن بليغ قد إشتهر بعد في دنيا المغامرات الغرامية ، ولذلك كانت مفاجأة للوسط الفني أن يقترن إسمه بإسم ملكة الرقص والإغراء . كادت سامية أن تتزوج بليغ لولا أنها تلقت مكالمة تليفونية من فنانه جديدة ، قالت لها بأنها خطيبة بليغ حمدي . وبدون أن تتحرى من الأمر عدلت عن فكرة الزواج . ــ فاصل موسيقي ــ الزواج من الدون جوان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ كانت قصة الحب الأخيرة ، والتي تكللت بالزواج ، مع الدون جوان المغامر »رشدي أباضة« ، وكانت سامية جمال هي الزوجة الثالثة في حياته ، بعد الراقصة تحية كاريوكا و المضيفة الجوية الأمريكية باربارا . وقد كان لعلاقتهما مع بعض تاريخ طويل ، منذ أول لقاء لهما في عام 1949 ، أثناء تصوير فيلم الصقر ، إلا أنهما لم يتزوجا إلا في عام 1960 . ــ فاصل موسيقي ــ ومضت بهما سفينة الحياة الزوجية بعد ذلك في بحر هاديء ساكن حيناً ، وثائر عاصف في كثير من الأحيان . وقد أقدمت الراقصة العالمية ونجمة السينما الساطعة على إعتزال الفن عام 1972 ، في سبيل الإستقرار في بيت الزوجية ، وعاشا بعد ذلك في شهور عسل مستمرة محسودين من الجميع ، كان خلالها الدون جوان مثالاً للزوج المخلص الأمين ، لم يعكر صفو سعادتهما الزوجية شيء سوى إدمان الزوج على الخمر والمخدرات الى درجة فقدان الوعي . وبالرغم من ذلك ، إلا أن الزوجة الوفية المخلصة تحملت ذلك الى آخر حياته ، عندما توفي عام 1982 . والآن عزيزي المستمع .. نتوقف هنا لنلتقي بك في حلقة جديدة ولقاء جديد مع نجم سينمائى آخر . ختام
مشاهير ـ الحلقة 26 ـ إعداد : حسن حداد أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في أولى حلقات برنامجنا الأسبوعي ( مشاهير ) ، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله . ــ فاصل موسيقي ــ في حلقتنا هذه .. عزيزنا المستمع ، سنبدأ حديثنا عن نجوم ومشاهير الأغنية السينمائية أو ما يطلق عليهم نجوم الفيلم الغنائي . ولكن قبل أن نفعل ذلك ، لابد لنا من هذا التقديم عن الغناء في السينما. ــ فاصل موسيقي ــ الأغنية في الفيلم المصري ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ يبدو أن السينما المصرية نطقت لكي تغني ، ولولا الغناء لظلت صامتة حتى الآن ؛ فأول فيلم مصري ناطق ، وهو فيلم إنشودة الفؤاد عام 1931 كان فيلماً غنائياً . وأكثر من ذلك ، فإن نصف مجموع الأفلام المصرية منذ ذلك الوقت هي أفلام غنائية ، ولا يخلو النصف الآخر من الأغاني ، بل إنه لايكاد يوجد فيلم مصري يخلو من أغنية أو رقصة ، حتى نهاية الخمسينات وبداية الستينات . والناس في كل الدنيا تحب الغناء ، ولكن يبدو بأن حب الغناء عند العرب له طابع خاص وأبعاد تاريخية ونفسية عميقة ؛ فأشهر كتب التراث العربي القديم ، وربما أكثرها رواجاً حتى اليوم ، هو كتاب الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني . وأشهر الفنانين عند العرب المعاصرين هم المغنيين والمغنيات . وقد كانت الأغنية العربية السائدة ـ ولا تزال ـ هي الأغنية الفردية ، والتي يعبر فيها المغني عن مشاعره ، وذلك على الرغم من وجود مسرح غنائي منذ أكثر من نصف قرن . ولأن السينما المصرية خلقت ضعيفة البنية وتعاني من هزال الفكر وشحوب الوجدان ، فقد جاءت محاولاتها لخلق سينما إستعراضية تشكو من ذات الأعراض التي يعاني منها الفيلم الروائي الذي قدمته في البداية . لقد فهم أصحاب الإتجاهات السينمائية التقليدية معنى الفيلم الإستعراضي ووظيفته بطريقة خاطئة تماماً ، حيث أن الفيلم الموسيقي المصري هو في الحقيقة فيلم غنائي ، وليس فيلماً موسيقياً أو إستعراضياً ؛ فهو فيلم درامي عادي (كوميديا أو تراجيديا) تتخلله عدة أغانٍ تعبر عن لحظات معينة ، وفي أغلب الأفلام تقطع الأغاني تدفق الأحداث ، وتوقف النمو الدرامي لها ، لتتواصل بعدها ؛ ولكن الجمهور العربي لاينزعج من ذلك أبداً ، لأنه يدخل الفيلم لكي يستمع الى المغني أو المغنية . ــ فاصل موسيقي ــ ورغم تخلف مفهوم الفيلم الإستعراضي في السينما المصرية ، إلا أن هذه الأفلام ، وبالذات في مرحلة الأربعينات والخمسينات ، قد لاقت رواجاً جماهيرياً كبيراً وحققت أرباحاً خيالية ؛ لذلك نرى إنه حتى في الأفلام الأخرى غير الغنائية ، ومن أجل إستمالة الجمهور ، يتحيَّن المخرج أية فرصة (حفل زفاف مثلاً أو عيد ميلاد ) لكي يقدم أغنية لمغن معروف أو غير معروف . وفي أغلب الأفلام ـ غنائية أو غير غنائية ـ تصاحب الأغنية راقصة ترقص بمفردها عادة ، وأحياناً مع مجموعة من الراقصات . وبالرغم من أن عشرات الأفلام الغنائية الأجنبية ، والتي غنى فيها فرانك سيناترا و فريد إستر و جين كيلي و كروسبي وغيرهم ، قد نجت في تقديم الأغنية السينمائية بشكل متطور ، إلا أن السينما المصرية لم تستطع إن تطور أغنيتها السينمائية ، فيما عدا النادر منها . ومن المعروف للغالبية من الجمهور بأن أشهر نجوم الغناء في مصر ، قد ساهموا في تقديم الفيلم الغنائي ، وهم : محمد عبدالوهاب ، أم كلثوم ، ليلى مراد ، فريد الأطرش ، إسمهان ، محمد فوزي ، نور الهدى في الثلاثينات والأربعينات و شادية ، صباح ، هدى سلطان ، عبدالحليم حافظ ، نجاة ، فايزة أحمد في الخمسينات والستينات . ــ فاصل موسيقي ــ ولا يفوتنا أن نشير الى أن نجوم الغناء لم ينجحوا دائماً في السينما ؛ فأفلام نجاة وفايزة أحمد مثلاً قليلة وفاشلة ، وأفلام شادية وصباح وهدى سلطان الناجحة ، لم تحقق ما حققته من نجاح بسبب الأغاني فقط ، وإنما لما تتمتع به كل منهن من قدرات تمثيلية في نفس الوقت . ورغم النجاح الكبير لأفلام محمد عبدالوهاب وأم كلثوم في الثلاثينات والأربعينات إلا أنهما توقفا عن العمل في السينما وهما في ذروة النجاح ، ربما لشعورهما بأن جمهور السينما قد تغير ولم يعد يقبل على الأفلام لكي يستمع للأغاني فقط ، إضافة الى أنهما فاشلان في التمثيل تماماً # . وأنجح الأفلام الغنائية لنجوم الغناء ، هي أفلام ليلى مراد ، محمد فوزي ، فريد الأطرش ، عبدالحليم حافظ . ولا يمكن أن ننسى الإشارة الى محاولات فريد الأطرش ومحمد فوزي ، في بعض أفلامهما ، لتطوير الفيلم الغنائي المصري ، وذلك بتقديمهما إستعراضات وأبريتات غنائية راقصة ، مما جعلهما يقتربان من الفيلم الموسيقي . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزي المستمع .. كانت هذه مقدمة فقط ، ومجرد بداية تمهيدية لما سيأتي ، حيث سيكون لنا وقفات فنية مع أهم وأبرز نجوم الفيلم الغنائي المصري . وفي حلقتنا هذه سنتحدث عن رائدين من أبرز نجوم الفيلم الغنائي ، وهما محمد عبد الوهاب وأم كلثوم . ــ فاصل موسيقي ــ محمد عبد الوهاب ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ عندما فكر الموسيقار محمد عبدالوهاب في السينما ، كان تفكيره ينصب على تسجيل حياته الفنية في ألبوم من الشرائط المتحركة ، يعرضها على أقاربه والصفوة من أصدقائه . ولكن ، بعد النجاح النسبي الذي حققه فيلم ( أنشودة الفؤاد ) ، تحولت فكرته الى إنتاج فيلم طويل له حدث درامي يربطه بأغانيه ويبتعد مضمونه عن شخصيته وحياته الخاصة . وقبل نهاية عام 1932 ، كان عبدالوهاب يرحل مع المخرج محمد كريم ـ رائد السينما المصرية الأول ومخرج أول فيلم ناطق ـ ومعهما جمهرة من الممثلين المصريين الى باريس ، ليبدأوا تصوير فيلم ( الوردة البيضاء ) ، وذلك بعد أن نوقشت قصة الفيلم التي إشترك في وضع أحداثها كريم وعبدالوهاب وسليمان نجيب وتوفيق المردنلي . ــ فاصل موسيقي ــ عندما عرض فيلم (الوردة البيضاء ـ 1933) في سينما رويال بالقاهرة ، أحدث ضجة لم تصادفها دور العرض السينمائي في مصر من قبل ، بل إن عرضه في الإسكندرية وحدها إستمر ستة وخمسين أسبوعاً متواصلاً . وقد حقق هذا الفيلم أرباحاً زادت على الربع مليون جنيه ، وإستمر عرضه عدة سنوات . ولاشك في أن هذا النجاح يرجع أولاً لكون عبدالوهاب مغني له شعبية واسعة ، وثانياً لكونه موسيقياً حاول أن يجدد من موسيقاه لتتلائم وطبيعة فن السينما . ففي أول أفلامه (الوردة البيضاء) ، إستطاع محمد عبدالوهاب أن يقدم الأغنية القصيرة ، والتي إقتصرت على ثلاثة أرباع مدتها ، دون أن تفقد أية قيمة من سحرها . كما أنه أدخل إيقاع موسيقى الرقص السريع ، وهو بالطبع شيء جديد بالنسبة للجمهور والمجتمع ، خاصة لجمهور هواة الغناء العربي . هذا إضافة الى أن الجمهور العربي قد إعتاد أن يجد في كل فيلم من أفلام عبدالوهاب التالية شيئاً مستحدثاً ، سواء كان في التأليف أو في إستعمال آلات الطرب ، حيث كان يقدم في كل فيلم آلة جديدة . كما أنه حاول أن يبعث الأوبريت من جديد ، وذلك بتقديمه لنماذج منه في أغلبية أفلامه ، وكان هذا اللون المهمل قد إستعاد إنطلاقته بفضل مهارة محمد عبدالوهاب الموسيقية . بعد فيلم ( الوردة البيضاء ) ، قدم محمد عبدالوهاب ستة أفلام غنائية أخرى دموع الحب ، يحيا الحب ، يوم سعيد ، ممنوع الحب ، رصاصة في القلب ، لست ملاكاً ، قام بإخراجها جميعاً المخرج محمد كريم ، ولاقت نجاحاً جماهيرياً كبيراً . ــ فاصل موسيقي ــ كان فيلم ( الوردة البيضاء ) بمثابة ميلاد حقيقي لتيار الفيلم الغنائي العربي ، بكل ملامحه وتقاليده ، والذي لايكاد يتغير منذ نصف قرن من الزمان . هذا إضافة الى أننا نلاحظ في جميع أفلام عبدالوهاب ، بأن شخصية النجم المغني هي شخصية واحدة ومحددة ولا تتغير ، إنعكست حتى على بقية الأفلام الأخرى التي تلتها . فقد كانت الأحداث التي تحيط دوماً بشخصية عبدالوهاب في أفلامه ، أحداثاً يبدوا فيها الناس بلا هموم أو مشاكل إجتماعية حقيقية ، لاتشغلهم إلا مشاكل الحب والتغزل والغناء . وكانت شخصية عبدالوهاب ، وسط هذه الأحداث ، شخصية نمطية تتمثل في الشاب الطيب الذي يضحي بكل ما يملك في سبيل إسعاد الآخرين ، وبالتالي كان من الطبيعي أن يصبح هو المغني الأول والعاشق الأوحد والنموذج المثالي لأغلبية شباب الثلاثينات . ــ فاصل موسيقي ــ أما من الناحية الموضوعية ، فقد عكس فيلم ( الوردة البيضاء ) ملامح قصص عبدالوهاب ذات الطابع الرومانسي ، والذي إبتعد كثيراً عن الواقع المعيشي . هذا إضافة الى أن أفكار أفلامه بشكل عام تهادن ـ بصورة ملحوظة ـ النظام الطبقي في مصر الثلاثينات ، حيث حاولت التأكيد بأن الشاب الفقير ليس له الحق في أن يحب فتاة غنية .. ويتضح ذلك بشكل أكثر في فيلمه الثالث ( يحيا الحب ) ، حيث مدى تمسك البطل بسلبيات المجتمع الطبقي . وربما يشعر المتفرج ، بأن أفلام عبدالوهاب لم تكن أفضل الأفلام الغنائية المصرية ، فهناك أفلام ليلى مراد ومحمد فوزي وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ ، وجميعها تفوقت فنياً على أفلام عبدالوهاب ؛ إلا أن التاريخ يشهد بأن تجربة عبدالوهاب مع المخرج محمد كريم في الفيلم الغنائي ، تعد تجربة فنية هامة ورائدة في مجالها ، إضافة الى أنها وضعت المبادىء والأسس الأولية للفيلم الغنائي العربي ، وإبتكرت أساليب وخلقت مقومات جديدة لم تكن موجودة من قبل ، مع مراعاة بأننا تناولنا هذه التجربة من زاوية تاريخية وليست رؤية نقدية . ــ فاصل موسيقي ــ أم كلثوم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ عند الحديث عن الفيلم الغنائي ، لابد لنا من الحديث عن أم كلثوم . فقد شهدت هذه الفنانة الفجر الأول لظهور السينما المصرية ، وعاصرت البدايات الأولى للفيلم الغنائي . وقد بدأت فكرة العمل بالسينما عند أم كلثوم في أوائل عام 1933 ، بعد النجاح الجماهيري الكبير لفيلم ( الوردة البيضاء ) لعبدالوهاب . منذ ذلك الوقت ، قررت أم كلثوم أن تقوم ببطولة فيلم من إنتاجها ، إلا أنها عدلت عن فكرة الإنتاج فيما بعد ، وبدأت في البحث عن قصة تصلح لأن تكون أول أعمالها السينمائية . فاتصلت بالشاعر أحمد رامي وطلبت منه كتابة القصة ، فكتب لها قصة »وداد« ، التي أعجبت بها وكلفته بالإتصال بالمخرج محمد كريم ، ولكن نتيجة لحدوث بعض المشاكل بينها وبين كريم ، عدلت أم كلثوم عن النزول الى ميدان السينما . عاد طلعت حرب ، مرة أخرى ، يعرض عليها الظهور في بطولة أول فيلم من إنتاج أستوديو مصر ، فوافقت بعد أن إشترطت أن تختار هي مخرج الفيلم وممثليه ، فوقع الإختيار من جديد على قصة »وداد« ، ورشح أحمد رامي المخرج أحمد بدرخان لأخراجها . وافقت أم كلثوم ، رغم إن بدرخان لم يسبق له الإشتغال بالإخراج ، وكان عائداً لتوه من بعثة سينمائية في فرنسا . وبعد أن قطع بدرخان شوطاً طويلاً في إعداد السيناريو ، فوجىء بقرار أحمد سالم ، مدير أستوديو مصر وقتذاك ، بسحب الفيلم منه ليقوم بإخراجه الألماني فريتزكرامب المستشار الفني للأستوديو ، والذي كان يحارب أي إتجاه يتيح الفرصة للمصريين بالعمل في السينما .. وقد تنبهت أم كلثوم لهذه السياسة فيما بعد ، فأصرت في أفلامها التالية على أن يقتصر العمل فيها على السينمائيين المصريين فقط . ــ فاصل موسيقي ــ ظهرت أم كلثوم في ستة أفلام فقط وهي وداد ، نشيد الأمل ، دنانير ، عايدة ، سلامة ، فاطمة .. ستة أفلام كتب لها القصة والحوار أحمد رامي ، وقام بكتابة السيناريو والإخراج أحمد بدرخان ، ما عدا فيلم ( سلامة ) الذي إشترك في كتابة قصته وحواره ، مع أحمد رامي ، الشاعر بيرم التونسي ، وأخرجه توجو مزراحي . لقد كانت أكبر مشكلة تواجه الفيلم الغنائي ، قبل ظهور فيلم ( وداد ) ، هي الأغنية السينمائية ؛ فقد كان عرض الفيلم الغنائي يستغرق ساعتين أو أكثر ، تخصص فيها ساعة كاملة أو أكثر للأغاني ، مما يدعو للسأم والملل . لذلك حاول بدرخان تجاوز هذه المشكلة بعد دراسة واسعة ، إنتهى فيها الى إختصار مدة الأغنية من ربع ساعة أو عشر دقائق ، كما حدث في فيلميإنشودة الفؤاد ، الوردة البيضاء، الى ثلاث دقائق فقط ، وتمتد الى خمس دقائق في حالات إستثنائية .. هذا إضافة الى أن بدرخان حاول أن تكون الأغنية جزءً مكملاً لقصة الفيلم وحواره . ــ فاصل موسيقي ــ مثلت أم كلثوم شخصية الجارية المطربة في ثلاثة أفلام ، فظهرت في فيلم ( وداد ) كجـارية في عصر المماليك ، وفي (دنـانـير ) كـانت إحـدى مـطربـات هـارون الـرشـيد ، وفي ( سلامة ) كانت جارية يزيد إبن عبدالملك . ولا جدال في أن أفلام أم كلثوم قد إكتسبت الكثير من أهميتها من قوة شخصية أم كلثوم وكلمات شعراء مثل أحمد رامي وبيرم التونسي ومخرج كبير مثل أحمد بدرخان .. إلا أن رد فعل الناقد تجاه هذه الأفلام يتوقف على تفسير معالجة الأغنية السينمائية ، فبالرغم من بعض التحسينات التي أدخلها بدرخان عليها إلا أنه من المؤكد بأنها كانت إمتداداً لسلبيات وإيجابيات الأغنية السينمائية التي قدمها محمد كريم في أفلام عبدالوهاب . وهذا بالطبع لا يمنع من القول بأن أفلام أم كلثوم كانت نقطة تحول هامة في مشوار أحمد بدرخان الفني ، وهي بالتالي الأفلام الأولى التي أكسبته إعتراف كل من الجمهور والنقاد كمخرج متميز ، وأرست قواعد إتجاهه نحو الموضوعات ذات الطابع الرومانسي . ستة أفلام فقط ، هي كل تراث أم كلثوم في السينما .. بينما كان في مقدورها أن تقدم العديد من الأفلام ، كنتيجة طبيعية لذلك النجاح الجماهيري الكبير الذي حضيت به أفلامها الستة ، وبذلك تكون أم كلثوم قد إنسحبت من السينما وهي في قمة مجدها الفني كنجمة غنائية متألقة . ــ فاصل موسيقي ــ وإنه من المهم الإشارة ، الى أن أفلام عبدالوهاب وأم كلثوم ، قد وضعت الأساس للمعنى الخاص للفيلم الغنائي المصري ، بإعتباره فيلم يقوم ببطولته مغنٍ أو مغنية ، وهدفه الأساسي أداء المغنى وجمال اللحن الموسيقي . كما أصبح من المتعارف عليه من أن الفيلم الغنائي هو عبارة عن قصة نمطية بطبيعة البطل المغني ، تتخلله عدة أغنيات غالباً ما تكون مقحمة وغير مبررة درامياً . وبالتالي يصبح من الصعب ومن غير المجدي ، أن نقرر الأبعاد الدرامية لهذه الأفلام ودورها الإجتماعي ، وإن كانت في النهاية هي نتاج الفترات التاريخية التي ظهرت فيها ، وهي تعكس بصورة أو بأخرى نفس إهتمام الكثير من الأفلام التي لم تكن الأغنية تلعب فيها دوراً رئيسياً . ختام
مشاهير ـ الحلقة 27 ـ إعداد : حسن حداد أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في أولى حلقات برنامجنا الأسبوعي ( مشاهير ) ، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله . ــ فاصل موسيقي ــ في حلقتنا هذه .. عزيزنا المستمع ، سنواصل حديثنا عن نجوم ومشاهير الأغنية السينمائية أو ما يطلق عليهم نجوم الفيلم الغنائي . وفي حلقتنا هذه سنتحدث عن نجمين من أبرز نجوم الفيلم الغنائي ، وهما ليلى مراد ومحمد فوزي . ــ فاصل موسيقي ــ ليـلـى مـراد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ ليلى مراد ، الفنانة التي شغلت الناس وملأت الدنيا حباً وغناءً ، طوال مايقارب الربع قرن من تاريخ السينما المصرية .. هذه النجمة التي إعتزلت الفن منذ أربعين عاماً ، بالرغم من أنها مازالت تسكن القلوب وتأسر الآذان والأسماع ، حيث ساهمت أجهزة التليفزيون والفيديو في إقبال الجيل الجديد من الشباب على أغانيها وأفلامها . ــ فاصل موسيقي ــ لقد بدأت ليلى مراد مشوارها مع السينما في الثامن والعشرين من نوفمبر عام 1933 ، عندما عرض فيلم ( الضحايا ) الذي أخرجه إبراهيم لاما ، وقامت ببطولته بهيجة حافظ ، والتي بدورها قد غنت في الفيلم بصوت ليلى مراد . لذا يمكن إعتبار هذا الفيلم هو البداية الرسمية للفنانة ليلى مراد في السينما .. هذا بالرغم من أنها لم تظهر في الفيلم كصورة ، وإنما صوتها هو الذي سبق وقدمها للجمهور . أما أول ظهور لها على الشاشة ، فكان في فيلم ( يحيا الحب ) عام 1938 ، وذلك عندما إختارها المخرج محمد كريم لتقوم بدور البطولة أمام محمد عبدالوهاب . وفي عام 1939 ، بدأت ليلى مراد تجربتها السينمائية مع المخرج توجـو مزراحي في فيــلم ( ليلة ممطرة ) ، هذا المخرج الذي عرف كيف يقدم ليلى مراد للجمهور .. حيث قدمها بشكل قوي ومؤثر في خمسة أفلام من إنتاجه وإخراجه . فبعد ( ليلة ممطرة ) ، قدم لها ليلى بنت الريف ، ليلى بنت مدارس ، ليلى ، ليلى في الظلام . ــ فاصل موسيقي ــ يتحدث الأديب والفنان صلاح طنطاوي عن ليلى مراد ، في كتابه »رحلة حب مع ليلى مراد« ، فيقول : ... لقد أدرك توجو مزراحي إن الإسم الوحيد الذي يناسب ليلى مراد هو »ليلى« ، لا »نادية« كما في فيلم (يحيا الحب) ، ولا »سنية« كم في فيلم (ليلة ممطرة) .. هذه الأسماء تدرجها ضمن الفتيات العاديات ، أما إسم »ليلى« فإنه يرفعها ـ أي بطلة الفيلم ـ الى مستوى ليلى مراد نفسها ... .. هكذا يقول صلاح طنطاوي . ــ فاصل موسيقي ــ وفي فيلم ( ليلى ) قامت ليلى مراد بتمثيل دور غادة الكاميليا للروائي العالمي الكسندر دوماس . وهو الفيلم الذي لاقى نجاحاً جماهيراً كبيراً ، وإستمر عرضه ستة عشر أسبوعاً ، وجعل من ليلى مراد ملكة التمثيل والغناء في السينما المصرية .. لدرجة أن إذاعة القاهرة ، في سابقة لم تحدث من قبل ، أذاعت جميع أغاني الفيلم في الرابع من أبريل عام 1942 .. وقد أصبحت ليلى مراد حينها المثل الأعلى للفتيات المصريات ، بل إن الخياطات إخترن أحد فساتينها في الفيلم وجعلن منه موضة الموسم ، وهو الفستان الذي كانت تلبسه عندما غنت » بتبص لي كده ليه « . ــ فاصل موسيقي ــ أما تجربة ليلى مراد الأكثر جصوبة ، فقد كانت مع الفنان أنور وجدي ، حيث كونا ثنائياً فنياً جميلاً لاقى نجاحاً جماهيرياً كبيراً . لقد كانت هذه المرحلة من حياة ليلى مراد من أهم مشوارها مع الفيلم الغنائي .. فقد قام أنور وجدي بإنتاج وإخراج وتمثيل سبعة أفلام لـ ليلى مراد ، ، بدأت عام 1945 بفيلم ( ليلى بنت الفقراء) ، ومن ثم أفلام ليلى بنت الأغنياء ، قلبي دليلي ، عنبر ، غزل البنات ، حبيب الروح ، ليلى بنت الأكابر . ــ فاصل موسيقي ــ وفيلمها الرابع (عنبر) يعتبر من الأفلام القليلة التي تخلت فيها ليلى مراد عن إسم »ليلى« وتسمت بإسم آخر ، حيث كان إسمها »عنبر« . ويرى صلاح طنطاوي بأن فيلم عنبر » تحفة سينمائية بديعة ، قائمة على سيناريو محكم وحوار عذب أخاذ ، وأغانٍ رائعة وإستعراضات ثرية مبتكرة ، هذا إضافة الى التمثيل الممتاز « . ــ فاصل موسيقي ــ الفيلم الأشهر للفنانة ليلى مراد كان (غزل البنات ) ، والذي لم تدخل به ليلى مراد تاريخ السينما المصرية فحسب ، بل والعالمية أيضاً ، حيث تم إختياره ضمن أفضل خمسين فيلماً في العالم عام 1950 . ويرجع سبب نجاح هذا الفيلم الى عدة عوامل ، أهمها ذلك العامل المأساوي في الدعاية للفيلم ، فقد توفي فجأة الفنان الكوميدي الكبير نجيب الريحاني ، والذي شارك في بطولة الفيلم . فقد عرض الفيلم في السادس والعشرين من سبتمبر عام 1949 ، بين أحزان الجماهير لوفاة نجم الكوميديا الرفيعة ، وتعطشهم لرؤيته للمرة الأخيرة ، في الفيلم الذي جمعه ونجوم الفن في مصر في النصف الأول من القرن العشرين . بعد ( غزل البنات ) ، واصل الثنائي نجاحهما وقدما فيلمي حبيب الروح ، ليلى بنت الأكابر ، ليكونا آخر تعاون بين هذا الثنائي ليلى ـ نور ، حيث تم عرض الفيلم الأخير بعد أن فرقهما الطلاق . ــ فاصل موسيقي ــ تعاونت ليلى مراد مع مخرجين آخرين ، مثل : أحمد سالم ، الفنان الأسطورة في ذلك الوقت ، والذي أنتج وأخرج وقام بالتمثيل أمامها في فيلم (الماضي المجهول ) عام 1946 .. وقد غنت ليلى مراد في هذا الفيلم مجموعة من الأغاني ، كتبها أحمد رامي ووضع ألحانها محمد فوزي ، وكان أول فيلم يضع ألحانه محمد فوزي بعد إنطلاقته السريعة في سماء السينما المصرية .. كما رقصت هاجر حمدي في الفيلم على معزوفة للموسيقار محمد عبدالوهاب ، تعد الأولى التي يضعها خصيصاً لراقصة . ــ فاصل موسيقي ــ كما قامت ليلى مراد بدور البطولة أمام يوسف وهبي ، في فيلمين من إخراجه وإنتاجه ، وهما ضربة القدر ، شادية الوادي ، وكلاهما أنتجا عام 1947 . أما المخرج هنري بركات ، فقدم لها ثلاثة أفلام ، هي شاطيء الغرام ، ورد الغرام ، من القلب للقلب . وقد قامت ليلى مراد ـ أيضاً ـ بأداء دور البطولة في فيلم ( سيدة القطار ) إخراج يوسف شاهين ، حيث يقول صلاح طنطاوي بأن يوسف شاهين في هذا الفيلم » أثبت بأنه عبقري بكل معنى الكلمة ، وإنه يتناول كل الخامات الفنية فتتحول بفضل عبقريته الى أشكال جديدة . حتى أغاني الفيلم قدمها يوسف شاهين بأسلوب مبتكر خالف كل أسلوب ظهرت به أغاني ليلى مراد في أفلامها « . ــ فاصل موسيقي ــ إن فيلم ليى مراد الأخير في مشوارها السينمائي ، فقد فكان فيلم (الحبيب المجـهول ) في عام 1955 . وبهذا تكون ليلى مراد قد مثلت في سبعة وعشرين فيلماً غنائياً ، لحن أغانيها كبار رواد الملحنين المصريين ، وفي مقدمتهم محمد عبدالوهاب ، رياض السنباطي ، محمد القصبجي ، محمد فوزي ، زكريا أحمد ، عبدالحليم نويرة . بعدها إعتزلت الفنانة ليلى مراد الفن ، تاركة ورائها تراثاً هائلاً من الأغاني والأفلام العاطفية الساحرة . ــ فاصل موسيقي ــ محمد فوزي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ محمد فوزي ، عزيزي القاريء ، فنان كرس أكثر من ثلاثين عاماً من حياته القصيرة لخدمة الفن .. وإستطاع أن يؤسس مدرسة في فن الغناء واللحن ، لم يستطع أن يجاريه فيها أحد . صحيح بأن حياة هذا الفنان كانت قصيرة ، ولكنها كانت صاخبة وزاخرة بالفن والعطاء . وبالرغم من أن المرض ، ثم الموت ، قد حرمانا من فنه مبكراً ، حيث توفي في عام 1966 ، إلا أنه قدم مايقارب الثلاثون فيلماً سينمائياً في مشوار سينمائي لم يتجاوز الإثنين وعشرين عاماً . ــ فاصل موسيقي ــ لقد بدأت رحلة محمد فوزي مع الفن وهو في سن العاشرة ، إلا أن صوته وألحانه لم تشتهر ألا من خلال أفلامه السينمائية ، خصوصاً إذا عرفنا بأن الإذاعة كانت قد حجبت ثقتها به كمطرب زمناً طويلاً .. لذا وجد محمد فوزي متنفسه الحقيقي في أفلامه ، حيث كان يغني في كل فيلم مالايقل عن عشر أغنيات من تلحينه . فقد بلغت مجموعة أغانيه السينمائية مايقارب الثلاثمائة أغنية ، هذا إضافة الى أغانيه غي السينمائية ، والتي لا تقل عن المائة أغنية . ــ فاصل موسيقي ــ كان محمد فوزي يحرص بأن تكون أغانيه من تأليف مشاهير شعراء الأغاني ، أمثال عليّ محمود طه و أحمد رامي و بيرم التونـسـي و بديـع خـيري و مـأمـون الـشـنـاوي وحـسـين الـسـيد و فـتحي قـورة و أبوالـسـعـود الأبـيـاري و مصطفى السيد و عبدالعزيز سلام و سعيد المصري . وكان محمد فوزي يلحن كل أغانيه ، والتي ـ في معظمها ـ أخذت الطابع العاطفي ، والقليل منها يدخل في باب الوطنيات والدينيات ، ثم أغاني الأطفال . بعد إلتحاق محمد فوزي بفرقة بديعة مصابني كمطرب ، ثم بعد ذلك إشتراكه في فرقة فاطمة رشدي كمطرب وملحن وممثل ، ذاعت شهرته ولفت الأنظار بنوعية الألحان المتطورة والأوبريتات المبتكرة التي كان يقدمها ، وبدأ البعض يرشحه كمطرب وممثل جديد على الشاشة السينمائية . فقد كان المخرج توجو مزراحي ، في تلك الفترة ، يبحث عن مطرب للظهور أمام ليلى مراد في أحد أفلامها الغنائية ، فوقع إختياره على محمد فوزي ، لكنه عدل عن إختياره هذا في اللحظة الأخيرة ، حيث لم يشأ أن يغامر به كوجه جديد . ــ فاصل موسيقي ــ بعد ذلك واتته الفرصة الأولى ليسير في طريق النجوم على الشاشة ، حيث كان يوسف وهبي يقوم بالتحضير لإخراج فيلم (سيف الجلاد ) الذي يقوم هو ببطولته الى جانب عقيلة راتب ، وكان يبحث عن صوت جديد يقوم بدور ثانوي في هذا الفيلم ، وكان من نصيب محمد فوزي ، الذي بدوره لم يكتفِ بالتمثيل والغناء فقط ، بل لحن لنفسه أغنيتين أيضاً .. وكان ذلك في عام 1944 . وبالرغم من أن دوره في ( سيف الجلاد ) دوراً ثانوياً ، ألا أنه قد لفت إليه الإنتباه ، وكان بمثابة جواز مرور الى أدوار البطولة على الشاشة . وإذا كان يوسف وهبي هو صاحب الفضل في إكتشاف محمد فوزي سينمائياً ، فإن الفضل في إسناده أول بطولة فيلم يعود الى المخرج محمد كريم . ففي تلك الأثناء ، كان كريم يقوم بالتحضير لإخراج فيلم ( أصحاب السعادة ) ، فوقع إختياره على محمد فوزي ليقوم بدور البطولة أمام المطربة رجاء عبده . ــ فاصل موسيقي ــ دخل الفنان محمد فوزي معركة نجوم السينما ، بعد أن قدم فيلمي سيف الجلاد ، أصحاب السعادة ، واللذان عرضا عام 1944 ، أي في الفترة التي شهدت رواجاً للفيلم الغنائي في مصر والبلدان العربية الأخرى . وبالتالي إنخرط هذا الفنان الجديد في هذه الموجة ، وإنهالت عليه العروض ، وكان عليه أن ينافس محمد عبدالوهاب و أم كلثوم و ليلى مراد و فريد الأطرش و إسمهان وغيرهم من عمالقة الغناء في السينما . فقد كانت الساحة الفنية الغنائية صاخبة ومليئة بالنجوم والأعمال السينمائية الغنائية العديدة .. وكان على محمد فوزي أن يثبت مصداقية موهبته في هذا المجال . وبفيلمه الثالث ( قبلة في لبنان ) ، لمع نجم المطرب الجديد ، وتخاطفته شركات الإنتاج ليقوم بأدوار البطولة الغنائية .. مما أدى الى إرتفاع أجره من مائة جنيه في فيلمه الأول الى ألفين وخمسمائة جنيه في فيلم (مجد ودموع ) ، أمام المطربة نورالهدى . ثم قام ببطولة فيلمي المغني المجهول ، عدو المرأة أمام المطربة صباح . ــ فاصل موسيقي ــ وإزاء هذا التطور السريع في حياته الفنية ، فلم يبدأ عام 1947 حتى إتجه محمد فوزي الى الإنتاج السينمائي .. وكان خلال عامين قد جمع ثروة لابأس بها ، وأصبح إسمه من الأسماء المضمونة النجاح ، حيث أسس شركة سينمائية بإسمه ، وكان فيلم ( العقل في إجازة ) باكورة إنتاجها ، وإخرجه حلمي رفلة . ــ فاصل موسيقي ــ لقد كانت أفلام فوزي هي المنافس الوحيد لأفلام ليلى مراد و أنور وجدي ، بل كانت أحياناً تحقق إيرادات أعلى منها . فبالإضافة الى صوته العذب ، كان محمد فوزي يجيد الرقص والغناء والتمثيل والتأليف الموسيقي . وقد كان له الفضل في إكتشاف أكثر من صوت غنائي ناجح في أفلامه ، مثل الفنانة شادية، التي أعطاها أول بطولة أمامه في فيلم (العقل في إجازة ) .. كما قدم فايزة أحمد في فيلم ( ليلى بنت الشاطيء ) عام 1959. ــ فاصل موسيقي ــ وقد أدى محمد فوزي أدوار البطولة أمام أشهر نجمات السينما المصرية ، مثل مديحة يسري في ( قبلة في لبنان ) ، وقدمها ـ أيضاً ـ في ستة أفلام أخرى بعد زواجهما .. ومع الفنانة صباح في ستة أفلام عدو المرأة ، صباح الخير ، الآنسة ماما ، الحب في خطر ، فاعل خير ، ثورة المدينة .. وكون ثنائياً ناجحاً مع شادية في سبعة أفلام العقل في إجازة ، حمامة السلام ، الروح والجسد ، صاحبة الملاليم ، ليلة العيد ، الزوجة السابعة ، بنات حواء .. وظهر محمد فوزي مع نورالهدى في فيلمين مجد ودموع ، قبلني ياأبي .. ومع ليلى مراد قي فيلمين المجنونة ، ورد الغرام .. ومع فاتن حمامة في فيلم ( دايماً معاك ) . وفي آخر أفلامه (كل دقة في قلبي ) قدم المطربة نازك . وبعد ، لاأحد ينكر أهمية عطاء الفنان محمد فوزي في مجال التأليف الموسيقي والغناء والإستعراض ، إذ يعد مع الفنان فريد الأطرش من أبرز المجددين في الإستعراض والأوبريت الغنائي ، هذا بالرغم من قصر مشواره الفني .. إلا أن هذا العطاء لم ينل حقه في الإهتمام والتقدير الرسمي والإعلامي . ختام
مشاهير ـ الحلقة 28 ـ إعداد : حسن حداد أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في أولى حلقات برنامجنا الأسبوعي ( مشاهير ) ، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله . ــ فاصل موسيقي ــ في حلقتنا هذه .. عزيزنا المستمع ، سنواصل حديثنا عن نجوم ومشاهير الأغنية السينمائية أو ما يطلق عليهم نجوم الفيلم الغنائي . ونجمنا في هذه الحلقة .. عزيزي المستمع ، هو فريد الأطرش .. هذا الفنان الذي بعتبر علامة هامة من علامات الفيلم الغنائي ، بل إنه ظاهرة في عالم الغناء والموسيقى العربية والشرقية . ــ فاصل موسيقي ــ فريد الأطرش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ كان فريد الأطرش غزير الإنتاج والعطاء في مجاله الفني ، حيث أغنى الموسيقى العربية بالكثير من الألحان والأغاني التي ماتزال تردد وحاضرة حتى اليوم ، والتي وصلت الى خمسمائة أغنية .. أما أفلامه الغنائية فكانت واحداً وثلاثين فيلماً ، قدمها خلال مشواره الفني الذي جاوز الثلاثين عاماً . ــ فاصل موسيقي ــ عندما إختار المخرج أحمد بدرخان الفنان فريد الأطرش وشقيقته إسمهان للوقوف أمام الكاميرا في فيلم ( إنتصار الشباب ) ، كان محمد عبدالوهاب قد إنتهى من عرض فيلمه الرابع ( يوم سعيد ) ، وكانت أم كلثوم قد إنتهت من تمثيل فيلمها الثالث (دنانير ) ، وكانت ليلى مراد قد باشرت في أداء دور البطولة في فيلمها الثالث (ليلى بنت الريف ) . هذا إضافة الى أسماء مغنيين آخرين قد بدأوا التعامل مع السينما ، أمثال : رجاء عبده ، نجاة عليّ ، عبدالغني السيد ، إبراهيم حمودة . فقد شهد الفيلم الغنائي ـ في تلك الفترة ـ نجاحات تجارية وجماهيرية كبيرة ، مما أدى الى التفكير الجدِّي بإستغلال الأصوات الجميلة وإحتكارها للسينما . ــ فاصل موسيقي ــ وهذا ـ بالضبط ـ ما حصل لفريد وإسمهان ، حيث أراد صانعوا فيلم (إنتصار الشباب) إستغلال هذين الصوتين النادرين من أجل تحقيق غايتهم المادية ، لذلك عهدوا الى مخرج كبير تحقيقه ، وزجوا بعدد من أبرز نجوم الكوميديا فيه ، من أجل توفير كافة العناصر اللازمة لتحقيق فيلم تجاري مربح يجمع مابين الغناء والحب والكوميديا .. وهكذا كان ، وإستطاع فيلم (إنتصار الشباب) أن يأتي بمبالغ طائلة لصانعيه . ــ فاصل موسيقي ــ بعد فيلمه الأول ، قدم فريد الأطرش الفيلم الثاني (أحلام الشباب ) مع المخرج الفذ كمال سليم ، والذي لم يحقق بعض النجاح الذي حققه الفيلم الأول . ثم قام المخرج أحمد بدرخان بتحقيق فيلمين آخرين لفريد وهما شهر العسل ، ماأقدرش ، كما عُهد الى الممثل المجري الأصل إستيفان روستي بإخراج فيلم رابع لفريد في نفس العام بإسم ( جمال ودلال ) . ولم تستطع جميع هذه الأفلام ، شأنها شأن (أحلام الشباب ) الوصول الى ماحققه فيلم (إنتصار الشباب) على كافة المستويات . ــ فاصل موسيقي ــ وأمام هذا المأزق الفني الذي واجهه فريد الأطرش ، من جراء تلاعب أغنياء الحرب وإستيلائهم على معظم صناعة السينما المصرية ، والتي صارت في زمنهم سوقاً للنخاسة والإبتذال والإنتاج الرث .. أمام هذا المأزق إستولت على فريد فكرة الإنتاج لحسابه الخاص ، لاسيما أنه وجد سنداً مادياً من أحد رجال الأعمال تربطه به صداقة قوية ، كما إنه قد إلتقى بالراقصة سامية جمال ، وإرتبط معها بقصة حب طويلة . ــ فاصل موسيقي ــ وهكذا ، كان ( حبيب العمر ) هو الفيلم المنتظر ، الذي أخرجه بركات ، وحشد فيه عدداً من نجوم الكوميديا ، وكان في مقدمتهم إسماعيل ياسين ، والذي بدوره كوِّن مع فريد وسامية ثلاثياً غنائياً كوميدياً راقصاً ، في خمسة أفلام أخرى أنتجها فريد الأطرش فيمابعد . ــ فاصل موسيقي ــ لقد حقق فريد الأطرش ، في فيلمه ( حبيب العمر ) ، نجاحاً طيباً ، ضاهى نجاحه في أول أفلامه (إنتصار الشباب ) .. فإذا كان الفيلم الأول قد أعتبر البداية السينمائية لفريد الأطرش ، فإن فيلم ( حبيب العمر ) هو البداية الحقيقية له ، بل إن هذا الفيلم كان حافزاً له في مواصلة الإنتاج السينمائي لأفلامه ، لاسيما وأن إثنين من أبرز نجوم الفيلم الغنائي عبدالوهاب ، أم كلثوم قد إنسحبا من عالم السينما ، وبالتالي صفت الساحة لفريد الأطرش وليلى مراد ومحمد فوزي . ــ فاصل موسيقي ــ وتوالت ، بعد ذلك ، أفلام فريد الناجحة بعد (حبيب العمر ) ، فقدم فيلم (بلبل أفندي) مع الفنانة صباح .. ثم أفلام أحبك إنت ، عفريته هانم ، آخر كذبة ، تعال سلِّم ، ماتقولش لحد ، وهي الأفلام التي جمعته وسامية جمال ، في أبرز ثنائي فني في تلك الفترة ، قبل أن يختلفا على صعيد العلاقة الشخصية ويفترقا الى الأبد . ــ فاصل موسيقي ــ وبعد كل هذه الأفلام المرحة ، والتي إتخذت من الكوميديا جسراً للوصول الى قلب المتفرج ، بدأت مرحلة جديدة في مشوار فريد الأطرش السينمائية ، وهي المرحلة التي شملت أفلاماً هادئة ومأخوذة عن روايات عالمية في أغلبها ، تتخللها أغانٍ تحمل السمات الحزينة لصوت فريد الأطرش . وكان أول أفلام هذه المرحلة هو ( لحن الخلود ) الذي أخرجه بركات ، وقامت ببطولته أمام فريد الأطرش الفنانة فاتن حمامة ، كأول فيلم يجمعهما مع بعض . ــ فاصل موسيقي ــ وتستمر مرحلة الأفلام الحزينة ، والتي تدور حول الحب والإخلاص والغيرة والخيانة والغدر ، ليقدم فريد الأطرش فيلم ( لحن حبي ) أمام صباح ، وفيلمي رسالة غرام ، عهد الهوى أمام مريم فخرالدين ، وفيلم ( قصة حبي ) أول أفلامه مع إيمان ، وهو الفيلم الذي سجل فيه قصة حبه للملكة ناريمان ، وغنى فيه » نورا نورا « . ــ فاصل موسيقي ــ وبفيلم ( إزاي أنساك) ، يعود فريد الأطرش الى أفلامه المرحة مرة أخرى ، خصوصاً بعد أن إنتقدت الصحافة أفلامه الحزينة ، ودعته للعودة الى المرح والتفاؤل . وقد قامت صباح بالبطولة أمام فريد ، مع عبدالسلام النابلسي ورشدي أباضة والراقصة نادية جمال ، إلا أن الفيلم لم ينل مانالته أفلام فريد المرحة السابقة أمام سامية جمال ، وإن إستطاع تحقيق بعض النجاح الجماهيري . الى أن جاء المخرج العبقري يوسف شاهين ، ليخلع المنظار الأسود عن عيني فريد ، ويعيد إكتشافه كممثل خفيف الدم رقيق وعاشق ، وذلك في فيلمين عام 1957 ، وهما ودعت حبك ، إنت حبيبي في أول لقائين سينمائيين بينه وبين الفنانة شادية . وبعد فيلم ( إنت حبيبي ) ، مثل فريد الأطرش في عشرة أفلام حتى وفاته في عام 1974 . ــ فاصل موسيقي ــ لقد تعاون فريد الأطرش ، في أفلامه الأخيرة ، مع عدد من كبار المخرجين المصريين ، غير مخرجيه الأثيرين بركات وبدرخان ؛ فمن الواحد والثلاثين فيلماً ـ هم رصيد فريد في السينما ـ كان نصيب المخرج أحمد بدرخان عشرة أفلام ، ونصيب المخرج هنري بركات عشرة أفلام .. أما بقية أفلامه فأخرجها عشرة مخرجين آخرين ، هم كمال سليم ، إستيفان روستي ، حسين فوزي ، حلمي رفلة ، يوسف شاهين ، كمال الشيخ ، صلاح أبوسيف ، حلمي حليم ، محمود ذوالفقار ، عاطف سالم . ــ فاصل موسيقي ــ وقد قام فريد الأطرش بأدوار البطولة أمام أشهر نجمات السينما المصرية ، مثل فاتن حمامة ، صباح ، شادية ، مديحة يسري ، مريم فخرالدين ، ماجدة ، هند رستم ، سميرة أحمد ، لبنى عبدالعزيز ، زبيدة ثروت . أما فيلم فريد الأطرش الأخير ( نغم في حياتي ) فقد قام ببطولته أمام الفنانة ميرفت أمين ، وقد عرض في بيروت عام 1975 ، بينما كان فريد يرقد على فراش المرض في أحد مستشفياتها الخاصة .. وبينما كان الجمهور يقبل على مشاهدة الفيلم إقبالاً كبيراً ، كان فريد الأطرش يلفظ أنفاسه الأخيرة . ختام
مشاهير ـ الحلقة 29 ـ إعداد : حسن حداد أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في أولى حلقات برنامجنا الأسبوعي ( مشاهير ) ، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله . ــ فاصل موسيقي ــ في حلقتنا هذه .. عزيزنا المستمع ، سنواصل حديثنا عن نجوم ومشاهير الأغنية السينمائية أو ما يطلق عليهم نجوم الفيلم الغنائي . وفي مشوارنا مع نجوم الفيلم الغنائي ، نصل الى محطتنا الأخيرة ، ألا وهى محطة الفنان عبدالحليم حافظ ، هذا الفنان المعجزة . حيث لم يكن عبدالحليم حافظ مجرد عبقرية فنية ، أثرى الوجدان العربي بحلاوة صوته وعمق أدائه فحسب ، بل إنه شكَّل مرحلة فنية قائمة بذاتها ، وكان تجسيداً حقيقياً لعصر بكامله . ــ فاصل موسيقي ــ عبدالحليم حافظ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ لقد كان عبد الحليم حافظ مرآة لعصره ، وترمومتراً لأحاسيس الشعب العربي عاطفياً ووطنياً وقومياً . إن فناننا في هذه الحلقة ، يجمع بين الموهبة والذكاء والعطاء .. فقد نشأ وفي داخله مقومات الفنان ، وكان ذكياً في توظيف هذه الموهبة وهذه القدرات الفنية لديه ، إضافة الى عطاءه الغزير لفنه ، والذي بدى وكأنه النهر الذي يروي الوجدان . لقد كان عبدالحليم حافظ ظاهرة قومية ، لها أبعادها النفسية والإجتماعية والسياسية ، وإستطاع ـ بأغنياته ـ أن يشكل وجدان جيلين ، بل إن هذا الدور مازال قائماً الى الآن . ــ فاصل موسيقي ــ ولد عبدالحليم حافظ في الحادي والعشرون من يونيو عام 1929 ، ونشأ في قرية الحلوات ، حيث عانى من نفس المشكلات التي عانى ويعاني منها الملايين من أبناء مصر ، بل إن حياة عبدالحليم شبانة ـ وهذا إسمه الحقيقي ـ صاحبتها ظروف صعبة وقاسية ، من الضياع والفشل والنجاح في آنٍ واحد . فقد عرف عبدالحليم اليتم والفقر والمرض ، فاكتسب بذلك ملامح الشخصية الميلودرامية . فقد ماتت والدته بعد أسبوع من ولادته ، ومات والده في نفس السنة ، فكفلته عمته أشهراً قليلة ثم ماتت هي الأخرى ، ثم كفله ـ وأخوته الأربعة ـ خاله متولي عماشة الموظف بوزارة الزراعة ، والذي نقلهم ليعيشوا معه في مدينة الزقازيق . وبعد بلوغ عبدالحليم سن السادسة ، ألحقه خاله بالكتَّاب ثم بالمدرسة الإبتدائية ، لكنه أدمن الهروب منها ، مما دفع خاله بأن يدخله الملجأ ، وكان عمره وقتها تسع سنوات . وقد أمضى عبدالحليم في الملجأ ثماني سنوات ، أضافت الى شخصيته ـ بالتأكيد ـ أبعاداً جديدة . وقتها بدأ شغفه بالأناشيد والأغاني ، وتكرر هروبه ـ أيضاً ـ من الملجأ الى موسيقى المطافيء بالزقازيق ، ليتعلم العزف على آلة الكلارنيت ، على يد رئيس الفرقة الموسيقية هناك . ــ فاصل موسيقي ــ كانت تلك أول آلة موسيقية يتعلم العزف عليها . إلا أنه وجد في الملجأ فرقة موسيقية تعزف الآلات النحاسية ، فأظهر ولعاً شديداً بالموسيقى، مما دفع مدرس الموسيقى بأن يحتضنه ويعلمه العزف على آلة الأبوا ، بالإضافة الى تعلمه مهنة الحياكة التي ستؤهله للعمل كخياط بعد تخرجه من الملجأ. وبعد أن حقق عبدالحليم مستوى طيباً من التحصيل العلمي ، تقدم للحصول على الشهادة الإبتدائية ، وحصل عليها فعلاً . وكانت تلك الشهادة العلمية الأولى والأخيرة التي حصل عليها في حياته . وفي السادس عشر من نوفمبر عام 1945 ، إنتقل عبدالحليم الى القاهرة ، وكان عالمه قد تحدد في الغناء والموسيقى ، سبقه الى ذلك شقيقه الأكبر إسماعيل شبانة ، والذي حصل على دبلوم معهد الموسيقى العربية ، أما عبدالحليم فقد تخصص في آلة الأبوا . وفي الخامس والعشرون من مايو عام 1948 ، تخرج عبدالحليم من المعهد ، في الدفعة نفسها التي كانت تضم كمال الطويل و أحمد فؤاد حسـن و فـايــدة كــامـل و عليّ إسماعيل . ــ فاصل موسيقي ــ بدأ عبدالحليم حياته العملية مدرساً للموسيقى بمدرسة طنطا الإبتدائية ، وإستمر بها أربعة أعوام ، ثم إنتقل الى مدرسة الزقازيق ، وسافر بعدها الى القاهرة . وقد كانت البلهارسيا هي رفيق عبدالحليم في إنتقاله من الزقازيق الى القاهرة ، حيث تبين له إصابته بها وهو في سن العاشرة أثناء إقامته في الملجأ . وقد رفض عبدالحليم ـ قبل أن يجاوز الثانية عشر ـ أن يمتثل للعلاج خوفاً من حقن الطرطير ، لذالزم المرض جسده الى أن فاجأه ذات ليلة بنزيف دموي . ثم تلاحقت الأزمات ، وتلاحقت العمليات الجراحية لتصل الى سبعة وستون عملية ، أزيل فيها الطحال ونصف المعدة وأربعة ضلوع ، فضلاً عن مئات الحقن في المريء . وفي القاهرة ، أتاح له المذيع حافظ عبدالوهاب ـ وكان مراقباً للموسيقى والغناء في الإذاعة ـ فرصة العمل كمطرب. وتقديراً وعرفاناً من عبدالحليم شبانة ، أطلق على نفسه إسم عبدالحليم حافظ ، تكريماً لإسم حافظ عبدالوهاب . كما عمل عازفاً على آلة الأبوا ضمن فرقة الإذاعة الموسيقية . ــ فاصل موسيقي ــ كانت الفرصة الأولى لعبدالحليم بالوقوف على المسرح للغناء في الثالث والعشرون من يوليو عام 1953 ، وذلك في الحفل الكبير الذي أقيم بمناسبة الذكرى الأولى للثورة . وبقدر ما كانت الفرصة رائعة ، كان الإمتحان قاسياً ، فقد كان نجوم ذلك الحفل كل الأسماء اللامعة في دنيا الغناء المصري آنذاك : فريد الأصرش ، محمد فوزي ، كارم وعبدالعزيز محمود ، شادية ، وغيرهم . أما عبدالحليم ، فقد غنى »صافيني مرة« من تلحين محمد الموجي ، وأغاني أخرى . بعدها أعجب محمد عبدالوهاب بصوته ، فتعاقد معه لمدة عامين ، لم يتحرك فيهما عبدالحليم في الإتجاه الذي ينشده خطوة واحدة ، ذلك لأن عبدالوهاب إكتفى بتوقيع العقد دون أن يتيح لعبدالحليم فرصة الغناء . ــ فاصل موسيقي ــ وقد عانى عبدالحليم في الغناء بطريقة الدوبلاج على شاشة السينما ، حيث سجل بصوته أغنية »ليه تحسب الأيام« في فيلم (بعد الوداع ـ 1953) ، وأغنية »لو كنت يوم على قلبي تهون« في فيلم (فجر ـ 1955) . كما غنى عبدالحليم في أربعة أفلام ، لم يحاول مخرجوها أن يتيحوا له الظهور حتى ولو في لقطة سينمائية واحدة ، مما عكس تأثيراً سلبياً في نفسية الفنان ، يصعب إغفاله أو التهوين من قيمته . إلا أن الإصرار الذي كان أهم أبعاد شخصية عبدالحليم ، جعله ينتظر الفرصة المفتقدة وإقتناصها . تلك الفرصة التي جاءت عندما عرض عليه عبدالوهاب بطولة فيلم ( لحن الوفاء ) أمام شادية . وبسبب تعثر إنتاج هذه القصة ، تولتها شركة أخرى للإنتاج ، وهي شركة أفلام المخرج إبراهيم عمارة . ــ فاصل موسيقي ــ كان فيلم ( لحن الوفاء ـ 1955 ) بداية جديدة فعلية لعبدالحليم حافظ ، جاوز بها ظروفه النفسية والمادية معاً ، فقد كان قد إقترض معظم البدل التي إرتداها في هذا الفيلم . وقد وفق عبدالحليم حافظ ، أو إن الظروف هي التي ساعدته في إختيار الوقت الذي بدأ فيه خطواته السـينـمائية الأولى ، فظــهر له ـ وفي شـهر واحــد ـ فـيــلــمـان لحن الوفاء ، أيامنا الحلوة . فإذا قمنا برصد الأفلام التي قدمتها السينما المصرية في نفس العام ، وجدنا أن اللون الإستعراضي والغنائي كان يقدم آخر مالديه ، فقد كانت هناك أفلام لمحمــد الكـحـلاوي و محمد عبدالمطلب و ليلى مراد و محمد فوزي وغيرهم . كما شهدت السنوات التالية إعتزال البعض ، ووفاة البعض الآخر. ولم يبقى سوى فريد الأطرش ، الذي أتاح له عشاق فنه أن يواصل عطاءه السينمائي الى أن توفي عام 1975 . ــ فاصل موسيقي ــ أفلام عبدالحليم حافظ ، بدأً بلحن الوفاء الى أبي فوق الشجرة ، إستطاعت أن تحقق نجاحاً واضحاً بين أفلام الفترة . وبالتالي أضافت إليه والى مشواره الفني الكثير ، ليس بتفوقها الفني ، ولكن بالتيمة الروائية المتشابهة لتلك الأفلام .. الشاب الذي يواجه العديد من المتاعب أو العقبات ، الحاجة المادية ، الإخفاق في بلوغ الهدف ، الإصابة بمرض خطير ، الضياع بين أبوين منفصلين ، التضحية بالحب توصلاً لإسعاد الحبيب وغيرها من المواضيع . ــ فاصل موسيقي ــ وقد أضافت رحلة المعاناة مع الفقر والمرض ، بعداً جديداً في المأساة التي لامست مشاعر المعجبين بفن عبدالحليم حافظ ، فهو ذلك الشاب اليتيم الذي قضى طفولته في الملجأ ، ولم ينقذه من المصير المؤلم سوى موهبته وإصراره على تحدي كل هذه الظروف . وإن ملامسة مشاعر المتلقي بمأساة تكاد تبدو شخصية ، قد أدى بالفعل الى نجاح الأفلام التي قام ببطولتها عبدالحليم حافظ، فمعظم أفلامه تقترب من حياته كما كانت . وكان البعض يتصور ـ فعلاً ـ إن هذا الفيلم أو ذاك ، يروي جانباً من حياة الفنان . فقد حرص عبدالحليم على مزج الواقع بالخيال ، ونجح في مخاطبة المتلقي بأفلام وأغنيات يسهل نسبتها الى جوانب من حياته الحقيقية . وكان ذلك عاملاً مؤكداً في توثيق الصلة بين عبدالحليم وجمهوره . فالمتلقي يستطيع أن يضع يديه على ملمح أو ملامح من حياته في معظم الأفلام التي قام ببطولتها ، سواء جاء ذلك بتزكية من عبدالحليم ، أو إن الأمر ينتسب الى المصادفة البحتة ، فإن المطرب الشاب خريج معهد الموسيقى ، الذي ينشد تحقيق ذاته في دنيا الغناء، هو بطل فيـلم (لحن الوفـاء ) . ــ فاصل موسيقي ــ وفيلم (دليلة ) يروي قصة مطرب فقير يحيل صدمته في حبه الى إصرار على التفوق الفني، ويفلح في ذلك بالفعل . كما أن عرض فيلم (حكاية حب ) الذي يؤدي فيه عبدالحليم دور فنان شاب يسافر الى الخارج لإجراء عملية دقيقة ، كان متزامناً مع رحلة حقيقية قام بها عبدالحليم للخارج بهدف إجراء واحدة من العمليات العديدة . ثم إن التيمة التي تتكرر في العديد من أفلام عبدالحليم شارع الحب ، حكاية حب ، معبودة الجماهير هي قصة المطرب الشاب الذي يصعد من أسفل السلم الى أعلاه ، لا ينسى أهله وناسة الذين نشأ بينهم ، ولا يقدم على تنازلات من أي نوع ، حتى ولو كانت عاطفية . وكذلك اليتم ، الذي كان تيمة أخرى جسدها عبدالحليم في فيلمي أيام وليالي ، الخطايا ، يذكر المتلقي بالمأساة الحقيقية التي عاشها الفنان. وحتى الأفلام التي كانت فيها شخصية عبدالحليم غائبة عنها الوسادة الخالية ، موعد غرام ، فتى أحلامي ، ليالي الحب ، أبي فوق الشجرة جاءت تعبيراً عن أحلام وأماني قطاعات عريضة من الشباب . ــ فاصل موسيقي ــ وبينما كانت أفلام عبدالوهاب وأم كلثوم الأكثر تعبيراً عن المناخ الإجتماعي في الثلاثينات والأربعينات، وتعبيراً عن الطبقة الأرستقراطية والوسطى وطموحاتها في مصر ، وكذلك كانت أفلام فريد الأطرش ، فقد جاءت أفلام عبدالحليم حافظ لتعبر عن ذلك التغيير الكمي والكيفي الذي أحدثته ثورة يوليو ، وفي مقدمتها ـ بالطبع ـ تغيرات العلاقات الإجتماعية ، كعلاقة الرجل بالمرأة وعلاقة الفرد بالمجتمع ، فضلاً عن إقترابها الحميم من مشاكل الغالبية العظمى من الشعب المصري وهي قطاع الشباب . وعموماً ، فقد وجد النموذج الذي قدمه عبدالحليم في أغلبية أفلامه، الشاب الذي تعترضه عقبات فيحاول تخطيها ، وهي مشكلة كل شباب الجيل .. وجد ذاك النموذج إستجابة بين أوساط الشباب خاصة ، بل وتعاطفوا معه ، فقد أفعمهم الإحساس الشخصي بالسعادة ، وذلك عندما يتخطى بطل الفيلم تلك الحواجز أو يتغلب عليها . وبالطبع ، فقد كان الخيال الذي شاهده المتلقي على الشاشة ، والواقع الذي يحياه الفنان ، فضلاً عن الواقع الذي يحياه المتلقي، قد إختلط في وجدان المتفرج، بحيث تلاشت الحدود بين الواقع والخيال . ــ فاصل موسيقي ــ قدم عبدالحليم حافظ ستة عشر فيلماً سينمائياً، على مدى أربعة عشر عاماً، غنى فيها ثلاثاً وتسعون أغنية سينمائية . وقام بأدوار البطولة أمام أشهر نجمات السينما المصرية ، مثل : شادية ، فاتن حمامة، آمال فريد ، سعاد حسني ، زيزي البدراوي ، إيمان ، كريمان، صباح ، مريم فخرالدين ، مديحة يسرى، نادية لطفي ، لبنى عبدالعزيز ، منى بدر ، ميرفت أمين . ــ فاصل موسيقي ــ بدأ أجر عبدالحليم في السينما بثلاثمائة جنيه ، وذلك في فيلمي لحن الوفاء ، أيامنا الحلوة . ثم تقاضى خمسمائة جنيه من عبدالوهاب عن فيلم (ليالي الحب ) ، وإرتفع أجره الى خمسة وعشرون ألفاً من الجنيهات في فيلم ( معبودة الجماهير ) إنتاج حلمي رفلة . وقد أسس عبدالحليم حافظ شركة إنتاج سينمائية مع محمد عبدالوهاب ومدير التصوير وحيد فريد بإسم »صوت الفن« ، أنتجت فيلمي الخطايا ، أبي فوق الشجرة . ومثل عبدالحليم قصص كبار الكتَّاب ، مثل إحسان عبدالقدوس ، يوسف السباعى، على ومصطفى أمين ، يوسف جوهر . كما يعــتــبر فــيـلـمـه الأخير ( أبي فوق الشجرة) أول فيلم مصري يستمر عرضه خمسة وثلاثون إسبوعاً ، ويحقق إيراداً قدره خمسة وتسعون ألفاً من الجنيهات ، من دار سينما واحدة بالقاهرة . وقد غنى عبدالحليم لكبار الملحنين ، أمثال محمد عبدالوهاب ، محمد الموجي ، كمال الطويل ، بليغ حمدي ، منير مراد ، رياض السنباطي ، محمود الشريف . ــ فاصل موسيقي ــ وختاماً ، فقد شكل عبدالحليم حافظ ضاهرة فنية حظيت ـ ولاتزال ـ بنصيب وافر من إهتمام الباحثين والنقاد . فهو بجانب موهبة الصوت والأداء ، إمتلك رهافة في الحس أعطته القدرة على الأداء الغنائي والتمثيلي العميق . أضف الى ذلك الدقة في إختياره التنوع لمضامين أفلامه وأغانيه . ختام
مشاهير ـ الحلقة 30 ـ إعداد : حسن حداد أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في أولى حلقات برنامجنا الأسبوعي ( مشاهير ) ، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في حلقات سابقة من برنامجنا ، تحدثنا عن نجوم الفيلم الغنائي ، الذين كانوا عمالقة ، وقفت على اكتافهم السينما الغنائىة الاستغراضية . وكان هناك بالطبع الكثير غيرهم لم نتحدث عنهم ، امثال شادية وصباح ونور الهدى ونعيمة عاكف وكارم محمود ومنير مراد وسعد عبد الوهاب ومحمد رشدي وكثيرون . وعذرنا كان قلة المصادر المتاحة . لكننا اليوم ، في حلقتنا هذه ، سنتحدث عن فنانة كبيرة في التمثيل والاستعراض والغناء ، ملئت سنوات الستينات والسبعينات والثمانينات بأدائها الاخاد وبصوتها الجميل ورقصاتها المتقنة ، وامتعتنا كثيراً بأفلامها المتميزة . نجمتنا لهذه الحلقة هي الفنانة سعاد حسني .. سندريلا الشاشة المصرية . ــ فاصل موسيقي ــ نجمتنا ، في حلقتنا هذه ، فنانة ولدت معها النجومية ولازمتها منذ نعومة أظفارها .. حياتها لم تكن سهلة ، وطفولتها خلت من راحة البال .. شخصيتها ذات تركيبة شديدة الخصوصية ، تبدو ضعيفة ورقيقة وقريبة من الحزن ، لكنها تملك قدرة خارقة على إضحاكنا أحياناً .. وهي العلامة الفنية البارزة مع فاتن حمامة ، على مدار خمسين عاماً من تاريخ السينما المصرية .. لايوجد عطاء متدفق صادق ومتألق يمكنه أن يفرحك ويبكيك كأدائها .. إنها الفنانة الكبيرة سعاد حسني . والحديث عن مشوار الفنانة "سعاد حسني" ، حديث مشوق وله سحر خاص .. حيث هذا التواجد الفني الطاغي والأداء المذهل والخاص لكل فيلم ، يجعل منها ممثلة موهوبة خارقة في كل مرحلة .. مشوار طويل ومليء بالحواجز والآمال الكبيرة والأحلام المجمدة ، وكأنها تسير مغمضة العينين على أرض كلها متفجرات .. ومع ذلك كانت خطواتها الجادة وحسها السليم ونظرتها الثاقبة والنابعة من الأعماق ، تمهد لها طريقاً سلساً وواقياً يحميها من كل الثغرات . ــ فاصل موسيقي ــ البداية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ البداية كانت مع فيلم (حسن ونعيمة ) عام 1959 ، وذلك عندما إجتمع رأي المخرج هنري بركات والمنتج الموسيقار محمد عبدالوهاب والفنان عبدالرحمن الخميسي ، على تقديم وجه جديد للشاشة الفضية ، ليشارك المطرب الصاعد ـ آنذاك ـ "محرم فؤاد" بطولة الفيلم . ــ فاصل موسيقي ــ كانت "سعاد" وقتها تملأ أستوديوهات الإذاعة شقاوة ، وهي طفلة صغيرة في برامج الأطفال ، تغني أغنيتها المشهورة ( أنا سعاد أخت القمر بين العباد حسني إشتهر ) . وفعلاً .. وقفت الفتاة النحيلة ، ذات العيون الذكية البراقة ، إبنة الرابعة عشرة ، لتواجه كاميرات السينما للمرة الأولى ، بثبات وقدرة فائقة على التعلم والتأقلم . ــ فاصل موسيقي ــ تتذكر سعاد حسني ، فتقول : ... يومها لم أخف من الكاميرا ، ولم أشعر بتلك الرهبة التي كانوا يتحدثون عنها حينما يقف الممثل لأول مرة أمام الكاميرا ... سؤال واحد كان يتردد في ذهني ، وهو هل سأنجح وأستمر في عملي هذا أم لا ؟ ... . هكذا وصفت سعاد حسني شعورها حين وقفت لأول مرة أمام الكاميرا .. أما الآن ، وبعد خمسة وثلاثين عاماً على ظهورها الأول ، وتربعها علي قمة النجاح ، فمشاعر الخوف والقلق يلازمانها مع كل فيلم جديد تقدمه ، فالخوف والقلق أصبحا مفتاح شخصيتها ، ولولاهما لما إستطاعت الوصول الى هذه القمة الفنية . ومع عرض فيلم (حسن ونعيمة) ، ولدت نجمة إحتلت مكانها في القلوب ، كنموذج للفتاة العصرية الطموحة المنطلقة والمنفتحة على الحياة والعمل والحب .. وبرزت سعاد حسني كممثلة جديدة تفوق ممثلات جيلها موهبة وحضوراً وقدرة على التعبير ، وإستطاعت أن تخطو نحو الشهرة والنجومية لتترشح كنجمة أولى عبر أدوار عديدة .. هذا إضافة الى تميزها بالحضور القوي ، والصدق في الأداء ، والتلقائية في التعبير ، وخفة الروح والجاذبية .. فضلاً عن التنوع في أداء الشخصيات ، ففي بداية مشوارها مع السينما ، غلب على أدوارها شخصية الفتاة الطيبة والشقية في آن واحد ، وهي الشخصية التي كانت محبوبة لدى الجماهير. ــ فاصل موسيقي ــ مرحلة الإنتشار ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ بعد فيلمها الأول ، ظهرت سعاد حسني في دورين صغيرين في فيلمي (ثلاث رجال وإمرأة ) و(البنات والصيف ) .. ثم إنتقلت سريعاً الى الأدوار الأولى ، في أفلام لقيت نجاحاً كبيراً ، مثل مال ونساء ، السبع بنات ، إشاعة حب ، وغيرها . وفي مرحلة مايسمى بـ »الإنتشار« قدمت سعاد حسني كم هائل من الأفلام ، وصارت تقبل الإشتراك في أفلام ، ليس لأجل قيمتها الفنية وإنما بقصد الشهرة والرواج والبروز في الساحة الفنية .. وبالتالي ظهرت في أفلام ذات مستوى متواضع وعادي ، بل ومستوى رديء أحياناً .. وكانت تقوم ببطولة خمسة أو ستة أفلام كل عام .. ففي عام 1961 قدمت ستة أفلام ، وفي عام 1962 قدمت خمسة أفلام ، وفي عام 1964 قامت ببطولة سبعة أفلام .. أفلام مثل السفيرة عزيزة ، الأشقياء الثلاثة ، شقاوة بنات ، عائلة زيزي ، الساحرة الصغيرة ، للرجال فقط ، جناب السفير . ــ فاصل موسيقي ــ مرحلة الإختيار والنضج الفني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ وبالرغم من أن هذه الأفلام قد حققت لها الشهرة وكرستها كنجمة شباك وجعلت المنتجين يتهافتون عليها ، إلا أنها لم تخدم طموح سعاد ، ولم تحقق ذاتها أو تصل بها الى المكانة التي طالما داعبت خيالها .. لذلك فهي لم تنجرف كلياً ضمن هذا التيار ، بل إتجهت الى إنتقاء الأدوار والـدقـة ـ الى حدٍ ما ـ في الإختـيار والتـنوع .. وكـان دورها الـصعب والهـام في فيلم ( القاهرة 30 ) بداية لمرحلة فنية جديدة ، تميزت بالجد والنضج .. والى هذه المرحلة تنتمي أدوارها في أفلام مثل الزوجة الثانية ، شيء من العذاب ، نادية ، الحب الضائع . وتعتبر مرحلة السبعينات ، من أخصب المراحل الفنية التي مرت بها سعاد ، حيث قدمت فيها أدواراً مهمة ومتميزة لمخرجين كبار .. فمع المخرج كمال الشيخ ، قدمت أفلام بئر الحرمان ، غروب وشروق ، على من نطلق الرصاص .. ومع يوسف شاهين ، قدمت فيلمين هما الإختيار ، الناس والنيل .. ومع سعيد مرزوق ، قدمت زوجتي والكلب ، الخوف .. ومع عليّ بدرخان ، قدمت أفلام الحب الذي كان ، الكرنك ، شفيقة ومتولي ، أهل القمة ، الجوع . ــ فاصل موسيقي ــ مرحلة الفيلم الإستعراضي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ لقد قامت سعاد حسني بأداد مختلف الأدوار ، وكانت تحرص دوماً على التنوع في الإختيار ، وعدم تكرار نفسها ضمن نمط معين من الشخصيات .. فهي ترفض أن تُسجن داخل قالب ثابت ومحدد .. وهذا ما جعلها تخوض مختلف المجالات ، ومن ضمنها مجال الفيلم الإستعراضي .. فكانت أولى تجاربها الإستعراضية في فيلم ( صغيرة على الحب ) عام 1966 ، الذي أخرجه نيازي مصطفى . أما تجربتها الثانية ، والمهمة في الإستعراض ، فكانت في فيلم ( خللي بالك من زوزو ) عام 1972 ، مع المخرج حسن الإمام .. هذا الفيلم الذي حقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً ، وحطم الأرقام القياسية في مدة العرض ، حيث إستمر عرضه عاماً كاملاً .. وقد كان حضور سعاد حسني طاغياً في هذا الفيلم ، حيث كانت تغني وترقص وتمثل وتحب وتبكي وتثأر لكرامتها ، وتخاطب الرجل الذي يعجبها قائلة له بغزل » ياواد ياتقيل « . وقد حاول حسن الإمام إستثمار هذا النجاح الذي حققه (خللي بالك من زوزو) ، فقدم نسخة مكررة منه ، في فيلم ( أميرة .. حبي أنا) .. وبالطبع لم يلاقِ نفس النجاح المتوقع ، والذي حققه الفيلم السابق . ثم جاءت تجربتها التالية في الإستعراض بفيلم ( المتوحشة ) عام 1979 للمخرج سمير سيف ، وكان هذا الفيلم هو أول إنتاج لسعاد حسني مع رأفت الميهي وصلاح جاهين .. إلا أن الفيلم فشل فنياً بسبب ضعف السيناريو ، وظروف أخرى . ــ فاصل موسيقي ــ حذر وخوف ملحوظ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ مع بداية الثمانينات ، بدأت سعاد حسني في الإقلال من الظهور على الشاشة بشكل ملحوظ ، حيث رفضت العديد من السيناريوهات لعدم إقتناعها بالأدوار المعروضة عليها .. ثم أن إمتناعها عن أداء تلك الأدوار لايرجع الى حرصها على الإنتقاء فحسب ، بل أيضاً الى أعذار السينما المصرية ، وظهور كم هائل من الأفلام الهابطة والمصنوعة أساساً لغرض الربح التجاري ، دون أي إهتمام بالقيمة الفنية . تتحدث سعاد حسني ، في لحظة مواجهة مع النفس ، فتقول : ... لا أريد أن يأتي الخريف .. فلا أجد مايبعث الدفء في مشاعري .. وأحس بأنني نسيت في غمرة كل ماقدمت ، أن أقدم الذي كان يجب أن أقدمه .. لا أريد أن تسرقني دوامة العمل ، فيفقد العمل معناه .. أريد أن أحقق في الفترة القادمة أشياء محددة بعينها ، وأشعر بالرضا عنها ... . ــ فاصل موسيقي ــ وتواصل سعاد إعترافاتها ، فتقول : ...عندي من الثقة مايجعلني أتطور باستمرار ، وروح التغيير متأججة بداخلي .. ولكن هل الجو العام يساعد على تحقيق هذا ؟ أنا أصطدم بأشياء كثيرة تعوق هذا الإندفاع ، بل توقفه ، فالمستوى العام للسينما في هبوط ، رغم وجود بوادر أمل ، ومؤشر لتغيير جديد في رغبات المتفرج ... . وبصراحة ، تقول سعاد حسني : ... راودتني فكرة الكبر والزمن والشيخوخة منذ عام 1981 ، فاهتززت بشكل هائل ، إلا أنني تمكنت من السيطرة على نفسي ، لأن هذا الإحساس لو تمكن مني فمعناه النهاية .. والآن لاأعرف كيف أستعد لهذا التغيير !؟ وكيف سأواجهه ، وعلى أي صورة سيكون شكلي خلال الأعوام القادمة !؟ إنني موقنة بأن الخريف قادم ، وإن الزمن يتربص بنا ليوجه ضرباته المتتالية لتغيير الملامح والألوان .. وأعرف إن السينما عندنا تفضل الشباب والجمال وتفتح لهما مجالاً واسعاً ... . ــ فاصل موسيقي ــ وتواصل سعاد حديثها ، فتقول : ... فكرة الإعتزال موجودة في ذهني منذ سنوات ، وليس عندي أي مانع في الإعتزال .. فلم أعد متشبثة بالسينما كما كنت في الفترات السابقة ، بل أصبحت أكثر مرونة .. لم تعد السينما وحدها تملك أن تعطيني هذا الإحساس ، ولاشك إن هذا تغير جوهري بالنسبة لي ، ولكني أشعر به .. وعندما أفقد القدرة على تقديم جديد ، وأقوم بدور ثاني في الحياة ، سوف أتوقف على الفور ، وبلا تراجع ... . ومن إعترافات سعاد حسني هذه ، نستشف مدى سيطرة الرقيب الداخلي عند الإنسان ، حيث الحذر والتدقيق في إختيارها للأدوار .. ففي السنوات العشر الأخيرة ، إستطاعت سعاد حسني بفضل هذا الرقيب ، أن تقدم أدواراً متميزة وهامة .. فقد أصبحت البطولة لا تهمها ، بقدر مايهمها قوة الدور ، طال أو قصر .. فهي في فيلم ( عصفور من الشرق ) تقدم دور قصير وصامت ، وهي في فيلم ( الجوع ) تكتفي بدور ثانٍ مهم . ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة لتجربتها في فيلم ( الدرجة الثالثة ) ، فقد كان من المفترض أن تقدم فيه إستعراضات غنائية ، لولا وفاة الفنان صلاح جاهين ، وهو من الأصدقاء المقربين جداً لسعاد ، وقد شاركها في جميع تجاربها الإستعراضية ككاتب ، وغياب هذا الفنان قد أشعرها بالضياع فبدت مترددة وغير واثقة من نفسها .. مما جعلها تتغيب عن بروفات الإستعراضات ، والتي لم تصور بعد .. وأمام إصرار المنتج ، إستسلم المخرج شريف عرفة وجهز الفيلم للعرض .. وفعلاً عرض الفيلم ، وجاء دور سعاد حسني باهتاً لا معنى له ، حيث فقد أجمل مافيه ، ألا وهو الإستعراضات . وفي آخر أفلامها (الراعي والنساء ) تألقت سعاد حسني ، وقدمت درساً بليغاً في الأداء الرصين ، وأمتعتنا بلحظات من العذوبة والدفء والشجن. ــ فاصل موسيقي ــ أفلام وجوائز ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة للجوائز ، في حياة سعاد حسني ، فهي كثيرة ، خصوصاً مع فنانة شاملة مثلها .. فمن أهم الجوائز ، جائزة الدولة الثانية عن دورها المميز في فيلم ( الزوجة الثانية ) عام 1968 ، وجائزة الدولة الثانية عن دورها في فيلم (الحب الذي كان) عام 1974 ، وجائزة الدولة الأولى عن دورها في فيلم (أين عقلي) عام 1975 .. وكانت آخر جائزة حصلت عليها سعاد حسني ، من جمعية الفيلم ، كأفضل ممثلة عن عشر سنوات ، منذ 1975 الى 1984 . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزي المستمع .. هذه هي الفنانة سعاد حسني ، أو سندريلا الشاشة المصرية .. فنانة بكل ماتحمله هذه الكلمة من معنى .. ممثلة ممتازة وغير عادية ، قادرة على أن تعطي في كل الأدوار بدون إفتعال ، وقادرة أن تصل الى القلوب بسرعة ملفتة .. فنانة تتمتع بعبقرية حقيقية في التوصيل لأعمق الأعماق من المعاني .. هذه هي سعاد حسني التي لن تتكرر أبداً في تاريخ السينما المصرية . والآن عزيزي المستمع .. نتوقف هنا لنلتقي بك في الحلقة القادمة لنستكمل الحديث عن الفنان العالمي عمر الشريف .. فالى اللقاء . ختام
مشاهير ـ الحلقة 31 ـ إعداد : حسن حداد أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في أولى حلقات برنامجنا الأسبوعي ( مشاهير ) ، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في الأمس تحدثنا عن نجوم الفيلم الغنائي ، واليوم نكمل حديثنا عن مخرجي الفيلم الغنائي . ونجمنا لهذه الحلقة هو الفنان الرائد أحمد بدرخان ، رائد الفيلم الغنائي . ــ فاصل موسيقي ــ في أغسطس الماضي ، يكون قد مضى تسعة وعشرون عاماً على وفاة المخرج المصري الكبير "أحمد بدرخان" ، والذي يعد رائداً من رواد السينما المصرية .. وإنه لابد لأي كاتب أو باحث سينمائي ، عند الحديث عن تاريخ السينما المصرية ، أن يتوقف كثيراً عند تجربة "أحمد بدرخان" .. فقد ساهم هذا الفنان الكبير بدور فعال في تأصيل السينما المصرية على أسس منهجية سليمة . ولا يمكن إلا أن نشير ، في بداية حديثنا ، بأن "أحمد بدرخان" كان وراء إقدام الإقتصادي "طلعت حرب" على إنشاء إستوديو مصر ، والذي يعد بمثابة الجامعة التي خرَّجت أجيال من العاملين في الحقل السينمائي فيما بعد ..هذا إضافة الى أنه قد تخصص أكثر في إخراج الفيلم الغنائي ، بل أصبح رائداً من رواده .. فقد قدم أفلاماً لأهم عمالقة الغناء في مصر ، أمثال : أم كلثوم ، فريد الأطرش ، إسمهان ، نجاة الصغيرة ، محمد فوزي ، محمد عبدالمطلب ، وغيرهم كثيرون . وهذا لا ينفي ـ بالطبع ـ من أنه قدم أيضاً للسينما موضوعات متعددة وبعيدة عن الطابع الغنائي ، عاطفية وإجتماعية وسياسية ، إلا أن جميعها تندرج ضمن أسلوب سينمائي واحد ، تميز به "بدرخان" ، وهو الأسلوب الرومانسي . ــ فاصل موسيقي ــ ولد "أحمد بدرخان" في الثامن عشر من أكتوبر عام 1909 بالقاهرة ، وحصل على الشهادتين الإبتدائية والثانوية من مدرسة "الفرير" .. وقد بدأ تعلقه بالسينما وهو في الثانية عشرة ، حيث كان يتردد كثيراً علي دار سينما "الكوزمو" بشارع عمادالدين ، وكان أحد أفلام "شارلي شابلن" الصامتة ، هو أول ماشاهده "بدرخان" من أفلام ، فأعجب به كثيراً وأحب التمثيل من خلاله ، وبالتالي صمم أن يظهر على الشاشة .. وكانت صداقته بزميل الدراسة "جمال مذكور" ، والذي يشاركه نفس الهواية ، سبيلاً لأشباع هواية التمثيل لديه .. فقد كانا يترددان على مسرح رمسيس بإستمرار لمشاهدة المسرحيات وحضور بروفاتها . ــ فاصل موسيقي ــ وعندما أراد "بدرخان" أن يطور من موهبته للتمثيل ، إلتحق بمعهد التمثيل الذي أنشأه "زكي طليمات" عام 1930 ، إلا أنه لم يستمر بالدراسة فيه ، نظراً لإغلاقه .. وبعد حصوله على شهادة الكفاءة الفرنسية إلتحق "بدرخان" بالجامعة الأمريكية ، وشارك في نشاط فريق التمثيل ، والذي كان "جورج أبيض" يتولى تدريبه .. كما أن "بدرخان" نفسه قد كوَّن فريقـاً للتـمثـيل أطـلق عليه إسـم ( فريق الطليعة ) ، وقام بتمثيل دور البطولة في مسرحية ( الأديب ) التي قدمها على مسرح رمسيس . ــ فاصل موسيقي ــ بعدها ، إلتحق "بدرخان" بكلية الحقوق لدراسة القانون تلبية لرغبة والده ، وفي نفس الفترة أيضاً بدأ في مراسلة معهد السينما في باريس ، حيث كانت تصله محاضرات ودراسات في السينما ، إستطاع أن ينشر معظمها في مجلة "الصباح" ، والتي أُسند إليه فيما بعد تحرير قسم السينما الأسبوعي فيها . ومن خلال كتاباته في السينما ، إستطاع "بدرخان" أن يلفت إليه إنتباه الإقتصادي الكبير "طلعت حرب" ، والذي إستدعاه فيما بعد وطلب منه تقريراً وافياً عن إمكانية إنشاء أستوديو سينمائي في مصر .. فعكف "بدرخان" علي كتابة هذا التقرير ، مستعيناً بما لديه من كتب ومقالات عن الأستوديوهات .. هذا إضافة الى المعلومات والتفاصيل الفنية بالأستوديوهات ، والتي زوده بها صديقه "نيازي مصطفى" الذي كان يدرس السينما في ألمانيا .. ومن ثم حاز هذا التقرير على الموافقة من "طلعت حرب" ، وبدأ في المشروع بتنفيذه .. والى أن يتم تنفيذه ، أرسل "حرب" بعثتين لدراسة السينما بفرنسا وألمانيا ، وكان "بدرخان" على رأس بعثة فرنسا ، وهناك في باريس إلتقى بـ"نجيب الريحاني" أثناء تصوير فيلمه ( ياقـوت أفـندي ـ 1934 ) فعمل مساعداً لمخرج الفيلم "أمـيل روزييه" . ــ فاصل موسيقي ــ وفي أثناء تواجده في باريس ، إستلم "بدرخان" من أستوديو مصر قصة "وداد" ليعد لها السيناريو ، ولتكون باكورة إنتااج الأستوديو .. وفي أكتوبر 1934 عاد "بدرخان" من بعثته ، وعيِّن مخرجاً سينمائياً بأستوديو مصر ، بمرتب قدره عشرون جنيهاً شهرياً . لقد كان من المفترض أن يكون فيلم ( وداد ـ 1936 ) ، وهو من بطولة "أم كلثوم" ، أول مشاريعه الإخراجية ، فقد بدأ بالفعل في تصوير بعض من مشاهده الخارجية ، إلا أنه ـ وبسبب خلاف شخصي مع مدير الأستوديو "أحمد سالم" ـ تم تنحيته عن الإخراج وإسناده الى الخبير الألماني "فريتز كرامب" ، وإحتجاجاً على هذا التصرف ، قدم "بدرخان" إستقالته من الأستوديو . ــ فاصل موسيقي ــ وفي العـام التـالي إختـارت "أم كلثوم" بنفـسـها "أحمد بدرخان" لإخراج ثاني أفلامها وهو ( نشيد الأمل ـ 1937 ) ، والذي أنتجته شركة "أفلام الشرق" في أولى مشاريعها الإنتاجية .. وكان هذا الإختيار بمثابة رد الإعتبار لـ"بدرخان" .. ثم بعد ذلك قام بإخراج جميع أفلام "أم كلثوم" ، ماعدى فيلم ( سلاّمة ) الذي أخرجه منتجه "توجو مزراحي .. حتى أن "أم كلثوم" قد إختارت "بدرخان" أيضاً لإخراج أغنيتها ( الى عرفات الله ) عندما أراد التليفزيون أن يصورها . ــ فاصل موسيقي ــ وقد تميز "أحمد بدرخان" بإخراج الأغنية السينمائية ، حيث تفوق علي بقية زملائه المخرجين ، وذلك لأنه كان شاعراً وزجالاً ، وكان يضع أفكار أغاني أفلامه ، هذا إضافة الى أنه قد كتب كلمات بعض أغاني أفلامه . فقـد قـام "بدرخـان" بإخراج أول أفـلام "فريد الأطرش" مـع شقيقته "إسـمهان" ، وهو فيـلم ( إنتصار الشباب ـ 1941 ) .. ثم أخرج مجموعة من الأفلام قام بإنتاجها وبطولتها "فريد الأطرش" ، وهي : ماأقدرش ، أحبك إنت ، عايز أتجوز ، عهد الهوى ، آخر كدبة ، إزاي أنساك.. كما أخرج فيلم ( تاكسي حنطور ـ 1945 ) لـ"محمد عبدالمطلب" ، ولـ"عبدالعزيز محمود" فيلم ( علشان عيونك ـ 1954 ) ، ولـ"محمد الكحلاوي" فيلم ( أنا وإنت ـ 1950 ) ، ولـ"محمد فوزي" و "نور الهدى" فيلمين ( مجد ودموع ـ 1946 ) و ( قبلني يا أبي ـ 1948 ) ، ولـ"عبدالغني السيد" و "نجاة علي" فيلم ( شيء من لاشيء ـ 1938 ) ، و فيلم ( غريبة ـ 1958) وهو أول أفلام "نجاة الصغيرة" . ــ فاصل موسيقي ــ وفي عام 1944 كوَّن "بدرخان" مع "أمينة رزق" و "عبدالحليم نصر" و "حلمي رفلة" شركة إنتاج تحت إسم شركة إتحاد الفنانين وقدمت أفلام مثل : قبلة في لبنان ، القاهرة ـ بغداد، سجى الليل ، عدل السماء ، وغيرها . ويعتبر "أحمد بدرخان" أول من نادى بإنشاء معهد للسينما ، وذلك من خلال ما كتبه في الصحافة .. هذا إضافة الى أنه ألف أول كتاب عن السينما باللغة العربية عام 1936. ــ فاصل موسيقي ــ وقد أنتخب "بدرخان" نقيباً للسينمائيين ورئيساً لإتحاد النقابات الفنية ، وتولى منصب عميد المعهد العالي للسينما بعد إستقالة "محمد كريم" .. كما تولى عدة مناصب في وزارة الثقافة ، كان أولها مدير شؤون السينما عام 1959 ، ثم أصبح المستشار الفني لمؤسسة السينما ، حيث رأس الوفود السينمائية في كثير من المهرجانات الدولية ، وإستمر يشغل منصبه هذا حتى يوم وفاته في 23 أغسطس 1969 . ــ فاصل موسيقي ــ هذا هو "أحمد بدرخان" ، الفنان الكبير ذو الإحساس المرهف والهاديء لدرجة من الصعب إثارته ، هذا بالرغم من كونه في موقع قيادي صعب كمخرج .. فهو علي عكس الكثير من المخرجين ، يحتفظ دائماً بهدوئه وشاعريته داخل الأستوديو . ــ فاصل موسيقي ــ وهكذا كان "بدرخان" ، الفنان الذي أبى ألا أن يكون له إبن يواصل مسيرته الفنية ، ويمارس عشقه للسينما .. وها نحن نعيش في زمن سينمائي ، يتربع على إحدي عروشه ، إبنه المخرج المبدع "علي بدرخان" ، كواحد من بين أهم المخرجين العرب . والآن عزيزي المستمع .. نتوقف هنا لنلتقي بك في حلقة جديدة ولقاء جديد مع نجم آخر . ختام
مشاهير ـ الحلقة 32 ـ إعداد : حسن حداد أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في أولى حلقات برنامجنا الأسبوعي ( مشاهير ) ، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في حلقتنا هذه ، نتحدث عن المخرج الثاني الأهم ، بعد أحمد بدرخان ، الذي قدم لنا الفيلم الغنائي ، وهو الفنان هنري بركات ، رائد آخر من رواد السينما المصرية . ــ فاصل موسيقي ــ يعد المخرج الكبير هنري بركات علامة بارزة في السينما المصرية .. وقيمة فنية لها رصيدها المتصاعد .. يشهد له القدامى والجدد من السينمائيين بالمقدرة والكفاءة والاسلوب المتميز . وهو المخرج الذي عقد أنجح زواج بين السينما والأدب ، حينما أخرج فيلمي (دعاء الكروان) لطه حسين ، و(الحرام) ليوسف ادريس . وقد إشتهر المخرج "هنري بركات" بأفلامه العاطفية والغنائية ذات الطابع الرومانسي . ولد هنري بركات في الحادي عشر من يونيو عام 419_ . بدأ السينما في نهاية الثلاثينات وحتى رحيله العام الماضي . فقد كان يخشى التوقف لحظة عن العمل ، ومن هنا التباين الشديد في اعماله الثمانين التي اخرجها خلال الاربعين عاماً الاخيرة ، فهنري بركات مخرج (الحرام) و(دعاء الكروان) هو ايضاً مخرج (شعبان تحت الصفر) و (العسكري شبراوي) ... ــ فاصل موسيقي ــ كان بركات في حوالي العاشرة حين ذهب الى السينما للمرة الاولى ، وهي سينما (بلانتيد) في شبرا ، وفي هذه السينما شاهد افلام دوجلاس فير بانكس وغيره من نجوم ذلك العصر ، ومن الافلام التي أثرت عليه في تلك الفترة فيلم (ميشيل ستروجوف) . يقول بركات : لقد ادهشتني السينما كثيراً ، وعلى وجه التحديد أدهشني تأثيرها القوي علي وعلى الاولاد الذين كانوا معي ، فعندما كانت تقوم مشاجرة بين بطل الفيلم وعدوه ، كنا نتشاجر معاً في حديقة السينما ، وعندما تنتهي المشاجرة نعود الى مقاعدنا في انتظار المشاجرة التالية .. وهكذا . بدأت علاقة "بركات" بالسينما بعد تخرجه من كلية الحقوق ، وكان ذلك تحقيقاً لرغبة والده فقط ، اذ لم يكن لديه أي ميل الى العمل بالمحاماة ، بدأت عندما إشترك مع شقيقه في إنتاج فيلم (عنتر أفندي) الذي اخرجه ستيفان روستي عام 1935.. وأثناء متابعته للتصوير في الاسكندرية اعجبه العمل في السينما ، وشعر برغبة عارمة في ان يكون مخرجاً . وقد كان فشل هذا الفيلم حافزاً لظهور رغبته في أن يصبح مخرجاً . يتحدث بركات ، فيقول : عندما رأيت سميرة خلوصي ومختار عثمان وهما يمثلان في ذلك الفيلم قلت لستيفان روستي هذا التمثيل ليس طبيعياً ففيه مبالغات كثيرة في الحركة والالقاء وليس هذا ما يحدث في الحياة ، واذكر انه قال لي ولكن هذا هو التمثيل !! لذلك عندما سافر الى فرنسا لدراسة القانون ، إهتم هناك بدراسة السينما أيضاً ، وتنقل بين إستوديوهات باريس ، كما شاهد كماً كبيراً من الأفلام وقرأ كل ما وقع تحت يديه من كتب ومجلات سينمائية .. وعندما عاد الى القاهرة قال له المصور الايطالي كاديني (مادمت تحب السينما وتريد أن تكون مخرجاً فلابد أن تعمل أولاً في المونتاج ). لذلك بدأ حياته الفنية كمساعد للإخراج والمونتاج في عدة أفلام . ــ فاصل موسيقي ــ وبدأ بركات يهتم بالمونتج اهتماماً خاصاً ، ومن حسن حظه أنه كان شريكاً لشقيقه في دار عرض بالظاهر ، فانتهز الفرصة وبدأ يدرس الافلام على المافيولا طوال الليل بعد انتهاء العرض ، ليعرف لماذا قطع المخرج هنا ولماذا لم يقطع هناك ، ولماذا جاءت هذه اللقطة طويلة ولماذا كانت اللقطة التالية لها قصيرة . وعمل بركات كمونتير ، وكان أهم فيلم له هو (إنتصار الشباب) للمخرج أحمد بدر خان ، كما عمل مساعداً لستيفان روستي وأحمد جلال وحسين فوزي وأحمد كامل مرسي . ــ فاصل موسيقي ــ ولم يكن الشريد هو أول فيلم يصوره بركات ، وإن كان هو أول افلامه ! فقد كان يعمل مساعداً للمخرج أحمد جلال في فيلم (العريس الخامس) عام 1941 ، وبعد أن أعد الفيلم للعرض اكتشفت آسيا وكانت هي المنتجة أن الفيلم أقصر من اللازم وكان أحمد جلال مشغولاً في تصوير فيلم آخر فطلب من بركات أن يكمل (العريس الخامس) ، وبالفعل قام بركات بتكملة الفيلم ، وكانت تجربة صعبة ولكنها علمته الكثير . ثم جاء فتوح نشاطي وعرض على بركات اخراج فيلم عن قصة (الشريد) لتشيكوف وكان هذا الفيلم هو أول افلامه فعلاً . ومن أهم المخرجين الرواد الذين تأثر بهم هنري بركات ، هم كمال سليم ومحمد كريم ونيازي مصطفى وأحمد بدرخان .. ويقول بركات : لكني تأثرت بكمال سليم خاصة بفيلمه (العزيمة) ، لقد هزني الصدق الفني في (العزيمة) وعلمني كمال سليم أن مرحلة التحضير هي أهم مراحل الاخراج ، وكان التحضير آنذاك يثير سخرية العاملين في السينما وخاصة المنتجين . ــ فاصل موسيقي ــ وبعد (الشريد) الذي عرض عام 1942 ، أخرج بركات افلام (المتهمة ، لوكنت غني ، أما جنان) عام 1943 ، و (القلب له واحد) عام 1944 ، و (هذا جناه أبي) عام 1945 ، و (حبيب العمر ، الهانم ، سجى الليل) عام 1947 . يتحدث بركات ، فيقول : كان (سجى الليل) الذي كتبه يوسف جوهر هو أول افلامي الهامة ، الى جانب فيلمي الاول بالطبع الذي لن أنسى سعادتي وأنا اخرجه أبداً . ورداً على سؤال (ما الذي يدفعك للوقوف وراء الكاميرا لاخراج الافلام) .. قال بركات : عندما أقرأ أو أشاهد قصة ما تعجبني تتملكني الرغبة في أن يشاركني الناس الاعجاب بها ، سواء كانت قصة مصدية أم أجنبية ممصرة ، بالطبع هناك مجموعة من افلامي لا تعدو تركيبة أو طبخة تجارية ، أنا لا أنكر ذلك فتلك حقيقة لا مفر منها ، وكلني نادراً ما أخرجت فيلماً أكرهه . ــ فاصل موسيقي ــ ثم أخرج بركات افلام (العقاب ، ليت الشباب ، الواجب) عام 1948 ، و(عفريته هانم ، شاطىء الغرام ، معلهش يا زهر) عام 1949 ، و(أمير الانتقام) عام 1950 ، و(ورد الغرام ، ما تقولش لحد) عام 1951 ، و(من القلب للقلب ، غلطة أب) عام 1952 ، و(أنا وحدي ، لحن الخلود ، قلبي على ولدي ، حكم الزمان) عام 1953 ، و(أنا الحب ، رسالة غرام ، دايماً معاك ، حدث ذات ليلة ، إرحم دموعي) عام 1954 ، و(قصة حبي) عام 1955 ، و(موعد غرام ، بنات اليوم) عام 1956 ، و(حتى نلتقي ، ماليش غيرك) عام 1958 ، و(إرحم حبي ، حسن ونعيمة) عام 1959 . وقدم بركات فريد الاطرش وعبد الحليم حافظ ومحمد فوزي وفيروز وليلى مراد وفاتن حمامة وسعاد حسني في اشهر افلامهم . ويذكر بركات بأن أهم افلامه في تلك الفترة هي (الواجب ، شاطىء الغرام ، لحن الخلود ، إرحم دموعي ، بنات اليوم) ، وإن كان (حسن ونعيمة) بداية جديدة بالنسبة إليه . ويواصل : في (حسن ونعيمة) ، أدركت كما لم أدرك من قبل أن القرية هي مصر الحقيقية ، ولعل هذا ما إتضح بعد ذلك في (الحرام) . ــ فاصل موسيقي ــ بعد (حسن ونعيمة) أخرج بركات (دعاء الكروان ، وشاطىء الحب) عام 1960 ، و(في بيتنا رجل ، أمير الدهاء ، الباب المفتوج) عام 1964 ، و(الحرام ، ليلة الزفاف) عام 1965 . ثم سافر الى لبنان ليخرج افلام (سفربرلك) عام 1976 ، و(بنت الحارس ، الحب الكبير) عام 1968 ، وجزء من فيلم (ثلاث نساء) عام 1969 . ثم عاد الى القاهرة ومنها الى تونس والمغرب ليصور فيلمه رقم 50 (الحب الضائع) ، وهو الفيلم الثاني الذي يخرجه عن رواية للدكتور طه حسين بعد (دعاء الكروان) . واشترك بركات في غالبية سيناريوهات افلامه ، وهدفه من ذلك ، كما يقول ، هو أن ينال حريته كمخرج : فأنا لا استطيع ان اكون مجرد منفذ ، بل ولقد كنت اقوم بمونتاج افلامي حتى فيلم (عفريته هانم) عام 1949 حين أصبح هناك مونتير بمعنى الكلمة في السينما المصرية ، وحتى الآن لازلت اشرف على مونتاج افلامي . ــ فاصل موسيقي ــ وبسبب نجاح افلامه العاطفية الرومانسية والغنائية ، فقد أخرج ـ وفي موسم واحد ـ أربعة أفلام .. وكان لايخلو موسم واحد من فيلم أو أكثر له .. الى أن قدم فيلمه الكبير ( دعاء الكروان ) ، والذي كان بمثابة إعلاناً بتميزه وأهميته كمخرج كبير، وتأكيداً لقدراته الفنية المتميزة . وبذلك إستحق عدة جوائز محلية قدمتها الدولة له ولفيلمه هذا ، وهي : جائزة أفضل ممثلة لـ"فاتن حمامة" ، وجائزة أفضل ممثل لـ"أحمد مظهر" ، كما فازت "زهرة العلا" بجائزة أفضل ممثلة مساعدة .. هذا إضافة الى جوائز الإخراج والسيناريو والإنتاج . ــ فاصل موسيقي ــ أما على الصعيد السينمائي الدولي ، فقد إشتركت مصر بفيلم ( دعاء الكروان ) في مسابقة الأوسكار ، ووصل الفيلم الى التصفية النهائية ، ضمن أفضل خمسة أفلام أجنبية ، وأرسلت لجنة الأوسكار عام 1961 شهادة تقدير لوصول الفيلم الى التصفية النهائية ، وإن كان الفيلم لم يفز بإحدى جوائز الأوسكار .. كما أختير ( دعاء الكروان ) لتمثيل السينما المصرية في مهرجان برلين الدولي في نفس العام . ــ فاصل موسيقي ــ بعد هذا الفيلم ، بدأت تتضح بشكل أكثر الرؤية الفنية لـ"بركات" ، حيث قدم فيما بعد عدة أفلام هامة ، مثل : الباب المفتوح ـ 1964 ، الحرام ـ 1965 ، الخيط الرفيع ـ 1971، أفواه وأرانب ـ 1977 ، ولا عزاء للسيدات ـ 1980 ، ليلة القبض على فاطمة ـ 1985 .. ومن المعروف للجميع ، بأن ( فاتن حمامة / بركات ) من أنجح الثنائيات بين ممثلة ومخرج ، وأفضل أعمال الإثنان هي التي جمعتهما معاً . اما بالنسبة لافلامه السياسية والوطنية ، ففي فيلم (في بيتنا رجل) اتجه بركات الى الحس الوطني ومشاعر الانتماء لدى جمهوره ، وذلك من خلال معالجة جيدة وحساسة لقصة احسان عبد القدوس المعبرة عن هذه المشاعر الوطنية التي تصطخب في صدور الشباب الذين ينتمون للطبقة المتوسطة في الاسر المصرية . وفي (الباب المفتوح) قدم الحس الوطني الى جانب التبشير بحساسية جديدة تفرد مساحته للدور الوطني الذي يمكن ان تلعبه المرأة في تطور مجتمعها السياسي . ــ فاصل موسيقي ــ يتحدث بركات ويقول : في البداية عملت فيلمين سياسيين (في بيتنا رجل) و (الباب المفتوح) ، اما الآن فأنا غير مهتم بالفيلم السياسي . في بيتنا رجل قصة احسان عبد القدوس وكانت قد اعجبتني بعد أن قدمت في المسرح القومي ونجحت نجاحاً كبيراً وكان وقتذاك هناك جوائز جوائز تقديرية بـ 5000 جنيه تمنح للإنتاج ورأيت هذه القصة سينمائياً جميلة ، فأنتجت الفيلم وصرفت عليه ببذخ وبدون تفكير أملاً في الحصول على هذه الجائزة وكانت وقتذاك المنافسة قوية من المنتجين ، وفي العام الذي أخرجت فيه الفيلم وانتجته ألغيت هذه الجائزة فصدمت ، ولكن ما هدأ من نفسي بعد ذلك هو نجاح الفيم . بعدها قرأت رواية (الباب المفتوح) فاستهوتني واشتريتها من الدكتورة لطيفة الزيات ولكن فيلم الباب المفتوح ، تجارياً لم ينجح وفنياً كان رائعاً . بعد هذين الفيلمين أصبح عندي احساس جعلني بعدت عن طريق الفيلم السياسي نهائياً . ويواصل : الملاحظ بان افلامي الاولى كانت في مجموعها غنائية ثم جاءت الافلام العاطفية ، وتلتها افلام هي مزيج من الواقع والشاعرية لانني لا استطيع الهروب من الشاعرية التى تطبعني، ثم قدمت افلاماً فيها الكوميديا والمشاكل الاجتماعية . ــ فاصل موسيقي ــ إن من أهم ما يتميز به أسلوب "بركات" في الإخراج السينمائي ، هو قيادته للممثل ، والتي برع فيها الى حد كبير .. يقول "بركات" : للممثل عندي دور كبير ، فهو وسيلتي الأساسية للتعبير عن الإنسان .... كما يتميز "بركات" بتكوينات الصورة السينمائية المريحة جداً للعين ، والتي تخلو من الإفتعال والإستعراض الفني .. هذا إضافة الى كاميرته وحركتها الناعمة التي تتناسب والمونتاج الهاديء لهذه النعومة والشاعرية .. وقد بدى ذلك واضحاً الى حد كبير في فيلمه الآخر ( الحرام ـ 1965 ) . والفنان الراحل هنري بركات ، مخرج كبير ، والكثير من اعماله تحتاج الى اعادة قراءة واعادة تقييم ، والافلام التي تستحق النسيان تظل دلالتها المرتبطة بالفترة الزمنية التي انتجت خلالها ، اما الروائع فتمتلك دون جدال مقومات الخلود ، وما تركه هنري بركات منها يعد شهادة ميلاد لمخرج كبير تزداد قيمته في كل مرة نجلس للفرجة عليها . وان كنا في كل مرة نتذكر فيها هنري بركات لا نتذكر غير عملين فقط هما (دعاء الكروان ، الحرام) وننسى في غمرة احتفالنا المتجدد بهذين العملين عشرات الافلام الاخرى التي لا يخلو الكثير منها من قيم موضوعية وفنية مثل (امير الانتقام ، امير الدهاء) . هذا اضافة الى البومه الرومانسي الذي يضم عدداً غير قليل من الافلام الجيدة التي تعالج المشاعر العاطفية والعلاقات الانسانية بين الرجل والمرأة في تجلياته المختلفة ، ومن خلال اطار اجتماعي وفكري يكشف عن وعي المخرج بطبيعة المناخ الذي يعزز هذه العلاقات ويتحكم فيها . وبرغم من جذوره الشامية الا ان افلامه مصرية حتى النخاع واحساسه البصري مشبع بالروح الشعبية وتجلى ذلك في افلام (حسن ونعيمة ، دعاء الكروان ، الحرام) ، او في تابلوه المسحراتي الذي لم يجد التليفزيون غيره حتى الآن تعبيراً عن شهر رمضان . ــ فاصل موسيقي ــ وبرحيل بركات فقدت السينما المصرية والعربية أحد أهم الرواد المبدعين ، فقد ظل اسمه عنواناً للشريط الجميل والشخصيات النبيلة والفن الشجي ، وما تركه بركات يجعله خالداً خلود الدهر في ثقافتنا ووجداننا ، كلما سمعنا محمد فوزي يغني مع ليلى مراد (شحات الغرام) ، او فاتن حمامة تستمتع بـ (دعاء الكروان) ، او انور وجدي في (امير الانتقام) ، او سعاد حسني عندما تعيش (الحب الضائع) . لقد كان مخرج المشاعر النبيلة التي تحرك شخصياته وتؤثر ردود افعالها . ــ فاصل موسيقي ــ اخرج هنري بركات افلاماً بعدد سنوات عمره ، فقدم لنا 86 فيلماً أو ما يزيد بين عامي 1914 و 1997 ، لم يتملق في يوم من الايام ناقداً فنياً او حتى كاتباً كبيراً .. لم يشتري احداً من اجل دعاية زائفة او مكسب زائل . ولم يكن بركات يزعم بانه صاحب رسالة ولا كان يطمح الى العالمية ولم يكن يريق ماء وجهه من اجل جائزة مصطنعة ، بل مضى من طريق كصانع للفيلم يحقق ذاته في الوقوف وراء الكاميرا هدفه الاوحد ان يتمتع الجمهور وتحقق افلامه النجاح لانه وبرغم هذا التواضع يمتلك مخرج كبير . لم يترك نوعاً من الافلام لم يقدم فيه الترفيه الخفيف الخالص من الافلام الغنائية ، وحتى افلام الفنتازيا والاكشن التاريخية . وكانت أرضاً خصبة تنبت الثمر لكن من النوع الاول ، خرجت روائع ستظل عالقة بالذاكرة كعلامة مميزة لفن بركات وتمثل علامة مميزة في تاريخ تطور السينما المصرية . والآن عزيزي المستمع .. نتوقف هنا لنلتقي بك في حلقة جديدة ولقاء جديد مع نجم آخر . ختام
برنامج مشاهير - الحلقة 33 - إعداد : حسن حداد نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بأن نلتقي بكم في حلقة جديدة من برنامجنا الأسبوعي (مشاهير)، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله. - فاصل موسيقي - عزيزنا المستمع .. مخرجنا في حلقتنا هذه، يعد من أبرز مخرجي السينما التقليدية التجارية في مصر، كما يعد من الجيل الوسط بالنسبة للمخرجين الذين قدموا الأغنية في السينما، فقد اشتهر بفيلمه (أبى فوق الشجرة) الذي قام ببطولته نجم النجوم العندليب عبد الحليم حافظ، ولاقى نجاحاً كبيراً، بل ومنقطع النظير. وهو الفيلم الذي قلب الموازين الفنية بالنسبة للمخرج حسين كمال. ومما لا شك فيه في أن حسين كمال مخرج مبدع وموهبة فنية كبيرة، إلا إن السينما المصرية الجادة قد خسرته، بعد أن أهداها فيلمه (البوسطجي) عام 1968، والذي يعد من بين أهم عشرة أفلام في تاريخ السينما المصرية. - فاصل موسيقي - ففي أفلامه الثلاثة الأولى (المستحيل، البوسطجي، شيء من الخوف)، قدم حسين كمال سينما جديدة، أثارت اهتمام النقاد وبشرت بولادة مخرج كبير. إلا أن توقعات النقاد قد خابت بعد أن حصلت انتكاسة كبيرة لهذا المخرج، بعد إخراجه فيلم (أبي فوق الشجرة)، حيث اختار السير في تيار السينما التجارية، وآثر أن يكون مخرج شباك على حساب موهبته وفنه. ومن ثم قدم أفلاما كثيرة لا تمت إلى أسلوبه السينمائي المتميز الذي بدأ به مشواره السينمائي. بدأت ميول حسين كمال الفنية منذ الصغر - كما يقول - بعد أن تعود أن يذهب إلى دار السينما مع العائلة، وكان إحساسه بالخوف والرهبة والانبهار من هذا العالم الغريب، قد أثر في شخصيته. وعند بلوغه مرحلة المراهقة وجه اهتمامه نحو السينما والموسيقى. وقد حاول بعد تخرجه من المدرسة دراسة السينما، إلا أن والده أجبره على دراسة التجارة، رغم مقاومته في الدفاع عن ميوله الفنية. وبعد حصوله على دبلوم التجارة المتوسطة من مدرسة الفرير، سافر إلى باريس لتحقيق حلمه القديم، والتحق بالمعهد العالي للسينما (الأديك)، لدراسة الإخراج، حيث تخرج منه عام 1954. وبعد عودته إلى مصر فوجئ بأن مجتمع السينما في مصر - كما يقول حسين كمال نفسه - كان مغلقاً على مجموعة بعينها من المخرجين والمساعدين، وكانت فترة عصيبة شعرت خلالها بإحباط ويأس لا مثيل لهما. - فاصل موسيقي - اكتفى حسين كمال خلال هذه الفترة بتصميم ملابس وديكورات فندق هلتون النيل. حتى جاء افتتاح التليفزيون عام 1960، ليقدم أوراقه ويجتاز امتحان القبول بتفوق. وقد قبل أيضاً لكونه دارساً للسينما ويجيد خمس لغات. حيث أرسل إلى بعثة تدريبية في إيطاليا، اكتسب خلالها الإحساس بطبيعة العمل التليفزيوني. وعند عودته ثانية عمل مخرجاً للبرامج منها (مجلة الشباب، مشاكل وآراء). بعد ذلك أخرج عدة تمثيليات تليفزيونية منها (الخط ورايا ورايا) و (البديلة) و (لمن تحيا) و (رنين) التي فازت بالجائزة الأولى في مسابقة داخلية بالتليفزيون عام 1963، ثم تمثيلية (كلنا أخوة) و (الفخ) وغيرها. وأهم أعماله التليفزيونية هو فيلم (المنعطف) عن قصة لنجيب محفوظ، والذي فاز بالجائزة الأولى للدراما في مهرجان التليفزيون عام 1964. حيث لفت هذا الفيلم أنظار النقاد والمهتمين بإمكانيات حسين كمال كمخرج تليفزيوني متمكن. في الوقت نفسه الذي أخذت مؤسسة السينما دورها في مجال الإنتاج السينمائي، وفتحت الطريق أمام المخرجين الشباب، حيث كانت فرصة حسين كمال بإخراج أول أفلامه (المستحيل) من خلال القطاع العام. يقول حسين كمال : (مهما كان نجاحي في هذا الفيلم باقياً ويشاد به إلى وقتنا هذا، فإني لن أنسى فضل أستاذي الكبير صلاح ابوسبف الذي أعطاني فرصة عمري لأقدم هذا العمل، والذي جاء بكل المقاييس منعطفاً جديداً نحو السينما كفن قبل أن تكون تجارة!!). - فاصل موسيقي - فيلمه الأول (المستحيل) إنتاج عام 1965، بطولة كمال الشناوي ونادية لطفي، عن قصة لمصطفى محمود. في هذا الفيلم قدم حسين كمال مشكلة اجتماعية نفسية بأسلوب فني جيد وجديد على السينما المصرية آنذاك. حيث لجأ فيه إلى تطبيق خبراته الفنية التي أكتسبها من دراسته وعمله في التليفزيون، وقدم فيلماً بطله هو التصوير السينمائي. فقد اهتم بالناحية التشكيلية فيه من تقسيم الكادر وتوزيع الظل والضوء في المشهد. وكان مدير التصوير الكبير عبد العزيز فهمي هم من ساهم بشكل أساسي في تجسيد ما أراده حسين كمال. بعد ذلك قدم فيلمه الثاني (البوسطجي) عام 1968، ليؤكد به هذه المرة مقدرته كمخرج في التعامل مع ذلك التخلف الشديد الذي تعاني منه القرية المصرية في الصعيد. والفيلم من بطوله شكري سرحان وزيزي مصطفى وسهير المرشدي، وهو مأخوذ عن قصة قصيرة للأديب يحيى حقي باسم (دماء وطين)، إلا أن السيناريو استطاع أن يحولها إلى فيلم سينمائي متماسك، به كل مقومات العمل الناجح، وإن الإضافات فيه مدروسة بعناية ولا تشعر المتفرج بالإطالة أو الافتعال. وبهذا الفيلم استطاع حسين كمال أن يحقق استخداما متقناً للمونتاج بقيادة المونتيرة رشيدة عبد السلام، التي عملت معه في أغلب أفلامه فيما بعد. كذلك استفاد كثيراً من التفاصيل الصغيرة والشخصيات الثانوية في إغناء الخط الدرامي الرئيسي وتعميقه. وحقق أيضا توازناً ملحوظاً وموفقاًً بين السيطرة على حرفياته الفنية والتقنية كمخرج وبين المضمون الذي يطرحه الفيلم. - فاصل موسيقي - يتحدث حسين كمال عن أسلوبه السينمائي، فيقول : (أسلوبي أستمده من العمل نفسه، فأنا آخذ المشهد وأذوب فيه، فالمشهد هو الذي يفرض علي الطريقة التي أنفذه بها، والعمل المكتوب هو الذي يفرض ويحدد أسلوب المعالجة، حيث أنني أترك نفسي له تماماً !!). وقد استطاع حسين كمال كسر وتحطيم بعض القواعد التقليدية، وتقديم شكل جديد وضعه في مصاف أهم المخرجين المصريين المجددين آنذاك. ففي فيلمه الثالث (شيء من الخوف)، إنتاج عام 1969 وبطولة محمود مرسي وشادية، قدم أسلوب مستحدث على السينما المصرية، حيث لجأ إلى جعل الفيلم أشبه بالحكاية الشعبية. علماً بأن الفيلم مأخوذ عن قصة قصيرة للكاتب ثروت أباضة. فقد كان حسين كمال ذكياً في لجوءه إلى أسلوب الحكايات الشعبية واستخدام الأغنيات التي توزعت طوال الفيلم للتعليق على الأحداث. حيث أكسب الفيلم نكهة خاصة جعلت المتفرج يتحمس للفيلم حتى النهاية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى حاول حسين كمال تغطية ما في القصة من مبالغات في المواقف، معتقداً بأن الموقف بمجمله وليس بتفاصيله، هو هدف الفيلم. على العكس في فيلميه السابقين، حيث كانت التفاصيل عوناً له في إغناء الحدث الدرامي وتعميقه. حسين كمال في (شيء من الخوف) قد تخلى عن واقعيته، والتي شاهدناها بشكل صادق في (البوسطجي). فالواقعية ليسب أن تصور في الواقع وتجعل الشخصيات تتكلم بلغة المكان، بل هي تقديم الأحداث والشخصيات بشكل مقنع وصادق لتذوب في هذا الواقع وتعطي عملاً واقعياً متكاملاً. وبالرغم من أن حسين كمال استطاع أن يجعل المتفرج يتعايش مع الريف المصري بتقاليده وعاداته ولغته، إلا أنه لم ينجح في إقناعه بهذه الصورة المفتعلة من الإجرام المتمثل في شخصية (عتريس). إضافة إلى عدم تصديق المتفرج في أن المرأة - في ظل مجتمع متخلف - هي من ينقذ القرية من الظلم والإجرام. وبهذا الفيلم، ينهي حسين كمال مرحلة من أهم مراحله السينمائية، والتي يمكن أن نطلق عليها (المرحلة التجريبية). يقول حسين كمال : (كانت الأفلام الثلاثة سابقة لعصرها بما تقدمه من جديد مختلف عما كانت تقدمه السينما المصرية عموماً في الستينات، فلم يستطع الناس استيعاب هذا الجديد بسرعة. ولكن بعد فترة أصبحت هذه الأفلام، التي شكلت عقدة لي وللناس، مفهومة من الجميع وبالتالي مرغوبة من الجميع !!). وبفيلم (شيء من الخوف) أيضاً، ينهي حسين كمال تعاقده مع القطاع العام، ويتجه للعمل مع القطاع الخاص، لتنفيذ أفلام تستهدف تحقيق أكبر الإيرادات، وتخاطب الغرائز والرغبات السهلة لدى الجمهور المتخلف. - فاصل موسيقي - وهذا ما حدث بالضبط للمخرج حسين كمال، إنها انتكاسة لمخرج جاد، غير فيها أسلوبه السينمائي واهتماماته الفكرية بالكامل. وإذا حاولنا في البحث عن أسباب هذه الانتكاسة فلن نجد إلا أنه قد سعى لإرضاء الجمهور العريض، والذي حققه بفيلم (أبي فوق الشجرة)، على حساب إمكانياته الفنية والفكرية. فقد حقق هذا الفيلم، الذي أنتج عام 1969 وقام ببطولته نجم الجماهير الأول الفنان عبد الحليم حافظ، حقق ما يصبو إليه حسين كمال من شهرة كبيرة وأموال طائلة، حيث استمر عرضه الجماهيري ثلاثة وخمسون أسبوعاً، محطماً بذلك جميع الأرقام القياسية لشباك التذاكر في تاريخ السينما المصرية. ربما يكون صحيحاً، القول بأن حسين كمال، في فيلم (أبي فوق الشجرة)، قد ساهم في تطوير الأغنية السينمائية العربية وتقديمها بشكل يختلف عن الشكل التقليدي المتخلف الذي عودتنا عليه السينما المصرية قبل ذلك .. لكنه في نفس الوقت اعتمد على حكاية ضعيفة ومستهلكة، لا تختلف كثيراً عن الأفلام الغنائية السابقة، لتكون إطاراً لهذه المجموعة الكبيرة من الأغنيات والوجوه والمناظر الجميلة. ومما لا شك فيه، فإن قيام (عبد الحليم حافظ) ببطولة الفيلم، كان له الأثر الأكبر في نجاح الفيلم بهذا الشكل المنقطع النظير. ولا نخفي تصورنا من أن هذا النجاح قد جعل الخرج حسين كمال يتمسك أكثر بما أقدم عليه من تحول شامل، واستمراره في تقديم الأفلام التجارية التقليدية. - فاصل موسيقي - في فيلمه التالي (نحن لا نزرع الشوك) إنتاج عام 1970، المأخوذ عن قصة ليوسف السباعي، قدم حسين كمال عملاً ميلودرامياً لا يختلف عن بقية ميلودرامات السينما المصرية، ولم يضف أي جديد لرصيده السينمائي. أما في فيلم (ثرثرة فوق النيل) إنتاج عام 1970، فقد أثبت بأنه مخرج بلا رؤية وبلا موقف فكري. ومخرج يكرس فنه للمتاجرة بالهزيمة على نحو سيئ ومبتذل. وبالرغم من أن الفيلم قد اعتمد على رواية بنفس الاسم لنجيب محفوظ، إلا أنه ظهر بشكل مختلف تماماً عن الرواية. لذلك من المجحف حقاً المقارنة بين الرواية والفيلم. في عام 1972، قدم حسين كمال فيلمين هما (إمبراطورية ميم، أنف وثلاث عيون) وهما عن قصتين لإحسان عبد القدوس. الأول يلخص فيه مشكلة الافتقاد للروح الديمقراطية من وجهة نظر البورجوازية الجديدة. حيث يقدم لنا الديمقراطية بشكل متخلف وملفق. أما الفيلم الثاني، فهو يندرج ضمن الكثير من الأفلام التي قدمت الجب والجنس. وهو فيلم يعتمد فقط على ممثليه النجوم (محمود ياسين، ماجدة، نجلاء فتحي، ميرفت أمين) في توصيل ما في قصة إحسان عبد القدوس من علاقات عاطفية جنسية غير طبيعية. - فاصل موسيقي - بعد ذلك كان فيلم (دمي ودموعي وابتسامتي) إنتاج عام 1973، الذي يدين فيه حسين كمال عالم رجال الإعمال وأصحاب الملايين ويصفهم بالظلم وانعدام الضمير. لكنه بدلاً من تقديم الضحايا الحقيقيين لهؤلاء الرجال، كآلاف العاملين المسحوقين في مؤسساتهم، أو حتى آلاف المتعاملين مع هذه المؤسسات .. بدلاً من ذلك، نراه يقدم لنا ضحية وهمية التي تتمثل في تلك الفتاة الشريفة (نجلاء فتحي) التي تدافع عن عذريتها في هذا العالم المليء بالذئاب البشرية. وفي موسم 1975، قدم حسين كمال أربعة أفلام دفعة واحدة، وهي (لا شيء يهم، الحب تحت المطر، النداهة، على ورق سيلوفان). الأول والثاني يطرح من خلالهما وجهة نظر سياسية. ففي فيلم (لا شيء يهم)، ليس هناك شيئاً مهماً، إنها مجرد أفكار سياسية مبعثرة، تناولها المخرج بشكل غير مترابط وعشوائي. إضافة إلى فقدان حسين كمال السيطرة على الفيلم الذي انتهى دون أن يقول شيئاً ذو معنى. وفي فيلم (على ورق سيلوفان) يتناول مثلث الحب التقليدي (الزوج - الزوجة - العشيق) وبنفس التركيبة والمواصفات التي شاهدناها مراراً ومللنا منها، ضمن عشرات الأفلام التي قدمتها السينما التجارية المصرية. - فاصل موسيقي - بعدها قدم حسين كمال العديد من الأفلام التجارية، من أبرزها (إحنا بتوع الأتوبيس، حبيبي دائماً، العذراء والشعر الأبيض، قفص الحريم، آه يا بلد آه). ونحن هنا .. عزيزي المستمع، لسنا بصدد تناول جميع أفلام حسين كمال، لكننا سنقف فقط عند أهم الأفلام التي تهم موضوعنا. وسنركز على حسين كمال المخرج الفيلم الاستعراضي. ففي فيلم (مولد يا دنيا) الذي قدمه حسين كمال عام 1976، من بطولة عفاف راضي ومحمود ياسين، والذي احتل مركز أفضل أفلام ذلك الموسم السينمائي. حيث استمر عرضه سبعة عشر أسبوعاً. كتب قصة الفيلم يوسف السباعي مباشرة للسينما، من واقع أحداث فرقة البحيرة للفنون الشعبية، وكما رواها صاحبها ونجم الفرقة كمال نعيم للمخرج حسين كمال. - فاصل موسيقي - ويأتي فيلم (مولد يا دنيا) ليؤكد من جديد مقدرة حسين كمال الفنية في إخراج الأغاني والاستعراضات. فقد سبق له وقدم نموذجاً جيداً ومستحدثاً للأغنية السينمائية في فيلم (أبي فوق الشجرة)، وقد جاء فيلم (مولد يا دنيا) ليجعل للأغنية السينمائية أهمية درامية، وليست مجرد إضافة جمالية للفيلم. كذلك تجربته الناجحة التي قدمها في الثمانينات في المسرحية الكوميدية الاستعراضية (ريا وسكينة)، فقد كانت ناجحة فنياً وجماهيرياً. كما قام حسين كمال بإخراج مجموعة من أغنيات (نجاة الصغيرة) تليفزيونياً وقدمها بشكل استعراضي ناجح. كل هذا يؤكد بأن حسين كمال من بين أبرز المخرجين المصريين وأقدرهم في مجال الفيلم الاستعراضي. مما جعل المهتمين بهذه النوعية من الأفلام يتساءلون .. لماذا لا يكون هناك تخصص من قبل حسين كمال لتقديم الشكل الاستعراضي الذي أثبت فيه مقدرة ودراية. - فاصل موسيقي - نرجع لفيلم (مولد يا دنيا) لنتعرف على الأسباب التي جعلت منه فيلماً ناجحاً. فقد استطاع حسين كمال - وهو ينظر لشباك التذاكر - أن يجمع ما بين المواقف الكوميدية والتراجيدية والمغامرات، وبين الأغاني والاستعراضات .. استطاع أن يجانس فيما بينهما، بشكل مدروس وذكي. حيث كان ربط الحدث الدرامي بالأغنية والاستعراض موفقاً إلى حد كبير وليس زائداً أو مصطنعاً. صحيح بأن الفيلم احتوى بعض المبالغات الدرامية، إلا أن إيجابيات الفيلم كانت أكثر من سلبياته. فقد كانت هناك العديد من المشاهد الجميلة والمؤثرة، والتي استطاعت أن تكسب اهتمام الجميع. فمثلاً فاجئنا حسين كمال بقدرات الفنان عبد المنعم مدبولي التمثيلية التراجيدية، وذلك في مشهد أغنية (يا صبر طيب)، حيث كان واحداً من أجمل وأرق أدوار مدبولي، لإحتواءه على فلسفة ساخرة ومعاني ولمسات إنسانية عميقة. وبالرغم من أن بطولة الفيلم بطولة جماعية، إلا أن (عفاف راضي)، في أول أدوارها السينمائية، برزت من بين الجميع وكانت مقنعة في الأداء وطبيعية جداً. كما كانت هي مفاجأة حسين كمال الثانية في هذا الفيلم. يبقى أن نقول بأن حسين كمال في هذا الفيلم كان في أفضل حالاته بعد مرحلته التجريبية. - فاصل موسيقي - إن السينما التي قدمها حسين كمال، هي بالطبع سينما تجارية تقليدية، إلا أنه وفي نطاق الأفلام التجارية قدم نماذج أفضل بكثير مما قدمها غيره من مخرجي هذه النوعية من الأفلام. ولعل أهم العوامل التي ساعدته لتحقيق ذلك، تكمن في حرصه الشديد على اختيار روايات وقصص معروفة لأشهر الكتاب المصريين، أمثال (إحسان عبد القدوس، نجيب محفوظ، يوسف إدريس، يوسف السباعي، مصطفى محمود)، وتحويلها إلى أعمال سينمائية: هذا إضافة إلى قدراته الحرفية والتقنية في اختيار بقية عناصر الفيلم الأخرى. كما لا يفوتنا أن نذكر بأن اهتمام حسين كمال بعنصر التمثيل والممثلين، كان في صالح العمل السينمائي جماهيرياً. فقد كانت أفلامه دائماً تحمل أسماء نجوم الشباك في السينما المصرية، أمثال (فاتن حمامة، عادل إمام، محمود ياسين، شادية، نور الشريف، نادية لطفي، ماجدة، محمود عبد العزيز، نجلاء فتحي، نبيلة عبيد). والآن عزيزي المستمع .. نتوقف هنا لنلتقي بك في حلقة جديدة ولقاء جديد مع نجم آخر.
مشاهير ـ الحلقة 34 ـ إعداد : حسن حداد أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في أولى حلقات برنامجنا الأسبوعي ( مشاهير ) ، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في الأمس تحدثنا عن ثلاث مخرجين من رواد الفيلم الغنائي ، واليوم في حلقتنا هذه نكمل حديثنا عن مخرجي الفيلم الغنائي ، ونتحدث عن المخرج الجديد في مجال الفيلم الغنائي والاستعراضي ، والذي قدم لنا الفيلم المصري بشكل جديد ومبتكر ، وهو الفنان وهو الفنان المبدع شريف عرفة . ــ فاصل موسيقي ــ والفنان شريف عرفة .. مخرج يعد واحداً من أبرز مخرجي السينما المصرية الجديدة .. فهو يقدم سينما ذات طابع خاص ومتميز فنياً وتقنياً . فجميع أفلامه تحمل سمات وعتاصر فنية مشتركة .. تتحلى بتلك الروح الكوميدية الفنتازية الجميلة . فالمونتاج السريع اللاهث والمحفز والموسيقى التعبيرية المشاركة في الحدث والبعيدة عن التطريب ، هما أبرز العناصز الفنية التي صنعت سينما شريف عرفة .. هذا المخرج الذي بعث روحاً ودماءً جديدة في جسم السينما المصرية . ــ فاصل موسيقي ــ ومخرجنا شريف عرفة ليس بغريب على الوسط الفني ، فهو إبن المخرج السينمائي »سعد عرفة« ، وقد عمل كمساعد لوالده في معظم أفلامه الأخيرة . تخرج من المعهد العالي للسينما في القاهرة عام 1983 ، وإشتغل في أكثر من ثلاثين فيلماً أثناء دراسته بالمعهد ، أما كمدير للإنتاج أو مخرج مساعد . كان باكورة أعمال شريف عرفة كمخرج عام 1986 ، مع زميله السيناريست »ماهر عواد« ـ خريج نفس الدفعة ـ بفيلم (الأقزام قادمون) ، وكان الأول لكليهما . فقد قدما فيه تجربة جديدة وجريئة ، إتضحت ملامحها في قدراتهما على خلق أفضل الأجواء الفنية التي تضع المتفرج في عمق الأحداث . وذلك من خلال حكاية بسيطة ولغة سينمائية سهلة وذكية في نفس الوقت . فقد جاء توظيف مجتمع الأقزام موفقاً ويخدم فكرة الفيلم ، بعيداً عن أي إسفاف أو تهريج . ــ فاصل موسيقي ــ أما الفكرة العامة لفيلم (الأقزام قادمون) فهي إدانة واضحة لمجتمع الإستهلاك ، وتدور حول مافيا الإعلانات التجارية التي تسعى الى تجميل ذلك الزيف الذي يحيط بالمستهلك وفي فيلمهما الثاني (الدرجة الثالثة ـ 1987) يقدم شريف عرفة وزميله ماهر عواد رؤية فانتازيا حول ذلك الصراع التقليدي الذي يدور بين مافيا المجتمع وبين الناس البسطاء .. الذين يحبون بعفوية ودون حدود ومن غير مقابل . ويقدمان هذا الصراع في صيغة مبتكرة وأسلوب فانتازي ساخر . وذلك من خلال تلك العلاقة مابين جمهور الدرجة الثالثة لكرة القدم البسطاء وبين أفراد المقصورة الرئيسية المرفهين ذوي السلطة والنفوذ .. تلك العلاقة التي تتطور وتتوتر متخذة شكل العلاقة بين الحاكم والمحكوم . ولأن شريف عرفة ـ في السينما التي يقدمها ـ يحاول طرح شكل فني جديد ومبتكر ، أكثر من إهتمامه بالفكرة والمضمون ، مع وعيه التام بأن الشكل الفني هو الذي يزيد من قوة المضمون في كثير من الأحيان ، فهو بذلك في فيلمه الثالث (سمع .. هس ـ 1990) ـ مع ماهر عواد أيضاً ـ يقدم شكلاً مبتكراً لمضمون هو مزيج من الكوميديا الإجتماعية الخفيفة والفانتازيا الإستعراضية . ففي هذا الفيلم يقدم الثنائي (عرفة/عواد) نموذجاً لذلك الظلم الإجتماعي الواقع من كبار اللصوص على صغار الشرفاء . وذلك في تناولهما لقصة حمص وحلاوة وقضية سرقة أغنيتهما من قبل الملحن المشهور غندور . ــ فاصل موسيقي ــ وفيلم (سمع .. هس) الذي إعتبره المخرج خيري بشارة بداية فعلية لعصر جديد للسينما المصرية ، فيلم يستحق هذا التقدير فعلاً . فهو فيلم جديد في ترميبته للسيناريو ، حيث يقوم بتعرية المجتمع بأسلوب ساخر لا يعتمد الميلودراما البكائية كأداة توصيل ، وإنما يعتمد الغناء والإستعراض الحركي النابض . وهو أيضاً جديد في إخراجه ، حيث تميز بجمال التكوين من خلال الكاميرا الشاعرية المتحركة والمثيرة ذات الإيقاع السريع والاهث لكشف ذلك الصراع الدائر بين حمص وحلاوة من جهة وغندور وأعوانه من جهة أخرى . ــ فاصل موسيقي ــ أما في (اللعب مع الكبار ـ 1991) ، وهو الفيلم الرابع لشريف عرفة ، فيقدم فيه سينما جميلة متكاملة ، ويؤكد من خلاله رؤيته الإخراجية الخاصة به كمخرج ، التي صبغت أفلامه السابقة وستكون أكثر وضوحاً في أفلامه اللاحقة . ــ فاصل موسيقي ــ وفيلم (اللعب مع الكبار) يتحدث بشكل عام عن ذلك العبث الإقتصادي والإجتماعي بمصائر البشر . ذلك العبث الذي يقوم به كبار المستغلون بحق الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة ، وعاجزين عن مواجهة هذا الإرهاب الواقع عليهم . في (اللعب مع الكبار) ينجح شريف عرفة من تقديم فيلم جماهيري ذو مستوى فني جيد ، يرقى بذوق المتفرج والناقد على السواء . حيث توافرت لهذا الفيلم ثلاثة عناصر فنية متجانسة ، بل ونتألقة أيضاً . فبالإضافة الى نبض شريف عرفة الخاص في الإخراج ، كان هناك جرأة »وحيد حامد« كاتباً للسيناريو ومنتجاً للفيلم . ثم شعبية عادل إمام كنجم جماهيري خارق للعادة .. والذي جاء أداؤه مختلفاً ، صادقاً وحيوياً في هذا الفيلم . وقد جنى هذا التفاعل الفني بين الثلاثي (عرفة/حامد/إمام) ثماراً خصبة ، وفيلماً يعد من بين أهم ما أنتجته السينما المصرية في السنوات الأخيرة . ــ فاصل موسيقي ــ بعدها ، بعود شريف عرفة لزميله السيناريست ماهر عواد ليقدما معاً فيلم (يامهلبية .. يا ـ 1991) . وهو دراما إجتماعية سياسية في قالب كوميدي إستعراضي ساخر .، يطرح رؤية فانتازية خاصة لشكل النضال في فترة الأربعينات ، وذلك من خلال سيناريو خلاق مدروس بعناية ودقة ، قائم على البناء التركيبي للزمن . حيث نشاهد فيلم داخل فيلم ، ونتابع أحداثاً تقع في الأربعينات وأخرى تقع في الوقت الحاضر . ومن خلال مزج جميل ومونتاج متناغم ، ننتقل من الحاضر الى الماضي وبالعكس ضمن إستعراضات منسجمة تماماً ومضمون الفيلم ، تميزت بموسيقى »مودي الإمام« التعبيرية وكامات بهاء جاهين التي لا تكرر المعنى البصري ، بل تساهم في نمو الحدث الدرامي . وفي فيلم (الإرهاب والكباب ـ 1992) يكرر شريف عرفة تجربته السابقة والناجحة مع الثنائي (عادل إمام /وحيد حامد) ، ويقدم من خلال هذا الفيلم دراما إجتماعية كوميدية ، يمكن وصفها بالفانتازيا السياسية . علماً بأن أحداثها لا تبتعد كثيراً عن الواقع .. أي أنها ممكنة الحدوث . ففكرة الفيلم تحمل الكثير من المعاني الزاخرة بالمفاهيم والقيم الإجتماعية والساسية ، صاغها المؤلف والمخرج بأسلوب كوميدي ساخر ، لم يفرغ هذه القيم ـ بالطبع ـ من محتواها ، بل ساهم في البحث عن المنطق الإجتماعي للشخصيات . ــ فاصل موسيقي ــ ومع نفس الثنائي (إمام/حامد) ، يقدم شريف عرفة فيلم (المنسي ـ 1993) . وهو عمل ناعم تدور أحداثه خلال يوم واحد ، ويتناول في معالجة بسيطة وقوية الصراع بين رجل أعمال فاسد ومتسلط ، يريد تقديم سكرتيرته كضحية لتاجر ثري لإنهاء صفقة تجارية مهمة بالنسبة له ، وبين شاب فقير وبسيط وضعته الظروف في طريق هذه الفتاة ، ويسعى لإنقاذها متحدياً رجل الأعمال وحراسه بدون مقابل . ويقدم شريف عرفة في هذا الفيلم لمحات فانتازية حالمة أخاذة ، تؤكد مهارته كمخرج . ــ فاصل موسيقي ــ ومن خلال متابعتنا لأفلام شريف عرفة ، تبرز أمامنا خصائص ومميزات فنية واضحة ، ميزته كمخرج عن بقية مخرجي جيله . فبالإضافة الى ذلك الحس الفانتازي الكوميدي ، فقد إشتركت أفلامه في قيمة رئيسية واحدة ، ألا وهي مواجهة الفرد أو الفريق الضعيف لقوى أكبر منه نفوذاً وتسلطاً ، ثم إدانة هذا النفوذ والتسلط . هذا بالرغم من أن أفلامه تحوي مضامين بسيطة ، بل عادية ليس فيها أي تجديد . وربما تكون هذه نقطة الضعف الأساسية في هذه الأفلام ، إلا أن شريف عرفة يتجاوز هذا الضعف بإعتماده ـ في جميع أفلامه ـ شكلاً فنياً مبتكراً ومحدداً ، يبعده عن سينما المشاعر ، التي تعودها المتفرج في الأفلام المصرية . ــ فاصل موسيقي ــ إن شريف عرفة يعتمد الكوميديا ليس للإضحاك أو للتهريج ، وإنما بإعتبارها أقرب الى تحريك ذهن المتفرج . فالكوميديا تجعل المتفرج يستدعي أو يربط علاقات وليس مشاعر .. عندها يحاول التفكير أكثر من الشعور ، وإذا ما فكر المتفرج في الفيلم إبتعد بالتالي عن الإندماج الكامل فيه ، وبدا له في صورة أوضح وأدق . من هنا يأتي سبب ذلك الشعور من البعض بأن أفلام شريف عرفة لا تعيش طويلاً في داخلهم . إنما في الحقيقة لا يمكن للمتفرج أن يمنع نفسه بالتفكير فيها بعد مشاهدتها ، وربما هذا ما سعى إليه المخرج . ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة لأدواته الفنية والتقنية ، فشريف عرفة يعطي إهتماماً كبيراً للمونتاج ، ويستخدمه بشكل ملفت ومبتكر ، هذا إضافة الى الموسيقى التصويرية (للموسيقي الموهوب مودي الإمام) ، والتي أصبحت علامة مميزة في جميع أفلامه . وذلك بقدرتها على التأثير في الحدث الدرامي والتأثير في المتفرج بحيويتها وعنفوانها . ــ فاصل موسيقي ــ كما يحرص شريف عرفة على إختيار فريقه الفني ويصر عليه . لذلك نلاحظ أسماء تتكرر في جميع أفلامه ، مثل : ماهر عواد ، وحيد حامد ، مودي الإمام ، محسن أحمد ، عادل منير . وفي إعتقادنا بأن هناك حسنة هامة ساعدته كثيراً على تنفيذ ما يدور في ذهنه ، دون الرضوخ لمتطلبات السوق السينمائي وعجلة الإنتاج التقليدي ، ألا وهي أن أفلامه كانت ـ في معضمها ـ من إنتاج فنانين (ممدوح عبد العليم ـ ليلى علوي - وحيد حامد) . ــ فاصل موسيقي ــ وأخيراً .. لا يسعنا إلا التأكيد على أن الأسلوب السينمائي الذي إتخذه المخرج شريف عرفة ـ ومن تعاون معه ـ هو الأسلوب الفني المرشح لأن يأخذ حيزاً ومكاناً بارزاً في السنوات القادمة . حيث بدا ذلك واضحاً ـ منذ الآن ـ في أعمال المخرج خيري بشارة (كابوريا ـ آيس كريم في جليم ـ أمريكا .. شيكا بيكا ـ قشر البندق) .. وكذلك عند المخرج محمد خان في فيلم (مستر كاراتيه) .. وعند المخرج داود عبد السيد في فيلمه الأخير (سارق الفرح) . ــ فاصل موسيقي ــ والآن عزيزي المستمع .. نتوقف هنا لنلتقي بك في حلقة جديدة ولقاء جديد مع نجم آخر . ختام
برنامج مشاهير - الحلقة 35 - إعداد : حسن حداد نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بأن نلتقي بكم في حلقة جديدة من برنامجنا الأسبوعي (مشاهير)، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله. - فاصل موسيقي - عزيزنا المستمع .. نجمنا لهذه الحلقة هو الفنان الذي رحل عن عالمنا الشهر الماضي.. نجم حلقتنا هذه هو ملك الترسو.. نجمنا هو الفنان الكبير فريد شوقي. وسنكون معه في حلقتين. - فاصل موسيقي - فريد شوقي .. فنان كبير يكرمه كل فنان .. وإنسان عملاق أشاخته الأضواء فزادته ألقاً، وأرجعته محبة الناس سنوات عدة إلى الوراء، حتى صار النجم نجماً .. واستمر النجم نجماً .. وكسر النجم قواعد الفتى الاول، الشباب والقد الوسيم، والوجه الحسن، والشعر المصفف بعناية. هذا الفنان الذي رحل عن عالمنا مؤخراً، تاركاً ورائه إرثاً فنياً زاخراً بالإنجازات الكبيرة. ونحن هنا في أمسيتنا هذه سنقف طويلاً أمام مشوار هذا الفنان الفذ، ونتحدث عنه طويلاً. لكن لماذا نحفر في أيام وليالي فريد شوقي نستخرج منها تفاصيل عمره ؟ تفاصيل النجم الذي كبر مع الزمن، ولم يكبر على الزمن ؟ لماذا نتحرك داخل العملاق، ونظراته تكاد تنبئ عن المضمون ؟ هذه النظرات المشعة من خلال عينين أكل التعب بياضهما، فبانت الهالة السوداء المتحرقة حول جفنيه ؟ لماذا نكتب عن الرجل الذي رحل بعد أن أرهقه المرض أصيب بثلاث نوبات قلبية حادة ؟ ألأنه آخر العمالقة ؟ ألأن قلبه لم يتحمل كل هذه السنوات وهذا المشوار الفني الطويل ؟ أم لأن النجم يحمل عدداً من الألقاب والأوسمة، لو تجمعت في جسد واحد لملأته غروراً. -- فاصل موسيقي -- من خلال صوره الأخيرة التي نشرتها الصحف بعد وفاته، لاحظنا كم كان هذا الجسد المتعب يعاني كثيراً، وهو بالفعل يعاني منذ زمن طويل، حيث لم يتبقى من النجم فريد شوقي، في السنوات العشر الأخيرة، غير جسد مفتوح على كومة من شحم، ولنقلها بصراحة !! لم يتبقى له غير هذا الشعر الصناعي الموضوع على رأسه، وغير هذه الانتفاخات المحصنة حول عينيه، وغير هذا الفم الذي زرع أيضا بالأسنان الصناعية. وهل كان الشكل عند فريد شوقي، جواز مرور لشهرته التي حيرت الجماهير حتى الآن ؟ إذا كان الأمر كذلك، فقد انتهى النجم منذ زمن بعيد، ولكن هذا لم يحدث، لأن الطلة الجامعة، الواصلة بين فريد وبين الجماهير ما زالت موجودة وستظل كذلك. هذه الطلة نختصرها بحسن الأداء، وعمق التجربة الفنية، وطيبة القلب، وقوة الشخصية، والسيطرة على أضواء الكاميرا، كأنه شبح يبتلع الأضواء، ولا تبتلعه الأضواء أبدا. -- فاصل موسيقي -- لأجل ملك الترسو نتذكر ونحكي .. نحكي عن وحش الشاشة .. عن زوربا المصري، ونجم الشباك الشعبي الأول .. نحكي عن القلب المرهف والمتعب، ونجمع كل تصريحات النجم، وننبش في مذكراته من البداية، ونفتش عن كل أشيائه المتعثرة، ثم نجمعها معاً، عبر هذه الأمسية المتواضعة، لتكون عرفاناً بما قدمه النجم الكبير فريد شوقي للسينما والفن والجماهير التي أحبته كثيراً .. ولتكن نوعاً من المذكرات التي نحرص على عدم ضياع تفاصيلها فالرجل قد رحل متعباً، وودع شبابه ودخل في الشيخوخة الصعبة قبل وفاته بسنوات، هذا بالرغم من أن النجم بقى نجماً، وسيبقى في ذاكرة جماهيره ومحبيه. -- فاصل موسيقي -- وذاكرتنا ما زالت تعي .. إن فريد شوقي دخل السينما المصرية من باب كره الجمهور له. كرهه الناس في أدواره الأولى للشرر الذي كان يتطاير من عينيه، وللشر الذي كان يتطاير كلمات مدسوسة من خلال شفتيه. كان فريد شوقي في أدواره الأولى مفرق الأحبة وهادم البيوت، ثم صار شيئاً فشيئاً ملك البوكس والمشاكسات الشوارعية، التي ينتصر فيها دائماً على زميله الراحل محمود المليجي. لم انعطف فريد، في اللحظة المناسبة من عمره، نحو أدوار الطيبة .. الأدوار الاجتماعية التي تحمل عدة مضامين مأساوية. فأحبه الناس في الحاضر، كما أحبوا رجولته في الماضي.. أحبوا في السابق بطلهم المنقذ الذي يطارد عصابة المليجي، ويفتح في رأس المتمردين جرحاً كبيراً بضربة رأسه المشهورة. فهل يستمر البطل بطلاً في ذاكرة الجماهير العريضة، وهو الذي ودع هذه الدنيا ورحل ..؟؟ كان لا بد أن ينعطف فريد شوقي نحو الجمال، بعدما جسد القبح .. وكان لا بد لنا أن ننعطف مع زوربا المصري لندور حول كل تفاصيل حياته، وهل لنا من مفر إلا أن نسجل بدايات النجم يوم كان طفلاً صغيراً ؟ من هنا نبدأ، من ملامحه الأولى، من الطفل الذي عشق الفن، حتى أخذ الفن كل شبابه .. وما أعطاه إلا محبة الجمهور .. والجمهور دائماً يجازي أطفاله وأبطاله بالخير .. ولا ينكر عليهم الفضل، في انهم كانوا سوبرمان العصر .. رواد السينما المصرية الحديثة. -- فاصل موسيقي -- الولادة والنشأة ------------------------------------- (عنوان فرعي) -- فاصل موسيقي -- ولد فريد في حي البقالة بالسيدة زينب، ونشأ في حي الحلمية الجديدة، حيث انتقلت إليه الأسرة. وهذا الحي يتوسط عدة أحياء وطنية قديمة، كأحياء السيدة زينب والقلعة والحسين والغورية وعابدين وشارع محمد علي وباب الخلق. وتلقى دراسته الابتدائية في مدرسة (الناصرية) التي حصل منها على الابتدائية عام 1937 وهو في الخامسة عشرة، ثم التحق بمدرسة الفنون التطبيقية وحصل منها على الدبلوم. ونشأ فريد شوقي وسط عائلة مصرية ذات أصل تركي، فجده لأبيه عبده بيك شوقي كان موظفاً بقصر عابدين وهو من أب تركي وأم مصرية. وجده لأمه محمد بيك أسعد المهندس السابق بالسودان، وهو من أم مصرية وأب تركي. والده هو محمد عبده شوقي، الذي كان يعمل مفتشاً بمصلحة الأملاك الأميرية بوزارة المالية. وكان خطيباً وطنياً ثائراً من أعضاء الوفد المصري المتحمسين للزعيم سعد زغلول. وكان أيضاً خطيباً بارعاً على المنابر السياسية، لدرجة أن سعد زغلول أطلق عليه لقب (بلبل السيدة زينب). وإذا عدنا إلى قائمة أسماء طلبة أول معهد حكومي للتمثيل في عام 1930، فانك ستجد اسم الوالد بين أسماء هؤلاء الطلاب والطالبات الرواد في المسرح المصري، وهم : زوزو حمدي الحكيم، روحية خالد، جمال مدكور، محمود السباع، محمد توفيق، عبد العليم خطاب، إبراهيم عزالدين، يوسف حلمي المحامي، أحمد بدرخان الذي رسب في امتحان القبول. وقد التحق بهذا المعهد لدراسة فن الإلقاء، الذي يعتبر أساس الفن التمثيلي. وكان من بين مدرسيه الدكتور طه حسين، الدكتور زكي مبارك، زكي طليمات، جورج أبيض، عبد الرحمن رشدي، ونجيب الريحاني. -- فاصل موسيقي -- كان للجانب الوطني أثر كبير في حياة فريد شوقي العائلية، فقد فتح عينيه على الحياة ليعيش مأساة وطنية في محيط الأسرة. فقد أعدم زوج عمته الشهيد الوطني (محمود إسماعيل) مع آخرين في قضية مصرع (السير ستاك) سردار الجيش المصري وحاكم السودان، في 19 نوفمبر 1924. وكان ذلك أثناء تولي الزعيم سعد زغلول رئاسة الوزارة لأول مرة بعد افتتاح أول برلمان دستوري. وأدى ذلك الحادث إلى استقالة سعد زغلول وحل البرلمان. لذلك نشأ فريد شوقي منذ الصغر مع أحداث تلك المأساة الوطنية.. نشأ وطنياً متحمساً، فعندما كان في الثالثة عشرة، خرج في مظاهرة مع أقربائه تلاميذ المدرسة الابتدائية في ثورة عام 1935 التي كانت تطالب بعودة الدستور. وإذا كان فريد يردد دائماً (إن التمثيل حياتي)، فقد كان التمثيل فعلاً هو حياته منذ الطفولة. كانت مدرسته الأولى التي تلقى فيها أول درس في التمثيل، هي مدرسة أبيه الطالب في أول معهد حكومي للتمثيل، والذي أنشأه على تذوق فن التمثيل. وكان الأب صديقاً للكاتب المسرحي (عبد الجواد محمد) والد المخرج السينمائي (محمد عبد الجواد)، الذي كان سكرتيراً لفرقة رمسيس ومؤلفاً ومترجماً للكثير من مسرحيات الفرقة. ولهذا كان الوالد حريصاً على مشاهدة كل مسرحيات الفرقة، مصطحباً معه ابنه فريد، وهو تلميذ بالسنة الأولى الابتدائية. -- فاصل موسيقي -- عشق الطفل الصغير أضواء المسرح، وألهبت خياله الحياة المسرحية. فقد رأى يوسف وهبي الممثل ابن الذوات في مسرحيات (راسبوتين، كرسي الإعتراف، غادة الكاميليا، الذبائح، أولاد الذوات، أولاد الفقراء، أولاد الشوارع). ولم يكن في طفولته وصباه يدرك بالطبع لتلك المسرحيات معنى، لكنه عشق حياة الأضواء وتقلب الممثلين بين الفقر والغنى، وتمثيل أدوار الشجاعة والإقدام. وعلق بذاكرته شيء واحد هو مشاهد العنف التي تجري أمامه على الخشبة، حيث يتفنن يوسف وهبي في قتل أبطال مسرحياته شنقاً أو خنقاً أو بطلقات الرصاص. ولهذا أصبح المسرح حلم حياته، وتقمص جسده شيطان اسمه المسرح، وأصبح يوسف وهبي مثله الأعلى في الحياة. فكان يجمع أقرانه من صبيان الحي ويمثلون مشاهد المطاردات والمغامرات بين العسكر والحرامية في مساحة أرض أمام البيت، وكان يقوم هو بدور الفتى الشرير. وعشقه للفن قد جعله يسرق بعض الأخشاب من عمارة مجاورة وذلك لعمل منصة للمسرح، وأثناء التمثيل فوجئ بالشرطي ينزله من فوق المسرح ويقوده إلى قسم الشرطة. ولم تكن هذه السرقة الوحيدة في حياة فريد شوقي، فقد اعترف للصحافية (ايريس نظمي) بأنه لم يقنع في تلك الأيام بان يكون ممثلاً ومخرجاً فقط، بل أراد أيضاً أن يكون مؤلفاً، فسطا على مسرحيات يوسف وهبي، ونسبها إلى نفسه كمؤلف بعدما أدخل عليها بعض التغييرات، وقام بتمثيلها مع فرقته باسم (الفاجعة). وأعلن بالخط العريض، كما كان يفعل يوسف وهبي في الإعلان عن مسرحياته (أن المسرحية من تأليف وتمثيل وإخراج فريد شوقي). وعندما التحق بعد ذلك بمدرسة الفنون التطبيقية، كان يعد له القدر مفاجأة للاستمرار في هواية التمثيل، فقد وجد فيها فرقة مسرحية يقوم بتدريبها المخرج المسرحي الأول عزيز عيد، فانضم إليها وتتلمذ على يد عزيز عيد، الرجل الذي تتلمذ على يده عمالقة المسرح المصري، واكتشف من قبل روز اليوسف ونجيب الريحاني ويوسف وهبي وفاطمة رشدي، وضحى بحياته في سبيل المسرح، ولم يجمع ثروة. فكان أول درس تعلمه منه طالب الفنون التطبيقية فريد شوقي، هو حب المسرح. -- فاصل موسيقي -- البداية كانت في المسرح ---------------------------- (عنوان فرعي) -- فاصل موسيقي -- وبالرغم من انغماس فريد في جو الحياة الفنية، بالتمثيل مع فرق الهواة والتردد على المسارح في شارع عماد الدين ليمثل أدوار الكومبارس في فرق يوسف وهبي ونجيب الريحاني وعلي الكسار وفاطمة رشدي وجورج أبيض، فانه استطاع أيضاً الحصول على دبلوم مدرسة الفنون التطبيقية، ويلتحق موظفاً مع أبيه في وظيفة بالدرجة الثامنة وبمرتب ستة جنيهات بمصلحة الأملاك الأميرية. لكن الوظيفة لم تشغله عن نشاطه المسرحي، فقد كانت من بين زملائه في حي السيدة زينب والحلمية الجديدة، مجموعة من هواة التمثيل لمعت أسماؤهم فيما بعد، أمثال: عبد الرحيم الزرقاني وعلي الزرقاني وأحمد الجزيري وكمال اسماعيل وعبد الحميد جاويش وحسن الفكهاني المحامي والناقد الفني عبد الفتاح البارودي. جمعت بين هؤلاء الهواة هواية التمثيل، وكونوا فرقة مسرحية أطلقوا عليها اسم (الرابطة القومية للتمثيل)، وكان مقر الفرقة حجرة واحدة بإيجار شهري لا يزيد على الثلاثين قرشاً في شارع الشيخ البقال. وكان عبد الفتاح البارودي هو المدير الإداري للفرقة، وعبد الحميد جاويش المدير الفني. وكتب علي الزرقاني مسرحية الافتتاح بعنوان (الضحية) وتولى إخراجها المدير الفني. وقدمت على مسرح (برنتانيا) بشارع عماد الدين وقام ببطولتها فريد شوقي أمام ممثلة غير معروفة. وواصلت هذه الفرقة نشاطها وقدمت مسرحية أخرى تولى إخراجها في ذلك الوقت (أنور وجدي) لقاء أجر لا يزيد على خمسة جنيهات، واشترك في تمثيلها مع الفرقة زوزو حمدي الحكيم وإحسان الشريف. وفي أثناء عمله بمصلحة الأملاك الأميرية، التحق أيضا مهندساً بدائرة الأميرة نعمت مختار التي كانت تمتلك وقتئذ ستة آلاف فدان. وساعده دخله من تلك الوظيفة الإضافية على أن يصبح من أصحاب السيارات، ويشتري سيارة (أوستن) قديمة بالتقسيط .. وكان قسطها الأول مبلغ ثلاثين جنيهاً. -- فاصل موسيقي -- في عام 1945 افتتح المعهد العالي للتمثيل في مدرسة علي عبد اللطيف في حي المنيرة، فتقدم للالتحاق به ألفا طالب وطالبة لم ينجح منهم سوى خمسة عشر طالباً وطالبة فقط، وهم فريد شوقي وشكري سرحان وحمدي غيث ونبيل الألفي وصلاح منصور وعبد الرحيم الزرقاني وعلي الزرقاني وسعيد أبو بكر وعمر الحريري وكمال حسين وأحمد الجزيري ونعيمة وصفي وزينب عبد الهادي وعزيزة حلمي وفاتن حمامة. ولحق بهم فيما بعد أحمد سعيد وتوفيق الدقن وعبد الفتاح البارودي ويوسف الحطاب ومحمد السبع وزكريا سليمان وسعد أردش وأنور فتح الله وعدلي كاسب ونور الدمرداش وعبد الغني قمر ولطفي عبد الحميد وأحمد اباضة وسميحة أيوب وسناء جميل وبرلنتي عبد الحميد وزهرة العلا وراجية محسن ونادية السبع وانشراح الألفي. كان فريد شوقي وقتئذ في الثالثة والعشرين، فتى عملاق مديد القامة عريض المنكبين صارم الملامح، لا يصلح لتمثيل دور الفتى الوسيم الأول. وكان مطلوياً من الطالب ليجتاز امتحان القبول، أن يقدم مشهداً تمثيلياً أمام لجنة الامتحان التي كانت برئاسة محمد صلاح الدين باشا وزير الخارجية فيما بعد، والذي كان يشغل وقتئذ منصب رئيس مجلس إدارة المعهد، وعضوية العميد زكي طليمات والأساتذة. واختير فريد شوقي لتمثيل دور من أدوار (الغراند بريمييه) أي أدوار الشيوخ الكبار، وهو دور الكاهن الأكبر (انوبيس) في مشهد من المسرحية الشعرية (مصرع كليوباترا) لأمير الشعراء أحمد شوقي، أمام الطالبة الجديدة زينب عبد الهادي - التي سوف يكون له معها فيما بعد تاريخ - والتي قامت بتمثيل دور الملكة كليوبترا. نجح فريد في امتحان القبول وجلس بين صفوف أبناء جيله من هواة التمثيل الموهوبين، يتلقون الدراسات والمحاضرات من كبار الأدباء والفنانين الذين كان على رأسهم الدكتور طه حسين والدكتور زكي مبارك والدكتور محمد مندور وزكي طليمات وجورج ابيض واحمد علام وفتوح نشاطي ودريني خشبة. -- فاصل موسيقي -- كانت هناك جمعية اسمها (جمعية خريجي فرنسا وبلجيكا وسويسرا) كان من بين مؤسسيها زكي طليمات، فكان يقيم فيها حفلات ويحييها الطلاب والطالبات. وفي إحدى تلك السهرات، قدم فريد شوقي بالاشتراك مع زميلته فاتن حمامة أمسية شعرية تباريا فيها في إنشاد قصيدة (الليالي) للشاعر الفرنسي الفريد دي موسييه، مترجمة باللغة العربية. وفي عيد ميلاد الملك فاروق يوم 11 فبراير 1946، احتفلت الأميرة (شيوه كار) الزوجة السابقة لوالده الملك احمد فؤاد، بإقامة حفل في قصرها شهده الملك. وقدم فيه فريد شوقي بالاشتراك مع فاتن حمامة وطلاب وطالبات المعهد عرضاً مسرحياً لملحمة (الأسرة العلوية) تأليف محمود بيرم التونسي وإخراج زكي طليمات. وفي العام التالي، أقيم امتحان التخرج على مسرح دار الأوبرا الذي يقدم فيه الطالب أو الطالبة بالاشتراك مع الزملاء مشهداً تمثيلياً من إحدى المسرحيات. واختاره زكي طليمات وقتئذ ليقوم ببطولة مسرحية (الجلف) ذات الفصل الواحد للكاتب الروسي أتنطون تشيكوف أمام زميلته عزيزة حلمي التي قامت بدور السيدة الأرملة (ألينا بوبوفا). -- فاصل موسيقي -- دبلوم التمثيل --------------------------------------- (عنوان فرعي) -- فاصل موسيقي -- حصل فريد شوقي على دبلوم المعهد العالي للتمثيل، مع الفوج الأول من الخريجين واستقال من وظيفته الحكومية، مع الاحتفاظ بعمله الإضافي في دائرة الأميرة نعمت مختار، وبدأ يبحث عن الفرصة المناسبة لتطبيق العلم على العمل. وكان فريد قد اشتهر بشخصية (الجلف) التي نال عليها الدبلوم، ورشحته تلك الشخصية للتخصص في تمثيل أدوار الشر على المسرح والشاشة، واتجه إلى احتراف التمثيل فيما بعد. فرح به والده بعد حصوله على الدبلوم في التمثيل، الذي حقق به أملاً عزيزاً كان يتمناه لنفسه، عندما التحق بأول معهد حكومي للتمثيل. ولهذا ذهب به إلى صديقه يوسف وهبي وقدمه إليه ليضمه إلي فرقته كموهبة جديدة. فرحب به عميد المسرح العربي وعينه في فرقة رمسيس بالمرتب نفسه في الوظيفة الحكومية، وهو ستة جنيهات. وكان يوسف وهبي قد علم بنجاحه في شخصية الجلف، فرشحه لإعادة تمثيل أدوار ملك أدوار الشر في مسرحياته (محمود المليجي). وقد أسعده ذلك كثيراً لأنه كان معجباً بالمليجي كأستاذ في هذا الفن. كان من بين المسرحيات التي اشترك في تمثيلها، مسرحيات (بيت تهدم، بنات الريف، أولاد الفقراء، أولاد الشوارع، الشيطان، رجل الساعة، المائدة الخضراء). كما سبق له التمثيل في فرقة جورج ابيض في مسرحية (صلاح الدين الأيوبي)، وفي فرقة فوزي الجزايرلي ونجيب الريحاني وعلي الكسار وفاطمة رشدي، حيث يقوم بثلاثة أدوار لا رابع لها، أما دور الخادم أو دور العسكري أو دور الحرامي. وفي عام 1950 تأسست فرقة (المسرح المصري الحديث) برئاسة زكي طليمات لتستوعب خريجي وخريجات المعهد وعددهم خمسة وعشرون فناناً وفنانة كان فريد من بينهم، حيث كان التعيين بالفرقة وقتئذ بمرتب قدره اثنا عشر جنيهاً. واستهلت الفرقة نشاطها بقديم الروائع العالمية، مثل : (مريض بالوهم، طبيب رغم انفه، المتحذلقات، مدرسة الإشاعات). لكن أدوار البطولة أخطأته في تلك الروائع العالمية، فلم يستمر طويلاً في تلك الفرقة، وقدم استقالته أو أقيل منها ليتفرغ لنشاطه السينمائي. وكان قد رشح مع زميله حمدي غيث ونبيل الألفي للسفر إلى بعثة إلى الخارج لدراسة الإخراج المسرحي، لكنه اعتذر عن قبول تلك البعثة بسبب ارتباطه بالعمل السينمائي. -- فاصل موسيقي -- السينما تعني التنوع والشهرة ------------------------ (عنوان فرعي) -- فاصل موسيقي -- إستطاع فريد شوقي من بين كل نجوم الشاشة المصرية، ان يخلق باستمرار حالة التوازن التي تجعل منه ممثلاً أول في كل مراحل تطوره السينمائي. فقد جرت الامور في السينما المصرية على ان النجم الاول او ما اعتدنا ان نسميه فتى الشاشة، قصير العمر في البقاء على قمة البطولة فهو نموذج خاص من الممثلين تقتضي نظرية (النجم او النجومية) ان يكون على قدر كبير من الوسامة والشباب، يؤدي دائماً دور البطل العاشق والمعشوق من البطلة التي تشاركه بطولة الفيلم. في البداية لم تكن الظروف توفر لفريد شوقي غير ادوار ثانوية قصيرة في الافلام التي يشارك في تمثيلها، واختار فريد ان يتخصص في دور الشاب الشرير الذي يدبر المقالب ويفرق بين المحبين ويستقل وقوع النسوة في شباكه لكي يستنزف الاموال ويشوه السمعات ويفعل كل ما هو مكروه، بنعومة الافعى وخفة ظل الشيطان عندما يلهو ويغري. -- فاصل موسيقي -- الفتى الشرير ------------------------------------ (عنوان فرعي) -- فاصل موسيقي -- تقلب في شخصيات عديدة مختلفة متباينة في الملامح والسمات والوجوه، تطلبت منه أن يلبس لكل شخصية قناعاً يتلاءم مع تلك الشخصية .. فبدا تارة شيطاناً رجيماً، وأخرى ملاكاً رحيماً. لقد كسر القاعدة الذهبية التي تقول : أن من دخل مملكة الشر، لا يمكن أن يخرج منها إلى مملكة الخير، كما هي الحال مع زميله الشيطان الرجيم محمود المليجي. لكنه استطاع عن طريق فن التنكر ولعبة الأقنعة أن يتنقل بكل يسر وسهولة بين المملكتين، ويقنع الأشرار بأنه أكثرهم شراً، والأخيار بأنه من أولياء الله الصالحين. بل انه جمع بين خصائص هاتين الشخصيتين المتناقضتين في شخصية واحدة مثلثة في فيلم (طريد الفردوس)، حيث لعب فيه شخصيتي الرجل الصالح (الشيخ عليش) صاحب الضريح والرجل الطالح (علوي بك) فتوة الكباريهات ثم الشخصية الثالثة وهي (الشيخ عليوة) معلم الكتاب. كان لمملكة الشر في الماضي ملوكها وزبانيتها العتاة على الشاشة، أمثال عباس فارس وعبد العزيز خليل وسليمان نجيب وزكي رستم وسراج منير واستيفان روستي أنور وجدي والبقية الباقية منهم كمحمود المليجي. فلما ظهر (جلف) المسرح على الشاشة في دور الفتى الشرير، منذ فيلمه الثاني (ملائكة في جهنم) فاق أساتذته الأشرار في مملكة الشر والإجرام كشيطان رجيم. فقد كان صاحب شخصية شيطانية تحمل ملامح النمر المفترس، الذي يتأهب للوثوب على الفريسة في إصرار وعناد، وتعطش للعنف والبطش والانتقام. لقد اشتهر كقاتل سفاح، زعيم عصابات للسرقة والتهريب والتجارة في الرقيق الأبيض، وقواد يعيش من كد النساء، ويختار ضحاياه من الزوجات ذوات الماضي، اللواتي يطاردهن مهدداً متوعداً بالرسائل والصور الفاضحة في سبيل الابتزاز. وكان في تلك الأدوار يولد ويموت مجرماً، خنقاً أو شنقاً أو ذبحاً أو رمياً بالرصاص أو بالسقوط من ارتفاع شاهق، أو تحت عجلات قطار أو أتوبيس، أو بالسجن المؤبد أو بالإعدام. كما اشتهر في أحد أفلامه الأولى بعنوان (حميدو) الذي قام فيه بدور من أدوار البطش والعنف بلقب (وحش الشاشة) الذي جعل منه شخصية رهيبة تلقي الرعب في النفوس. -- فاصل موسيقي -- وفي هذه المرحلة استطاع فريد شوقي ان يفرض طريقته في الاداء ويجعل من نفسه شخصية مفروضة مقدماً على كل فيلم مصري جديد منافساً بحدة ابرز من لعبوا هذه الادوار ومنهم ستيفان روستي ومحمود المليجي الذي كان يحمل لقب (مجرم الشاشة) .. وبدأ فريد شوقي يلقى الاقبال خاصة من المتفرج العادي او ما يسمى بمتفرج الترسو في دور العرض الثانية والثالثة، وقد زاد الاعجاب بفريد شوقي بشكل خاص عندما اتجه الى تأدية الادوار التي تشبه الى حد كبير ادوار رعاة البقر في السينما الامريكية، وذلك في العديد من الافلام مثل (حميدو، رصيف نمرة 5، الفتوة، عنتر بن شداد، مغامرات عنتر وعبلة، باب الحديد). والآن عزيزي المستمع .. نتوقف هنا لنلتقي بك في الحلقة القادمة لنستكمل الحديث عن فناننا الكبير فريد شوقي .. فإلى اللقاء. ختام #####
برنامج مشاهير - الحلقة 36 - إعداد : حسن حداد نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بأن نلتقي بكم في حلقة جديدة من برنامجنا الأسبوعي (مشاهير)، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله. - فاصل موسيقي - عزيزنا المستمع .. في حلقتنا هذه نواصل حديثنا عن الفنان الكبير فريد شوقي، وكنا قد توقفنا عند مرحلة أدوار الشر التي بدأ بها مشواره مع السينما. ففي هذه المرحلة استطاع فريد شوقي ان يفرض طريقته في الاداء ويجعل من نفسه شخصية مفروضة مقدماً على كل فيلم مصري جديد. -- فاصل موسيقي -- وحش الشاشة ----------------------------------- (عنوان فرعي) -- فاصل موسيقي -- لم تعرف السينما المصرية في اسواقها المحلية اة على الساحة العربية نجاحاً اكبر من نجاح افلام فريد شوقي التي قام ببطولتها مثل (الاخ الكبير، واسلاماه، فتوات الحسينية، صاحب الجلالة، شياطين الليل، الاسطى حسن) وعشرات من افلام المغامرات التي اكسبته صفة البطل الذي لا يقهر .. السوبرمان .. وحمل لقبي وحش الشاشة والملك، واصبح وجوده في أي فيلم ضماناً لرواج هذا الفيلم بين جماهير السينما في مصر والبلاد العربية. -- فاصل موسيقي -- الفتى الأول --------------------------------------- (عنوان فرعي) -- فاصل موسيقي -- لكن سرعان ما غير جلده، وتحول من أدوار الوحش المخيف إلى أدوار الفتى الأول الضحية حيناً والفتى الظريف أحياناً، وان كان لم يتخل فيها عن أدوار العنف والقوة على طريقة رعاة البقر (الكاوبوي). وبدأ هذا الاتجاه في سلسلة الأفلام الاجتماعية (الاسطى حسن ، جعلوني مجرماً ، رصيف نمرة 5 ، المجد ، الفتوة). واصبح بطلاً وطنياً في سلسلة الأفلام السياسية : (بور سعيد ، الغول ، شياطين الليل ، الكرنك). وقام بدور الفتوات الذين يشبهون فرسان العصور الوسطى أيام زمان ، خصوصاً فتوات نجيب محفوظ في قصص أفلامه الثلاثة (فتوات الحسينية ، فتوات بولاق ، فتوات الدرب الأحمر"الشيطان يعظ"). واشتهر فريد شوقي بشخصية الشاعر العربي الفارس عنترة التي مثلها مرتين في فيلمي (عنترة بن شداد ، عنتر يغزو الصحراء)، وشخصية ثانية من الأدب الشعبي وهي شخصية (الفارس الأسود) ابن الفارسة الشعبية (الأميرة ذات الهمة)، وكذلك شخصية الشاعر العربي الأمير (فارس بني حمدان). كما اشتهر بشخصية (الشيطان) في سلسلة أفلام تحمل اسم الشيطان، مثل : (شيطان البوسفور ، ابن الشيطان ، نهاية الشيطان ، عصابة الشيطان ، شياطين الليل)، وكثير من نوعيات تلك الشخصية الشيطانية، التي كان يصول فيها ويجول بالبطش والعنف والانتقام. -- فاصل موسيقي -- القوة المستعارة ---------------------------------- (عنوان فرعي) -- فاصل موسيقي -- وهذه القوة الخارقة التي اشتهر بها على الشاشة، ليست قوته الذاتية، وإنما هي قوة مستعارة من أخرين. فالمعروف إن مشاهد المعارك التي تعتمد على المبارزة والملاكمة والمصارعة والعاب الفروسية، وغيرها من مشاهد القسوة والعنف، لا يقوم بها أبطال الشاشة، وإنما يقوم بها البديل الذي يجيد الضرب والنزال والصراع. وكان يقوم له بدور البديل الكثير من الرياضيين المحترفين ولاعبي السيرك ، مثل مدرب الأسود السابق محمد الحلو الذي أكله الأسد الذي كان يتولى تدريبه في السيرك القومي. لكنه كان يجيد تمثيل استهلال وختام المعارك التي يبدو فيها وجهه واضحاً على الشاشة، بينما يقوم البديل بتمثيل بقية الدور مولياً ظهره إلى الشاشة، إلى أن يأتي ختام المشهد، فيظهر البطل بوجهه، ليكيل لخصمه الطعنة الحاسمة أو اللكمة القاضية، أو الضرب بالروسية التي اشتهر بها فريد شوقي في الأفلام وأصبحت بالنسبة له ماركة مسجلة. كما أجاد فريد شوقي الرقص الشعبي بالعصا على طريقة الفتوات، ولعبة التحطيب التي تعتبر من العاب الفروسية في الصعيد. وإذا كان الجمهور يتقبل من فريد شوقي كل شيء إلا الغناء، كما ظهر في دوره بشخصية (حسن) في فيلم (بداية ونهاية) الذي حاول فيه الغناء، فثار علية الجمهور وانتهت الحفلة بمعركة تبادل فيها مع الجمهور الضرب بالكراسي، لكنه مع ذلك غنى في موقف من فيلم (ساحر النساء) أغنية شعبية لحنها له خصيصاً الموسيقار محمد ضياء الدين، وهي أغنية : (شيخ محضر يا شيخ محضر ، اللي عليه عفريت يحضر). هذا في الوقت الذي أعاد فيه تمثيل كوميديات عبقري الكوميديا نجيب الريحاني، التي تقوم على الشخصيات الهزلية الساخرة. فهو صاحب شخصية مرنه طيعة، تجعله يتقلب في كل الأدوار بكل اقتدار كالحرباء التي تشكل بكل الأشكال والألوان. وتحول وحش الشاشة المجرم الخارج على القانون إلى رجل من رجال العدالة والقانون، بتمثيل دور رجل الأمن في كثير من الأفلام، مثل (الجاسوس ، الثعلب والحرباء). ودور المحامي الكبير المتهم في فيلم (كلمة شرف)، ورئيس محكمة النقض في فيلم (حكمت المحكمة). ولعب شخصية الأمير في فيلم (رابعة العدوية)، والفتى الريفي هريدي الذي اصبح باشا في فيلم (الفتوة)، ثم باشا في فيلم (سلطانة الطرب). -- فاصل موسيقي -- ويزعم المخرج صلاح أبو سيف، الذي قدمه في مجموعة غير قليلة من الأفلام، بأنه أول من اكتشف فريد شوقي في أدوار الفتى الشرير في فيلم (مغامرات عنتر وعبلة) قبل فيلم (ملائكة في جهنم) الذي قدمه المخرج حسن الإمام، وذلك لان الفيلم الأول صور قبل الثاني، الذي عرض قبل الأول. وخطا به صلاح أبو سيف خطوة ثانية عندما اخرج النسخة العربية من الفيلم المصري الإيطالي المشترك (الصقر)، والذي صورت مناظره الخارجية في مصر، واخرج النسخة الإيطالية المخرج الإيطالي جاكوما، من تمثيل غاسمان وسيلفانابمبا نيتي وفولكولوللي. فقد اسند إليه في النسخة العربية دور فيتوريو غاسمان في النسخة الإيطالية أمام سامية جمال في دور سيلفانا بمبا نيتي، وعماد حمدي في دور فولكولوللي. وقد كان فيتوريو غاسمان بجانب شهرته كنجم عالمي بطلاً دولياً في لعبة الشيش وفولكولوللي بطلاً دولياً في الملاكمة. وقد اشتهر بعد ذلك على شاشة السينما العالمية، فقام بدور (عطيل) في فيلم ألماني، وفيلم عالمي باسم (كريم ابن الشيخ)، واستعان في فيلم مصري باسم (الجاسوس) بالنجمة الفرنسية (آن سيمرنر)، وبدأ التمثيل في فيلم عالمي آخر باسم (ابن سبارتكوس) لكنه انسحب منه، لان الدور كان يتطلب منه أن يخرج من إحدى معاركه منهزماً أمام البطل الإيطالي. -- فاصل موسيقي -- ملك الترسو ------------------------------------- (عنوان فرعي) -- فاصل موسيقي -- وقد ظل فريد شوقي مسيطراً على (مملكة الترسو)، لا ينازعه على عرشها أحد، لأنه كان يركب كل موجة جديدة تظهر في الحقل السينمائي. فعندما كانت الموجة السائدة هي الفيلم الغنائي في أيام فريد الأطرش ومحمد فوزي وعبد الحليم حافظ، وفي عهد أفلام أنور وجدي وليلى مراد، اتجه أيضا إلى الفيلم الغنائي الذي كان يتقاسم بطولته مع هدى سلطان. ولم تتأثر شعبيته كذلك بموجة الفيلم الكوميدي الذي كان من بين فرسانه إسماعيل ياسين ومحمود شكوشو ثم الجيل الجديد الممثل في فؤاد المهندس وأمين الهنيدي وعبد المنعم مدبولي ومحمد رضا وعادل إمام ومحمد عوض، لأنه نزل أيضا إلى ميدان الكوميديا بأدوار الريحاني. ولما عادت موجة أفلام الميلودراما التي تستدر الدموع بالمواقف المثيرة التي تجعل الجمهور يعصر المناديل المبللة بالدموع، تحول كذلك إلى تمثيل أدوار المآسي. وكان في تلك الأدوار صاحب تيار جارف له جمهوره العريض أمام تلك التيارات المختلفة. وكان نجم شباك لا يعتمد في أفلامه على نجمات السينما اللامعات، فكان في الماضي يختار بطلات أفلامه من صاحبات الوجوه الجديدة أمثال هند رستم وبرلنتي عبد الحميد وزهرة العلا وصفاء أبو السعود. واليوم يختار بطلاته من صاحبات الوجوه الجديدة أيضا أمثال شيريهان ونورا وبوسي وآثار الحكيم وليلى حمادة وهالة فؤاد وعايدة رياض وهناء ثروت وروعة الكاتب. وكان وراء اتجاهه في منتصف السبعينات إلى تمثيل الأدوار الخيرة ونبذ أدوار الشر، هو شعوره بالتقدم في السن، وانه ينبغي عليه أن يدخل كرحلة جديدة تتناسب مع سن الخريف. كان قد لعب وقتئذ دور البطولة في فيلم بعنوان (الأبطال) يعتمد على ألعاب الكاراتيه التي كانت موضة جديدة في تلك الفترة، ولاحظ بان لعبة الكاراتيه أصبحت لعبة متداولة بين الشباب. -- فاصل موسيقي -- بداية النزول عن القمة --------------------------- (عنوان فرعي) -- فاصل موسيقي -- والذين يتابعون تاريخ السينما المصرية يعرفون جيداً تلك الفترة التي أصيبت فيها بالشلل نتيجة لظهور القطاع العام في السينما وتخوف القطاع الخاص من الانتاج في ظل ظروف جديدة، مما اصاب الانتاج السينمائي بالكساد. وكان فريد شوقي من بين النجوم الذين هاجروا في تلك الفترة الى لبنان وتركيا ليعمل في عدد من الافلام التي كانت تعتمد اصلاً على شهرة ممثلي السينما المصرية ومخرجيها بل كانت تمثل باللهجة المصرية ضماناً لرواجها في المنطقة العربية. لكن الزمن كان يمر والسنون تضاف الى عمر فريد شوقي، وتلعب بقدراته كبطل وبحياته التي كانت معروفة بالاستقرار والهدوء كزوج للمطربة الممثلة التي لا تقل عنه شهرة هدى سلطان. وعاد فريد شوقي الى مصر بعد سنوات من الهجرة، وقد كاد بريقه المعهود يذهب عنه كنجم وبطل مغوار على الشاشة .. وبدأت الشاشة المصرية تجد لنفسها ابطالاً ونجوماً من الممثلين الجدد امثال محمود ياسين ونور الشريف وعزت العلايلي وغيرهم .. وغربت شمس البطولة - بحكم السن - عن وحش الشاشة، مثلما غربت من قبل عن سواه من المشاهير امثال محسن سرحان وحسين صدقي وعماد حمدي وكمال الشناوي. واصبح عليه - اذا رغب في الاستمرار - ان يتنازل عن ادوار البطولة المطلقة ويخلع عنه رداء النجومية ويعطي ظهره لدور الفتى الاول. -- فاصل موسيقي -- ادوار الاب تعيده الى القمة ------------------------ (عنوان فرعي) -- فاصل موسيقي -- وبمنطق الواقع الذي يحكم السينما المصرية دائماً تخلى فريد شوقي عن دور الفتى الاول وقبل في فيلم من انتاج شركته السينمائية ان يمثل دور الاب العائد من السجن في فيلم اخرجه عاطف سالم باسم (ومضى قطار العمر). وكانت المفاجأة .. ان فريد شوقي مازال ممثل جيد يمتلك اداة التعبير الطبيعي عن المواقف التي تفرضها عليه ظروف الشخصية التي يمثلها، فضلاً عن رصيد التعاطف الضخم الذي يملكه عند جماهير السينما. وكانت النتيجة ان استمر عرض هذا الفيلم خمسة وثلاثين اسبوعاً متواصلاً في عرضه الاول، رغم ما يعرف عن فريد بانه ليس نجماً في العروض الاولى وان غالبية جمهوره هو جمهور الترسو في العروض الثانية والثالثة في الاقاليم والاحياء الشعبية في القاهرة وغيرها من المدن. وتمسك فريد شوقي بدور الاب في افلامه التالية .. لانه اعاده الى قمة النجاح. بدأ يمثل أدوار الأب أو العم الطيب، بدءاً بفيلم (ومضى قطار العمر). ثم تابع تلك المسيرة في أفلام (وبالوالدين إحسانا ، دعاء المظلومين ، القضية المشهورة ، الجنة تحت قدميها ، هكذا الأيام ، لا تبك يا حبيب العمر ، دموع في ليلة الزفاف ، حكمت المحكمة). -- فاصل موسيقي -- رصيد سينمائي زاخر --------------------------- (عنوان فرعي) -- فاصل موسيقي -- وإذا أردنا أن نتذكر معاً أدواره وشخصياته التي تقلب فيها على الشاشة، فإننا سنجد أن غالبية أفلامه تندرج في نوعية الفيلم البوليسي. فالكثير منها يدور حول الجريمة، التي يقوم فيها الصراع بين المجرم والبوليس. وإذا كانت أفلامه فيما عدا القليل من الجانب العاطفي بين الفتى الأول العاشق والفتاة الأولى المعشوقة، التي لا تنطبق عليه مواصفات الفتى الأول الوسيم فانه من الممكن تقسيم أفلامه إلى خمس نوعيات، وهي : السينما البوليسية، السينما الاجتماعية، سينما الفروسية، السينما التاريخية، السينما السياسيةوالوطنيد، والسينما الفلسفية. # ومن الافلام التي تمثل السينما البوليسية :- جعلوني مجرماً، رصيف نمرة خمسة، سلطان، الأخ الكبير، أريد حباً وحناناً، الثعلب والحرباء. # ومن الافلام التي تمثل السينما الاجتماعية :- الاسطى حسن، النمرود، حميدو، المجد، زهرة السوق، سكرتير ماما، دماء على النيل، ابن الحتة، الفتوة، وبالوالدين إحسانا، دعاء المظلومين، الجنة تحت قدميها، القضية المشهورة، إبليس في المدينة، الزوج العازب، ساحر النساء، أيام العمر معدودة، حساب السنين، أنا الدكتور، سلطانة الطرب، بداية ونهاية، كفاني يا قلب، ومضى قطار العمر، أفواه وأرانب، قطة على نار، حالة خاصة جداً، حب فوق البركان، حب لا يرى الشمس، هكذا الأيام، طائر على الطريق، الباطنية، شاطئ العنف، البؤساء، كلمة شرف، دموع في ليلة الزفاف، الخبز المر، أنا المجنون، عيون لا تنام، حكمت المحكمة، وخرج ولم يعد. # ومن الافلام التي تمثل سينما الفروسية والفتونة :- فتوات الحسينية، فتوات بولاق، وفتوات الدرب الأحمر (الشيطان يعظ). # ومن الافلام التي تمثل السينما التاريخية :- الصقر، ألف ليلة وليلة، هارب من الأيام، عنتر يغزو الصحراء، أمير الانتقام، وفارس بني حمدان. # ومن الافلام التي تمثل السينما السياسية والوطنية :- الكرنك، بور سعيد، الغول، شياطين الليل، وقهوة المواردي. # اما الافلام التي تمثل السينما الفلسفية، فهما فيلمين :- طريد الفردوس، والسقامات. -- فاصل موسيقي -- أشهر الأدوار ----------------------------------- (عنوان قرعي) -- فاصل موسيقي -- ومن أشهر أدواره عدا ما ذكر، دور (حسن الشحات) في فيلم (ألف ليلة وليلة) اقتباس بيرم التونسي عن القصة العالمية (قسمت) التي سبق أن أخرجت في فيلم أمريكي قام ببطولته رونالد كولمان، كما سبق أن ترجمه خليل مطران للمسرح القومي بعنوان (القضاء والقدر) من إخراج عزيز عيد وأخرجها أيضا زكي طليمات من اقتباس بيرم التونسي. ومن الروائع العالمية، قام فريد شوقي بتمثيل دور الدكتور في فيلم (أنا الدكتور) المقتبس عن مسرحية (د.كنوك) للكاتب الفرنسي جيل رومان، وحامد حمدان كشخصية جان فالجان في فيلم (البؤساء) للكاتب فيكتور هوجو، والاسطى إبراهيم في فيلم (عيون لا تنام) المقتبس عن مسرحية (رغبة تحت شجرة الدردار) للكاتب الأمريكي يوجين أونيل، وعم إبراهيم في فيلم (القضية المشهورة) عن مسرحية جورج أوهنيه، والساعي في فيلم (وبالوالدين إحسانا) عن مسرحية (ولدي) تأليف اندرية ميرابو، وفي (دعاء المظلومين) عن مسرحية (الشريدة) تأليف تورنتون وايلدر، والمليونبر في فيلم (قطة على نار) عن مسرحية تنسي ويليامز. ومن أعمال شكسبير قام بالتمثيل في فيلمين، الأول (الملاعين) المقتبس عن مسرحية (الملك لير)، والثاني (شاطئ العنف) المقتبس عن مسرحية (هاملت). ومن الأعمال الأدبية للكتاب المصريين، قام بتمثيل تلك الشخصية المثلثة في فيلم (طريد الفردوس) لتوفيق الحكيم، وشخصية كمال الطبال في قصة (هارب من الأيام) لثروت اباظة، وشخصية شحاتة أفندي في فيلم (السقامات) ليوسف السباعي، ومن أعمال نجيب محفوظ قدم ثلاثية الفتوات (فتوات الحسينية، فتوات بولاق، وفتوات الدرب الأحمر "الشيطان يعظ")، و(الكرنك) و(بداية ونهاية) و(ساحر النساء). ولإسماعيل ولي الدين فيلم (الباطنية)، و(كفاني يا قلب) لموسى صبري. -- فاصل موسيقي -- فريد شوقي المؤلف ----------------------------- (عنوان فرعي) -- فاصل موسيقي -- وخلال مراحل حياته السينمائية، سعى فريد شوقي إلى اكتساب صفة جديدة هي المؤلف، لكن قصصه كاتب أما مسروقة أو مقتبسة أو عبارة عن أفكار كان الكتاب يحولونها له إلى سيناريوهات صالحة للظهور على شاشة السينما، وآخرها قصة مسلسل (عم حمزة) المسروقة فكرته عن (البؤساء). ظهر اسمه كمؤلف على كثير من قصص أفلامه التي يصيغها كفكرة سينمائية ويترك للكتاب السينمائيين أعدادها باللغة السينمائية سيناريو وحواراً. وقد كتب أفكار اكثر من عشرين قصة سينمائية ومسلسلات تليفزيونية. وقصص أفلامه المشهورة، هي : حكم القوي، الاسطى حسن، جعلوني مجرماً، رصيف نمرة 5، حميدو، المجد، النمرود، الفتوة، الجاسوس، النصاب، المحتال، جوز مراتي، ابو ربيع، آخر فرصة، كلمة شرف، ومضى قطار العمر، وهكذا الأيام، كباريه الحياة، لا تبك يا حبيب العمر، وأخيرا مسلسل عم حمزة. والفكرة القصصية، عموماً، شيء مشاع بين الناس جميعاً، سواء منهم الموهوب وغير الموهوب، لكن الأهمية تكمن في طريقة معالجة تلك الفكرة، لتأخذ الشكل والقوام اللذين يجعلان منها عملاً فنياً نابضاً بالحياة، تتحرك من خلاله الشخصيات في دائرة الفن. لهذا تتأرجح قيمة أعماله كمؤلف بين أيدي الكتاب السينمائيين القادرين على تشكيلها في الإطار الفني المناسب. ولا شك في أن الفتى الشجيع كان يضع عينيه على جمهوره الشعبي العريض، وهو يكتب أفكار تلك القصص، مما جعلها تتسم بالسطحية والسذاجة والإثارة، بما تحتشد به من مشاهد الميلودراما الفاجعة والفكاهة الصاخبة ومواقف العنف والقسوة، في سبيل استدرار الدموع أو انتزاع الضحكات أو إثارة الرعب والفزع، بمشاهد المعارك والمغامرات والمطاردات، وذلك فيما عدا القليل من تلك القصص التي تولى إعدادها ومعالجتها سينمائياً كبار السينمائيين والأدباء، كأفلام : (حكم القوي، الاسطى حسن) اللذان حملا بصمات السيد بدير وصلاح أبو سيف، وأفلام (جعلوني مجرماً، الفتوة، النمرود) لنجيب محفوظ. وقيمة فريد شوقي كمؤلف تتمثل في فكره الاجتماعي، كمسجل للظواهر الاجتماعية السائدة، حيث كان يستمد أفكار قصصه من الواقع. وإذا كانت فكرته في فيلم (جعلوني مجرماً) قد تحققت بإلغاء السابقة الأولى، فان فكرته في فيلم (كلمة شرف) قد تحققت كذلك في العمل بنظام السجن المفتوح الذي يسمح لبعض السجناء غير الخطرين بزيارة عائلاتهم في الأعياد. وفريد شوقي كمؤلف ينتمي إلى مدرسة يوسف وهبي، التي تعتمد في التأليف والاقتباس على الهدف المباشر، الذي يخرج عن الإطار الفني في سبيل استنباط الحكمة والموعظة الحسنة. -- فاصل موسيقي -- المسرح في مشوار فريد شوقي ------------------- (عنوان فرعي) -- فاصل موسيقي -- لقد كان لفريد شوقي نشاط ملحوظ في المسرح، بجانب النشاط السينمائي. فقد أعاد تكوين فرقته المسرحية في أواخر الخمسينات ليدعم بها مجده السينمائي، وضمت تلك الفرقة أربعة وثلاثين فناناً وفنانة، وكان يتقاسم بطولة مسرحياته مع بطلة أفلامه هدى سلطان، واستهل نشاطها بمسرحية كوميدية بعنوان (عفريت الست) واحيت مواسمها بين القاهرة والإسكندرية وقامت برحلات فنية إلى لبنان وسوريا وليبيا والسودان. وفي ذلك الوقت لم يقنع بتمثيل الكوميديات، وشرع في تكوين فرقة أخرى غنائية استعراضية باسم (فرقة المسرح الجمهوري)، التي ضمت هدى سلطان ونعيمة عاكف وزوزو ماضي وزوزو حمدي ومحمد توفيق ومحمود السباع، لكن مشروع تلك الفرقة لم يخرج إلى النور، فسرعان ما عدل عن تكوينها لأنه طلب من الدولة وقتئذ تقديم موسمها الأول على مسرح دار الأوبرا، فقدمت له بدلاً منه مسرح حديقة الازبكية. ولما أقيم مهرجان نجيب الريحاني المسرحي في مطلع الستينات، وتبادل زملاؤه القدامى تمثيل أدواره الخالدة، من أمثال سليمان نجيب وحسين رياض وحسن فايق وعباس فارس وسراج منير، كان له دور في هذا المهرجان. لكنه لم يلبث أن انسحب منه ومن الفرقة عندما ظهر نجم الفنان المسرحي الجديد عادل خيري، نجل بديع خيري النصف الثاني لنجيب الريحاني. فقد اضطلع عادل ببطولة مسرحيات الفرقة، ولقى القبول من الجمهور غير أن الأجل لم يمهله طويلاً، وعادت الفرقة العريقة تشكو الفراغ الكبير. وخلال تلك المحنة، تذكر بديع خيري النجم السينمائي فريد شوقي الذي كان قد تنبأ له بالنجاح، عندما رآه مع عزيز عيد، وهو يقوم ببطولة مسرحية (الضحية) مع فرقة الرابطة القومية للتمثيل على مسرح برنتانيا قبل هذا التاريخ بنحو عشرين عاماً. وتذكره كذلك عندما ساهم بالتمثيل في مهرجان نجيب الريحاني المسرحي. اتصل به تليفونياً وقال له : - ابني عادل مات يا فريد. - البقية في حياتك يا أستاذ بديع. في الواقع انه خسارة كبيرة. - خسارة كبيره للفرقة. - لكن الفرقة لازم تستمر.. لازم تعيش. - أنا باكلمك عشان كده. - أنا بديت حياتي كمبارس في فرقة الريحاني. ومستعد لأي خدمة. - ده عشمي فيك. لأني باعتبرك ابني الثاني اللي بادخره لليوم ده. - ده شرف لي يا أستاذ بديع. - ويسعدني انك تقبل تكون بطل الفرقة. - ويسعدني أنا كمان. وان شاء الله أتكون عند حسن ظنك. - بلاش تواضع يا فريد. عارفك كويس من أيام الهواية. -- فاصل موسيقي -- وبهذا عادت إلي مسرح الذكريات حركة بعث جديدة، ليعيد الممثل الهاوي القديم تمثيل أدوار الريحاني الخالدة. كان فارع القامة يملأ خشبة المسرح العريق، ويذكر الناس بقامة الريحاني المديدة، وحركاته ولفتاته ونظراته وأدائه الموسوم، الذي كان يحفظه عن ظهر قلب بحكم معاصرته لهذا العملاق العظيم. وارتقى خشبة المسرح العريق، كخليفة جديد لعبقري الكوميديا الخالد. وكان من بين الشخصيات التي اشتهر بها في مسرحياته، شخصيات (بندق أبو غزالة) في مسرحية (حكم قراقوش) و(أمشير أفندي) في مسرحية (30 يوم في السجن) و(حسين كعك) في مسرحية (ياما كان في نفسي) و(افلاطون أفندي) في مسرحية (الدنيا لما تضحك) و(تحسين أفندي) في مسرحية (قسمتي) المعروفة باسم (الدلوعة). كما مثل في فرقة الريحاني مسرحية جديدة بعنوان (الحرامية) قام فيها بدور مغن قديم في شارع محمد علي. وقام في فرقة أخرى باسم فرقة (عمر الخيام) بالتمثيل في مسرحية بعنوان (البكاشين). وامتد نشاطه إلى المجال الثالث وهو التليفزيون، فقام ببطولة العديد من المسلسلات التليفزيونية، ثم مثل (أشعة الشمس السوداء) و(في مهب الريح) إخراج كمال أبو العلا، و(الشاهد الوحيد) و(عم حمزة) إخراج أحمد توفيق. -- فاصل موسيقي -- ويعتبر فريد شوقي من جيل الصف الثاني بعد الجيل الأول الذي ضم يوسف وهبي والريحاني وحسين رياض وزكي رستم وعباس فارس وسليمان نجيب وسراج منير، فهو من جيل أنور وجدي وحسين صدقي ومحسن سرحان وعماد حمدي ويحيى شاهين ومحمود المليجي، وإن كان يصغرهم بنحو عشر سنوات. لقد اقتحم فريد شوقي ميدان السينما بعد معاناة في مرحلتي الهواية والتأسيس العلمي، عن طريق الثقافة والاحتراف على خشبة المسرح. ثم ساعده ذكاؤه على أن يتطور بشخصيته ويغير جلده في كل مرحلة من مراحل حياته الفنية، إلى أن جاوز الخمسين، وتعدى مرحلة أدوار (الجان بريمييه) أي الفتى الأول، فاتجه إلى أدوار (الغراند بريمييه) أدوار الآباء الكبار بعد أن خلا الميدان من كثير من نجومها الكبار، فحل مكانهم في تلك الأدوار، وورث عروش ملوك التمثيل من الرعيل الأول، أمثال : يوسف وهبي ومحمود المليجي ونجيب الريحاني وحسين رياض وسراج منير وعباس فارس وزكي رستم. -- فاصل موسيقي -- تأثير أفلامه على المجتمع ------------------------- (عنوان فرعي) -- فاصل موسيقي -- ولا ننسى الإشارة إلى أن أعمال فريد شوقي، قد ساهمت في إصدار قوانين جديدة لصالح المجتمع. فعندما أعلنت ثورة يوليو في عام 1952، وصدرت قوانين إعادة تنظيم المجتمع، قدم فريد شوقي فيلم (حميدو) ليبين فيه دور المخدرات في مجتمعاتنا، وما تحمله من أخطار تهدد حياة الإنسان بالتفسخ والانحلال. وعندما صدر قانون جديد يمنع الرشوة ويعاقب الراشي والمرتشي، انتج وقدم فيلم (رصيف نمرة 5) ليعبر فيه عن اقتناعه بهذا القانون الجديد، الذي هو لصالح المجتمع.وعندما شاهد وزير الشؤون الاجتماعية فيلمه (جعلوني مجرماً) اصدر قانون الإعفاء من السابقة الأولى، وذلك لإتاحة الفرصة أمام الذين دفعتهم الظروف الصعبة للانحراف، لكي يبدءوا صفحة جديدة من حياتهم. وكان لهذا الفيلم شرف المساهمة في إصدار هذا القانون. وفي فيلم (الفتوة) أدان فريد وهاجم استغلال ملوك وتجار سوق الخضار الكبار، والأساليب المريبة التي يلجئون إليها، لكي يجمعوا الثروات الفاحشة، على حساب الفقراء من أبناء الشعب. وبعد أن شاهد رئيس الوزراء فيلمه (كلمة شرف) وافق على خروج السجين من وراء القضبان لمدة 48 ساعة، لكي يزور أهله، ولكي لا يفقد صلته بالحياة من حوله. كما أن فريد شوقي، وبتكليف من الرئيس جمال عبد الناصر، قدم فيلم عن العدوان الثلاثي على مصر تحت اسم (بور سعيد)، وقد خاطر فريد وذهب مع زملائه الفنانين معرضين حياتهم للخطر اكثر من مرة لكي يقدموا فيلماً يدين هذا العدوان الغاشم على الوطن. والآن عزيزي المستمع .. نتوقف هنا لنلتقي بك في حلقة جديدة ولقاء جديد مع نجم آخر.
برنامج مشاهير - الحلقة 37 - إعداد : حسن حداد نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بأن نلتقي بكم في حلقة جديدة من برنامجنا الأسبوعي (مشاهير)، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله. - فاصل موسيقي - عزيزنا المستمع .. نجمنا لهذه الحلقة هو المخرج الأشهر منذ العام الماضي، عندما قدم فيلمه الشهير (تايتنك) .. نجم حلقتنا هذه هو الفنان جيمس كاميرون، الحائز على اوسكار افضل مخرج العام الماضي. - فاصل موسيقي - جيمس كاميرون المخرج المتفجّرُ والأكثر تّأثيراً في هوليود. بالإضافة إلى الإخراج، هو أيضا كاتبُ موهوبُ، وقَدْ بَرهنَ على خبرته أيضا كمنتجِ, فنان، مصمم إنتاجِ ومديرِ تأثيراتِ خاصة من التصوير الفوتوغرافي. . . يُشرف عملياً على كل عنصر من عناصر العمل السينمائي . في البداية ، عمل جيمس كاميرون في حقلِ التّأثيراتِ الخاصة لفترة في أفلامِ مثل (معركة ما بعد النّجوم Battle Beyond the Stars)، (مجرة الرّعبِ Galaxy of Terror) وأبرز أفلام جون كاربنتر (هروب من نيويورك Escape From New York). فقد كان مشروعه الهامّ الأول مساعد مخرج لفيلمِ ذو ميزانيةِ منخفضة (بيرانا2- البَيْض Pirhana 2: The Spawning) عام 1981, حيث استخدمَ كاميرون خبرته في تَنظيمِ وإشْراف وتصميمَ الموز الطائر الذي ظهر في الفيلمِ. على أية حال، كان يَجِبُ أَنْ يَنتظرَ ثلاث سَنَوات لفرصةِ إخراجه المنفردةِ الأولىِ، بالحريةِ الكاملةِ لإضهار مواهبه. - فاصل موسيقي - في عام 1984 كان مشروع جيمس كاميرون الكاملَ الأولَ بدون تقييداتَ مبدعةَ. مع (ترمناتور The Terminator), وبه أسس نفسه كقوةِ يحسب لها في العالمِ المنافسِ لأفلامِ ألا كشن ، كِتابَة واخراج أفلام الخيال العلميِ الكلاسيكيةِ ضمن ميزانيةِ ضيّقةِ جداً. ففيلم السبعة ملايين دولار أعادَ تعريف مقاييسَ جديدةَ للإبداع ضمن أفلام الخيال العلمي والاكشن. كما أن (ترمناتور) كاميرون هو الفيلمَ الذي دفع الممثل (آرنولد شوارزينيجير) إِلى الشّهرةِ ؛ وقد نجح هذا الثنائي المخرج / الممثل مما دفع كاميرون لإشراك شوارزينيجير لفيلمين آخرين في السَّنَواتِ التّاليةِ. أطلقَ الفيلمُ أيضا (وستان وينستون) مهندس تأثيراتِ المكياجِ الخاصّةِ والذي إَستمرِّ يَعْمل مع كاميرون في العديد من مشاريعه المستقبليةِ (ومن المهم ملاحظة أنّ صداقتهما هذه قَدْ ألهمت وينستون على تصميم بعض من مخلوقاته، من بينها تصميم ذلك الوجهِ المشهورِ للمخلوق المفترس). إضافة إلى ذلك، شارك كاميرون كتابة السيناريو لفيلم ألا كشن النّاجح (دم أخير Rambo: Last Blood Part 2) جزء 2 في عام 1985. وفي عام 1986 كان فلمَ جيمس كاميرون القادم الذي اشتهر حقاً هو (الغرباءAliens ) كان قَدْ اُطلقَ إِلى الصالات العالميةِ بالمدحِ العالميِ من الجماهيرِ والنّقادِ على السواء. وقَدْ كَانَ فيلم (Aliens) الكلاسيكي الذي أخرجه ردلي سكوت في السابق واحداً من أبرز الأفلامَ المؤثرةَ في الخيال العلميِ الحديث، فهو قطعة نادرة ، لكن كاميرون في فيلمه الجديد (Aliens) قد أبقى على المفاهيمَ الأساسيةَ لفيلم (Aliens) القديم، ومن ثم تَوسّعَ أيضا على الفرضيةِ الأصليةِ في تعاقبِ طبيعيِ ومنطقيِّ وكانت النتيجة مذهلة . منذ إطلاقه، قَدْ كَانَ هناك دزيناتَ على دزينات من (Aliens) مقلدون، لحد الآن لا شيء قَدْ اَسرَ الخبرة الحادة لقطعة جيمس كاميرون النادرةِ. جيمس كاميرون كَتبَ وأخرج (Aliens) ، وأيضا خطّطُ شخصياً وصمّمُ العديد من العناصرِ البصريةِ الرّئيسيةِ بنفسه مثل سفينة فضاء سولاكو، محمّل القوةِ، وملكة Aliens . واحدة من أكبر الميزات المُتَعجِّبة من الفلمِ، التي قَدْ أصبحت الآن جزء من فلكلور صناعة السينما ، وبينما تبدو ميزانية مشروع (Aliens) 50 مليون وما فوق ، استطاعَ كاميرون في الحقيقة أن يَجْعله على ميزانيةِ أستوديو منخفضةِ 16 مليون دولار! ، حتى انه مَوَّل شخصياً ناسخ ضوئيِ للمقدمة. إضافة إلى ذلك، نشكر جيمس كاميرون فالفيلم قدْ طبع مرة ثانية مؤخراً (Aliens) طبعة خاصّة على أشرطة فيديو ، و(Aliens) طبعة خاصّة شاشة عريضة(شاشة عريضة Widescreen) على ليزر ديسك ، وقد أضيفُ حوالي ربع من ساعةِ من الفيلمِ كانت قَدْ قُطِعتْ لسوء الحظ من العرض السينمائي بسبب قوانين العرض . - فاصل موسيقي - استمر كاميرون في دْفعَ وتطوير أفلامه الأخرى مما قاده أَنْ يَتقدّمَ ويَبتكرَ حاسبة مندمجة تُصوّرَ بفيلمه القادمِ (الهاوية The Abyss). وكذلك اعتماد كاميرون على العديد من الأشكال التقنية الخاطئة غير المطورة في فيلمي (ترمناتور2) و(يوم الحكم) كفن الرسم البيانيِ الحديثِ ، أما في فيلم كاميرون (الهاوية) عام 1989(الذي كَتبَه أخرجه) فكَانَ واحداً من أبرز الأفلام الرّئيسيةِ الهامّةِ للتّكاملِ بين الواقعيِ وفن الرسم البيانيِ السّيليكونِ (CGI) في السينما. وكان الاستخدام الأول لمثل هذه التّقنياتِ كضوءَ صناعيَ وعملَ سحرِي في فيلمِ يدعى (شيرلوك هولميس الصغير Young Sherlock Holmes) في عام 1985 ، لكن فيلم (الهاوية) كان قفزةِ في ازدهار الصّناعةِ لنظام (CGI) الحالي. بالإضافة إلى أن (الهاوية) عموماً يعتبر واحداً من اصعب الأفلام، يحوي العديد من المشاهدِ تحت الماءَ، ويتضْمن مشاهدِ واقعيةِ وخطرةِ ، بالإضافة إِلى المفاهيمِ مثل التنفس السائل (لمعلومات مُفصّلةِ في هذه المساحاتِ، شاهد الفيلم الوثائقي " تّحت الضغط" ويقترح مشاهدة كيفية صناعة فيلم "الهاوية"). ومن المحزن، أن هذا النّجاح التقني في (الهاوية) لم يأتي بالنّجاحِ الماليِ. بسبب طوله المتطرّفِ الأصليِ ، ولتشابهه مع فيلم ((Aliens، وكَانَ لِزاماً على كاميرون أَنْ يعرضه بعد إزالةِ ربع ساعةِ من المشاهدِ. وقد أظهر كاميرون نزاهته باختياره أَنْ تَقْطعَ أغلب لقطات التّأثيراتِ الخاصّةِ ، بدلاً من حوار الشّخصِيات، وكان لزاماً عليه أن تزال مشاهد طويلة، مما نتج في خسارةِ المشاهدِ الرّئيسيةِ. وقد عَانى الفيلمُ كثيراً نتيجةً لذلك، وتَركَ جماهيره مشوشون حول موضوعِ الفيلمِ. على أية حال، فجيمس كاميرون قَدْ أطلق الغير مقطوع من فيلم (الهاوية) في طبعة خاصّة على أشرطة فيديو ، وطبعة خاصّة (شاشة عريضة Widescreen)على ليزر ديسك ، ورؤيا كاميرون الأصلية لأعماقِ المحيطِ يُمكنُ أَنْ تَكُونَ مَرْئية الآن في مجموعها. بعد (الهاوية)، جَاهدَ جيمس كاميرون لكي يَتوسّعُ على استعمال ابتكاره فن الرسم البيانيِ سيليكونِ (CGI)، وكانت النتيجة (ترمناتور2) و (يوم الحكم) عام 1991. - فاصل موسيقي - عودة كاميرون وشوارزينيجير، في مشروعَ (ترمنيتور2) يعد ثورة تقنية، ممثلين حقيقيين بالكامل مع فن الرسم البيانيَ في شكل واقعيِ مدهش لم يحدث من قبل. إضافة إلى أن جيمس كاميرون قَدّمَ أشاع تقنية نُسِختْ منذ سحر D3 كمبيوتر. أصحاب المؤثرات الخاصة كَسبوا رواتبهم هذه المرة حقاً، وهذا الفيلمِ النّاجحِ والشّعبيِ هو بلا شك واحداً من أهم أفلام الأكشن الرّائعُة التي تجرّبُ حتى الآن، وأخذ وضع كاميرون الأسطوري يقوّي ثانية في عيونِ معجبو الأكشن حول العالم. كاميرون إذن قادم على عَملَ فيلمِ "كاثرين بيجيلو" (نقطةِ إجازة Point Break) وكان ذلك عام 1991، وكان منتج تنفيذي ومشاركة في كتابته. كتب كاميرون أيضاً السيناريو الذي خَطّطَ أَنْ يُصوّرَه لفيلمِه القادمِ، تحت اسم (غرفةَ مزدحمة Crowded Room)، مستند على كتابِ تأليف "دانيل كييس" يدعى "عقول ميليجان زميل". تتمركزُ القصّةُ حول رجل يَمتلكُ 24 شخصية مُتميّزة، إضافة إلى أنه حارس شخصي مع أسلحة فنية مجنونة، إنه رجل طبيعي ولطيف معتدل، وأكثر أهمية فهو مغتصب . مع بداية القصّةِ ، نَرى الشرطةَ في محاولتها تعقّبَ رّجل متهم بالاغتصاب تحت اسم بيلى ميليجان. كل الشّخصياتِ موجودة في داخلة فقط، ونحن نَرى مشاهدَ نزاعه الدّاخلي، مثل 24 شخصية حَصروا سوية في غرفةِ مزدحمةِ يتجادلون كل منهم مع الآخرِ. خلال السيناريو يعيش الرّجلِ في الأماكنِ المختلفةِ بدون أي ذكرى هكذا اصبحَ هناك. مع ذلك المخطوطة لفيلم (غرفةَ مزدحمة) قَدْ انتهت، ومن المفترض بشكل أصلي أنْ يَكُونَ من تمثيل "جون كوساك"، إلا أن كاميرون لم يقدم الفيلم المُخَطَّط له بسبب بعض التّعقيداتِ القانونيةِ. فقد كان مقرراً أن يخرج الفيلم من قبل مخرج آخر ، حتى أنه لم يكن مؤكداً بالضبط ماذا سَيَحْدثُ للفيلم. وقَدْ كَانت هناك شائعات بأن المخرج "نك كاسافيتيس" رُبَما يقوم بهذا المشروعِ، مع "سين بين" كممثل. كما كانت هناك إشاعات بان "ديفيد فينتشير" سيكون المخرج، مع "براد بيت" كممثل. وإشاعات أخرى ذكرت بان "تيري جيليان" سيخرجه، مع "براد بيت" كممثل. ولم يكن هناك خبر إن كانوا سيَستعملونَ مخطوطة كاميرون، أو ستكون هناك مخطوطة جديدة. والعنوان غُيّرَ إِلى (الغرفة المزدحمة). ويبدو أنه مسألة وقت فقط لظهور هذا الفيلم إلى النور. وحتى لو حصل فإن هذا الفيلم ليس له علاقة بجيمس كاميرون.. - فاصل موسيقي - عند هذه النّقطةِ في مهنته، قَدْ كَسبَ جيمس كاميرون الامتياز لدُعوةِ الميزانياتِ الغير محدودةِ على ما يبدو لفيلمه إذا تطلب ذلك. ولم يعد هناك العديد من الحدودِ لتصوير فيلمه. فقد أسس كاميرون، سوية مع صّديقه الخبير مبتكر المخلوقِ "ستان وينستون"، أسسا شركة تأثيراتهم الخاصّةَ باسم( Digital Domain ). هذه الشركة الآن أصبحت الاسم الأكبرُ الثّاني في تأثيراتِ هوليود ( بعد Industrial Light and Magic)، تعمل على كل مشاريعِ كاميرون، وأيضا غير أفلام كاميرون مثل أفلام (أبولو13)، (قمة دانتي Dante's Peak)، (ردّ فعل سلسلةِ Chain Reaction) و(العنصر الخامس The Fifth Element). في عام 1994 كان آخر مشاريعِ كاميرون ذي الميزانيةَ العاليةَ المسهبةَ جداًَ وهو إخراجه للفيلم الرائعَ (أكاذيب حقيقية True Lies) وهو فيلمه الأول الأهم في الفنتازيا والخيال العلمي)، الذي كَتبَه أنتجه كاميرون أيضا. وللمرة الثانية البطولة للممثل آرنولد شوارزينيجير، هذا الفيلم على نمط أفلام جيمس بوند كوميديا واكشن ، في هذا الفيلم يبَرهنَ كاميرون على انه خبير في مزج المرح مع قوه الاكشن العالية، بينما في نفس الوقت هناك عناصر جديدة مُضافة إِلى هذا النوعِ المألوفِ (العديد من أفلامِ بوند لم تكن ناجحةَ فيها). مع استمرار سمعته لإنْتاجِ مشاهدِ أكشن عالمية اكثر إمتاع وجديّة، كمشاهد الاكشن الكلاسيكية الرائعة لصيد الأرانبِ في (أكاذيب حقيقية)، ولا شك في أنه قد سَاهمَ بشدّة في نشوب حرب أسعار الأفلام المرتفعة التكاليف التي تصل إلى 120 مليون دولار). بالتأكيد "أكاذيب حقيقية" فيلم لا بد أن يشاهد. - فاصل موسيقي - كتب كاميرون القصّةَ والسيناريو للعالمِ المتطرّفِ في فيلم (أيام غريبة Strange Days) عام 1995، لكنه لم يجد الوقتُ الكافي لكي يخرجه وذلك بسبب التزامات أخرىِ، لذا سَلّمَ واجبَ الإخراج إِلى "كاثرين بيجيلو"، بينما اشرفَ على الفيلم كمنتجِ. بشكل أولي لم يستقبل هذا الفيلم جيّداً مِن قِبل الجمهورِ العامِّ بسبب الطّبيعةِ المظلمةِ القاسيةِ. على أية حال، فالفيلم لقب بشكل حرج في النهاية كأفضلِ أفلام التسعينات ؛ وأطلق عليه "the Blade Runner of the 90s"، كما دَعّم سمعة كاميرون كواحد من افضل الكُتّابِ في هذا الأسلوب. وقد أخرج كاميرون أغلب المشاهد في الـ15 دّقيقةِ أكشن في فيلم " ترمناتور D3 " الذي أطلق بشكل خاص من استوديوهات فلوريدا العالمية. (ترمناتور 2: 3D معركة عبر الوقت) هو مزجُ مجسمي (ستريوسكوب بصري) وعناصر مرحلةِ أكشن حيّةِ، والتي بَرهنتْ في أنْ تَكُونَ واحدة من اكثر جماهيرية من نوعها شوهدت حتى الآن. هذا الفيلمُ القصيرُ سيأخذ موقعاً في المستقبل، والميزات تعود على كل الممثلينِ الابتدائيين من "ترمنيتور 2"، كمختصر لكنه فيلمَ متفجّرَ. ويُقدّمُ مخلوقاتَ جديدةَ أيضا مثل "mini-HKs"، مخلوقاتِ صغيرِة تحَوْمُ حول (السكاينيت Skynet) الذي تطَلبَ وتُحطّمَ أهداف في مجموعاتِ حوالي نصف دزينةِ، وأيضا ترمناتور عنكبوتي يدعى تي - 1000000(T-Meg). - فاصل موسيقي - وفيلم (تايتنك Titanic) هو آخر مشاريعُ كاميرون الرّئيسية ، والذي عرض في نهاية عام 1997. إنه قصّة حبِّ مستندة على كارثةِ السفينة تايتنك، مع الاكشن العاديِ الذي يتوقعه كل شخصِ من كاميرون. يُصوّرُ فترتين مختلفتين، واحدة في الماضيِ، والأخرى في الحاضرِ ( يُصوّرُ إنقاذ حطام السفينة تايتنك). ومع أنها دراما رومانطيقيةُ تاريخيةُ، فقد قاربت ميزانية الفيلمِ ال 250 مليون دولار. . . وربما ما يبرر ذلك هوأن كاميرون قد بنى مجسم بحجم 90% من الحجم الحقيقي ، نسخة طبق الأصل للسفينة الأصل، كما انه إهتم بدقة متناهية بالتفاصيل (حتى انه كان دقيقاً في اختياره للنقوش الفنية للصّحونِ التي استعملَها في قاعة العشاء بالباخرةِ). وشخصياً أراد كاميرون أيضا وبشكل أساسي أَنْ يقوم بمونتاج كل الفيلمِ ، كذلك كتابة التّكيّف المبتكر، لكن هذه الأشياءِ كَانتْ غير محتملة وذلك بسبب ظروف الزمن. أما نجوم تايتنك فهم بيل باكستون (المفضّل لدى كاميرون)، وكيت وينسليت وليوناردو دي كابريو. وكان محدداً بشكل أساسي أَنْ يفتتحَ الفيلم في الرابع من تموز/يوليو 1997، إلا أنه أجل حتى التاسع عشر من كانون الأول/ديسمبر. . . وكان أحد الأسباب لهذا التأجيل بأنّ كاميرون وَعدَ مخرج فيلم (العنصر الخامس) "لوك بيسون" بأن شركة Digital Domain سَتعرض (العنصر الخامس) أولاً. . . وقد صدقَ كاميرون في كلمته، مع أن ذلك قد عنى تأخير عرض فيلمه (تايتنك) الذي كلفه الكثير. في النهاية، تطوع كاميرون أَنْ يتخلى عن أجورِ إنْتاجه وإخراجه ، وأيضا أي أرباحِ شخصيةِ من الفيلمِ، وذلك لتخفيض أي تكاليف إضافية قد تتحملها فوكس للقرن العشرين (الشركة المنتجة). وقد ذكر كاميرون في رسالةِ نَشرتْ في صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" قائلاً :"لم يطلب مني أحد أَنْ أقوم بذلك، لكنني وبشكل أحادي الجانب قررت ذلك، كبرهان على تحملي مسؤولية أفلامي عندما يكون الحظ سيئاً، مثل تحملي عندما يكون الحظ حسناً". - فاصل موسيقي - لقد أشيع مسبقاً بأن فيلم جيمس كاميرون القادم، هو الفيلم الذي انتظرناه طويلاً (ترمنيتور3)، وقد بدأت شركة (Digital Domain) العمل على بعض التصاميم التصورية التمهيدية له. كما أشيع أيضاً بأن جيمس كاميرون قد بدأ كتابة قصة فيلم (ترمنيتور3) مسبقا.. (كانت التخمينات أن هذا الفيلم لربما يأخذ مكاناً خاصاً في المستقبلِ). وصَرّح أرنولد (بطل الفيلم) بأنه سيُكرّرُ دوره بالتأكيد كترمنيتور-008، عندما يقرر كاميرون أَنْ يُباشرَ بالمشروعِ. على أية حال، كل هذا تغَيَّرِ في بداية تشرين الأول/أكتوبرِ1997، عندما أعلن بأنّ كاميرون قَدْ ألغى مشروع (ترمنيتور3) لأسباب رسمية، مثل (كلفة المصاريف التي يمكنُ أَنْ تُتحمّلَ حتى قبل أن تكتب المخطوطة)، بينما إدعى الآخرون بأن هناكَ نزاعاتَ شخصيةَ بين بعض الأطراف. وعلى الرغم من هذا، يبدو الآن بأنه لن يكون هناك (ترمنيتور3) مع جيمس كاميرون. كما يبدو أيضا، بأن آرني مهتم بالرجوع بدون كاميرون. وإن شركة "كارلوكو" المفلسة لها الحق بأن تبيع سلسلة ترمنيتور في المزاد. وهناك بقايا احتمالات فقط بأنّ ممثلين وطاقم جديد لَرُبَما يُحاولون صنع تتمة أفلام ترمناتور بشكل ناجح مثل أفلام جيمس كاميرون. كما خطط جيمس كاميرون أن يقدم فيلم حركة أكشن بعنوان (تجسيد الآلهة Avatar)، وأن يقدم من خلاله ابتكارات تقنية جديدة، من ابتكار شركة (Digital Domain's) أيضاً. الفعل الملحمي المستقبلي / قصة مثيرة / قصّة حبِّ كَانَ يمكنُ أَنْ تَكُونَ الأولىَ التي تَستخدمَ التصوير الواقعي بالكمبيوتر (الإنسانيِ التّقريبي virtual actors) بنفس تصرفات الإنسان، من العظامِ إلى العضلاتِ المتحركة تحت الجلدَ. وكانت شركة (Digital Domain) قد صممت مسبقا نموذجِاً للنّظامِ الإنسانيِ التّقريبي، والنَّتائِجَ كَانتْ واقعية جداً لدرجة تعذر تمييزه من البشرِ الحقيقيِ. وقد قال كاميرون بأنّ الفيلم كَانَ قصّةَ خيالية، ويدور حول كمبيوتر يخلق أشخاصَ، ولذلك سَيَكُونُ فيلم (Avatar) عن علم الوراثة. على أية حال، بعد إكمال إنتاجِ فيلم (تايتنك) ونجاحه الكبير، فقد تسَرّبتْ أقاويل بأن كاميرون قَدْ تَركَ مشروع فيلم (Avatar)، على ما يبدو بشكل دائم. ويقال بأن السّبب للإلغاءِ هو فقدان حماس كاميرون نفسه للمخطوطة التي كتبها لهذا الفيلم، إضافة إلى عدم ثقته في إمكانيات تكنولوجيا التّأثيراتِ الخاصّةِ الحالية. إذن مستقبل (Avatar) غير أكيد في أحسن الأحوال. ويبدو بأنّ كاميرون قد اشترى المخطوطةَ الثالثة لفيلم (أكاذيب حقيقية 2) بعدما أثارته عند قراءته لها. وهو الآن يُخطّطُ لإعادةِ كتابتها وتقديمها بتفاؤل خلال العامين القادمين. وكلاً من توم آرنولد وآرني سيعودان مع هذا الفيلم، إذا نفذ في المستقبل، وبيل باكستون يُحتملُ أَنْ يعود في دورِ أساسي. - فاصل موسيقي - كَانَ جيمس كاميرون لعدة سنوات الآن، وما زال يُحاولُ البدء في العمل على فيلم (سبيدرمان Spiderman)، الذي انتظره الجمهور طويلاً. وقَدْ كَانَ واحد من أحلامه، لكن مجادلاتَ قانونيةَ لانهائيةَ تتعلق بحقوق الفيلمِ، والتي على ما يبدو ستؤخر إنتاج هذا الفيلم. وقد عملت شركة (Digital Domain) المستحيل في المُحَاوِلة مع نظام (CGI) لاستخدام تكنولوجيا مشروع فيلم (Avatar)، ويبدو بأننا سنشاهد هذا الفيلم في النهاية، فقد قرر كاميرون أن يكون هذا الفيلم هو فيلمه القادمِ. ويبدو بأنّ كاميرون قَدْ اختارَ ممثل كندي مجهول هو (مارتن جيرو) للدورِ الرئيسي. ولأن كاميرون معجب بسبيدرمان، فهو يَعْرفُ بالتأكيد ما الذي يفعله لاختيار فريق عمله. وقَدْ أشار مبتكر سبيدرمان (ستان لي)، بأنّه أعجب بمخطوطةَ كاميرون، والتي تعتمد على الهزل والعناصرِ الأكثر كلاسيكية ( مثل Dr. Octopus ، ومن المحتمل أن يُظهرَ أشخاص جدد مثل فينم). ويبدو بأن الموضوعَ الرّئيسيَ للفيلمِ سَيَكُونُ كفاحَ سبيدرمان مع قوته الجديدة. وفي نهاية عام 1996, قامت شركة (Lightstorm Entertainment) بشراء سيناريو(Brother Termite) للكاتب "John Sayles'" والتي تستند على رواية "باتريسيا أنتوني"، وهي رواية خيال علمي تحكي عن غرباء يُؤثّرونَ على الجنس البشري بشكل صامت. وفي أواسط عام 1997,تغير اسم هذا المشروعِ إلى (يَسْقطُ الحكم Judgement Falls)، وقد أكد جيمس كاميرون على ذلك كمنتجِ تنفيذيِ. والمخرج الذي أختير لإخراج مشروع (Judgement Falls) هو "ديفيد كرونينبيرج". وقصة الفيلم تتمركزُ حول غريب رماديَ يدعى رين، يصادفُ بأنه كان الرّئيس في حكومةِ الولايات المتحدة. رين سَيَكُونُ بالكامل ممثل (CGI)، وهذا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الاختبار الحاسم لمهارة صناع شركة (Digital Domain's). - فاصل موسيقي - إضافة إلى أن كاميرون قد أعلن مرة بأنه مهتم كثيراً بالعمل في أفلام الرسوم المتحركة بالكمبيوتر مثل فيلم (قصّة لعبةِ Toy Story)، والذين يترقبون ويتساءلون عن كيف سيكون هذا الفيلم عليهم البحث في أفلام الصور المتحركة على الكمبيوتر المفضلة لدى جيمس كاميرون كالفيلم الياباني (شبح في صدفة Ghost in the Shell). كذلك اشترت شركة (James Cameron's Lightstorm Entertainment) حقوق فيلم Anne Rice's صاحب فيلم (مقابلة مع مصّاص الدماءِ Interview with a Vampire" fame) رواية " الأم The Mummy "، التي أشيع بأن "أنتونيو باندراس" كان مهتماً بها. كما أشيع أيضاً بأن كاميرون هو المنتج التنفيذيَ لإعادة فيلم (كوكب القردة Planet of the Apes). كذلك خطط جيمس كاميرون أَنْ يَقُومَ بدور المنتجِ لفيلمِ "بيتر هيامس" (سقوط الملاك الساطع Bright Angel Falling)، والذي يدور حول تهديدِ ارتطام نجميِ بالأرضِ. على أية حال، مشروع فيلم (سقوط الملاك الساطع) قَدْ تأجل بسبب وجود عددِ كبيرِ من الأفلامِ المشابهة في استوديوهات الإنتاجِ الأخرىِ. - فاصل موسيقي - لقد قِيل الكثير حول شخصيةِ جيمس كاميرون، والكلمة الوحيدة التي تصفه حقاً هو أنه حاد الطبع. تقول كاتي وينسليت في تعليقها على مجموعة عمل (تايتنك) وعن جيمس كاميرون بالذات: "جيم شخصُ كبير جداً في المجموعةِ، كان كالإله. ما قاله حصل! رهيب جداً، ولحد الآن رجل لطيف. شخص مزاجي جداً، ومن الصعب أَنْ تقول أين يقف ويجبُ أَنْ تُحلّله لكي تعرف إذا كان مزاجه حسن أو لا. وفي لّيلة كان علي أَن اَعْملَ بجدية معه، في المشهد الذي صورته مع بيللي (بل باكستون)، كَانَ اللّيلَ. وكنت في وضع إختبار حقيقي. وقبل أن يصور هذا المشهد كَانَ يَعْملُ على مشهد آخر حيث تلك العجوز التي يجبُ أَنْ تَصْرخَ ولا تريد أَنْ تَتْركَ زوجها على الباخرةِ الغَارِقةِ (مشهد تحميلِ قارب نجاة). وكانت مشكلة هذه السّيدةِ فقط هي أنها لم تكن تؤدي جيداً، لذا شاهدنا كاميرون يصرخ ويشتم هذه المرأةِ. فقُلتُ لنفسي إنه لم يتردد في الصراخ في امرأة مسنةِ، فبالتالي لَنْ يَتردّد أبداً في أَنْ يَصْرخَ عليّ. عندها جاء دوري وتسلطت الكاميرا علي وبدأ التصوير! ! ! " بعد انتهاء المشهد وعندما سُمِعتُ صرخة " قطع! ! ! " نَظرتُ فوق وكان جيم يُصفّقُ ويحييني، كُنْتُ في تلك اللحظة سعيدة جداً ! فقد استمر تصوير المشهدَ بعض الوقت وكان هذا كل شيء. لم يأخذ المشهد أكثر من نصف ساعة، بينما الاعتيادي عند تصوير مشهد قصير مثل هذا يَأْخذُ ساعات على أقل تقدير! لذلك كُنْتُ محظوظة في أَنْ أرى جانب جيم الجيد. . . كَانَ عندي امتياز في أَنْ أراقب كاميرون وهو يصنع فيلم تايتنك ويظهر به إلى النور. إنه مثل أي شخص آخر، وله الحق كأي إنسان في أن يغضب، أو أنْ يَكُونَ مضحكَ، الخ. ولا ألومه البتة للصراخ في أي شخص لم يكمل عمله على أتم وجه لأن ذلك يكلفه أكثر من 300,000 دولار للتصوير يومياً. (وهذا لا يَعْني بأنني كنت سعيدة لأنه لم يصرخ علي). فلا يُمكنُ أَنْ تُهدرَ مبلغ كهذا ببساطة ! " - فاصل موسيقي - وهنا بعض التّعليقاتِ من شخص يعرف جيمس كاميرون جيداً وأكثر من أي شخص آخر، إنه النجم بيل باكستون، الذي يقول : "جيم لَيسَ واحد من أولئك الأشخاصِ الذين عِنْدَهُمْ الوقتُ أَنْ يَفُوزوا بالقلوبِ وعقولِ الناسِ. هو مستقلُ متحدّيُ، عنيدُ، عاطفيُ، مُساقُ، صانع أفلام وفنان وحالم. ربما ستَجاري جيم؛ ولكنه لَنْ يَجاريكَ. لقد زُرتُ جيم عند تصويره لفيلم (الهاوية The Abyss) وعندما رَأيتُ نوعَ العقابِ الذي يَضعَ نفسه فيه عند تصوير الفيلم . . . تَحدّثَ الممثلونُ عن كيفية الصعوبة في العمل تحت الماء، لكنهم كَانوا هناك في الأسفل لبضع ساعاتِ في وقت الاستراحات. إلا أن جيم كَانَ هناك في الأسفل طوال اليومِ، كثيرة تلك المرات التي دَفعَ فيها غواصي القوة البحرية لتجاوز حدودهم الموصّى بها. اعتقدَ أنه كان هناك غرفةَ صغيرة لدفعَ المغلف. وكَان هناك محطة لضخ الهواء في قاعِ البرميلِ، وهو يواصل ملىء البرميل بالهواء حتى نهايةِ اليومِ، كَانَ يجبُ عليه أَنْ يخفف ضغط الماء في غضون عشَر أقدام خلال ساعةِ ونصف تقريباً. ولأن جيم لا يَحْبُّ أَنْ يُهدرَ الوقت، فقد كان يستخدم نافذةِ زجاجيةِ وهو يُراقبَ الصحف اليوميّة بينما كَانَ يخفف الضغط. الخوذة التي صَمّمها جيم لتصوير الفيلمِ يُمكنُ أَنْ يَرى من خلالها وجوه الممثلين تحت الماء ويسجل الحوار في نفس الوقت، كَان ذلك ثقيلاً حقاً. كان صعباً على أكتافِ جيم ورقبته. وفي نهايةِ كل يومِ عندما يأتي وقت تخفيف الضغط، كان يُعلّقُ نفسه رأساً على عقب على قضيبِ حتى يُزيلَ الألم والضغط عن رقبته وفي نفس الوقت يشاهد الصحف اليومية على شاشةِ التلفزيونِ الذي بدوره قلب رأساً على عقب. أَعتقدُ بأنّ هذا هو جيم كاميرون المتطرّف الجميل. " أثناء صناعة فيلم (تايتنك)، كان طبيعياً أن يستمر التصوير إلى حدود 15 ساعة، وكان كاميرون يحُقَن بإبر لفيتاميناتِ بي -21 في سيقانه ويشرب عصير الحنطة حتى يَتحمّلَ طاقه استثنائية. والسؤال لماذا يأخذ جيمس كاميرون صناعة الأفلام بجدية؟ لأن ذلك هو شغله الشاغل، وحياته، وهو يُريدُ أَنْ يَعطي الأفضل المطلق. لا مساوماتُ في ذلك. مثل هذا الالتزام لتزويد الترفيه للآخرين، يحتاج للتصفيق والإطراء من الجميع. من ابتكاراته العديدة وأفلامه الرّائعةِ، جعل جيمس كاميرون نفسه كواحد من أفضل من صنع السينما الحديثة. فهو منشد الكمالُ، هذا الذي يَسُوقُ نفسه لأقصى الحدودِ لصناعة أفلامه، وهو يَتوقّعُ بأن الآخرون يفعلون نفس الشيء. لقد كَسبَ جيمس كاميرون الاحترام، والمساندة وإعجاب كل الذين زودهم بالمتعة من خلال أفلامه. والآن عزيزي المستمع .. نتوقف هنا لنلتقي بك في حلقة جديدة ولقاء جديد مع نجم آخر.
مشاهير ـ الحلقة 38 ـ إعداد : حسن حداد أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في أولى حلقات برنامجنا الأسبوعي ( مشاهير ) ، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. نجمنا لهذا الأسبوع هو الفنان المصري كامل التلمساني ، صاحب الفيلم الواقعي الرائد (السوق السوداء) . ــ فاصل موسيقي ــ في حلقتنا هذه ، سنتحدث كثيراً عن الفنان كامل التلمساني وعن فيلمه (السوق السوداء) ، هذا الفيلم الذي يعتبر فعلاً من بين أبرز كلاسيكيات السينما المصرية ، وعلامة هامة من علاماتها . وهـذا الفنان الذي يشـكل ، مـع قِـلّـة من زملائه ، جيلاً ثقافياً وحضارياً في ثلاثينات وأربعينيات هذا القرن . ــ فاصل موسيقي ــ كان كامل التلمساني عَلماً بـارزاً ، ليس في الوسط السينمائي فحسب ، وإنما على صعيد الوسط الثقافى والفكري بشكل عام .. فقد كان داعية ومبشراً وصاحب رسالة ثقافية ، وذلك بمحاولاته الجادة في نشر الإتجاه الواقعي في السـينما والفن التشكيلي ..كما أنه يمثل ، مع كمال سليم وأحمد كامل مرسي وأحمد بدرخان ، الجيل الثاني لمخرجي السينما المصرية .. الجيل الذي أرسى إتجاهات الفيلم المصري أبّان العصر الذهبي لإستوديو مصر قبل الحرب العالمية الثانية . ولد كامل التلمساني في الخامس عشر من مايو عام 1915 ، في ببلدة نوى في محافـظة القلـيوبية ، وأنهى دراسته الإبتدائية والثانوية فيها ، ثم إلتحق بكلية الطب البيطري ، ولكنه لم يكمل دراسة الطب ، فقد تركها وهو في السنة النهائية .. تَـفرَّغ بعدها لإرضاء ميوله وهواياته في الرسم والتصوير والقراءة والكتابة والنقد الصحفي ، وذلك بعد أن هاجر مع أسرته الى القاهرة ، وتنقل بين أحياء "الصليبة" بالقلعة و "الجـيزة" و "العباسية" . ــ فاصل موسيقي ــ بدأت هوايات كامل التلمساني لفن الرسم والتصوير وهو في سن مبكرة، ولكنها لم تُنمِ وتصقل وتتخذ لها أسلوباً واضحاً ومميزاً إلا بعد إلتحاقه بكلية الطب ، وبعد إطلاعه على المدارس الفنية المختلفة . كان ينطـلق في حواري القاهرة ويجوب قُـرى الريف ليرسم الفـقـراء في قاع المدينة والفلاحين في القرى .. وكانت هذه الصور والنماذج البشرية ، وما تلاقيه من عذاب ومعاناة ، هي الموضوع الذي يتفاعل في نفسه وينفعل معه ، ومن ثم يعرضه في صوَرِه ولوحاته . وكامل التلمساني ذو شخصية غريبة الأطوار ، كما يقول معاصره وزميله الفنان "أحمد كامل مرسي" : ... شخصيته عصبية المزاج ، حادة الطبع ، متوقدة الذكاء ، قوية المنطق ، وذلك من أثر قراءاته العديدة ، وإطلاعه على كافة المذاهب والافكار من اللغات الإنجليزية والفرنسية والعربية .. لقد إكتنز قسطاً من المعلومات والمعرفة ، والتي تكثـفت وتراكمت وجعلته يتكلم في الفن والأدب والفلسفة والـسياسة والعلم والدين والمجتمع والحضارة .. يتكلم في حماس شديد ، بل في ثورة عارمة في بعض الأحيان (....) إنه مجموعة من المتناقضات ، تلتحم وتتصارع في لحظة واحدة بين جوانحه ، وسرعان ما تتحول من حالٍ الى حال . ــ فاصل موسيقي ــ إستمر كامل التلمساني قرابة العشرة أعوام (1933 - 1943) وهو يـسـاهم في إقامة معارض فنية ، ويدعم إتجاهات الفن الحديث في الرسم والتصوير مثـل التـعبـيرية والسريالية والتجريدية .. ولكن المعظم الغالب من أعماله الفنية كانت تنتمي للتعبيرية ، فقد كان متأثراً جداً بما تعانيه الطبقات الكادحة .. حيث جسد هذه المعانات بطريقة فنية مبتكرة وخاصة به ، تتميز بالجرأة الفنية في التـعبـير ، معتمداً على تدفـُق عواطفه وأفكاره ، أكثر من إعتماده على نقل الواقع وتقليده ، ومتخذاً أسـلوباً عنيفاً لا يعرف الإنسجام والتنسيق ، بل إنه يعتمد الألوان الصارخة والمثيرة للتعبير عن حالات النفس البشرية . ــ فاصل موسيقي ــ في هذه الفترة من حياته ، تعرف التلمساني على مجموعة من فناني الطليعة أمثال : جورج حنين ، رمسيس يونان ، فؤاد كامل ، أنور كامل .. والذين اسسوا فيما بعـد (جماعة الفن والحرية) ، ومن ثم أصدروا بياناً فنياً مشتركاً بعنوان ( يحيا الفن المنحط ) ، وهو بيان ضد الفاشية والنازية في ألمانـيا ، وضد موقفها المعادي والشرس من الفنانين والكتّاب التقدميين .. ثم أصدرت هذه الجماعة مجلة (التــطور) لتعبر بذلك عن أفكارهم ومبادئهم الإنسانية في مناصرة الفن والحرية .. وقـد لعـبت هـذه الجماعة ومجلتها دوراً ريادياً بارزاً في ربط الفن بالمجتمع ، وكان منهج التجديد هو الاسلوب الأساسي والملتزم لهذه الجماعة . كما لا يفوتنا أن نشير الى أن التلمساني قد ساهم برسوماته وصوره في مجلة (مجلتي) التي كان يصدرها "أحمد الصاوي محمد" ، وكانت في ذلك الوقت بمثابة المنبرالثقافي للفن الحديث .. كذلك تعرَّف على "سلامة موسى" في ( المجلة الجديدة ) ، وإنتظم بالعمل فيها ، وأثبت علمياً ماهية الفن الحر ووظيفته في خدمة المجتـمع ورفع مستوى الوعي الثقافي للطبقة العاملة . وبذلك لمع إسم كامل التلمـساني ، وتألق نجمه في عالم الفن والكتابة ، حيث أقام عدة معارض حققت نجاحات كبيرة ، وإستطاعت لوحاته أن تثيرعاصفة من الجدل والنقاش في الأوسـاط الفنية ، وذلك بإعتبارها صادرة من فنان مبدع ومفكر يحمل رؤية فنية متميزة ورأي حر وأسلوب خاص . ــ فاصل موسيقي ــ ورغم كل هذا النجاح وهذه الشهرة التي أحاطت بالتلمساني في الثلاثينات وبداية الأربعينات ، إلا أنه أحس فجأة بالذنب في أنه لم يقم بالواجب الذي عليه ، ولم يؤدِ الأمانة .. فقد تبين له بأن لوحاته تشترى من طبقة الأغنياء المقتدرين ، ومن ثم تُـزيّن بهاجدران القصور لتكون حلية وزينة ومتعة للناظرين ، دون الشعور بما تنطوي عليه من تعبير عن الفقر والبؤس والعذاب .. وأحس بأنه يستقبل في المجتمعات الراقية بالحفاوة والترحيب ، في حين أن البعد يشتد ويزداد يوماً بعد يوم بينه وبين آماله وأفكاره ، بينه وبين الجماهير المحرومة والمطحونة . وفي لحظة خاطفة من الغضب والثورة العارمة ، توقف عن الرسم وقطع كل علاقاته به ، وتوجّه الى السينما ، بإعتبارها أداة هامّة للإتصال بالجماهير العريضة .. حيث بواسطتها يمكن إعادة الحوار بينه وبين الناس البسطاء ، الناس الذين أحبهم وتعلق بهم وبهمومهم ، منذ نشأته الأولى . ــ فاصل موسيقي ــ في عام 1943 إلتحـق بإستوديو مصر ، وبدأ مشـواره السينمائي بالعمل كمساعد في الإخراج والمونتاج والإنتاج .. كما بدأ الكتابة في الـسينما ، ليواصل بذلك رسالته الفنية التي بدأها في الرسم ، والتي يمكن بلورتها في إن الفن العظيم هو الفن الذي ينبع من الجماهير ، والفن الرديء هو الذي يصدر عن أعداء التقدم .. وهذا بالفعل ما تضمنه كتاباه ( سفير أمريكا بالألوان الطبيعية ـ 1957 ) ، ( عزيزي شارلي ـ 1958 ) . وقـد تمـيز كامل التلمساني في كتاباته بالبساطة مع شيئ من الصرامة والتحديد وعدم الإلتواءفي الفكر أوالقول أو التعبير عما يشعر به.. هذا إضافة الى أنه قام بتحرير باب ( خلف الكاميرا ) في مجلة السينما عام 1945 ، وذلك بعد إنجاز فيلمه الأول . ــ فاصل موسيقي ــ كتب "كامل التلمساني" سيناريو فيلم ( السوق السوداء ) ، إضافة الى الإخراج ، خلال فترة الحرب العالمية الثانية ، ومن ثم قدمه مباشـرة الى مدير الإنتاج في إستوديو مصر في ذلك الوقت "أندريه فينو" الفرنسي الأصـل ، والذي أعجب بمصرية الفيلم وجدِّيته . ــ فاصل موسيقي ــ يعتبر فيلم (السوق السوداء) إستمراراً لمدرسة "كمال سليم" الـواقعية في فيلمه (العزيمة ـ 1939) ، إلا أن فيلم التلمـساني إمتاز بابتعاده عن الفكر التوفيقي للبرجوازية ، والذي طرحه "كمال سليم" في (العزيمة) .. فقد تناول التلمـساني في فيلمه ( السوق السوداء) أخطر المشاكل التي كانت مثارة في تلك الفترة ، وهي مـشكلة تجّار السوق السوداء أو أغنياء الحرب .. وإستطاع أن يشرح من خلال قضية بـسيطة كيف تنشأ السوق السوداء ، وكيف أنه تناول الدلالات الإجتماعية والسياسية لوجودها .. هذا إضافة الى تناوله للصراع الدائر بين مَنْ يملكون ومَنْ لا يملكون ، وتأكيد دور الجهل في طمس كل الحقائق. كل هذه الأمور قدمها الفيلم على نحو جعل منه فيلماً رائداً بحق . ــ فاصل موسيقي ــ ثم لا ننسى أن نـشير الى أن التلمـساني في فيلمه هذا لم يـشأ أن يقـسِّم شخصياته الى تلك التقسيمة الأخلاقية التقليدية ، شخصيات خـيِّرة أو شـريرة ، والتي تناولتها الأفلام المصرية مراراً..ولم يقف موقف التملق السلبي والخطير من شخصياته المقهورة ، لمجرد إعادة الإعتبار لها فقط ، إنـه في هـذا الفيلم لا يتملق ولا يدين ، بل يترك شخصياته تعبر عن نفسها وتعيش واقعها الإجتماعي الطبيعي . إنه يهتم بالبناء الداخلي لهذه الشخصيات ويحاول إسـتخراج ما تحـمله من مشاعر وأخلاقيات وأحلام .. كما أنه إهتم بنقل وضعها الإجتماعي الى المتفرج وتجـسيد ردود أفـعالـها وتفاعلاتها ما بين عالمها الداخلي وعالمها الخارجي .. من هنا تبدو شـخصيات (الـسوق الـسوداء) بالغة الصدق والثراء ، تتدفق بالحيوية وتتطور مع تطور أحداث الفيلم . ــ فاصل موسيقي ــ وبالرغم من أن التلمـساني قد قسَّم شخصياته تقسيمة إجتماعية ، إلا أنه لم يتوقف عند حدود أبعادها الإجتماعية فقط ، بل إنه تعمَّـد أن يكون لكل شـخصية ملامحـها الخاصة وقسماتها المتفردة..وهو بهذا قد حمى نفسه من الوقوع في أسر الأنماط التقليدية المباشرة ، وجعل للشخصيات الثانوية قدراً كبيراً من الأهمية ، تتأثر وتُؤثر في الأحداث . أما بالنسبة للحوار والأغاني ، فلا يمكن أن يكون كاتبها إلا الشاعر الكبير "بيرم التونسي" ، فقد كانت الروح الشعبية والإجتماعية والصياغة الشاعرية واضحة ، وتؤكد مقدرة هذا الفنان في تفهُم وإستيعاب قضية الفيلم الإجتماعية .. ومن الناحية الدرامية جاء حوار الشخصيات متلائماً مع أبعادها الإجتماعية والنفسية والأخلاقية ، فضلاً عن القوة الأيحائية والتأثيرية لهذا الحوار الأخاذ المنطلق .. هذا إضافة الى القيمة التعبيرية المؤثرة التي جسدتها الأغنية في التعليق على الأحداث ، حيث إكتسبت دوراً إجتماعياً مهماً ودلالات طبقية واضحة . ــ فاصل موسيقي ــ نأتي أخيراً ، لنتحدث عن الأسلوب الإخراجي ، حيث إهتم كامل التلمساني بشكل واضح وجاد بكافة التفاصيل الفنية للغة السينما .. فقد جاء فيلم (السوق السوداء) بالغ العطاء ، تتسم كل لقطة فيه بقوة التكوين ، الى جانب سخاء التفاصيل .. تلك التفاصيل التى لم تكن زوائد، بل أكسبت الأحداث والشخصيات معنى إيحائي يعمِّق المضمون الفكري للفيلم .. كما إستفاد التلمساني من جميع جزئيات السينما وأدواتها (الظل ، النور ، الصوت ، الإكسسوار ، المونتاج ) وإستخدمها درامياً بشكل موفق . هذا إضافة الى الجزئية الأهم وهو ذلك التصوير الأخاذ ، والذي أداره الفنان المرهف الحس "أحمد خورشيد" ، فقد كان إختياره لزوايا التصوير موفقاً ، حيث جائت اللقطات الكبيرة لتعبيرات الوجوه ذات حساسية وتأثير جميل وقوي .. كذلك الإقتصاد في حركة الكاميرا ، وبالذات في مشاهد الحارة ، والتي بدت بعمق مجالها وحيوية حركة الممثلين والكومبارس داخلها ، كما لو أنها حارة حقيقية تتدفق وتنبض بالحياة والصراعات . ــ فاصل موسيقي ــ وبالرغم من المستوى الجيد للفيلم ، إلا أنه لم يحقق نجاحاً جماهيرياً طيباً ، وفشل لأسباب ، حددها الناقد والمؤرخ السينمائي "أحمد كامل مرسي" ، في أن الفيلم : ... كان سابقاً لأوانه من ناحية ، ولأن الرقابة عبثت به من ناحية أخرى ... . إن هذا الفشل الذي صاحب فيلم ( السوق السوداء ) ، قد جعل كامل التلمساني يصاب بصدمة شديدة زلزلت كيانه وأفقدته الثقة بنفسه ، وهو الذي كان يعوِّل كثيراً على تجاوب الجماهير لفنه ، لذلك أقلع عن الإستمرار في هذا الطريق المبتكر ، وإختفى من الوسط السينمائي لفترة ، لكنه عاد إليه ليخرج أفلاماً تجارية ضعيفة ، بعد إقتناعه بأن الظروف لم تكن تسمح آنذاك بإخراج أفلام واقعية أو أفلام تعالج مشاكل الجماهير الحقيقية . عندما سُئل كامل التلمساني ( في عام 1945 ) عن المخرج الذي تأثر به في حياته الفنية ، أجاب بقوله : ... لا أعتقد أني قد تأثرت بمخرج معيَّن في أسلوبه التعبيري ، وإن كنت أميل دائماً الى دراسة مخرج أفضله على غيره من أئمة الإخراج السينمائي ، وهو "جون فورد" .. ذلك في إعتقادي إن السرد الفيلمي يعتمد على تتابع الصور وتكوينها التصويري ، أكثر مما يعتمد على الحبكة الدرامية أو التعبير الحواري أو غيره من عناصر المسرح .. وفي أسلوب "جون فورد" من شاعرية الصمت ما هو كفيل بأن يعبر خير تعبير عن كلمات المسرح ، وإني لا أعتقد بعظم قيمتها في الفيلم ... . ــ فاصل موسيقي ــ لقد أعطى كامل التلمساني للسينما المصرية عشرة أفلام كمخرج ، كما إشترك مع صديقه الفنان "أحمد سالم" وعمل معه في جميع أفلامه ، سواء في الإخراج أو المونتاج أو الإنتاج .. أما أفلام كامل التلمساني كمخرج ، فهي بالترتيب : السوق السوداء ـ 1945 ، البريمو ـ 1947 ، شمشون الجبار ـ 1948 ، البوسطجي ـ 1948 ، كيد النساء ـ 1950 ، أنا وحبيبي ـ 1953 ، الأستاذ شرف ـ 1954 ، مدرسة البنات ـ 1955 ، موعد مع إبليس ـ 1955 ، الناس اللي تحت ـ 1960 . في عام 1960 ، ترك كامل التلمساني بلاده في ظروف مريرة وصعبة ، إثر محاكمته بتهمة كاذبة .. مما جعله يهاجر الى لبنان ، حيث بدأ حياته من جديد هناك ، وإستطاع بعد معاناة ، أن يصنع له مكاناً مرموقاً في الأوساط الفنية اللبنانية .. فكتب للإذاعة والتليفزيون في بيروت ولندن .. حتى إنتهى به الأمر بالعمل كمستشار درامي لمنتجي السينما هناك .. كما عمل مع "فيروز و الرحبانية" كمعد للنصوص ومنسق لأعمالهم ومشروعاتهم المسرحية والسينمائية .. وفي الفترة الأخيرة من حياته ، أنشأ مع شقيقيه حسن و عبدالقادر ( شركة أفلام إخوان التلمساني ) لعمل الأفلام الفنية والثقافية والتسجيلية .. وعاش في لبنان حتى رحيله عن عالمنا ، في الثالث من مارس عام 1972 ، وهو في السابعة والخمسين . ــ فاصل موسيقي ــ الى هنا نكون قد تعرفنا على رمز وعلامة هامة من علامات الثقافة المصرية والعربية .. تعرفنا على "كامل التلمساني" الكاتب والفنان التشكيلي والمخرج السينمائي ، ولمسنا محاولاته في خلق الجديد المبتكر ، والذي يكشف عن مرارة الحياة وحيرة الإنسان بين آماله وآلامه .. وإذا كانت الأكاذيب والشائعات والصحافة قد جَنَتْ على كامل التلمساني ، والزملاء أغفلوه والقضاء المصري قد قسى عليه ، فإن التاريخ لن يقسو عليه وسيذكره دائماً ، بل وستبقى ذكراه في أكثر من مجال من مجالات الثقافة والفن . ختام
مشاهير ـ الحلقة 39 ـ إعداد : حسن حداد أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في أولى حلقات برنامجنا الأسبوعي ( مشاهير ) ، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. نجمنا لهذه الحلقة هو الفنان الكبير أحمد زكي .. الحصان الرابح في السينما المصرية .. وسنكون معه في حلقتين ، هذه الحلقة هي الأولى . ــ فاصل موسيقي ــ النجم الأسمر أحمد زكي ، يستحق بجدارة لقب نجم الثمانينات ، بل ونجم مستقبل السينما المصرية أيضاً . فنحن أمام فنان مجتهد جداً ، يهتم كثيراً بالكيف على حساب الكم ، يلفت الأنظار مع كل دور جديد يقدمه ، وأعماله تشهد له بذلك ، منذ أول بطولة له في فيلم شفيقة ومتولي وحتى الآن ، مروراً بأفلام إسكندرية ليه ، الباطنية ، طائر على الطريق ، العوامة 70 ، عيون لاتنام ، النمر الأسود ، موعد على العشاء ، البريء ، زوجة رجل مهم ، والعديد من الأفلام التي حققت نجاحات كبيرة على مستوى الجماهير والنقاد على السواء . طريق صعب ، ومليء بالإحباطات والنجاحات ، هذا الذي قطعه أحمد زكي حتى يصل الى ما وصل إليه من شهرة وإحترام جماهيري منقطع النظير ، جعله يتربع على قمة النجومية . حصد العديد من الجوائز المحلية والدولية ، وإحتكر جوائز أفضل ممثل مصري لعدة أعوام متلاحقة . ــ فاصل موسيقي ــ ولد أحمد زكي عام 1949 بالزقازيق (محافظة الشرقية) ، وأهل هذه المحافظة مشهورون بالكرم الأهبل ، حتى قيل عنهم بأنهم عزموا القطار . وأحمد زكي (أهبل شرقاوي) وهو يذوب رقة وخجلاً . يحدث المرأة فلا يتطلع لعينيها أو لوجهها . ويحدث الرجال الكبار بإحترام شديد ، ويعامل أقرانه بمودة متناهية ، ويكفي أن تلقاه مرة واحدة حتى ترفض كل دعاوي الغرور التي تلتصق به ، وترد السهام التي يطلقونها عليه الى صدور مطلقيها ، وتصيح بأن أحمد زكي فتى نقي بريء . ــ فاصل موسيقي ــ مات والده وهو في عامه الأول ، وتزوجت والدته بعد رحيل الوالد مباشرة .. فتعلقت بأهدابه كلمة يتيم ، وتغلغلت في كل تفاصيل عينيه ، فعاش حتى الآن في سكون مستمر ، يتفرج على ما يدور حوله دون أن يشارك فيه . ولهذا أصبح التأمل مغروساً في وجدانه بعمق ، حتى أصبح خاصية تلازمه في كل أطوار حياته . وعندها أراد أن يهرب من وحدته بأية طريقة ، بل أراد أن يهرب من حزن عينيه حين كره كلمة يتيم ، كان يهرب الى بيوت الأصدقاء ليحاول أن يضحك ، وكانت قدماه تتآكلان وهما تأكلان أرصفة الشوارع ، حتى ظن الطفل الطري العود أنه كبر قبل الأوان . والذي ساهم في تكبير الطفل أكثر ، هذا الصدام المتواصل بينه وبين العالم الخارجي ، لم يضحك بما فيه الكفاية ، ولم يبك بما فيه الكفاية .. ولكنه صمت بما فيه الكفاية . ــ فاصل موسيقي ــ حين أراد أحمد زكي أن يهرب الى الكلام ، وجد في المسرح متنفسه ، فالتحق بعالمه يوم كان يكمل دراسته الثانوية ، ولحسن حظه بأن ناظر المدرسة كان يهوى التمثيل . أما أحمد زكي فصار في فترة وجيزة هاوياً للتمثيل والإخراج المسرحي على مستوى طلاب المدارس . وهذا معناه بأن أحمد زكي قد إكتشف الفن في أعماقه مبكراً ، فكان رئيس فريق التمثيل في مدرسته الإبتدائية ، ومدرسته الإعدادية ، ثم مدرسة الزقازيق الثانوية . وهكذا تحدد طريقه الى المعهد العالي للفنون المسرحية ، الذي تخرج منه عام 1973 من قسم التمثيل بتقدير ممتاز ، وهو نفس التقدير الذي حصل عليه في كل سنوات الدراسة . ــ فاصل موسيقي ــ لمس أحمد زكي قلوب الناس وسط عاصفة من الضحك .. وكان هذا خلال المسرحية الأولى التي واجه الجمهور بها ، وهي مسرحية مدرسة المشاغبين . فمن حوله كان ملوك الضحك : عادل إمام ، سعيد صالح ، يونس شلبي ، حسن مصطفى ، عبد الله فرغلي .. وهو التلميذ الغلبان الذي يعطف عليه ناظر المدرسة . وقد كتب عنه النقاد بأنه كان الدمعة في جنة الضحك في هذه المسرحية . إن أحمد زكي ، الزبون القديم لمقاعد الدرجة الثالثة في دور السينما والمسارح المصرية ، لفت الأنظار إاليه بشدة عندما قام بدور الطالب الفقير الجاد في مسرحية مدرسة المشاغبين الكوميدية الذي يتصدق عليه ناظر المدرسة بملابسه القديمة . ــ فاصل موسيقي ــ بعد ذلك تنقل من المسرح الى التليفزيون الى السينما ، وكانت له جولات وصولات في الساحات الثلاث ، بل ولفت الأنظار إليه بكل دور يقوم به .. وترجمت هذه الأعمال المتفوقة الى جوائز .. هنا بدأت الحرب عليه ، وذلك للحد من خطورته . فمصدر الخطر فيه تحدد في ثلاثة مواقف سينمائية وتليفزيونية : الموقف الأول حين قام بدور البطولة في مسلسل الأيام ، فقد قام بدور طه حسين ، وعندما أجرى النقاد مقارنة بينه وبين محمود ياسين ، الذي قام بنفس الدور في السينما . وحين تجري المقارنة بين من مثل مائة فيلم ، وبين من مثل خمسة أفلام ومسلسل ، فمعنى هذا أن أحمد زكي قفز الى مكانة لم يسبقه اليها أحد ! ــ فاصل موسيقي ــ والموقف الثاني برز حين قام بدور البطولة في فيلم شفيقة ومتولي ، أمام سعاد حسني . ولا يهم ما قيل في الفيلم أو في سعاد حسني ، إنما المهم هو البادرة بحد ذاتها ، والتي هي إصرار سعاد حسني أن يكون أحمد زكي هو بطل الفيلم . والموقف الثالث كان في دور ثانوي ، هو دوره في فيلم الباطنية ، بين عملاقين سينمائيين هما فريد شوقي ومحمود ياسين ، حيث أن الجوائز إنهالت على أحمد زكي وحده ، وهي شهادة من لجان محايدة على أنه ، رغم وجود العملاقين ، قد ترك بصماته في نفوس أعضاء لجان التحكيم . ــ فاصل موسيقي ــ بعدها جاء فيلم طائر على الطريق ، وجاءت معه الجائزة الأولى .. وهكذا وجد أحمد زكي لنفسه مكاناً في الصف الأول ، أو بمعنى أصح حفر لنفسه بأظافره طريقاً الى الصف الأول !! وقد كان عام 1982 ، هو الإنطلاقة الحقيقية لهذا الفنان الأسمر ، فقد عرض له موعد على العشاء ، عيون لاتنام ، العوامة 70 . أما في عام 1983 ، وخلافاً لكل التوقعات ، فقد رأينا أحمد زكي منسحباً عن الأضواء والسينما بنسبة ملحوظة ، ليعود في العام 1984 أكثر حيوية ونشاطاً . ــ فاصل موسيقي ــ ومن العجيب أن هذا الشاب الريفي ، البعيد الوسامة ، جاء الى عاصمة السينما العربية ، مفتوناً برشدي أباظة ، المعروف بوسامته . والوسامة أو الشكل الجميل هي ما لم يتمتع بها أحمد زكي عن بقية فتيان الشاشة الحاليين والسابقين . فهو ليس في جمال حسين فهمي أو أنور وجدي مثلاً ، ولكنه نموذج عادي لأشخاص عاديين يقابلهم المرء ويتعامل معهم كل يوم في الطريق .. في المركبات العامة ، وبقية الأماكن التي يتردد عليها الناس . إن جمهور السينما الذي تفيرت نوعيته ، وأصبحت غالبيته من الكادحين ، يرون أنفسهم في أحمد زكي ، الفتى الأسمر الذي لا يعتني بملبسه ولا يذهب الى الكوافير لفرد شعره الأشعث المجعد . ــ فاصل موسيقي ــ والآن عزيزي المستمع .. نتوقف هنا لنلتقي بك في الحلقة القادمة لنستكمل الحديث عن الفنان الكبير أحمد زكي .. فالى اللقاء . ختام
مشاهير ـ الحلقة 40 ـ إعداد : حسن حداد أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في أولى حلقات برنامجنا الأسبوعي ( مشاهير ) ، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في حلقتنا هذه سنواصل حديثنا عن المخرج الكبير صلاح ابوسيف .. وكنا قد توقفنا عند المرحلة الثانية في مشواره السينمائي . ــ فاصل موسيقي ــ والحديث عن هذا النجم الكبير وعن مشواره الفني ، لا يمكن إلا أن يكون في صالحه . لذلك سندعه هو يتحدث عن نفسه ، عن حياته الشخصية ، عن بداياته مع الفن والوسط الفني ، عن ما يختلج في دواخله .. يقول النجم الأسمر : جئت الى القاهرة وأنا في العشرين : المعهد ، الطموح والمعاناة والوسط الفني وصعوبة التجانس معه ، عندما تكون قد قضيت حياتك في الزقازيق مع أناس بسطاء بلا عقد عظمة ولا هستيريا شهرة . ثم الأفلام والوعود والآلام والأحلام .... وفجأة ، يوم عيد ميلادي الثلاثين ، نظرت الى السنين التي مرت وقلت : أنا سرقت .. نشلوا مني عشر سنين . عندما يكبر الواحد يتيماً تختلط الأشياء في نفسه .. الإبتسامة بالحزن والحزن بالضحك والضحك بالدموع ! أنا إنسان سريع البكاء ، لا أبتسم ، لا أمزح . ــ فاصل موسيقي ــ ويواصل أحمد زكي حديثه ، فيقول : صحيح آخذ كتاب ليلة القدر لمصطفى أمين ، أقرأ فيه وأبكي .... أدخل الى السينما وأجلس لأشاهد ميلودراما درجة ثالثة فأجد دموعي تسيل وأبكي ، عندما أخرج من العرض وآخذ في تحليل الفيلم ، قد أجده سخيفاً وأضحك من نفسي ، لكني أمام المآسي أبكي بشكل غير طبيعي ، أو ربما هذا هو الطبيعي ، ومن لا يبكي هو في النهاية إنسان يحبس أحاسيسه ويكبتها . المثقفون يستعملون كلمة إكتئاب ، ربما أنا مكتئب ، أعتقد أنني شديد التشاؤم شديد التفاؤل . أنزل الى أعماق اليأس ، وتحت أعثر على أشعة ساطعة للأمل . لدي صديق ، عالم نفساني ، ساعدني كثيراً (في السنوات الأولى) ويؤكد أن هذا كله يعود الى الطفولة اليتيمة ، أيام كان هناك ولد يود أن يحنو عليه أحد ويسأله ما بك . ــ فاصل موسيقي ــ ويسترسل في الحديث ، حين يقول : في العاشرة كنت وكأنني في العشرين .. في العشرين شعرت بأنني في الأربعين . عشت دائماً أكبر من سني .. وفجأة ، يوم عيد ميلادي الثلاثين . أدركت أن طفولتي وشبابي نشلا .. حياتي ميلودراما كأنها من أفلام حسن الإمام . والدي توفي وأنا في السنة الأولى . أتى بي ولم يكن في الدنيا سوى هو وأنا ، وهاهو يتركني ويموت . أمي كانت فلاحة صبية ، لا يجوز أن تظل عزباء ، فزوجوها وعاشت مع زوجها ، وكبرت أنا في بيوت العائلة ، بلا أخوة . ورأيت أمي للمرة الأولى وأنا في السابعة .. ذات يوم جاءت الى البيت إمرأة حزينة جداً ، ورأيتها تنظر اليّ بعينين حزينتين ، ثم قبلتني دون أن تتكلم ورحلت . شعرت بإحتواء غريب . هذه النظرة الى الآن تصحبني ، حتى اليوم عندما تنظر اليّ أمي فالنظرة الحزينة ذاتها تنظر . في السابعة من عمري أدركت أنني لا أعرف كلمة أب وأم ، والى اليوم عندما تمر في حوار مسلسل أو فيلم كلمة بابا أو ماما ، أشعر بحرج ويستعصي عليّ نطق الكلمة . ــ فاصل موسيقي ــ عندما كنت طالباً في مدرسة الزقازيق الثانوية ، كنت منطويا جداً لكن الأشياء تنطبع في ذهني بطريقة عجيبة : تصرفات الناس ، إبتساماتهم ، سكوتهم . من ركني المنزوي ، كنت أراقب العالم وتراكمت في داخلي الأحاسيس وشعرت بحاجة لكي أصرخ ، لكي أخرج ما في داخلي . وكان التمثيل هو المنفذ ، ففي داخلي دوامات من القلق لاتزال تلاحقني ، فأصبح المسرح بيتي . رأيت الناس تهتم بي وتحيطني بالحب ، فقررت أن هذا هو مجالي الطبيعي . ــ فاصل موسيقي ــ بعد ذلك بفترة إشتركت في مهرجان المدارس الثانوية ونلت جائزة أفضل ممثل على مستوى مدارس الجمهورية . حينها سمعت أكثر من شخص يهمس : الولد ده إذا أتى القاهرة ، يمكنه الدخول الى معهد التمثيل . والقاهرة بالنسبة اليّ كانت مثل الحجاز ، في الناحية الأخرى من العالم . السنوات الأولى في العاصمة .. يالها من سنوات صعبة ومثيرة في الوقت ذاته . من يوم ما أتيت الى القاهرة أعتبر أنني أجدت مرتين .. في إمتحان الدخول الى المعهد ويوم التخرج . ويواصل أحمد زكي ، حين يقول : ثلاثة أرباع طاقتي كانت تهدر في تفكيري بكيف أتعامل مع الناس ، والربع الباقي للفن . أصعب من العمل على الخشبة الساعات التي تقضيها في الكواليس . كم من مرة شعرت بأنني مقهور ، صغير ، معقد بعدم تمكني من التفاهم مع الناس . وسط غريب ، الوسط الفني المصري .. مشحون بالكثير من النفاق والخوف والقلق .. أشاهد الناس تسلم على بعضها بحرارة ، وأول ما يدير أحدهم ظهره تنهال عليه الشتائم ويقذف بالنميمة . مع الوقت والتجارب ، أدركت أن الناس في النهاية ليست بيضاء وسوداء ، إنما هناك المخطط والمنقط والمرقط والأخضر والأحمر والأصفر .. أشكال وألوان . ــ فاصل موسيقي ــ اليوم علينا معالجة الإنسان .. أنا لا أجيد الفلسفة ولا العلوم العويصة .. أنا رجل بسيط جداً لديه أحاسيس يريد التعبير عنها .. لست رجل مذهب سياسي ولا غيره ، أنا إنسان ممثل يبحث عن وسائل للتعبير عن الإنسان. الإنسان في هذا العصر يعيش وسط عواصف من الماديات الجنونية ، والسينما في بلادنا تظل تتطرق إليه بسطحية . هدفي (والحديث لأحمد زكي) هو إبن آدم ، تشريحه ، السير ورائه ، ملاحقته ، الكشف عما وراء الكلمات ، ماهو خلف الحوار المباشر . الإنسان ومتناقضاته ، أي إنسان ، إذا حلل بعمق يشبهني ويشبهك ويشبه غيرنا .. المعاناة هي واحدة .. الطبقات والثقافات عناصر مهمة ، لكن الجوهر واحد . الجنون موحد .. حروب وأسلحة وألم وخوف ودمار ، كتلة غربية وكتلة شرقية ، العالم كله غارق في العنف نفسه والقلق ذاته . والإنسان هو المطحون . ليس هناك ثورة حقيقية في أي مكان من العالم .. هناك غباء عام وإنسان مطحون . ــ فاصل موسيقي ــ الشخصيات التي أديتها في السينما حزينة ، ظريفة ، محبطة ، حالمة ، متأملة .. تعاطفت مع كل الأدوار ، غير أنني أعتز بشخصية إسماعيل في فيلم عيون لاتنام ، فيها أربع نقلات في الإحساس .. في البداية الولد عدواني جداً كريه جداً ،، وساعة يشعر بالحب يصبح طفلاً .. الطفولة تجتاح نظرته الى العالم والى الآخرين .. لأول مرة الحب ، وهاهو يبتسم كما الأطفال ، ثم يعود يتوحش من أجل المال ، ثم يحاول التبرئة ، ثم يفقد صوابه .. كلها نقلات تقتضي عناية خاصة بالأداء . في عيون لاتنام جملة أتعبتني جداً ، جعلتني أحوم في الديكور وأحرق علبة سجائر بأكملها .. مديحة كامل تسأل : إنت بتحبني يا إسماعيل ؟فكيف يجيب هذا الولد الميكانيكي الذي يجهل معنى الحب ، وأي شيء عنه ؟ يجيبها : أنا ما عرفش إيه هو الحب ، لكن إذا كان الحب هو أني أكون عايز أشوفك بإستمرار ، ولما بشوفك ما يبقاش فيه غيرك في الدنيا ، وعايزك ليّه أنا بس .. يبقى بحبك . سطران ورحت أدور حول الديكور خمس مرات عشر .. لحظة يبوح إبن آدم بحبه ، لحظة نقية جداً ، لابد أن تطلع من القلب .. إذا لم تكن من القلب فلن تصل .. واحد ميكانيكي يعبر عن الحب ، ليس توفيق الحكيم وليس طالباً في الجامعة ، وإنما ميكانيكي يعيش لحظة حب .. هذه اللحظة أصعب لقطة في الفيلم . ــ فاصل موسيقي ــ على الشاشة ، تألق أحمد زكي في شخصيات من الطبقة الفقيرة ، البعيدة عن شخصية الأفندي التركي ، وراح في كل مرة يقدم وجهاً أكثر صدقاً للمصري الأصيل ، وإحتفظ بميزة التعبير عن الإنسان ذي المرجع الشعبي .. يفسر أحمد زكي ذلك بقوله : تغيرت السينما كثيراً عما كانت عليه وزادت الشخصيات تعقيداً . السينما الواقعية اليوم ليست تلك التي تنزل فيها الكاميرا الى الشارع فقط ، بل أيضاً تلك التي تتحدث عن إنسان الحاضر بكل مشاكله وأفكاره ودواخله . ــ فاصل موسيقي ــ كما يرى أحمد زكي بأن : التركيبة الشخصية إختلفت بإختلاف الأدوار التي أداها : صحيح لعبت دور صعلوك أو هامشي في أفلام أحلام هند وكاميليا و طائر على الطريق و كابوريا ، لكن كل دور ذا شخصية مختلفة . شخصيات اليوم غالباً رمادية ، ليست بيضاء وليست سوداء .. ليست خيرة تماماً وليست شريرة تماماً ، وما على الممثل سوى ملاحظة الحياة التي من حوله حتى يفهم أن عليه أن يجهد ويجتهد كثيراً في سبيل فهم هذه الحال . والواقع أن أحمد زكي عرف كيف ينتقل من دور الى آخر حتى لو لم تكن هناك قواسم أساسية مشتركة بينها . فهو الفلاح الساذج في فيلم البريء ، ومقتنص الفرص الهائم على وجهه في فيلم أحلام هند وكاميليا ، وإبن الحي الذي قد يهوى إنما يحجم ويخجل في فيلم كابوريا ، كما هو ضابط الإستخبارات القاسي الذي يفهم حب الوطن على طريقته فقط في فيلم زوجة رجل مهم . ــ فاصل موسيقي ــ والثابت المؤكد هنا قدرة أحمد زكي على تقديم أداء طوعي ومقنع في كل هذه الحالات المختلفة ، مقدرة يعتقد أنها ناتجة عن إهتمامه منذ الصغر بالملاحظة وحب التعبير . حيث يقول : إختزنت الكثير من الأحاسيس والرغبات الكامنة في التعبير عما أشعر به ، لذلك تراني حتى الآن لا أهتم بالمدة التي ستظهر فيها الشخصية على الشاشة ، بل بالشخصية نفسها إذا إستطاعت إثارتي ووجدت فيها فرصة جديدة للتعبير عما بداخلي . يرفض أن يقوم عنه دوبلير أو البديل بالأدوار ذات الطبيعة الخطرة ، ويقول أنه في فيلم عيون لا تنام حمل أنبوبة غاز مشتعلة ، وألقى بنفسه من سيارة مسرعة في فيلم طائر على الطريق ، وأكل علقة ساخنة حقيقية في فيلم العوامة 70 . ويعتقد أحمد زكي بأن عدم إستخدام البديل يعطي الفنان قدرة وتدريباً أكثر ، وقد حمله هذا الإعتقاد على أن ينام في ثلاجة الموتى بعد أن أسلم نفسه للماكيير الذي كسا أو دهن وجهه بزرقة الموت والجروح الدامية كما إقتضى دوره في فيلم موعد على العشاء . ــ فاصل موسيقي ــ لقد بقى في الثلاجة الى أن دخلت عليه بطلة الفيلم سعاد حسني لتكشف عن وجهه وتتعرف عليه بعد أن صدمه زوجها السابق بسيارته . وقد أعيد تصوير المشهد ، الذي إستلزم إقفال الثلاجةعلى أحمد زكي ، عدة مرات حتى لا تأتي اللقطة التي لا تستغرق أكثر من بضع ثوان من وقت الفيلم مقنعة للمتفرج . يقول عن تجربته داخل الثلاجة : أحسست بأن أعصابي كلها تنسحب وكأنما توقفت دقات قلبي وأنا أحاول تمثيل لقطة الموت .. وقد ضغطت على قدمي بشدة لأنبه أعصابي وأنذرها . وفي فيلم طائر على الطريق أصر على تعلم السباحة ، عندما طلب منه المخرج محمد خان أن يستعين بالبديل في مشهد السباحة ، بإعتباره لا يعرف السباحة ، خصوصاً عندما علم منه بأن التصوير سيبدأ بعد شهر ونصف . فقد إختفى حوالي أسبوعان ، وعندما عاد قال لمحمد خان مازحاً : تحب أعدي المانش !! فرد عليه : إزاي ؟ قال : أنا عازمك على الغداء بجوار حمام السباحة بالنادي الأهلي . وأثناء جلوسهما هناك ، ذهب أحمد زكي الى غرفة الملابس ، وإرتدى المايوه .. ثم حيا المخرج خان .. وقفز في حمام السباحة وقام بعبوره عدة مرات بحركات فنية . وعندما خرج من الماء قال لمحمد خان : لقد ظللت أتدرب هنا 15 يوماً على يد المدرب . ــ فاصل موسيقي ــ هذا هو أحمد زكي ، الفنان الذي يعاني ويتعذب كثيراً من أجل توصيل الفكرة والرؤية التمثيليلة من خلال شخصياته التي يؤديها .. يهتم كثيراً بتفاصيل الوجه أثناء الأداء ، لذلك فهو يكره التمثيل في الإذاعة . فكل شخصية يؤديها تستنطقه وتحفزه وتتحداه أن يظهر كل ما بداخله من أحاسيس .. وهو كذلك يقبل التحدي وينجح كثيراً في ذلك .. فنان قل أن تجد مثيله وسط هذا الكم الهائل من الممثلين المصريين .. إنه حقاً فنان عالمي . والآن عزيزي المستمع .. نتوقف هنا لنلتقي بك في حلقة جديدة ولقاء جديد مع نجم سينمائى آخر . ختام
مشاهير ـ الحلقة 41 ـ إعداد : حسن حداد أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في أولى حلقات برنامجنا الأسبوعي ( مشاهير ) ، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. نجمنا لهذه الحلقة هو الفنان الراحل المخرج المبدع عاطف الطيب .. هذا الفنان الكبير الذي فقدته السينما المصرية وهو في أوج تألقه .. فبعد عملية جراحية في القلب ، لم يستطع أن يتحمل مضاعفاتها ،رحل عن عالمنا بهدوء شديد في الثالث والعشرون من يونيو عام 1986 ، بعد أن قدم على مدى أربعة عشر عاماً واحداً وعشرين فيلماً ، تميزت برؤية واقعية عن أحلام الإنسان المصري البسيط . وسنكون معه في حلقتين ، هذه الحلقة هي الأولى . ــ فاصل موسيقي ــ فجأة ، وبدون مقدمات .. مات عاطف الطيب .. ورحل عن عالمنا ، فارس من بين أهم فرسان السينما المصرية الجديدة .. فارس ، أخذ على عاتقه ـ مع قلة من رفاقه ـ تحرير السينما المصرية من قوالب التقاليد البالية ، والخروج الى آفاق فنية رحبة . كانت فعلاً .. حقيقة صعبة من أن نكتشف فجأة ، بأننا فقدنا فناناً كبيراً كعاطف الطيب ، فالكل أجمع بأنها خسارة فادحة للسينما المصرية وللفن الجيد والجاد في كل مكان . إذن .. لندع الذاكرة تعود بنا الى الوراء ، ونتذكر أول مشاهدة لنا لفيلمه (سواق الأتوبيس) ، هذا الفيلم الذي كان بحق مفاجأة للجميع .. حيث كان بمثابة البشارة الأولى لوجود فن قادر على محاربة الإستهلاك في السينما المصرية ، وبالتالي إعتباره الإنطلاقة الجماهيرية الحقيقية التي أعلنت للجميع عن وجود سينما مغايرة ، وعرَّفت بالسينما المصرية الجديدة ، هذه السينما التي قامت على أكتاف سينمائيين مغامرين ، أمثال محمد خان وخيري بشارة وداود عبد السيد وغيرهم ، إضافة الى عاطف الطيب . وكأن الطيب يعرف بأنه لا يملك من العمر إلا القليل ، لذلك كان أغزر مخرجي جيله .. وقدم ، في أقل من خمسة عشر عاماً ، واحداً وعشرين فيلماً سينمائياً .. وجميعها أفلام تسعى الى الصدق الفني وتتطرق الى الواقع ، وتهتم بالمواضيع التي تعبر عن الإنسان البسيط ، وتناقش ذلك الواقع الصعب الذي يحيط بهذا الإنسان . وعاطف الطيب ، صعيدي المولد ، بولاقي النشأة . أحب التمثيل منذ طفولته ، وبات يحلم بأن يكون نجماً في التمثيل . في المرحلة الإعدادية بدأ يرتاد دور السينما ، ولاحظ أثناء متابعته للأفلام ، أنه لا بد من وجود شخص يحرك هذا العمل ، ولم يفهم من هو ؟ أنقذه مدرس اللغة الإنجليزية بالمدرسة الثانوية ، حيث كان يحدثهم عن أهمية الفن في حياة المجتمع ، وعرف منه بأن المخرج يمثل العمود الفقري للفيلم السينمائي . عندها قرر عاطف الطيب أن يكون مخرجاً ، ومن ثم إلتحق بالمعهد العالي للسينما بالقاهرة في عام 1967 . ــ فاصل موسيقي ــ تخرج عاطف الطيب من المعهد العالي للسينما ـ قسم إخراج عام 1970. وعمل أثناء الدراسة مساعداً للإخراج مع مدحت بكير في فيلم (ثلاث وجوه للحب ـ 1969) ، وفيلم (دعوة للحياة ـ 1973) . كما عمل مساعداً للمونتاج مع كمال أبو العلا . إلتحق ، بعد تخرجه ، بالجيش لأداء الخدمة العسكرية ، وقضى به الفترة العصيبة (1971 ـ 1975) ، والتي شهدت حرب أكتوبر 1973. وخلال الفترة التي قضاها بالجيش ، أخرج فيلماً قصيراً هو (جريدة الصباح ـ 1972) من إنتاج المركز القومي للأفلام التسجيلية والقصيرة . ــ فاصل موسيقي ــ كانت فترة الجيش بالنسبة لعاطف الطيب فترة تكوين ذهني وفكري ، حيث تمكن خلالها من تكثيف مشاهداته للأفلام (بمعدل 4 أفلام يوميا) . كذلك شارك في العديد من نوادي السينما ، حيث المناقشات الفكرية والفنية حول الأفلام ، والتي أفادته كثيراً . في نفس الفترة أيضاً ، كانت علاقته بالمخرج العبقري شادي عبد السلام ، الذي عمل معه كمساعد للإخراج في فيلم (جيوش الشمس 1973) ، الذي يتحدث عن حرب أكتوبر ، حيث إستفاد كثيراً من هذه التجربة ، فقد كانت طريقة وأسلوب شادي يجذبانه . وبعد أن ترك الجيش ، عمل مساعداً للمخرج محمد بسيوني في فيلم (إبتسامة واحدة لا تكفي ـ 1977) . ثم أخرج عاطف الطيب فيلماً قصيراً من إنتاج المركز التجريبي هو ( المقايضة ـ 1978) . عمل ، بعد ذلك ، مساعداً للمخرج يوسف شاهين في فيلم (إسكندرية ليه ـ 1979) . وقد أفاده العمل مع هذا المخرج الكبير بشكل كبير . كما عمل مساعداً للمخرج محمد شبل في فيلم (أنياب ـ 1981) . ــ فاصل موسيقي ــ إضافة الى كل هذا ، فقد عمل عاطف الطيب أيضاً ، في عدد من الأفلام الأجنبية التي صورت في مصر ، حيث عمل مساعداً للمخرج لويس جيلبرت في فيلم (الجاسوس الذي أحبني) ، ومع المخرج جون جيلرمن في فيلم (جريمة على النيل) ، ومع المخرج مايكل بنويل في فيلم (الصحوة) ، ومع المخرج فيليب ليلوك في فيلم (توت عنخ آمون) ، ومع المخرج فرانكلين شافنر في فيلم (أبو الهول). وقد كانت هذه التجربة مفيدة جداً لعاطف الطيب ، خاصة فيما يتعلق بالإعداد اليومي للعمل ، والدقة المتناهية التي يدرسون بها كل شيء ، حتى أدق التفاصيل الثانوية . ــ فاصل موسيقي ــ وبعد هذه المقدمة عن المخرج عاطف الطيب ، بيقى أن نقوم بدراسة تجربة هذا المخرج السينمائية ، والبحث عن رؤيه ابداعية فنية جسدها في أفلامه ، نناقش من خلالها ما قدمه هذا المخرج من أفكار ومضامين ، كانت ـ بالطبع ـ سبباً لشهرته كمخرج ، وبروزه كفارس مغامر من فرسان السينما المصرية الجديدة . ولكي نفعل ذلك قمنا بعمل جدول لمجمل أفلامه السينمائية ، يشمل أهم عناصر العمل السينمائي ( الموضوع ، السيناريو والحوار ، زمن الحدث ، مكان الحدث ، الإخراج والعناصر الفنية والتقنية الأخرى ) . وإعتمدنا كثيراً على هذا الجدول في دراسة كل عنصر على حدة ، وخرجنا بتصورات صارت أساساً لهذه الدراسة . ــ فاصل موسيقي ــ أولا : الموضوع ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ ينحصر إهتمام عاطف الطيب ، في إختياره لمواضيع أفلامه ، في ثنائية واحدة محددة ، ألا وهي ثنائية : القهر/التمرد .. قهر السلطة والقانون والمجتمع / التمرد والرفض من الفرد تجاه السلطة والمجتمع . فقد كان عاطف الطيب حريصاً على أن يقدم أفلاماً تسعى دائماً الى الصدق الفني وتتطرق الى مشاكل الواقع ، وتهتم بالمواضيع التي تعبر عن الإنسان البسيط .. الإنسان المحاط بظروف إجتماعية وسياسية وإقتصادية معيشية صعبة غير آمنة . وما أراده عاطف الطيب ، قد وجده عند كتاب السيناريو الأكثر بروزاً في الوسط السينمائي (وحيد حامد ، 5 أفلام ـ بشير الديك ، 4 أفلام ـ أسامة أنور عكاشة ، فيلمين ـ مصطفى محرم ، 3 أفلام) ، وهم كتاب إشتركوا مع عاطف الطيب في طرح نفس الهموم والمشاكل التي تهم المواطن البسيط وتعالج قضاياه الحياتية اليومية . وإذا إستعرضنا أمثلة من أفلام الطيب ، تجسد هذه الثنائية ، فسنجد مثلاً ، بأن فيلم (البريء) يجسد ذلك القهر الذي تمارسه السلطة من خلال إستغلالها لجهل المجند العسكري في تنفيذ الأوامر . هناك أيضاً فيلم (الزمار) حيث الحجر على الآراء والأفكار من قبل السلطة . أما فيلمي (التخشيبة) و (ملف في الآداب) فهما إدانة واضحة للقوانين والإجراءات الحكومية الروتينية ، والتي تتسبب في كثير من الأحيان في فقد الإنسان لآدميته . ــ فاصل موسيقي ــ هذا من ناحية قهر السلطة والقانون ، أما بالنسبة للقهر الإجتماعي ، فهو بارز بشكل واضح في أغلب أفلام الطيب . فمثلاً ، فيلم (سواق الأتوبيس) يشكل علامة بارزة في رفضه لذلك التغيير المفاجيء في العلاقات الإجتماعية والأخلاقية في عصر الإنفتاح . هناك أيضاً فيلم (الحب فوق هضبة الهرم) الذي ناقش مشاكل الشباب المصري في الثمانينات ، وبالتحديد شباب الطبقة المتوسطة ، الذين يعيشون أزمات هذا العصر .. أزمات مثل السكن والعادات والتقاليد . أضف الى ذلك الفساد الإجتماعي في فيلم (ضربة معلم) ، والممارسات الخاطئة في المجتمع في فيلم (الدنيا على جناح يمامة) يعدان من عناصر القهر الإجتماعي الذي نبحث فيه . أما فيلم (الهروب) فهو النموذج الأمثل لنقد الكثير من الممارسات الخاطضة التي يعيشها الواقع المصري والعر بشكل عام . فهو يتطرق ـ بالتحديد3ـ لتلك الجراح الغائرة في حياتنا -ـمن عنف وتطرف وإرهاب وغيرها ، مؤكداً بأن بعض هذه الممارسات قد ساهم الإعلام وبعض أجهزة الدولة في تكريسها وإنتشارها . ــ فاصل موسيقي ــ في المقابل يبرز الجزء الآخر من الثنائية (الرفض والتمرد) في نهايات أفلام الطيب ، بإعتبارها النتيجة الحتمية للقهر ، ويتبين ذلك في المشهد الأخير لفيلم (سواق الأتوبيس) الذي يشكل تحدياً لتلك التغيرات الإجتماعية والأخلاقية ، والتأكيد على مواجهتها . وكذلك في فيلم (الحب فوق هضبة الهرم) عندما أصر بطلا الفيلم على محاكمتهما ، ليتمكنا من فضح كل تلك الصعوبات والإحباطات التي يتعرض لها الشباب . وهناك أيضاً المتهمات في فيلم (ملف في الآداب) اللاتي لا يكتفين بالبراءة ، ويطلبن من المحكمة توفير الأمان الإجتماعَ العادل ، حيث أن البراءة القانونية شيء ، وصفاء السمعة الإجتماعية وإستمرار إتهام المجتمع ـ الذي سيظل سزفاً جسلطاً على رقاب الأبرياء الى مالا نهاية ـ شيء آخر . وإن أفلام (التخشيبة) و (الزمار) و (البريء) و (كييبة الإعدام) و (الهروب) ، جميعها أفلام تؤكد على رفض الظلم السياسي والإجتماعي ، وإن كان هذا التأكيد يأتي بشكل فردي و مباشر أحياناً .. فردي في أفلام مثل (سواق الإتوبيس ـ الحب فوق هضبة الهرم ـ الهروب ـ ملف في الأداب ـ الزمار) . و مباشر في أفلام مثل (التخشيبة ـ البريء ـ البدرون ـ ضربة معلم ـ كتيبة الإعدام ـ ضد الحكومة) . ــ فاصل موسيقي ــ ثانيا : السيناريو والحوار ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ هناك تساؤل تستحدثه تلك الثنائية المعروضة في فكر عاطف الطيب ، وهو : هل إستطاعت المعالجة الدرامية (السيناريو والحوار) عند عاطف الطيب أن تجسد الموضوع المطروح بشكل جيد ؟ فالمتتبع لإحصائية الجدول ، يرى بأن هناك ضعفاً عاماً يسود أفلام الطيب بالنسبة لمعالجة تلك الثنائية التي سبق الحديث عنها ، فيما لو إستثنينا أفلام (سواق الأتوبيس) و (الهروب) و (إنذار بالطاعة) . فمثلاً نرى بأن السيناريو في فيلم (التخشيبة) ذو إيقاع سريع موحٍ ومحفز ، تشوبه بعض المفارقات الدرامية في نصفه الأول . صحيح بأن عاطف الطيب نجح في الإحتفاظ بعنصر التشويق والغموض والتوتر في بناء الأحداث .. إلا أنه في النصف الآخر يتحول الى سيناريو ضعيف تقليدي ، خاصة بعد أن ينكشف الغموض وينقلب الفيلم الى لغز بوليسي إنتقامي من غير مبررات منطقية . وفي فيلم (الحب فوق هضبة الهرم) يقدم السيناريو شخصيات واقعية جداً في المجتمع ، لكنه لم يقدم جديداً في المعالجة الدرامية وبدا تقليدياً في تركيبته وكتابته للسيناريو ، وكان إعتماد السيناريو بشكل كبير على الحوار في توصيل أفكار الفيلم ، نقصد الحوار الزائد في كثير من المشاهد ، والواقعي والجميل في بعضه . ــ فاصل موسيقي ــ أما في فيلم (ملف في الآداب) فنجد سيناريو يتصف بأنه جيد جريء وإستفزازي ، إلا أنه كان متسرعاً ومتناسياً إيجاد مبررات لتصرفات شخصياته ، حيث لم يتوقف بالتأمل والتحليل للمراحل التي مرت بها بعض الشخصيات . وقد كان واضحاً بأن السيناريو يتعجل الوصول الى النتيجة المثيرة للمتفرج . حيث يقفز بنا الفيلم الى مشهد المحاكمة ، دون المرور على الآثار الجانبية الهامة التي لحقت بعائلات المتهمات في قضية الدعارة . كذلك في فيلم (البريء) حيث كان السيناريو تقليدياً في معالجته لموضوع هام وخطير ، وضاع بين الميلودراما المؤثرة المصحوبة بالعنف ، وبين إطروحات الفن الملتزم ، ولهذا جاء السيناريو ركيكاً في كتابته الدرامية ، معتمداً في نجاحه على فكرته الجريئة . كما أن السيناريو قد ركز في بنائه للشخصيات على الشخصية المحورية فقط ، والتي جاءت صادقة ومرسومة بعناية ، وبالتالي تناسى الإهتمام بالشخصيات الأخرى . ــ فاصل موسيقي ــ وقد إعتمد سيناريو فيلم (كتيبة الإعدام) على حكاية تقليدية قديمة جداً ، ألا وهي حكاية القتل والإنتقام . وبالرغم من إن السيناريو قد أضاف بعداً سياسياً للفيلم ، بعد تقديمه لبعض الحيثيات والإسقاطات المعاصرة ، ليتحول السيناريو الى قضية شرف ودفاع عن الوطن ، وهو أن مرحلة الإنفتاح الإقتصادي هي خيانة لحرب أكتوبر ، إلا أن السيناريو قد أخفق تماماً في التعبير عن هذا درامياً ، بل إنه لم يقنعنا ولم يقدم أية مبررات منطقية لتصوره هذا ، إضافة الى أن السيناريو أساساً قد إعتمد على فكرة غير منطقية مختلقة وبنى عليها مجمل أحداثه . ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة لسيناريو الأفلام الثلاثة (سواق الأتوبيس ـ الهروب ـ إنذار بالطاعة) ، فقد نجوا من ذلك الضعف والتذبذب في المستوى . ففي فيلم (سواق الأتوبيس) نحن أمام سيناريو خلاق وبسيط ، بعيد عن المباشرة ، يتحاشى جاهداً تقديم مواعظ وخطب رنانة ومباشرة عن الشرف والأمانة والوطنية . هذا إضافة الى الحوار الذكي واللماح والمركز ، والذي إبتعد عن الثرثرة الكلامية . كذلك في فيلم (الهروب) حيث نجد سيناريو أكثر ما يمكن أن يوصف به كونه جيداً وواعياً في الرؤية والمعالجة . الشخصيات فيه مدروسة بعناية ، والأحداث منطقية ومتماشية مع منطق الشخصيات . حيث كان من الممكن أن تسوده حوادث الإنتقام كما في الكثير من الأفلام المشابهه ، إلا أننا أمام سيناريو يحطم هذا القيد ـ بعد حادثتين فقط ـ ويتطرق الى عدة قضايا مهمة تضع المتفرج في مواجهة مناطق جديدة وبشكل جريء في الطرح الإجتماعي والسياسي . كذلك سيناريو (إنذار بالطاعة) الجيد والمحفز ، والذي نجح في تقديم قصة حب رومانسية في إطار جديد ومشوق وغير مباشر . كما نجح السيناريو في تقديم شخصيات واقعية ومرسومة بعناية ، تنطق بحوار جميل ومركز بعيد عن الثرثرة الكلامية . ــ فاصل موسيقي ــ وأمام كل هذه الأمثلة المطروحة ، يتبين للمتتبع بأن عاطف الطيب كفنان .. كان همه الأول والأخير ، من خلال أفلامه ، هو طرح مواضيع وقضايا لصيقة بهذا الإنسان ، مهما تكن النتائج .. حيث يقول عاطف الطيب : ... يبدو لي أن الذي يميز أفلامي هو موضوعاتها ، فإختيار الموضوعات يتم بعناية ، ولابد أن تكون مرتبطة بإهتمامات المواطن . إني أتلمس المشاكل التي تهم المواطن من الطبقة المتوسطة ، وبالذات من أبناء جيلي... . و .. ... يجب أن نكون شاهدين على عصرنا ، بلا تزييف أو تشويه .. فأنا أترجم ما يمكن أن يمس كل ما يعتمل داخل الناس ، ويؤثر فيهم .. كل ما يهزهم في حياتهم اليومية . وخلاصة القول .. أن نحاول التعبير بصدق وأمانة .. عيوننا على ما يحدث في مجتمعنا .. في الحياة ، ونشحن هذا بأعمالنا الفنية ... . ــ فاصل موسيقي ــ وهذا بالضبط ، ما حرص على تجسيده عاطف الطيب في جميع أفلامه .. البحث في قضايا تهم الناس وتناقش مشاكلهم . ومن المؤكد بأن هذا الدافع والهم الإجتماعي الذي حمله على عاتقه ، قد جعله يكثر في الإنتاج ، ويلهث وراء الموضوع الإجتماعي أساساً . ومن البديهي القول بأن السينما ليست موضوعاً فحسب ، وإنما هي فن بصري يعتمد أساساً على التكوين في الصورة السينمائية ، فالموضوع شيء يختلف عن السيناريو (هيكل الفيلم) ، فالأهم من ذلك هو كيفية معالجة هذا الموضوع ، من خلال سيناريو مناسب ومنطقي .. وإلا كيف نفسر تميز فيلم (سواق الأتوبيس) مثلاً ، عن بقية أفلام تناولت مرحلة الإنفتاح ، فالموضوع واحد هنا .. ــ فاصل موسيقي ــ ثم كيف إن فيلم (الهروب) مثلاً ، يتميز عن جميع أفلام عاطف الطيب الأخرى. ولا نعتقد بأن هذه النقطة الأساسية والبديهية قد غابت عن مخرجنا الطيب ، ولكننا نراه يندفع بحماس وبنوايا حسنة وراء موضوع مهم ، متغافلاً أهمية تلك العناصر الأخرى (تصوير ـ إضاءة ـ لون ـ ديكور وغيرها من مكونات الكادر السينمائي ) .. فالحماس والنوايا الحسنة ليست دوماً طريقاً لفن جيد . حيث من الملاحظ بأن عاطف الطيب لم يكترث كثيراً بتكوينات كادراته الجمالية والشكلية ، مما جعله يقع في ـ أحيان كثيرة ـ في مآزق فنية ، نتيجة ذلك التباين الملحوظ في مستوى أفلامه من حيث الشكل وحتى المضمون أحياناً ، ما بين الجيد والأقل جودة والرديء ، مما أوحى للمتتبع بأن عاطف الطيب لم يتبن ـ قط ـ رؤية سينمائية محددة وواضحة يحمِّلها جميع أفلامه ، فيلماً بعد فيلم . ــ فاصل موسيقي ــ والآن عزيزي المستمع .. نتوقف هنا لنلتقي بك في الحلقة القادمة لنستكمل الحديث عن الفنان الكبير عاطف الطيب .. فالى اللقاء . ختام
مشاهير ـ الحلقة 42 ـ إعداد : حسن حداد أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في أولى حلقات برنامجنا الأسبوعي ( مشاهير ) ، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في حلقتنا هذه سنواصل حديثنا عن المخرج الراحل عاطف الطيب .. حيث توقفنا في رصدنا النقدي لتجربته السينمائية، عند دراستنا للسينايو والحوار في أفلامه . ــ فاصل موسيقي ــ ثالثا : الزمن ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ لقد إختار عاطف الطيب زمناً محدداً لغالبية أفلامه ، وهو الفترة الممتدة منذ مطلع عصر الإنفتاح وحتى الوقت الحاضر ، أي منذ منتصف السبعينات وحتى مطلع التسعينات . فقد ناقش الطيب مجموعة من المتغيرات الإجتماعية والإقتصادية التي أفرزتها مرحلة الإنفتاح والفترة ما بعد الإنفتاح ، والتي طرأت بشكل مفاجيء على المجتمع المصري وغيرت في كثير من القيم والأخلاقيات العامة . ولا نعتقد بأن التدليل على هذا الزمن في تجربة عاطف الطيب سيكون صعباً ، فغالبية أفلامه توحي بهذا الزمن ، إما بشكل مباشر أو غير مباشر . فالتفكك الأسري والتفسخ الأخلاقي للمجتمع في فيلم (سواق الأتوبيس) جاء نتيجة ذلك التغيير المفاجيء في العلاقات الإجتماعية لعصر الإنفتاح . ومشاكل الشباب المصري من الطبقة المتوسطة والتي طرحت في فيلم (الحب فوق هضبة الهرم) ، لم تبرز بهذا الشكل إلا في مرحلة الإنفتاح وما بعده . والتصرفات غير المسئولة لبعض رموز السلطة في فيلم (ملف في الآداب) ، كان المعني بها زمن الإنفتاح ، حيث تفسخ القيم الأخلاقية والمحسوبية . ــ فاصل موسيقي ــ بعد هذا العرض لبيان الزمن في أفلام الطيب ، لا بد أن يرد هذا التساؤل .. لماذا إختار عاطف الطيب هذا الزمن بالذات في غالبية أفلامه؟ وللإجابة على هكذا تساؤل ، لا بد من التأكيد على أن كافة الموضوعات والأفكار والإطروحات التي حملتها أفلام عاطف الطيب ، تمثل وجهة نظر شخصية للمخرج ، أي إنه يتبناها ويؤمن بها تماماً . فهو مثلاً ، في أحد أحاديثه الصحفية ، يؤكد هذا التصور ، بل ويسهب في الحديث ، عندما يتذكر إحدى لقاءاته الجماعية مع صديقيه المخرج محمد خان والسيناريست بشير الديك ، في مقهى في وسط مدينة القاهرة ، في أوائل الثمانينات ، حيث كان الحديث عن السينما والسياسة والحياة . يتحدث عاطف الطيب ، فيقول : ... لا أستطيع القول بأن أحلامنا وأفكارنا ساعتها كانت واضحة أبداً ، كانت مجرد إرهاصات ، تنبؤات ، آمال .. كنا نستبصر الدنيا ، ونحن نسعى لشمول ثقافي ، لا يعني القراءة فقط ، ولكن الحياة مع مختلف الشرائح ، فهم مجريات الأمور ، الإحتكاك بالواقع ، ملازمة التجارب .. والقراءة أيضاً .. كان سؤالنا ـ المر ـ كيف إستطاع السادات في عشر سنوات أن »يشخبط« إنجازات عبد الناصر ، رغم الجماهيرية الواسعة التي كانت تحيط بناصر وإنجازاته ، رغم إنحيازه للناس والفقراء ، كيف تمكن السادات من كل هذه »الردة« ، والرجل لم تمر ذكراه الخامسة بعد !! كان يعني ذلك ـ لدينا وقتها ـ أمرين : الأول ، أن خطأً ما شاب تجربة ناصر ، علينا أن نعرفه وندركه . والثاني ، أنه لا بد من مواجهة ما يحدث ـ فناً بالطبع ـ وطرح حل واضح كحد أدنى ، وهو بث الهمة . قد تسأل ، هل كانت هذه نظرية موجودة على مائدتنا في المقهى .. لا بالتأكيد .. كل هذا أذكره الآن من أطراف الأحاديث والذكريات والمحاورات .. لم يطرح هكذا بوضوح ولم يعلن بقوة ، لكن هل تتصور ، بأننا قد طرحناه كما قلته بالضبط في الأفلام ... . وهذا ما يفسر ثبات الزمن ـ الى حد كبير ـ في غالبية أفلام الطيب ، إذ أراد بذلك أن تكون أفلامه شاهداً على هذه المرحلة الزمنية بالذات . ــ فاصل موسيقي ــ رابعا : المكان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ إن للمكان في السينما دوراً بارزاً وهاماً في التأثير على الأحداث والشخصيات . وفي كثير من الأحيان ، يصبح للمكان شخصية مستقلة وشكلاً خاصاً ، ليلعب دوراً درامياً فعالاً وهاماً في التعبير الدرامي ، بدل بقائه كخلفية فقط للحدث الدرامي . هذا ـ بالطبع ـ إذا إستُغِّل هذا الدور التأثيري . أما كيفية قياس هذا الدور للمكان ، فلا يكون ـ طبعاً ـ بالحيز الزمني المتاح للمكان على الشاشة ، بل إن قياسه يكمن في أهمية هذا المكان من حيث كونه شخصية فاعلة ومؤثرة في الشخصيات والأحداث . ــ فاصل موسيقي ــ وبالرغم من أن عاطف الطيب قد قام بتصوير مجمل أفلامه خارج الأستوديو (المدينة ـ القرية) ، إلا أن المكان في أفلامه ، قد تأرجح بين الدور الإيجابي والدور السلبي ، معتمداً على ما يحمله السيناريو في هذا الخصوص . وغالباً مانرى كاميرا الطيب تجوب الشوارع والأزقة متتبعة للشخصيات وإنفعالاتها ، دون أن يكون للمحيط المكاني دوراً في هذه الإنفعالات . ففي فيلم (التخشيبة) مثلاً ، لم يكن امواقع التصوير دوراً حقيقياً في التأثير على الأحداث والشخصيات ، هذا بالرغم من الإحساس بالكآبة في مكاتب الأمن ومراكز الشرطة . لذلك كان المكان مجرد خلفية للأحداث فقط . أما في فيلم (الهروب) ، فقد إتخذ المكان حيزاً هاماً ، بل كان له دور البطولة أحياناً ، وكان ذو شخصية واضحة ومؤثرة في الأحداث والشخصيات في غالبية المشاهد ، فكل جزئية فيه محسوب لها ، ومستقلة في تكوين الموقف والحدث . مثلاً ، في مشاهد محل الخضار في السوق ، بالذات مشهد التفتيش عن منتصر عند تعلقه في السقف ، حيث لم يكن أن يحدث لولا وجوده في هذا المكان بالذات . وفي مشاهد القرية ، وبالذات مشهد الجنازة ، حيث كان طابع الجنازة مرتبطاً إرتباطاً كلياً بالطابع العام للقرية ، ولولا هذا الطابع الخاص والمؤثر على الحدث ، لما تمكن منتصر من الهروب من أيدي الشرطة . بالإضافة الى ذلك المشهد الليلي ، عند مفاجأة منتصر من قبل الضابط ، وهو مستغرق في التفكير . وفي مشاهد شقة صباح أيضاً ، وبالذات مشهد إفتعال »الخناقة« ليتمكن منتصر من الهروب . وكل هذه أمثلة فقط ، وليست حصراً لأهمية المكان في فيلم (الهروب) ، حيث المكان مختار بدقة وعناية فائقة . ــ فاصل موسيقي ــ خامسا : الإخراج والعناصر الفنية والتقنية الأخرى ـــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ يصل بنا الحديث عن الإخراج والجانب التقني والفني في أفلام عاطف الطيب ، فمن الملاحظ بأن هناك تبايناً واضحاً في أسلوب الطيب الإخراجي وفي المستوى الفني والتقني لأفلامه .. مما يوحي بأن الطيب لم يتبنى رؤية سينمائية فنية محددة وواضحة يحمِّلها جميع أفلامه ، فيلماً بعد فيلم . هذا بالرغم من أن الطيب ـ كمخرج حرفي ـ قدم مستويات فنية تقنية جيدة ، في كثير من الأحيان .. خصوصاً وأنه ـ في تعاونه مع فريق العمل الفني ـ قد كرر في أفلامه أسماء معروفة كل في مجاله . فمثلاً في مجال التصوير تعامل مع سعيد شيمي في 8 أفلام ، ومع عبد المنعم بهنسي في 3 أفلام ، ومع محسن نصر و هشام سري في فيلمين لكل منهما . وفي مجال المونتاج تعامل مع نادية شكري في 10 أفلام ، ومع أحمد متولي في 5 أفلام ، ومع سلوى بكير في 4 أفلام . وفي مجال الموسيقى التصويرية تعامل مع مودي الإمام في 5 أفلام ، ومع عمار الشريعي في 3 أفلام ، ومع محمد هلال في 3 أفلام . أما في التمثيل ، فقد تعاون مع ألمع النجوم .. فمع نور الشريف قدم 9 أفلام ، ومع أحمد زكي قدم 5 أفلام ، وقدم لكل من : محمود عبد العزيز ، نبيلة عبيد ، ليلى علوي ، ممدوح عبد العليم ، ثلاثة أفلام . ومع كل هؤلاء الفنيين والفنانين ، قدم عاطف الطيب مستويات فنية راقية ، خصوصاً في مجال الأداء التمثيلي. إلا أن هذا لا ينفي بأن كل فيلم يقدمه يختلف عن الفيلم الآخر في الأسلوب والرؤية الفنية . وبالرجوع الى ما سبق ، سنجد ـ مثلاً ـ بأن أفلام الطيب ـ في غالبية مشاهدها ـ تعتمد على التصوير خارج الأستوديو . ويأتي ذلك إما لأن التصوير خارج الأستوديو أقل تكلفة إنتاجية ، أو سعياً للوصول الى الصدق الفني وبالتالي الوصول الى المتفرج بسهولة . ومهما يكن السبب في خروج الكاميرا من الأستوديو ، فقد جاء ذلك في صالح العمل الفني عموماً .. حيث كانت الكاميرا تجوب الشوارع والأزقة بحركتها الحرة والملفتة ، خصوصاً الكاميرا المحمولة منها ، والتي أضفت نوعاً من الحركة على المشاهد بشكل عام . ويتضح ذلك أكثر في أفلام (سواق الأتوبيس ـ الحب فوق هضبة الهرم ـ ملف في الآداب) . أما بالنسبة للإضاءة ، فقد كانت في كثير من الأحيان إضاءة درامية معبرة ومساهمة في خلق الجو الداخلي للمشهد (الغيرة القاتلة ـ سواق الأتوبيس ـ الزمار ـ البريء ـ قلب الليل ـ الهروب) . على العكس من أفلام (التخشيبة ـ كتيبة الإعدام) مثلاً ، حيث لم يكن للإضاءة دوراً مهماً وبارزاً في التعبير الدرامي ، بل يمكن أن نقول عنها بأنها كانت إضاءة تكميلية فقط . ــ فاصل موسيقي ــ وعندما نتحدث عن تكوين الكادر الجمالي ، وإختيار زوايا التصوير وحجم اللقطات ، فإننا نلاحظ بأن عاطف الطيب لم يكترث كثيراً بتكوينات كادراته الجمالية والشكلية ، إلا فيما ندر . وبما أن أداة التعبير في السينما أساساً هي الصورة ، فلا بد أن يكون هناك إهتمام واضح بهذه الصورة ، والمقصود طبعاً الصورة الدرامية المعبرة . ففي غالبية أفلام عاطف الطيب (التخشيبة ـ الحب فوق هضبة الهرم ـ ملف في الآداب ـ كتيبة الإعدام ـ ضد الحكومة ـ دماء على الإسفلت) كان الموضوع الجيد والجريء طاغياً على كل شيء ، أقصد ذلك الموضوع الذي أعتمد في الأساس على الحوار الكثيف والمباشر ، وعلى عناصر أخرى غير الصورة في التوصيل ، مما أدى الى التقليل من أهمية لغة الصورة المعبرة وجعلها ضعيفة في كثير من الأحيان . بل أن في بعض أفلام الطيب كان من الصعوبة بمكان الكشف عن أي إبتكار فني جمالي ، يكفي لإفراز طاقات وإمكانيات فنية جمالية للعمل الفني . وبالتالي إختفى ذلك الدور التعبيري للصورة . وهذا الحديث ـ بالطبع ـ لا ينطبق على أفلام قليلة مثل (سواق الأتوبيس ـ الزمار ـ البريء ـ قلب الليل ـ الهروب ـ ناجي العلي ـ إنذار بالطاعة) . ففي فيلم (سواق الأتوبيس) مثلاً ، كان هناك تصوير أخاذ ، وزوايا تصوير مدروسة بعناية ، وإضاءة درامية موفقة غالباً . وفي (الزمار) كانت حركة الكاميرا وزوايا التصوير في قمة تألقها ، حيث وفق الطيب في إعطاء تكوينات جمالية للكادر في كثير من الأحيان ، هذا بالرغم من أنها كانت تكوينات مبعثرة في زوايا الفيلم ، ولم تكن تشكل أسلوباً واضحاً للإخراج . ــ فاصل موسيقي ــ كما نتحدث عن تجربة المونتاج في أفلام عاطف الطيب .. حيث أن لهذا العنصر أهمية كبيرة في السينما ، بإعتباره عامل حاسم في المحافظة على الإيقاع العام للفيلم ، والتحكم في العلاقة بين التصاعد الدرامي للحدث وبين شخصيات الفيلم . ففي أفلام الطيب ، نلاحظ ذلك التفاوت الفني لدور المونتاج وأهميته .. كما أن هناك تفاوتاً واضحاً في إعتماد عاطف الطيب على المونتاج من فيلم الى آخر . فمثلاً في بعض الأفلام التي قدمها الطيب (سواق الأتوبيس ـ التخشيبة ـ ملف في الآداب ـ ضربة معلم ـ كتيبة الإعدام ـ ضد الحكومة ـ دماء على الإسفلت) ، كان للمونتاج دور مهم في الحفاظ على إيقاع تصاعدي لاهث وتشويقي متناسب والحدث الدرامي . وفي (ملف في الآداب) ، نجد قطعاً سريعاً ولاهثاً يعتمد المونتاج المتوازي في التعبير الدرامي . ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة للموسيقى التصويرية في أفلام عاطف الطيب ، فهي ـ بشكل عام ـ متوافقة مع الحدث وتعبر عنه . وعلى أقل تقدير ، تكون ـ أحياناً ـ خلفية للحدث ، إن لم تعبر عنه . كما يلاحظ في موسيقى أفلام الطيب ، بأنها تتميز بالطابع الحزين المعبر ، وتعتمد ـ غالباً ـ على نفخات الناي الحزينة أو آلة أخرى مصاحبة (سواق الأتوبيس ـ التخشيبة ـ الحب فوق هضبة الهرم ـ الزمار ـ ملف في الآداب) . وموسيقى أوركسترالية حزينة معبرة في أفلام أخرى . أما موسيقى الفنان مودي الإمام ، والذي بدأ التعاون مع الطيب منذ فيلمه (قلب الليل) ومن بعدها في أفلام (الهروب ـ ناجي العلي ـ ضد الحكومة ـ دماء على الإسفلت) ، فهي موسيقى حديثة جيدة وموحية ، وتشكل نقلة في التعبير الدرامي للموسيقى في السينما المصرية عموماً . ففي فيلم (الهروب) مثلاً ، نجد موسيقى رائعة جداً ، إستطاعت أن تعمق الكادر السينمائي ، وكانت جزءاً أساسياً في تكوين الصورة وليست ظلاً لها فحسب ، خصوصاً في ذلك المؤثر الصوتي الجميل (صوت راعي الجمال) والمتناسب مع الموقف الدرامي في تجسيد العلاقة بين البطل والصقور المحلقة . ــ فاصل موسيقي ــ والتمثيل ـ أيضاً ـ في أفلام عاطف الطيب ، كان عنصراً هاماً ، إستخدمه الطيب في توصيل ما يريده للمتفرج ، مستفيداً في ذلك من قدرات ممثليه الذين إختارهم بعناية شديدة . بل إنه في بعض أفلامه إعتمد ـ بشكل أساسي ـ على تلك القدرات الأدائية للممثل في التوصيل ، متناسياً الإهتمام ببقية العناصر الأخرى . كما حدث فعلاً في فيلمه (البريء) ، عندما كان أداء أحمد زكي هو الفيصل الحقيقي الذي جعلنا نصدق سبع الليل ، ونتابع معه خطوات مغامرته الكبيرة هذه .. إن أحمد زكي ، بهذا الصدق في الأداء قد جعل المتفرج يتعاطف مع الشخصية الى درجة التماهي ، حيث أن المتفرج قد نسى أو تجاهل أن يفتش عن الأخطاء والسلبيات التي إحتواها الفيلم. بل إن هذا التماهي قد جعله لا يرى ما يمكن أن يخالف المنطق أحياناً . ــ فاصل موسيقي ــ وقد كان عاطف الطيب عموماً ، حريصاً جداً في إختياره لممثليه ، بل ونجح ـ الى حد كبير ـ في إدارتهم بشكل ملفت للنظر ، مستفيداً من قدرات أدائية كامنة فيهم ولم تستثمر قبل ذلك .. حيث كان الممثل في أغلب أفلام الطيب ، في أفضل حالاته . ولا يمكن للمتفرج أن ينسى مثلاً ، أداء نور الشريف في (سواق الأتوبيس) ، أو أداء نبيلة عبيد في (التخشيبة) ، أو أداء مديحة كامل و صلاح السعدني في (ملف في الآداب) ، ولا يمكن ـ أيضاً ـ نسيان كل تلك الشخصيات الرائعة ، التي أداها أحمد زكي في أفلام (التخشيبة ـ الحب فوق هضبة الهرم ـ البريء ـ الهروب ـ ضد الحكومة) . ــ فاصل موسيقي ــ وبعد أن تحدثنا عن التصوير والمونتاج والموسيقى والتمثيل في أفلام عاطف الطيب ، بإعتبارها عناصر فنية تقنية هامة ، تسخر لخدمة المخرج في صياغة رؤيته الإخراجية للعمل الفني . يبقى أن نتحدث عن العملية الإخراجية نفسها ، وقدرات المخرج في السيطرة على مجمل هذه الأدوات الفنية والتقنية ، للوصول بالفيلم الى أفضل مستوى فني . وإذا إستعرضنا أمثلة تجسد مستوى الإخراج عند الطيب . فسنجد مثلاً بأن الإخراج في فيلم (الحب فوق هضبة الهرم) تقليدياً ، يشوبه بعض اللمحات الفنية الجيدة ، هذا بالرغم من أن هناك إدارة جيدة للممثل والكاميرا ، خصوصاً المحمولة منها. وفي فيلم (الزمار) نجد إيقاعاً منسجماً نوعاً ما في الإخراج ، مع وجود إهتمام بالكادر الجمالي للصورة ، في أحيان كثيرة . ولا يمكن نكران ذلك الجهد الفني المبذول من المخرج في فيلم (ملف في الآداب) في الإحتفاظ بالنبض المتدفق والإيقاع السريع واللاهث للفيلم . كما أن المخرج نجح في الموازنة بدقة بين الإيقاع البوليسي للفيلم ، وبين إيقاعه كفيلم يحمل هدفاً فكريا إجتماعياً . ــ فاصل موسيقي ــ وكان خطأ الإخراج في فيلم (قلب الليل) هو أن المخرج كان أميناً للعمل الروائي الى درجة فقدانه للغتة السينمائية ، وإرتباك هذه اللغة في أحيان كثيرة ، مما جعل الفيلم يتخبط في لهاثه وراء العمل الأدبي . هناك سيطرة من المخرج في الجزء الأول على تنفيذ كادراته ، هذا إضافة الى الشفافية التي ساهمت في جمالية المشاهد.. أما بقية الفيلم ، فقد إفتقد لكل تلك التقنيات الإبداعية ، بل وضاع وراء تجسيد سردية القص الروائي ، لدرجة شعورنا بأن الفيلم قام بإخراجه إثنان ـ يختلفان تماماً في الرؤية السينمائية . أما في فيلم (الهروب) فنجد مستوى فنياً جيداً في الإخراج ، وصل به مخرجه الى درجة كبيرة من الإتقان ، حيث نجح في إدارة فريقه الفني من فنانين وفنيين . فهناك ، حقاً ، إبداع أدائي من الممثلين ، إن كان في الأدوار الرئيسية أو الثانوية . وهناك أيضاً تمكن واضح من المخرج في السيطرة على أدواته الفنية والتقنية . وهناك جهد واضح يحسب لصالح المخرج في فيلم (ناجي العلي) إن كان في تجسيد المعارك أو في تحريك المجاميع . ــ فاصل موسيقي ــ وختاماً نتوصل الى إشكالية هامة بالنسبة لتجربة المخرج عاطف الطيب السينمائية ، وهي إن مشكلتة كمخرج ، تكمن في أسلوبه الإخراجي المبسط الى درجة كبيرة ، وذلك بإعتماده على الموضوع والموقف الجريء ـ بشكل أساسي ـ في التوصيل .. هذا بالرغم من أن هناك في أفلامه كم كبير من الشعر والرمز والموسيقى ، إضافة الى الأفكار والعناصر (الأدوات) التقنية .. إلا أنها جميعاً تفتقد ـ في نفس الوقت ـ لتلك الرؤية الإخراجية الخاصة التي في إمكانها توظيف كل تلك الإمكانيات التقنية والفنية للإنطلاق بالعمل الفني الى آفاق فنية وإبداعية قد تثير الإعجاب ، وترتقي بالمستوى الفني للفيلم .. فسينما اليوم لا بد أن تكون قادرة على الجمع ما بين الشكل والمضمون في إطار متوازن ومحسوب . ــ فاصل موسيقي ــ والآن عزيزي المستمع .. نتوقف هنا لنلتقي بك في حلقة جديدة ولقاء جديد مع نجم سينمائى آخر . ختام
برنامج مشاهير - الحلقة 43 - إعداد : حسن حداد نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بأن نلتقي بكم في حلقة جديدة من برنامجنا الأسبوعي (مشاهير)، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله. - فاصل موسيقي - عزيزنا المستمع .. نجمنا لهذه الحلقة هي الفنانة نيللي .. بطلة الإستعراض بلا منازع. - فاصل موسيقي - نيللي .. الفنانة الشاملة، تمثل وتغنى وترقص.. فنانة من رأسها إلى أخمص قدميها.. فنانة تجرعت الفن وهى طفلة في عمر الزهور. والكثير منا يذكر دورها القصير في فيلم (الحرمان)، عندما غنت مع عبد السلام النابلسى (دور.. رى مى.. فاسو. لاسى.. أول درس حنحفظ فيه)، كان هذا الدور هو أول إطلالة لها في عالم السينما والفن بشكل عام. - فاصل موسيقي - وفي حلقتنا هذه عن بطلة الإستعراض، سوف نتتبع خطواتها في مشوار الفن، حتى أصبحت ملكة تتربع علي عرش الاستعراض العربي، وذلك من خلال فوازير رمضان. - فاصل موسيقي - تقول نيللي في مذكراتها التي نشرتها على حلقات مجلة (المجلة) في عام 1983. (… ولدت في البلاتوه، هكذا يقولون عنى، تعبيرا عن حياتي الفنية التي بدأت مبكرة جدا، وعندما أعود بالذاكرة إلى مرحلة الطفولة أجد أن حياتي تختلف عن حياة كل الأطفال، فأنا من أسرة فنية، والدي منتج سينمائي وأختي هي الفنانة (فيروز- المصرية) التي حققت شهرة واسعة في الخمسينات، وكانت بمثابة مثلى الأعلى في تلك الفترة…). منذ نعومة أظافرها وهى ترى أختها فيروز بطلة سينمائية متألقة، يتحدث عنها الجميع وتشاهد صورها في الصحافة كانت تقف الساعات الطويلة في الأستوديو لتشاهد أختها وهى تمثل أمام أنور وجدي وزكى رستم وغيرهم من عمالقة التمثيل، لهذا فليس بالغريب على نيلي أن تعشق هذا العالم السحري الجميل، وتحب الأضواء، ويصبح هذا العالم هو حلمها الكبير. - فاصل موسيقي - تقول نيللي : (... كنت أقلد الممثلين والممثلات والفنيين ق الأستوديو، وكان التعليق هو "دي بنت موهوبة مثل أختها"، تعقبها ضحكات لا أستطيع فهم أسبابها…). "عندما تكبرين سوف نجعلك تمثلين مثل فيروز".. جملة قالتها والدتها، لكي تخفف من اندفاعها وإلحاحها بالتمثيل، ولكنها أصبحت أملا كبيرا بالنسبة لنيللي. وفعلا، تحقق هذا الأمل، عندما تعاقد والدها على إنتاج فيلم (الحرمان 1953) كأول إنتاج له، ودخلت نيللي الأستوديو لأول مرة كممثلة، تقف أمام عماد حمدي وأختها فيروز، تحت إدارة المخرج (عاطف سالم). - فاصل موسيقي - (…نعم اذكر ذلك اليوم. قابلني الأستاذ عاطف سالم قائلا.. مش أنتي عاوزة تمثلي يانيللي زى فيروز.. عايزين نشوف الشطارة…). هكذا قالت نيللي، وبدأت تدريباتها في الأستوديو على يد المخرج عاطف سالم، لتقوم بدور أختها فيروز وهى صغيرة، أما في البيت فكانت فيروز ساهرة معها تشجعها وتعطيها من تجربتها وخبرتها التي مرت بها. وبدأت نيللي العمل في الفيلم، وتتابع المشهد تلو المشهد وكانت تسمع كلمات التشجيع المصحوبة بقطع الشكولاتة التي كانت عبارة عن كل آجرها لان والدها هو المنتج. وتواصل نيللي سرد مذكراتها فتقول : (...انتهت المشاهد التي كنت أصورها، وبدأت مشاهد بطلة الفيلم فيروز، رغم ذلك كنت اصحبها كل يوم لتصوير المشاهد. لقد زاد حبي للبلاتوه وزاد تعلقي بالتمثيل منذ أن وقفت أمام الكاميرا لأول مرة. كنت أعود من البلاتوه إلى المنزل بحي العجوزة لأجمع بنات الجيران وأعيد عليهن تمثيل المشاهد التي تم تصويرها، وأضيف بعض المشاهد من مخيلتي). وكانت هذه أول انطلاقة سينمائية لنيللي، ذات السنوات الأربع. التي أدهشت الجميع بأدائها الأخاذ وإطلالتها النضرة. أما تجربتها الثانية فكانت في فيلم (عصافير الجنة) عام 1955. وهو الإنتاج الثاني لوالدها الذي اعتبر تجربتها في فيلم (الحرمان) بداية لتقديم نيللي بشكل افضل وفي عمل مناسب يضم بناته الثلاث (فيروز وميرفت ونيللي). - فاصل موسيقي - وعن عصافير الجنة، تقول نيللي : (في هذا الفيلم أستطيع القول أن كل الجهود قد بذلت من أجلي. فالفيلم كان من بطولتنا نحن الثلاث، ولكن كان التركيز على شخصي.. فقد أراد الأستاذ محمود ذو الفقار ووالدي أن يركزا علي موهبتي. فاختار لي الجمل الخفيفة والكلمات المضحكة التي تحدث أثرا طيبا لدى الجمهور كما أنها كانت أول مرة يكتب فيها اسمي كبيرا على إعلانات الفيلم. بعد هذا الفيلم، لمع اسم نيللي وعرفها الجمهور بشكل اكبر، إلا أن ما أراده والدها لم يحدث، فقد كان يعدها لكي تنال شهرة توازى شهرة أختها فيروز، وفات علي والدها أن المناخ لم يكن يسمح وقتها بوجود فيروز ثانية.. فيروز التي أدهشت الجميع بموهبتها الفذة، حيث كانت الأدوار تكتب خصيصا لهذه الطفلة المعجزة، وتحظى باهتمام يفوق الوصف، لذلك ورغم الموهبة المبكرة التي لدى نيلي كان من الصعب جدا أن تحقق أي طفلة ذلك النجاح الذي حققته فيروز. - فاصل موسيقي - ومر عامان منذ عصافير الجنة، لتعود نيللي في دور صغير، عندما مثلت دور فاتن حمامة وهى صغير في فيلم (حتى نلتقي) عام 1958، من إخراج بركات. كما اشتركت في نفس العام في فيلم (رحمة من السماء) للمخرج عباس كامل، هذا إضافة إلى اشتراكها بالتمثيل مع عماد حمدي وصباح ومحمود المليجي في فيلم (توبة) عام 1958، تحت إدارة المخرج محمود ذو الفقار. وبناء علي تعليمات والدها، توقفت نيللي عن الاشتراك في أي عمل سينمائي. فقد كان والدها بخبرته السينمائية والحياتية حريصا على أن تظهر نيللى بشكل جيد دائما. ثم أن الأدوار التي كانت تعرض عليها كانت صغيرة، وكانت الفرصة في التلفزيون، عندما بدأ يفتح أبوابه لطاقات ومواهب جديدة وتقديمها بشكل يتناسب مع قدراتها. فاشتركت نيللي في مسلسل (الرمال الناعمة)، وكان عمرها في ذلك الوقت عشر سنوات تقريبا. كانت فرصتها هذه كبيرة، حيث حصلت كل شهرة اكبر، إذ عرفها المخرجون بشكل افضل، خاصة بعد نجاح هذا المسلسل. - فاصل موسيقي - وتتحدث نيللي عن تلك الفترة، وتقول : (بصراحة لقد انتابني في تلك الفترة نوبة من المعركة النفسية كنت أخوضها مع ذاتي. فدائما ما كانوا يربطون بيني وبين أختي فيروز. نعم لقد كان اسم فيروز هو الأكثر شهرة ورنينا في تلك الفترة. ولكنني كنت احب أن يعرفني الناس باسمي (نيللي)، كنت أريد أن أتخلص من ربط الناس بيني وبين أختي دون أن تشعرني بأنها تعرف ما يدور بداخلي. نعم فيروز أختي بل اعتبرها أمي أيضا ولكننى كنت أريد أن أحقق ذاتي كممثلة مستقلة، خاصة بعدما وعيت وفهمت معنى كلمة فنانة لها جمهورها وفنها وموهبتها، ويقيني أنها ستأتي حتما). وحدث فعلا ما أرادته نيللي، بعد اشتراكها مع أختها فيروز في أول فكرة لتقديم فوازير رمضان التلفزيونية، حيث شاهدها المخرج محمود ذو الفقار، واختارها لتقوم بالبطولة في فيلمه (المراهقة الصغيرة) عام 1966، وذلك رغم اعتراض المنتج الذي رشح ممثلة معروفة لهذا الدور. وفي نفس الفترة التي كانت تصور فيها فيلم (المراهقة الصغيرة) كانت تخوض تجربة غنية جديدة، بعد أن تقدم إليها الفنان (ممدوح زايد) وطلبها للعمل في فرقة الريحاني في مسرحية (أوع تعكر دمك). وقد استقبلها الجمهور بترحاب شديد، رغم أن نيللي كانت مترددة في البداية بقبول خوض تجربة المسرح لاول مرة. وكانت عبارة عن شحنة جديدة تضاف إلى رصيد نيللي من الخبرة ونمو الموهبة. - فاصل موسيقي - في هذه الأثناء فتحت أبواب الحظ أمام نيللي، عندما اختارها المخرج (محمد علوان) لتقوم بدور البطولة أمام الموسيقار محمد عبد الوهاب في المسلسل الإذاعي (شئ من العذاب). وكان المخرج ذكيا جدا عندما تعمد عدم إعلان اسم نيلي في الحلقات العشر الأولى حيث بدأ الناس يتساءلون من هذه الفتاة الدلوعة التي تمثل أمام عبد الوهاب. تقول نيللي : (مع كل يوم بدأ التساؤل يزداد، واخذ الأستاذ محمد علوان يتلقى عشرات المكالمات الهاتفية تسأل عن اسم الممثلة التي تلعب الحلقات. ومع ازدياد التساؤلات ازداد علوان عنادا في عدم إذاعة اسمي وكل ما طلبه منى هو التركيز اكثر في ا لأداء). وبقيت نيللي علي هذا الحال في ترقب شديد. إلى أن غير محمد علوان مقدمة الحلقات فقال نقدم إليكم الموسيقار محمد عبد الوهاب .. في حلقات شي من العذاب.. مع الموهبة الجديدة نيللي. فما كان من نيلي إلا الانخراط في بكاء عنيف من شدة الفرح. وتضيف نيللي، وتقول : (نعم لقد كان ذلك اليوم بالفعل هو مولدي الحقيقي، ويشاء القدر أن يسمعني الناس قبل أن يروني. وربما تكون حالتي هي الحالة الوحيدة من هذا النوع، أن تنطلق نجمة عن طريق صوتها). - فاصل موسيقي - لقد حقق لها هذا المسلسل الإذاعي الانطلاق السريع والشهرة العريضة. وتشاء الصدف أن يعرض فيلمها (المراهقة الصغيرة) الذي لا يزال في العلب، في نفس الوقت. ليقبل الجمهور علي مشاهدته بصورة منقطعة النظير حتى يتعرفوا علي بطلة حلقات، شئ من العذاب، البنت ذات الثلاثة عشر ربيعا. بعد ذلك انهالت عليها العروض السينمائية، إلا أن اغلبها لم يكن يلائم عمرها الصغير، وهنا بدأت نيلي ترفض لتختار المناسب بالرغم من أن هذا الرفض قد أثر على حياتها الفنية في البداية. إلى أن جاءتها الفرصة المناسبة في فيلمها الثاني (نورا) عام 1967، كبطولة أمام كمال الشناوى، وتحت إدارة المخرج محمود ذو الفقار. ثم كان فيلم (إجازة صيف) عام 1967، أمام المليجي وفريد شوقي ومن إخراج سعد عرفة، وكانت فرصتها هذه كبيرة من حيث العمل مع هؤلاء العمالقة، واكتساب القليل من خبراتهم التمثيلية. بعدها اختيرت للتمثيل في فيلم (مجرم تحت الاختبار) عام 1968، من إخراج عبد المنعم شكري وتمثيل حسن يوسف وسهير المرشدى. ولما كانت قد التحقت وهى في سن الرابعة بمعهد خاص بالباليه، فقد أتاح لها هذا تأدية الأدوار الاستعراضية، حيث قدمت تابلوهات استعراضية من فيلم (نورا). بعد هذا الفيلم بدأت نيللي مرحلة أخرى هي مرحلة الانتشار السينمائي، وذلك عندما قالت في مذكراتها.. (كان الدافع الأساسي في ذلك الوقت لقبول أي فيلم هو تحقيق مزيد من الشهرة والانتشار لأثبت وجودي كممثلة). فقدمت نيللي خمسة أفلام هي كالتالي (زوجة بلا رجل) عام 1969، للمخرج عبد الرحمن شريف، (صباح الخير يازوجتى العزيزة) عام 1969، لعبد المنعم شكري، وثلاثة أفلام للمخرج محمود ذو الفقار، وهى (أسرار البنات) عام 1969، (الحب سنة 70) عام 1969، (امرأة زوجي) عام 1975. - فاصل موسيقي - وتقول نيللي بعد أول تجربة زواج فاشل : (قررت ألا أفكر سوى في عملي وفني والحقيقة إن تجربة الزواج صقلتنى وجعلتني أفكر في تنويع وتطوير أدواري. ورأيت وقتها انه قد آن الأوان كي ابتعد عن أدوار البنت المراهقة الصغيرة، وبدأت اقدم نوعيات الأفلام التي تصور حياة الشباب الناضج. فقدمت مجموعة أفلام منها علي سبيل المثال، (مغامرة شباب، شباب في عاصفة، مذكرات الآنسة منال). بعد ذلك بدأت نيللي مرحلة جديدة أخرى مع المخرج حسام الدين مصطفى، حيث أخرج لها خمسة أفلام وهى علي التوالى (عصابة الشيطان عام 1971، شياطين البحر عام 1972، الشحات عام 1973، قاع المدينة عام 1974، غابة من السيقان عام 1974)، وكانت هذه الأفلام هي الثمار الوحيدة لتجربة زواج فاشل. كانت نيللي تشعر دائما بأنها لم تقدم ما ترغب في تقديمه كفنانة استعراضية، فهذا اللون كان قليلا بل نادرا في الأعمال الفنية المصرية. وحاولت تقديم هذا اللون في مسرحية (كبارية) إخراج جلال الشرقاوى، كبطولة مع سناء جميل وعبد المنعم مدبولى. ولكن العمل لم ينل النجاح المرجو منه، وذلك لعدم الانسجام في العمل ما بين الاستعراض والدراما.. بالرغم من المبالغ الكبيرة التي صرفت على هذه المسرحية. - فاصل موسيقي - بعد هذه التجربة قدمت نيللي فيلمين هما (دنيا) عام 1974، و(سؤال في الحب) عام 1975، ولكن الفرصة الذهبية جاءتها بعد أن تلقت مكالمة هاتفية من التلفزيون يطلب منها فيها تقديم فوازير رمضان. في البداية تخوفت، ولم تعط إجابة شافية. تقول نيللي : (ظلت تجربة الفوازير القديمة عالقة في ذهني، فكنت أتهرب منهم كلما أتصلوا بي، وفي يوم عدت إلى منزلي مبكرا وبدأت أفكر بموضوعية.. لماذا لا أصقل حلمي القديم في الفوازير، حيث يتحول إلى عمل استعراضي ضخم، أكون أنا المنفردة به؟!). وبالفعل التقت نيللي مع مخرج الفوازير (فهمي عبد الحميد)، وشرح لها تصوره، وأحست فعلا أنها فرصة ذهبية فتفرغت تماما لتصوير الفوازير. كان ذلك قبل خمسة عشر عاما، عندما نجحت فوازير رمضان نجاحا كبيرة.. واستمرت سنويا تقدمها مع فهمي عبد الحميد، بدرجة أنها حملت اسم نيلي واصبح يطلق عليها (فوازير نيلي). تتحدث نيللي عن الفوازير، فتقول : (كان عملي أثناء الفوازير يشكل بالنسب إلي خسارة مادية، فقد كنت اقطع كل ارتباطاتي وأعمالي في السينما والمسرح لأتفرغ تماما للعمل في الفوازير. إضافة إلى أنها كانت تصرف كثيرا على الملابس والإكسسوارات التي ترتديها طوال مدة تقديم الفوازير). كل ذلك تشتريه من مالها الخاص، لدرجة أنها تقبل العمل في بعض الأفلام من اجل إيجاد مورد مالي تصرف منه على الفوازير. كل هذا لم يكن مهماً بالنسبة لنيللي، كانت تبحث دوما عن إعجاب الجمهور الذي لم يبخل عليها به، ويكفى أن الخطابات التي وصلت إلى التلفزيون تهنئه وتهنئ نيللي تصل أحيانا إلى خمسة عشر مليون خطاب من مصر وحدها عدا الدول العربية. - فاصل موسيقي - لكن السؤال الذي طرح كثيرا فيما بعد هو.. لماذا اذن تركت نيلي الفوازير بعد كل هذا النجاح؟ تجيب نيللي بقولها : (من البداية أقول إن كل الشائعات التي ترددت حول هذا الموضوع لا صحة لها إطلاقا.. ولكن ببساطة وجهة نظري أنني قدمت خلال الأعوام الماضية كل ما يمكن تقديمه ولذلك قررت أن اترك مكاني وأنا في القمة، وأتيح الفرصة لزميلاتي ليقدمن مالديهن من فن). - فاصل موسيقي - والآن عزيزي المستمع .. نتوقف هنا لنلتقي بك في حلقة جديدة ولقاء جديد مع نجم آخر.
برنامج مشاهير - الحلقة 44 - إعداد : حسن حداد نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بأن نلتقي بكم في حلقة جديدة من برنامجنا الأسبوعي (مشاهير)، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله. - فاصل موسيقي - عزيزنا المستمع .. نجمنا لهذه الحلقة هو أسطورة التمثيل الأمريكية .. نجم حلقتنا هذه هو الممثل العملاق الراحل جيمس دين ..الذي أصبح رمز المراهق الدائم .. في برنامجنا هذا وعلى حلقتين نروي للمستمع، قصة حياة هذا المراهق، الذي طبع جيلا بكامله، وترك بصمات لا تمحى في عالم السينما، من خلال ثلاثة أفلام فقط. - فاصل موسيقي – يكفي إننا ما زلنا نتذكره، رغم ندرة أعماله الفنية، فجيمس دين ما زال في الذاكرة ليس لأنه موهوب غير عادي في التمثيل.. بل لأنه الرمز الأبدي للمراهق الذي قرر أن يموت وهو في عز الشباب، حتى يبقى بنظر الجيل القادم مراهقا مميزا. وفيما يلي بعض من صفحات هذا الإنسان الغامض. - فاصل موسيقي – بعد سنوات قليلة سيكون قد مضى نصف قرن على وفاته، وهو لا يزال أحد أغرب أساطير المجتمع الأمريكي .. فأهمية جيس دين، لا تتعدى أسطورته كنجم سينمائي، بل تشمل كل القيم والأحلام التي يعيشها جيل بكامله وهو الرمز الدائم للمراهق الساخر المتمرد، الرومانسي والمشاكس. فالأبطال الذين كان جيمس دين يجسد أدوارهم على الشاشة اختلطوا بسرعة مع حياته الخاصة. لدرجة بات من الصعب معها التفريق بينهما. ولان جيمس دين عمل مع مخرجين عالجوا مواضيع مميزة، فان العاصفة التي كانت تسكن في داخله، دفعته لان يصبح في نهاية الخمسينات، المثال أو الرمز الذي يقتدى به، جيل بكامله ينتمي إلى زمن جديد رائده الشباب. - فاصل موسيقي – فالشاب اليتيم الذي نشأ في كنف العم والعمة اللذين ربياه بعد أن تجاهله والده، تمرد بسرعة على واقعه وترك منزل أقاربه، لينمي أحلامه التي كانت تضج في رأسه. ولكن جيمس دين كان يشعر منذ البداية، أن عمره قصير، وبان سباقه الدائم مع الحياة، لن يوصله سوى إلى الموت، سواء تم ذلك بفعل حادث أو بفعل انتحار. وإذا كنا نؤمن بقوة العقل الباطني، فإننا نتذكر حادث السير القاتل، الذي تعرض له جيمس دين في الثالث من أيلول (سبتمبر) عام 1955. فقد اوقفه رجال البوليس قبل عدد ساعات من الحادث، بتهمة القيادة بسرعة فائقة. لكنه لم يكترث للأمر، وكرر تحديه للموت، وهو يعي تماما الخطر الذي يعرض نفسه له. أي انه باختصار، اختار الطريق الأقصر لمواجهة الموت. فالمراهق لم يكن يحق له أن يكبر ويشيخ كسائر الناس لذلك اختار الأسطورة. ولم يختر العمر الطويل. - فاصل موسيقي – قلب متمرد ----------------------------------------- عنوان فرعي - فاصل موسيقي – على صعيد القلب، ارتبط جيمس دين بامرأتين هما "بير انجلي" و"اورسولا اندروس". أما بالنسبة لما قيل عن تعدد صداقاته بين الفتيات، فالأمر لا يتعدى مجرد الشائعات بوسائل دعائية رخيصة .. لأن جيمس دين كان يحب برومانسية .. ولكن بالإضافة إلى انجلي واندروس، كانت هناك نساء أخريات مقربات من المراهق، مثل ناتالي وود وكريستين وايت وبربارة غلين. جيمس دين في الذكرى الخامسة والأربعين لوفاته .. ومازلنا نسأل عنه باستغراب، ولهفة .. وعنه قال المخرج ايليا كازان في كتابه : (كممثل، كان جيمس دين مرهف الحساسية ومميزا للغاية. فقد كانت انفعالاته الدقيقة وأحاسيسه مجتمعة، تطفوا على السطح بكل عفوية .. وكان يرسم وجوها في الفضاء بواسطة جسده. كان يبدو أحيانا وكأنه مشلول وعاجز، وكان الخط المستقيم، وكأنه محظور عليه). - فاصل موسيقي – أربعة وعشرون عاما، كانت كافية لصنع الاسم الأسطورة، في عالم السينما، عبر ثلاثة أفلام فقط هي (جنة عدن)، (حمى الحياة) و (المارد). وكانت كافية لفقد والدته مبكرا، وليستعيض عن حنانها بقسوة الرياضة وجنونها، إلى أن كان موعده مع سباقات السيارات، كأنه موعد مع جنون آخر، ومع البرق الخاطف الذي لا يرى إلا لهنيهات، ومع الموت يصنع الألم، ويصنع الأساطير أيضا. وبعد خمسة وأربعين عاما على وفاته، يعود اسم جيمس دين ليقفز إلى الواجهة من جديد، وكأنه ما زال رمزا لشباب اليوم ومثالا لهم. - فاصل موسيقي – بعد مرور ثلاثين عاما على وفاة جيمس دين، قامت إحدى المؤسسات الصحافية الغربية بإجراء استفتاء واسع، في صفوف الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والخامسة والعشرين من العمر. وكان السؤال واحدا: (ماذا يعني لك جيمس دين عام 1983؟) ليأتي الجواب المفاجئ " انه بطل، ومثال جيلنا ". هذا هو المراهق جيمس دين الذي تحول إلى شبه أسطورة، من خلال ثلاثة أفلام فقط هي : (جنة عدن) لايليا كازان، و(حمى الحياة) لنيكولاس راي، و (المارد) لجورج ستيفنس. مع التذكير بان جيمس دين لم يعرض له خلال حياته القصيرة، سوى الفيلم الأول، أما الفيلمان الأخيران فقد عرضا بعد وفاته. كان صورة للإنسان الغريب، المتمرد، والمراهق الحقيقي. فذات يوم قال جيمس دين في إحدى المقابلات الصحافية: (سأموت قبل بلوغي الثلاثين عاما). وبالفعل، توفي جيمس دين، وهو في الرابعة والعشرين من جراء إصابته بكسر في عنقه، وهو يقود سيارته على طريق (ساليناس). - فاصل موسيقي – قال المخرج الفرنسي فرنسوا تروفو عنه: (كان جيمس دين يعبر عن نفسه، وكأنه يعتذر عن موهبته الخارقة، كي لا يسيء إلى الآخرين). إذن من هو (هذه الموهبة الخارقة)، وكيف نستطيع الكشف عن أسرار حياته، وطبيعة شخصيته الغريبة؟ - فاصل موسيقي – ضربة القدر الأولى ---------------------------- عنوان فرعي - فاصل موسيقي – ولد جيمس بايرون دين، في الثامن من شهر فبراير عام 1931، ، في مدينه "ماديون" بولاية "انديانا" الأميركية، من أب هادئ (بطيء وثقيل) كما كانوا يسمونه، ومن أم ملأى بالحيوية و الشفافية و الرومانسية. فكان على جيمس الصغير أن يعيش المتناقضين، وأن يلتف بعد ذلك حول أمه، التي لو قدر لها البقاء على قيد الحياة، لخففت بالتأكيد الكثير من غلوائه وتشرده وعبثه الحياتي. لكن الأم اختفت في الوقت الذي كان فيه جيمس بأمس الحاجة إليها. كان ذلك عام 1940، وجيمس الصغير لم يتجاوز بعد التاسعة من عمره، حين رأى والدته تذبل أمام عينيه وتموت أمامه، من جراء إصابتها بمرض السرطان. - فاصل موسيقي – ومع رحيل الأم، انتهت معها جلسات الموسيقى الطويلة، ومسرحيات الدمى المتحركة التي كانت تعدها له. كما انتهت الحكايات والأشعار التي كانت تهمس بها كل ليلة في إذن الطفل الصغير. فيما بعد، قال عنها جيمس دين، وهو يخفي قصر نظره من خلال نظارتين سوداويتين سميكتين: (ماتت أمي، عندما كنت في التاسعة من عمري. ماذا كنت تنتظر مني؟ أن أقوم بكل شي، بنفسي)؟ بهذه السخرية والمرارة، انكشفت صورة جيمس الواضحة، التي تصب في خانة (الإحساس) المفرط لطفل ضربه القدر، ضربة غير عادية. فكان على المراهق، أن يحمل طوال حياته القصيرة، في داخله، فراغا كبيرا من العاطفة. - فاصل موسيقي – لا بأس أن نتخيل جيمس الصغير وهو يركب القطار الذي يحمل جثة والدته إلى موطنها الأصلي في "انديانا" جالسا بهدوء على مقعده. شعره ناعم، عيناه تائهتان، وهو يقترب شيئا فشيئا من حضن جدته القريبة منه. فقد كان يعرف إن المركبة التالية للقطار تحمل جثة والدته الميتة. لم يكن قد مضى وقت طويل على انتقال عائلة دين إلى "كاليفورنيا" المدينة التي لم تحبها الوالدة كثيرا ولا الابن بالطبع. وها هو القطار يعود بهما إلى الأرض التي أحباها كثيرا، لتستقبل في باطنها جثة الوالدة العزيزة، ولتترك الآخر بائسا يائسا، لا يعرف أي حياة جديدة تنتظره. بعد مراسم الدفن، رحل الأب ليترك جيمس مع عمته وعمه في منزل أبيض رحب الأرجاء، ويقع وسط مزرعة للخراف والدجاج. وتحول المشاعر الصغير إلى مزارع، أي تحول من طفل هزيل، ضعيف البنية، شاحب الوجه، إلى ابن مزرعة قوي، مشاكس، ومشاغب. ربما كان يحاول الانتقام من الأيام التي تركته وحيدا. - فاصل موسيقي – على أي حال، وابتداء من هذه الحقبة، بدأت شخصية جيمس تصقل وتتكون من جديد. كان مغرما بالقوة، وحين أهداه عمه دراجة نارية قديمه، تعرف من خلالها، على لذة اقتحام الموت، عن طريق السرعة. فكان يزرع الرعب حوله، على طرقات المدينة الصغيرة، وينطلق بها مسرعا. أما على الصعيد الدراسي، فقد كان جيمس دين يصعد إلى المسرح ليسحر رفاقه وأساتذته، وليحصد الميداليات الواحدة تلو الأخرى. - فاصل موسيقي – الرياضة تقتل الحنان ------------------------- عنوان فرعي - فاصل موسيقي – يجدر الاعتراف إن عائلة جيمس بالتبني، أي عمه وعمته، كانت تدلل الطفل الشاب، حتى شكل في حياتها ركنا مهما من السعادة والتفاؤل. من هنا نستطيع القول: إن حياة الطفل لم تكن حزينة، على الأقل من الناحية المادية. لكنه من الناحية العاطفية، يتيم الأم، ووالده لا يزوره إلا نادرا مما جعله يشغل نفسه بالرياضة. وبما أن جسده الناحل لا يخوله التفوق في جميع أنواع الرياضات، فقد أصبح لاعب كرة سلة من الدرجة الأولى. ومارس كذلك كل أنواع القوى، من جري، إلى كرة طائرة، مرورا بالقفز العالي، بعد أن حدد لنفسه (ريجيما) خاصا خوله التقدم بسرعة مذهلة. من صداقات جيمس القليلة في ذلك الوقت، معرفته الحميمة بكاهن (فيرمونت) الذي ملأ حياة الطفل فضولاً إلى الحياة والمعرفة. فقد كان جنديا قديما، جرح في معركة (كاسينو)، يهوى المطالعة بشغف ولكنه للأسف، مغرم بسباق السيارات. وبرفقة صديقه الكاهن، حضر جيمس دين أول سباق للسيارات في حياته. وكأن القدر حتم على المراهق الشاب، الانغماس بهذه الهواية التي كلفته حياته بعد ست سنوات. - فاصل موسيقي – حبه للمسرح ---------------------------------- عنوان فرعي - فاصل موسيقي – حب جيمس دين للمسرح، توارثه عن والدته بالتأكيد. فخلال طفولته كانت الوالدة تخترع له القصص والحكايات، ويشاركها لعب عدة أدوار، وكان يعشق بالفعل تمثيل عدة أدوار في وقت واحد، مع قدرة ملحوظة في تغيير طبقات صوته، وتقليد الآخرين. إلى جانب ذلك، كان جيمس مغرما للفت نظر الآخرين إليه بأية وسيلة. وكم كان يفتعل الشجارات العنيفة في المدرسة، ليبقى في نظر الجميع "نجم" الصف دون منازع. ولما بلغ المراهق المرهف، السابعة عشر من عمره، بدأ يشارك في عدة مسابقات، كانت تنظمها (مؤسسة تشجيع المواهب المسرحية). وكان عليه ذات يوم أن يؤدي مقطعا من مسرحية (مغامرات السيد كيلويك) لديكنز تحت عنوان (المجنون). وأدى دوره بطريقة غير مألوفة، شكلاً ومضمونا، حيث ارتدى، بعكس رفاقه، سروال (الجينز) والقميص (التي شرت)، وليبدو مجنونا فعلا بتقاطيع وجهه البلهاء. ولم يعجب الجمهور بالفتى الغريب الأدوار، ولا بطريقة أدائه. فلم ينل الجائزة الأولى. بعد فشله كمسرحي في مدينته الصغيرة (فيرمونت) ترك جيمس وراءه كل شيء ومضى، غير آبه بالمزرعة أو صديقه الكاهن، أو حتى عمه وعمته. - فاصل موسيقي – الرحيل إلى الغرب ---------------------------- عنوان فرعي - فاصل موسيقي – وككل أمريكي طموح، في تلك الحقبة، اتجه جيمس إلى الغرب ميمما شطر (كاليفورنيا)، وفي نيته دراسة فن التمثيل المسرحي بجدية. الأمر الذي أثار حفيظة الوالد، فرفض بشدة. لم تكن علاقة جيمس بوالده علاقة حميمة، وزواج الأب للمرة الثانية، ساهم في ازدياد الهوة بين الطرفين. وتحت إصرار الوالد ورغبته في دخول ابنه إلى المدرسة ليتعلم التجارة، وافق جيمس على مضض، بعد أن قدم له الوالد هدية، عـبارة عن سيارة (شيفروليه). وبدل أن يذهب جيمس إلى المدرسة، راح في كل ليلة، بعمل في فرقة مسرحيه محلية. ثم انتسب إلى ناد للطلاب في الفن المسرحي. وهناك حصل جيمس على دوره الأول والمهم في مسرحية (ماكبث). وحكم عليه الجميع بالفشل كممثل. فترك النادي ليكسب عيشه عن طريق العمل في الأفلام الدعائية. ثم لعب دور أحد الرسل في مسلسل تلفزيوني. - فاصل موسيقي – صراع البقاء في هوليوود -------------------- عنوان فرعي - فاصل موسيقي – بعد ذلك، وجد المراهق الصغير نفسه، يلج باب هوليوود الواسع. وكسائر الممثلين المبتدئين، سكن جيمس في غرفة صغيرة، ليتغذى بالمعلبات و (الهوت- دوغ) وليعدو من الصباح الباكر، وحتى آخر الليل سعيا وراء لقمة العيش، ووراء أحلامه الكبيرة. وكان على جيمس، عاجلا أم أجلا، أن بنجح، لان مواهب المراهق كبيرة، وسحره لا يكاد يخفى على أحد. هذا الجاذب الغريب، كان يكمن في شعره الأشقر القصير، وفي النظرة الزرقاء العميقة، ومن هذا الفم ذي الشفاه الظمأى، وفي تلك المشية القوية، وحركاته المترددة، والتي لا تهدأ. ثلاثة أفلام فقط حملت جاذبيته إلى أحلام الجماهير العريضة، وسط دهشة المنتجين، ومحترفي السينما الأميركية. فكل (منطقيات) العالم، في هذا ا المجال، لم تكن بقادرة على شرح هذه الظاهرة الغريبة، والتي ساهم الموت بعدها، بتحويل هذه الظاهرة إلى ما يشبه الأسطورة والمثال. هذا الموت، العنيف والمفاجئ، وهو في الرابعة والعشرين من عمره. وكأنه كان على عجلة من أمره في الوصول إلى كل شيء بسرعة. - فاصل موسيقي – جنة عدن ------------------------------------- عنوان فرعي - فاصل موسيقي – الفيلم الأول لجيمس دين، تحت إدارة المخرج "ايليا كازان"، سمح له بتثبيت موهبته الأكيدة. تلك الموهبة التي صقلها من خلال عمله في "استديو اكتورز" هناك تعلم أن يبتعد عن الانفعالات الكلاسيكية، وعن الابتسامات الوردية التي يستعملها عادة نجوم هوليوود. لقد تعلم التمثيل بجسده، بأسنانه، بأعصابه، كما تعلم كيف يراقب الآخرين، ليستطيع تأدية دور رجل الشارع، أو البورجوازي الكبير، أو الإنسان المتشرد الفقير. كان عليه في "استديو اكتورز" أن يجرب كل شي،، حتى جاء، فيلم (جنة عدن) ليحصد نجاح كل خبراته الماضية. والآن عزيزي المستمع .. نتوقف هنا لنلتقي بك في الحلقة القادمة لنستكمل الحديث عن فناننا الكبير جيمس دين .. فإلى اللقاء.
برنامج مشاهير - الحلقة 45 - إعداد : حسن حداد نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بأن نلتقي بكم في حلقة جديدة من برنامجنا الأسبوعي (مشاهير)، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله. - فاصل موسيقي - عزيزنا المستمع .. في الحلقة الماضية من برنامجنا هذا، تحدثنا عن جيمس دين، وشهرته التي لم تندثر رغم مرور مايقارب النصف قرن على وفاته. تحدثنا عن قلقه الدائم، ورغبته الجامحة في تحقيق كل شيء بأسرع وقت ممكن. وفي هذه الحلقة، نرى جيمس دين يمثل ثلاثة أفلام فقط، هي كل رصيده السينمائي. ثم يمنع المنتجون عنه ممارسة هوايته المفضلة وهي ركوب السيارات.. وما أن انتهى من تصوير فيلمه الأخير (العملاق)، حتى استقل سيارته (البورش) وطار بها نحو الموت. وصار، بعد الموت، أسطورة، وقلده كل الشبان المراهقين، في مشيته وحركاته وطريقة كلامه. - فاصل موسيقي - الامتحان العسير الذي كان على جيمس دين أن يخوضه - على خشبة مسرح "استديو اكتورز" لكي يصبح ممثلا معتمدا، اربكه كثيرا، ولكنه خرج منه بنجاح. ففي الموعد المحدد، كان على جيمس أن يؤدي دوره في مسرحية صغيرة مع "كريستين واينت"، كاتبة النص. وهي ممثلة شابة وشقرا، تحلم باعتلاء مسارح نيويورك الكبيرة. كان عليها أن تلعب دور فتاة صغيرة من الجنوب، بينما كان جيمس يمثل دور الشاب المثقف والطائش في الوقت نفسه. وكان على الاثنين أن يجتمعا في مشهد واحد، تحت أضواء خافتة، بينما النجوم تبدو كأنها ظل العاشقين على الأرض. - فاصل موسيقي - قبل اعتلاء جيمس نظارتيه، التي لا يستطيع من دونها، أن يرى أمامه لأبعد من مترين. كل ذلك، حتى، يرى وجوه النقاد، وأساتذة المعهد في الصالة، فيزداد ارتباكا وخوفا. وحتى يتجنب رؤية أحد، وقف جيمس في الظل، ولاذ بالصمت. وانزعجت شريكته من صمته، ثم تقدمت نحوه لتحثه على الكلام، وقبل أن تنطق بكلمة واحدة بادرها بالقول: (مرحبا). وانفجر الحاضرون بالضحك، ونجح المشهد، كما نجح جيمس كممثل، لما تميز به من أداء خاص وجيد. الأمر الذي جعل اللجنة الفاحصة تختاره مع شريكته من بين مائة وخمسين مرشحا. - فاصل موسيقي - وربما يعود سبب نجاحه أيضا، إلى قدرته على التعديل في الحوار، وحشريته الزائدة في التدخل بعمل المخرج، كأنه ممثل محترف و(عتيق) في المهنة. أو ربما لأنه كان يجذب كل الأنظار إليه، ما أن يعتلي خشبة المسرح، حتى ولو كان المسرح مليئا بالممثلين، أنها الشخصية المميزة التي تدخل قلوب الناس، دون أن يعرف سر نجاحها. تلك الشخصية التي وصفها بعض أقربائه بالقول إنها صفة تطاق فيه. وخلال تصوير فيلمه (جنة عدن) سار كل شيء على مايرام مع المخرج "ايليا كازان" وكذلك الأمر بالنسبة لفيلمه الثاني (حمى الحياة) مع المخرج نيكولاس راي. لكن الأمور ما لبثت أن ساءت قليلا مع المخرج الأخير الذي تعاون معه جيمس، وهو جورج ستيفنس، الذي لم يكن ليسمح لأحد بالتدخل في شؤونه مطلقا. كان حازما، متسلطا، ودقيقا جدا بالنسبة لكل تفاصيل عمله. وما على الممثلين إلا إطاعته الطاعة العمياء. في فيلمه الأخير (المارد) أو (العملاق)، كان كل من "اليزابيت تايلور" و "روك هيدسون" يطيعان أوامر المخرج دون نقاش. أما جيمس دين فلم يكن يطيق صبرا على البوح بفكرة ما تداعب خياله، حتى وصل الأمر بالمخرج، إلى أن صم إذنيه تماما عن سماع أي كلمة من جيمس. وبعد مرور سنوات عدة على إخراج فيلم (العملاق) اعترف المخرج بخطأه، وبصوابية آراء جيمس. - فاصل موسيقي - هل يكره جيمس جمهوره -------------------- عنوان فرعي - فاصل موسيقي - في عام 1955، أي سنة وفاته، بدأ عرض فيلم (جنة عدن) في نيويورك، دون أن يحضر جيمس افتتاح فيلمه، لأنه كان يكره على ما يبدو، تلك الدعاية التي ركزت عليه، كانسان ثائر، غريب ومتمرد. لذا كان جيمس يتحاشى سماع شيئين في حياته: صوت تصفيق الناس وهتافهم، وصوت الصحافة التي كرهها منذ البداية. ولكن جيمس دين، كان خائفا حقيقة، من ردة فعل الجمهور في تلك الليلة، ومن أقلام النقاد حتى إذا ما نجح الفيلم، هدأ روعه، واستكان خوفه بعض الشيء. في الفيلم الأول لعب جيمس دور "كال" الفتى المشاغب، والتائه، والباحث عن حنان أمه، تماما كما كان في الحياة، حين فقد مبكرا والدته التي تركته ورحلت مع الموت- واجمع النقاد على إن أداء جيمس كان رائعا- فقد لبسته هذه الشخصية المثيرة حتى الإتقان الغريب، لدرجة إن كل مراهق ما بين الخامسة عشر والعشرين من عمره، راح يقلد جيمس في حركاته، وطريقة كلامه .. كان نجاح الفيلم باهرا منذ الأسابيع الأولى لعرضه، مما حدا بالنقاد المتطرفين والمتزمتين إلى الوقوف بحيرة شديدة، أمام هذا المد الجماهيري، الذي التف حول جيمس. فكتبوا عن الفيلم وعن بطله كما لم يكتبوا من قبل. وهكذا وجد جيمس نفسه، وجها لوجه، أمام الشهرة. وكرس نجما سينمائيا منذ إطلالته الأولى. - فاصل موسيقي - الحب الأول يموت في المهد ----------------- عنوان فرعي - فاصل موسيقي - في تلك الحقبة من حياة جيمس السعيدة، التقى بممثلة إيطالية وشابةتدعى "إنجلي"، حيث بدت بالنسبة إليه، وحتى بالنسبة إلى صناع السينما في هوليوود، وجها واعدا، مميزا ويبشر بمستقبل سينمائي، ولكن هذه الفتاة العاقلة والهادئة ظاهريا، فرت من بين يدي جيمس بعد ثلاثة اشهر من تعارفهما. التركيبة الاجتماعية في هوليوود، صعبة القيادة، وشديدة التعقيد، بحيث لا تكاد تعثر على حب كبير إلا وينهار بعد سنة واحدة أو اقل. وجيمس دين الذي كان يفتش من خلال نسائه، على صورة والدته التائهة عنه منذ الصغر، كان لا يستقر في صداقاته على حال، ويتنقل كالغزال، أو كفراشة الحقل، بين واحدة وأخرى. أضف إلى ذلك إن حبه الأول من "انجلي" اصطدم بعقبة بيئة الفتاة المحافظة، التي رفضت جيمس جملة وتفصيلا، ووجدت فيه طفلا مراهقا، مشاكسا، لا أمل في إصلاحه. فانهار الحب منذ الصدمة الأولى، وافترق الصديقان إلى الأبد، لان طبيعة هوليوود وتركيبة مجتمعاتها المتداخلة و الصاخبة، تساعد المرء سريعا على النسيان أمام كل هذه الاغراءات التي تحملها في طياتها مدينة السينما هذه. في هوليوود، لا وجود للعواطف الحميمة، واللقاءات تقتصر فقط على العمل الذي لا يهدأ ليل نهار. كل شيء يختلط ببعضه، ليبدأ الحب بالانهيار بسرعة مدهشة، إلا إذا كان المرء يتمتع بشخصية نادرة، وقوية، عندها قد بصمد الحب وقتا أطول. ولكن كل شيء بعد ذلك، إلى انهيار. - فاصل موسيقي - مع ناتالي وود ------------------------------ عنوان فرعي - فاصل موسيقي - إنها المرأة الممثلة، التي توفيت وهي في الأربعين من عمرها، اثر حادث مأساوي أيضا تعرضت له، والتي لعبت دور البطولة إلى جانبه، في فيلمه الثاني (حمى الحياة). وهي المرأة ذاتها التي فتح جيمس قلبه لها، ولكن إلى حين، حيث تعرف بعد ذلك على اورسولا اندروس. وكأن جيمس يمر سريعا على كل واحدة من صديقاته، يمرر يده على وجوههن، حتى إذا ما وجد الشبه ضائعا وبعيدا عن وجه أمه، راح يتأبط اذرع فتياته العديدات، عله يعوض عن حنانه المفقود. إنها حالة اللاوعي التي سقط فيها جيمس دون أن يدري. ولعل هذا الملمح البسيط، ولكن على أهميته، هو الذي دفع بجيمس إلى أن يتخذ هذا الموقف من الموت، للإسراع للقاء والدته. كان جيمس دين قادرا على جذب انتباه الناس إليه في أي وقت. وحين صرح مرة بقوله: (لن أعيش أبدا، حتى الثلاثين من عمري)، نزل هذا القول في نفوس أصدقائه ومحبيه ومريديه، كالدهشة أو كالحلم أو كالاستغراب الشديد. إذ كيف يؤكد من كان بمثل عنفوانه، وشهرته ومجده، قولا يتعلق بالموت، الذي لا يرغب أحد في الاقتراب منه؟ لماذا كان جيمس دائما، على عجلة من أمره في كل شيء؟ لماذا كان هذا الجسد الطري المتناسق، يكاد لا يتسع لثيابه الرحبة والواسعة؟ بل لماذا كان عقل الصغير والمراهق، لا يستوعب فكرة الصبر مطلقا؟ - فاصل موسيقي - عاش جيمس أربعة وعشرين عاما، وهو يلهث وراء المجهول. كان يريد اكتشاف كل شيء بسرعة البرق. يقرأ كتابين أو اكثر في وقت واحد، رغم قصر نظره. يمارس عدة هوايات في وقت واحد، ثم يروح بعد ذلك، ليركب سيارته "البورش" ينطلق بها، بل يطير نحو العدم. وكأنه يفر من شيء ما، من صورة عالقة في ذهنه، حتى سبقه الموت أخيرا ولفه بسواده، بعدما محا من ذاكرته الطرية، كل الصور المعتمة والقلقة. ذات يوم، كان جيمس يتأمل تمثالا صغيرا، لرجل جالس القرفصاء. يضع إحدى يديه فوق قلبه، بينما استقرت الثانية فوق رأسه. فتأمل المنظر مليا ثم صاح: (انه ذاتي الأخرى). ومرة أخرى، طلب من مصور مجلة "لايف"، أن يلتقط له صورا، وهو ممدد في التابوت كالميت. لكن المجلة لم تجرؤ يومها على نشر مجموعة الصور هذه، لنجم الجماهير الذي شغل عواطفهم. فهل كان جيمس رجلا انتحاريا- إذا صح القول- ؟ هل كان يحب مداعبة الموت؟ أو هل كان حبه للسرعة، طريقة لا شعورية لتدمير ذاته؟ - فاصل موسيقي - العملاق .. حلم جيمس ----------------------- عنوان فرعي - فاصل موسيقي - أنهى جيمس تصوير فيلمه الثالث (العملاق)، و كان إنتاجا ضخما لشركة "وارنر" المعروفة، والتي حملته بعد ذلك، إلى مرتبة النجوم. كيف لا، وجيمس يشاهد نفسه أمام ليز تايلور وروك هيدسون مجتمعين؟ وكيف لا يأخذه العجب، وقد تحقق كل شيء له بسرعة الأحلام السعيدة؟ صحيح إن فيلم (العملاق) ترك الأثر الطيب في نفوس الجماهير، مثل فيلميه السابقين. ولكن أداء جيمس الرائع كان مفقودا في الفيلم، واندفاعه (الكلاسيكي) كان مفقودا أيضا، وذلك نتيجة توتر علاقته بالمخرج ستيفنس الذي حاصره من جميع الجهات، وجعله أداة تطيع أوامره فقط، ولا يحق لها أن تعترض. من هنا، دخل فيلماه السابقان، في خانة الأفلام (الكلاسيكية) الناجحة، رغم كلفتهما المتواضعة، بينما بقى (العملاق) يئن على هامش حياة جيمس الفنية، ولا تذكر حسناته إلا متى ذكرنا اجتماعه الرائع مع بطلين رائعين. - فاصل موسيقي - اللقاء مع الموت ----------------------------- عنوان فرعي - فاصل موسيقي - من كان يرى جيمس دين، أبان تصويره (العملاق) كان يرى في الوقت ذاته، نفسية حزينة، متعبة ومكبلة. فقد منع عنه منتجو الفيلم الاشتراك في سباق (البالم- سبربنفس) للسيارات، خوفا عليه من تعرضه لأي أذى، يؤجل تصوير الفيلم، أو يلغيه تماما. لذلك، وما أن انتهى من تصوير فيلمه الأخير، حتى قرر جيمس العودة إلى ممارسة هوايته المفضلة، وأغراه سباق السيارات الذي سيقام لاحقا في (ساليناس). فسجل اسمه بين عداد المتسابقين، بعد أن كتب على سيارته (البورش) الجديدة الرقم 130. وقبل يومين من بدء موعد السباق، وبالتحديد يوم الأربعاء في الثامن والعشرين من أيلول، انطلق جيمس بسيارته من (لوس انجلوس) إلى (ساليناس)، ولم يهتم جيمس أبدا للشرطة التي أوقفته مرارا على الطريق، لتجاوزه السرعة المحددة، بل اكمل سيره، واضعا نصب عينية الوصول في الموعد المحدد. وفي اليوم التالي وعند حوالي الساعة الخامسة والدقيقة الخامسة و الأربعين، وقبل المغيب بقليل، وصل جيمس إلى تقاطع أحد الشوارع الرئيسية. ثم ما لبث أن ظهرت سيارة (فورد) أمامه من الناحية المقابلة، وتأهبت للالتفاف نحو اليسار. وبالكاد، سمح له الوقت أن يقول لرفيقه المساعد، والجالس قربه: (سيرانا هذا السائق بالتأكيد، وسيتوقف) حتى انتهى كل شيء. - فاصل موسيقي - لم يتوقف سائق سيارة (الفورد)، وهو تلميذ شاب في الثالثة والعشرين من عمره، بل لم ير السيارة آلاتية إليه بسرعة الريح، وتلاقت السيارتان وتعانقتا عناق الموت، وألقت الصدمة القوية مرافق (البورش) إلى الخارج، بينما بقى (الأسطورة) وراء مقوده، وقد دق عنقه، وهو يتحمل الألم لهنيهات، قبل أن يستقر جسده الناعس وسط كومة من الحديد الذي لا شكل له سوى شكل العبث والجنون، ولا رائحة له سوى رائحة الموت. توفي جيمس دين على الفور، ونجا صديقه الذي قال فيما بعد: (إن جيمس لم تسنح له فرصة استعمال فرامل سيارته، بل لم يستطع توجيه مقود السيارة إلى الجهة المعاكسة. لان ثواني الصدمة الرهيبة، كانت كافية لفصل الحياة عن الموت). - فاصل موسيقي - ولادة الأسطورة ---------------------------- عنوان فرعي - فاصل موسيقي - وهكذا ولدت الأسطورة، بطريقة عفوية، ودون سابق مثيل لها في عالم السينما. كان موت جيمس دين، صدمة عنيفة، هزت مراهقي العالم، بالرغم من انه لم يكن معروفا إلا من خلال فيلم واحد فقط. أما الفيلم الثاني، فقد بدأ عرضه في اليوم الذي كان فيه والد الممثل الشاب بنقل جثمان ولده إلى (فيرمونت) مثواه الأخير. أما فيلمه (العملاق) فكان ما يزال يخضع لعملية المونتاج. في الثامن من تشرين الأول من عام 1955، احتشد في مدينة (فيرمونت) الصغيرة، ثلاثة آلاف شخص، ليشيعوا البطل الذي مر في حياتهم كنسمة هواء صيفية، رحل جيمس أخيرا إلى بلدته التي أحبته، واهتدى إلى حضن أمه التائه عنه منذ أن تركته صغيرا وارتمى إلى جانبها بكل الحنان المفقود، وراح الجسد الطري والمضرج بالدماء، يتنشق عبير الأزهار من جديد، ويشم رائحة الأرض من جديد، وليعود فلاحا كما ابتدأ، وليعود إلى الظلمة كما ولد. هناك، وسط هذه الجموع، كان يقف أيضا صديقه الكاهن، الذي حبب إليه هواية السيارات، وهو ينتحي جانبا، ويبكي صديقه بصمت، دون أن ينسى لوم نفسه. - فاصل موسيقي - وبدأ جنون جيمس دين بالانتشار في العالم كله، بدأ ألوف الشبان بتقليد الشاب الراحل. وكانت شركة (وارنر) تتلقى سنويا ملايين الرسائل الموجهة إلى نجمهم الغائب، حتى اضطر بعض الأصدقاء إلى إنشاء جريدة خاصة بمعجبيه، الذين زادهم خبر الموت أسى وغرابة ودهشة، حتى ظن بعض المتعصبين له، إن جيمس لم يمت، وان بطلهم غائب في مكان ما عن الأنظار، وسيعود للظهور في الوقت المناسب. وبعد مرور ثلاثين عاما على وفاته، يأتي إحصاء أخير اجري على شبان وشابات الولايات المتحدة، لصالح جيمس دين، حين قالوا بصوت واحد: (انه بطل جيلنا، ورمز طموحنا). وهكذا لا يزال جيمس دين حيا في ذاكرة الجيل الذي لم ينس له رؤيته. ما يزال كما هو، بمشيته المترددة، وعينيه الزرقاوين القلقتين والحزينتين، وجسده الناحل وحبه المستحيل، وهوسه بالسرعة، وبحثه الدائم عن الحنان المفقود. - فاصل موسيقي - وفي آخر لقاء صحافي اجري معه، قال جيمس دين وقتها: (لم يدفعني أحد كي اصبح ممثلا. على أي حال، ليس هناك أي إنسان مستعدا لمساعدتك.. يجب على الإنسان أن يبني نفسه بنفسه. إنني احمل في قلبي حبا كبيرا للكتابة. حيث تأتيني الرغبة الجامحة كأنها الحلم، ثم تتلاشى وسط مشاغلي المتعددة. يبدو أن الوقت ما يزال مبكرا لممارسة هوايتي هذه. ربما، سأكتب ذات يوم، قبل أن …) ولم ينه جيمس عبارته، لأنه كان على عجلة من أمره. والآن عزيزي المستمع .. نتوقف هنا لنلتقي بك في حلقة جديدة ولقاء جديد مع نجم آخر.
برنامج مشاهير - الحلقة 46 - إعداد : حسن حداد نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بأن نلتقي بكم في حلقة جديدة من برنامجنا الأسبوعي (مشاهير)، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله. - فاصل موسيقي - عزيزنا المستمع .. نجمنا لهذه الحلقة هو الفنان الكبير أنور وجدي .. هذا الفنان السوري الأصل الذي شغل السينما المصرية، وملأ حياتنا سينما. الفنان الذي أسرع في اللمعان والإنطفاء. - فاصل موسيقي – الفنان أنور وجدي توفي في الخامس عشر من أيار (مايو) 1955 بعدما شغل السينما المصرية طوال ربع قرن. بدأ حياته كومبارسا، فممثلا ثانويا ثم بطلاً للعديد من الأفلام، وتميزت حياته بالعنف فأثار الأحزان في أفلامه ورحل بسرعة. أعطى حياته كل شيء ولم ينعم باي شيء، كان يعيش على الكفاف ودعا الله ان يرزقه، فرزقه الله وبات صاحب ثروة وأغنى فنان في تاريخ السينما المصرية ولكنه رحل بعد اصابته بمرض خبيث. - فاصل موسيقي – الأصل .. سوري -------------------------------- عنوان فرعي - فاصل موسيقي – وأنور وجدي هو اسم الشهرة الذي صاحبه في رحلة الربع قرن لكن البطاقة تقول: انه انور يحيى حامد وجدي الفتال من مواليد 7/8/1908، والدته مهيبة هانم مصرية ووالده من عائلة الفتال من حلب، كان يعمل في نسج وفتل الحرير وله ثلاث شقيقات، وقد استقرت الأسرة بعد وصولها بالقطار من سورية في حي الظاهر الذي كان يطلق عليه اسم حي اليهود، وعمل الأب "كومسيونجي" في بعض انواع البضائع. - فاصل موسيقي – وكان ترتيب انور وجدي الرابع والأخير بعد شقيقاته الثلاث، فلم ينجب والده من الصبيان غيره فعاش مدللا ومحاطا بحنان وحب خاصين، وحين بلغ سن المراهقة اختار ملكة جمال الحي لكي يقيم معها علاقة وكانت في الرابعة عشرة رائعة الجمال تتباهى أمام الجميع، وقد حاول شبان الحي منافسته في حب الفتاة التي كانت يهودية الديانة الا انها اختارت انور وجدي الذي كان "دونجوان" الحي واخذا يتنزهان في الحدائق يتبادلان عبارات الحب والغرام على طريقة السينما المصرية، وحين اكتشف الأب قسا على ابنه، لكن انور وجدي استمر في سيرته وتعلق بفتاة يهودية ثانية تعمل في احد بيوت الأزياء في شارع فؤاد الأول وتتابع دراستها في المدارس المسائية. - فاصل موسيقي – وتعقدت حياة الأسرة فقرر انور وجدي الاتجاه الى التمثيل حلم حياته، واختار فرقة الشيخ احمد الشامي الذي كان يسكن في الحي نفسه، فالتحق بفريق الهواة وتمكن من الحصول على "جرعة" من التمثيل مكنته من العمل في الفرق الأكبر انتشارا في شارع عماد الدين، وفي مقدمها فرقة رمسيس اذ كان مبهورا بعميدها يوسف وهبي. - فاصل موسيقي – في البداية، اصر على لقاء يوسف وهبي، وتمكن من ذلك عن طريق الريجيسير قاسم وجدي الذي قدم معظم نجوم ونجمات السينما والمسرح منذ فترة العشرينات فوافق وهبي على ان يقوم الموهوب الصغير بدور كمبارس في مسرحية "راسبوتين"، دور شاب كسيح يحمله أهله الى بيت راسبوتين لمنحه بركاته التي تؤدي الى الشفاء، ونجح في الدور الذي كان يعتبر ثانويا وقفزت اجرته الى ستة جنيهات في الشهر، ثم أتته الفرصة الذهبية في السينما عندما قدم دورآ في فيلم (الدفاع) عام 1935، بترشيح من يوسف وهبي، وعلى الرغم من ان الفيلم سقط جماهيريا الا انه كان البداية والبصمة على الشاشة فتمكن انور وجدي من القيام بأدوار أخرى ثانوية. - فاصل موسيقي – في الثلاثينات قرر الانفصال عن عائلته والعيش منفردا على الطريقة الاوروبية، فكان يسكن على سطوح العمارات، وقد تعرضت احداها للانهيار ونجا من الموت باعجوبة، اذ انهارت بعدما غادرها بدقائق في الصباح الباكر لحضور احدى البروفات، وطرد مرة من محل اقامته، ومرة حاولت صاحبة منزله ان تتزوجه وهي في عمر والدته. وهناك عشرات من القصص التي تعبر عن مدى المعاناة التي كان يلاقيها في بدايات حياته الفنية، ولكن انور وجدي لم ييأس اطلاقا، وظل بعد نجاحه يردد هذه الذكريات بل يسجلها كمحور افكار في افلامه. - فاصل موسيقي – كان لطول عيشه على اكل الفول والطعمية يصيح قائلاً (من ياخذ مني الصحة ويعطيني فلوساً !!). واستجيبت دعواته فانهالت الفلوس عليه لكنه فقد صحته يوما بعد يوم وأصيب بمرض السرطان فقال في أيامه الأخيرة وهو على فراش الموت: (يا رب خذ فلوسي كلها وأرجح لي صحتي، سأتبرع بعمارتي للطبيب الذي سيخلصني من عذاب المعدة). وراح بعد ذلك في غيبوبة الموت. - فاصل موسيقي – أسرار جديدة -------------------------------- عنوان فرعي - فاصل موسيقي – حياة انور وجدي مليئة بالأسرار الفنية والشخصية التي كان لا يعلم بها الا المقربون منه فقد كان يعاني من حالة وسوسة ويخشى انتشار اخباره التي كانت تملأ الصحافة الفنية في ذلك الوقت (السينما، الاستديو، الاتنين والدنيا، الناقد، الكواكب، الفن، مسامرات الجيب وغيرها) التي كانت تبحث عن شيء واحد اسمه "الأسرار". والسر الذي كان لا يعلمه غير ثلاثة فنانين فقط هم اسماعيل يس ويحيى شاهين واستيفان روستي رفاق الاقامة على سطوح العمارات ان انور وجدي تزوج ثلاث مرات من جميلات السينما المصرية: الهام حسين وليلى مراد وليلى فوزي، لكن هناك زواج آخر كان سريا وكان الأول واستمر لمدة عامين فقط مع فتاة يهودية اسمها ماريا، وسبب سرية الزواج ان انور وجدي كان في بداية حياته الفنية يخشى ان ينال أحد منه كما ان أهله سوف يرفضون هذا الزواج غير المتكافئ. - فاصل موسيقي – غزل البنات -------------------------------- عنوان فرعي - فاصل موسيقي – أعمال انور وجدي السينمائية غزيرة وأكثرها جيد ينتمي الى كلاسيكيات السينما المصرية في الاربعينات. انتقل انور وجدي من صفوف الكومبارس الى مقاعد القمة والفتى الأول، وبقي حتى وفاته لم ينافسه أحد لكونه يمتلك المؤهلات المطلوبة للفتى الأول. - فاصل موسيقي – بدأ بفيلم (الدفاع) أمام أمينة رزق و(بياعة التفاح) مع عزيزة أمير، ثم اشتهر في السينما بالاسم الذي اختاره له قاسم وجدي صاحب الفضل في اطلاقه مسرحيا وسينمائيا، ولعب بعد ذلك دوراً مهماً في (العزيمة) مع فاطمة رشدي. وفي (عروسة للايجار) مع ليلى حلمي شقيقة ثريا حلمي المنولوجيست الشهيرة، وبعد ذلك بلغ رصيده السينمائي عند وفاته: ثمانية وأربعين فيلما في ثمانية واربعين عاما، وأشهر هذه الأفلام: - فاصل موسيقي – (قضية اليوم، الزلة الكبرى، أنا وابن عمي، الحياة كفاح) مع عقيلة راتب، و(انتصار الشباب، غرام وانتقام) مع اسمهان، (كدب في كدب) مع ببا عزالدين، (القلب له واحد) مع صباح، (قبلة في لبنان) مع مديحة يسري، (احب البلدي، ليلة الجمعة) مع تحية كاريوكا، (مدينة الغجر) مع فاطمة رشدي (رجاء) مع رجاء عبده، (بين نارين) مع راقية ابراهيم، (قتلت ولدي) مع زوزو ماضي، (ليلى بنت الفقراء، ليلى بنت الأكابر، عنبر، غزل البنات) مع ليلى مراد، (فاطمة) مع ام كلثوم، (أمير الانتقام) مع سامية جمال، (ليلة الحنة) مع شادية،، (شباك حبيبي) مع نور الهدى،، (النمر، اربع بنات وضابط) مع نعيمة عاكف، (ريا وسكينة) مع نجمة ابراهيم، (دهب) مع فيروز، (قلوب الناس) مع فاتن حمامة، (خطف مراتي) مع ليلى فوزي. - فاصل موسيقي – ويرجع مؤرخو السينما المصرية أسباب نجاح انور وجدي الى الآتي: - انه كان يتمتع بجسم قوي وفارع الطول وذي وجه مبتسم. - التجديد كان من طابعه، فلم يحبس نفسه اطلاقا داخل دور معين او شخصية محددة وخلال فترة سيادته على السينما المصرية قام بأدوار: ضابط الشرطة- الصحافي- الفنان- رجل الاعمال- ابن الباشا- الميكانيكي- رجل الأمن- السياسي- المهرج. - كان فنانا شموليا، فقد أدى ادوار التمثيل، كما قام بالانتاج والتوزيع وكتابة القصص والسيناريو والحوار واخيرا الاخراج وتصميم ملصقات الافلام. - ايمانه بالأعمال الضخمة المليئة بالفنانين الكبار للسيطرة على شباك التذاكر مثل فيلم "غزل البنات"، الذي حقق أرباحأ وصلت الى نصف مليون. - كان نموذجا فريدا للبطل الهوليوودي الذي تتميز ملامحه بالوسامة ويرتدي الملابس الفاخرة ويستخدم السيارات الفارهة ويحب الفتيات الجميلات وينتمي الى عائلة عريقة. - فاصل موسيقي – أنا قلبي خالي -------------------------------- عنوان فرعي - فاصل موسيقي – ولم يفتقد انور وجدي الخصوم الكثر الذين رددوا انه (كان يوظف الجو المحيط به لصالح احلامه وأماله الخاصة، مما جعله شخصية أنانية جد وبخيلة جدا). وردد هؤلاء الخصوم ان زواجه من ليلى مراد كان بمثابة جواز سفر الى الملايين، الى حد ان صورة الزفاف التى التقطت في الاستوديو ونشرت في الصحف كانت في ذلك الوقت اعلانا غير مباشر لفيلم (ليلى بنت الفقراء)، وبعد الاعلان عن الزواج والفيلم معاً شن بعض النقاد حملة لا هوادة فيها عن التفاوت بين الزوجين والابعاد الحقيقية لهذا الزواج، فقد ربح انور وجدي خمسين الف جنيه من فيلمه الأول مع عروسته ليلى مراد، وأتبعه بفيلم، (ليلى بنت الأغنياء) وأصبحت ليلى مراد هي الدجاجة التي تبيض ذهبأ لأنور وجدي. - فاصل موسيقي – وأخبار الفنانين الزوجين لم تكن مجال اهتمام الجماهير والنقاد والصحافة الفنية فحسب بل وصلت الى سراي عابدين والملك فاروق الذي دعا ليلى مراد الى رحلة بحرية لصيد البط وأرسل لها احمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي ليحمل لها رغبة الملك في ان ترافقه مع الحاشية الى مديرية الشرقية فاعتذرت قائلة: بارك لي يا باشا - على ماذا يا ليلى؟ - انور خطبني امس فقال احمد حسنين: - الملك سيقوم غدا برحلة صيد للبط، ويسرني دعوتكما في هذه الرحلة. ووافق انور وجدي قائل: - إن الرحلة ستكون مناسبة لدعوة الملك الى حفلة عقد القران. - فاصل موسيقي – وتم عقد القران في15/6/1945 مرتين، الأولى في استوديو مصر، والثانية في عمارة الايموبيليا في شارع مظلوم باشا. وقيل ان العروسين انتقلا في منتصف الليل الى كازينو وبرج الاهرام لاستكمال حفلة الزفاف التي تصدر المائدة الرئيسية فيها الملك فاروق. بعد الزواج ظهرت النوايا الحقيقية لأنور وجدي: عقد احتكار لشركة اغضب الزوجة وجعلها تلجأ لاحقاً الى ممثلين أخرين اكثر وسامة منه، ومنهم: حسين صدقي واحمد سالم. فمع انور وجدي قامت ببطولة الافلام التالية: ليلى بنت الفقراء (20/11/1945)، وليلى بنت الأغنياء (28/10/1946، وقلبي دليلي (6/10/1947)، وعنبر (1/11/1948)، وغزل البنات (26/9/1949)، وحبيب الروح (8/10/1951)، وليلى بنت الأكابر (9/2/1953). - فاصل موسيقي – وبعد الفيلم الأخير شابت حياة الزوجين مصاعب أبرزها طلب انور وجدي استمرار الاحتكار الفني وشدة غيرته وعصبيته لعدم الانجاب منها ولجوء الزوجة الى ممثلين آخرين ونجاحها معهم، كما في فيلمي (الماضي المجهول) و(شاطىء الغرام). وأتى رد انور وجدي على طلب ليلى مراد انهاء الحياة الزوجية والسينمائية عنيفا وخطيرا، وتمثل في الاتجاه الى ليلى أخرى أكثر جمالا وشهرة هي ليلى فوزي واطلاقه التصريحات انه طلب حق اللجوء الى ليلى أخرى طلبا للانجاب، واعلانه ان زوجته الجديدة حامل فيما تبين ان الحمل كاذب، فاصيب بنكسة وبدأت علامات المرض الخبيث تظهر عليه. - فاصل موسيقي – ويتحدث البعض عن مسؤولية انور وجدي في اطلاق الاشاعة البشعة التي تقول ان ليلى مراد سافرت سراً الى اسرائيل وقدمت معونة لجيشها قدرها نصف مليون جنيه وغنت في حفل ترفيهي لهذا الجيش، تلك الاشاعة أطلقها الزوج السابق في لحظة طيش الا انها قضت على اسطورة ليلى مراد كفنانة وأجبرتها وهي في سن السادسة والثلاثين على الاعتزال، ودخلت ضمن جدول مقاطعة اسرائيل حتى تم رفع اسمها بمبادرة من الرئيس جمال عبدالناصر اثناء محادثات الوحدة بين مصر وسورية. - فاصل موسيقي – وبعيدا عن المهاترات الشخصية التي يتميز بها الوسط السينمائي المصري، الا ان انور وجدي كان فنانا بمعنى الكلمة وممثلا سينمائيا ومؤديا لأدوار الدنجوان والحبيب المجهول والشرير، فقد كان مدرسة سينمائية نادرة التكرار. وانور وجدي اول من قدم ثنائية الفنانين الزوجين في فيلم واحد، وتبعه بعد ذلك: محمد فوزي ومديحة يسري، صلاح ذو الفقار وشادية، نور الشريف وبوسي، محمود يس وشهيرة، حسين فهمي وميرفت امين، والظاهرة مستمرة حتى اليوم. والآن عزيزي المستمع .. نتوقف هنا لنلتقي بك في حلقة جديدة ولقاء جديد مع نجم آخر.
برنامج مشاهير - الحلقة 47 - إعداد : حسن حداد نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بأن نلتقي بكم في حلقة جديدة من برنامجنا الأسبوعي (مشاهير)، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله. - فاصل موسيقي - عزيزنا المستمع .. نجمتنا لهذه الحلقة هي الفنانة الكبيرة نعيمة عاكف .. الفنانة الشاملة التي رحلت في أوج عطائها. - فاصل موسيقي - فالفنانة نعيمة عاكف ما تزال ألمع نجمة شهدتها فنون الاستعراض على الرغم من مرور حوالي ربع قرن على رحيلها، وظهور أسماء كثيرة في مجال الفن الاستعراضي، إلا أن هذه النجمة المتعددة المواهب بقيت حالة خاصة في سماء الفنون الاستعراضية، ويؤكد ذلك استمرار إقبال الناس على مشاهدة أعمالها على أشرطة الفيديو. فقد تركت نعيمة عاكف اثنين وعشرين فيلماً سينمائياً، وأربع أوبرتات مسرحية، وكانت هذه النجمة نموذجاً للفنانة الشاملة التي تجيد الغناء، وصاحبة حضور قوي في تمثيلها، بالإضافة إلى قدرتها الهائلة على التعبير عبر الرقص الشرقي والغربي، بحيث كانت قدراتها الفنية الشاملة والمتكاملة تجعلها أقرب ما تكون إلى قدرات النجمة العالمية (ليز منيللي) التي يضرب بها المثل في هذا المجال. - فاصل موسيقي - لقد كان المجهود الشخصي والتعبير الموهوب هما وسيلة نعيمة عاكف للقفز إلى أعلى منحنيات الإبداع الاستعراضي في عالم السينما الذي دخلته بنجاح، وعالم المسرح الذي اقتحمته باقتدار، بينما يظل نجاح غيرها من ذوات النشاط الموسمي في الأعمال الاستعراضية التي تقدم في الفترة الأخيرة، يحظى بجانب القدر الأقل من الموهبة ومن عدم توافر ملكات التعبير الغنائي أو الأداء الإيقاعي على فرص أخرى مكملة تتمثل في كل حيل وألعاب فنون الشاشتين الكبيرة والصغيرة، بل وإضافات المسرح السحري والمسرح الأسود إذا قدر لها أن تستخدم في عالم المسرح الاستعراضي أيضا. - فاصل موسيقي – فنانة عالمية ------------------------------------ عنوان فرعي - فاصل موسيقي – لقد حصلت نعيمة عاكف، المولودة في أكتوبر- تشرين أول- عام 1932 على جائزة ولقب أحسن راقصة في العالم في نطاق مسابقة مهرجان الشباب العالمي الأول الذي عقد عام 1957 في موسكو، عاصمة الاتحاد ا لسوفيتي. ويتذكر الناقد الراحل سامي السلموني، عندما يتحدث عن الفنانة نعيمة عاكف، فيقول: اذكر خلال زيارتي منذ عشر سنوات لمسرح "البولشوي"، أحد اشهر واهم المسارح في تقديم أعمال الباليه في العالم، أن قمت بزيارة المتحف الملحق بالمسرح، وقبيل أن يبدأ عرض باليه "بحيرة البجع" رائعة الموسيقار الروسي تشايكوفسكي، وجدت في القاعة المجاورة لهذا المسرح لوحة كبيرة تنتمي لفن "البورتريه"، موضوعة علي الجدران وسط عشرات اللوحات الأخيرة. إلا إن هذه اللوحة بالذات اسرتني وشعرت أنها قريبة مني، وأحسست بشعور من الألفة يجذبني إليها ولم اكن قد عرفت بعد من هي صاحبة الصورة؟ - فاصل موسيقي – ويواصل الناقد السلموني، فيقول: وباقترابي من اللوحة، ظهرت الدهشة على ملامحي، فقد كانت صاحبتها شديدة الشبه بالنجمة الراحلة نعيمة عاكف، ولم اكن قد فهمت ما دون تحت الصورة باللغة الروسية التي لا أجيدها ولا أعرف حروف كتابتها المسماة الحروف (السيريلك)، وهي غير الحروف "اللاتينية" التي نعرفها في منطقتنا العربية. انصرفت إلى بقية معروضات متحف مسرح "البولشوي"، وسرعان ما أفقت على اسم "مصر" تردده المرافقة التي تصاحب الزوار الأجانب، وهي تترجم باللغة الإنكليزية الكلمات المدونة اسفل اللوحة الكبيرة التي بهرتني بملامحها الشديدة الألفة والطيبة والود والتعبير العربي البحر متوسطي الذي يظلل كل ملامحها. قالت المترجمة الروسية في عبارات موجزة : "هذه نعيمة عاكف.. الراقصة العربية التي كانت نجمة الفرقة التي جاءت من مصر في أسبوع الشباب العالمي في موسكو، وقد اختيرت من قبل لجان التحكيم كأفضل راقصة في العالم في هذا المهرجان العالمي الذي اشترك في نشاطاته فنانو خمسين دولة". - فاصل موسيقي – ويضيف السلموني: وما أن انتهت المترجمة الروسية من كلماتها حتى بادرني صحافي من النمسا كان ضمن الوفد المتعدد الجنسيات، والذي كنت عضوا فيه، فسألني : "كيف لم تتعرف علي "ايزادورا" العربية؟ وكيف لم تعرف إن هذه اللوحة هي لهذه الفنانة العربية التي حققت كل هذا النجاح العالمي؟ " واذكر إنني أجبته بصراحة بان ما سمعته كان مفاجأة لي، ولعلها ذاكرتنا العامة الضعيفة التي لم تذكر هذا لنعيمة عاكف في أي من مناسبات مرور ذكرى رحيلها عن الحياة. (وكاتب هذه السطور معذور، فقد جرت واقعة تقليد نعيمة عاكف جائزة افضل راقصة في المهرجان الدولي للشباب عام 1957 وهو دون العاشرة). - فاصل موسيقي – لهاليبو .. خفيفة الظل ---------------------------- عنوان فرعي - فاصل موسيقي – إن اجمل ما قيل في نعيمة عاكف، تلك السطور التي كتبت عنها في مجلة "المصور" عقب رحيلها عن الحياة في الواحد والعشرين من نيسان (أبريل) 1966، حيث قال عنها ناقد مجلة المصور: "لهاليبو.. فقدناها قبل أن تشبعنا بفنها.. فتاة السيرك.. سيدة الاستعراض.. ابنة البلد خفيفة الظل.. العفريتة.. اللهلوبة.. التي ترقص وتغني وتقدم "الاكروبات".. تتشقلب لتقتحم المصاعب والأخطار لتحيطنا دائما بذلك الإحساس الغامر بالسعادة.. هذه هي نعيمة عاكف ". ومن الكلمات الجامعة التي قيلت في نعيمة عاكف أيضا، ما قالته عنها نجمة التمثيل فاتن حمامة: "إنني أتتذكر حوارا عنها قاله المخرج هنري بركات، هو توصيف دقيق لها ولفنها، فهو يرى إن مستلزمات النجاح في السينما تجتمع في نعيمة عاكف، فهي تجيد مجموعة من ألوان الرقص والألعاب البهلوانية فضلا عن جمال صوتها وصلاحية وجهها للتعبير والتصوير". - فاصل موسيقي – أما نجمة الغناء والتمثيل شادية، فقد قالت في تحقيق عن نعيمة عاكف، كتبه المؤرخ الفني الراحل حسين عثمان لمجلة "الكواكب" في الخامس والعشرين من نيسان (أبريل) 1966 : "إن نعيمة عاكف تمتاز بخفة ظل شديدة وقدرة خارقة على اجتذاب قلوب المشاهدين، وهي ذات ذكاء ملتهب، تدرك ذلك من بريق عينيها واتجاه نظراتها ومخارج ألفاظها وجمل حوارها، وهي جريئة للغاية حتى إنها لا تخاف من المخاطرة بحياتها في سبيل إيمانها بالحق كما تراه، وهي وفية تتذكر كل من أخذوا بيدها لتصبح نعيمة عاكف التي يحبها الناس؟ ". لقد ظلت نعيمة عاكف هكذا، وكما رسمت شادية صورتها خلال هذه الكلمات المعبرة، ظلت نعيمة عاكف بالملامح نفسها من البداية وحتى النهاية، منذ اكتشفها المخرج عباس كامل في أواخر الأربعينات والتقطها من "سيرك عاكف"، حيث كانت تلعب أعمال الاكروبات وحركاته الصعبة، ولكي يتبنى مواهبها شقيقه المخرج حسين فوزي الذي صنع مجده في الفيلم الاستعراضي من خلالها ومن خلال ما صنعه لها في أفلامها، وحيث حدد لها في هذه الأفلام نمطا خاصا في إطار عام، لم تلعبه ممثلة قبلها ولا بعدها حتى اليوم. - فاصل موسيقي – بدأت نعيمة عاكف رحلتها القصيرة مع الحياة والشهرة والمتعة والألم، منذ مولدها في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) عام 1932، في مدينة طنطا عاصمة محافظة الغربية في وسط دلتا النيل بجمهورية مصر العربية. وهي تنتمي لأسرة تعمل بالسيرك وتتحرك تبعا لنشاطاته في المدن الكبرى في مصر وخارجها من الأقطار العربية المجاورة، في فلسطين وسوريا ولبنان وليبيا والسودان. - فاصل موسيقي – بدايتها في السينما -------------------------------- عنوان فرعي - فاصل موسيقي – عاشت نعيمة عاكف طفولتها في حي "باب الخلق" بمدينة القاهرة، حيث كان يقيم جدها إسماعيل عاكف مدرب الجمباز واللياقة البدنية في كلية الشرطة. وعندما ترك جدها الشرطة، أسس السيرك الشهير المسمى "سيرك عاكف" والذي كان اشهر فرقة من فرق الاستعراض وترويض الوحوش وتقديم العاب الجمباز والاكروبات في مصر. ومن خلال عروض هذه الفرقة، وعلى كورنيش البحر المتوسط بمدينة الإسكندرية، اكتشف المشاهدون الموهبة الخارقة للفتاة الصغيرة، والتي انبهر بها رسام الكاريكاتير والمخرج الجديد- وقتها- عباس كامل، فقدمها لشقيقه المخرج حسين فوزي، الذي انتقل بها من عالم السيرك إلى عالم السينما، وحيث تحولت علاقته بها من علاقة الاكتشاف والتبني الفني إلى علاقة حب وزواج، على الرغم من فارق العمر الكبير بينه وبينها، وبعد ذلك احتكر جهودها الفنية، وقدمها في انجح الأفلام الاستعراضية. - فاصل موسيقي – كانت البداية في فيلم "العيش والملح" أمام حسن فايق وعباس فارس ومختار حسين ولولا صدقي والمطرب سعد عبد الوهاب، وحيث قدمت نعيمة عاكف دور الفتاة الصغيرة الطماحة، المحبة والمخلصة والمتفانية في إسعاد حبيبها، والمتمسكة بالخصال والطباع التي تميز شهامة البسطاء من أبناء البلد. ويزداد معدل النجاح في فيلمها الثاني "لهاليبو" وهو أول فيلم يلعب بطولته شكري سرحان، وفيه قدمت شخصية فتاة الاستعراض وأيضا الفتى المراهق المدلل. ويتدعم النجاح في الفيلم الثالث "بلدي وخفة" ثم يتأكد هذا النجاح في فيلم "بابا عريس"، أول فيلم عربي بالألوان. وتظل نعيمة عاكف نجمة لأفلام حسين فوزي التالية : فرجت- فتاة السيرك- النمر- يا حلاوة الحب- جنة ونار- مليون جنيه. حتى تقف أمام مخرج أخر هو الفنان أنور وجدي في فيلم (أربع بنات وضابط) والذي مثلت فيه شخصية الفتاة، نزيلة مدرسة لرعاية الأحداث، وكان من زميلاتها في هذه المدرسة الإصلاحية كل من رجاء يوسف وعواطف يوسف (كان اسمهما وقتها رجاء وعواطف) وأيضا، لبلبة ووداد حمدي. وبعد هذا الفيلم الذي عرض عام 1954، قدمها المخرج كامل التلمساني عام 1955 في فيلمه "مدرسة البنات"، في دور فتاة تعيش في معهد يتضمن إقامة داخلية إلى جانب التعليم وتتعرض لضغوط من عمها الصعيدي للزواج من ابنه طمعا في الميراث، ولكنها ترفض الأموال في مقابل الفوز بقلب حبيبها كمال الشناوي. - فاصل موسيقي – في تلك الفترة قدمت نعيمة عاكف أيضا أحد ابرز واهم أفلامها، وهو فيلم (عزيزة) الذي قدمت فيه شخصيتين. الأولى الأخت الكبيرة المضحية، والثانية الأخت الصغرى البريئة التي لا تعرف أي قدر عن تضحيات ومعاناة أختها الكبرى من أجلها. وفي الفيلم وقعت الأخت الكبرى في غرام عماد حمدي، بينما وقعت الأخت الصغرى في غرام شكري سرحان، وكان عنصر الشر في الحالين الفنان فريد شوقي. ويعد فيلم (تمرحنه) الذي لعبت بطولته نعيمة عاكف، من أهم الأعمال التي قدمتها في السينما من إخراج حسين فوزي، وهو أول فيلم تظهر فيه المطربة فايزة احمد في السينما عام 1957، حيث غنت "يامه القمر ع الباب" و"يا تمر حنه" وهما الأغنيتان اللتان صحبتهما بالرقص نجمة الفيلم نعيمة عاكف. - فاصل موسيقي – عام 1958 ينتهي التعاون بين نعيمة عاكف والمخرج حسين فوزي، ويكون فيلم النهاية لهذا الارتباط ،الذي بدأ عام 1949 بفيلم (العيش والملح) في فيلم (احبك يا حسن) وحيث شهد تصوير هذا الفيلم الذي شارك في بطولته شكري سرحان (لعب دور البطولة في غالبية أفلام نعيمة عاكف) نهاية الارتباط الذي جمع نعيمة عاكف بزوجها الأول المخرج حسين فوزي، وحيث تنفصل عن مكتشفها ومخرج غالبية أفلامها من دون أن ترزق منه بأولاد، وحيث تتزوج بعد ذلك في الستينات من زوجها الثاني الذي أنجبت منه ابنها الوحيد الذي ورث عن أمه الموهبة الفنية.. فبدا عازفا صغيرا على ألاورغ ثم درس التوزيع والتأليف الموسيقي، وهو الآن من أنشط وأبرع من يعملون في حقل التوزيع الموسيقي. على ذكر الموسيقى والتأليف الموسيقي، فمن المعروف إن نعيمة عاكف كانت من اكثر نجمات الاستعراض حظا في الحصول على مقطوعات موسيقية خاصة بها، لترقص عليها في السينما أو على خشبة المسرح، وعلى نحو نتأمله في موسيقى "عزيزة"، لمحمد عبد الوهاب - "يا حلاوة الحب" لمحمد فوزي - "التمر حنة" لعلى فراج - "بنت بحري" لعطية شرارة - "الفل والياسمين" لعلي إسماعيل - "العين والليل" لعبد الحليم نويرة. - فاصل موسيقي – عندما بدأ بريق السينما الغنائية والاستعراضية يخبو، عرفت نعيمة عاكف كيف تتجه للمسرح الاستعراضي، وكانت بدايتها معه في أوبريت (يا ليل يا عين) التي أخرجها زكي طليمات لموسم عام 1958/1957، وهذا العمل الغنائي الاستعراضي من إعداد الكاتب الكبير يحيي حقي وموسيقى وألحان احمد صدقي وعبد الحليم نويرة، وبطولة نعيمة عاكف ومحمود رضا والمطربة شهرزاد. وقد عرض هذا العمل لأول مرة على مسرح دار الأوبرا القديم، حيث شهد افتتاحه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ثم عرض بعد ذلك على مسرح سيد درويش بالإسكندرية، وعلى مسرح الصوت والضوء في أحضان الأهرامات وأمام "أبو الهول". - فاصل موسيقي – وعندما بدأ التلفزيون المصري عام هـ 1196 أسس فرق التلفزيون المسرحية، ودعم نشاطات الفرقة الاستعراضية الغنائية التي كانت تقدم عروضها في المسرح الصيفي الكبير في كورنيش محطة الرمل بالإسكندرية، خلال أيام مهرجان التلفزيون الدولي بالإسكندرية في منتصف الستينات. وفي تلك السنوات قامت نعيمة عاكف ببطولة أوبريت "بنت بحري" وأوبريت "بدلة التشريفة" من اخراج فؤاد الجرايرلي، ثم لعبت بعد ذلك بطولة استعراض "القاهرة في ألف عام" الذي عرض على مسرح البالون (مسرح أم كلثوم) بمناسبة العيد الألف لمدينة القاهرة، وهو الأوبريت الذي قام بإخراجه فنان ألماني ووضع موسيقاه محمود الشريف واحمد صدقي وعلى إسماعيل. - فاصل موسيقي – نموذج الإنسان المتطور --------------------------- عنوان فرعي - فاصل موسيقي – إن نعيمة عاكف التي رحلت عن الحياة عن عمر مبكر، هي مثال للإنسان المتطور.. وهذه النجمة أحدثت ضجة جماهيرية بظهورها على شاشة السينما، وكانت خلال سنوات عمرها الفني التي بدأت عام 1949 وانتهت مع رحيلها أوائل عام 1966، وبشهادة زملاء وزميلات جيلها ونقاد وكتاب الخمسينات والستينات، ومنهم جليل البنداري الذي قال إنها "نموذج للإنسان المتطور الذي ينشد المعرفة ويسعى لاكتساب الثقافات والخبرات". - فاصل موسيقي – لقد استطاعت نعيمة عاكف (وعلى حد المعلومات التي أوضحها المؤرخ الفني حسن إمام عمر في برنامجه التلفزيوني "نجوم لها تاريخ ") فتاة السيرك البسيطة التي أصبحت زوجة المخرج حسين فوزي، أن تتعلم القراءة والكتابة.. ثم استطاعت أيضا بعد انفصالهما أن تتعلم، ومن خلال المراكز الثقافية الأجنبية، اللغات الفرنسية والإيطالية والإنكليزية، كما أحسنت النطق بهذه اللغات من خلال دروس التقوية الخاصة في بيتها، وساعدها على ذلك أيضا رحلاتها للخارج، حيث زارت الاتحاد السوفيتي وإيطاليا وفرنسا واليونان ويوغوسلافيا والهند وإندونيسيا ومعظم الأقطار العربية، في رحلات فنية ونشاطات ثقافية خارجية. - فاصل موسيقي – لقد سعت نعيمة عاكف (وهي الممثلة المتعددة المواهب، والراقصة المتألقة في مجال الرقص الشرقي - الذي كانت تفضل أن تسميه الرقص البلدي - تمييزا له عن الرقص التركي والهندي والآسيوي الآخر) إلى أن توسع من مداركها في مجال الفنون الشعبية، وان تكتسب مهارات الرقص الإيقاعي التعبيري. ومن هنا اختيرت نجمة أول فرقة قومية للفنون الشعبية في الأقطار العربية، وهي الفرقة التي أسسها المخرج زكي طليمات. واستمر عطاء نعيمة عاكف في مجال الرقص التعبيري والإيقاعي بعد ذلك على خشبة المسرح بعدما ظهر التلفزيون، والذي ترتب على ظهوره انكماش الإنتاج السينمائي في المجالين الغنائي والاستعراضي. - فاصل موسيقي – في السنوات الخمس الأخيرة من عمرها الزمني والفني، تألقت نعيمة عاكف في المسرح الاستعراضي وهي تقدم أعمالا صورها التلفزيون (ولا ندري لماذا لا يعرضها) مثل "بدلة التشريفة" - "بنت بحري" - "القاهرة في ألف عام"، وهي مساهمات تضاف إلى ما شغلت نعيمة عاكف به عندما أسندوا إليها مسؤولية تصميم رقصات فرقة الإسكندرية للفنون الشعبية، لكي تستمد من البيئة الاسكندرانية سخية الفلكلور والتراث الشعبي، أعمالا إيقاعية تصلح للمسرح الاستعراضي. وقد حققت نعيمة عاكف بعض الرقصات المعروفة، وطورت من خطواتها وإيقاعاتها التي تمثل خصوبة تعبير أبناء الإسكندرية، والساحل الشمالي في مصر وبلاد شمال أفريقيا العربية. - فاصل موسيقي – كان حرص نعيمة عاكف على نجاح هذه الفرقة الشعبية يبلغ درجة حرصها على اكتشاف المواهب الجديدة ممن أصبحوا بعد ذلك من أبرز نجوم الفن الشعبي والرقص الإيقاعي والتعبيري. إن شريط الذكريات يضم 22 فيلما وبضع أوبريتات، هي التعبير الخصب عن عطاء رحلة نعيمة عاكف القصيرة. وهي بالفعل وعلى حد تعبير ما زلت اذكره للصحافي الراحل جليل البنداري يقول فيه : "إن نعيمة عاكف ستظل صاحبة أقصر رحلة نجاح لفنانة أعطت الكثير. لكنها، وبإرادة الله، أوقفت عنا العطاء في سن مبكرة". وختاماً لا يسعنا إلا الفول بأن الفنانة نعيمة عاكف أمتعنا بجميل تعبيرها الفني كألمع وأهم نجمة عرفتها فنون ا لاستعراض. والآن عزيزي المستمع .. نتوقف هنا لنلتقي بك في حلقة جديدة ولقاء جديد مع نجم آخر.
مشاهير ـ الحلقة 48 ـ إعداد : حسن حداد أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في أولى حلقات برنامجنا الأسبوعي ( مشاهير ) ، والذي سنحاول فيه التعرف على فنانين سينمائيين عاشوا السينما لدرجة أن أصبحت تشكل كيانهم كله . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. نجمنا لهذا الأسبوع هو الفنان المبدع محمد خان ، وهو أحد أبرز المجددين في السينما المصرية الجديدة . ــ فاصل موسيقي ــ إن السينما فن وإبداع ، والفن بشكل عام لا تحده أية قواعد ثابتة ، فالفنان مطالب دوماً باستحداث وخلق آفاق جديدة للتعبير ، والخروج على القوالب التقليدية الجامدة ، والمسماة ـ قسراً ـ قواعد وقوانين ، وذلك من منطلق أنها جاءت أساساً نتيجة لخبرات وإبتكارات كل الفنانين المجددين عبر التاريخ . لذا على الفنان أن يطلق العنان لخياله الفني ، ويحرر طاقاته الفنية الخلاقة من كل القوانين/القيود ، وذلك للمساهمة في إستحداث وإبتكار أشكال فنية جديدة . ــ فاصل موسيقي ــ ومناسبة هذا الحديث ، هو ذلك التخلف الذي تعيشه السينما المصرية في مواكبتها لكل ماهو جديد ، على صعيد السينما العالمية . فبرغم تاريخها الطويل ، والذي قارب السبعين عاماً ، إلا أن مخرجي السينما المصرية ومنتجيها يفتقدون للجرأة الفنية في تقديم موضوعات وقضايا جديدة غير مستهلكة . علماً بأن هذا لا ينفي وجود قلة من المخرجين الجادين ، عبر تاريخ هذه السينما ، والذين حاولوا الخروج على القوالب الجامدة هذه ، وقدموا سينما مختلفة بموضوعات جريئة ، إلا أنهم ـ أيضاً ـ لم يستطيعوا التخلص كثيراً من الشكل والأسلوب السينمائي التقليدي ، وذلك ربما لعدم وضوح الرؤية الفنية والسينمائية لديهم . ــ فاصل موسيقي ــ وبالرغم من كل هذا ، إلا أن سينما الثمانينات والتسعينات في مصر طالعتنا بتجارب وأفلام مغايرة وقليلة جداً ، لم تعهدها السينما المصرية من قبل .. تجارب متمردة على ماهو سائد ، إستطاع صانعوها التصدي لذلك التيار التقليدي المسيطر والثورة عليه. ونحن هنا ، في موضوعنا هذا ، سنتوقف طويلاً أمام أحد هؤلاء المخرجين وأهمهم ، حيث يمثل تجربة سينمائية خاصة بالنسبة للسينما المصرية .. مخرج يفاجئنا دائماً ، مع كل فيلم يقدمه ، بطرح فكري وفني متميز ورؤية سينمائية ذات أسلوب خاص ومبتكر ، لا علاقة له بالأسلوب التقليدي الذي عودتنا وإعتاد عليه معظم المخرجين المصريين . مخرجنا هذا ، هو الفنان »محمد خان« ، أحد أبرز الذين جددوا وغيروا في السينما المصرية . فهو يعيش في بحث دائم عن إطار وشكل جديد لأفلامه ، يميزها عن بقية ما أنتجته وتنتجه السينما السائدة .. محمد خان فنان يعشق السينما ويمارسها كما يتنفس الهواء ، يصور باستمرار متوغلاً في بحثه الدائم هذا . إذاً دعنا نتعرف .. عزيزي المستمع .. على هذا الفنان وبداية نشوء ميوله للفن السينمائي . ــ فاصل موسيقي ــ ولد محمد خان بالقاهرة في عام 1942 ، ونشأ في منزل مجاور لدار سينما مزدوجة ...كنت أرى مقاعد إحداها ولا أرى الشاشة ، أشاهد الأفلام في اليوم الأول وأتابع شريط الصوت بتركيز بقية الأيام... . وكان حريصاً على جمع إعلانات الأفلام من الصحف ، وشراء مجموعات صور الأفلام . وبالرغم من ذلك ، إلا أنه لم يكن يحلم يوماً بأن يصبح مخرجاً سينمائياً .. ...كانت الهندسة المعمارية هي حلم طفولتي... . ففي عام 1956 ، سافر الى إنجلترا لدراسة الهندسة ، إلا أنه إلتقى بالصدفة بشاب سويسري يدرس السينما هناك . يتحدث محمد خان عن هذا اللقاء ، فيقول : ...لم أكن أعلم بأن السينما تُدَرس ، كنت أظنها موهبة وخبرة فقط ، ولكن بمجرد أن ذهبت مع صديقي هذا الى مدرسة الفنون ، لم أتردد لحظة واحدة بأن أكون مخرجاً سينمائياً... ، فترك الهندسة وإلتحق بمعهد السينما في لندن . ولكن دراسته في المعهد إقتصرت ـ فقط ـ على الإحتكاك بالآلات ومعرفته للتقنية السينمائية ، أما مدرسته الحقيقية فكانت من خلال تعرفه على السينما العالمية في الستينات ، ومشاهدته لكمية رهيبة من الأفلام ، ومعاصرته لجميع التيارات السينمائية الجديدة في نفس وقت نشوئها وتفاعلها . فقد شاهد أفلام الموجة الفرنسية الجديدة ، وأفلام الموجات الجديدة للسينما التشيكية والهولندية والأمريكية ، وجيل المخرجين الجدد فيها ، كما تابع أفلام أنطونيوني و فلليني و كيروساوا وغيرهم من عمالقة الإخراج في العالم . ــ فاصل موسيقي ــ وبالإضافة الى هذه الحصيلة الكبيرة من الأفلام ، كانت هناك حصيلته النظرية ، أي متابعته لمدارس النقد السينمائي المختلفة ، مثل »كراسات السينما الفرنسية« والمجلات السينمائية الإنجليزية الأخرى . وهي بالفعل مدرسة محمد خان الحقيقية ، التي جعلته ينظر الى السينما نظرة جادة ومختلفة عن ماهو سائد في مصر والعالم العربي . يقول محمد خان في هذا الصدد : ...تأثرت بأنطونيوني على وجه الخصوص ، فهو الذي دفعني الى تغيير فكرتي القديمة عن السينما ، فالسينما ليست مجرد حدوتة تُروى . كان تأثير أنطونيوني كبيراً عليّ ، وقد قررت في هذه الفترة أن أصبح مخرجاً ، وأعتقد إن هذه المرحلة هي التي حددت الإتجاه الذي سرت فيه فيمابعد ( ... ) علماً بإنني كنت أعي وقتها أن هذه نوعية خاصة ، ولا تلاقي نجاحاً جماهيرياً كبيراً ... . ــ فاصل موسيقي ــ من لندن الى القاهرة .. بيروت ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ لقد عاش محمد خان فترة طويلة في إنجلترا ، دامت سبع سنوات ، حيث أنهى دراسته في معهد السينما عام 1963 . بعدها عاد الى القاهرة وعمل في شركة فيلمنتاج ( الشركة العامة للإنتاج السينمائي العربي ) ، تحت إدارة المخرج صلاح أبوسيف ، وذلك بقسم القراءة والسيناريو مع رأفت الميهي و مصطفى محرم و أحمد راشد و هاشم النحاس . ولم يستطع خان الإستمرار بالعمل في هذا القسم أكثر من عام واحد ، سافر بعدها الى لبنان ليعمل مساعداً للإخراج مع يوسف معلوف و وديع فارس و كوستا و فاروق عجرمة . وبعد عامين هناك ، سافر مرة أخرى الى إنجلترا ، حيث هزته هناك أحداث حرب 1967 .. ...شعرت بحالة يأس شديدة ، وفقدت الأمل بالعمل بالسينما ، فأنشأت دار نشر وأصدرت كتابين الأول عن السينما المصرية والثاني عن السينما التشيكية ، وكنت أكتب مقالات عن السينما . وفي عام 1977 عدت الى مصر وأخرجت فيلماً قصيراً ، وشجعتني زوجتي على العودة الى مصر والعمل في السينما ، وكان تعرفي على المونتيرة نادية شكري دافعاً على إتخاذ قرار العودة ... ــ فاصل موسيقي ــ ثقافة سينمائية غربية .. وأفلام مصرية مغايرة ـــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ ومما لا شك فيه ، بأن هذه تجربة ورحلة فنية ذاتية خصبة عاشها محمد خان ، وتعرف خلالها على جميع تيارات السينما العالمية . فقد أكسبته هذه التجربة خبرة نظرية وثقافية سينمائية هامة ، ساعدته كثيراً في تكوين رؤية فنية وسينمائية خاصة به ، ومفهوم واعٍ ومتطور للسينما التي صنعها فيمابعد . وقبل أن نتعرض لأسلوب محمد خان السينمائي ومناقشة أهم مميزاته ، نعرض لبعض أهم أفلامه ، وذلك للتعرف على ما قدمه فيها من أفكار ومضامين . ــ فاصل موسيقي ــ المتفرج وحرية الفنان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ إن أهم ما يميز محمد خان كمخرج كونه لا يفكر في المتفرج أثناء تنفيذه لأي من أعماله ، بل أنه لا يضعه في إعتباره . وصلته بالمتفرج لا تتعدى متابعة ردود أفعال أعماله على هذا المتفرج . وهذا بالطبع قد جعل من محمد خان فناناً يمتلك بعض الحرية في التعبير عن قضايا ومشاكل تشغله وتخصه هو بالذات كإنسان وفنان ، ... هناك مسائل صغيرة شغلت بالي ، وشغلت بال السينما منذ بدايتها ، ومازالت السبب الرئيسي الذي من أجله أحقق الأفلام وأعمل في الإخراج ، بل هي ما تجعلني مستمراً . أحاول أن أسيطر على تقنيتي تماماً ، وعندما أشاهد فيلماً جيداً أشعر بالغيرة ويدفعني ذلك لتحقيق فيلم جيد ... . كما جعله يتخلص من قيود هذا المتفرج الكسول وقيود السينما التقليدية بشكل عام ، وبالتالي إطلاق العنان لخياله الفني لإستحداث وإبتكار أشكال فنية جديدة . بالرغم من أن البعض إتهم محمد خان بأنه مخرج شكلي يهتم بالجانب التقني (الصورة) أكثر من إهتمامه بالمضمون (الحدوتة) . ومحمد خان لا يعتبر هذه تهمة توجه إليه ، بل إنه يعلن صراحة حبه وإهتمامه بهذا الجانب ، ويرى أيضاً بأن السينما أصلاً صورة ولابد من تطوير هذه الصورة والبحث من خلالها . ونحن نرى إن ما يميز محمد خان فعلاً ، هو طرحه لمضامين وأفكار وشخصيات جديدة ومبتكرة لم تعهدها السينما المصرية من قبل . ربما لا يهتم بالحدوتة التقليدية ، إلا أنه يهتم كثيراً بشخصياته ويتوغل الى أعماقها ليكشف عن جوانب هامة في تركيبتها ، وإضفاء أبعاد إنسانية عميقة وصادقة عليها . هذا إضافة الى أنه يطرح من خلالها قضايا فردية ، إنما تعكس مجتمعاً بكامله . ــ فاصل موسيقي ــ أفلام ذاتية .. وشخصيات غير متوائمة ــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ إن محمد خان يصنع أفلاماً ذاتية ، بمعنى إن هذه الذاتية تشكل طريقاً وهدفاً حقيقياً للتعبير بصدق وأمانة عما يشعر به الفنان تجاه مجتمعه . وإن الذين يصرخون (المضمون .. المضمون) ، ويطالبون بما لم يقدمه خان لهم ، إنما يسعون ـ في واقع الأمر ـ الى تناقض بين ما في داخل محمد خان وما عليه أن يقدمه . فهو يقوم دائماً بكتابة قصص أفلامه ويشارك في كتابة السيناريو لها ، حرصاً منه على أن تتضمن أفكاراً وشخصيات هي في النهاية عبارة عن مجموعة من الهواجس الذاتية . لقد أعطى شخصيات أفلامه الكثير من شخصيته هو نفسه (كما جاء في تصريحاته الصحفية ) ، فشخصياته هي غير القادرة على التأقلم مع مجتمعها ، تعيش في صراع دائم بين الحلم والواقع ، في بحث دائم عن الذات والحرية الشخصية . ففارس في (طائر على الطريق) يبحث عن الحب والحنان والأمان الإجتماعي ، ونوال في (موعد على العشاء) تبحث عن شخصيتها وحبها المغتصب ، وفارس في (الحريف) يبحث عن موقعه في هذا المجتمع المليء بالصراعات والتناقضات ، وعطية في (خرج ملم يعد) يبحث عن التغيير وخلق أسلوب جديد للحياة ، أما هند وكاميليا في فيلم (أحلام هند وكاميليا) فهن يبحثن عن أحلامهن وحريتهن الشخصية . وبشكل عام فإن أبطال محمد خان شخصيات حزينة وحيدة متمردة وغير منتمية ، وتمثل خليطاً مركباً من المشاعر والأحاسيس المتناقضة .. بين الجد واللامبالاة ، النقاء والتردد ، التواضع والكبرياء ، الحلم والإحباط ، الغربة والإنتماء . هذه هي طبيعة شخصيات محمد خان ، فهي أبعد ما تكون عن الإنماط الإجتماعية المتوائمة مع مجتمعها . فهو لا يبحث عن نوعية محددة من الأفلام ، وإنما يبحث عن شخصيات مميزة وغير نمطية .. ... إن شخصياتي نبيلة وتريد تحطيم القيود التي تكبلها في حياتها اليومية . ــ فاصل موسيقي ــ النزول بالكاميرا الى الشارع ـــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ ثم لا يفوتنا الإشارة الى أن أفلام محمد خان تتميز بخاصية المتعة السينمائية ، وإن تفاوتت من فيلم الى آخر ، وذلك لأن أهمية تجربته تكمن في أنه يتناول في أفلامه الشخصيات العادية البسيطة والمهن الشعبية ، والتي يتجاوزها غيره من المخرجين . وحتى لو تناولوها فإنهم يلامسونها سريعاً وبشكل سطحي غير عميق . وذلك لسببين ، إما لعدم إمتلاكهم للإمكانيات الفنية الكافية لمعالجتها ، أو لأنهم لا يمتلكون الجرأة الفنية للنزول بكاميرتهم الى الشارع . ــ فاصل موسيقي ــ أما محمد خان ، فهو يلتقط الشخصية التي غالباً ما تستوقفه من الشارع ليعيد صياغتها وتطويرها في مخيلته ، محملاً إياها إسقاطات وإيحاءات وأبعاد إنسانية وإجتماعية عميقة ، ومن ثم إضافة الرؤية والفكر الخاص به والعاكس لما يختمر في ذاته. يساعده في ذلك عشقه للتصوير في الشوارع والأماكن الطبيعية .. فهو الذي جسد عشقه لشوارع القاهرة من خلال متابعته لمغامرات بطله الصحفي في أول أفلامه (ضربة شمس) .. وهو الذي جعل من حياة سائق تاكسي موضوعاً سينمائياً ، وخلق جواً خاصاً في تنقله بين الطرق الطويلة المتميزة بين المدن في فيلم (طائر على الطريق) .. وإنتقل في فيلمه (موعد على العشاء) الى الشوارع الخلفية والجانبية ذات الملامح الخاصة بالإسكندرية .. وأثبت عشقه للقاهرة بحواريها وأزقتها الضيقة متناولاً لعبة كرة الشراب الشعبية في فيلم (الحريف) .. وإستغل جو المطاردات في فيلمي الثأر ، نصف أرنب لتصوير مشاهد لمناطق جديدة في القاهرة لم يسبق أن شاهدناها في الأفلام المصرية .. وتابع رحلة عطية وعمر لتصوير الريف المصري في فيلمي خرج ولم يعد ، مشوار عمر .. وقدم عالم الخادمات وجسد إحباطاتهم في فيلم (أحلام هند وكاميليا) . إنها حقاً مهمة صعبة وتجربة فنية مثيرة ، جسدها محمد خان من خلال أفلامه . صحيح بأن هناك البعض من المخرجين المصريين ممن قدموا المدينة في أفلامهم ، إلا أن محمد خان تميز عنهم بأنه قد أعطى للمدينة شخصية مستقلة وشكلاً خاصاً وجديداً ، هذا لأنه قد أدرك الكيفية التي تستطيع أن تلعب المدينة فيه دوراً درامياً فعالاً وهاماً ، بدل بقائها كخلفية فقط للحدث الدرامي . ــ فاصل موسيقي ــ هذا هو أسلوب محمد خان الفني ، ذو اللغة السينمائية المركزة للتعبير عن مواقف وأحداث خارجة عن كل تقليد .. ميدانه المدينة والواقع ، وخياله مستمد منهما ، يصيغهما في إطار تقنية جديدة ومبتكرة ، وفرتها له ثقافته السينمائية الغربية . ــ فاصل موسيقي ــ نحو جمهور واع ومثقف ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ إن محمد خان ، ومن خلال جميع أفلامه ، يريد خلق جمهور واعي ومثقف سينمائياً ومتذوق لهذا الفن ، ... هدفي الأساسي أن أعمل فيلماً تتلقاه كل العيون ، خصوصاً عين إبن بلدي . لذلك يتهموني بأنني أصنع أفلاماً »خواجاتية« وشكلية . وحقيقة الأمر ، هو أن عيوننا لم تتعود بعد أن تكون الكاميرا هناك ، لأنهم يريدونها في مكانها الدائم . وعندما غيرت قليلاً مكان الكاميرا ، قالوا هناك نوع من الغربة بالنسبة للعين . إيماني كبير بأن عين المتفرج ستعتاد على هذه اللغة السينمائية ، وبالتالي سيصبح الأمر طبيعياً ... . وقوله هذا يؤكد لنا بأنه لا يريد أن ينصاع لرغبات الجمهور ، بل ويريد أن يعوده على ما يقدمه له ، ... أنا لا أستطيع أن أعمل كل شيء لكي يفهمه الجميع ، عليهم أن يبذلوا بعض الجهد ( ... ) لا أستطيع أن أصنع أفلاماً لكل الناس ، هناك أشياء صغيرة أمررها في أفلامي وأتمنى أن تفهم من قبل الآخرين ... . ــ فاصل موسيقي ــ السينما لا تبحث في الحلول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ وبالرغم من أن محمد خان قد تناول الكثير من القضايا التي تشد إنتباه هذا الجمهور ، إلا أنه يرفض معالجة هذه القضايا وطرح الحلول لها ، وذلك إيماناً منه بأن الفنان ليس مشرفاً إجتماعياً أو خبير سياسي ، ومهمته كسينمائي وفنان تكمن في إثارة مثل هذه القضايا وترك الحلول للمتفرج يهتم بها ويتناقش حولها ، ... أريد أن يخرج المتفرج من أفلامي وهو يفكر في المشكلة المطروحة أمامه في الفيلم . والحقيقة إن الجمهور هنا معتاد على المعالجة الفجة ، وأنا أرفض هذا الأسلوب . وقد يكون هذا هو سبب الصعوبة التي تلقاها بعض أفلامي في الوصول الى الجماهير العريضة . وأنا مدرك لهذا وواعٍ له تماماً ، ولكني مصر على أن العين ستعتاد تدريجياً على هذا الجديد ، وإن المتفرج سيفهم الصورة . مثلاً (الحريف) فيلم يتكلم عن الفقر ، ولكنه لا يقول إنه يعالج مشكلة الفقر . إنني لا أقول يجب عمل هذه الأشياء للقضاء على الفقر ، ليست هذه هي مهمتي ... . ــ فاصل موسيقي ــ نحن هنا أمام مخرج فنان .. أمام فنان حريص جداً على تقديم فن جاد وصادق .. فنان يعيش السينما التي يصنعها ، ويقف على أرضية فنية صلبة . وبالرغم من غزارة إنتاجه السينمائي ، إلا أنه مصر على تقديم الجيد والجديد دائماً ، ... اليوم أعلم جيداً ما يستهويني ، لكن صراعي هو التكنيك . أريد الوصول لشكل يتوحد مع المضمون .. شكل كامل ... . ــ فاصل موسيقي ــ وأخيراً ، وبعد أن تعرفنا على أسلوب محمد خان السينمائي ، يبقى أن نشير بأن هذا الفنان يمتلك إصراراً عميقاً على صنع السينما التي يريدها والتي تعبر عنه بصدق ، رغم تواجده في ظل عجلة إنتاج سينمائي فقير ومتخلف . وهو بذلك يعيش في صراع دائم وغير متكافىء ، ويقف صامداً ـ مع قلة من زملائه الفنانين ـ أمام تيار السينما التقليدية السائدة . هذا لأنه مؤمن تماماً بأن السينما التي يصنعها هو وزملاؤه ، سيكون لها ـ وبالتدريج ـ تأثيراً كبيراً على عين وذوق المتفرج العادي ، والذي بدأ بالفعل الإرتقاء بإهتماماته الفنية وحسه الجمالي . ــ فاصل موسيقي ــ والآن عزيزي المستمع .. نتوقف هنا لنلتقي بك في حلقة جديدة ولقاء جديد مع نجم سينمائى آخر . ختام
جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك (2004 - 2018)