ما كتبه حسن حداد
برنامج أسبوعي يعني بسحر السينما
من إعداد: حسن حداد, وتقديم: محمد الشروقي ونيلة محمد
وإخراج: محمد الجابر
برنامج إذاعي استمر عام ونصف العام في إحدى وسبعين حلقة إذاعة البحرين (مايو 1997 ـ نوفمبر 1998)
أفلام وأفلام ـ الحلقة 25 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (العزيمة) ، الذي قام ببطولته فاطمة رشدي وحسين صدقي وزكي رستم وأنور وجدي وماري منيب ، ومن إخراج كمال سليم . وهو من إنتاج عام 1939 . ــ فاصل موسيقي ــ في حلقتنا هذه ، سنتحدث عن فيلم (العزيمة) ، للمخرج الكبير (كمال سليم) .. فهذا الفيلم ومخرجه يعتبران علامتان بارزتان في تاريخ السينما المصرية . حيـــث يتحدث المؤرخ والناقد السينمائي الفرنسي "جورج سادول" عن هذا الفيلم ، فيقــــول : ...إن فيلم العزيمة يعرض مضموناً فكرياً يشغل قطاعاً هاماً من قطــاعــــات المجـتـمـــع ، ويعتبر هذا احد الافلام الرائدة في تاريخ السينما العالمية ، والذي يشير لظـهـــور المذهب الذي عرف بعد ذلك في ايطاليا بإسم "الواقعية الجديدة" .. لقد وقفت السيــــنما المصرية بهذا الفيلم على أرض صلبة ودخلت به مجال التعبير الواقــــعي فــي مجــــال الفن والفـــــكر.... . ومن الطبيعي أن يدفعنا حديث هذا المؤرخ العالمي الكبــير للتـمعن اكثر في مـا يطــــرحـه هذا الفيلم من جديد ، ومناقشته بشكل يتناسب ومكانته الفنية هذه . ــ فاصل موسيقي ــ كانت السينما المصرية قبل كمال سليم ، او بالتحديد قبل فيلمه العــزيمة ، بعيدة كل البعد عن الروح المصرية .. وتصور اجواء دخيلة على الحياة المصرية ، وتعتمد في قصصها على الاقتباس ، ولا تصور من حياتنا سوى مظهر الطبقة الأرستقراطية ، أوانها تقدم افلاماً خيالية ذات موضوعات ميلودرامية مستهلكة ، تقوم على "الحواديت" مبتعدة عن معالجة الواقع ومشكلاتة الاجتماعية . لذلك جاء فيلم "العزيمة" ، ليس كإضافة جديدة للسينما المصرية فحسب ، وإنما جاء ليكون عملاً رائـداً في الشكل والمضمون ، وليقدم به كمال سليم اللبنة الاولى في بناء الفيلم الواقعي المصري ، والذي اصبح مثالاً يحتذى به في التبشير بالفيلم المصري النابض بالروح المصرية الواقعية الصادقة ، مما جعله ايضاً يكتسب صفة البقاء والخلود حتى اليوم ، وبعد مضي اكثر من نصف قرن من الزمان ، كعمل درامي فني وفكري متماسك وخلاق . ــ فاصل موسيقي ــ اما المخرج كمال سليم ، والذي عانى كثيراً لاظهار هذا الفــيلم الى النـور ، فهـــو أول فنان اشتراكي يعمل في ميدان السينما المصرية . لذلك جاء فيلمه "العزيمة" كوثيقة على جانب كبير من الاهمية .. ولسوء الحظ ان كمال سليم لم يعش طـويلاً ، فقد توفي قبل ان يبلغ الثانية والثلاثين من العمر ، ولو ان العمر إمتد بهذه الموهبة الفذة الواعية لاثرت السينما المصرية بأعمال فنية اخرى رفيعة المستوى . ولكي ندرك اهمية هذه التجربة الفنية ينبغي الاخذ بعين الاعتبار الظروف السياسية والاجتماعية في مصر في تلك الفترة ، كما ينبغي ملاحظة أن كمال سليم فنان ثقف نفسه بنفسه . كان واسع الاطلاع الى درجة تلفت النظر ، وكان يجيد الانجليزية والفرنسية والالمانية إجادة تامة ، وكان يقرأ منها بنهم شديد .. لذلك كان مكانه بارزاً وهاماً بين زملائه وتلامذته السينمائيين ، ومن أبرزهم المخرج الكبـير "صلاح ابوسـيف ، الذي عمل مساعداً له في فيلمه "العزيمة" . ــ فاصل موسيقي ــ والمخرج كمال سليم (1913-1945) ، نشأ في أحياء مصرية شعبية ، بــين الضاهر والعباسية والحسينية ، وعاش مع أبناء الذوات والطبقة الارستقراطية ، وذلــك بحكم نشأته في أسرة بورجوازية . لذلك إلتقط فكرة فيلم "العزيمة" من واقع الحياة المصرية وعالج مشكلة من مشاكل الشباب في الثلاثينات . وقد جاء هذا الفيلم وفيه الكثير مـن الصدق في تصوير ثمرات الحب والكفاح والطموح ، وتحليل للنفس البشرية بإســــلوب يقوم على التهكم والسخرية اللاذعة التي تدفع الى التأمل والتفكير . فأقبلت عليـــه الجماهير واستحوذ على إعجابهم ، كما انه (أي فيلم العزيمة) هز مشاعرهم بقـوة وعنــف ، وخصوصاً الطلبة ، حيث كانوا يمارسون نفس وسائل الحب الشائعة تلك الايام .. فوق السطوح وتحت السلالم . كما أن الافكار والآراء السياسية والاقتصادية كانت منتشـرة في تلك الفترة بالذات ، تتحدث عن ضرورة العمل الحر وعدم الانسياق للعمل الحكومي .. فقد كانت بنوك وشركات كثيرة قد أنشئت حديثاً ، وكان الكثير من الطلبة والشباب يريدون بناء حياتهم الاقتصادية بعيداً عن الحكومة ، والعمل في ظــل الشركات الجديدة ، ويحلمون بإنشاء شركات خاصة بهم .. هكذا كان بطل فيلم "العزيمة" معبراً عن احلام شباب البورجوزية الصغيرة في مصر ويمر بنفس آلامها ومشاكلها . ــ فاصل موسيقي ــ ورغم أن الفيلم لم يتعرض ، من بعيد أو قريب ، للمشكلات السياسية التي كانت منتشرة وشائعة آنذاك إلا انه ، الى حد بعيد ، كان يرتكز عليها ، وذلك مـن خلال بعض الإيحاءات والإسقاطات في مضمون الفيلم ، وهو بلا شك موقف متقدم سياسياً ، إلا أنــه متقدم بالنسبة لأيامه وظروفه . ثم لا ننسى أن صدق الفيلم الفني ولغته السينمائية المتقدمة ، قد صنعت منه الآن تاريخاً اساسياً للسينما المصرية ، بحيـث اصبح مـــن كلاسيكياتها العظيمة الأولى ، رغم ان الفيلم كان فيه الكثير من المساومة ، ولم يلتزم أية فلسفة تاريخية مستقبلية . ــ فاصل موسيقي ــ إن أهم ما يميز فيلم "العزيمة" هو ذلك التجسيد الصادق لجو الحارة الشــعبية وكأنك تعيش في حارة حقيقية ، علماً بأن جميع مشاهد الفيــلم صُورت في الأستوديو ، حيث إهتم كمال سليم بخلفية الصورة إهتماماً كبيراً .. ومن هنا جاءت مشاهد الحارة نابضة بالحياة ، فالحارة عند كمال سليم ليست مجرد ديكورات .. فقد ملأ خلفـية الصـورة ليقدم للمتفرج روح الحارة وجوّها . هذا إضافة الى الشخصيات التي تعيـش فيـــها ، والتــي وُفِّق السيناريو ، الى حد كبير ، في رسمها وتصويرها بعناية وبطريقة تجعـل المتفرج يتخيل أنها شخصيات حية نابضة بالحياة ، تذكره بأشخاص يعرفهم وسبق أن قابلهم في الحياة . ــ فاصل موسيقي ــ لقد كان كمال سليم جريئاً في إدارة احداث الفيلم ، وذلك عندما إعتمد على الكثير من العادات والتقاليد الإجتماعية ، والتي تحتاج من المخرج الإستعانة بالمجاميع الكبيرة ، فالأحداث تدور في شهر رمضان ، بين حلقات الذكر وصَـلات التراويح وإناشيد الأطفــال وإبتهاج الصائمين بلحظة آذان المغرب ثم طبلة المسحراتي . كما أنه جسد "المولد" بكل ما يحتويه من مظاهر الأفراح وشتى الألعاب المعروفة فيه ، ومن بيـن العادات والتقاليد التي جسدها كمال سليم ، ذلك الإحتفال الشعبي بالزواج وموكب الزفاف الذي تسير فيه العروس من بيتها الى بيت العريس ، كما إعتمد على إظهار الجـو الشـعبي بالتركيز على مسجد الحارة ، الذي إفتتح به الفيلم مع الفجر ، والمصلُون يتدفقون عليه من كـل جـانب . ــ فاصل موسيقي ــ ثم لا ننسى أنه أظهر قهوة الحارة ، ذلك المنتدى اليومي الذي يلتقي فيه أهـل الحارة ، وإستغلال هذه القهوة في تصوير المشاجرات التي كانت تنشب بين الحين والاخر ، وكانـت هذه أول مشاجرات تظهر بصورة واقعية على الشاشة المصرية .. هـذا إضـافة الى أنـه قـد أظهر ، ولأول مرة في الفيلم المصري ، القبلة بصـورة طبيـعـية بين البطلين في مشاهد السلم وسطوح البيت . ومن أروع المشاهد التي ظهرت على الشاشة المصرية ، ذلك المشهد التراجيكوميدي العجيب ، عندما بدأ المحضِر في بيع أثاث صالون الحلاق في المزاد ، ثم ظهور موكب تشييع الجنازة ، تسبقها موسيقى المارش الجنائزي ، ليأتي الحاتوتي ويرفع الحجز عن صالون الحلاق بثمن تشييع الجنازة .. فبالرغم من أن مشهد الجنازة من المشاهد المقبضة للنفس على الشاشة إلا أن المتفرج في تلك اللحظة ، يتنفس الصعداء ويضحك عندما يتحقق المثل القائل (مصائب قوم عند قوم فوائد) . كما لايخلو الفيلم من النقد الإجتماعي ، حيـث يقدم تجسيداً لحالة البطالة التي كانت متفشية في ذلك الوقت ، وعدم حصول الشباب المتعلم على الوظيفة إلا بالواسطة ، وكذلك تصوير مظهر الإهمال بين موظفي الشركات الذين يقضون أوقاتهـم إما في شرب القهوة والشاي أو في الأحاديث وقراءة الصحف . ــ فاصل موسيقي ــ ولا يضعف من الفيلم سوى إعتماده على الصدفة ، فقد لعبت دوراً رئيـسـياً في تصعيد أحداث الفيلم ، وجعلت منه ميلودراما تقوم على المصادفات .. كذلك تلك النهاية التي حل بها كمال سليم - وهو كاتب القصة والسيناريو إضافة الى الإخراج - مشكلة بطل الفيلم ، إذ نجد الإنقاذ يأتي على يد باشا رأسمالي .. ألم يكن من الأفضل أن نرى هذا الشاب الفقير المكافح والمتعلم وهو يواصل كفاحه حتى يحقق النصر بيديه هو ؟ كما يلفت الإنتباه في هذا الفيلم ذلك الأداء المسرحي لبعض ممثليه ، أمـثال فاطـمة رشـدي وحسين صدقي وزكي رستم وعباس فارس .. علماً بأن السبب في ذلك يرجع أولاً الى أن هؤلاء من نجوم المسرح أساساً ، والذين إعتادو هـذا اللون من الأداء ، وثانياً الى طول الحوار في الكثير من المشاهد . ــ فاصل موسيقي ــ وأخيراً ، ورغـم كل هذا ، إلا ان هذه السلبيات لا تقلل من أهمية هذا الفيلم كتجربة فنية غنية ومتميزة بل ورائدة ، سـبقت عـصرها بسـنوات طويلة .. وليظل هذا الفيلم العريمة محفوراً في ذاكرة السينما المصرية وذاكرة الجمهور على السواء . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم الأمريكي (توتسي) ، بطولة داستن هوفمن ، ومن إخراج سيدني بولاك . وهو إنتاج عام 1982 . ــ فاصل موسيقي ــ فيلم (توتسي) عبارة عن كوميديا إجتماعية خفيفة تعالج قضية البطولة المتفشية في الوسط الفني ، ويعرض للمشكلة التي يتعرض لها الممثل الملتزم بالذات . وقد تكلف إنتاج الفيلم 22 مليوناً ونصف المليون دولار ، كان نصيب المخرج بولاك مليونين والممثل هوفمان أربعة ملايين ونصف . ــ فاصل موسيقي ــ يجسد هوفمان في هذا الفيلم شخصية ممثل مسرحي يتكرر فشله في الحصول على دور في المسرح أو في التليفزيون ، والسبب ليس كونه ممثلاً رديئاً ، بل لأنه من وجهة نظر المنتجين والمخرجين ممثل مزعج وفضولي يتدخل في عمل غيره . لذلك نراه يضطر للعمل كجرسون في أحد المقاهي لكسب لقمة العيش ، مع قيامه بتدريب بعض الوافدين الجدد على التمثيل . إلا أنه ـ وبشكل مفاجىء ـ يقرر أن يتنكر بثياب إمرأة لدخول إختبار للقيام بدور إمرأة في مسلسل تليفزيوني جماهيري ، كانت صديقته قد فشلت في الحصول عليه . ولم يكن إقدامه هذا بدافع كسب العيش فحسب ، وإنما إعتبره تحدياً لإثبات قدراته التمثيلية . ينجح هوفمان في الحصول على هذا الدور ، بل ويشتهر أيضاً بفضل أدائه الجيد في المسلسل ولكنه بالمقابل يتعرض لمواقف محرجة ومشاكل عاطفية ونفسية صعبة تدفعه للكشف عن هويته في النهاية ليعود مرة أخرى في البحث عن عمل . ــ فاصل موسيقي ــ إن فيلم (توتسي) قائم أساساً على إمكانيات الممثل الكبير داستن هوفمان ، وعلى قدرته على إقناع المتفرج . فقد أذهلنا هذا الفنان الكبير حقاً في هذا الدور ، وكان كما عهدناه سابقاً .. حيث عودنا دائماً على ذلك التميز في إختياراته لأدواره . فكلنا لا ينسى أدواره في أفلام (الخريج ـ 1967 ، كاوبوي منتصف الليل ـ 1969 ، كرامر ضد كرامر ـ 1979 ، رجل المطر ـ 1988) . وهوفمان من الممثلين القلائل الذين حصلوا على الأوسكار مرتين ، وذلك عن دوريه في (كرامر ضد كرامر) و (رجل المطر) . كما أنه رشح لأكثر من أوسكار عن أفلامه الأخرى ، ومنها فيلمنا هذا (توتسي) . ــ فاصل موسيقي ــ يتحدث داستن هوفمان عن سبب إختياره لدور إمرأة ، فيقول : الذي دعاني للقيام بهذا الفيلم هو إرتباطي بالسينما وبالآخرين ثم بالمخرج العظيم سيدني بولاك الذي أخرج معظم أفلام روبرت ريدفورد ، إنه الممثل المخرج ، وهو المخرج الذي يعرف كيف يخرج لنفسه أفلاماً . ويضيف هوفمان ، حين يقول : إن هذا الدور الذي أقوم به دور ثنائي ومزدوج ، مما يمثل لي تحدياً واضحاً في أداء شخصيتين متناقضتين . إنني أعشق الدور الصعب ، والذي يخلق بشكل مميز . وأعتقد بأنه من الصعب أن تخلق دوراً لا يمس ذاتك بتاتاً . ــ فاصل موسيقي ــ أما المخرج سيدني بولاك ، فقد نجح في أول تجربة كوميدية له ، بعد أن قدم عدة أفلام درامية جادة وهامة وناجحة ، مثل (إنهم يقتلون الجياد .. أليس كذلك ، ثلاثة أيام عصيبة ، الخروج من أفريقيا) ، والأخير حاز على عدة أوسكارات ، من بينها جائزة أفضل مخرج . لقد برع بولاك في فيلم (توتسي) من تجسيد مجموعة من المواقف الكوميدية الساخرة البعيدة عن الإبتذال وإبتزاز تعاطف المتفرج . هذا بالرغم من أن طبيعة الموضوع تسمح بأن يتحول الفيلم الى كوميديا مبتذلة على أيدي مخرج آخر . ــ فاصل موسيقي ــ لقد كان هذا الفيلم ، في وقت من الأوقات ، فيلم هوفمان .. هذا ما يقوله بولاك ، مشيراً الى أن فضل الشروع في إنتاج الفيلم يعود الى هوفمان ، وذلك بإعتباره هو الذي حصل على المال اللازم لتمويل الفيلم ، وكان من الممكن أن يقوم بإنتاجه . ــ فاصل موسيقي ــ إن الفيلم يعتمد في النهاية على عدد من القواعد المعروفة في السينما الكوميدية ، وموضوعه مطروح وليس جديداً على أية حال . إلا أن المخرج بولاك يحاول ألا يحصر الموضوع في هذا الإطار الكوميدي المباشر ليطرح عدداً من القضايا التي يعيشها أهل الفن ومن أهمها مشكلة البطالة المتفشية في الوسط الفني ، وما يتعرض له الفنان من مد وجزر على مدار العام . كذلك يتعرض الفيلم لقضية غاية في الأهمية ، ألا وهي العلاقة التي يمكن أن تقوم بين الممثل والشخصيات التي يجسدها ، فهناك عملية تنكر مستمرة يشير إليها الفيلم في بدايته . ويبلغ هذا التنكر أقصاه عندما يتحول الممثل الى ممثلة ، حيث أن هذا التحول ليس سوى جزء من عملية التنكر المسخرة التي يعيشها أي ممثل عند إنتقاله من شخصية الى أخرى . هناك إذن رغبة صادقة من سدني بولاك للإرتقاء بفيلمه وتجاوز الموقف المباشر الذي يعتبر محوراً لطرح قضايا أخرى تهم الممثل وكذلك المتفرج الذي تفاعل معه بشدة . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 26 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (الأرض) ، بطولة محمود المليجي وعزت العلايلي ويحيي شاهين ، ومن إخراج يوسف شاهين . وهو من إنتاج عام 1970 . ــ فاصل موسيقي ــ أربعة وعشرون عاماً مضت ، على العرض الاول لفيلم (الأرض) ، رائعة المخرج الكبير "يوسف شاهين" .. هذا الفيـلم الذي يعتـبر من افضل ما انتجـته الســـينما المصرية عن الفلاح والريف المصري . وليس كلنا يعرف ، بالطبع ، مدي قيمة وأهمية هذا الفيلم الخالد .. لـكن هناك مشاهد عديدة من الفيلم ما تزال عالقة بذهن وذاكرة المتفرج العربي من الخليج الى المحيط فبالإضافة الى أهمية هذا الفيلم الفنية والتقنية ، فهو أيضاً فيـلم جماهـيري من الـدرجة الأولى . ــ فاصل موسيقي ــ إن (الأرض) فيلم يحمل رؤية فنية وفكرية واضحة ، ويتحدث عن الفلاح والارض وضرورة الإنتماء إليها .. وبالتـالي فهـو فيـلم يدعـو الى الثـورة والـدفـاع عن مثـل هـذه المبـــادىء الإنسانية السامية . ويجدر بنا ان نذكر بان فيلم الارض قد أختير ليتصدر قائمة أفضل عشرة افلام في تاريـخ السيـنما المصـرية ، وذلـك في إستـفـتاء أجـرته مجــلة "فنـون" المصرية في عام 1984 . كتب السيناريو والحوار لفيلم "الارض" الكاتب والصحفي والفنان "حسن فؤاد"، عن رواية بنفس الإسم للاديب "عبد الرحمن الشرقاوي" . يحكي الفيلم عن نضال الفلاحين المصريين ضد الإقطاع في ثلاثينيات هذا القرن .. ولكنه في نفس الوقت يحمل ، رغم بساطته التعبيرية ، مضامين وإسقاطات على واقعـنا الحاضر ، ويتحـدث عن صراعنا الحضـاري ، ضمن رؤية سـياسـية وإجتـماعية عن الـواقــع المصري والعربي . ففي هـذه القـرية المصـرية الصغـيرة ، يـدور صراع بين الفـلاحين ، وعلى رأسـهم محمد أبوسويلم (محمود المليجي) ، وبين الاقطاعيين ، حول مـسألة الـرّي التي هي عصـب الحيـاة في كـل قرية زراعـية .. ومن الطبـيعي أن لا يتم إنتـصار الإقـطاعـيين إلا بمـسانـدة الدولة ، عبر أجهـزتها الأمنـية والعـسكرية . ــ فاصل موسيقي ــ وبالـتالي لا يستطيع تحالف أهـالي القـرية (الفلاحين) أن يصـمد أمـام تحالف الإقـطاع والـدولة .. فقـد نجـح هذا التحالف الأخـير من إحداث إنشقاق في وسط الفلاحين ، يجد معه محمد ابوسويلم نفسه وحيداً في النهاية مع أقلية . وقد كان بوسع الانتصار ان يتم لاهالي القـرية لولا هـذا الإنشـقاق ، والـذي حدث إنطلاقاً من مواقع طبقية . فالشيخ حسونة (يحي شاهين) مثلاً ، وهو المناضل الذي يعيش علي أمجاده الوطنية السابقة ، يتخلى في اللحظة الحاسمة عن موقعه النضالي المفترض ، حتى يضمن مصلحته الخاصة ، وكذلك المثقف والتاجر وغيرهم ممن خافـوا على مصالحـهم الفردية الخاصة . ــ فاصل موسيقي ــ وهكذا تفشل إنتفاضة الفلاحين في النهاية ، بالرغم من اللقطة الاخيرة ذات الدلالات القوية والتي تحمل الامـل كما تحمـل اليـأس في نفـس الوقت .. ولا يمكن لمن شاهد فيلم الارض ، أن ينسى تلك اللقطة الختامية ل"محمد ابوسويلم" وهو مكبل بالحبال والخيل تجرُّه على الارض وهو يحاول التشبث بجذورها . إن الفـيلم بنـهايته هـذه يفتـح الباب على مصراعيه أمام سؤال كبير ، يترك للمتفرج الإجابة عليه . نحن إذن ، في فيـلم الارض ، أمـام مضـمون قـوي يحـمل رؤيـة تقدمية عن ذلك الصراع الطبقي الحادث بين الفلاح والإقطاع في الفيلم .. وهذا المضمون ، بالطـبع ، يقف وراءه مخرج فنان ومثقف فيلسوف ، يعد من بين الكبار في الوسط السينمائي المصري ، فـ"يوسف شاهين" في هذا الفيلم قد توصل الى جـودة فنـية وتعبـيرية لم يكـن قـد توصـل إليها في أيٍ من افلامه السابقة لهذا الفيلم .. فقد برز كلاعب حاذق بالكاميرا ، الى جانب حرفيته في ادارة من معه من فنيين وفنانين .. وقد شهد له العالم ولفيلمه بذلك . ــ فاصل موسيقي ــ وعند الحديث عن الإستقبال الحار والنجاح الكبيرالذي لقيه الفيلم ، منذ عرضه الاول حتي يومنا هذا ، فمن الاهم ذكر وإستعراض آراء النقاد السينمائيين العالميـين عن فيلم الارض .. حيث أن (الأرض) ، وخلال العشرين عاماً الماضية ، عرض في أكثر من مهرجان عالمي ، وشارك في العديـد من الاسـابيع السـينمائية الخـاصة للفيـلم المصري والعربي في أغلب عواصم العالم في الشرق والغرب . فبعد عرض فيلم الارض في مهـرجان "كـــان" الـدولي ، تحـدث النـاقد الفرنسي "كلـود ميشيل" عن الفيلم ، فقـال : ...إنه من الضروري أن يعـرض المصريين افلامـهـم في المهرجانات ، طالما أن لديهم مستوى "الارض" الرفيع ... . ــ فاصل موسيقي ــ وقال النـاقد الفرنـسي "جـي أنبـيل" : ...إن "الارض" يتـمـيز بصدقـه وأمـانـته وواقعيته النقدية الراقية ... . أما النـاقد "مـارسـيل مـارتـان" ، فقد قـال : ... إن "الارض" فيـلم ملـتزم تنـبـع شاعريته من رسالته الثورية .. وانه يفتح المجال العالمي للسيـنما المصرية .. ذلك الفـتح الذي تأخر كثيراً ... . وفي مجـلة الابزرفاتور الفرنسـية ، كتـب النـاقد الفرنسي "جـان لـوي بورمي" تعليقاً عن الفيلم ، قال فيه : ... إن "الارض" ليس حدثاً بالنسبة للسينما العربية وحدها ولكن بالنسبة للسينما العالمية أيضاً ... . ــ فاصل موسيقي ــ وقال الناقد السينمائي "ماريو براون" ، عندما شاهد الفيلم في مهرجان كان : ... إن فيلم "الاض" المصري يتميز بالموهبة ، وإنه يعكس قصة الارض والذين يزرعونها .. الارض والذين يستفيدون منها .. الفلاحين وأبناء المدينة الفقراء .. والأغنـياء الأقـوياء .. والضعفاء... . أما "جيرارد كونستابل" ، فقال : ... إن فيـلم "الارض" علامـة طريق في تـاريخ السينما المصرية ، وهو جدير بإعجاب العالم مثل افلام هوليوود وروما وباريس ... . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (ليلة ساخنة) ، بطولة نور الشريف ولبلبة وسيد زيان وعزت أبوعوف ، ومن إخراج عاطف الطيب . وهو إنتاج عام 1995 . يؤكد فيلم (ليلة ساخنة) من جديد ، بأن وفاة مخرجه عاطف الطيب تعد خسارة فادحة للسينما المصرية وللفن المصري والعربي بشكل عام . فهي كذلك ليس لأن فيلم (ليلة ساخنة) يعد من بين أفضل أفلام هذا المخرج فحسب ، وإنما لأن المتفرج شعر بأنه قد حرم من أي جديد لهذا الفنان المتميز والمخرج الفذ . ــ فاصل موسيقي ــ ودليل حديثنا هذا هو ذلك الإقبال الجماهيري الكبير الذي حظي به هذا الفيلم عند عرضه في الصالات المصرية ، لدرجة أن الجماهير قد وقفت في طوابير زاد طولها عن المائة متر إنتظاراً لدورها في الدخول والإستمتاع بآخر رسائل عاطف الطيب إليها . الفيلم من بطولة نور الشريف ولبلبة . وعاطف الطيب ، كما هو معروف ، كان حريصاً دوماً في البحث عن قضايا تهم المواطن البسيط وتناقش مشاكله ، ذلك الإنسان المحاط بظروف إجتماعية ومعيشية صعبة وغير آمنة . هذا إضافة الى سعيه الدائم الى الصدق الفني . فهو في فيلم (ليلة ساخنة) يؤكد هذا الإهتمام ، ويقدم فيلماً واقعياً جميلاً وصادقاً . ــ فاصل موسيقي ــ الفيلم يدور في زمن قصير جداً ، وهي ليلة رأس السنة واليوم السابق لها ، اليوم الذي تتم فيه الترتيبات للإحتفال بهذه الليلة ، فهي بالطبع ليلة غير تقليدية للجميع .. وتعد مصدر فرح وبهجة للكثيرين من جهة ، ومن جهة أخرى تمثل مصدر رزق للآخرين . أما شخصيات عاطف الطيب ، فتدور في فلك شخصيتان محوريتان فقط ، الأولى شخصية سيد (نور الشريف) المواطن البسيط الذي يعمل سائق تاكسي يكسب منه لتربية وتعليم إبنه المعاق ذهنياً بعد أن توفيت زوجته وتركت له هذا الحمل . إضافة الى الطفل ، هناك أم زوجته المريضه يتحمل أعباء مرضها ، حيث تصاب بجلطة في المخ ، ويكون عليه أن يدبر مبلغ 200 جنيه تكلفة العملية التي قررتها الممرضة . لذلك فهو يطمح في أن يجمع هذا المبلغ من خلال عمله في ليلة رأس السنة . ــ فاصل موسيقي ــ والشخصية الثانية هي حورية (لبلبة) ، فتاة الليل التائبة ، والتي تعمل كخادمة في البيوت لتربية أختها الصغيرة ، وتطمح لجمع مبلغ 300 جنيه لتدفع حصتها في ترميم البيت المتضرر من الزلزال . وتدفعها ضروفها هذه لطريق الفحشاء مرة أخرى وأخيرة . حيث توافق على قضاء ليلة مع أحد الأثرياء في مقابل مبلغ كبير هي في أمس الحاجة إليه . يلتقي سيد مع حورية مصادفة في ليلة ساخنة كهذه ، هو كسائق تاكسي وهي كزبونة . تركب حورية التاكسي وهي في حالة غضب بعد أن تتعرض للسرقة من قبل بعض البلطجية ، والذين يأخذون منها المبلغ التي حصلت علية من الثري بعد ليلة ساخنة . ونرى كيف أن سيد يتعاطف مع حورية ويقبل أن يشترك معها في مطاردتهم ، بعد أن تعود عن نيتها في التبليغ عنهم في قسم الشرطة ، تحاشياً لأي بهدلة . وتبدأ رحلة حورية مع سيد في البحث عن هذه الشلة في الملاهي الليلية . ــ فاصل موسيقي ــ وفي هذه الرحلة غير العادية ، يقدم عاطف الطيب رصداً جريئاً لأبرز ظواهر الواقع المعاصر . ففي واحد من أبرز المشاهد في الفيلم ، ترصد الكاميرا ظاهرة التيار الديني المتطرف ومدى ميل أفراده الى التعنت والعنف . حيث يغلقون الشارع عقب صلاة العشاء للإستماع الى خطبة أحدهم ، غير مراعين بأنهم بذلك يعطلون أعمال الآخرين . إلا أن سيد يقرر التحدي ومواجهة هذا التعنت وعدم الخضوع لهم . فيتجه نحو الحشد بسيارته مخترقاً تجمع هؤلاء في مشهد بالغ التعبير ، غير آبه بما سيحدث له ، ضارباً بالخوف عرض الحائط ، ومؤمناً بأن الخوف منهم يزيدهم قوة وبطشاً . ــ فاصل موسيقي ــ كما يرصد الفيلم ظاهرة الشباب الطائش المتوجه للسهر في الملاهي والكباريهات في تلك الليلة بالذات ، وذلك عندما يهم حفنة منهم للإعتداء على حورية . ويستمر الفيلم في رصده للكثير من الظواهر ، حيث نرى خريجي الجامعة يعملون كمناوبين للسيارات أمام الملاهي الليلية . تعبيراً عن عدم رغبتهم في البقاء عاطلون عن العمل . وهناك الكثير من التفاصيل الصغيرة التي حرص السيناريو على وجودها ، لتزيد المشاهد قوة وتأثير ، حيث تتسم بها سينما عاطف الطيب . إضافة الى التصوير الحي والسريع واللافت في الشوارع والأزقة الذي عودنا عليه في غالبية أفلامه . وفي غمرة الأحداث والمواقف في مثل هكذا ليلة ، يميل سيد الى حورية التي أبدت تعاطفاً معه ومع إبنه ، لتؤكد له بأنها كإنسانة تصلح للوقوف الى جانبه وتشاركه هذه الحياة الصعبة والموحشة . أما الحدث الأهم في الفيلم ، فهو قتل أحد الأغنياء المتاجرين بقوت الناس من قبل متاجر آخر ، لإختلافهما حول المبلغ المستحق لأحدهما من جراء تسفير الشباب الى أفغانستان ، ليجد سيد وحورية في حوزتهما ثروة تزيد على المليونا جنيه . إلا أن سيد يقنع حورية بتسليم هذا المبلغ الى الشرطة والإستفادة فقط من المكافئة . ولكن لسوء تصرف السلطة المتمثلة في شخصية الضابط ، والذي إعتقل سيد وإتهمه بالقتل وبدأ التحقيق معه في حادث قتل الثري . لتعود حورية بالمبلغ ثانية وفي نيتها التصرف فيه مع سيد بعد إطلاق سراحه . لينتهي الفيلم مع شحنة كبيرة من الأمل والتأمل في المستقبل . في (ليلة ساخنة) ، نحن أمام فيلم جيد ، كتبه للسينما رفيق الصبان مع مشاركة بشير الديك ، يواصل فيه عاطف الطيب سعيه الدؤوب في تقديم سينما البسطاء . فالفيلم يعتمد على سيناريو جيد محبوك في أغلب مشاهده ، تتوفر فيه شروط النجاح الأساسية ، من موضوع شيق وشخصيات معبرة جسدها عاطف الطيب بصدق وإحساس بليغ ، من خلال العناصر والأدوات الفنية والتقنية التي إختارها الطيب بعناية فائقة ، مقدما للمتفرج آخر رسائلة السينمائية .. ونحن في إنتظار مشاهدة فيلمه (جبر الخواطر) الذي إنتهى منه قبل وفاته بأيام معدودة . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 27 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. هذا الأسبوع سنتحدث عن فيلمين يتناولان موضوع واحد ، ألا وهو بورسعيد وعالم التهريب ، الاول هو الفيلم المصري (حسن اللول) ، بطولة أحمد زكي شيرين رضا وعبدالعزيز مخيون وعزت أبوعوف وجمال إسماعيل ومحمد الدفراوي ، ومن إخراج نادر جلال . وهو من إنتاج عام 1997 . ــ فاصل موسيقي ــ يعد فيلم (حسن اللول) من بين أبرز الافلام التي عرضت هذا العام . فالفيلم نجح في أن يجمع كل مواصفات الفيلم التجاري ، وتوافرت فيه كل أسباب القبول الجماهيري .. (نجم شهير ، في دور البطل الذي لا يقهر .. نجمة شابة جميلة بل فاتنة تسير يخطى ثابتة نحو إحتلال مكانة شرعية على الشاشة .. ومخرج حركة متمكن أصبح يعرف تماماً قواعد اللعبة السينمائية) ماذا تطلب من فيلم تجاري إستهلاكي أكثر من هذا ؟ ــ فاصل موسيقي ــ من خلال الدعاية الصحفية عن فيلم (حسن اللول) ، التي ذكرت بأنه يدور حول شاب فقير يسعى الى الثراء السريع باللجوء الى مافيا المخدرات وعالم التهريب .. كان متوقعاً بأنه سيتبنى فكرة درامية مقتبسة وربما مملة ، ينقذها إخراج عالي الحرفية ليستهلكها الجمهور .. وكان هذا أقصى التوقعات . إلا أننا شاهدنا فيلماً قادراً على شد إنتباه المتفرج ، يضع نفسه في مقدمة أفلام الشباك . تفاصيل أحداث الفيلم مشبعة بوقائع إجتماعية وتاريخية محسوسة ، والمخرج وطاقمه الفني نجحوا في أن يجعلوا الفيلم يستمر متحدياً في السباق . فأحداث الفيلم السريعة وتفاصيل مشاهده المثيرة ، جعلتنا نشعر بالتفائل في أن يستمر هكذا حتى النهاية .. إلا أنه لا يفعل ذلك . ــ فاصل موسيقي ــ يحكي الفيلم عن حسن اللول (أحمد زكي) ، مهرب صغير من بورسعيد ، ينتمي الى أسرة بسيطة مكافحة ، شأنها شأن الكثير من الأسر المصرية .. يعمل مثل الكثيرين من مواطني بورسعيد في تجارة نصفها مشروع والنصف الثاني قائم على المهارة والذكاء وحسن التصرف مع ضباط الجمرك والمسئولين فيه . وهو بالرغم من إشتغاله في التهريب ، إلا أنه نموذج لإبن البلد ، كما عرفناه في الكثير من الافلام المصرية ، بشهامته وحسن تدبيره وإيمانه بقيم أخلاقية وإجتماعية ثابتة . هذا رغم الحياة التي يحياها والعمل الذي يمارسه . وربما يعود ذلك أصلاً الى تكوينه العائلي المتين ، والى إضطراره السير في طريق فرضته السوق الحرة المقامة في بورسعيد وإختلاف طرق الحياة فيها . فهو مثلاً لا يلوث يديه بتهريب المخدرات ، بل يحاول أن يأخذ الحياة (بفتاكة) .. يناورها بيديه وقلبه ولسانه . ــ فاصل موسيقي ــ أول ما يلفت الإنتباه في فيلم (حسن اللول) هو إختيار بورسعيد مسرحاً للأحداث ، مما أعطى الفيلم طابعاً مميزاً وجديداً على المتفرج ، هذا بالرغم من ضعف القصة وسطحيتها في بعض الأحيان . وقد نجح المخرج في إستغلال المدينة بكل ما فيها من مخازن كبيرة ومقاهي ولنشات بحرية ومصانع كبيرة ، التي ساعدته كثيراً في إبراز إمكانياته وإضفاء إيقاع حركي متميز ، وهو أسلوب يتميز به كمخرج . ومع وجود إحساس بطبيعة هكذا مكان ، وحوار ذكي وشيق ، كان هناك إهتمام بالتفاصيل الصغيرة التي تحيط بالموضوع الأساسي ، ألا وهو عالم التهريب . إننا هنا في مدينة بورسعيد بعد أن أصبحت منطقة حرة تتاجر في السلع الاستهلاكية .. إذن نحن نتابع عالم قائم على معايير ومقاييس محددة . فمن خلال أحداث الفيلم سنجد صوراً مؤلمة لمجتمع أصبح يفكر على نسق واحد .. فالكل يعلم ما يحدث من عمليات تهريب وعليه أما أن يشارك فيها أو يتغاضى عنها . ومن يقاومها مصيره الموت . ــ فاصل موسيقي ــ سيناريو فيلم (حسن اللول) يتمحور حول علاقتين يعيشهما حسن ، الاولى مع مأمور الجمارك مصطفى العربي (عبدالعزيز مخيون) القادم من الصعيد وهو يحمل دون أن يدري عوامل مصيره المأساوي .. وهي البراءة والشرف والجرأة على مواجهة عمليات التهريب . والعلاقة الثانية مع الفتاة فاطمة أو فتيما (شيرين رضا) الابنة المدللة لإمبراطور التهريب السرساوي (محمد الدفراوي) الذي كانت تعده مافيا المخدرات في القاهرة بواسطة مساعده زكريا (عزت أبوعوف) ليتحول من تهريب الاقمشة والآلات الكهربائية الى تهريب الهيرويين مقابل الثروة الهائلة والمساعدة في الانتخابات النيابية . ومن خلال تتابع الأحداث نكتشف بأن حسن اللول لم يكن سعيداً بمهنته ، فهو حاصل على دبلوم صنايع ، ولكنه يهوى السياقة لانها تساعده على الهرب من حزنه الدفين . ونراه يعاني كثيراً داخل مدينة موحشة نزح منها الاب والاخت ليعيشا في المطرية . ويعيش ذكريات حزينة عن شقيقه الذي مات غرقاً ضحية لفساد الذمم . وتأتي علاقته العاطفية بفتيما لتؤكد مدى أحاسيسه المرهفة وقدرته على التعامل مع الامور برجولة وأمانة . ــ فاصل موسيقي ــ لقد حقق نادر جلال وفريقه الفني فيلماً رفيع المستوى مليئاً بالتفاصيل التي تعكس تجاوباً مع المعايشة الذاتية لكاتب القصة ، سواء في إختيار الاماكن داخل مدينة بورسعيد في منافذها البرية والبحرية أو في تجسيد العلاقات المتشابكة بين الشخصيات بسلاسة وحنكة .. ولولا الثلث الاخير من الفيلم ، حيث تحولت الاحداث الى مجموعة من المشاجرات والمطاردات المنفذ بعظها بإهمال ، لتحقق لهذا الفيلم شأن آخر . ومن المهم أن نذكر بأن هذا الفيلم يقف وراءه فنان كبير وعبقرية نادرة في الأداء ، هو بطله الاول أحمد زكي ، الذي يتألق دائما ، ويقدم لنا وجهاً آخر من وجوه موهبته المتألقة التي لم يعد يشك فيها أحد . فهو في هذا الفيلم يأتي إلينا مغامراً شهماً ومقاتلاً شرساً .. حزيناً في أعماقه قادراً على العشق مرة وعلى التحدي مرات .. إنه يقدم لنا أفضل أدواره بعد (ناصر 56) . لقد فهم أحمد زكي بذكائه وحسه المشتعل طبيعة الدور التجاري الذي يلعبه في حسن اللول .. فعزف على أوتاره ونجج في ذلك . ثم لا بد من الإشارة الى أن المخرج نادر جلال قد نجح الى حد كبير في إختيار ممثليه بل وإكتشافهم من جديد ، فبالإضافة الى أحمد زكي ، قدم لنا شيرين رضا في دور جميل ومبتكر بوجهها الجميل الاخاذ وطريقة حركتها والحلاوة التي تقطر من عينيها ، فهي مكسب حقيقي للسينما المصرية .. رغم أن الطريق مازال طويلاً أمامها ، عليها أن تطوره لا أن تكرره . كما يؤكد الفيلم مرة أخرى على أن عزت أبوعوف هو نجم المستقبل للأدوار الثانوية ، بعد أن قدمه من قبل في أفلام (إمرأة هزت عرش مصر ، إغتيال) ، وذلك في شخصية الانتهازي الفاسد باستاذية تؤكد أن مكانة هذا الفنان قد أصبحت ثابتة في السينما المصرية وأنه قد أصبح من الدعائم الراسخة فيها . ــ فاصل موسيقي ــ إن الفيلم ينتمي بشكل مباشر الى نوعية الفيلم التجاري الجماهيري الذي يهدف الى التسلية والامتاع .. مع قدر بسيط من النقد الاجتماعي . فهو في تركيبتة وأسلوبه لا يقصد هز قواعد السينما .. أو تقديم إتجاه مبتكر .. أو طرح أسلوب سينمائي متجدد . إن الفيلم يقدم نفسه من خلال تركيبة معروفة ، سبق أن شاهدناها في الكثير من الافلام .. ولكنه يضيف إليها جرعات متقنة من تمثيل وتصوير وإخراج ، تجعلنا نعاود مشاهدتها دون إحساس بالملل أو الضيق . والفيلم شأنه في ذلك شأن معظم أفلام هذه الايام ، وإن كان يعرض لقضايا جديرة بالاهتمام ، إلا أنه يعرض لها على الهامش ، فيمر عليها مرور الكرام ، وبذلك تضيع رسالتة وسط ركام من مقبلات الفيلم التجاري . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (أهل القمة) ، بطولة نور الشريف وسعاد حسني وعزت العلايلي وعمر الحريري وعايدة رياض ، ومن إخراج علي بدرخان . وهو إنتاج عام 1981 . ــ فاصل موسيقي ــ فيلم (أهل القمة) هو الخامس للمخرج علي بدرخان ، بعد أفلامه (الحب الذي كان ـ 73 ، الكرنك ـ 75 ، شيلني وأشيلك ـ 77 ، شفيقة ومتولي ـ 1978 ) . ويأتي هذا الفيلم ليكون إضافة كبيرة وهامة لرصيد بدرخان الفني . حيث قفز به الى الصفوف الأولى في دنيا الإخراج في مصر . كما يعتبر (أهل القمة) من أهم الأفلام المصرية التي تناولت مرحلة الإنفتاح الإقتصادي ، بل وأنضجها ، حيث يشكل إدانة مباشرة لهذا الإنفتاح المشوه. الفيلم مأخوذ عن قصة قصيرة للكاتب نجيب محفوظ ، حولها بدرخان مع السيناريست مصطفى محرم الى فيلم جريء ومثير حقاً ، ويمس قطاعاً كبيراً في المجتمع المصري . كما يتعرض بالنقد والتحليل لقطاع إجتماعي أوجدته الظروف الإقتصادية في الشارع المصري المعاصر ، وهو قطاع التجار المهربين ــ فاصل موسيقي ــ يتناول الفيلم ثلاث شرائح أو أنماط من المجتمع ، من خلال ثلاث شخصيات رئيسية . الأولى هي زعتر النوري (نور الشريف) ويمثل نمط النشالين . والثانية هي شخصية زغلول بيك (عمر الحريري) ويمثل نمط الحرامية الكبار والمتسترين برداء البر والتقوى وتحميهم السلطة . أما الشخصية الثالثة فهي الضابط الشريف والمخلص لوظيفته ويمثله محمد فوزي (عزت العلايلي) . يركز الفيلم هلى التحول الذي يحدث للشخصية / النمط الأول ، وذلك لأن النمطين الآخرين واضحسن ، أما الأول فهو الذي يتشكل بالتدريج الى طبقة جديدة ، أكثر خطورة في مجتمع الإنفتاح .. طبقة تجمع بين النمطين الآخرين . وقد رمز الفيلم بهذا عندما إستبدل إسم زعتر النوري بـ (محمد زغلول) . ومحمد زغلول هذا ـ المنبثق من الجهل والإنتهازية والطامع لإثبات وجوده ـ يشكل أساساً لطبقة جديدة هجينة ليست لها أية مبررات أو مقومات للظهور سوى أسلوبها في الكسب المادي غير المشروع الذي حصلت عليه في عصر الإنفتاح . صحيح بأن الفيلم يكاد لا يدين هذه الطبقة الجديدة ، وصحيح بأنه ينجح في كسب تعاطف المتفرج نحوها ، إلا أنه ومن خلال أحداثه مجتمعة يكشف مدى خطورة هذه الطبقة وتأثيراتها المستقبلية على المجتمع . بل ويقول بأن الوضع إذا ما بقى على ما هو عليه سيصبح مجتمعاً تسوده الفوضى والإنتهازية ، ويتحكم فيه هؤلاء الحرامية والمهربين ، من هذه الطبقة الجديدة . ــ فاصل موسيقي ــ إن فيلم (أهل القمة) لا يحوي أحداثاً شديدة الإثارة ، وإنما الأفكار التي يطرحها ويناقشها مثيرة حقاً وواقعية جداً . وهي ـ بالطبع ـ أحداثاً لا يتخللها الملل ، هذا بالرغم من الرتابة التقليدية في الإخراج .. تقليدية حافظت ـ في نفس الوقت ـ على هدوء المشاهد وتسلسلها ، وأتاحت للحوار (أهم مكونات هذا الفيلم) أن يأخذ حقه في البروز .. حوار ساخن متدفق وغير مفاجىء ، ساهم في ذلك التصاعد الدرامي المنطقي لأحداث الفيلم ، وجعله قادراً على توصيل الصورة المرسومة بهدوء ودون إثارة أو إفتعال. ــ فاصل موسيقي ــ إن علي بدرخان في فيلمه هذا ، قدم فن السهل الممتنع ، وذلك بإعتماده على الأسلوب الواقعي ، وركز على إبراز التفاصيل الصغيرة والشخصيات الثانوية ، للمساهمة في إغناء الخط الدرامي الرئيسي وتعميقه . ومن أهم المشاهد الجيدة ، والتي تألق فيها بدرخان كمخرج .. وهي المشاهد التي أظهرت سوق ليبيا ، والتي بدت كفيلم تسجيلي . حيث نفذت بتقنية عالية أكدت قدراته على تحريك الكاميرا بخفة وسلاسة ملحوظة ، بين الجموع المحتشدة في السوق ، وإطلاقها وسط الزحام لتنقل لنا عشرات الوجوه المتعبة . هذا إضافة الى وجود مشاهد جيدة كثيرة ، كمشهد وداع سهام (سعاد حسني) لحبيبها في المطار ، والذي بدى أقرب الى مشاهد وداع الموتى . كذلك المشاهد التي جمعت سهام وزعتر وهما يخططان لمستقبلهما .. مشاهد في لقطات سريعة ومعبرة نفذها بدرخان من عدة زوايا متقنة وجميلة في مناطق مختلفة من القاهرة . ــ فاصل موسيقي ــ وهناك مشهد الختام المؤثر ، والذي جسد زفاف سهام المأساوي ، وسط جو مليء بالحرامية والمهربين والنشالين في قلب سوق ليبيا ، والحيرة والقلق يبدوان على وجه الضابط (شقيق سهام) لعدم قدرته على مواجهة هذا الواقع . حيث نراه ـ في لقطة قوية ومعبرة ـ يهرب وينغمس في زحام سوق الإنفتاح ، معلناً هزيمته أمام حرامية الإنفتاح . وبما أننا قد أشرنا الى إيجابيات الفيلم ، يجدر بنا أيضاً أن نشير الى أن الفيلم قد إحتوى على سلبيات وإخفاقات ، ربما لم ينتبه لها المتفرج ، وذلك لسيطرة الموضوع القوى والجريء . أهمها تلك العجلة في تنفيذ بعض المشاهد ، حيث بدى ذلك واضحاً في تنفيذ ديكور مقهى النشالين الضعيف ، مما أعطانا الإحساس بزيفه وعدم واقعيته . على العكس من ديكور شقة الضابط الذي جاء معبراً تماماً عن الوضع الإقتصادي المعيشي لموظف بسيط متوسط الدخل . ــ فاصل موسيقي ــ ثم لا ننسى أن نشير الى أن لجوء بدرخان ـ أحياناً ـ الى مغريات السوق التجارية ، قد أوقعه في أخطاء قد أضرت بالفيلم ، أكثر من الإضافة إليه . وقد دفعنا لهذا القول ، هو حشر شخصية سمعان (الذي لا يسمع) ـ مثلاً ـ أثناء مطاردة المهربين . صحيح بأن المتفرج قد ضحك على سمعان ، إلا أنه ضحك سطحي بدون عمق . وعلى العكس من الموقف الذي ينتفض فيه زعتر (محمد زغلول) ـ بشكل لاإرادي ـ لمجرد سماعه لشحص يصرخ حرامي ، معتقداً بأنه المقصود .. إلا أنه تذكر وضعه الجديد فواصل سيره . إنه حقاً موقف كوميدي ولكنه عميق ومؤثر وذو دلالة درامية تمس الموضوع مباشرة . نحن نقبل هذ الموقف كمتفرجين ، ولا نقبل ذاك . وبالرغم من هذه السلبيات ، إلا أن فيلم (أهل القمة) يبقى فيلماً هاماً وناجحاً على صعيد الجماهير والنقاد على السواء . حيث ساهم في نجاحه هذا ، تركيزه على سلبية واحدة من سلبيات الإنفتاح وهي التهريب ، بدل الضياع والتشتت في مواضيع كثيرة . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 28 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (موعد مع الرئيس) ، بطولة فاروق الفيشاوي وإلهام شاهين وكمال الشناوي ، ومجموعة كبيرة من الممثلين . هذا إضافة الى مجموعات الكومبارس الكبيرة ، باعتبار ان فيلمنا هذا ينتمي لفائمة الافلام ذات الانتاج الضخم ، وهو من إخراج محمد راضي . ومن إنتاج عام 1990 . ــ فاصل موسيقي ــ وعبارة (إنتاج ضخم) لا تعني بالضرورة ان يكون الفيلم ذا قيمة فنية أو فكرية معينة لمجرد ان منتجه قد صرف عليه كثيراً . فتاريخ السينما العالمية قد حفل بالكثير من هذا النوع من الانتاج ، سواء كانت افلاماً حربية أو تاريخية ، فأنتجت عشرات الافلام الرفيعة المستوى ، وكان هناك العديد من الاعمال المتدنية ، فقيمة الفيلم إذن تكمن في ذاته ولا تتحدد بانتمائه لهذا الاتجاه أو ذاك . وفيلمنا الذي نحن بصدد تناوله قد توافرت له إمكانيات إنتاجية كبيرة ، نسبة الي ما تنتجه السينما المصرية طبعاً . فالفيلم في مجمل مشاهده يحتوي على مجاميع تقدر بالمئات ، بينهم جنود الامن المركزي حيث نشاهدهم يؤدون تدريباتهم الشاقة في صفوف طويلة ومنتظمة ، ومجموعات من الكومبارس يمثلون سكان أحد الاحياء الشعبية ، يتحركون ككتلة واحدة . هذا إضافة الى الاسلحة وعربات الجنود والدراجات البخارية والطائرات المروحية ، جميعها كان له دور فيما شاهدناه من مطاردات وصدامات ومواجهات بين المجاميع والافراد . كل هذا كان يؤكد وصفنا للفيلم بانه ينتمي الى قائمة (الانتاج الضخم) .. لكن السؤال هو ماذا يحمل هذا الانتاج من مضمون فكري وفني ؟! نحن هنا ، عندما نريد البحث في ذلك ، لن نتطرق لسرد احداث الفيلم ، وإنما سنكتفي بالاشارة الى بعض المشاهد التي تهمنا في تناولنا له . ــ فاصل موسيقي ــ الفيلم بالرغم من تقليدية السرد الدرامي فيه ، إلا ان جزءه الاول كان أفضل من الثاني . فالجزء الاول إعتمد على عنصري الاثارة والتشويق في عرض قضية إجتماعية تناولتها الكثير من افلام الانفتاح ، والتي شكلت في عصر الانفتاح الاقتصادي أفضل وأكبر مجالات الاستثمار المالي السريع . مما ترتب على ذلك بروز ظاهرة الشراء أو الاستيلاء على الاراضي بالقوة ، وتحويلها الى مشاريع سياحية وإستثمارية جديدة . كان الصراع في الفيلم تقليدياً ، ويدور بين الخير (نائبة مجلس الشعب) المدافعة عن سكان الحي وعن حقوقهم ، وبين قوى الشر (الشركة الاستثمارية) التي إستصدرت حكماً قضائياً مزوراً باخلاء الحي من السكان بالقوة . والصراع بين الطرفين كان ما بين شد وجذب حتى نهاية الفيلم التي تعلن إنتصار الخير طبعاً . ــ فاصل موسيقي ــ ان الفيلم في بنائه العام ضعيف ، ولم يوفق في رسم شخصياته واحداثه ، فبدا أغلبها سطحياً ويفتقر الى العمق في التحليل . فعلى سبيل المثال هناك مشهد محاولة إخلاء الحي من السكان من قبل رجال الامن المركزي ، وهو من أضخم مشاهد الفيلم ، حيث مشاهد قوات الامن المركزي وهم يقفون في صفوف منتظمة وفي حوزتهم العصي والدروع ويلبسون الخوذات ، وبعضهم يضع كمامات علي الوجه كما لو كانوا سيدخلون حرباً كيماوية . وأمام كل هذه الاستعدادات التي تشكل تهديداً للسكان فانهم على إثرها يخرجون في كتلة واحدة كبيرة ، لا ليدافعوا عن مساكنهم ، بل ليهربوا مثل الجرذان ، وعبثاً من يحاول إرجاعهم الى مساكنهم ، فالجميع مصاب بالرعب ويطلب النجاة . ــ فاصل موسيقي ــ ان هذا المشهد بالذات ، رغم ضخامته ، يبدو ضعيفاً جداً من الناحية الفكرية ، إذ يعبر عن موقف متجن على هؤلاء الناس البسطاء ، فيظهرهم يصرخون ويولولون ويدوسون بعضهم البعض بالاقدام ، فقط لمجرد الهرب والنجاة من تهديد قوات الامن . ثم نشاهد ـ في نفس المشهد ـ الجنود وهم يضربون العجائز والنساء والاطفال بالعصي ، والعجيب ان الفيلم لا يتخذ موقفاً نقدياً ضد جهاز القمع ، بل علي العكس فهو يكيل له المديح في النهاية . لذلك فنحن لا نخرج بموقف واضح ، وإنما بموقف غريب ومشوش ، يجعلنا نعتقد تماماً بان هذا المشهد إنما جاء فقط لعرض (مشهدية ضخمة) للتأكيد على ان الفيلم ذو إنتاج ضخم . هناك ايضاً مشهد إنقاذ الطفلة من أيدي العصابة ، والذي جاء مشهداً ساذجاً ، حيث تم بسهولة شديدة ـ من قبل رجال الامن ـ تحديد مكان الطفلة المخطوفة . ثم تلك المعركة الحامية والمفتعلة لانقاذها ، لا تتناسب وحجم الحدث . ثم أننا لا نجد ما يبرر وجود تلك العلاقة العاطفية التي بين بطلة الفيلم وضابط الامن ، فوجودها قد أضر كثيراً بالمعنى العام للفيلم . فاذا كان ذلك لمجرد ايجاد المبرر لذلك الحماس لدى الضابط وإستبساله في إنقاذ البطلة وإبنتها ، فهو بالتالي مبرر فاقد القيمة . فعدم وجود تلك العلاقة يعطي شمولية أكثر عمقاً في قيام ضابط بمهمته الاساسية وهي مواجهة الارهاب . ثم ان وجود هذه العلاقة قد حول الاحداث ـ خصوصاً في الجزء الثاني من الفيلم ـ الى نموذج ضعيف من افلام العنف والمطاردات ، فليس بالضرورة ان يكون هناك حافز شخصي لكي يتصدى أي شخص ، وليس رجل الامن فقط ، للارهاب وللخارجين على القانون . ــ فاصل موسيقي ــ ولا يفوتنا الاشارة الى ذلك التطويل والتمطيط في احداث الفيلم . فهناك المقدمة غير الضرورية تماماً ، والتي جاءت لتجسيد (مشهدية ضخمة) ايضاً . وجاءت أقرب الى الفيلم التسجيلي المتقن الصنع عن معسكرات الامن المركزي وتدريباتهم . هذا إضافة الى مشاهد كثيرة يمكن إختصارها أو الاستغناء عنها تماماً . أما إختيار القطار للرحلة من القاهرة الى أسوان ، فقد جاء ـ كما يبدو ـ لايجاد مساحة زمنية إضافية للفيلم للمزيد من الاثارة والعنف . هذا إضافة الى ان القطار أساساً مكان يساعد على تجسيد هذه الاثارة . ــ فاصل موسيقي ــ عموماً فان فيلم (موعد مع الرئيس) ـ بكل هذا الضعف العام المنتشر بين ثناياه ، ومغالاته في التعبير عن قضايا الجماهير ، ثم تأكيده في الجزء الثاني حتى النهاية على ان كل إصلاح إجتماعي أو إداري يتوقف على مقابلة الرئيس ـ إنما ينم عن حلول ناقصة ورؤية أحادية . وبكل هذا ، يثبت لنا هذا الفيلم بان صفة الانتاج الضخم لا يمكن ان تجعل من العمل الضعيف والصغير في جوهره ، عملاً ضخماً وجيداً . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (قهوة المواردي) ، بطولة فريد شوقي ، يوسف شعبان ، نبيلة عبيد ، فاروق الفيشاوي ، ممدوح عبد العليم ، ومن إخراج هشام ابوالنصر . وهو إنتاج عام 1982 . ــ فاصل موسيقي ــ يعتبر فيلم ( قهوة المواردي) من بين أوائل الأفلام المهمة التي تناولت سياسة الإنفتاح الإقتصادي في مصر .. وهو الفيلم الثاني لمخرجه الدكتور هشام أبو النصر الذي سبق وقدم فيلمه الأول ( الأقمر) عام 1977 ، عن قصة لـ "إسماعيل ولي الدين" ، وبطولة نادية لطفي و نورالشريف .. وقد حصل فيلمه الاول هذا ، بعد عرضه عام 1978 ، على شهادة تقدير من جمعية كتّاب ونقاد السينما ، حيث قدم فيه هشام أبو النصر تشريحاً لقاع المجتمع المصري ، من خلال رصده لجامع الأقمر والجموع التي تحيا في ظله .. كما تحدث الفيلم عن القيم الأخلاقية عندما يتهددها الزوال ، وعن الأحلام التي تجهض وهي ما زالت في دور التكوين . ــ فاصل موسيقي ــ ففي ( الأقمر ) نشاهد النشال الذي يخدع خادمة عرجاء في غياب أسيادها ، وأمه العجوز المتسولة التي تعيش في خوف دائم علي مالها ، وتحتفظ به لكفنها .. والراقصة العاهرة التي تنفق على قوادها الطبال ، والذي يخونها مع زوجة عسكري البوليس .. وسائق التاكسي الذي يعول أمه وإخوته ، ويرفض العمل في توزيع المخدرات .. وصاحب المصنع المستغل .. وأسماء كثيرة أخرى نجدها في حيّ الأقمر . وبين كل هذا الحشد ، نجد "بسيمة" بائعة الفاكهة التي أستشهد زوجها في حرب أكتوبر 1973 ، وهي الوحيدة التي ما زالت تحتفظ بروحها وقيمها الأخلاقية والإجتماعية .. وتبدو في الفيلم كرمز لمصر التي إحتفظت بكبريائها وكرامتها رغم مرارة الحرب والهزيمة .. ثم هناك رمز آخر في الفيلم ، وهو جامع الأقمر المتداعي للسقوط ، والذي تحاول الحكومة هدمه ، ثم تعدل عن ذلك . ــ فاصل موسيقي ــ بعد فيلمه الأول ، توقف هشام أبو النصر عن الإخراج لفترة طويلة ، كان خلالها يواصل دراسته ، وهو خريج المعهد العالي للسينما بالقاهرة ، وإستطاع أن يحصل على درجة الدكتوراه في فن الإخراج السينمائي ، من جامعة كاليفورنيا بـلوس أنجلوس الأمريكية . ويعود أبو النصر ليخرج فيلمه الثاني ( قهوة المواردي ) ، المأخوذ عن قصة للكاتب الصحفي محمد جلال رئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون القاهرية .. أما كاتب السيناريو والحوار فكان السيناريست المتميز محسن زايد . ــ فاصل موسيقي ــ يحكي الفيلم عن حارة المواردي وأهلها ، الذين يعيشون حالة خوف بعد أن علموا بأن حسنين ابو سنة ( يوسف شعبان ) سيخرج من السجن ، حيث قضى عشر سنوات نزيلاً فيه ، نتيجة تسببه في سقوط أحد السكان من على سلم العمارة التي يملكها وأرداه قتيلاً . و"ابو سنة" هذا لا يتورع عن عمل أي شيء ، فهو إضافة الى إستغلاله لسكان العمارة ، كان يتاجر بالسموم المخدرة .. وبعد خروجه من السجن هذه المرة ، يصطدم بأهل الحارة ، ويجد بأن هناك متغيرات كثيرة حدثت وأستجدت في الحارة ، فيحاول السيطرة عليها بذكاء ، ومسايرة التيار وعدم السباحة ضده ، فيبدأ بلعبة البوتيكات والشقق المفروشة . ويلاحظ إبراهيم المواردي (فريد شوقي) ، صاحب المقهى المشهور والسند القوي لأهل الحارة ، كل هذا التغييرات التي تطرأ على الحارة من جراء ما يفعله "أبو سنة" ، ولكنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً ، فهو لم يتعد الحدود ، إذ أن الورقة التي يلعب بها ويربحها ترتبط برغبة أهل الحارة الذين تبرقهم المادة ويبيعون كل شيء بالدولارات والإسترليني ، وهذه القيم من أهم سلبيات عصر الإنفتاح . ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة للشخصيات الأخرى فهي كثيرة .. فهناك فراولة ( نبيلة عبيد ) إبنة المعلم "إبراهيم المواردي" ، جميلة الحارة التي تعيش مع مربيتها بعد وفاة والدتها .. وهناك أحمد ( فاروق الفيشاوي ) الصحفي الشاب ، والذي يقوم برصد كافة الأحداث والمتغيرات التي تستجد في الحارة ، ويقطن إحدى الغرف في منزل "المواردي" ، يحب "فراولة" لكنه لا يستطيع الإرتباط بها لضيق ذات اليد .. وشعبان ( ممدوح عبد العليم ) طالب الطب الذي يعيش الخوف وهو يرى التغيير القادم مع خروج "أبوسنة" من السجن ، فنراه مهزوزاً متلعثماً لايقوى على المواجهة . وكذلك صديق الإثنين محمود ( فريد محمود ) طالب الهندسة الذي يهوى السينما والسجائر الأمريكية ، ويرغب بالسفر الى أمريكا ، رغم الحياة التي يعيشها في كنف والده الموظف البسيط .. ثم هناك سفروت ( عبد السلام محمد ) صبي المقهى الذي يهيم حباً بإبنة المواردي ، بل ويحاول النيل منها ، لكنها توقفه عند حده ، هذا الـ"سفروت" الذي يصبح فجأة متيسر الحال يمتلك سيارة فارهة ويبعثر أمواله هنا وهناك ، بعد أن لجأ الى التجارة ومشاركة أحد الأثرياء في بورسعيد .. وشخصيات أخرى كثيرة تؤثر وتتأثر في أحداث الفيلم . ــ فاصل موسيقي ــ والفيلم زاخر بالأحداث والمفارقات الكثيرة ، والتي تؤكد على ذلك التغيير الحاصل في الحارة على جميع الأصعدة ، الأخلاقية والإجتماعية والنفسية وحتى السياسية .. أما النهاية ، فتكون مع نهاية "أبوسنة" ، الذي يقتل عن طريق شابين ملتحين لم نراهما طوال الفيلم ، فجأة نراهما يتهامسان وأنظارهما موجهة صوب "أبوسنة" ، ومن ثم نسمع صوت طلقات الرصاص .. لتعلن نهاية الطاغية وسط أفراح الجميع ، وإنطلاقة المتلعثم "شعبان" ، وصدور كتاب الصحفي "أحمد" ، وتعم الأفراح وتنطلق الزغاريد ، وتأتي الأناشيد الوطنية . ــ فاصل موسيقي ــ في فيلمه الثاني ( قهوة المواردي ) يواصل هشام أبو النصر تحذيره من إنهيار القيم .. فإذا كان في فيلمه الأول قد حذر من إحتمال هدم جامع الأقمر ، فإنه في فيلمه الثاني يعلي من صوته ويجعله واضحاً ، حتى ولو كان ذلك على جساب تقديم قيم فنية وجمالية .. لقد زادت جرعة الفساد كثيراً في ( قهوة المواردي ) ، وبالتالي كان يجب زيادة جرعة الدواء . لقد مرت خمسة أعوام بين الفيلمين ، تغيرت فيها مصر كثيراً ، وإمتدت الأذرع الإخطبوطية ، محاولة تكسير كل شيء ينبض بالأصالة والتراث .. مرت خمسة أعوام نضجت فيها شخصيات فيلم ( الأقمر ) بعضها أصبح أكثر قدرة على المطالبة بالتغيير ، وبعضها أصبح يملك تطلعات أكثر وطموحات أكثر .. وقد جاء رد الفعل للأحداث والمستجدات أكثر وضوحاً وأكثر إيجابية . ــ فاصل موسيقي ــ لقد تقدم هشام أبو النصر ـ بالطبع ـ من الناحية الفنية والتقنية ، عن فيلمه الأول ، إلا أن ( قهوة الواردي ) جاء مشحوناً بالحوار الكثيف ، مما أضعف من قيمة الصورة التعبيرية .. هذا أضافة الى تشعب الشخصيات وكثرتها ، فبالرغم من ترابطها ، إلا أنها قد ساهمت في عدم الترابط الواضح بين أفكار الفيلم .. وبالتالي فإن السيناريست محسن زايد قد أرهق نفسه كثيراً بطول الحوار وتنوعه ، وفي تشكيل هذا الكم الهائل من الشخصيات . هناك أيضاً بعض الأشياء التي لم ينجح الفيلم في إضهارها ، وكانت عبئاً ثقيلاً على الفيلم .. فمثلاً عندما يظهر الثري العربي في كل لقطة ، لابد وأن تصاحبه أغنية عربية ، وكأن المتفرج غبي لهذه الدرجة .. كذلك نهاية الفيلم ، والتي جاءت مباشرة وساذجة جداً .. حيث أن من مساويء أي عمل فني هو لجوئه الى المباشرة . نشاهد في المشهد الختامي "شعبان" الذي أخذ على عاتقه طبع كتاب "أحمد" الصحفي وهو يتقدم ويعطي "فراولة" وشاحاً أخضر ، كرمز للعلم المصري ، قائلاً : إن الحياة لابد وأن تبدأ من جديد وإن علينا أن نفتح النوافذ .. فإذا بنوافذ الحارة كلها تفتح ، تتبعها موسيقى سيد درويش وتردد الأناشيد الوطنية ، وكأن ما شاهدناه إنما هو ثورة سياسية على أوضاع معينة .. فالجميع يردد ( قوم يامصري .. مصر دايماً بتناديك ) ، مع مانشيت عريض هذا الفيلم صناعة مصرية . ــ فاصل موسيقي ــ وختاماً .. لابد من الإشارة الى أن فيلم ( قهوة المواردي ) يبقى من الأفلام الجريئة الهامة التي تناولت مساويء عصر الإنفتاح الإقتصادي في مصر ، بصرف النظر عن أسلوب معالجته للأحداث .. وقد عرض الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي السادس عام 1982 ، وحصل على جائزتين ، الأولى جائرة أفضل ممثلة لـنبيلة عبيد والثانية جائزة أفضل ديكور لنهاد بهجت . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 29 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم البريطاني (صرخة الحرية) ، وهو من إخراج ريتشارد اتنبرو وإنتاج عام 1988 . ــ فاصل موسيقي ــ الكثيرون بالطبع يتذكرون فيلم (غاندي ـ 1982) ، ذلك الفيلم الذي أثار إهتماماً جماهيرياً ونقدياً كبيراً ، إلا أن القليل من يعرف مخرجه البريطاني »ريتشارد أتنبرو« ، والذي سيكون ضيف حلقتنا هذه ، عن فيلمه التالي (صرخة الحرية) . و( صرخة الحرية ) فيلم ذو توجه سياسي ، وهذا واضح من عنوانه طبعاً . فهو يتناول قضية التمييز العنصري في جنوب أفريقيا ، من خلال قصة حقيقية للصحفي »دونالد وودز« ، معتمداً على كتاب له بعنوان (بيكو) ، يحكي تجربة هذا الصحفي الشخصية في جنوب أفريقيا . ــ فاصل موسيقي ــ يبدأ الفيلم بداية متوترة ، حيث الكاميرا ترصد وتنتقل في وسط أحياء السود ، وفجأة ينقض رجال الشرطة العنصرية بعرباتهم وكلابهم وكل وسائل العنف التي لديهم لتدمير وهدم المنطقة بأكملها . يتناول الفيلم ـ من منطق ليبرالي طبعاً ـ السنتين الأخيرتين من حياة المناضل الأسود »ستيف بيكو« ، والذي أسس وقاد حركة »الوعي الأسود« ، وكان من أبرز قيادات منظمة طلبة جنوب أفريقيا . وقد توفي بيكو في السجن تحت التعذيب في سبتمبر 1977. وفيلمنا هذا ، يحكي قصة هذا الزعيم من خلال علاقته بالصحفي وودز . كتب سيناريو الفيلم »جون برايلي« ، وهو كاتب سيناريو فيلم غاندي أيضاً . ــ فاصل موسيقي ــ في البداية تبدو لنا معارضة الصحفي »وودز« لقضية السود ، حيث أنه ظل لفترة طويلة معتقداً بأن البيض أفضل من السود ، ولهذا فهو يعارض حركة »الوعي الأسود« وزعيمها بيكو . فقد كان يهاجمه دائماً في مقالاته الصحفية ويتهمه بمحاولة خلق عنصرية سوداء في مواجهة البيض . ومع تطور الأحداث ، يقوم الصحفي بدعوة من بيكو بزيارة أحياء السود كي يتأكد من حقيقة موقفه وصحة أفكاره ، إلا أنه يفاجأ عندما يكتشف واقع الشعب الأسود وحقيقة الظلم والإستغلال والتمييز العنصري الواقع عليهم من البيض . هنا ينحاز تدريجياً لقضية السود والبحث في معاناتهم ، الى أن تتطور العلاقة بينه وبين بيكو الى صداقة ، ومن ثم يؤمن تماماً بعدالة قضية صديقه . ــ فاصل موسيقي ــ بعد هذا الموقف ، يرتفع مستوى الحوار واللغة السينمائية المعبرة تماماً عن الموقف بين المناضل الأسود والصحفي الجريء ، حيث تسبب هذه العلاقة للصحفي مضايقات من قبل الشرطة وتتكرر مداهماتهم لمنزله . وتأتي نقطة التحول الحاسمة في الفيلم عندما يقبض على بيكو من قبل النظام العنصري ، بسبب تركه لمكان تحديد إقامته الجبرية في منزله ، وذلك بعد أن أحرج هيئة المحكمة في دفاعه عن أحد السود ، وفضحه للأعمال الوحشية التي تقترفها سلطات جنوب أفريقيا ضد المواطنين السود . ويقتل بيكو في السجن من جراء التعذيب الوحشي ، إلا أن صديقه الصحفي يشك في أنه مات بسبب إضرابه عن الطعام ، كما جاء في تقرير الطبيب الشرعي والأجهزة الرسمية . لذا يقوم بحملة مكثفة من أجل إعادة التحقيق في الجريمة التي إرتكبها النظام العنصري ، وكشف الحقيقة للرأي العام ، خاصة وإنه تمكن من تصوير جثة بيكو ، التي تظهر عليها آثار التعذيب ، وبالتالي يصبح لديه دليل مادي لفتح التحقيق في هذه الجريمة . على ضوء ذلك ، تصدر الحكومة العنصرية حكماً بتحديد إقامة الصحفي هو الآخر ، ويعزل في منزله ، ويمنع من مقابلة أكثر من شخص واحد كل مرة خارج دائرة أسرته ، ويمنع من مغادرة منزله المراقب ليل نهار ، كما يمنع من كتابة أي شيء . ــ فاصل موسيقي ــ ويعيش الصحفي هذا الحصار لمدة خمس سنوات كاملة . ثم يدبر خطة مثيرة للهرب ومعه أسرته تاركين وراءهم كل شيء ما عدا الصور التي أخذها لجثة بيكو ، والكتاب الذي ألفه عنه وهو في عزلته بالمنزل ، وفي نيته طبعاً أن يفضح سياسة النظام العنصري ، وإعلان الحقيقة حول إغتيال صديقه بيكو ، وما صاحب هذا الإغتيال من ملابسات تتعلق بوقائع عديدة بينها إهدار الآدمية وهتك الحريات العامة وإغتيال لكل فضائل حقوق الإنسان وإعتداء على كل ما يتعلق بها من مواد المواثيق الدولية . ــ فاصل موسيقي ــ لقد بدأ المخرج للإعداد لهذا الفيلم ، مباشرة بعد إنتهائه من فيلمه (غاندي) . وذلك بعد أن بدأ هاجس التفكير يجنح به الى محاولة العودة لموضوعه المؤجل ، والذي كان يشغل باله دائماً . موضوعه هو قضية »الصرخة« والصراع من أجلها ، وهل يذهب به التفكير الى أمريكا الجنوبية أم أفريقيا الجنوبية . ففي أثناء إنشغاله بفيلم (خط الكورس) ، الذي قدم فيه معالجة سينمائية لمسرحية موسيقية ، يصله كتاب الصحفي وودز عن ستيف بيكو . وكان قد سمع عن وودز وعن سمعته الطيبة التي طارت قبله الى أوربا وكل العالم . وبعد قرائته للكتاب ، حرص على قراءة كتابه الآخر »البحث عن المتاعب« ، ومن ثم إلتقى بهذا الصحفي وإقترح عليه أن يقدم فيلماً عن الصراع من أجل الحرية ، عبر محتويات الكتابين اللذين يتعرضان لملحمة نضال بيكو وشعبه في جنوب أفريقيا . وقد كان لدى أتنبرو إقتناع بضرورة تبنيه لهذا النبض الراهن للحياة هناك ، ولكي يلتقي بنفسه مع القيادات التي تحارب العنصرية . ــ فاصل موسيقي ــ تبدأ زيارة المخرج الى جنوب أفريقيا في يناير 1984 حيث حاول قدر الإمكان أن يبعد رحلته عن الأضواء وعن إهتمام الصحافة . فبدأ بزيارة بعض الأصدقاء هناك لعدة أيام ، بعدها سافر الى سويتو ، ومنها الى كيب تون ، حيث نزل في فندق إلتزم فيه الحذر الذي يبعده عن أية مواجهة مع السلطات العنصرية . لقد كان أتنبرو حريصاً ، في رحلته هذه ، على لقاء صديق الصحفي وودز ومع زعيم الحزب الفيدرالي التقدمي الذي كان يكافح العنصرية ويتصدى لأتباعها داخل البرلمان وخارجه . وعندما إنتشر خبر وجود المخرج هناك ، جاءت الصحافة تسأله عن سبب الزيارة ، فأجابها دون أن يشير الى حقيقة مقصده ، مصرحاً بأن زيارته هذه خاصة وليس لها دوافع فنية . بعدها واصل لقاءاته مع معارف وأنصار الصحفي . هذا بالرغم من أن الصحافة لم تتركه وشأنه ، وإتهمته بعض الصحف الموالية للحكومة العنصرية ، بأنه يقدم عملاً تليفزيونياً عن الزعيم نيلسون مانديلا . بعدها ، يتحرك ركب المخرج بعيداً الى شمال جنوب أفريقيا ، فيلتقي مع بعض أصدقاء بيكو . ــ فاصل موسيقي ــ ومن الطبيعي ، من أن المخرج أتنبرو لم يسلم هو وعائلته من مضايقات بعض العنصريين البيض ومطاردتهم لسيارته . ولم يطمئن تماماً إلا بعد وصوله الى المطار ليستقل طائرة الى لندن . وفي أثناء عودته بالطائرة وهي تحلق فوق زيمبابوي المجاورة يقرر أن يستفيد من ذلك التشابه بين الدولتين في تصوير أحداث فيلمه . وفعلاً يتحقق ما أراد وينجح الفيلم وتصبح صرخته بمثابة نداء الى ضمير الإنسانية في كل مكان . وكانت الشركة المنتجة والموزعة للفيلم عالمياً قد إتفقت على عرضه في مدن جنوب أفريقيا ، وذلك من خلال المتاح من تلك الحرية الهامشية التي تتشدق بها مثل هذه الأنظمة العنصرية . إلا أنه قبل حفل الإفتتاح في جوهانسبرغ ، وخشية إنتقال صرخة الفيلم الى الجماهير تقرر سلطات النظام مصادرة الفيلم ومنع عرضه . ليكون هذا الحدث خبراً مصوراً وأول أخبار نشرة السابعة في التليفزيون الفرنسي ، ومن ثم في إذاعات العالم المسموعة والمرئية ، ولتصل عبر هذا النبأ صرخة الحرية لتدين ذلك السلوك الهمجي لتلك الأنظمة العنصرية . كانت هذه رحلة المخرج أتنبرو مع صنع فيلمه (صرخة الحرية) ، ويبقى لنا بعض الملاحظات التي لابد من طرحها ، ومناقشة الفيلم فيما قدمه من مضمون وفكر إضافة الى العناصر الفنية الأخرى . ــ فاصل موسيقي ــ إن فيلم (صرخة الحرية) ينقسم الى جزئين .. الأول منه يتناول قضايا التحرر والعنصرية ، أما الجزء الثاني فهو مغامرة الصحفي للهروب من جنوب أفريقيا . وإذا كان الجزء الأول يعتمد على الحوار الذكي والمشاهد المستوحاة من البيئة الأفريقية ، فإن الجزء الثاني يعتمد على حركة الكاميرا وتوتر الأحداث . هذا إضافة الى أننا نكتشف ـ بعد الساعة الأولى من الفيلم ـ بأنه ليس عن المناضل الأسود ستيف بيكو ، وإنما يعطي الدور الأكبر للصحفي ، بل إن أزمته مع النظام العنصري تصبح هي الأهم . أي إنه بدلاً من مشاهدة فيلم عن بيكو وقضية شعبه وجدنا قصة أخرى عن شجاعة رجل أبيض يتعرض لنفس المضايقات والعقوبات ، بل يصبح في نظر السلطة مناضلاً لا يقل خطورة عن بيكو . وبمعنى آخر أن الفيلم يتحدث عن الشعب الأفريقي الأسود من خلال بطل أبيض ، وهذا بالطبع ما يلبي حاجة الجمهور الغربي الذي تعود النظر الى قضايا شعوب العالم الثالث من خلال أبطاله هو . وهذا أمر يثير الكثير من الإشكالات من حيث التشكيك في مصداقية الفيلم . فمن المعروف أن بيكو نفسه قد بدأ حركته السياسية بالإنفصال عن الطلبة الليبراليين البيض ، وكان يدعو مواطنيه السود الى عدم الإعتماد على البيض في معركتهم المصيرية . وللعلم فإن الفيلم قد واجه رفضاً من قبل أرملة بيكو ورفاقه ، وذلك لإفتقاره الى الأمانة التاريخية ، ولعدم إهتمامه بالقضية الجوهرية . ــ فاصل موسيقي ــ وبالرغم من كل هذا ، فإنه لا يمكن نكران ذلك الجهد المبذول في تنفيذ الفيلم ، حيث تبدو مهارة المخرج في تحريك المجاميع ، خصوصاً في مشهد وداع المناضل بيكو ، والذي يعد من أجمل مشاهد الفيلم سواء في تحريك المجاميع أو في حركة الكاميرا البانورامية . وختاماً ، لابد من الإشارة الى أن فيلم (صرخة الحرية) يعتبر إدانة حقيقية وجريئة للوحشية التي كان يمارسها نظام جنوب أفريقيا العنصري . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (الحب فوق هضبة الهرم) ، بطولة آثار الحكيم + أحمد زكي + أحمد راتب + حنان سليمان + نجاح الموجي + حنان شوقي ، ومن إخراج عاطف الطيب . وهو إنتاج عام 1984 . ــ فاصل موسيقي ــ يناقش فيلم (الحب فوق هضبة الهرم) مشاكل الشباب المصري في الثمانينات ، وبالتحديد شباب الطبقة المتوسطة ، الذين يعيشون أزمات هذا العصر .. أزمات مثل السكن والعادات والتقاليد ، كما يناقش موضوعاً حساساً جداً يعاني منه الشباب العربي بشكل خاص ، ألا وهو موضوع الجنس . ــ فاصل موسيقي ــ ويقدم سيناريو الفيلم ، الذي كتبه مصطفى محرم ، شخصيات واقعية جداً في المجتمع ، فنحن أمام عليّ (أحمد زكي) شاب في الثامنة والعشرين من عمره ، تخرج من كلية الحقوق وعين في إدارة من إدارات الدولة لكي لا يعمل شيئاً ، لذلك نجده يمضي الوقت بالتسكع في الشوارع ، راتبه الشهري ضئيل لا يسمح له بالتفكير في الزواج في هذا الزمن الرديء ، عاجز عن حل مشكلته الحيوية ، لذلك يلجأ الى العلماء ورجال الفكر لحلها ، لعله يجد عندهم الحل . أما الشخصية الرئيسية الثانية ، فهي رجاء (آثار الحكيم) البنت المثقفة ذات الشخصية القوية ، والتي تربت على تحمل المسؤولية وحب القرار . ترتبط بعلاقة حب مع عليّ ويتفقان على الزواج ، لكن الظروف والتقاليد تحاصرهما من كل جانب . لدرجة أنهما يجدان صعوبة للإختلاء بنفسهما حتى بعد زواجهما ، لينتهي بهما المطاف في السجن . وهناك أيضاً نهى (حنان سليمان) شقيقة عليّ الطالبة في الجامعة ، والتي تتزوج من سباك (نجاح الموجي) بعد نقاش بين أفراد الأسرة ، نتيجة ذلك الفارق الإجتماعي والثقافي بين الإثنين ، ولكنهم في النهاية يقبلون بهذا الزواج كأمر واقع نتيجة المتغيرات الإقتصادية والمعيشية في ظل مجتمع الإنفتاح . أما أبو العزايم (أحمد راتب) صديق عليّ ، فهو يلجأ الى إمرأة تكبره سناً ، يبيعها نفسه في مقابل ثروتها ومسكنها الفاخر ، ويحاول إقناع عليّ بسلك نفس الطريقة ، بدلاً من التسكع في الشوارع للبحث عن الأنثى . هذا إضافة الى الكثير من الشخصيات التي أعطت إيحاءات للوضع المأساوي الصعب في مجتمع الثمانينات . ــ فاصل موسيقي ــ ولكن ، بالرغم من كل هذه الأفكار والشخصيات التي طرحها الفيلم ، فهو لم يقدم جديداً في المعالجة الدرامية وبدا تقليدياً في تركيبته وكتابته للسيناريو ، وبسيطاً في تكويناته الجمالية للصورة . وكان إعتماد السيناريو على الحوار بشكل كبير في توصيل أفكار الفيلم ، وأعني الحوار الزائد في كثير من المشاهد . صحيح بأن هناك جهداً مبذولاً في إخراج الكاميرا من الأستوديو والنزول بها في شوارع القاهرة ، بإدارة المبدع سعيد شيمي ، خصوصاً الكاميرا المحمولة التي أضفت نوعاً من الحركة على المشاهد . إلا أن كل هذا لم يمنع الفيلم من الوقوع في الدراما التقليدية . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 30 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (شارع السد) ، بطولة فاروق الفيشاوي وشيريهان ، وهو من إخراج محمد حسيب ، ومن إنتاج عام 1986 . ــ فاصل موسيقي ــ فيلم (شارع السد) ، هو التجربة الثالثة التي جمعت الثنائي الفني المخرج محمد حسيب والكاتب أحمد عبد الرحمن . بعد فيلميهما (الكف ـ إستغاثة من العالم الآخر) والإثنان من إنتاج عام 1984 . والثنائيات في التأليف والإخراج ظاهرة منتشرة في العالم أجمع ، وبدأت تتضح معالمها بشكل أكثر في السينما المصرية في السنوات الاخيرة . فهناك تجربة محمد خان مع كل من بشير الديك ورؤوف توفيق وعاصم توفيق . وتجربة عاطف الطيب مع وحيد حامد . وشريف عرفة مع وحيد حامد . وخيري بشارة مع فايز غالي . وتجربة علي عبد الخالق مع محمود أبو زيد . وهي بالفعل تجارب حققت نجاحات كبيرة فنياً ، وذلك بسبب تقارب الطرفين في الإهتمامات والأفكار . فأي مخرج بالطبع يتمنى أن يجد كاتب السيناريو الذي يعبر عن رؤيته وعما بداخله من أحلام وطموحات. وأي كاتب سيناريو بدوره يحلم بالمخرج القادر على تجسيد النص الذي كتبه كما تخيله ووفق ما يعتقده . يتحدث المخرج محمد حسيب في هذا الصدد ، فيقول : ... شارع السد هو اللقاء الثالث بيننا ، أي إننا لم نتعاون في عدد كبير من الأفلام ، وإن كنت أتمنى ذلك ، لأن أفكارنا وميولنا وإتجاهاتنا تتلاقى وتكمل بعضها البعض ، وكلانا مولع بالتجربة والرغبة في التجديد . وأرجو أن نوفق الى النجاح مع كل خطوة نخطوها سوياً ... . ــ فاصل موسيقي ــ في الفيلمين الأولين تناول محمد حسيب وأحمد عبد الرحمن موضوعان جديدان على السينما المصرية ، وسلكا طريقاً محفوفاً بالمخاطر والمجازفة الفنية . حيث تناولا عالم الغيبيات والميتافيزيقا في فيلمهما الأول ، وظاهرة التخاطر (إستقبال رسائل من الأموات) في فيلمهما الثاني . وقد نجحا الى حد كبير في إضافة دم جديد للسينما المصرية . أما في فيلمهما الثالث (شارع السد) فقد إبتعدا كثيراً عن هذه النوعية وقدما فيلماً واقعياً جداً عن الحارة والشارع المصري بشكل جميل ومتقن . ــ فاصل موسيقي ــ وقبل البدء في الحديث عن فيلم (شارع السد) ، كان لابد لنا من التعريف بالمخرج محمد حسيب . فقد بدأ إهتمامه بالسينما منذ كان في الثانوية ، إنما علاقته بالسينما والفن بشكل عام لم تبدأ إلا عندما أعلن التليفزيون المصري عند إفتتاحه عن حاجته لموظفين في قسم الرسوم المتحركة . فإلتحق بالتليفزيون ثم طلب نقله الى أستوديو مصر ، بعد علمه بوجود أجهزة حديثة للرسوم المتحركة هناك ، تستخدم فقط في عمل تترات الأفلام . ومن أستوديو مصر الى مدينة السينما ، بدأت الفترة المهمة في حياته ، حيث حقق فيها عدداً من الأفلام التي إشتهرت في فترة الستينات . صحيح بأن محمد حسيب لم يدرس السينما ـ علماً بأنه أصبح مشهوراً في مجال الإعلان والرسوم المتحركة ـ إلا أنه أبى أن يظل إهتمامه منصباً عليهما فقط . من هنا بدأ يتفرغ لدراسة ما أتيح له من كتب السينما ، هذا إضافة الى إحتكاكه ببعض المخرجين الذين تتطلب أفلامهم وجود بعض الخدع أو رسوم متحركة . حيث كانت بالنسبة له فرصة حقيقية للدخول في مناقشات واسعة حول السينما ، كما أكسبته معايشة تصوير هذه الأفلام خبرة كبيرة . ــ فاصل موسيقي ــ وإستمر محمد حسيب هكذا يقرأ ويناقش ويعمل ، حتى واتته الفرصة لإخراج أول أفلامه (إن ربك لبالمرصاد) عام 1980 ، بعد أن إلتقى مع كاتب السيناريو بشير الديك ، ولأنه واجه عقبات وصعوبات لإيجاد منتج يقبل الدخول في مغامرة مع مخرج جديد ، فقد صمم على إنتاج الفيلم بنفسه . وفعلاً حصل بعد أن ساهم نجما الفيلم محمود ياسين وحسين فهمي في ظهور الفيلم الى النور . وقد نجح الفيلم جماهيرياً ، بل وإستمر عرضه إحدى عشر أسبوعاً بالرغم من إحتوائه على الكثير من سلبيات العمل الأول . وقد أثار نجاح فيلم محمد حسيب دهشة بعض العاملين في الوسط الفني ، حيث كانوا يصفونه بـ ( مخرج الإعلانات ده .. حسيب بتاع التترات ) . وهم لا يعرفون بأن خبرة محمد حسيب في مجال الرسوم المتحركة قد جعلته يكتسب قدرة كبيرة في السيطرة على الكادر السينمائي الواحد ، حيث كان يقوم برسم الشخصيات وحجم اللقطة وشكل الحركة داخل الكادر على الورق قبل بداية التصوير . ــ فاصل موسيقي ــ لم يكتفِ محمد حسيب بما حققه ، بل تفرغ تماماً للقراءة في كل العلوم الأخرى ، فإتجه لدراسة علم النفس والإقتصاد والموسيقى ، وإلتحق بمعهد النقد الفني ، وتعرف على الكثير من الأفكار والإتجاهات النفسية والفكرية . وما كان سينجح بالطبع في فيلميه التاليين (الكف ـ إستغاثة من العالم الآخر) لولا هذه الفترة التي درس فيها أصول علم النفس . ويأتي فيلم (شارع السد) ليؤكد بأن محمد حسيب يعد واحداً من أبرز المخرجين المصريين الشباب . ــ فاصل موسيقي ــ تدور أحداث فيلم (شارع السد) في أحد الشوارع الشهيرة بحي السيدة زينب وهو شارع السد ، حيث يحكي جانباً مختصراً لحياة الباعة الجوالين من خلال شخصية عطوة (فاروق الفيشاوي) كنموذج هؤلاء الباعة المسلوبو الإرادة ، الذين يتعرضون لأبشع عملية إستغلال على يد التجار الكبار المستفيدون من مناخ الإنفتاح ، والمتحكمون في السوق ومحتكروا بضاعته ، ويمثلهم في السوق المعلم عاشور (إبراهيم عبد الرازق) . ويتناول الفيلم هذا الصراع الدائر بين الطرفين (عطوة ـ عاشور) . فنحن هنا أمام شاب نازح من الريف يحاول أن يعيش حياته في شرف وأمانة دون الإنسياق وراء الحرام رغم مغرياته الكثيرة . هذه هي الفكرة الرئيسية التي يعتمد عليها الفيلم ، إضافة الى فكرة الصراع التقليدي بين الخير والشر . وهي أفكار بسيطة ومكررة في الكثير من الأفلام . إلا أن محمد حسيب وأحمد عبد الرحمن قدما بها فيلماً غير تقليدي ، وذلك بإبتعادهما عن المبالغات الدرامية والإعتماد على الصدف التي تحويها أغلب الأفلام . كما إستطاعا الى حد ما إضفاء إسقاطات عصرية للصراع الدائر بين الشرفاء ومافيا الإنفتاح في شارع السد ، وتبيان سيطرة هؤلاء التجار وحربهم الشرسة ضد عطوة وأمثاله ، حتى لا يبقى هناك من يتمرد على قوانينهم. ــ فاصل موسيقي ــ ما يعاب على الفيلم فقط ، هو تركيزه على الصراع من جانب شخصي ، والدخول في مصادمات فردية بين عطوة وعاشور ، وعدم إهتمامه بشكل أعمق بالشريحة الإجتماعية نفسها وتجسيد معاناتها في إطار ذلك الصراع الإجتماعي . ولكن رغم ذلك ، فالفيلم نجح في توصيل هذا المفهوم البسيط من خلال نسيج درامي وطرح واقعي مقنع وسيناريو متقن ومتكامل الى حد كبير . ــ فاصل موسيقي ــ وقد ساهم الأداء التمثيلي الجيد والطبيعي في الإرتقاء بمستوى الفيلم ، حيث قدم فاروق الفيشاوي واحداً من أهم أدواره على الشاشة ، وإستطاع أن يثبت بأنه ممثل قدير بإمكانه التنقل من مهنة عتال الى بائع حيلاتي وغيرها ، وذلك بخفة الدم الممزوجة بذكاء إبن البلد البسيط . وهناك أيضاً شيريهان التي قدمت دوراً مميزاً ، وإن لم يكن أفضل أدوارها ، فهي بهذا الدور قد بددت كل ما يقال عنها بأنها مجرد ذيكور جميل وبضعة فساتين ، وأكدت بأنها قادرة على تجسيد أحاسيس ومشاعر لحالات نفسية عميقة . ــ فاصل موسيقي ــ أما المخرج محمد حسيب ، فقد وفق كثيراً في السيطرة على كافة أدواته الفنية والتقنية ، بدءاً من إختياره لمجموعة الفنانين والفنيين الذين عملوا معه الى إختياره الموفق لزوايا التصوير وحركة الكاميرا وأحجام كادراته الى التحكم في درجات الإضاءة والظلال التي كان وراءها مدير التصوير المبدع سعيد شيمي . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (البريء) ، بطولة آثار الحكيم وأحمد زكي ومحمود عبد العزيز وإلهام شاهين وممدوح عبد العليم وجميل راتب وصلاح قابيل وأحمد راتب ، ومن إخراج عاطف الطيب . وهو إنتاج عام 1985 . ــ فاصل موسيقي ــ يعتبر (البريء) من الأفلام الجريءة القليلة التي تناولت السلطة ونظام الحكم . فقد أثيرت حوله ضجة رقابية وإعلامية بسبب إعتراض الرقابة والحكومة المصرية على الكثير من مشاهده ، وبالتالي تأخر عرضه كثيراً. يحكي الفيلم عن أحمد سبع الليل (أحمد زكي) الفلاح البسيط ، ويروي أدق التفاصيل عن حياته اليومية في الريف ، حيث يعيش هذا الفلاح مسالماً في قريته ، ملتحماً بالأرض وهمومها ، مهتماً بأهله وبمشاغله الحياتية المعيشية وإستمرارية الحياة . كل هذا قبل أن يطلب للخدمة العسكرية ، ويعين حارساً في معتقل سياسي بالصحراء . ويرى بنفسه أبناء الوطن يزجون في السجون . وعندما يسأل سبع الليل .. من هؤلاء المواطنين الذين يعاملون بهذه القسوة ؟ يأتيه الجواب .. بأنهم أعداء الوطن !! ولأنه مفروض عليه بأن يحمي الوطن فعليه أن يكون شرساً في معاملته لهؤلاء . وبذلك يتحول سبع الليل الى جلاد لنخبة من أدباء ومثقفين مصر .. ويكون كلباً من كلاب الضابط شركس (محمود عبد العزيز) هذا العسكري السادي الذي يتلذذ بتعذيب المعتقلين بوحشية . ــ فاصل موسيقي ــ وفي يوم يصل فوج جديد من المعتقلين ، ليجد هذا الفلاح البسيط نفسه مضطراً لتعذيب إبن قريته ورفيق صباه حسين (ممدوح عبد العليم) . هنا يبدأ سبع الليل في التشكيك فيما يقوم به ، حيث لا يمكن أن يكون حسين عدواً للوطن !! هكذا يلح الهاجس عند سبع الليل . فيرفض تنفيذ أوامر الضابط ، لدرجة أنه يفضل أن يسجن مع صديقة حسين في زنزانة واحدة . وتصل الأمور لذروتها ، عندما يموت حسين من جراء التعذيب أمام ناظريه . وإنتقاماً لصديقه ولمجمل المعتقلين الأبرياء ، يتناول سبع الليل بندقيته الرشاش وهو أعلى برج المراقبة ويصوب على كل حراس المعتقل في غضب وتحدي . وبعد أن يقضي على الفساد (هكذا يعتقد) ، يتناول سبع الليل نايه الذي كان قد أمر برميه سابقاً ، ويبدأ في العزف عليه ، لولا أن رصاصة تنطلق من بندقية »بريء« آخر ترديه قتيلاً . لينتهي الفيلم بـالبريء الجديد وهو يسير بفخر مبتعداً بين جثث الجنود ، معتقداً بأنه قد قام بواجبه تجاه الوطن . ــ فاصل موسيقي ــ عند الحديث عن فيلم (البريء) ، لا بد لنا من التوقف كثيراً أمام أداء أحمد زكي كفنان كبير يمتلك طاقات تمثيلية عبقرية ، تشكل إختياراته لأدواره عاملاً مهماً في تألقه الفني . ففيلم (البريء) هو فيلم أحمد زكي بحق . وهذا ـ طبعاً ـ ليس إنتقاصاً من تميز فيلم جريء عميق الدلالة قوي الإخراج ، وإنما هي حقيقة واضحة تؤكد بأن الفيلم ينتمي الى أحمد زكي في جوانب كثيرة . فشخصية سبع الليل أداها هذا الفنان ببساطة وصلت أحياناً الى حد السذاجة التي يحتاجها الدور فعلاً ، ولم يتخلى عنها لحظة واحدة . إننا نشعر بأن أحمد زكي لا يمثل وإنما يقدم جانباً من شخصية موجودة في أعماقه ولم تلوثها المدنية بعد . وأكاد أقول بأن عبقرية هذا الفنان هي التي جعلت من سبع الليل شخصية تتجاوز مرحلة السكون وتتحول من مجرد كلمات على الورق الى نبض حار متدفق ومؤثر ، حيث جاء ذلك بأسلوب بسيط ومتمكن في الأداء يعتمد اللمحة بدلاً من الكلمة والحركة عوضاً عن الصراخ الزاعق . ــ فاصل موسيقي ــ إن ما سبق ، ليس إلا وسيلة للوصول الى حقيقة واحدة ، وهي أن أداء أحمد زكي كان هو الفيصل الحقيقي الذي جعلنا نصدق سبع الليل ، ونتابع معه خطوات مغامرته الكبيرة هذه . إنه بهذا الصدق في الأداء قد جعل المتفرج يتعاطف مع الشخصية الى درجة التماهي ، حيث أن المتفرج قد نسى أو تجاهل أن يفتش عن الأخطاء والسلبيات التي إحتواها الفيلم . بل إن هذا التماهي قد جعله لا يرى ما يمكن أن يخالف المنطق أحياناً . ــ فاصل موسيقي ــ صحيح بأن فيلم (البريء) قد تناول موضوعاً خطيراً ومهماً ، إلا أن هذا التناول لم يتلائم وحساسية هذا الموضوع . فالمعالجة جاءت تقليدية وضاعت بين الميلودراما المؤثرة المصحوبة بالعنف ، وبين إطروحات الفن الملتزم والموضوع السياسي . لهذا جاء الفيلم ركيكاً في كتابته الدرامية ، معتمداً في نجاحه على فكرته الجريئة . إلا أنه يمكن الإشارة ، في أن السيناريو قد نجح في الخروج من إطار المعتقل ، عندما كانت الكاميرا في الريف مع سبع الليل ، تنقل لنا الخلفية الإجتماعية والحياتية لبطل الفيلم ، لكي تكون تصرفاته بعد ذلك مبرره ومنطقية . ــ فاصل موسيقي ــ وفي المقابل ، لم ينجح السيناريو كثيراً في خروجه مع الضابط من المعتقل ، رغبة في إعطاء شخصيته عمقاً وبعداً نفسياً وإجتماعياً ، حيث لم يؤثر ذلك في شخصية الضابط ولم يبرر تصرفاته السادية .. بل كان من الأفضل الإستغناء عن هذه اللقطات ، طالما لم تؤدي الغرض المطلوب منها . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 31 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (زوجتي والكلب) ، بطولة محمود مرسي وسعاد حسني ونور الشريف ، إخراج سعيد مرزوق . وهو من إنتاج عام 1971 . ــ فاصل موسيقي ــ في حلقتنا هذه ، سنتوقف كثيراً أمام (زوجتي والكلب) وهو فيلم هام ، يعد من بين الأفلام القليلة ـ بل والنادرة ـ التي مازالت حاضرة في ذاكرة السينما .. فيلم مازال يحتفظ بنفس البريق الأخاذ ، ويشكل بحق علامة بارزة في تاريخ السينما المصرية .. هذا الفيلم ، الذي أحدث إنقلاباً فنياً خطيراً في موازين لغة السينما المصرية آنذاك ، فقد إستطاع مخرجه سعيد مرزوق أن يحطم الكثير من قيود وتقاليد السينما المصرية المتوارثة منذ بدايتها ، وقدم فيه مستويات جديدة في اللغة السينمائية ، من سيناريو ومونتاج وتصوير وإخراج . ــ فاصل موسيقي ــ كتب السيناريو والحوار لفيلم (زوجتي والكلب) سعيد مرزوق نفسه ، إضافة الى الإخراج .. ولكن لظهور مثل هذا الفيلم الى النور ، كان لابد من وجود منتج فنان ، منتج جاد وجريء ، ليقدم مخرجاً جديداً وفيلماً جريئاً كهذا .. فكان هذا المنتج هو الفنان المبدع عبدالعزيز فهمي . ففي (زوجتي والكلب) ، لم يكن السيناريو إلا وسيلة لصناعة الصورة السينمائية وتشكيلها ، خصوصاً إن مرزوق إبتعد عن السرد والحكاية التقليدية ، وأخضع المعاني للغة الكاميرا . كما أنه إبتعد عن تراكم الأحداث والعلاقات ، وركز على الإنفعالات والأحاسيس داخل الإنسان نفسه .. وحرص أن يكون هذا الفيلم كالحياة نفسها ، في قلقها وتنوعها وعدم تسلسلها ، وفي عدم خضوعها لخطة منطقية على وتيرة واحدة . كما حرص على أن تكون الصورة ـ بكل مستوياتها وتدرجاتها ـ هي سيدة الموقف ، مما جعل هذا الفيلم محاولة ناجحة من سعيد مرزوق للدخول في أعماق النفس الإنسانية للشخصية المحورية ، وذلك من خلال شخصية الريس مرسي (محمود مرسي) . ــ فاصل موسيقي ــ فنحن هنا أمام شخصية مريضة نفسياً وأسيرة للهواجس وأحلام اليقظة القاتلة ، فهو في وحدته يتصور بأن زوجته (سعاد حسني) تخونه مع أعز أصدقائه وزميله في العمل (نور الشريف) ، رابطاً بين هذا الفعل وبين مغامراته السابقة مع زوجات أصدقائه ، والتي رواها مرة لصديقه هذا . وحول هذه الشخصية تتشابك العلاقات وتدور أحداث الفيلم ، والتي تجري في فنار مهجور ، يعمل فيه رجال قساة الوجوه ، يحيون بعيداً عن بهجة المدينة وفرح الأهل والأصدقاء .. ومن الطبيعي أن تكون هذه العزلة ، والتي تتطلبها ظروف عملهم ، سبباً في تكثيف حرمانهم وتصعيد هواجسهم وقلقهم حتى الذروة . ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة للغة الإخراج في الفيلم ، فقد كانت جديدة ومبتكرة الى حد كبير ، حيث إستطاع سعيد مرزوق ، من خلال لغة الصورة ، تقديم مشاهد تمتاز بالبساطة في الشكل ، لكنه ضمَّنها شحنات فكرية عميقة ، ذات دلالات رمزية أحياناً ، وأحياناً أخرى حمَّلها دلالات كوميدية ساخرة ، مبتعداً بذلك عن أي إفتعال أو تعقيد . كما إنه ، وبأسلوبه الجديد هذا ، قد حطم ذلك الأسلوب التقليدي التتابعي في الإخراج ، وحاول السير على نهج الفكر الجديد في السينما ، والذي يعتمد أساساً على الصورة كسبيل لمخاطبة المتفرج ، مستعيناً عن الحوار بإيماءات الصورة وتلميحاتها . ــ فاصل موسيقي ــ ومما لاشك فيه ، بأن تعاون سعيد مرزوق مع عبدالعزيز فهمي قد أثمر فيلماً جديداً وجميلاً ، كان بمثابة مفاجأة حقيقية للوسط الفني والسينمائي المصري آنذاك . فقد وجد عبدالعزيز فهمي ـ أيضاً ـ في هذا الفيلم ما يطمح أليه هو ، حيث أن هذا الفيلم كان مناسبة لإبراز إمكانياته وقدراته الفنية في التصوير . فعبدالعزيز فهمي يعد من أبرز وأهم مديري التصوير العرب وأكثرهم خبرة ، وهو بهذا الفيلم يقدم نموذجاً هاماً وملفتاً بالنسبة للصورة السينمائية وتطويرها في مصر والوطن العربي ، وهو ـ أيضاً ـ بإجتهاده الفني هذا ، يعطي مفاهيم وموازين جديدة للصورة السينمائية في الفيلم العربي . فقد كان للصورة في فيلم (زوجتي والكلب) دوراً هاماً في إبراز الحالة النفسية لشخصيات الفيلم وتجسيدها في كادرات قوية وجميلة وممتعة ، كان للإضاءة فيها دوراً درامياً خلاقاً . ــ فاصل موسيقي ــ من أبرز المشاهد في الفيلم ، تلك المشاهد الشاعرية الشفافة التي تجمع الريس مرسي وزوجته في الفراش .. أيضاً مشهد عودة الريس مرسي الى الفنار ، وفرحة الأصدقاء برجوعه إليهم ، فهي ـ حقاً ـ فرحة يشترك فيها البحر والكلب والأصدقاء ، بمصاحبة توليف متقن للمونتاج ، ساهم كثيراً في تجسيد هذه الفرحة وصياغتها بشكل موحي ومؤثر . وهناك أيضاً مشاهد الفلاش باك ، التي عاشها الريس مرسي مع زوجته ، ومقارنتها باللحظات الآنية التي يعيشها من بعد وحرمان ولوعة في هذا المكان البعيد والمقفر . كما أن المشاهد التي تناولت حالة الحرمان الجنسي لدى (نور الشريف) ، نجحت في تجسيد أحاسيس القلق والفراغ ، فقد كان التركيز على الصور العارية إيحاء موفقاً للوسيلة الخاطئة التي إتخذها نور الشريف لإشباع رغباته الجنسية . ــ فاصل موسيقي ــ كما لاتفوتنا الإشارة الى أن إستخدام سعيد مرزوق للجنس كان ذكياً ، ولم يكن ـ قط ـ مبتذلاً .. بل إنه كان تعبيراً موفقاً عن الوحدة والحرمان وأزمة الإنسان في بُعده عن أقاربه والمدينة ، ووجوده في عزلة قاتلة كهذه . وقد نجح مرزوق في إستخدام شخصية الكلب ، حيث أعطاها أبعاداً كثيرة ، لتصبح رمزاً وبطلاً حقيقياً وهاماً في فيلمه هذا .. فقد كان رمزاً لوحشية الإنسان وبدائيته ، مثلما كان رمزاً للإخلاص والوفاء والطيبة .. كذلك أظهره للدلالة على الشبق الجنسي ، وذلك عندما يقارن ـ في لقطات معبرة ـ بين لسانه ولسان نور وهو يشاهد الصور العارية على مائدة الطعام . كما أن مرزوق عندما يظهر الريس مرسي وهو يضرب الكلب بقسوة ، يشير الى أن الكلب هو أقرب لمرسي مثل صديقه نور ، وبالتالي يكون بمثابة المتنفس الوحيد لقضبه من صديقه وشعوره بالضياع والحرمان . ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة لإختيار مرزوق لأماكن التصوير ، فقد كان ذكياً وموفقاً ولصيقاً بمضمون أحداث الفيلم ، ولم يكن مجرد خلفية إضافية تتحرك فيها الشخصيات .. فالبحر ، بكل ما يحمله من رموز وإيحاءات ، قد أعطى إحساساً بجو الرهبة والقلق والمجهول ، خصوصاً أثناء هيجانه وتلاطم أمواجه بأحجار الشاطيء . هناك ـ أيضاً ـ الفنار الذي يمثل دليل الهداية للسفن الضالة ويشكل ـ في نفس الوقت ـ السجن والمنفى المعزول عن العالم بالنسبة لشخصيات الفيلم .. وهذه ، في مجملها ، إيحاءات تناسب وتقوّي المضمون والسرد الدرامي للفيلم ، بل وتساهم في تجسيد حالات القلق والتوتر والحرمان التي تعيشها شخصيات الفيلم . كما لا تفوتنا الإشارة الى أن إستخدام سعيد مرزوق للمونتاج جاء موفقاً الى حد كبير ، وكان له الدور الأساسي والبارز في تحليل الشخصيات وخلق حالات وعلاقات متباينة بين المشهد والآخر ، أضافة الى خلقه لذلك الإيقاع المشوق في الفيلم ومساهمته في تصاعد الحدث الدرامي . ــ فاصل موسيقي ــ حقاً ، نحن أمام فيلم سينمائي متكامل الى حد كبير ، فجميع عناصر الفيلم الفنية والتقنية تجانست بشكل مدروس لتشكل وتعطي عملاً قوياً وجميلاً ذو مستوى فني وتقني جيد ، إستطاع ـ بحق ـ أن يجد له مكاناً هاماً وبارزاً في ذاكرة السينما المصرية . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (موعد على العشاء) ، بطولة سعاد حسني وحسين فهمي وأحمد زكي ، ومن إخراج محمد خان . وهو إنتاج عام 1982 . ــ فاصل موسيقي ــ فيلم (موعد على العشاء) يعد من بين الأفلام الأولى التي كشفت عن موهبة الفنان المبدع محمد خان ، فقد كان متألقاً في موضوعه وفي تقنيته . ففي هذا الفيلم ، نحن أمام إمرأة رقيقة شفافة وجميلة ، ملامحها الهادئة تكشف عن مدى النعومة والبراءة التي في أعماقها . وهي تعيش في مجتمع متخلف ، يفرض على المرأة الكثير من القيود والتقاليد ، ويكبلها بأغلال لا تنتهي أبداً .. مجتمع لا يعترف بحرية المرأة الشخصية ، ولا يعطي أي إهتمام لمشاعرها وبرائتها . ــ فاصل موسيقي ــ فنوال (سعاد حسني) إمرأة متزوجة من رجل أعمال كبير (حسين فهمي) ، تعيش حالة فقدان الحرية الشخصية ، وذلك عندما تجبرها الظروف على هذا الزواج . لذلك ينتابها شعور دائم بأن والدتها قد باعتها لهذا الرجل وقبضت الثمن فلوسه . فهو رجل غني ومتسلط ، يفضل أن يعيش عالمه الخاص ويسعى الى النجاح في أعماله . نراه يهمل زوجته ويتركها تذبل وحدها في المنزل ، وكأنها قطعة من ديكوره . ونراها كارهة له ولطريقته الشاذة للإستحواذ عليها ، والتي تركت في نفسها جرحاً لا ينسى . فقد أكرهها على مشاركته الفراش وهي عذراء لإجبارها على الزواج منه ، وهذا ما يبرر إستمرار كراهيتها له وللمجتمع المحيط به . وهو مجتمع بورجوازي ارستقراطي مزيف ، همه الوحيد حضور المزادات وإقتناء التحف وإقامة الحفلات الفاخرة .. مجتمع لا يتناسب مع شفافيتها ورقتها وبرائتها . لذا تطلب نوال الطلاق ، إعتقاداً منها بأنه كفيل بتحريرها من سجنها الذهبي المزيف . فبالرغم من أن طلاقها يأتي بعد معاناة نفسية قاسية ، نتيجة تعرضها للإغتصاب الجسدي والنفسي ، إلا أن فرحتها بحصولها على حريتها لا يوازيها أي شيء آخر . فهي تحاول أن تنسى كل ما مضى ، إلا أن المجتمع المتخلف لا يتركها وشأنها ، حتى بعد أن إختارت حياتها مع زوج آخر (أحمد زكي) . ــ فاصل موسيقي ــ في فيلمه هذا ، يتناول محمد خان الثالوث التقليدي في الدراما ، إلا أنه يختلف في طريقة معالجته له عن الآخرين . إنه هنا ـ ويجانب إهتمامه بشخصياته ـ يهتم بالتفاصيل الصغيرة ، والتي ساهمت الى حد كبير في تعميق الجوانب النفسية الداخلية لهذه الشخصيات . فمثلاً ، نراه يتوقف طويلاً عند اللوحة التشكيلية التي تثير أشجان نوال ، حيث نشاهدها تبكي من الأعماق عندما تخسرها في المزاد ، لمجرد إحساسها بأن هذه اللوحة قريبة منها وترى فيها نفسها وطفولتها البريئة التي أغتيلت في مهدها . ــ فاصل موسيقي ــ ولا يمكن أن ننسى لقطة تُظهر نوال وهي في المصعد الكهربائي .. لقطة تُعتبر تجسيداً صارخاً عن إختناقها وسط مجتمع كهذا . كما إن حِرْصْ محمد خان على إظهار نوال في لقطات ومشاهد من وراء قضبان أو أسوار أو زجاج سيارات ، إنما يمثل تعبيراً عن فكرة الحرية المفتقدة عند نوال وتجسيداً لحالتها النفسية والإجتماعية . فهي غير قادرة حتى على ممارسة حريتها الشخصية في إختيار شريك حياتها ، وهذا ـ بالطبع ـ من أبسط الحريات العامة . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثالث ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (ناجي العلي) ، بطولة نور الشريف وليلى جبر ومحمود الجندي واحمد الزين ، وإخراج عاطف الطيب . وهو من إنتاج عام 1992 . ــ فاصل موسيقي ــ يتناول فيلم (ناجي العلي) بعض من سيرة الفنان ناجي العلي الذاتية والفنية ، من لحظة تهجيره من فلسطين الى لبنان ، وحتى سقوطه صريعاً في لندن . وبالتالي فالقضية الفلسطينية هي الخلفية الجوهرية للأحداث . يناقش الفيلم إذن قضية مأساة شعب فلسطين ، بين شراسة الإحتلال الإسرائيلي وتفكك الصف العربي ، حيث غياب الحرية والديمقراطية . والفيلم في طرحه السياسي هذا ، يعلن بصراحة وجرأة عن مسئولية العرب في إستمرار هذه المأساة . يحكي عن العرب الذين يختلفون فيما بينهم كثيراً دون أن يتفقوا ، ودون أن يتوحدوا . ويحكي عن أساس هذا التردي الذي يعيشه العرب ، التفكك والتخاذل ، الحساسيات بين جميع الأطراف . ويحكي عن الحسابات المعلنة التي تحاصر حرية الرأي ولا تتورع عن التصفية الجسدية إذا إضطر الأمر لذلك . والنتيجة هي شعب مشرد بلا وطن يحمل قضيته من بلد الى آخر ويصارع ، إضافة الى عدوه الإسرائيل ، أعداء آخرين عرب . ــ فاصل موسيقي ــ لقد إختار صناع الفيلم نموذج إنساني واحد ، للتعبير عن كل هذا الذي يحدث في واقعنا العربي .. وهذا النموذج هو الفنان التشكيلي الفلسطيني ناجي العلي ، الذي شهد الهجرة الكبرى من أرض فلسطين وهو في سن العاشرة ، وعاش عذابات ومرارة التهجير من قريته »الشجرة« الفلسطينية الى مخيمات الاجئين في الأردن ، ومن ثم الى بيروت ، والى الكويت ، حتى إستقر به المقام في نهاية حياته في لندن . وناجي العلي إنسان بسيط ليست لديه أطماع ، يتعامل مع الحياة بنقاء وبراءة ، أسلحته القلم والورق ، جريء في طرح رأيه في الجميع ، ويسخر من ما لايعجبه في رسوماته الكاريكاتورية ، لذلك تأتيه الرصاصات الغادرة لتقتله ، وذلك لعدم توفر الجو الملائم وإنعدام الحد الأدني من حرية الرأي . ولأن الموضوع المطروح بهذه الخطورة والجرأة ، فقد كان على كاتب السيناريو (بشير الديك) أن يكون دقيقاً وحذراً ، وحريصاً على الأمانة السياسية والتاريخية ، وقد نجح كاتب السيناريو فعلاً في أن يعبر بأمانة عن معاناة شعب بلا وطن ، ومعاناة أمة بلا حرية . وقدم سيناريو جيد إتخذ الأسلوب الحكائي في السرد ، ولو أنه إتصف بالمباشرة في أحيان كثيرة ، إضافة الى الفلاش باك في بعض المشاهد . وبالرغم من أن الشخصية الرئيسية مرسومة بعناية ، إلا أن هناك ضعف في رسم بعض الشخصيات الأخرى . ــ فاصل موسيقي ــ هذا من ناحية مضمون الفيلم المطروح ، أما بالنسبة للفيلم كتقنية ، فقد نجح المخرج عاطف الطيب في إبراز قدراته الفنية والتقنية ، متحدياً بفيلمه هذا كافة الإدعاءات عن عجز السينما العربية عن تحمل مسئولية فيلم ضخم التكاليف ، متعدد المجاميع البشرية ، مليء بالمعارك العسكرية ، متدفق بالحركة في أماكن تصوير مختلفة المستويات (شوارع ضيقة ـ وديان متسعة ـ طرق ملغومة ـ قوافل سيارات عسكرية ـ هجوم بالدبابات ـ منشورات بالطائرات ـ بنايات متفجرة) . إذن نحن أمام إنتاج ضخم تكلف ما يقارب المليونين ونصف المليون من الدولارات . وهي ميزانية ضخمة وقياسية بالنسبة لفيلم عربي ، تحملها على عاتقه المخرج عاطف الطيب ، وأتقن في إبداعه لفيلم عربي الصنع من الألف الى الياء ، فكرياً وفنياً وتمويلاً . وكان عاطف الطيب مثل المايستروا ، حيث إختار تحت قيادته مجموعة من الفنانين والفنيين المصريين ، يعتبر كل واحد منهم قمة في تخصصه . ــ فاصل موسيقي ــ بالإضافة الى كاتب السيناريو بشير الديك ، هناك مدير التصوير محسن أحمد ، الذي قدم مستوى رائع لمساقط الضوء وزوايا التصوير وحركة الكاميرا . خصوصاً في مشاهد المعارك الليلة ، وفي مشاهد المجاميع عند خروجها من قرية الشجرة الفلسطينية ، والخروج الكبير من بيروت . ومودي الإمام مؤلف الموسيقى التصويرية ، الذي كان مفاجأة للجميع بإستخدامه لتيمات معبرة هزت المشاعر وأكدت البعد الحقيقي لمضمون الفيلم . ثم المونتير أحمد متولي ، الذي إستطاع أن يحتفظ بنبض الفيلم السريع والسيطرة على الأحداث وإنفعالات الشخصيات . ــ فاصل موسيقي ــ أما في مجال التمثيل فقد كان نور الشريف في المقدمة في دور البطولة عندما لعب دور ناجي العلي بتلقائية شديدة وتفهم واعي لطبيعة الشخصية ، وقدم في هذا الفيلم دوراً صعباً يعد من بين أفضل أدواره . هذا إضافة الى مجموعة كبيرة من الممثلين والممثلات والمجاميع ، إختارهم المخرج بعناية شديدة ونجح في إدارتهم الى حد كبير . فقد كان هناك جهد واضح يحسب لصالح المخرج عاطف الطيب ، إن كان في تجسيد المعارك أو في تحريك المجاميع . وسيطرة كاملة على أدواته التقنية كمخرج . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 32 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (شفيقة ومتولي) ، بطولة سعاد حسني وأحمد زكي ومحمود عبدالعزيز واحمد مظهر ، وإخراج علي بدرخان . وهو من إنتاج عام 1978 . ــ فاصل موسيقي ــ يمثل فيلم (شفيقة ومتولي) الإنطلاقة الحقيقية للممثل الأسمر أحمد زكي .. هذا الفنان الذي نشأ في كنف السينما المصرية الجديدة ، وتربع على عرشها ، وإحتل مركزاً بارزاً بين زملائه الفنانين فيما بعد . وقد كانت البطلة أمام أحمد زكي سيندريلا السينما المصرية الفنانة الكبيرة سعاد حسني . ــ فاصل موسيقي ــ إن (شفيقة ومتولي) فيلم مستوحى من الملحمة الشعبية المصرية التي تحمل نفس الإسم .. وقد شاءت الأقدار أن يكون علي بدرخان هو مخرجه ، بعد أن توقف المخرج سيد عيسى عن تصويره في عام 1972 .. وبعد أن قرر المخرج يوسف شاهين إستئناف التصوير في مطلع عام 1976 ، كان بدرخان مساعداً له في هذا الفيلم .. إلا أن يوسف شاهين ، وبشكل مفاجأ ، أوقف التصوير وأسند مهمة تكملة الفيلم لمساعده علي بدرخان . وبهذا يكون فيلم (شفيقة ومتولي) ، أول سيناريو جاهز يقدمه بدرخان للسينما .. فقد كان من المعروف عن بدرخان بأنه يشترك في كتابة سيناريوهات أفلامه ، ويتابع كل صغيرة وكبيرة فيها .. قدم بدرخان قبل هذا الفيلم ثلاثة أفلام ، وهي بترتيب تاريخ إنتاجها : الحب الذي كان ـ 1973 ، الكرنك ـ 1975 ، شَـيِّلني وأشيِّلك ـ 1977 .. ومن التباعد الزمني فيما بين هذه الأفلام ، نعرف كيف أن بدرخان يتأنى كثيراً في الإعداد لافلامه . ــ فاصل موسيقي ــ فيلم (شفيقة ومتولي) ليس فيلماً متكاملاً من الناحية الفنية ، ولكنه يتميز بإنتاجه الضخم ، نسبة لسنة إنتاجه .. إضافة الى إشتراك حشد كبير من السينمائيين المتميزين والباحثين عن سينما جادة وجيدة ، مثل يوسف شاهين كمنتج ، و علي بدرخان كمخرج ، و صلاح جاهين كسيناريست ، و محسن نصر كمدير تصوير ، وكل من (سعاد حسني و أحمد زكي) لدوري البطولة . ــ فاصل موسيقي ــ يحكي الفيلم ، أو الملحمة الشعبية ، عن شفيقة (سعاد حسني) ، الفتاة التي قادها الفقر والتخلف الى الوقوع في عالم الرذيلة والدعارة ، وبالتالي ينتهي بها القدر بأن تُقتل على يد شقيقها متولي (أحمد زكي) ، إنتقاماً للعرض والشرف . لكن السيناريو الذي نفذه بدرخان إنتقل بأحداث القصة الأصلية الى فترة حفر قناة السويس ، فترة الصراعات بين إنجلترا وفرنسا ، وبذلك إستطاع أن يضيف بُعداً سياسياً على الأحداث الدرامية ، مما أعطى للفيلم طابعاً خاصاً ومميزاً ، وخلق مناخاً إجتماعياً وإقتصادياً ذو أبعاد سياسية وإستعمارية تتحكم بمصير الشعب المصري ، الذي حفر القناة بسواعد رجاله وأرواحهم . ــ فاصل موسيقي ــ يتحدث بدرخان عن فيلمه هذا ، فيقول : ... وجدت أنه يمكن مناقشة قضايا معاصرة من خلال الأسطورة الشعبية القديمة .. كالعلاقة بين الشرق والغرب ، والإنفتاح على الغرب الذي حدث في الماضي ويحدث الآن ثانية .. ومن هنا تحمست للفيلم ، وأعدت بعض المشاهد وأكملته حسب رؤيتي الخاصة ... . ــ فاصل موسيقي ــ لقد إستطاع بدرخان ، بمساعدة اللون والإضاءة والإكسسوارات ، أن يعطي ذلك الإيحاء بأجواء الفترة التاريخية التي تدور فيها الأحداث .. كما أنه نجح في تصوير مدى قسوة الظلم والطغيان الواقع على الشعب المصري ، من خلال مشاهد واقعية وصادقة ، تمثلت في مشهد حفر القناة ، ومن ثم مقتل العامل (أحمد بدير) . كذلك مشاهد المجاعة والوباء المنتشر بين العمال ، وتجسيد معاناتهم في مـقاومة كل ذلك . ورغم التطويل الممل في أغاني الفيلم ، إلا أن مشهد (المُـولــدْ) يعد من بين أهم مشاهد الفيلم ، وذلك بديكوراته الضخمة الواقعية و الحياة الطبيعية لعالم الموالد ، من موسيقى وأغاني ورقص ومرح . كما أن هناك مشاهد أخرى في الفيلم ، مثل مشهد التنكيل بالباشا من قِبل "شفيقة" ، ومشهد حمَّام الخيول في البحر ، ومشهد جلب "متولي" للسُخرة ، إضافة الى مشهد عودته للقرية ، كلها مشاهد أبدع بدرخان في تجسيدها بصدق وواقعية .. أما مشهد النهاية ، والتي تسقط فيها شفيقة و متولي تحت رصاص السلطة الحاكمة .. فكان لـبدرخان وجهة نظر في تغييرها .. فهو يعتبر الإثنان ضحايا لقوى أكبر وأقوى منهما ، وهي التي تسحقهما في النهاية . يتحدث بدرخان عن هذه النهاية ، فيقول : ... أنا من البداية كانت فيه نقطة مش داخله مزاجي .. وهي حكاية العرض والشرف ، وواحده تنقتل لأنها تعاطت الجنس ... إيه يعني ؟ ده كلام مايهمنيش ... في النهاية الجديدة الحكاية أبعد من عرض وشرف .. في النهاية لما نشوف "متولي" ماشي وهو حامل السلاح عشان يقتلها ، بنشوفه بيبكي ... رايح يقتلها عشان التقاليد بتفرض عليه إنه يقتلها ... لكن بيبكي وتعيس ... . ــ فاصل موسيقي ــ وختاماً .. لا يسعنا إلا أن نؤكد بأن فيلم (شفيقة ومتولي) يعد من بين الأفلام البارزة والمهمة في مشوار المخرج علي بدرخان ، بل وفي تاريخ السينما المصرية بشكل عام .. كما أنه يمثل بالنسبة للممثل الفنان أحمد زكي بمثابة الإنطلاقة الحقيقية في عالم التمثيل السينمائي . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري الكوميدي (حلق حوش) ، بطولة ليلى علوي ومحمد هنيدي وعلاء ولي الدين وماجدة الخطيب ، وإخراج محمد عبدالعزيز . وهو من إنتاج عام 1996 . ــ فاصل موسيقي ــ أول ما يلفت إنتباهنا في فيلم (حلق حوش) هو الثنائي الكوميدي محمد هنيدي وعلاء ولي الدين في أول بطولة مطلقة لهما ، بعد أن قدما العديد من الادوار الثانوية المساندة . يقومان بالبطولة أمام ليلى علوي . وفي البدء لا بد من الاشارة الى أن السينما الكوميدية تحتاج الى دماء جديدة باستمرار ، حتي تستطيع أن تحافظ علي مكانتها في قلوب الجماهير . ومما لاشك فيه بأن هناك طاقات كوميدية جديدة نجحت في شق طريقها الى قلب الجمهور . من تلك الطاقات يؤكد الثنائي محمد هنيدي وعلاء ولي الدين في كل دور يقدمانه قدراتهما على الاضحاك حيث تزداد شعبيتهما من فيلم الى آخر ، بقض النظر عن نوعية الفيلم أو مستواه . وتأتي أهمية فيلم (حلق حوش) كونه يعهد بالبطولة الكاملة لهذا الثنائي أمام نجمة متألقة ومحبوبة هي الفنانة ليلى علوي . بعد أن كانا يقومان بأدوار مساندة ثانوية الى جانب الاسماء اللامعة التي تحمل الفيلم علي عاتقها . ــ فاصل موسيقي ــ يحكي الفيلم عن ثلاث شخصيات رئيسية .. وهي شخصيات هامشية تعيش فوق سطح إحدى العمارات الذي يطل على دار سينما صيفية . نتابعهم يسعون جاهدين للبحث عن عمل يساعدهم في الحصول على لقمة العيش ، إلا أن سوء الحظ لا يفارقهم . أحدهم إسمه فرج (محمد هنيدي) وهو يتمتع بقدرات تتيح له الحصول على عمل ، إلا أن ردود أفعاله الحادة وتصرفات صديقه وزميله السابق في الاصلاحية حسونة (علاء ولي الدين) غالباً ما تؤدي الى طرده من العمل . وهما صديقان لا يفترقان ، حسونة شديد التعلق بفرج ويتسبب بصراحته الزائدة أحياناً أخرى في الكثير من المواقف والمشاكل الحرجة ، مما جعلانا نتذكر الثنائي العالمي الشهير (لوريل وهاردي) النحيف والبدين ، واللذان نجحا منذ عهد السينما الصامتة في تكوين ثنائي كوميدي قوامه المفارقة الظاهرة بين الاثنين ، في الحجم ومستوى الذكاء . أما الشخصية الثالثة شادية (ليلى علوي) فهي فتاة جميلة يطاردها ويطلب ودها الجميع ، ولكنها كأبنة بلد واعية تعرف كيف تدافع عن نفسها . وتبحث هي الاخرى عن لقمة العيش ولكن في إطار أحلام اليقظة التي تعيشها مع أبطال وبطلات الافلام التي تشاهدها من على السطح ، مما يعرضها لمواقف ومآزق متعددة . وبالتالي فهي تعيش في الخيال ، مضيعة عمرها في الاوهام ، هرباً من واقع حياتها المرير ، تحلم بفرصة ثراء مفاجيء يجيئها هبة من السماء . ــ فاصل موسيقي ــ هذا الثلاثي الذي تربطه علاقة جوار متينة بصفتهم يعيشون جميعاً على سطح واحد .. يشتركون فيه مع أم بيسة (ماجدة الخطيب) وهي أرملة مكافحة تعمل بائعة ذرة أمام بوابة إحدى دور السينما لإعالة نفسها وإبنها الصغير ، وتعتبر نفسها الأم لهذا الجمع كله ، والناصحة والمرشدة والصديقة الحكيمة التي تحاول أن تعوم على سطح هذه الحياة القاسية التي أصبحت لا ترحم أحداً . يقرر الرفاق الثلاثة ، بعد أن أعيتهم الظروف ، وفشلت مشاريعهم جميعاً ، أن يقوموا بسرقة بنك صغير .. مقلدين فيلماً أجنبياً شاهدوه بالسينما الصيفية التي يطل عليها سطحهم ، يدور حول عملية سطو على أحد البنوك . ــ فاصل موسيقي ــ في فيلم (حلق حوش) نتابع مشاهد متلاحقة على شكل إسكتشات فكاهية تختلط فيها الكوميديا بالنقد الاجتماعي الخفيف . إلا أن هذه الاسكتشات ينقصها الكثير من التوازن والانسجام . صحيح بأن بعضها وصل الى درجة من الاتقان كمشهد الغناء في الكباريه ، إلا إن ذلك لا يستمر ، خصوصاً عندما يقرر الثلاثة القيام بمغامرتهم بسرقة البنك ، حيث يتحول الفيلم الى مزيج غير متناسق من الفانتازيا والكوميديا ، بهدف الاضحاك فقط وبأي شكل من الاشكال ، دون تقديم أي فكر ودون مراعاة لأي منطق درامي سليم . وحديثنا هذا ، يحتم علينا الاشارة الى تلك الافلام الكوميدية الراقية التي قدمها الفنان الكبير فطين عبدالوهاب . أفلام جميلة وهادفة إعتمدت على سيناريوهات كتبها نخبة من الكتاب المتميزين أمثال أبوالسعود الابياري وعلي الزرقاني وسعدالدين وهبة . وإعتمد بعضها على مؤلفات أدبية لتوفيق الحكيم وإحسان عبدالقدوس ومحمد التابعي ويوسف السباعي . كانت في معظمها تعكس وعياً حقيقياً بمتطلبات الفيلم الكوميدي ودوره الاجتماعي والانساني والفكري بل والسياسي أيضاً . ــ فاصل موسيقي ــ وهذا بالضبط ما ينقص السينما الكوميدية في الوقت الحاضر . هذه السينما التي تعاني من ندرة في العناصر الفنية المميزة للفيلم الكوميدي خاصة في مجالي كتابة السيناريو والاخراج . علماً بأن الافلام الكوميدية تشكل حيزاً كبيراً في مسيرة السينما المصرية . والمخرج محمد عبدالعزيز يشكل علامة هامة في مجال الكوميديا ، فقد اعتبره النقاد خليفة للراحل فطين عبدالوهاب . فمنذ بداية مشواره الفني في السبعينات حقق إنجازات في الكوميديا الاجتماعية رسخت إسمه في عالم السينما الكوميديا . هذا بالرغم من أنه في الثمانينات قد إتجه الى الميلودراما والدراما الاجتماعية . وها هو مرة أخرى ، يعود الى الكوميديا بفيلم (حلق حوش) . وفي فيلم (حلق حوش) حاول محمد عبدالعزيز ، بخبرته في الكوميديا ونظرته الواعية لها ، حاول التغلب على السلبيات التي إحتواها السيناريو ، بل وأعطى شيئاً من التوازن الضاحك ، بالرغم من حبكة السيناريو وبنائه الضعيف . لقد قدم السيناريو في جزئه الاول كوميديا إجتماعية زاخرة بالشخصيات والمواقف الضاحكة ، راصداً مجموعة من الهامشيين البسطاء ، في حياتهم دائما عناصر جوهرية للدراما الجيدة ، كان على كاتب السيناريو فقط أن يستثيرها كما ينبغي . فبدلاً من أن يوسع السيناريو نظرته الى عالم الهامشيين والعناصر المساندة لإنحرافهم تجاه الجريمة ، نراه يقدم مواقف مفرغة تماماً من أي مضمون إجتماعي حقيقي ، أو من أي لمسات كوميدية تعوضنا عن الفكر المفقود . وبالتالي لم ينجح كاتب السيناريو في رسمه للشخصيات التي بدت ضعيفة وغير مقنعة في تصرفاتها . كذلك المواقف والمشاهد التي بدورها لم تساهم في تقديم مستوى فني وفكري واضح . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثالث ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (إعدام ميت) ، بطولة محمود عبدالعزيز ويحيى الفخراني وبوسي وليلى علوي ، وإخراج علي عبدالخالق . وهو من إنتاج عام 1985 . ــ فاصل موسيقي ــ (إعدام ميت) فيلم يندرج ضمن تصنيف افلام الجاسوسية ، والتي برعت في صناعتها السينما الامريكية لدرجة ابتكارها لاسطورة جيمس بوند ، ووضعت في خدمته كل وسائل الابهار التقني السينمائي بميزانيات ضخمة وامكانيات خيالية . اما بالنسبة للسينما المصرية فهي لم تغامر في خوض هذا المجال قبل عام 1985 سوى بفيلم واحد وهو (الصعود الى الهاوية) للمخرج كمال الشيخ . وهو فيلم مأخوذ عن قصة حقيقية سجلتها ملفات المخابرات المصرية . الى ان قرر علي عبدالخالق اخراج فيلم (اعدام ميت) ، عن قصة للكاتب ابراهيم مسعود الذي وضع السيناريو والحوار أيضاً . وفيلم (اعدام ميت) بشكل عام كان مخيباً للآمال عند عرضه الاول ، خصوصاً بأن مخرجه هو نفسه صاحب الافلام المتميزة ، مثل : اغنية على الممر ، الحب وحده لا يكفي ، العار .. حيث كان الجميع يتوقع من هذا المخرج فيلماً متميزاً يضاف الى رصيده السابق من الافلام ، إلا انه قدم فيلماً ضعيفاً على أكثر من مستوى ، وخاصة ذلك البناء الدرامي الضعيف والمفكك . فالفيلم يقوم اساساً علي ذلك التشابه التام بين عميل المخابرات الاسرائيلية وآخر ضابط للمخابرات المصرية (يقوم بالدورين محمود عبدالعزيز) ، حيث إستغلت المخابرات المصرية هذا التشابه لتزرع عميلاً لها في الارض المحتلة ، وذلك للتأكد من صحة معلومة هامة وخطيرة ، ألا وهي صحة إمتلاك اسرائيل للقنبلة الذرية ، من عدمها !! وبالتالي فاحداث الفيلم تدور قبيل حرب 1973 . ولا ننسى ان نشير في البدء الى ان إعتماد الفيلم على ذلك التشابه قد جعله يركز اساساً على قدرة البطل الفرد ومغامراته أكثر من تركيزه على منطقية الاحداث الدرامية . فقصة الفيلم مؤلفة ومستمدة من خيال الكاتب ، أي انها لم تستند الى وقائع حقيقية من واقع الصراع الشرس بين المخابرات المصرية والاسرائيلية ، والذي حتماً شهد قصصاً حقيقية وحوادث مليئة بعشرات التفاصيل المثيرة ، على العكس من قصة هذا الفيلم التي إحتوت على تجاوزات ومغالطات لم تصل الى مستوى المنطق والمعقول . فبعد الانتهاء من مشاهدة الفيلم ، بل حتى أثناء المشاهدة ، تبرز في أذهاننا تساؤلات كثيرة عن مدى صحة ومنطقية الاحداث والشخصيات ، مثل : كيف تتوالى احداث الفيلم كما أرادها وحددها رجل المخابرات المصرية ، وتسير دون عقبات !! وكيف أجبر العميل الاسرائيلي على إفشاء كافة التفاصيل الكبيرة والصغيرة عن حياته ، وهو الذي كان يعرف ان مصيره سيكون الاعدام لامحالة !! وكيف يريدنا صناع الفيلم ان نصدق بأن المخابرات الاسرائيلية ، والتي أضهرها في صورة شديدة الحذر والذكاء في تتبعها لخطوات عميلتها سحر ، ولا تعرف من جانب آخر بأن عميلها منصور قد قبض عليه وتم التحقيق معه وصدر عليه حكم بالاعدام !! ثم كيف أنها (المخابرات الاسرائيلية) وقفت عاجزة تماماً عن الوصول الى حقيقة هذا العميل !! ان كل هذا لا يعني الاخلال بكل قواعد لعبة الذكاء والاستهتار بعقلية المتفرج فحسب ، وإنما يعني ايضاً الاستخفاف بقدرات المخابرات الاسرائيلية وهي المعروفة بأنها أقوى جهاز تقوم عليه دولة إسرائيل . وإضافة الى عدم مصداقية الاحداث وإفتقادها الى القواعد الاساسية للمنطق ، إفتقد الفيلم ايضاً لتلك الخلفية الاجتماعية والسياسية التي تدور من خلالها الاحداث وتدعم الشخصيات .. فالشخصيات بدت وكأنها تعيش في تناقض واضح بالنسبة لتصرفاتها ومواقفها الدرامية . وإذا إعتبرنا ـ تجاوزاً ـ بأن الفيلم مجرد مغامرات وتشويق ويمثل فيلم بوليسي ليس إلا ، فيمكن الاشارة الى ان الفيلم قد صنع بشكل جيد كاخراج وتقنية . فمخرجه علي عبدالخالق استطاع التحكم بعناصره وادواته الفنية والتقنية ، ونجح في إدارة ممثليه جيداً ، خصوصاً محمود عبدالعزيز ، كما ان هناك بعض اللمحات الفنية التصويرية التي جسدها الفنان سعيد شيمي بكاميرته ، وساهم مونتاج حسين عفيفي في الاحتفاظ بايقاع التوتر وطابع التشويق والحركة ، إلا أن كل هذا الجهد ينتهي بانتهاء الفيلم ، ولا يبقى منه شيء في الذاكرة . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 33 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم الامريكي (الدم الأول FIRST BLOD) ، بطولة النجم الامريكي الشهير سيلفستر ستالوني ، وإخراج تيد كوتشيف . وهو من إنتاج عام 1982 . ــ فاصل موسيقي ــ فيلم (الدم الأول) هو أول إنتاج أمريكي ضخم للمنتج اللبناني الشاب »ماريو قصار« ، حيث رصد له ميزانية قدرها خمسة عشر مليون دولار ، كان نصيب ستالون منها خمسة ملايين ، أما إيراداته في عرضه الأول ، على أكثر من ألف شاشة سينمائية ، فقد فاقت المائة مليون دولار . ــ فاصل موسيقي ــ في هذا الفيلم ، فتشت هوليوود في أوراقها القديمة ، وعادت الى موضوعها القديم /الجديد ، حرب فيتنام .. الحرب المأساة التي تولد عنها كم هائل من الخيبة والإحباط لدى المحارب والإنسان الأمريكي على السواء. والأفلام التي تناولت هذه الحرب كثيرة ، ولسنا بصدد ذكرها هنا ، إلا أننا نشير بأن أغلبها قد قدم الحرب بتأثيراتها النفسية وما خلفته من شروخ وإنهيارات في المباديء والقيم لدى الشعب الأمريكي ، حيث الموت والدمار والمعاناة وبالتالي تخريب نفسية الإنسان من الداخل . أما بالنسبة لفيلم (الدم الأول) ، فهو يحكي عن مجند سابق يدعى رامبو، من فرقة »القبعات الخضر« الأمريكية التي حاربت في فيتنام ، وهي من أشرس فرق الجيش الأمريكي . ورامبو هذا هو آخر من تبقى منها وأكثرهم جرأة وكفاءة ، فهو قادر على تحمل كافة الظروف ، والقتال في جميع الأجواء . ــ فاصل موسيقي ــ رامبو في هذا الفيلم ، يخوض حرباً في وطنه .. حرباً يقف فيها وحيداً في مواجهة رجال الأمن والنظام نفسه الذي أرسله الى الحرب الأولى . وقصة الفيلم كتبها »دافين موريل« قبل عشر سنوات من عرض الفيلم ، وتعتمد على فكرة سياسية بسيطة تجسدت من خلال حوارات البطل القليلة جداً . فهو يخاطب مدربه ويقول : ... عندما هبطت من الطائرة عائداً الى الوطن قبَّلت أرضه وشققت طريقي حيث الأطفال والحشود تحمل الشعارات وتصرخ بأعلى صوتها .. ياقاتل الأطفال .. ياتاجر الحرب .. كانوا يبصقون في وجهي ويصبون عليَّ أقذع ألفاظ السباب والشتائم ، وكأنما إرتكبنا في فيتنام أعمالاً تقشعر لها الأبدان ... . يواصل رامبو حديثه ، فيقول : ... لم تكن حربي لوحدي ، لم أكن صاحب هذه الحرب ولم أُثرها ، كل هؤلاء المحتشدين كانوا يحتجون ضدي وكنت أخاطبهم ألا يعتبوا عليَّ أو يهينوني ، فما أنا إلا جندي .. لو كانوا مكاني لفعلوا مثلي تماماً ، ولعرفوا مامعنى أن يُقذفوا بهذه الشتائم وهم عائدون من بين براثن هذه الحرب المهلكة ... . ــ فاصل موسيقي ــ رامبو محق ـ على أقل تقدير ـ فيما قاله ، وعنده مايبرر هذا القول ، حيث شهد ويلات حرب فيتنام ومآسيها ، وتعلم القتال الشرس دفاعاً عن سياسة الذين خططوا للحرب ، ومن الطبيعي أن يتوقع حين عودته أن يعامل معاملة الأبطال . إلا أن الفيلم يعطي إنطباعاً معيناً لمفهوم المعاملة ، وهو إعتبار كل مجند سابق في حرب فيتنام ، هو رجل يستحق إزدراء المجتمع له ، حتى لو لم يبدر منه أي عمل مخل بالأمن أو بالأخلاقيات العامة . أما بالنسبة لفيلم (الدم الأول) كصناعة وكلغة سينمائية ـ بعيداً عن قصته ـ فهوفيلم فائق الجودة في التقنية والتنفيذ ، كل شيء فيه موظفاً بذكاء وبتقنية عالية ، سواء من ناحية بناء السيناريو أوالحوار ، كما تظافرت عناصر المونتاج والموسيقى والإخراج في إضفاء متعة فنية ومشاهدة لم نشعر خلالها بأية لحظة ملل أو نشاز . ــ فاصل موسيقي ــ تمثلت عناصر الجودة والإبهار والنجاح في هذا الفيلم بثلاثة عناصر .. الأول كان مواقع التصوير والبيئة المختارة بذكاء شديد والمناسبة لأحداث الفيلم . حيث تميزت بموقع مثالي لإحتوائها على غابات تكاد تكون بيئة مناسبة لرجل العصابات »رامبو« في حربه ضد رجال الأمن . أما العنصر الثاني فهو الحدث الدرامي باعتباره عادياً وبسيطاً جداً ، ولكنه في المقابل يستمد قوته وبعده الدرامي والإنساني من المكان ، حيث أعطاه عنصري الإبهار والتشويق ، في مشاهد سينمائية متقنة تكاد تقطع الأنفاس من شدة الترقب والتشوق في معرفة لما ستكون عليه المطاردة بين رامبوا وقوات الأمن ، ناهيك عن ذلك التعاطف مع البطل . ــ فاصل موسيقي ــ ذاك البطل الذي يشكل العنصر الثالث في نجاح هذا الفيلم . فوجود نجم كـ»سلفستر ستالون« في دور رامبو ، قد أعطى للفيلم تأثيراً معيناً أثار تعاطف المتفرج .. فهو هنا لا يمثل ، إذ أن الدور لا يتطلب صفات الممثل بقدر مايحتاج لمواصفات خارقة للجسم الإنساني المبهر والقادر على أداء المغامرات وتحمل المصاعب والمشاق تحت أقسى الظروف الطبيعية .. وهذا بالضبط ما حققه ستالون . أما المخرج الكندي »تيد كوتشيف« ، وبتعاون فريقه الفني ، قد أعطى هذه العناصر الثلاثة أسباب النجاح الفني والجماهيري ، وكان وراء المتعة الحقيقية في المشاهدة . فمدير التصوير »أندرو لازلو« يرجع له الجهد الفائق والمتميز لظهور لقطات نادرة ومتقنة من خلال زوايا تصوير دقيقة وصعبة . كما تظهر حرفة فريق الحيل السينمائية ، والمكون من الثلاثي (ميتشيل كوزال ، وليام ساكيم ، سلفسترستالون »البطل نفسه«) . ــ فاصل موسيقي ــ إن مشاهدة الفيلم على شاشة السينما ، متعة لاتحققها الشاشة الصغيرة ، لأنه يتميز بالصوت المجسم DOLBY STEREO مع موسيقى تصويرية وضعها باقتدار »جيري جولد سميث« . وبالرغم من عدم وجود أي عنصر نسائي بالفيلم (كضروره للإغراء) ، إلا أن المتفرج لايشعر بأي نقص ، فالمتابعة والترقب يبدآن منذ اللقطة الأولى ويستمران حتى كلمة النهاية . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (أيام الرعب) ، بطولة محمود ياسين وميرفت امين ، وإخراج سعيد مرزوق . وهو من إنتاج عام 1988 . ــ فاصل موسيقي ــ (أيام الرعب) فيلم للمخرج سعيد مرزوق .. هذا الفنان الكبير الذي قدم في بداية مشواره السينمائي عدداً من الأفلام الجيدة ، أهمها فيلمه الأول (زوجتي والكلب) . أما (أيام الرعب) فهو فيلم مقتبس عن قصة قصيرة للروائي جمال الغيطاني . وهي قصة تتحدث عن الثأر ، إلا كاتب السيناريو والمخرج أضافا بعداً جديداً عندما جعلا للخوف أبعاداً ميتافيزيقية عميقة عمق التاريخ المصري .. فالخوف من الماضي والمجهول إنما له جذوره التاريخية القديمة . ــ فاصل موسيقي ــ في هذا الفيلم نحن أمام شخصية محروس (محمود ياسين) ، إبن الصعيد النازح هرباً الى القاهرة منذ عشرين عاماً ، خوفاً من الثأر الذي سيكون هو ضحيته في النهاية . أما الآن فهو يعمل في المتحف المصري ، ويعيش حياته الطبيعية ، ناسياً أو متناسياً كل ما يتعلق بقضية الثأر القديمة . عندما يبدأ بالتخطيط لحياة زوجية سعيدة مع من يحبها ، يصله خبر خروج عويضة (طالب الثأر) من السجن ويعرف عن عزمه في الأخذ بالثأر منه . هنا يبدأ محروس باستعادة تلك الصور البشعة التي إحتفظ بها في ذاكرته كل هذه السنين عن عويضة وهو يقطع رأس أحد الأطفال ويلقي بها من أعلى . وبالرغم من أحاديث محروس عن الخوف وموقفه الإيجابي اللامبالي تجاه الخوف ، والذي يتجسد في حثه لدرديري على مواجهة خوفه والإنتصار عليه ، إلا أن خبر خروج عويضة من السجن يهزه من الأعماق ، بل ويجعله يقع فريسة نفس الإحساس بالخوف . وبالتالي يتحول ـ وبشكل مفاجيء ـ من إنسان طبيعي الى إنسان أشبه بالحيوان المذعور . حيث تبدأ مخاوفه في التنامي مع كل لحظة وكل خطوة . ونراه يترك وظيفته ويترك العالم أجمع من حوله ويعتزل الحياة هرباً من مصيره المحتوم . مما يعني بأن محروس لم يتخلص تماماً من الخوف القديم ، وإنما ظل هذا الخوف كامناً في داخله كل هذه السنين . الى أن يدرك في النهاية بأن الحل هو مواجهته لهذا الخوف ومحاولة التغلب عليه حتى ولو كان في ذلك نهايته . فينطلق وهو في حالة هستيرية لملاقاة غريمه ، حيث تكون النهاية مصرع الإثنين . ــ فاصل موسيقي ــ ينبغي الإشارة أولاً ، بأن الخوف هو الموضوع الأهم الذي حظي بإهتمام المخرج سعيد مرزوق .. فمنذ بداية مشواره مع الإخراج ، كانت فكرة الخوف تسيطر على غالبية أعماله الفنية ، وكانت قضيته الرئيسية في السينما . فقد كان للخوف شكل إجتماعي ونفسي آخر تجسد في ذلك القلق والشك الذي بدى في فيلمه الأول (زوجتي والكلب) .. كما أن الخوف جاء بشكل أعمق وصريح في فيلمه الثاني (الخوف) . ويدور محور فيلمه التليفزيوني القصير (أغنية الموت) حول فكرة الخوف أيضاً . أما في فيلمه (أيام الرعب) ، فقد تناول فكرة الخوف بشكل أكثر تركيزاً ، حيث تناول الرعب الذي ينتاب الإنسان في خوفه من المجهول الذي يطارده ، ويتفرع منه الى عدة أشياء أخرى ، أهمها أنه يتصاعد حتى يصل الى ما يخيف الإنسان ويقلقه في حياته ومستقبله . لقد أصبح الخوف في هذا الفيلم الى ... خوفاً شاملاً .. خوفاً من أي شيء .. من كل شيء .. من خارج أو من داخل الإنسان ... . ومن الواضح بأن الفكرة التي تناولها سعيد مرزوق في فيلمه هذا ، هي فكرة جيدة ، إلا أنها جاءت بسيناريو تقليدي في معظمه . هذا إضافة الى إحتوائه على ثغرات فنية ، أهمها ذلك التغيير المفاجيء الذي حدث للشخصية المحورية .. من الثقة التامة بالنفس والجرأة الزائدة في مناقشة أسباب الخوف ، الى النقيض تماماً . لقد كان من الطبيعي بأن تعالج الشخصية في البداية بشكل درامي يوحي بأنها تعيش حالة من القلق أو شيء أقرب الى الخوف . خصوصاً وأن هذا التحول المفاجيء قد جاء مباشراً . كما أن النهاية المباشرة للفيلم والمبالغ فيها الى حد كبير ، قد جاءت لتنسف الكثير من الأفكار الجيدة التي سعى الفيلم الى إيصالها الى المتفرج . ــ فاصل موسيقي ــ كما لا ننسى الإشارة الى أن المخرج قد نجح في إختياره لمكان التصوير ، حيث تدور الأحداث في القاهرة القديمة (حي الحسين + خان الخليلي) . وهو إختيار قد أضفى بعداً تاريخياً ونفسياً موحياً خدم الفيلم وموضوعه كثيراً ، حتى أن المخرج عندما خرج بالكاميرا من تلك الأحياء القديمة ، إنتقل بها الى المتحف المصري متنقلاً بين آثار الفراعنة والمماليك . حيث إعتبر هذه الآثار هي المسئولة عن زرع بواعث الخوف في أعماق الشعب المصري .. يقول سعيد مرزوق :... قصدت بِقِدَم المكان هو قِدَم الخوف المسيطر علينا .. أما الناحية الحضارية فقد كانت موجودة في الشخصيات .. في الأفكار والملابس والسلوك .. أما المكان فوظيفته إضفاء ذلك العمق التاريخي على فكرة الخوف ... . ــ فاصل موسيقي ــ ثم لابد الى التطرق الى العنصر الأهم في هذا الفيلم ، ألا وهو التصوير ، حيث كانت كاميرا مدير التصوير المتميز طارق التلمساني هي البطل الحقيقي في الفيلم . فقد لعبت الكاميرا دوراً حاسماً في تعميق الأحداث درامياً ، وتجسيد كافة المشاعر والأحاسيس الملازمة للخوف ، والذي تجسد في مشاهد كثيرة ، أهمها ذلك المشهد الإفتتاحي في الصعيد . فقد كانت اللقطات وزوايا التصوير مدروسة بعناية فائقة شملت تكوينات جمالية إبداعية للكادر ، ذكرتنا بمشاهد من الفيلم الأسطورة (المومياء) للعبقري شادي عبد السلام . كما أنها (الكاميرا) كانت في حركة دائمة ، منسابة بتلقائية وسلاسة من خلال حركات بانورامية سريعة وشاريوهات جميلة وممتازة . وبذلك إستحق الفيلم جائزة التصوير في مهرجان عنابة بالجزائر . ــ فاصل موسيقي ــ ختاماً .. لا يسعنا إلا القول بأن سعيد مرزوق فرصته في أن يخلق من فكرته الجيدة للفيلم ، فيلماً جيداً ومتميزاً .. وقدم فيلماً تقليدياً أضاع الكثير من إمكانيات هذه الفكرة الفنية . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثالث ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (السادة المرتشون) ، بطولة محمود ياسين ونجوى ابراهيم ومحمود عبدالعزيز وسعيد صالح ، وإخراج علي عبدالخالق . وهو من إنتاج عام 1984 . ــ فاصل موسيقي ــ يتحدث فيلم (السادة المرتشون) عن الاغذية الفاسدة وإنتشار الرشوة ، وهو الموضوع الذي عالجه اكثر من فيلم مصري في فترة الثمانينات تحت ما يسمى بافلام الانفتاح . وفيلمنا هذا يدين بالطبع هذا الانفتاح الاقتصادي الذي اصاب المجتمع المصري بامراض اجتماعية واخلاقية عديدة . في (السادة المرتشون) نحن امام شاب من الطبقة المتوسطة ، اكمل تعليمه ولكنه لم يستطع تحقيق آماله واحلامه الشخصية في الزواج من الفتاة التي أحبها ، لذلك نراه يقرر التضحية بحبه في سبيل القيام بأعبائه الاسرية ، وبالتالي يسافر للعمل في الخارج ويمضي سبع سنوات هناك . ــ فاصل موسيقي ــ يبدأ الفيلم بدايته الفعلية بعد عودة الحبيب الشاب محمود (محمود ياسين) من سنوات الغربة ليجد الظروف مناسبة للفوز بحبه القديم مع آمال (نجوى ابراهيم) ، حيث يتفقان على الزواج بالرغم من معارضة فتحي (محمود عبدالعزيز) ابن عم آمال ، الذي يحبها بجنون ، وإصراره على الزواج منها عنوة حتى لو إضطر الى استخدام نفوذه كونه ضابط شرطة لازاحة غريمه . عندما يتم القبض على محمود في ليلة زفافه بآمال ، تتجه شبهات الجميع ، بما فيهم المتفرج ، الى ان ضابط الشرطة فتحي هو الذي لفق تهمة الرشوة لمحمود ليزيحه عن طريقه . وتهمة الرشوة هذه تدخلنا مباشرة الى عالم جديد وخط درامي مختلف تماماً عن الخط الذي بدأ به الفيلم ، فبعد قصة الحب الذي بدأت بها الاحداث ، يدخلنا الفيلم الى عالم الاستيراد والانفتاح . فالمتهم محمود يعمل مفتشاً في وزارة الصحة بميناء بورسعيد ويضبط متلبساً بقبول رشوة من ابراهيم الفخراني (سعيد صالح) أحد المستوردين مقابل تمرير صفقة فاسدة من اللحوم (البولوبيف) . وتتصدى آمال كمحامية للدفاع عن حبيبها الذي تؤمن تماماً ببراءته وبان ابن عمها هو الذي لفق هذه التهمة له ليمنع زواجه منها . ــ فاصل موسيقي ــ يقدم لنا الفيلم من خلال اسلوب (الفلاش باك) ثلاث روايات للواقعة .. كل رواية تمثل وجهة نظر متعارضة مع الاخرى ، وذلك ضمن حبكة درامية متقنة جعلت المتفرج ينازعه الاعتقاد ببراءة المتهم أو جرمه . وتنجح المحامية في تبرئة محمود وإدانة ابن عمها الضابط ، إلا ان الحقيقة تظهر في النهاية ، بعد رواية الفخراني الثانية لآمال ، والتي لا تصدقها إلا بعد ان تكتشف هذه الحقيقة بنفسها ، وهي ان محمود مرتشٍ فعلاً ، وان عينة اللحوم الفاسدة التي أخفاها ليهدد بها المستورد تسببت في وفاة عائلته . فتواجهه المحامية بجريمته لينهار ويعترف بجرمه ، مبرراً ذلك بانه أراد ان يحقق لها نفس المستوى المادي الذي تعودت عليه . كتب قصة الفيلم المخرج نفسه ، وصاغها كسناريو الكاتب مصطفى محرم ، وكلاهما وقع في أخطاء درامية وتجاوزات أوقعت الفيلم في مصيدة المباشرة واللامنطقية ، وأفقدته الكثير من قيمته الفنية . فقد بدأ الفيلم بمقدمة ضعيفة أراد بها المؤلف ان يختلق أي مبرر لتباعد الحبيبين ثم للقائهما مرة اخرى ، حيث تستمر نفس عناصر الحدث الدرامي السابق . كما ان الفيلم عندما أراد ان يقدم لنا نموذجاً للمرتشي قدم نموذجاً ضعيفاً جداً من حيث القيمة أو الحجم ، فموظف صحة صغير في ميناء بورسعيد ليس هو المشكلة التي يمكن ان يناقش من خلاله مرض خطير ومنتشر في المجتمع كالرشوة . ــ فاصل موسيقي ــ كذلك نموذج الفساد الذي قدمه الفيلم والذي أداه الممثل الكوميدي سعيد صالح ، كان غير موفق تماماً باعتبار ان هذا الفنان المليء بالحيوية والمرح قد جعل من هذا الانفتاحي الشرير شخصية ذات جاذبية شديدة . فقد نجح سعيد صالح بالفوز بتعاطف المتفرج وإقناعه بمنطقه القوي الذي يفلسف به السرقة والفساد كجزء من تيار عام حوله لدرجة إقتناع المتفرج بشرعية هذا الانحراف وانه بالتالي ضحية لمناخ عام يفرض طريقاً واحداً للثراء السريع . وهذا بالطبع منطق خاطىء وغير واقعي تماماً . كذلك أخفق الفيلم في إيجاد التبرير المنطقي لإنحراف موظف الصحة . فما الذي دفع هذا الشاب الى الانحراف !! وهو الذي رفض مساهمة حبيبته في تأثيث شقتها من باب الشرف والكرامة !! وإذا كان العائدون من الخارج بمدخراتهم لا يكتفون بذلك وينحرفون ، فماذا يفعل ملايين الشرفاء الكادحين الذين بقوا في بلدهم وإحتملوا أسوأ الظروف !! ثم ان شاباً يرتشي فقط لكي يحفظ لحبيبته نفس مستواها المادي الذي إعتادته لهو شاب فاسد تماماً سواء كان هناك تجار أغذية فاسدة أو لم يكن .. وليس هناك أية علاقة لهذا الانحراف في السلوك لا بالانفتاح ولا بأي مناخ إقتصادي أو إجتماعي آخر ، فهذا إنحراف أو سلوك فردي تماماً. وهنا يخسر الفيلم كثيراً من أرضيته الاجتماعية ، هذا إضافة الى ان السيناريو لم يجعل الفتاة نفسها جشعة أو متطلعة حتى يكون مبرراً قوياً يمكن الاقتناع به لانحراف الشاب ، بل جعلها مولعة بحبه الي أقصى درجة ومتعاونة بل ومثالية . ــ فاصل موسيقي ــ كما انه كان من الواضح تماماً بان الفيلم قد حرص على الاهتمام بالحبكة البوليسية ، ولكنه فعل ذلك على حساب الاهتمام بالمضمون الاجتماعي للفيلم ، وبالتالي فقد أخفق في تقديم الكثير من التفاصيل المهمة التي تساهم في تبربر سلوك الشخصيات . كما ان هذا الاهتمام بالتشويق البوليسي جاء على حساب رسم الشخصيات ودوافعها ونقاط ضعفها ، وبالتالي مبررات تحولاتها المفاجئة . صحيح ان الحبكة الدرامية البوليسية قد جاءت محكمة وتعكس براعة حرفية واضحة ، إلا انها كانت على حساب المضمون الاجتماعي ـ كما أسلفنا ـ والذي بدى كمجرد غطاء أو خلفية للغز البوليسي المطروح في الفيلم ، فبدلاً من ان تصبح القصة البوليسية مجرد وسيلة لتقديم موضوع اجتماعي تحولت القضية الاجتماعية الى مجرد وسيلة لتقديم فيلم بوليسي . ــ فاصل موسيقي ــ بالرغم من كل هذه الاخفاقات في كتابة السيناريو ، إلا ان هذا لا ينفي قدرة السيناريست مصطفى محرم على تقديم حوار مميز ولاذع وخلاق يتناسب مع طبيعة الشخصيات ، خصوصاً شخصية الانفتاحي . كما ان المخرج علي عبدالخالق إستطاع السيطرة على أدواته الفنية والتقنية بان يقدم اسلوباً بسيطاً دون استعراض زائد عن وظيفته لا يتحمله الفيلم . أما بالنسبة للاداء التمثيلي ، فقد فاجأنا الفنان سعيد صالح في دور مختلف وجاد وهو الممثل الكوميدي ، ليؤكد بانه ممثل فنان وليس ذلك المهرج الذي يتصوره البعض في مجمل أدوار حبسه فيها تجار السينما . أما بقية الممثلين فقد كان أداؤهم جيداً ، كل في حدود تكوين شخصيته . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 34 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (شادر السمك) ، بطولة احمد زكي ونبيلة عبيد ومحمد رضا وعلي الشريف ، وإخراج علي عبدالخالق . وهو من إنتاج عام 1985 . ــ فاصل موسيقي ــ ( شادر السمك) فيلم مصنوع جيداً ، يضم نخبة من خيرة الفنانين المصريين . كتب قصته وأنتجه نبيل نصار ، يتحدث عن الحياة اليومية في سوق السمك ، والمعروف بإسم (شادر السمك) ، وذلك من خلال تسجيل واقعي للأحداث ، ونسيج درامي وبناء سينمائي مصنوع بدقة للشخصيات ، وجو عام من خلال ديكور لا يختلف في أي شيء عن الجو الحقيقي لشادر السمك . ــ فاصل موسيقي ــ يحكي الفيلم عن الأرملة الجميلة جمالات (نبيلة عبيد) ، التي تبيع السمك في الشادر بعد أن توفى زوجها وتركها وحيدة مع إبنتها تقاسي الكثير من المتاعب ، من خلال تحكم كبار التجار في السوق ، الطامعون في شبابها وجمالها ، والذين يقفون ضدها بعد أن صدتهم مراراً . تظل جمالات تعاني من مقالبهم وحيلهم وألاعيبهم ، حتى تقع عينيها ذات يوم على عامل صغير في السوق (احمد زكي) ، أتى من الصعيد ليقتات على حمل صناديق السمك عند أحد تجار السوق . تتوسم فيه المروءة والشهامة ، بعد أن وقف بجانبها في إحدى خناقاتها بالسوق ، فهي ترى بأنه لايطمع فيها بسبب بساطته وفقره ، فتتزوجه ليعوضها عن سنوات الحزن والحرمان والترمل ، وتثق فيه أكثر وتسلمه ما إدخرته طوال تلك السنوات ، ثم تفتح له محلاً لبيع السمك في نفس الشادر ، ويصبح بين يوم وليلة من كبار تجار السوق ، يتحكم في سعر الجملة والقطاعي . ــ فاصل موسيقي ــ تتغير أحوال هذا الصعيدي بعد أن تزداد ثروته ويتدفق عليه المال ، فيركب المرسيدس ويرتدي أفخر الثياب ، لينجذب نحو الطبقة الأرستقراطية ، ويتزوج باحدى بناتها ، متناسياً ومتنكراً لزوجته التي دفعته الى هذا النجاح ، بل إنه يطلقها بعد أن أحس بأنها تشكل عبأً ثقيلاً عليه ، إلا أنها تنجح في إثارة تجار الشادر ضده ، فقد تبين لها بأن هذا التمثال الجميل الذي صنعته بيديها يصفعها وينتقلب ضدها . فيتعاون معها جميع تجار الشادر ، حيث كل يريد إعادة مجده القديم ، ويدبرون للخلاص منه ، فيقتلونه ليعود للشادر توازنه ولتعود لهم هيبتهم المفتقدة . ــ فاصل موسيقي ــ من خلال هذا السرد الموجز لأحداث الفيلم ، نلاحظ بأن الحكاية لاتتضمن أي جديد ، فالصراع بين رموز القوة (المعلمين وتجار السوق الكبار) وصعود أو سقوط البعض منهم ، موضوع تناولته السينما المصرية في أكثر من فيلم .. إلا أن فيلم ( شادر السمك ) يتميز عن الأفلام الأخرى في صناعته فنياً وتقنياً . قام علي عبدالخالق وكاتب السيناريو »عبدالجواد يوسف « بدراسة كل الأبعاد النفسية والإجتماعية في السوق على الطبيعة ، بين تجار السمك وبياعيه في سوق الوائلي ، وأخذا أفكارهما من الواقع ومن طبيعة الحياة التي يعيشها أصحاب هذه السلعة ، منذ إستلامها من فوق مراكب الصيد حتى توزيعها وشحنها الى المدن المختلفة .. ثم حركة التحكم في الأسعار وسر الصنعة وسلوكيات السوق ، وكل مايدور حول حلقات بيع السمك . كل هذه التفاصيل الدقيقة إحتواها سيناريو الفيلم . ــ فاصل موسيقي ــ كما لا يفوتنا أن نشير الى أن المخرج قد إستعان بكل العاملين بسوق الوائلي ، من كبار التجار الى صغار العمال الذين يحملون صناديق السمك الخشبية . كل هؤلاء نقلهم المخرج الى الأستوديو ، حيث لم يسعفه الزحام وحركة السوق الطبيعية من التصوير هناك . لذلك قام مهندس الديكور نهاد بهجت ببناء السوق بأكمله في أستوديو نحاس ، وإستطاع بديكوره هذا ، الوصول الى الإيهام الفعلي للسوق ، بكل مافيه من محلات كبيرة وصغيرة ، وشوارع السوق ودروبه . ثم جاء المخرج ليضيف على هذا الديكور النبض والحيوية ، ويبعث فيه الحياة الطبيعية ، من مضاربات المزادات التي تتم في السوق على أنواع السمك وأسعاره ، وخناقات تجار الجملة والقطاعي .. وإستطاع المخرج ، بكل هذا ، أن يخلق الجو العام للسوق ، بحيث لم يشعر المتفرج بأنه يشاهد هذه الأحداث داخل ديكور مصنوع في الأستوديو ، وليس في سوق حقيقي . ــ فاصل موسيقي ــ إن فيلم ( شادر السمك ) يذكرنا بفيلم آخر ، وهو فيلم (الفتوة ـ 1957) للمخرج الكبير صلاح أبوسيف .. فالفيلمان يتشابهان ، وإن إختلفت الرؤية الفنية في كل منهما . فعندما قدم أيوسيف فيلمه ، كان يرصد ـ بوعي فكري وفني ـ مدى التطور الذي حدث للمجتمع في تلك الفترة ، والتغيُّر السريع الذي أدى الى تخلخل البنية الإجتماعية والطبقية .. وفي هذا الفيلم تجاوز أبوسيف مرحلة الرصد الى مرحلة التنبؤ والإشارة الى المستقبل ، حيث كان التحول الدرامي محسوباً بدقة داخل إطار الواقع ومن ثم تأثره وتأثيره في هذا الواقع . أما في فيلم علي عبدالخالق ، فقد كان التحول الدرامي مرهوناً بظروف الفيلم وليس بظروف الواقع ، وهو بالتالي تحول يتم في لحظات سريعة للوصول الى مايريد الفيلم طرحه . ولكن بالرغم من ذلك فإن علي عبدالخالق في فيلم (شادر السمك) قد نجح في تحريك المجاميع بشكل طبيعي ، خاصة في الخناقات والمعارك التي كانت تحدث في السوق . أما البطل الحقيقي للفيلم فكان الديكور المتميز للسوق الذي أبدعه الفنان نهاد بهجت ، والذي ـ دون شك ـ من الصعب أن تفرقه عن شادر السمك الحقيقي . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (الصعاليك) ، بطولة نور الشريف ومحمود عبدالعزيز ويسرا ومها ابوعوف ، وإخراج محمد خان . وهو من إنتاج عام 1984 . ــ فاصل موسيقي ــ فيلم (الصعاليك) هو باكورة أعمال المخرج المتميز داود عبد السيد .. هذا المخرج الذي تأخر كثيراً حتى قدم فيلمه الروائي الأول ، حيث كان مخرجاً بارزاً في مجال الفيلم التسجيلي . إنتهى عبد السيد من كتابة الفيلم عام 1981. ومنذ ذلك التاريخ وحتى ظهور الفيلم الى النور عام 1984 ، كانت هناك مشاكل إنتاجية ساهمت في هذا التأخير . الى أن قرر عبد السيد ومجموعة العاملين في الفيلم على التعاون في إنتاجه ، وإخراجه الى النور .. وهذا بالفعل ماحدث . ــ فاصل موسيقي ــ كان أول عرض لفيلم (الصعاليك) في مهرجان القاهرة السينمائي . وقد أحتفي به من قبل النقاد كثيراً ، حيث أعتبر هذا الفيلم بمثابة شهادة ميلاد لمخرج جديد ، وفنان صاحب رؤية فنية إجتماعية ، أكدها من خلال أولى تجاربه السينمائية الروائية . صحيح من أن الفيلم لم يلاقي ذلك الإقبال الجماهيري المتوقع ، إلا أن لذلك أسباباً وظروفاً خارجة عن الفيلم نفسه . ــ فاصل موسيقي ــ تأخر عرض (الصعاليك) في الصالات أشهراً ، بعد إطلاقه في الفيديو ، ثم برمجته في صالة عرض لم تتعودها الشعبية بعد ، هذا إضافة الى سوء الفهم الذي أوحى بأن (الصعاليك) هو إمتداد لموجة أفلام الإنفتاح .. بينما هو قصة صداقة حميمية جداً ساخنة جداً ، آسرة وحزينة جداً . إن تحديد فيلم (الصعاليك) بأنه يتحدث عن الإنفتاح ، يشكل نظرة ضيقة جداً إليه . وبالرغم من ذلك الفتور الجماهيري ، إلا أن الفيلم وصاحبه قد قوبلا من قبل النقاد بحفاوة وحرارة غير طبيعية . وحصل الفيلم على الجائزة الثالثة في مهرجان القاهرة . كما حصل على خمس جوائز في مهرجان خريجي معهد السينما الثالث في أسوان ، وهي جائزة العمل الأول للمخرج ، وجائزة الإنتاج الثانية ، وجائزة الصوت ، وجائزة الديكور ، إضافة الى شهادة تقديرية لمدير التصوير . والفيلم ، في الجانب الأهم منه ، يحكي عن صداقة بين صعلوكين ، صلاح (محمود عبد العزيز) ومرسي (نور الشريف) . يعيشان حياة اللامبالاة والصعلكة ، ويمران بمراحل تصاعدية في السلم الإجتماعي الى أن يصلا الى عالم الصفقات والمال . وفي الجانب الآخر من الفيلم ، يتناول عبد السيد ـ في إستعراض مقنع ـ حركة المجتمع المصري ، وما صاحبها من تغيرات إقتصادية وإجتماعية ، حولت البعض من صعاليك الى أصحاب ملايين . وذلك من خلال متابعة مشوار صعلوكيه . ــ فاصل موسيقي ــ لقد حاول عبد السيد البحث عن المنطق النفسي والإجتماعي في تصرفات شخصياته ، كما إستطاع الكشف عن ما يعتمل في داخلها من الحب والإشتهاء والندم أو الخيانة والجشع . كل ذلك من خلال عرض واقعي صادق لحياة صعلوكيه ، في محاولتهما تأمين إحتياجاتهما المعيشية ، التي تبقيهما أحياء بواسطة أي عمل شريف ، مثل (الشيالة ، السياقة ، مسح السيارات وتنظيفها والمناداة على الركاب) ، أو غير شريف ، مثل (النصب ، السرقة ، أو العيش بقوة الذراع) . ــ فاصل موسيقي ــ في النصف الأول من الفيلم ، نجح عبد السيد في تجسيد معنى تلك الصداقة بين صلاح ومرسي ، في مرحلة الفقر والتشرد والصعلكة ، وذلك من خلال مشاهد قوية وقصيرة ذات إيقاع سريع ، وبشكل عفوي وواقعي ندر تناوله في السينما المصرية . ففي مشهد حادث السيارة مثلاً ، والذي دخل مرسي على أثره السجن ، لم يعتمد في تجسيده على الحوار فقط ، بل إستطاعت تعابير الوجه والتصرفات العفوية للصديقين ، أن تترجم أحاسيسهما الداخلية تجاه بعض . وهو مشهد قدمه لنا عبد السيد بشاعرية معبرة وحساسية رقيقة وعفوية ، أكدت مدى الإرتباط الوثيق فيما بينهما . كذلك مشهد سقوط الزوجة صفية (يسرا) في أحضان صلاح ، والذي يعد من بين أقوى المشاهد في الفيلم ، حيث نفذه المخرج بإتقان ، إضافة الى كتابته بشكل قوي ومؤثر . وقد كان عبد السيد حريصاً على تقديم هذا المشهد بوعي وحذر ، لتوضيح معاني جديدة ومشاعر حقيقية .. وهي أن السقوط لم يكن سقوطاً جسدياً ، بقدر ما كان سقوطاً نفسياً لاشعورياً ، وتحت ضغوط ظروف المكان والمشاعر الطارئة المهزوزة ، التي فرضها غياب الزوج في السجن وشعور الزوجة بأنها في حماية الصديق المخلص، فكانت لحظة ضعف المشاعر الإنسانية ، أمام ظروف طارئة وغير مستقرة. ــ فاصل موسيقي ــ نجح عبد السيد ، بإعتماده ـ هنا بالذات ـ على الحوار السريع والمركز ، في إقناعنا بمبررات مادية حقيقية على قبول هكذا موقف ، بالرغم من حساسيته ، لاسيما في لقطات عقاب النفس لكل من الزوجة والصديق . وقد وصلت (يسرا) في هذا المشهد الى قمة أدائها ، حيث قدمت أهم مشهد أتاحته لها السينما قبل ذلك . وفي (الصعاليك) تبرز لنا وجهة نظر مختلفة للجنس عن ما هو سائد في السينما المصرية . فالجنس هنا لا يحمَّل بفكرة الخطيئة ، فالشخصيات هنا مكللة ببراءة أولية تجعلها إنسانية .. يقول عبد السيد : ... حاولت ان اقدم فيلم غير أخلاقي ، ليس فيه الأحكام الأخلاقية التي في أغلب سينمانا .. لا تتطلع بإدانة ، بل تتفهم الدوافع ... . وقد كان عبد السيد حريصاً ـ أيضاً ـ على إختصار الزمان الى أقصى درجة ممكنة ، بحيث لا يتعارض ومسار الأحداث الدرامية وتكوين شخصياته . فإستطاع بذلك التخلص من الزوائد التقليدية ، خصوصاً في النصف الأول من الفيلم . فهو يقدم لنا مثلاً ، علاقة مرسي بصفية وزواجهما ، في مشاهد معدودة قصيرة جداً . كما أنه لا يسرد لنا قصة مطولة ومقحمة عن وفاة والد صفية ، بل يكتفي بلقطة واحدة قصيرة لصفية وهي بثياب الحداد السوداء . ثم لا ننسى الإشارة الى أن السيناريو كان موفقاً الى درجة كبيرة في رسم وصياغة مشهد تهريب المخدرات من الميناء . مستفيداً من أسلوب المفاجآت ، لشد إنتباه المتفرج والتلاعب بمخيلته . ــ فاصل موسيقي ــ أما النصف الثاني من (الصعاليك) ، فقد جاء مختلفاً في أسلوب الطرح والمعالجة ، وفاقداً لبعض قوة التأثير والجمال ، التي إتصف بهما النصف الأول . هنا يتابع عبد السيد مسار شخصياته ، مقدماً لنا تفاصيل كثيرة ومعقدة ، ربما لتتناسب والمستوى الإقتصادي والإجتماعي الذي وصل إليه صعلوكاه . فالصديقان الآن يعيشان ـ أيضاً ـ فتوراً وتوتراً في علاقتهما ، تلك العلاقة التي بدأت تفقد بريقها الأول . وصل عبد السيد بالفيلم الى المنطقة الحرجة في علاقة صلاح مع مرسي ، أو بالأحرى الى ثنائية العقل والقلب أو العقل والمشاعر . فالأول مستعد أن يخسر كل شيء في مقابل الإحتفاظ بمبادئه وأخلاقياته وصداقته مع الآخر ، بينما مرسي على النقيض . فالثروة والمال يمثلان بالنسبة له كل شيء ، ضارباً عرض الحائط بكل من يقف في طريقه للحيلولة دون الوصول إليهما . ليصل الفيلم الى النهاية المأساوية ، نهاية العلاقة الحميمية بين الإثنين اللذين جمعتهما أيام الفقر والتشرد والصعلكة ، وفرقتهما أيام العز والثراء .. نهاية لحياة صلاح الذي رفض الخضوع لإبتزاز مافيا الإنفتاح . وهي بالطبع ثمناً غالياً لإحتفاظ مرسي بكل ما وصل إليه . إنها نهاية للفيلم ، لكنها بداية جديدة لصعلوك آخر .. نهاية تعني الكثير وتنقل واقعاً قائماً .. إنه عالم الصراع في دنيا المال . وعبد السيد هنا لا يعبر عن هذه الثنائية (العلاقة) كأمر طبيعي لا مفر منه ، وإنما يعتبر أن الطبيعي هو عدم وجود هذه الثنائية وإستمرارها ، حيث أن نهاية الفيلم هي النتيجة الوحيدة لهذه الثنائية على أرض الواقع . ــ فاصل موسيقي ــ حاول عبد السيد أن يبرر أفعال بطليه وإنحرافهما نحو الشر ، وقد نجح في ذلك الى حد كبير ، خصوصاً إنه إعتمد على أداء ممثليه اللذين قدما مباراة متواصلة في الأداء التلقائي ، نجح فيها الإثنان . نور الشريف بتقديمه عرض لقدراته على الأداء الطبيعي والتعبير الحركي ، ومحمود عبد العزيز بتمكنه من شد الإنتباه لحيويته وخفة دمه ويقضته المتأججة. كل هذا الإبداع التمثيلي ، قد خفف كثيراً من سخط المتفرج علىهما وتحويله الى رجل المافيا الإنفتاحي (علي الغندور) . وبالرغم من هذا ، إلا أن السيناريو في نصفه الثاني يبدو أقل تأججاً ، حيث حمَّله عبد السيد أكثر مما ينبغي ، وأضاف إليه زوائد يمكن الإستغناء عنها ، دون الإخلال بالموضوع الرئيسي . فمثلاً ، علاقة الحب الرومانسية التي عاشها صلاح مع منى (مها أبو عوف) ، أخذت من الوقت حيزاً أكبر من اللازم ، بالرغم من أن عبد السيد قد قدمها بشكل واقعي جديد . ــ فاصل موسيقي ــ إن عبد السيد في فيلمه الروائي الأول ، لم يستطع التخلص من مآخذ العمل الأول ، حيث إحتوى (الصعاليك) على التطويل والدسامة في الأفكار خصوصاً في النصف الثاني ، رغبة منه بالإحاطة بكل شيء ، مع أنه لو واصل فيلمه بنفس الوتيرة التى في النصف الأول ، لنجح فعلاً في تخطي سلبيات كثيرة . وبالرغم من تلك السلبيات التي إحتواها الفيلم ، إلا أنه إستطاع الكشف عن ميلاد مخرج متمكن من أدواته السينمائية ومتواصل مع مجتمعه . كما أثبت عبد السيد بأنه قادر على كتابة الصورة السينمائية المعبرة ، وتحويلها الى نبض متدفق بالمشاعر والأحاسيس الجياشة . كذلك نجح بالتخلص من قيود الأستوديو الجامدة ، مقدماً نظرة جديدة للإسكندرية بشوارعها وأزقتها ، خصوصاً وأن تجربته في مجال الفيلم التسجيلي قد وهبته إحساساً غنياً بالطبيعة والواقع . لهذا جاء فيلمه الروائي الأول غنياً بالتفاصيل الحية ، مستغلاً أماكن التصوير بشكل موحي ومؤثر ، مما أضفى عليه طابعاً واقعياً صادقاً . ثم لا ننسى الإشارة الى أن فيلم (الصعاليك) ، لا يشكل مولد فنان سينمائي فحسب ، بل يشكل ـ أيضاً ـ مولد فنان موسيقي مبدع ، هو الفنان »راجح داود« ، حيث عبرت موسيقاه عن مسار أحداث الفيلم ودواخل شخصياته ، وإستطاع تقديم نموذج حقيقي للموسيقى التعبيرية، تندمج في الفيلم فتصبح جزءاً من الصورة السينمائية . ــ فاصل موسيقي ــ إن فيلم (الصعاليك) ، كتابة وإخراجاً ، يقدم نظرة جديدة للعلاقات الشخصية .. نظرة متحررة من كل حكم وأفكار مسبقة .. نظرة غير أخلاقية ، بمعنى أنها لا تنجر وراء الأحكام الأخلاقية على السلوك البشري ، بل تبحث وتتفهم الدوافع . فالشخصيات التي يقدمها عبد السيد ، يلفها بالحنان دون التقاضي عن نقاط ضعفها . وفي منأى عن ثقل فكرة الخطيئة ، يلتقط نماذج شفافة تحيا مشاعرها بقوة .. بتطرف ، تحترق من ركضها اللاهث وراء شعاع سعادة ورفاهية . فعبد السيد في فيلمه هذا لا يكتفي بالكشف عن النظام الداخلي للإنفتاح كنظام إقتصادي ، وإنما يندفع للتعبير عن وجهة نظره في الإنسان من الداخل ، ويعبر بعمق عن الجدل بين الفرد والمجتمع . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 35 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (الكرنك) ، بطولة سعاد حسني ونور الشريف وكمال الشناوي ، ومن إخراج علي بدرخان . وهو من إنتاج عام 1975 . ــ فاصل موسيقي ــ يأتي فيلم (الكرنك) ، ليؤسس مع أفلام (على من نطلق الرصاص ـ العصفور ـ زائر الفجر) ما يسمى بالسينما السياسية . ولو كان فيلم (الكرنك) هو أكثرها جرأة ، وذلك بإستعراضه بشكل واضح وصريح جداً للنظام السياسي في إستخدامه لكل أدوات القهر والتنكيل ، ضد كل من يخالفه في الفكر والرأي السياسي ، أو حتى ضد إثنين متحابين ليدمرهما لدرجة التخريب ، ويفسد العلاقات الإنسانية الجميلة فيما بينهما . ــ فاصل موسيقي ــ ولا يخفى على الجميع ، في أن فيلم (الكرنك) قد صحبته ضجة كبيرة في الوسط الفني والصحافة ، وحتى على المستوى الجماهيري ، وذلك لأن الجميع إعتبره تأريخاً لفترة سياسية ، تعتبر من أهم فترات التاريخ السياسي المصري ( وهي الفترة التي إمتدت منذ الهزيمة في 1967 وحتى حرب أكتوبر 1973) ، مروراً بحركة التصحيح في 15 مايو 1971) وإعتبره البعض تشويهاً لثورة يوليو 1953 وقائدها عبد الناصر ، بل هجوماً على مراكز القوى في تلك الفترة ، وتملقاً لحركة التصحيح التي قادها الرئيس السادات . إلا أن بدرخان يدافع عن فيلمه هذا ، فيقول : ... توقيت عرض الفيلم بعد وفاة عبد الناصر هو الذي أعطى إنطباعاً بأن المقصود منه مهاجمة المرحلة الناصرية ، وهذا غير صحيح . فالمقصود من الفيلم كشف بعض الممارسات التي كانت تصدر من بعض الأشخاص المتسترين برداء النظام ، والتي إستهدفت كرامة الإنسان وتحطيم معنوياته . وهذه الممارسات موجودة في أي نظام وفي كل زمان ... . ــ فاصل موسيقي ــ بدأت فكرة (الكرنك) عند بدرخان ، بعد قراءته للقصة التي كتبها نجيب محفوظ ونشرتها الصحافة . بعدها قرأ بأن الكاتب ممدوح الليثي قد إشترى القصة وسينتجها سينمائياً . فما كان من بدرخان إلا أن إتصل بالليثي وقال له : ... أنا نفسي أخرج الكرنك ، ومن غير فلوس أبداً !! ... . وهذا بالطبع دليلاً على إقتناع بدرخان بالقصة وأهميتها . وبهذا يكون بدرخان قد خطى خطوة في طريق السينما السياسية . ــ فاصل موسيقي ــ يبدأ فيلم (الكرنك) وينتهي بحرب أكتوبر ، وهو إقحام مفتعل ـ إن كان من الناحية الدرامية أو حتى الفكرية .ولا يعني هذا سوى الإستغلال التجاري والتملق . فمن الملاحظ بأن السينما المصرية في تلك الموحلة قد إتخذت من حرب أكتوبر ديكوراً جديداً للأفلام التجارية ، مثلما كانت السينما في الخمسينات والستينات تتملق ثورة يوليو ، وذلك بأن تجعل من الثورة نهاية سعيدة للفيلم . وربما كان هذا إرضاءً للنظام الحاكم وللرقابة ، مما يعطي للفيلم إمتيازات كثيرة أهمها الحصول على أولوية العرض . أما بالنسبة لفيلم (الكرنك) فمن هذه البداية والنهاية نستنتج بأنه يقول بأن غياب الحرية والقانون وسيطرة الإرهاب والقمع يؤدي الى الهزيمة ، وعودة الحرية وسيادة القانون يؤدي الى النصر . وهذا بحد ذاته قد أوقع الفيلم في خطأ فكري كبير ورؤية ساذجة ، على حساب الرؤية الموضوعية للواقع والتاريخ . فالحديث عن الهزائم والإنتصارات لا يكون هكذا . عموماً .. نتابع فيلمنا مابين هذه البداية والنهاية . فمن خلال (فلاش باك) يستمر طوال الفيلم ، نشاهد ثلاث شخصيات ، إسماعيل الشيخ (نور الشريف) و زينب دياب (سعاد حسني) و حلمي حمادة (محمد صبحي) ، وهم زملاء في كلية الطب ، ثلاثة من أبناء الشعب الكادحين ، ينتمون الى جيل الثورة ويؤمنون بها . إسماعيل وزينب تربطهما علاقة حب قوية صادقة ، ويعيشان في وضع معيشي بسيط يجعلهما يدافعان عن الثورة وإنجازاتها التي إستفادا منها كثيراً ، مثل مجانية التعليم وغيرها . إلا أنه يتم إعتقالهما لمجرد أنهما قالا رأياً صريحاً وواقعياً في توزيع القماش ( الذي يكتبون عليه الشعارات السياسية ) على الفلاحين الذين لا يعرفون القراءة ، حيث أن هذا أنفع لهم . ويقف الثلاثة أمام خالد صفوان (كمال الشناوي) مدير المخابرات ، مرة بتهمة الإنتماء الى الإخوان المسلمين ومرة بتهمة الإنتماء للشيوعيين . وتكون نتيجة تجربتهم في المعتقل سيطرة الخوف واليأس والإنهاك على إسماعيل وزينب ، وفقدانهما للقدرة على الفعل والتفكير ، وذلك نتيجة تعرضهم للتعذيب النفسي والجسدي . فزينب تفقد عذريتها في المعتقل ، وإسماعيل بمحاولته منع حدوث ذلك يعترف على نفسه وعلى زميله حلمي بأشياء ملفقة . أما حلمي فيتحول الى العمل السياسي السري بإعتباره واعياً للتناقضات المحيطة به ، نتيجة لما عاناه داخل المعتقل وفتح عينيه على أشياء كانت غائبه عنه ، وبالتالي يقتل هناك أثناء إعتقاله الثالث تحت أيدي زبانية خالد صفوان . وبذلك يصبح الزملاء الثلاثة ضحية لممارسات متسترة برداء النظام ، إستهدفت كرامة الإنسان فيهم ، وأفسدت العلاقات الإنسانية فيما بينهم . من خلال الفلاش باك الطويل هذا ، يقدم بدرخان فيلماً متميزاً وكبيراً يعتبر علامة بارزة في مسيرة السينما المصرية .. لولا أنه قد إحتوى على مغالطات تاريخية ، قد أضرت بالفيلم كثيراً ، كانت الرقابة ونظام الحكم آنذاك ورائها ، وذلك لتعزيز ذلك الحكم وحركته التصحيحية تلك . وقد أعلن بدرخان ذلك فعلاً ، ولكن بعد عشر سنوات من ذلك التاريخ . وبهذا يكون بدرخان قد برأ نفسه من تهمة تملق النظام ، حيث أعلن بأن رئاسة الجمهورية قد تدخلت مباشرة في الفيلم ، ليظهر بهذه الصورة . ولكن بالرغم من هذه المغالطات التاريخية والساسية في (الكرنك) ، إلا أن بدرخان في فيلمه هذا كان يحدثنا عن الثورة والإرهاب حديثاً صريحاً وجاداً وواقعياً ، إستطاع من خلاله إدانة الإرهاب والقمع بجميع أشكاله في أي زمان ومكان . ويبقى أن نقف وقفة تأملية لما قدمه هذا المخرج من لمحات إبداعية ومميزات فنية ، جعلت من الفيلم علامة بارزة ومهمة ، بغض النظر عن موضوعه الجريء والصريح . ففي (الكرنك) يوفق بدرخان في إختيار ممثليه الى حد كبير ، فسعاد حسني ونور الشريف وكمال الشناوي كانوا في قمة أدائهم ، بل وتعتبر أدوارهم في هذا الفيلم من بين أهم أدوارهم على مدى تاريخهم الفني بأكمله . أما بقية العناصر الفنية الأخرى ، من تصوير ومونتاج وموسيقى وغيرها ، فهي لم تتجاوز الدور الوظيفي الى الدور التعبيري ، إلا في مشاهد قليلة . وذلك لإعتماد الفيلم ـ بشكل واضح ـ على الحوار الكثيف والساخن والمتدفق ، والذي ساهم الى حد كبير في الإضعاف من لغة الصورة السينمائية ووظيفتها التعبيرية . فمثلاً نجد بدرخان ينجح في إستخدام الإضاءة والمونتاج في مشاهد ، مثل مشهد الإعتقال الأول للثلاثة ، وكان للإضاءة دوراً هاماً في خلق الجو المناسب لزوار الفجر في البيوت والحارة . كما أنه يثبت مقدرته في شحن المتفرج بالغضب وإدانة القهر والإرهاب ، وذلك من خلال مشهد قوي وغير مباشر لإسماعيل وزينب وهما يتمشيان في الشوارع ليلاً ، وقد تحتم عليهما التبليغ عن صديقهما حلمي وعن الإجتماع السري الذي عقد في منزله . ثم المشهد الذي يليه في بيت زميلهما الفنان ، ذلك المشهد الذي تستسلم فيه زينب لحبيبها في الفراش ، ليكتشف المأساة في تضحيته داخل المعتقل ، ويصدم بتلك الخدعة الكبرى . هنا ينجح بدرخان في تجسيد كل تلك الأحاسيس والمشاعر ، بمساعدة الإضاءة الدرامية المعبرة والمونتاج الخلاق ، بالإضافة لإستغلالة لإمكانيات الديكور . أما المونتير سعيد الشيخ ، قيوفق الى حد كبير في ضبط التصاعد الدرامي في اللقطات بين وجه زينب وبين ورقة ملقاة في الشارع تتقاذفها السيارات المسرعة عند محاولة إنتحارها . وفي نفس الوقت لم يحقق الشيخ نفس المستوى الفني في مشهد مقتل حلمي ، حيث فشل في تحقيق التقطيع المناسب وإستخدام الأحجام المناسبة للقطات ، مما أدى الى هبوط مستوى هذا المشهد . أما من ناحية الكتابة الدرامية (السيناريو) فنلاحظ مدى إلحاح النظرة التجارية لدى ممدوح الليثي وعلي بدرخان ، أو حتى نية التخفيف من مأساوية الأحداث ، والتي دفعتهما لحشر مواقف وأحداث بقصد الإضحاك والتقليل من صدمة المتفرج ، متجاهلين بأن ذلك قد يهدد بإختلال البناء الدرامي في فيلم يناقش الثورة والإرهاب . وهذا بالطبع لا ينفي من أن السيناريو قد إهتم بشكل خاص على إستعراض التفاصيل الدقيقة في تجسيد أدوات وطرق التعذيب ، من جلد وصلب وتعذيب بالكهرباء ، حتى يصل الإمتهان الإنساني ذروته في مشهد إغتصاب زينب ، وهو مشهد قوي ومؤثر ومتقن ، يحقق فيه بدرخان مستوى جيد في الإخراج . وبالرغم من بعض السلبيات التي سجلناها عن هذا الفيلم ، إلا أنه يظل واحداً من بين الأفلام الهامة والجادة ، وذلك لتبنيه قضية حساسة في الواقع الإجتماعي والسياسي ، ونجاحه في كسب تعاطف المتفرج مع قضيته هذه . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (يوم حار جداً) ، بطولة شيريهان ومحمود حميدة ومحمد فؤاد ، ومن إخراج محمد خان . وهو إنتاج عام 1995 . ــ فاصل موسيقي ــ فيلم ( يوم حار جداً ـ 1995 ) ، هو آخر أفلام المخرج المتميز محمد خان .. فيلم يحمل فكرة بسيطة ، ربما شاهدناها بشكل أو بآخر في أكثر من فيلم أجنبي . فهو يحكي عن يوم في حياة شاب مصري إسمه غريب (محمد فؤاد) عاد لتوه من بلاد الغربة ، ويخطط للقاء بأصدقائه في القاهرة . ولكنه وبطريق الخطأ يتورط في الشروع في جريمة قتل ، بعد أن يقع تحت يده محفظة بنت إسمها عصمت (عزة بهاء الدين) مكلفة بقتل زوجة أحد رجال الأعمال ضياء (محمود حميده) . ولسوء حظ غريب فإن رجل الأعمال يعتقد بأنه هو عصمت فيقابله ويسلمه مقدم المبلغ المتفق عليه . وبعد أن يفهم غريب بالموضوع كاملاً يكون في موقف لا يستصيع فيه أن يصرح بما يعرفه . فيدخل اللعبة مضطراً في البداية ، إلا أنه يستمر فيها فيما بعد رغبة منه في إنقاذ حياة الزوجة هدى (شيريهان) ، حيث ينجح في النهاية من ذلك . من المعروف بأن محمد خان يدقق كثيراً في إختيار شخصيات أفلامه ، تلك الشخصيات غير القادرة على التأقلم مع مجتمعها ، تعيش في صراع دائم بين الحلم والواقع ، في بحث دائم عن الذات والحرية الشخصية . وبشكل عام فإن أبطال محمد خان شخصيات حزينة وحيدة متمردة وغير منتمية ، وتمثل خليطاً مركباً من المشاعر والأحاسيس المتناقضة .. بين الجد واللامبالاة ، النقاء والتردد ، التواضع والكبرياء ، الحلم والإحباط ، الغربة والإنتماء . هذه هي طبيعة شخصيات محمد خان ، فهي أبعد ما تكون عن الإنماط الإجتماعية المتوائمة مع مجتمعها . فهو لا يبحث عن نوعية محددة من الأفلام ، وإنما يبحث عن شخصيات مميزة وغير نمطية . وفي فيلمه الأخير هناك ثلاث شخصيات رئيسية تدور حولها الأحداث . شخصية غريب ، ذلك الشاب البسيط والمغامر في نفس الوقت ، والذي يبدو من حديثه وطريقة تعامله مع الآخرين بأنه قد تخلص من الكثير من العقد التي يحملها الشاب الشرقي ، وذلك ربما جاء نتيجة إحتكاكه بالحياة الغربية المختلفة كثيراً عن الواقع العربي الشرقي . ولو إننا أحياناً نستغرب من بعض تصرفاته ، حيث تبدو غير منطقية وتحتاج الى تبرير . مما أضعف كثيراً من بناء الشخصية . ولكن بالرغم من ذلك فهي الشخصية المرحة التي أضفت على الفيلم قليلاً من الفرح ، في ظل شخصيات حزينة ومعقدة . حيث يستمر في ملاحقة هدى ويظهر لها في كل مكان ، حامياً لها ومن ثم مفاتحتها بالسر الكبير الذي يعرفه . وهناك شخصية هدى ، والتي تبدو غريبة في كثير من تصرفاتها ، خيالية ورومانسية تعيش الحلم وتسعى للهروب من الواقع . كما نراها شخصية غامضة ، أو ربما لأنها لم تكتمل درامياً ، فهناك فجوات واضحة في بناء الشخصية . فهي الزوجة الغنية والصغيرة السن والتي تصغر زوجها كثيراً ، مما يسبب لها عقدة النقص في أن زواجها هذا قائم على المصلحة وليس على الحب . وتعتقد بأن زوجها يريد التخلص منها ليستولي على ثروتها . أما شخصية ضياء ، فهي الشخصية الأكثر إكتمالاً ووضوحاً ، بالرغم من صعوبة الوصول الى مكامنها . فضياء رجل أعمال يعيش أزمة مالية حادة قد تودي بحياته . هذا إضافة الى أزمته النفسية التي تتمثل في إحساسه بالشيخوخة ، وعدم توائمه مع من حوله ، مما يجعله يفكر في التخلص من حياته . فبالرغم من أنه يحب زوجته هدى إلا أنه يحاول التخلص منها للخروج من أزمته المالية بعد أن يستولي على ثروتها . وفي نفس الوقت يعيش علاقة حب قديمة وزواج عرفي ، حدث قبل زواجه من هدى ، مع عايدة (منحة البطراوي) تلك السيدة التي تعشقه لدرجة السلبية ، حيث لا تريد منه إلا أن يبقى على حبه لها ، إلا أن ذلك يشعره بالذنب ، وتقتله تلك السلبية التي تعيشها عايدة ، مما جعله يتخذ قراراً ـ تأخر كثيراً ـ بالإبتعاد عنها . أما بالنسبة لزوجته هدى ، فنراه غير قادر على تحديد مشاعره تجاهها ويعيش في صراع نفسي وتردد في إتخاذ قرار صحيح ، فبالرغم من حبه لها إلا أن موتها سيكون منفذاً له من كل مشاكله . يعيش ضياء هذا التردد حتى قبل النهاية . بعد أن يفوت الأوان ، وترحل عنه هدى بعد أن تعرف بتدبيره لقتلها . في فيلمه الأخير (يوم حار جداً) ، يواصل محمد خان بحثه عن شكل جديد ، إلا أنه في هذا الفيلم يخفق أحياناً في الوصول الى حتى الى ما وصل اليه سابقاً . وهذا بالطبع ليس عيباً لدى أي فنان ، نقصد بذلك بأن الفنان في محاولاته للبحث عن الجيد قد ينجح وقد يخفق ، وهذا الفيلم هو أحد إخفاقات محمد خان . فقد بدا واضحاً من أن السيناريو كان متسرعاً في رسمه لبعض الأحداث ، إضافة الى ذلك القصور في بناء الشخصيات . فقد بدت بعض الشخصيات غير مكتملة ، وخصوصاً شخصية هدى التي كان ينقصها العمق والبحث أكثر عن حيثيات تبرر تصرفات الشخصية نفسها . كذلك شخصية غريب ، حيث أن تلك المبررات التي طرحها السيناريو لتبرير قبوله للإنخراط في تلك المغامرة كانت ضعيفة وغير مقنعة بالشكل الكافي . أما بالنسبة للمشهد الأخير في الفيلم ، والذي يظهر الزوجة هدى وهي تقف لغريب ليركب معها ويرحلا سوياً ، ليكون ختاماً للفيلم . قد أضر كثيراً بمضمون الفيلم بشكل عام ، خصوصاً إذا كان المقصود منه هو بداية حياة جديدة للإثنين . فليس منطقياً أن نقبل ذلك لمجرد أن غريب قد ساهم في إنقاذ هدى من القتل . فالظروف الموضوعية والنفسية التي عاشتها هدى لا تسمح بتاتاً بحدوث ذلك . أما بالنسبة للإخراج ، فقد نجح محمد خان في الحفاظ على إيقاع الفيلم الساخن والسريع . وذلك بتقديمه لحركة سريعة ومحفزة للكاميرا ، ونجاحه في إختيار زوايا تصوير موفقة ساهمت في خلق التعبير الدرامي للصورة . هذا إضافة الى توفيقه في إدارة من معه من فنانين وفنيين . خصوصاً الممثل محمد فؤاد في دور جديد عليه بعيداً عن الغناء والطرب . وكان مقنعاً كممثل أكثر من ذي قبل في فيلمه الأول (أمريكا .. شيكا بيكا) مع المخرج خيري بشارة . أما شيريهان فقد ظلمتها الشخصية كثيراً . على العكس من محمود حميدة الذي تألق في هذا الدور وأضاف الى رصيده كثيراً . هذا هو فيلم محمد خان الأخير ، سريع .. خفيف .. متواضع . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 36 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم الامريكي (الميسيسبي يحترق) ، بطولة الامريكي جين هاكمان ، ومن إخراج البريطاني ألن باركر . وهو من إنتاج عام 1988 . ــ فاصل موسيقي ــ حصل (الميسيسبي يحترق) على أكثر من جائزة . فمن المجلس القومي الأمريكي ، حصل هذا الفيلم على جوائز أفضل فيلم وأفضل إخراج ( ألن باركر ) وأفضل ممثل ( جين هاكمان ) وأفضل ممثلة مساعدة . كما حصل على أوسكار أفضل تصوير ( بيتر بيزيو ) . يضيء لنا هذا الفيلم صفحة سوداء من تاريخ أمريكا الحديث ، وبالتحديد في عام 1964. وهو نفس العام الذي منح فيه "مارتن لوثر كنج" جائزة نوبل للسلام . وبالتالي يركز الفيلم على واقعة حقيقية حدثت في بلدة صغيرة بولاية الميسيسبي في نفس العام ، عن مقتل ثلاثة عمال ( أحدهم أسود ) وإخفاء جثثهم ، وهم أعضاء في "لجنة الحقوق المدنية" المدافعة عن حقوق السود ، على أيدي زمرة من العنصريين البيض المنتمين الى "منظمة كوكلوس كلان" الإرهابية المتطرفة . وقد وقع هذا الحادث بعد يومين ـ فقط ـ من إقرار مجلس الشيوخ وثيقة حقوق الإنسان . لذا يبذل مكتب المباحث جهوداً مكثفة للوصول الى سر إختفاء هؤلاء العمال الثلاثة ، ويرسل عميلين (جين هاكمان ، ويليم دافو) للتحقيق في حادث الإختفاء . والذان يصلان الى البلدة ليجدا جواً مرعباً من التعصب والعنصرية ومظاهر الإرهاب ، ويواجها كماً من التظليل والكذب من جانب السلطات المحلية ، والصمت من جانب الأهالى المغلوبين على أمرهم . وبعد أحداث دامية وجهود دائبة ومكثفة من التحريات ، تتخللها حوادث قتل وحرق وتخريب موجهة ضد الأهالي السود ، وبفضل مكافأة مالية كبيرة (30000 دولار ) ، يتم العثور على الجثث الثلاث وإعتقال مرتكبي جريمة القتل والمتورطين فيها ، وهم من كبار المسئولين ورجال السلطة المحلية . إن الفيلم الذي أخرج بعد ربع قرن من حدوث هذه الجريمة البشعة ( وتكلف إنتاجه خمسة عشر مليوناً من الدولارات ) ، يعبر عن ذلك الوعي الأمريكي الجديد ضد التفرقة العنصرية وضد منظمة كوكلوس كلان الإرهابية . هذا بالرغم من أن صانعي الفيلم قد حرفوا في التفاصيل الواقعية لهذا الحادث التاريخي ، وذلك من أجل تقديم حبكة بوليسية مألوفة . حيث أن المصادر الموثقة تشير بأن مكتب المباحث الفيدرالي (FBI) ـ تحت ضغط المدعي العام آنذاك "روبرت كنيدي" ـ قد أرسل عميلين للتحقيق في الحادث . وقد نجحا في ذلك بعد أن قدما رشوة مجزية لشخص أو أكثر من أعضاء المنظمة العنصرية مقابل إفشاء سر مرتكبيها . أما مخرج الفيلم "ألن باركر" ، فيبرر عدم إلتزامه بالوقائع ، قائلاً : فيلمنا هذا ليس عن حركة الحقوق المدنية ، وإنما عن الأسباب التي أدت الى ظهور هذه الحركة ، وكيف أن وجودها كان ضرورياً آنذاك . ولأنه فيلم سينمائي ، فقد شعرت بأن القصة ينبغي أن تكون خيالية ، وكان لابد من إختيار بطلين من البيض . إنه إنعكاس لمجتمعنا بقدر ما هو إنعكاس لنظرة صناعة السينما . ربما يتفق البعض مع بعض ما قاله المخرج ، إلا أن الإنتقادات تركزت أكثر على إضفاء الموقف البطولي لعملاء الـ (FBI) ، مقابل تهميش دور الأقلية السوداء والتي أظهرها الفيلم في أشكال سلبية ولا مبالية ، مما أدى الى تحريف الصراع الحقيقي وإضعاف البعد الإجتماعي . وبالرغم من أن المخرج قد نجح في تقديم عمل مضاد للعنصرية ، من خلال إبراز مظاهر العنف الدموي والتعصب الأعمى ، وتصوير بشاعة هذا الواقع من خلال مشاهد الإرهاب والإذلال والعزل الذي يمارسه البيض ضد السود ، إلا أن كل هذا قد تم على الستوى العاطفي وليس عبر التحليل السياسي العميق وطرح الأبعاد السياسية والإقتصادية والإجتماعية لقضية جوهرية كهذه . هذا من ناحية المضمون الفكري الذي يطرحه فيلم (الميسيسبي يحترق ) . أما من النواحي الفنية ، فالفيلم عمل هام ومثير ، يتميز بالجودة في التنفيذ وقدرة بصرية عالية جسدها هذا المخرج الكبير الذي تشهد له أفلامه السابقة (قطار منتصف الليل ـ الجدار ـ بيردي ـ قلب ملاك ) . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (ضد الحكومة) ، بطولة احمد زكي ولبلبة وابوبكر عزت ، ومن إخراج عاطف الطيب . وهو إنتاج عام 1992 . ــ فاصل موسيقي ــ يدين فيلم (ضد الحكومة) مافيا التعويضات ، والتي تتمثل في مجموعة من المحامين الفاسدين الذين يتكسبون من الحصول على التعويضات التي تدفعها الحكومة لضحايا الحوادث ، مستغلين الإنهيار النفسي لأهالي الضحايا ، وإستكتابهم توكيلات يصرفون بموجبها التعويضات التي تصرفها الحكومة للمنكوبين . فمصطفى خلف (أحمد زكي) محامي في مقتبل العمر ، باع مبادئه وأستباح لنفسه دخول عالم الإجرام ، وذلك من خلال دفاعه عن تجار المخدرات والمجرمين ، والإنخراط في قضايا التعويضات المشبوهة . فقد إعتاد على أن يستغل ضحايا الحوادث ، عندما يأخذ منهم توكيلات للمرافعة عنهم في طلب التعويضات المستحقة من شركات التأمين التي يقيمها لنفسه متجاهلاً أصحاب هذه القضايا المنكوبين . ــ فاصل موسيقي ــ من الطبيعي ان يحقق هذا المحامي أرباحاً بلعبته هذه هو وزملائه المحامين . وفي أثناء تتبعه لقضية حادث تصادم باص مدرسة مع قطار ، والذي راح ضحيته ما يقارب عشرين طالباً وطالبة ، يفاجأ بأن من بين الطلبة الذين عليه أن يأخذ توكيلات من أسرهم ، إبن مطلقته (عفاف شعيب) ، ومن ثم يعرف بأنه إبنه الذي أنكرته عليه مطلقته ، بعد أن أتهم في قضية رشوة أثناء عمله كوكيل نيابة ودخل السجن . ــ فاصل موسيقي ــ تقوم علاقة مودة بين المحامي مصطفى وإبنه ، ويتغير أسلوب وسلوك مصطفى في الحياة ، بل تتغير شخصيته كلياً ، ويرفض أن يسير في طريف مافيا التعويضات ، خاصة بعد أن يعرف بأن إبنه قد أصيب بكسور بليغة قد تمنعه من مزاولة ألعابه الرياضية العنيفة المحببة الى نفسه ، كالجودو والتكواندو ، ويحاول الإستعاضة عنها بلعبة الشطرنج ، إلا أنه لايجد نفسه فيها ، فتنهار أمامه كل الأحلام التي بناها . فما كان من المحامي الأب إلا أن يرفع قضية ضد الحكومة وقضية ضد وزارة التربية والتعليم وقضايا ضد جهات متفرقة في الدولة . وهنا يجد مصطفى نفسه واقفاً في مواجهة قوى متشابكة ، تتكتل جميعها للقضاء عليه ، وبالتالي يواجه الكثير من المتاعب ، بإعتباره خطراً يهدد من لهم ملفات لا يريدون فتحها ، أو قضايا يريدون طمسها . هذا إضافة الى زملائه المحامين الذين لم يعتادوا الجدية والأمانة في قضاياهم ، فيشتد الصراع بينه وبينهم ، ويتهمونه بالإضرار بهم وبمصالحهم ، ولم يبقى من زملائه المحامين في صفه إلا زميلته القديمة المحامية سامية (لبلبة) التي تناصره في قضيته حتى النهاية . تصل القضية الى منطقة حساسة ، حيث يطلب المحامي من المحكمة مثول وزيري التعليم والنقل أمام المحكمة ، بصفتهما المسئولين عن حادث تصادم الباص والقطار ، وليحاكم في شخصيهما النظام والحكومة . وبالطبع يتعرض مصطفى للتهديد والإعتقال والتعذيب ، إلا أن كل هذه المحاولات تزيده إصراراً يتأجج كلما رأى إبنه العاجز أمامه يتألم . وفي النهاية تنتصر المحكمة للمحامي وتحكم له بمثول الوزيرين أمام المحكمة . ــ فاصل موسيقي ــ في فيلم (ضد الحكومة) نحن أمام سيناريو ضعيف البناء مرتبك وقائم على المصادفات المفتعلة . هذا بالرغم من أن السيناريو في بدايته كان ملفتاً في عرضه لظاهرة مافيا التعويضات ، إلا أنه بدلاً من الإستمرار في تحليل هذه الظاهرة والكشف عن عوامل إنتشارها ، يحول مجرى الأحداث الى قضية شخصية للمحامي ، وذلك عندما يفاجئنا بأن إبنه الوحيد من بين ضحايا هذه الظاهرة . وبالتالي يضعنا السيناريو من دون أية مبررات منطقية أمام شخصية جديدة متحولة لبطل الفيلم . أما بالنسبة للجانب الفني والتقني ، فقد نجح عاطف الطيب في إدارة فريقه الفني وقدم مستوى إخراجي جيد الى حد ما في حدود السيناريو المطروح . والتصوير عادي ، في حدود السيناريو المطروح ، حيث لم يكن هناك تكوينات جمالية للكادر . مونتاج سريع وموفق الى حد ما ، وموسيقى متناسبة والحدث الدرامي . أما بالنسبة للتمثيل ، فقد كان أحمد زكي كعادته ، متألقاً في أدائه لدور المحامي ، وقد حمل الفيلم على عاتقه ، ونجح الى حد ما في إنتشال الفيلم من السقوط في السطحية . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (ليلة القبض على فاطمة) ، بطولة فاتن حمامة وشكري سرحان ومحسن محي الدين وصلاح قابيل ، ومن إخراج هنري بركات . وهو إنتاج عام 1985 . ــ فاصل موسيقي ــ ليلة القبض على فاطمة ، رواية للكاتبة سكينة فؤاد ، كانت لها بمثابة بداية الطريق الى الشهرة ، حيث قدمت هذه الرواية للاذاعة أولاً كمسلسل قام باخراجه علي عيسى ، ثم قدمت للسينما عندما أخرجها هنري بركات ، وكانت الفنانة فاتن حمامة بطلة لكلا العملين . ثم قام المخرج التليفزيوني المتميز محمد فاضل بتقديمها في مسلسل من خمس عشرة حلقة ، من بطولة الفنانة فردوس عبدالحميد ، مع الاشارة بالاختلاف الواضح في التناول الدرامي والفكري بين الفيلم والمسلسل . ولسنا هنا بصدد تناول الاعمال الثلاثة بالتحليل والمقارنة ، وانما فقط للاشارة لهم ، والتركيز على الفيلم . فبالرغم من النجاح الجماهيري الكبير الذي حظي به فيلم (ليلة القبض على فاطمة) ، كعادة افلام فاتن حمامة ، فقد صاحبت الفيلم ضجة إعلامية شارك فيها النقاد ما بين مؤيد ومعارض لما جاء في الفيلم من آراء وأفكار سياسية حول ثورة يوليو ومراكز القوى . ــ فاصل موسيقي ــ إذا كان لابد من الحديث عن ما جاء في المضمون ، فيمكن القول بأن الفيلم عندما قدم شخصياته بما تحمله من خير أو شر ، من طيبة أو وصولية ، إعتمد في تجسيد ذلك على خلفية تاريخية وفترة زمنية حساسة من تاريخ مصر الحديث ، تحظى بمكانة خاصة في وجدان الجماهير العربية ليس في مصر فحسب وإنما في كافة الاقطار العربية . لذلك كان من الصعب على المتفرج العربي ان يتقبل أية محاولة لتشويه تلك الصورة الرومانسية . هذا بغض النظر عن إختلافنا الذي نسجله ، بأن الفيلم فيما طرحه قد قدم وجهة نظر أحادية الجانب عن تلك الفترة ، ولم يسعى الى الموضوعية . ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة لفاتن حمامة فهي الفنانة التي تنتظر طويلاً لتعود من جديد وتعلن عن ميلاد آخر لها وللسينما المصرية .. ممثلة كلما إزدادت عمراً إزدادت وعياً ونضجاً فنياً .. ممثلة بالغة الاقناع والتلقائية . وهذا ما جعلها تحظى بقدر كبير من الاعجاب والتقدير لدى الجماهير العربية . كتب المعالجة الدرامية والحوار للفيلم عبدالرحمن فهمي ، أما السيناريو فقد كتبه المخرج بركات . ولإستكمال الثلاثي الفني المميز ، قام الفنان وحيد فريد بإدارة التصوير .. الثلاثي الذي يتكون من فاتن حمامة / هنري بركات / وحيد فريد ، الذين إشتركوا فيما سبق في تقديم الكثير من الافلام الناجحة ، أهمها : الحرام ، دعاء الكروان ، أفواه وأرانب . ــ فاصل موسيقي ــ لقد ركزت الضجة التي أثيرت في الصحافة حول فيلم (ليلة القبض علي فاطمة) على المضمون السياسي الذي إحتواه ، ولم تتطرق للمعالجة والتناول الدرامي والفني للفيلم ، إلا فيما ندر . فقد إحتوى الفيلم ثغرات وإخفاقات كثيرة يمكن التعرض لبعضها . أولها إعتماد الفيلم وبشكل كثيف علي أسلوب الفلاش باك ، وهذا ليس عيباً في حد ذاته ، إنما العيب يكمن في البناء الدرامي والاسلوب للسيناريو ، فلا يمكن تصور إمرأة محاصرة بقوة أكبر منها وتهدد بالانتحار ، ثم تجلس على حافة الشرفة لمدة ساعتين تروي قصة حياتها بالكامل ، فاللحضة نفسها لا تسمح بهذا درامياً . وهذا طبعاً عيب في إختيار وضع وشكل الراوي . هذا إضافة الى الغموض الذي سببه ذلك الاستخدام المتنوع والكثيف للفلاشات وتداخلاتها . وهناك ايضاً أخطاء عديدة وقعت في التتابع الزمني للحداث ، يظهر من خلال الشخصيات والمراحل العمرية التي مروا بها ، والتي لا تتفق مع مجريات الاحداث . ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة لشخصية فاطمة فهي بؤرة الاحداث ، والفيلم مصنوع بالكامل لحسابها .. أي لحساب فاتن حمامة (منتجة الفيلم) .. فهي طاغية على كل الاحداث والمشاهد من أول لقطة الى آخر لقطة . وهذا طبعاً ليس مرفوضاً في السينما بشرط أن يكون رسم الشخصية بشكل منطقي وسليم ، ويتناسب والطبيعة الانسانية الحقيقية . ففي هذا الفيلم نشاهد شخصية إسطورية بكل المقاييس ، في صمودها وتحديها اللانهائي .. نشاهدها قوية وصلبة دائماً لا تنكسر ولا تتراجع .. تُقدم على أفعال لا تتفق وإمكانياتها البيولوجية والاجتماعية والنفسية . صحيح بان فاتن حمامة قد نجحت في كل ذلك ، وحافظت على كل الانفعالات التي حملتها الشخصية خلال مراحل العمر المختلفة ، إلا ان الخطأ يكمن في بناء الشخصية الدرامي والنفسي . ــ فاصل موسيقي ــ ايضاً شخصية الشقيق جلال طاهر ، فهي شريرة يطلق عليها علماء النفس شخصية سيكوباتية ، فهو مجرم وشرير بالسليقة بلا دوافع نفسية أو إجتماعية سوى الشر لذاته ، فالفيلم لا يقدم أي مبرر لكل هذا الشر . هذا بالرغم من انها شخصية نشأت في ظل أسرة طيبة ، فان طموحاته مهما بلغت تتضائل أمام أفعاله الشريرة . إنه حقاً ذلك الشرير التقليدي الذي يوضع في أي فيلم لمجرد دفع الاحداث التي تظهرقوة البطل وقدرته على المقاومة والصمود حتى آخر الفيلم . ــ فاصل موسيقي ــ بالنسبة لشريط الصوت ، فقد كان واضحاً إعتماد الفيلم على ذلك الحوار الكثيف الذي ساهم كثيراً في إضعاف دور الصورة السينمائية في إبراز مضامين جمالية وغنية إجتهد في تنفيذها مدير التصوير . والموسيقى التصويرية للفنان عمر خيرت نجحت كثيراً في أن ترتفع من مجرد خلفية للاحداث الى ان تكون نافذة الى أعماق الصورة المرئية ، في محاولة منها لسد ذلك النقص في الصورة وتعميق إحساس المتفرج بها . ــ فاصل موسيقي ــ وأخيراً ، وبغض النظر عن ذلك التماهي الذي يمكن انه قد حصل بين المتفرج وممثلته المفضلة فاتن حمامة ، فان الفيلم جاء ضعيفاً ، إضافة الى تقليديته السردية ، وعدم قدرته على الاقناع . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 37 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (إستعاثة من العالم الآخر) ، بطولة فاروق الفيشاوي وبوسي ومعالي زايد ، ومن إخراج محمد حسيب . وهو من إنتاج عام 1984 . ــ فاصل موسيقي ــ هذه المرة سيكون حديثنا عن فيلم يتناول عوالم الغيبيات والخوارق ، وهي ظاهرة بدأت تبرز في السنوات الاخيرة في السينما المصرية . ونعتقد بأن فيلمنا هذا هو الأفضل في كل ما أنتج حتى الآن في هذا المجال. ولكن قبل أن نفعل ذلك ، لابد لنا من الحديث عن هذه الظاهرة ، ورصد أسباب تأخر ظهورها نسبة للسينما العالمية . فقد إستطاعت السينما العالمية أن تتطرق الى أنماط مختلفة من الموضوعات ، عبر أساليب وإتجاهات فنية متنوعة .. فوجدنا ، الى جانب الميلودراما والكوميديا ، النوع البوليسي والإستعراضي والتاريخي والحربي والفنتازي وأفلام الرعب والخيال العلمي ، وغيرها الكثير من إبتكارات السينما العالمية . وقد ساهمت التطورات في مجال العلم والتكنولوجيا في إعطاء السينما كافة الحريات الفنية غير المحدودة لمعالجة موضوعات مفرطة في الخيال والفنتازيا ، وذلك على نحو مقنع ومؤثر . ــ فاصل موسيقي ــ أما السينما المصرية والعربية بشكل عام ، فقد ظلت محصورة ضمن نطاق ضيق ، بل ظل الإتجاهين الميلودرامي والكوميدي هما الغالبين ، الى جانب نوعيات أخرى كأفلام المغامرات التاريخية والبوليسية ، وحتى هذه الأعمال كانت قليلة وطرحت أيضاً في أسلوب واقعي . وعندما كانت السينما المصرية تلجأ أحياناً الى الطابع الفنتازي أو الغرائبي ، فإن ذلك يتم في صيغة تهدف الى الإضحاك وإبهار المتفرج . ففي تاريخ هذه السينما لم نصادف سوى تجربة واحدة في مجال الخيال العلمي ، وكانت ـ أيضاً ـ في إطار فكاهي ، وهي فيلم (رحلة الى القمر) عام 1959، للمخرج حمادة عبد الوهاب ، من بطولة إسماعيل ياسين . ــ فاصل موسيقي ــ يرجع غياب مثل هذا النوع من الأفلام ـ بالطبع ـ الى عدة أسباب ، أهمها ضعف الإمكانيات الفنية وعجز السينما المصرية عن الإستفادة من التطورات التقنية والتكنولوجية في هذا المجال ، ثم إنعدام روح المغامرة والتجريب لدى المنتجين العرب ، والذين يرغبون ـ عادة ـ في إستثمار أموالهم في أعمال محددة ومألوفة ورخيصة التكاليف ، بدلاً من خوض تجارب غير مضمونة الربح . هذا الى جانب تردد السينمائيين أنفسهم في طرح معالجات مغايرة جريئة ، خشية أن تواجه مثل هذه الأفلام عدم إستحسان الجمهور لها . ويبدو بأن التردد والتخوف في طرح موضوعات كهذه ، جاء بسبب كون هذه الأفلام تقتضي في تنفيذها تقنية عالية في مجال المؤثرات البصرية والسمعية وفي مجالات فنية أخرى . هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى كون هذه الأفلام معرضة لأن تعالج موضوعات تمس الدين والتقاليد ، وفي هذه الحالة لابد من مراعات الحذر لتجنب مثل هذه المحاذير . ــ فاصل موسيقي ــ لقد تناولت السينما المصرية عبر تاريخها الطويل موضوعات الأشباح في عدد محدود من الأفلام ، إلا أنها منذ بداية الثمانينات بدأت بالتوجه الى صناعة الأفلام الغرائبية والتطرق الى عوالم الخوارق والغيبيات في بعض الأفلام . وهي أفلام ، أو بالأحرى تجارب سينمائية ، تظهر من حين الى آخر ، وتهتم بتناول موضوعات تتصل بعوالم الأرواح والجن ، من خلال أساليب متباينة وعبر منطلقات مختلفة الى حد ما . ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة لفيلمنا (إستعاثة من العالم الآخر) ، فهو يحكي عن تهاني (بوسي) التي تملك قدراً كبيراً من الشفافية ، وقدرة خارقة على الإتصال بالموتى ، حيث تنتابها أثناء النوم كوابيس يظهر فيها طبيبها السابق (بدر نوفل) وتطاردها روحه دائماً ، طالباً منها إغاثته بعد أن قتل وألقيت جثته في النيل ، مع العلم بأنها لم تراه منذ أربع سنوات . تستعين تهاني بالشرطة في الكشف عن جثة الطبيب ، وفعلاً يتم العثور عليها في قاع النيل . إلا أن الشرطة تتهمها بقتله ، فيقوم خطيبها المحامي صفوت (فاروق الفيشاوي) بالدفاع عنها بمساعدة إثنين من علماء النفس، ممن درسوا وبحثو في الظواهر النفسية الخارقة ، الى أن تثبت براءة تهاني ويفرج عنها . تتجه الشكوك الى زوجة القتيل الشابة سوسن (معالي زايد) التي كانت تعمل عند القتيل كممرضة ، والتي تبين أنها كانت تطمح في الإستيلاء على ثروته . فيقوم المحامي بمساعدة أصدقائه وسكرتيرة القتيل (هالة صدقي) بالبحث عن أدلة تساعد في كشف المجرم الجقيقي . وفي النهاية يتم القبض على الزوجة القاتلة ومساعدها . ــ فاصل موسيقي ــ الفيلم يطرح موضوعاً جديداً ومثيراً للجدل ، ألا وهو ظاهرة التخاطر أو (إستقبال رسائل من الموتى) ، بل أن الفيلم يؤيد هذه الظاهرة بجرأة وبدون أي تحرج . إن الفيلم يدخل في مناقشات طويلة ـ على لسان علماء النفس بالطبع ـ لإثبات مصداقية هذه الظاهرة ، خصوصاً في المناظرة العلمية التي دارت في قاعة المحكمة . كتب سيناريو وحوار الفيلم الكاتب أحمد عبد الرحمن ، الذي يتحدث عن الفيلم ، فيقول : ... إن الفيلم يتناول موضوعاً نفسياً بحتاً ، حاولنا من خلاله أن نقول بأن علم نفس الخوارق سيحل في يوم من الأيام محل علم نفس البشرية .. أي أن الروحانيات ستسيطر في المستقبل ، بحيث أنها ستجر وراءها كل الباحثين في هذا المجال . يواصل كاتب الفيلم حديثه ، فيقول : ...نحن نحاول طرح هذا السؤال .. هل هناك قدرة للأرواح التي غادرت العالم المادي على العودة والإتصال بالأرواح التي مازالت موجودة في عالمنا ؟! وجدنا أن هذا ممكن ، بناء على ما أدلى به بعض الباحثين في هذا المجال من وقائع ، وما أثبتوه في مراجعتهم من تجارب أو أمثلة أو حالات مرت عليهم ... . ــ فاصل موسيقي ــ إن فيلم (إستغاثة من العالم الآخر) ومن قبله فيلم (الكف) عام 1984 ، هما لنفس فريق العمل الفني تقريباً ، والإثنان يتناولان عالم الأرواح والعيبيات . فالمؤلف والمخرج ومدير التصوير وواضع الموسيقى التصويرية عملوا في الفيلمين معاً . وإن كاتب السيناريو ، يخوض مجال كتابة السيناريو للمرة الأولى ، وينجح في تقديم مواضيع جديدة وجريئة . أما المخرج فهو الذي عمل لفترة طويلة في التليفزيون كمخرج للرسوم المتحركة والإعلانات والبرامج المنوعة . ثم إنتقل الى السينما بفيلم (إن ربك لبالمرصاد) ، الذي لم يكن في مستوى فيلميه التاليين (الكف) و (إستغاثة من العالم الآخر) . وللمخرج محمد حسيب وجهة نظر في الموضوعات التي تناولها ، حيث يقول : ... منذ فترة طويلة وأنا أشعر بميل شخصي للحديث عن الأرواح والأشباح والعفاريت والجن ، لأنه موضوع مثير وقرأت فيه الكثير ، وحماسي له أكثر من حماسي لأي موضوع آخر . لذا كان هناك إهتمام شخصي بهذه الغيبيات والميتافيزيقيات . وتساءلت لماذا لا تقدم السينما عندنا أفلاماً من هذا النوع ، لاسيما وإن المتفرج المصري قد سئم الموضوعات العادية التقليدية . وهناك نقطة أخرى مهمة وهي أنني في هذه الموضوعات أنقل للمتفرج من خلال التحليل العلمي الصرف ، وعبر لغة سينمائية متقنة ، معلومة مفيدة وأجعله يتعرف على مجالات جديدة لم تطرقها السينما المصرية من قبل ... . ــ فاصل موسيقي ــ البطل الحقيقي للفيلم هو مدير التصوير سعيد شيمي ، فقد كان لكاميرته الحساسة الفضل في خلق صور جميلة معبرة ، كان لها شأن كبير في تحمل الأعباء الفنية للفيلم ، وإعطاءه ذلك المستوى الفني المتميز . في (إستغاثة من العالم الآخر) كان أمام سعيد شيمي إبراز اللون والإضاءة بشكل يوازي الحدث الدرامي في الكادر ، ونجح ـ الى حد كبير ـ في تحقيق ذلك . كما نجح أيضاً في تصوير مشاهد الكوابيس التي أظهرت براعته في إستخدام العدسات الخاصة والزوايا والحركات الصعبة للكاميرا ، خصوصاً المحمولة منها . كما جاءت لقطات التصوير تحت الماء جميلة وواضحة وتعطي إنطباعاً جيداً للمقدرة التي يتمتع بها سعيد شيمي . أما الموسيقى التصويرية والمؤثرات الصوتية ، فقد وضعهما محمد هلال، الذي إستطاع حقاً توظيف الموسيقى الإلكترونية لخدمة الحدث الدرامي ، وبالذات في مشاهد الكوابيس ، وكان تأثيرها واضحاً وقوي التعبير . ــ فاصل موسيقي ــ من أبرز سلبيات الفيلم هي أن السيناريو قد إختزل دور الظاهرة الخارقة ، وحولها الى مجرد إثارة درامية وظفها في الفيلم كعنصر بوليسي لتتبع خيوط الجريمة . صحيح بأن الفيلم قد نجح في المحافظة على عنصر التشويق بأسلوب جديد وشيق ، وقدم موضوعاً جديداً على السينما المصرية ، إلا أنه لم يطرح شكلاً فنياً جديداً من حيث التكنيك السينمائي . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (طائر على الطريق) ، بطولة أحمد زكي وآثار الحكيم وفردوس عبدالحميد وفريد شوقي ، ومن إخراج محمد خان . وهو إنتاج عام 1982 . ــ فاصل موسيقي ــ في فيلم (طائر على الطريق) يلجأ محمد خان الى عالم سائقي التاكسي ، لينتقي منه شخصية تجسدت فيها صفات النقاء والتردد والخجل والجرأة والتواضع والإندفاع .. شخصية غير قادرة على الإنتماء الشكلي ، ورافضة لأية تشكيلات أو تكوينات جاهزة .. شخصية يعتمل في داخلها تكتل رهيب من القلق والألم والإكتئاب ، رغم إنها لا تعاني من أية ضغوطات مادية في حياتها اليومية . ــ فاصل موسيقي ــ فارس (أحمد زكي) شاب منطلق يحب أن يملك ويعيش عالمه الخاص والمنفصل لممارسة حريته الشخصية . فهو غير متزوج ، ويحاول أن لا يربط نفسه بأحد . لذا نراه يتهرب من الإرتباط بسيدة متزوجة ، متحججاً بتفادي أية مشاكل مع زوجها . لكنه يرتبط بعلاقة وجدانية عميقة بالفتاة البسيطة الذكية عصمت (آثار الحكيم) . فارس وعصمت يلتقيان في أشياء كثيرة ، إلا أن فارس يتردد كثيراً عندما تفاتحه عصمت في الزواج . بالرغم من أنه لا يجد نفسه إلا معها ، إلا أن لديه شعور بأنه مجرد طائر محلق ومنطلق بالنسبة لها ، ورافض لأي شكل من أشكال القيود .. هي فتاة تعيش الواقع وملتزمة به ، وتريد أن تربطه بهذا الواقع ، وهو يرفض هذا الإرتباط بإعتباره أحد القيود . لذا يكتفي بأن تكون له الأخت الحنون والصديقة الوفية ، ويظل على إتصال بها حتى بعد خطوبتها . ولكن ، بالرغم من تمرد فارس على الواقع، إلا أنه يقع أسيراً له في النهاية . فهو موجود ويعيش هذا الواقع ، ولابد أن يخضع له مهما كانت درجة تمرده عليه ، فقد »آن لهذا الفارس أن يترجل« . ــ فاصل موسيقي ــ يتعرف فارس ـ بحكم عمله ـ على فوزية (فردوس عبد الحميد) ، المرأة التي تعيش حياة زوجية أحادية الجانب وغير مخصبة مع الإقطاعي جاد (فريد شوقي) . فيدفعه إحساس غريب ، ويتحرك في داخله إنجذاب خفي نحو هذه المرأة . ربما لمعرفة سر ذلك الحزن ومسحة الأسى التي تعلو جبينها ، أو ربما للدخول في ما وراء تلك العيون التي تعكس كل تعاسة العالم . إن شيئاً ما يشده الى هذه المرأة ، وهو لا يعرفه في البداية ، ولكنه يتحول فيما بعد الى عشق مجنون تشاركه هي فيه ، بعد مقاومة عابرة منها . أولاً ، لأنها لا تستطيع مقاومة شخصية جريئة ومتمردة كشخصية فارس ، وثانياً ، لأنها وجدت في فارس نظيرها الحقيقي في عالم الرجال. ــ فاصل موسيقي ــ تتطور العلاقة بين الإثنين بسرعة ، وتثمر جنيناً في أحشاء فوزية ، ليجد فارس نفسه في موقف جديد عليه ، يشده الى أرض الواقع ، ويجد نفسه سلبياً وعاجزاً عن القيام بأي تصرف إزاء طبيعة وضعه الجديد هذا. يعيش حالة من التردد والقلق والتحفز ، ويحاول مقاومة تلك القوى الخفية التي تشده للواقع . وعندما يتخلى عن سلبيته وتهربه من مواجهة الواقع ، يكون كل شيء قد إنتهى .. تكون نهاية فوزية بإنتحارها ، ونهاية فارس اللامنتمي تحت عجلة سيارة . ــ فاصل موسيقي ــ في فيلم (طائر على الطريق) نلاحظ بروز بوادر سينما جديدة ، تحاول التخلص من الأنماط والشخصيات التقليدية المستهلكة ، حيث يصر محمد خان على إبراز مكانة الصورة السينمائية في التعبير عن الحدث الدرامي ، والإكتفاء بحوار مركز وعميق إذا لزم ذلك . هنا تكون لقطة سقوط البرتقالة ـ بعد نضوجها ـ من الغصن كتجسيد معبر ذو دلالة درامية عن بروز ثمرة العلاقة بين فارس وفوزية . ونحن نفهم ذلك دون الحاجة الى كلمة حوار واحدة ، فالصورة جسدت هذا المعنى ولا داعي للتكرار . أما مشهد فارس وهو يلهو بالطائرة الورقية ، ومحاولته العقيمة للإمساك بها ، فهو تعبير عميق وموحي يمثل رغبة فارس بالإنطلاق في الأجواء الرحبة ، والوصول الى المستحيل . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 38 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (السوق السوداء) ، بطولة عماد حمدي وعقيلة راتب ، ومن إخراج كامل التلمساني . وهو من إنتاج عام 1945 . ــ فاصل موسيقي ــ في موضوعنا هذا ، سنتحدث كثيراً عن فيلم (السوق السوداء) ، وعن مبدعه الفنان "كامل التلمساني" . هذا الفيلم الذي يعتبر فعلاً من بين أبرز كلاسيكيات السينما المصرية ، وعلامة هامة من علاماتها . وهـذا الفنان الذي يشـكل ، مـع قِـلّـة من زملائه ، جيلاً ثقافياً وحضارياً في ثلاثينات وأربعينيات هذا القرن . ــ فاصل موسيقي ــ لقد كان كامل التلمساني عَلماً بـارزاً ، ليس في الوسط السينمائي فحسب ، وإنما على صعيد الوسط الثقافى والفكري بشكل عام .. فقد كان داعية ومبشراً وصاحب رسالة ثقافية ، وذلك بمحاولاته الجادة في نشر الإتجاه الواقعي في السـينما والفن التشكيلي ..كما أنه يمثل ، مع كمال سليم وأحمد كامل مرسي وأحمد بدرخان ، الجيل الثاني لمخرجي السينما المصرية .. الجيل الذي أرسى إتجاهات الفيلم المصري أبّان العصر الذهبي لإستوديو مصر قبل الحرب العالمية الثانية . ولد كامل التلمساني في الخامس عشر من مايو عام 1915 ، في ببلدة نوى في محافـظة القلـيوبية ، وأنهى دراسته الإبتدائية والثانوية فيها ، ثم إلتحق بكلية الطب البيطري ، ولكنه لم يكمل دراسة الطب ، فقد تركها وهو في السنة النهائية .. تَـفرَّغ بعدها لإرضاء ميوله وهواياته في الرسم والتصوير والقراءة والكتابة والنقد الصحفي ، وذلك بعد أن هاجر مع أسرته الى القاهرة ، وتنقل بين أحياء "الصليبة" بالقلعة و "الجـيزة" و "العباسية" . ــ فاصل موسيقي ــ بدأت هوايات كامل التلمساني لفن الرسم والتصوير وهو في سن مبكرة، ولكنها لم تُنمِ وتصقل وتتخذ لها أسلوباً واضحاً ومميزاً إلا بعد إلتحاقه بكلية الطب ، وبعد إطلاعه على المدارس الفنية المختلفة . كان ينطـلق في حواري القاهرة ويجوب قُـرى الريف ليرسم الفـقـراء في قاع المدينة والفلاحين في القرى .. وكانت هذه الصور والنماذج البشرية ، وما تلاقيه من عذاب ومعاناة ، هي الموضوع الذي يتفاعل في نفسه وينفعل معه ، ومن ثم يعرضه في صوَرِه ولوحاته . وكامل التلمساني ذو شخصية غريبة الأطوار ، كما يقول معاصره وزميله الفنان "أحمد كامل مرسي" : ... شخصيته عصبية المزاج ، حادة الطبع ، متوقدة الذكاء ، قوية المنطق ، وذلك من أثر قراءاته العديدة ، وإطلاعه على كافة المذاهب والافكار من اللغات الإنجليزية والفرنسية والعربية .. لقد إكتنز قسطاً من المعلومات والمعرفة ، والتي تكثـفت وتراكمت وجعلته يتكلم في الفن والأدب والفلسفة والـسياسة والعلم والدين والمجتمع والحضارة .. يتكلم في حماس شديد ، بل في ثورة عارمة في بعض الأحيان (....) إنه مجموعة من المتناقضات ، تلتحم وتتصارع في لحظة واحدة بين جوانحه ، وسرعان ما تتحول من حالٍ الى حال . ــ فاصل موسيقي ــ إستمر كامل التلمساني قرابة العشرة أعوام (1933 - 1943) وهو يـسـاهم في إقامة معارض فنية ، ويدعم إتجاهات الفن الحديث في الرسم والتصوير مثـل التـعبـيرية والسريالية والتجريدية .. ولكن المعظم الغالب من أعماله الفنية كانت تنتمي للتعبيرية ، فقد كان متأثراً جداً بما تعانيه الطبقات الكادحة .. حيث جسد هذه المعانات بطريقة فنية مبتكرة وخاصة به ، تتميز بالجرأة الفنية في التـعبـير ، معتمداً على تدفـُق عواطفه وأفكاره ، أكثر من إعتماده على نقل الواقع وتقليده ، ومتخذاً أسـلوباً عنيفاً لا يعرف الإنسجام والتنسيق ، بل إنه يعتمد الألوان الصارخة والمثيرة للتعبير عن حالات النفس البشرية . ــ فاصل موسيقي ــ في هذه الفترة من حياته ، تعرف التلمساني على مجموعة من فناني الطليعة أمثال : جورج حنين ، رمسيس يونان ، فؤاد كامل ، أنور كامل .. والذين اسسوا فيما بعـد (جماعة الفن والحرية) ، ومن ثم أصدروا بياناً فنياً مشتركاً بعنوان ( يحيا الفن المنحط ) ، وهو بيان ضد الفاشية والنازية في ألمانـيا ، وضد موقفها المعادي والشرس من الفنانين والكتّاب التقدميين .. ثم أصدرت هذه الجماعة مجلة (التــطور) لتعبر بذلك عن أفكارهم ومبادئهم الإنسانية في مناصرة الفن والحرية .. وقـد لعـبت هـذه الجماعة ومجلتها دوراً ريادياً بارزاً في ربط الفن بالمجتمع ، وكان منهج التجديد هو الاسلوب الأساسي والملتزم لهذه الجماعة . كما لا يفوتنا أن نشير الى أن التلمساني قد ساهم برسوماته وصوره في مجلة (مجلتي) التي كان يصدرها "أحمد الصاوي محمد" ، وكانت في ذلك الوقت بمثابة المنبرالثقافي للفن الحديث .. كذلك تعرَّف على "سلامة موسى" في ( المجلة الجديدة ) ، وإنتظم بالعمل فيها ، وأثبت علمياً ماهية الفن الحر ووظيفته في خدمة المجتـمع ورفع مستوى الوعي الثقافي للطبقة العاملة . وبذلك لمع إسم كامل التلمـساني ، وتألق نجمه في عالم الفن والكتابة ، حيث أقام عدة معارض حققت نجاحات كبيرة ، وإستطاعت لوحاته أن تثيرعاصفة من الجدل والنقاش في الأوسـاط الفنية ، وذلك بإعتبارها صادرة من فنان مبدع ومفكر يحمل رؤية فنية متميزة ورأي حر وأسلوب خاص . ــ فاصل موسيقي ــ ورغم كل هذا النجاح وهذه الشهرة التي أحاطت بالتلمساني في الثلاثينات وبداية الأربعينات ، إلا أنه أحس فجأة بالذنب في أنه لم يقم بالواجب الذي عليه ، ولم يؤدِ الأمانة .. فقد تبين له بأن لوحاته تشترى من طبقة الأغنياء المقتدرين ، ومن ثم تُـزيّن بهاجدران القصور لتكون حلية وزينة ومتعة للناظرين ، دون الشعور بما تنطوي عليه من تعبير عن الفقر والبؤس والعذاب .. وأحس بأنه يستقبل في المجتمعات الراقية بالحفاوة والترحيب ، في حين أن البعد يشتد ويزداد يوماً بعد يوم بينه وبين آماله وأفكاره ، بينه وبين الجماهير المحرومة والمطحونة . وفي لحظة خاطفة من الغضب والثورة العارمة ، توقف عن الرسم وقطع كل علاقاته به ، وتوجّه الى السينما ، بإعتبارها أداة هامّة للإتصال بالجماهير العريضة .. حيث بواسطتها يمكن إعادة الحوار بينه وبين الناس البسطاء ، الناس الذين أحبهم وتعلق بهم وبهمومهم ، منذ نشأته الأولى . ــ فاصل موسيقي ــ في عام 1943 إلتحـق بإستوديو مصر ، وبدأ مشـواره السينمائي بالعمل كمساعد في الإخراج والمونتاج والإنتاج .. كما بدأ الكتابة في الـسينما ، ليواصل بذلك رسالته الفنية التي بدأها في الرسم ، والتي يمكن بلورتها في إن الفن العظيم هو الفن الذي ينبع من الجماهير ، والفن الرديء هو الذي يصدر عن أعداء التقدم .. وهذا بالفعل ما تضمنه كتاباه ( سفير أمريكا بالألوان الطبيعية ـ 1957 ) ، ( عزيزي شارلي ـ 1958 ) . وقـد تمـيز كامل التلمساني في كتاباته بالبساطة مع شيئ من الصرامة والتحديد وعدم الإلتواءفي الفكر أوالقول أو التعبير عما يشعر به.. هذا إضافة الى أنه قام بتحرير باب ( خلف الكاميرا ) في مجلة السينما عام 1945 ، وذلك بعد إنجاز فيلمه الأول . ــ فاصل موسيقي ــ كتب "كامل التلمساني" سيناريو فيلم ( السوق السوداء ) ، إضافة الى الإخراج ، خلال فترة الحرب العالمية الثانية ، ومن ثم قدمه مباشـرة الى مدير الإنتاج في إستوديو مصر في ذلك الوقت "أندريه فينو" الفرنسي الأصـل ، والذي أعجب بمصرية الفيلم وجدِّيته . ــ فاصل موسيقي ــ يعتبر فيلم (السوق السوداء) إستمراراً لمدرسة "كمال سليم" الـواقعية في فيلمه (العزيمة ـ 1939) ، إلا أن فيلم التلمـساني إمتاز بابتعاده عن الفكر التوفيقي للبرجوازية ، والذي طرحه "كمال سليم" في (العزيمة) .. فقد تناول التلمـساني في فيلمه ( السوق السوداء) أخطر المشاكل التي كانت مثارة في تلك الفترة ، وهي مـشكلة تجّار السوق السوداء أو أغنياء الحرب .. وإستطاع أن يشرح من خلال قضية بـسيطة كيف تنشأ السوق السوداء ، وكيف أنه تناول الدلالات الإجتماعية والسياسية لوجودها .. هذا إضافة الى تناوله للصراع الدائر بين مَنْ يملكون ومَنْ لا يملكون ، وتأكيد دور الجهل في طمس كل الحقائق. كل هذه الأمور قدمها الفيلم على نحو جعل منه فيلماً رائداً بحق . ــ فاصل موسيقي ــ ثم لا ننسى أن نـشير الى أن التلمـساني في فيلمه هذا لم يـشأ أن يقـسِّم شخصياته الى تلك التقسيمة الأخلاقية التقليدية ، شخصيات خـيِّرة أو شـريرة ، والتي تناولتها الأفلام المصرية مراراً..ولم يقف موقف التملق السلبي والخطير من شخصياته المقهورة ، لمجرد إعادة الإعتبار لها فقط ، إنـه في هـذا الفيلم لا يتملق ولا يدين ، بل يترك شخصياته تعبر عن نفسها وتعيش واقعها الإجتماعي الطبيعي . إنه يهتم بالبناء الداخلي لهذه الشخصيات ويحاول إسـتخراج ما تحـمله من مشاعر وأخلاقيات وأحلام .. كما أنه إهتم بنقل وضعها الإجتماعي الى المتفرج وتجـسيد ردود أفـعالـها وتفاعلاتها ما بين عالمها الداخلي وعالمها الخارجي .. من هنا تبدو شـخصيات (الـسوق الـسوداء) بالغة الصدق والثراء ، تتدفق بالحيوية وتتطور مع تطور أحداث الفيلم . ــ فاصل موسيقي ــ وبالرغم من أن التلمـساني قد قسَّم شخصياته تقسيمة إجتماعية ، إلا أنه لم يتوقف عند حدود أبعادها الإجتماعية فقط ، بل إنه تعمَّـد أن يكون لكل شـخصية ملامحـها الخاصة وقسماتها المتفردة..وهو بهذا قد حمى نفسه من الوقوع في أسر الأنماط التقليدية المباشرة ، وجعل للشخصيات الثانوية قدراً كبيراً من الأهمية ، تتأثر وتُؤثر في الأحداث . أما بالنسبة للحوار والأغاني ، فلا يمكن أن يكون كاتبها إلا الشاعر الكبير "بيرم التونسي" ، فقد كانت الروح الشعبية والإجتماعية والصياغة الشاعرية واضحة ، وتؤكد مقدرة هذا الفنان في تفهُم وإستيعاب قضية الفيلم الإجتماعية .. ومن الناحية الدرامية جاء حوار الشخصيات متلائماً مع أبعادها الإجتماعية والنفسية والأخلاقية ، فضلاً عن القوة الأيحائية والتأثيرية لهذا الحوار الأخاذ المنطلق .. هذا إضافة الى القيمة التعبيرية المؤثرة التي جسدتها الأغنية في التعليق على الأحداث ، حيث إكتسبت دوراً إجتماعياً مهماً ودلالات طبقية واضحة . ــ فاصل موسيقي ــ نأتي أخيراً ، لنتحدث عن الأسلوب الإخراجي ، حيث إهتم كامل التلمساني بشكل واضح وجاد بكافة التفاصيل الفنية للغة السينما .. فقد جاء فيلم (السوق السوداء) بالغ العطاء ، تتسم كل لقطة فيه بقوة التكوين ، الى جانب سخاء التفاصيل .. تلك التفاصيل التى لم تكن زوائد، بل أكسبت الأحداث والشخصيات معنى إيحائي يعمِّق المضمون الفكري للفيلم .. كما إستفاد التلمساني من جميع جزئيات السينما وأدواتها (الظل ، النور ، الصوت ، الإكسسوار ، المونتاج ) وإستخدمها درامياً بشكل موفق . هذا إضافة الى الجزئية الأهم وهو ذلك التصوير الأخاذ ، والذي أداره الفنان المرهف الحس "أحمد خورشيد" ، فقد كان إختياره لزوايا التصوير موفقاً ، حيث جائت اللقطات الكبيرة لتعبيرات الوجوه ذات حساسية وتأثير جميل وقوي .. كذلك الإقتصاد في حركة الكاميرا ، وبالذات في مشاهد الحارة ، والتي بدت بعمق مجالها وحيوية حركة الممثلين والكومبارس داخلها ، كما لو أنها حارة حقيقية تتدفق وتنبض بالحياة والصراعات . ــ فاصل موسيقي ــ وبالرغم من المستوى الجيد للفيلم ، إلا أنه لم يحقق نجاحاً جماهيرياً طيباً ، وفشل لأسباب ، حددها الناقد والمؤرخ السينمائي "أحمد كامل مرسي" ، في أن الفيلم : ... كان سابقاً لأوانه من ناحية ، ولأن الرقابة عبثت به من ناحية أخرى ... . إن هذا الفشل الذي صاحب فيلم ( السوق السوداء ) ، قد جعل كامل التلمساني يصاب بصدمة شديدة زلزلت كيانه وأفقدته الثقة بنفسه ، وهو الذي كان يعوِّل كثيراً على تجاوب الجماهير لفنه ، لذلك أقلع عن الإستمرار في هذا الطريق المبتكر ، وإختفى من الوسط السينمائي لفترة ، لكنه عاد إليه ليخرج أفلاماً تجارية ضعيفة ، بعد إقتناعه بأن الظروف لم تكن تسمح آنذاك بإخراج أفلام واقعية أو أفلام تعالج مشاكل الجماهير الحقيقية . عندما سُئل كامل التلمساني ( في عام 1945 ) عن المخرج الذي تأثر به في حياته الفنية ، أجاب بقوله : ... لا أعتقد أني قد تأثرت بمخرج معيَّن في أسلوبه التعبيري ، وإن كنت أميل دائماً الى دراسة مخرج أفضله على غيره من أئمة الإخراج السينمائي ، وهو "جون فورد" .. ذلك في إعتقادي إن السرد الفيلمي يعتمد على تتابع الصور وتكوينها التصويري ، أكثر مما يعتمد على الحبكة الدرامية أو التعبير الحواري أو غيره من عناصر المسرح .. وفي أسلوب "جون فورد" من شاعرية الصمت ما هو كفيل بأن يعبر خير تعبير عن كلمات المسرح ، وإني لا أعتقد بعظم قيمتها في الفيلم ... . ــ فاصل موسيقي ــ لقد أعطى كامل التلمساني للسينما المصرية عشرة أفلام كمخرج ، كما إشترك مع صديقه الفنان "أحمد سالم" وعمل معه في جميع أفلامه ، سواء في الإخراج أو المونتاج أو الإنتاج .. أما أفلام كامل التلمساني كمخرج ، فهي بالترتيب : السوق السوداء ـ 1945 ، البريمو ـ 1947 ، شمشون الجبار ـ 1948 ، البوسطجي ـ 1948 ، كيد النساء ـ 1950 ، أنا وحبيبي ـ 1953 ، الأستاذ شرف ـ 1954 ، مدرسة البنات ـ 1955 ، موعد مع إبليس ـ 1955 ، الناس اللي تحت ـ 1960 . في عام 1960 ، ترك كامل التلمساني بلاده في ظروف مريرة وصعبة ، إثر محاكمته بتهمة كاذبة .. مما جعله يهاجر الى لبنان ، حيث بدأ حياته من جديد هناك ، وإستطاع بعد معاناة ، أن يصنع له مكاناً مرموقاً في الأوساط الفنية اللبنانية .. فكتب للإذاعة والتليفزيون في بيروت ولندن .. حتى إنتهى به الأمر بالعمل كمستشار درامي لمنتجي السينما هناك .. كما عمل مع "فيروز و الرحبانية" كمعد للنصوص ومنسق لأعمالهم ومشروعاتهم المسرحية والسينمائية .. وفي الفترة الأخيرة من حياته ، أنشأ مع شقيقيه حسن و عبدالقادر ( شركة أفلام إخوان التلمساني ) لعمل الأفلام الفنية والثقافية والتسجيلية .. وعاش في لبنان حتى رحيله عن عالمنا ، في الثالث من مارس عام 1972 ، وهو في السابعة والخمسين . ــ فاصل موسيقي ــ الى هنا نكون قد تعرفنا على رمز وعلامة هامة من علامات الثقافة المصرية والعربية .. تعرفنا على "كامل التلمساني" الكاتب والفنان التشكيلي والمخرج السينمائي ، ولمسنا محاولاته في خلق الجديد المبتكر ، والذي يكشف عن مرارة الحياة وحيرة الإنسان بين آماله وآلامه .. وإذا كانت الأكاذيب والشائعات والصحافة قد جَنَتْ على كامل التلمساني ، والزملاء أغفلوه والقضاء المصري قد قسى عليه ، فإن التاريخ لن يقسو عليه وسيذكره دائماً ، بل وستبقى ذكراه في أكثر من مجال من مجالات الثقافة والفن . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 39 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (بدايةونهاية) ، بطولة عمر الشريف وفريد شوقي وسناء جميل وصلاح منصور ، ومن إخراج العملاق صلاح ابوسيف . وهو من إنتاج عام 1960 . ــ فاصل موسيقي ــ نعود مرة أخرى للحديث عن المخرج الكبير صلاح أبوسيف .. وصلاح أبوسيف يعتبر رائداً للواقعية في السينما المصرية ، وأفلامه تشهد له بذلك ، حيث ناقش في هذه الأفلام قضايا إجتماعية وسياسية لصيقة بالمجتمع المصري والعربي بشكل عام . ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة لفيلمه (بداية ونهاية) ، والمأخوذ عن رواية بنفس الإسم للروائي الكبير نجيب محفوظ ، فيعتبر من أهم ما قدم للسينما من أدب نجيب محفوظ ، حيث أن عدداً ليس بالقليل من المخرجين قدموا روايات وقصص لمحفوظ ، إلا أن إرتباط إسم محفوظ (الروائي الواقعي) باسم أبوسيف (السينمائي الواقعي) يعتبر مثالاً لذلك التجانس الأدبي والفني المتميز ، والذي أثمر أعمالاً سينمائية جيدة وقوية في المضمون الفني والتقني . وفيلم (بداية ونهاية ) يعتبر من أهم ثمرات هذا التجانس . ــ فاصل موسيقي ــ لقد إشترك أبوسيف في كتابة سيناريو الفيلم مع السيناريست صلاح عزالدين ، وكانت مهمة صعبة وشاقة ، حيث كانت الرواية حافلة بالأحداث والشخصيات . ومن الطبيعي في أن قاريء الرواية سيكتشف بعد مشاهدته للفيلم ، بان مايعرفه عن الأحداث كان أكثر مما شاهده ، حيث إن أقصى مايستطيع أن يحققه كاتب السيناريو من نجاح ـ عند تحويله هذه الرواية بالذات الى السينما ـ هو التوفيق في الإحتفاظ بالجو العام والمضمون الذي تحمله الرواية . وهذا بالضبط ماوفق فيه كاتب السيناريو ، حيث لجأ الى الحذف الكامل لبعض الفصول من الرواية ، والدمج بين أحداث فصلين أو أكثر ، وذلك بعمليات وتصرفات فنية مشروعة . ثم أن رواية »بداية ونهاية« نفسها تعتبر من أكثر روايات محفوظ قابلية للترجمة السينمائية ، فقد إحتوت على العديد من المميزات التي تساهم في ذلك . فبالإضافة الى البناء المعماري للرواية ، والذي يتشكل في خطوط درامية تلتقي في نقطة واحدة ، وذلك النمو الطولي للأحداث. كل هذا ساعد كثيراً على خلق وحدة درامية مناسبة للفيلم . ثم أن ترتيب الفصول والأحداث داخل الرواية قد أوحى بامكانية عمل صياغة بين تطور العلاقة بين شخصيتي ( نفيسة ، سلمان ) من جانب ، وبين شخصيتي (حسنين ، بهية) من جانب آخر . ــ فاصل موسيقي ــ لقد نشرت رواية »بداية ونهاية« عام 1949 ، وتعتبر من أنضج روايات تلك المرحلة التاريخية . فقد إهتم نجيب محفوظ فيها بتصوير تفاعل العلاقات الإجتماعية من جانب ، وتصوير الواقع الحضاري للمجتمع من جانب آخر .. هذا إضافة الى البحث في التكوين الذاتي لنفسية الفرد وعلاقته بهذا المجتمع . ــ فاصل موسيقي ــ »البداية« هي موت الأب ، و»النهاية« هي تفسخ الأسرة وإنهيارها ، لتتخذ هذه المأساة ذلك الشكل التراجيدي القاتم ، لكونها أصابت تلك الأسرة النموذج ، والتي تنتمي للشريحة القابعة في قاع الطبقة المتوسطة أو الفقيرة ، والتي تعاني من التكوين الهش والكيان الإجتماعي الممزق ، وتلك القيود والتقاليد التي تتصادم بشدة مع واقعها. فبعد موت العائل الوحيد للأسرة ، أصبح لايفصلها عن اللحاق به في قبره سوى قطع الأثاث التي أخذت تذوب في أمعائهم شيئاً فشيئاً . ــ فاصل موسيقي ــ إن تواطؤ المجتمع اللاإنساني الذي يترك أبناءه يعيشون في مثل ذلك الفقر والعوز بلا تأمين أو ضمان ، إضافة الى العوامل الذاتية لكل شخصية ، قد أدى الى سقوطها الحتمي . فالإبن الأكبر »حسن« هو نموذج للبلطجي الجاهل ، والذي ينتهي الى عالم الإجرام مروجاً للمخدرات . والإبنة »نفيسة« هي نموذج للعانس القليلة الحظ في كل شيء ، المال والجمال والعلم ، غير إن غريزتها متأججة لاتهدأ .. لذلك تنتهي الى الإتجار بعرضها وتنتحر بتحريض من شقيقها الأصغر »حسنين« . وهذا الـ»حسنين« هو أيضاً نموذج الأناني المتطلع طبقياً ، والذي يصطدم في النهاية بالحواجز الطبقية لتحول بينه وبين ركوب الطبقة الأعلى ، وذلك بفشله من الإقتران بإحدى بناتها ، ليفيق على واقعه الأليم في ضياع الحاضر والمستقبل ، فيلحق بشقيقته متطهراً في مياه النيل . بينما الأم هي نموذج الحزم والصرامة ، تقف كربان سفينة تحاول عبثاً ، ومعها الإبن الأوسط »حسين« نموذج المثقف الذي لايتردد ـ عند الإختبار ـ عن التضحية بمصلحته من أجل منفعة الأسرة ومصلحتها . ــ فاصل موسيقي ــ هذا هو الفيلم الذي أبدعه مخرجنا صلاح أبوسيف ، مستخدماً كافة أدواته الفنية ليصنع بها قصيدة سينمائية واقعية . ثم إذا كان السيناريو قد وصل الى ذلك النضج الفني والإقتراب من مفهوم الرواية ، فان أبوسيف قد إستفاد كثيراً من التقارب في المزاج والأسلوب الفني بينه وبين نجيب محفوظ ، بل وسخر كامل خبرته السينمائية في الوصول الى مستوى فني جيد في ترجمته للرواية . ــ فاصل موسيقي ــ لقد تعددت إمكانيات الصورة السينمائية لديه ، من خلال الممثل والكادر السينمائي وزوايا الكاميرا وحركتها والديكور والملابس والإضاءة والمونتاج ، هذا إضافة الى عنصر الصوت من موسيقى ومؤثرات سمعية. ثم التكوين العام الذي يجمع بين عناصر الصورة المتنوعة . لقد نجح صلاح أبوسيف في توضيف جميع هذه العناصر الفنية والتقنية توضيفاً متناسباً ومنسجماً مع أحداث الرواية وشخصياتها ، معطياً للمتفرج لوحات بصرية تميزت بالأصالة والصدق العميق . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (دماء على الإسفلت) ، بطولة نور الشريف وإيمان الطوخي وحسن حسني وحنان شوقي وطارق النهري ، ومن إخراج عاطف الطيب . وهو إنتاج عام 1993 . ــ فاصل موسيقي ــ في فيلم (دماء على الإسفلت) نحن أمام فكرة جادة وجريئة تدور حول التغيرات الطارئة والمفاجأة التي حدثت في المجتمع المصري في التسعينات ، ويناقش تلك الظواهر والتحولات الإقتصادية والطبقية والأخلاقية التي تركت جروحاً عميقة في النفس البشرية . كما أنه يستعرض تاريخ أسرة تنتمي للطبقة المتوسطة ، راصداً ما تعرضت له في خضم المتغيرات الجارية منذ منتصف الثمانينات وحتى الآن . وكيف أثرت هذه المتغيرات على تكوين الأسرة بشكل جذري . ــ فاصل موسيقي ــ يبدأ الفيلم بإتهام رب الأسرة (حسن حسني) الباشكاتب المسؤول عن الأرشيف بوزارة العدل ، بسرقة ملف قضية هامة تشغل الرأي العام ، حيث يؤكد هذا الإتهام عثور رجال الأمن على مبلغ نقدي كبير بحوزة الأسرة عند التفتيش ، لا يتناسب ومستوى دخل الأسرة المعيشي . وهذا الإب المتهم ، له من الأبناء ثلاثة أشقاء ، الإبن الأكبر سناء (نور الشريف) الدكتور في القانون والذي يشغل وظيفة مرموقة في وزارة الخارجية خارج البلاد . والأخت ولاء (حنان شوقي) التي تعمل مرشدة سياحية في أحد فنادق الدرجة الأولى . والأخ الأصغر علاء (طارق فهمي) الموسيقي الموهوف الذي يشترك في فرقة شبابية تعزف في سهرات الفنادق الليلية . ــ فاصل موسيقي ــ وفي ظل الظروف المستجدة على صعيد هذه العائلة ، وهي إتهام الأب بالسرقة ، يقرر الإبن سناء العودة الى القاهرة ، ليفاجأ بحدوث شروخ خطيرة في الأسرة . فشقيقته ولاء تمارس بجانب وظيفتها أعمالاً تتنافى والآداب العامة . وشقيقه الأصغر علاء يسقط في هاوية الإدمان ، وبالتالي يلجأ الى الإتجار في المخدرات . إضافة الى ذلك الأب الذي إختفى دوره القيادي في توجيه الأبناء وإسداء النصيحة ونهيهم عن سلك الطريق الغير سوي . وهكذا تبدأ رحلة سناء في البحث عن دلائل وبراهين تثبت براءة الأب ، بمساعدة إبنة عمه (إيمان الطوخي) الباحثة في المركز القومي ، والتي أحبها في يوم من الأيام قبل سفره للخارج . وبالتالي تصبح هذه الرحلة غوصاً في في أعماق المجتمع ، وإكتشاف الفساد المستشري الذي طال حتى شقيقيه . ــ فاصل موسيقي ــ إن فيلم (دماء على الإسفلت) كتبه السيناريست أسامة أنور عكاشة في ثاني تعاون له مع عاطف الطيب ، بعد فيلمهما (كتيبة الإعدام) . وقد بدا واضحاً بأن عكاشة في الفيلم الجديد قد كان أكثر تطوراً وقدم مستوى أكثر تعمقاً من فيلمه الأول . ولو أن سيناريو فيلم (دماء على الإسفلت) لم ينجح في معالجة الفكرة الجيدة والجريئة المطروحة ، بل أن السيناريو قد جاء تقليدياً ولم يخرج عن نطاق السينما التجارية ، المشحونة بالجنس والعنف والدماء . فقد إحتوى السيناريو على كم كبير من المطاردات والتشويق البوليسي المفتعل ، ومشاهد العنف والدماء التي غطت على الفكرة المحورية وطمستها . أما بالنسبة للإخراج فقد كان سريع الإيقاع لاهث وراء التشويق والمطاردات . ــ فاصل موسيقي ــ هذا إضافة الى أن عاطف الطيب قد إستطاع توفير إدارة جيدة لفريق العمل من فنيين وفنانين . فالتصوير كان جيداً في أحيان كثيرة ، وحركة كاميرا موفقة معبرة عن الحدث ، هذا بالرغم من ندرة التكوينات الجمالية للكادر . وهناك مونتاج سريع متناسب والحدث الدرامي التشويقي . وموسيقى جيدة موحية ومعبرة . إضافة الى الأداء التمثيلي الجيد واللماح الذي أعطى مصداقية للكثير من الأحداث والمواقف . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 40 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (الامبراطور) ، بطولة أحمد زكي ورغدة ومحمود حميدة وابوبكر عزت ، ومن إخراج طارق العريان . وهو إنتاج عام 1990 . ــ فاصل موسيقي ــ إن ولادة مخرج جديد في مصر ليس حدثاً غير عادي ، فالسينما المصرية من خلال معهد السينما بالقاهرة تخرج سنوياً عدداً من المخرجين . هذا إضافة الى المتخرجين من معاهد السينما في الخارج . لكن الحدث غير العادي هو تميز هذا المخرج الجديد وبروزه في الوسط السينمائي من خلال أول افلامه . وفيلم (الامبراطور) يمثل شهادة ميلاد لمخرجه طارق العريان . هذا القادم من لوس أنجلوس حاملاً معه شهادة السينما . وقد إختار في أولى تجاربه فيلماً كتب السيناريو له السيناريست فايز غالي ، مقتبساً قصته عن الفيلم الامريكي (الوجه ذو الندبة SCARFACE) ، معطياً مادة درامية جيدة ومتقنة على صعيد الصياغة والحبكة . وفيلم (الامبراطور) يحكي قصة صعود زينهم (أحمد زكي) .. هذا الانسان المتشرد الذي تفوق احلامه وطموحاته كل إمكانياته وقدراته . فهو يتجه لطريق يحقق اكبر ربح في اقل وقت ممكن بتوظيف قدراته وإمكانياته في خدمة الشر والجريمة . ــ فاصل موسيقي ــ يبدأ صعود زينهم من مجرم صغير في السجن الى مجرم طليق تحت إمرة المجرم الكبير (الامبراطور) صاحب تجارة المخدرات ، وشيئاً فشيئاً وبذكاء واضح من زينهم ، يصبح هو الامبراطور الاوحد في تجارة المخدرات ، بل ولا يستطيع أحد تهريب جرام واحد من الهيرويين الى مصر إلا بمعرفته . لكنه في نفس الوقت يعاني من مشاكل خاصة تمثل له قلقاً كبيراً ، فزوجته الراقصة السابقة (رغدة) لا تستطبع ان تنجب له وريثاً لكل هذه الثروة ، والتي يزداد شعورها بالقلق والاحساس بالخوف والتنافر بينها وبين زوجها . فنراها تتجه لتعاطي الهيرويين . كذلك شقيقه الاصغر الذي كان يمثل له الامل في ان يحقق فيه وبه ما لم يستطع هو تحقيقه ، هذا الاخ يجرفه تيار الانحراف فيبدأ بتعاطي المخدرات ثم الاتجار بها ، الى ان يتم القبض عليه وايداعه في السجن . هذا إضافة الى المشاكل التي يسببها له منافسوه من تجار المخدرات نتيجة احتكاره للسوق . ــ فاصل موسيقي ــ وفيلم (الامبراطور) قريب الشبه بالفيلم الامريكي ، بتفاصيله واحداثه وشخصياته ، حتى ان المشهد الاخير (مشهد قتل الامبراطور) مأخوذ بشكل شبه كامل من نهاية الفيلم الامريكي . وهذا الشبه قد أوقع صناع الفيلم المصري في خطأ واضح وهو انهم نقلوا أجواء الجريمة المنظمة ، التي اعتقد بانها لا توجد بهذا الشكل في مصر . ثم هذا العدد الكبير من القتلى والدماء في كل مكان مما جعلنا نشعر باننا نشاهد فيلماً أمريكياً عن عصابات المافيا . ــ فاصل موسيقي ــ وهذا بالطبع لا يمنعنا من القول بان وراء هذا الفيلم عناصر نجاح فنية وتقنية ساهمت في ظهور فيلم ذو مستوى جيد . أولها ذلك الاداء المتميز من أحمد زكي ، ذلك الفنان المبدع الذي يقدم دائماً قدرات هائلة من التعبير المتنوع والثري ، ويقوم بدراسة كاملة للشخصية بحيث تحقق المصداقية الدرامية الكاملة . مؤكداً من جديد بانه أفضل ممثل قدمته السينما المصرية خلال العشرين عاماً الاخيرة . ــ فاصل موسيقي ــ ولا يمكن ان نغفل بقية العناصر الفنية من تصوير ومونتاج وموسيقى بقيادة مخرج متمكن ، فانها جميعاً ساهمت في تقديم دراما مشوقة وعنيفة على الطريقة الامريكية في قالب مصري مقنع . وأخيراً لا يسعنا إلا ان نؤكد مرة أخرى بأن (الامبراطور) فيلم يعلن عن ميلاد مخرج سينمائي جيد ، يعبر في أول افلامه عن نضج غير عادي في تعامله مع أدوات وتقنيات السينما . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (اللعنة) ، بطولة نور الشريف ومديحة كامل وجميل راتب وعبدالرحمن أبو زهرة ومحمد نوح ، ومن إخراج حسين الوكيل . وهو إنتاج عام 1983 . ــ فاصل موسيقي ــ فيلم (اللعنة) هو الفيلم الاول للمخرج حسين الوكيل ، وعندما عرض هذا الفيلم لاول مرة في القاهرة ، إستقبله النقاد بحفاوة وتقدير ، وأكدوا على ان هذا الفيلم يقف وراءه مخرج متمكن قد يضيف جديداً الى مستقبل السينما المصرية ، إلا ان حسين الوكيل ، وبعد فيلمه الاول هذا ، قد خذل الجميع ولم يتمكن من الاستمرار (أخرج ايضاً فيلم الانثى) ولم نسمع عنه شيئاً بعد ذلك ، ليصبح حسين الوكيل حالة من حالات فنية كثيرة ، تشكل طارئاً فقط على السينما المصرية . ــ فاصل موسيقي ــ كتب السيناريو لفيلم (اللعنة) المخرج نفسه ، مستوحياً فكرته من فيلم (SHOCK CORRIDOR) للامريكي صامويل فوللر ، إنتاج عام 1963 ، ومستفيداً ايضاً من قدرات الفنان صلاح جاهين كاتب الحوار . ــ فاصل موسيقي ــ تدور أحداث الفيلم ، في أغلب مشاهده ، في مستشفى للامراض العقلية ، حيث يدخل الصحفي (نور الشريف) متنكراً في هيئة مريض خطر ، ليكشف السر وراء حوادث القتل المتكررة في المستشفى ، والتي كان آخرها مقتل مريض إسمه »سلومة« . تعترض زوجته (مديحة كامل) في البداية ، إلا انها ترضخ أمام إصراره في تنفيذ خطته هذه . وفي سبيل هذه الخطة كان عله تخطي كل حواجز الخوف وإنتظار الفرصة الملائمة للقبض على لحظة عودة الوعي الى ثلاثة شهود شاهدوا القاتل . ــ فاصل موسيقي ــ الاول عانى من الانحطاط الاجتماعي أثناء عمله بالسلك الحكومي ، حيث سقط في براثن الرشوة ، ولانه كان غير مستوعب لطبيعة الحتميات الاجتماعية والنفسية التي أجبرته على قبول الرشوة ، لذا فقد عقله وأصبح يخلط بين وضعه كموظف مرتش ووضعه كمسئول في جهاز الرقابة الادارية . والثاني (عبدالرحمن أبو زهرة) تزوج من إمرأة لعوب بطبيعتها ، بالرغم من قناعاته المحافظة والمتزمتة ، إلا انه لم يستطع مقاومة تطلعاتها الاجتماعية التي إنتهت بها الى إحتراف الدعارة ، حيث تحول تدريجياً من الرفض الى القبول ثم المسايرة فالمساهمة الايجابية . وقد ولد سقوطه هذا رد فعل عميق وعنيف في نفسه أدى به لحالة من الهوس والخلط العقلي . ــ فاصل موسيقي ــ أما الثالث (جميل راتب) فهو طبيب ذو نزعة إنسانية نبيلة وشفافة تعرضت زوجته لسرطان ميؤس منه جعله يحقنها بحقنة الموت ، تخليصاً لها من آلامها الفظيعة ، لكنه وقع فريسة للصراع النفسي بين ما أملته عليه الشفقة وبين الواجب التقليدي للطبيب . هناك ايضاً شخصية رابعة رئيسية إحتواها الفيلم ، وهي ذلك الفنان المحبط (محمد نوح) الذي يبحث عن كل الاساليب الممكنة لعلاج الارق المستبد بكيانه ، ويبدو شخصاً طيباً إلا انه عاجز عن إستيعاب مفارقات هذه الحياة . ــ فاصل موسيقي ــ هذه الشخصيات التي مثلت عالم الجنون الرهيب بدهاليزه المخيفة ، يحتك به الصحفي ليتحول بحثه عن الجريمة الى بحث مرهق في إستيعاب غيبوبة العقل الانساني وإضطرابه ، تصل الى إصابته هو نفسه بالاضطراب ، في نفس الوقت الذي تكتمل في ذهنه تفاصيل الجريمة التي دخل المستشفى من أجلها ، ليكون قد فقد توازنه العقلي الى الابد ، وليدفع ثمناً باهظاً لمغامرته المثيرة تلك . ــ فاصل موسيقي ــ لقد نجح السيناريو في رسم وتشكيل هذه الشخصيات المركبة والمليئة بالصراعات النفسية والزاخرة بمجموعة من الاحاسيس والمشاعر المتناقضة . كما ان هذه الشخصيات كانت حقاً فرصة مناسبة وجيدة لتقديم مباراة مذهلة وممتعة في فن الاداء التمثيلي . وبالرغم مما قيل ويقال عن صعوبة الافلام التي تعتمد على الحبكة السايكولوجية باعتبارها صعبة المراس والتنفيذ ، إلا ان ذلك لم يمنع المخرج من تقديم هذا الفيلم كأول افلامه ، ليس هذا فحسب بل انه حقق نجاحاً متميزاً في هذا المجال ، حيث إستطاع إثارة المتفرج طوال الوقت وإبقائه في حالة ترقب مستمر . هذا إضافة الى ان الفيلم باعتباره إقتباساً إجتهادياً قد ظهر فيه أثر العمق الفكري والثراء النفسي في موهبة كاتب الحوار صلاح جاهين ، الذي إستطاع ان يلتقط تفاصيل إجتماعية وسايكولوجية غنية بالدلالات ، عبر عنها من خلال ذلك الحوار الواضح الاخاذ والذكي . ــ فاصل موسيقي ــ أخيراً .. يبقى ان نشير الى ان المخرج قد أكد ، من خلال فيلمه الاول ، مقدرة واضحة في إدارة فريقه الفني من فنانين وفنيين للوصول بالفيلم الى مستوى فني وتقني جيد . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 41 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (الاحتياط واجب) ، بطولة أحمد زكي ومديحة كامل وابوبكر عزت وليلى طاهر ، ومن إخراج احمد فؤاد . وهو إنتاج عام 1984 . ــ فاصل موسيقي ــ (الاحتياط واجب) فيلم كوميدي والمخرج أحمد فؤاد فنان كوميدي أساساً ، إلا أن مشكلته الرئيسية هي العثور على الموضوع أو الفكرة الجيدة والعميقة ، والتي تحمل قيمة خاصة أكثر من كونها دراما لمجرد إضحاك الجمهور . وهي مشكلة مرتبطة بأزمة السيناريو عموماً في السينما المصرية أكثر من إرتباطها بأحمد فؤاد شخصياً بالنسبة للدراما الكوميدية . ــ فاصل موسيقي ــ وهذا لا ينفي ـ بالطبع ـ ان مخرجنا في هذه الحالة يدفع ثمن اخطائه الشخصية ، ومنها سهولة تعامله مع الافلام ومع المتفرج والحياة . ثم عدم حرصه في البحث عن موضوع جاد يقول من خلاله شيئاً مفيداً للجمهور عندما يضحكه . وبفيلمه (الاحتياط واجب) نشعر بان احمد فؤاد قد بدأ يتحسس طريقه وينظر حوله ، بل يقيم ماضيه الفني ، في محاولة لصنع فيلم جاد ذي قيمة . نقول محاولة .. حيث من بعد هذا الفيلم قدم أحمد فؤاد الفيلم الناجح (بيت القاصرات) ، ومن بعده فيلم (الحدق يفهم) . تقوم فكرة فيلم (الاحتياط واجب) الرئيسية على ان القهر والعنف والتسلط كلها اساليب لا تجدي لادارة أي شيء ، ولا يمكن ان تثمر عملاً أو حباً لا على المستوى العام ولا المستوى الخاص . ــ فاصل موسيقي ــ تتجسد فكرة الفيلم في مستويين أو خطين ، الاول يقدم لنا (أحمد زكي) الاخصائي الاجتماعي الشاب والمعين حديثاً في إصلاحية للشباب المنحرفين . ومن خلال هذا الخط يريد الفيلم ان يقول بان من نسميهم الاحداث او المنحرفين ، ما هم إلا ضحايا ظروف عائلية اجتماعية قاسية .. وبتغيير هذه الظروف وتحسينها ومحاولة استخلاص طاقات الخير الكامنة فيهم ، يمكن ان يصبحوا عناصر ايجابية فعالة في هذا المجتمع . وهذا بالضبط ما حاول فرضه الاخصائي الاجتماعي بقيمه الجديدة على مجتمع الاصلاحية الخاطىء والوحشي ، حيث نكتشف ان المسئولين والمشرفين فيها يعاملون هؤلاء الشبان بكل اشكال العنف والقهر الممكنة، باعتبارهم حثالة المجتمع ، مع ان انحرافات هؤلاء المشرفين انفسهم ربما كانت أخطر من انحرافات الشباب الاحداث . ــ فاصل موسيقي ــ ان الفيلم لا يستثمر إمكانيات تلك الشقاوة والمواقف الصبيانية الطريفة التي يقوم بها شبان الاصلاحية ، لمجرد الاضحاك على حساب القيم التربوية والاخلاقية ، وإنما نشعر بان هذا الجزء الخاص بالاصلاحية هو أفضل ما في الفيلم . ففي هذا الجزء يقدم الفيلم ما يشبه الدراسة الجادة لنماذج هؤلاء الشباب اجتماعياً وتربوياً في مواجهة محاولات الاخصائي لفرض قيم جديدة . كما ان المخرج أحمد فؤاد كان في أفضل حالاته في هذا الجزء ، من حيث تنفيذ تلك المشاهد او سهولة حركة الكاميرا وانسيابها بتدفق وايقاع محكم ، إضافة الى إدارته الجيدة لفريق الممثلين الجدد (في أول ضهور لهم على الشاشة) ، حيث كونوا مجموعة متجانسة مدهشة . ــ فاصل موسيقي ــ الخط الآخر في الفيلم ، والذي لم ينجح السيناريو في صياغته ، يتعلق بمديحة كامل وعلاقتها المتناقضة مع شقيقها (ابوبكر عزت) الذي يشاركها ملكية مصنع للنسيج ويعاملها كما يعامل زوجته وإبنته المراهقة ، بجفاف وعنجهية ولامبالاة ، حيث يتحول المنزل أو بمعنى آخر القصر الى جحيم من الكراهية المتبادلة . صحيح ان الخط الاول هو المهم ، بل انه في تقديري أقوى وأكثر عمقاً من الثاني ، إلا ان السيناريست (ماهر لبيب) كان عليه ان يهتم ايضاً بالخط الثاني ويطوره ، وإلا لماذا ضمنه الفيلم . فقد كانت الشخصيات هنا واهية وعلاقاتها سطحية وتصرفاتها غير منطقية . ــ فاصل موسيقي ــ فنحن نكتشف بان الفيلم يفقد الكثير من المنطق الدرامي ، وذلك بعد لقاء الاخصائي وشبان الاصلاحية بمديحة كامل ، ومن ثم إقامتهم في قصر العائلة الثرية . فلا يوجد في السيناريو أي تبرير مقنع لوقوع الفتاة الثرية في حب الاخصائي . وكأنها كانت في إنتظاره هو بالذات ليصلح حياتها وسلوك شقيقها المشين . ثم كيف يريدنا الفيلم بان نقتنع بان شباب الاصلاحية بامكانهم الاستيلاء علي المصنع وإعادة تشغيله من جديد ! صحيح بان الفكرة جيدة حيث التأكيد على ان هؤلاء المنحرفين يمكن ان يصبحوا أعضاء فاعلين في المجتمع ، إلا ان إعتراضنا على سرعة وكيفية توصيل الاسباب الى نتائجها بهذا الشكل الكاريكاتوري دون النظر الى منطقية سير الاحداث. ــ فاصل موسيقي ــ يمكن الاشارة ايضاً الى ان مجموعة الاغاني التي إحتواها الفيلم كانت زائدة ، فقد كان أغلبها محشوراً في الفيلم حشراً لا داعي له ، فقط لمجرد ان يبدو الفيلم إستعراضياً ، حيث نرى الشخصيات تقفز فجأة لتغني بدون مناسبة ودون أية ضرورة درامية فنية . ولا يمكن نسيان دور الفنان أحمد زكي ، الذي أدى دور الاخصائي الاجتماعي ، وكان متمكناً حقاً ، نجح في تقديم الكوميديا لاول مرة بانفعالات طبيعية شديدة الصدق ، وكان يشكل مع بقية الممثلين الشباب (محسن محي الدين ، شريف منير ، وائل نور ، علاء عوض) فريقاً متجانساً ، خصوصاً ان هؤلاء الجدد كانوا أبطالاً حقيقيون في الفيلم ، وكان لمعان بريقهم قد غطى على بقية الممثلين باستثناء أحمد زكي طبعاً. ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (أريد حلاً) ، بطولة فاتن حمامة ورشدي أباظة وأمينة رزق ، ومن إخراج سعيد مرزوق . وهو إنتاج عام 1975 . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا هذه المرة يعد علامة بارزة في مشوار الفنانة الكبيرة فاتن حمامة . وهو ايضاً ثالث افلام المخرج سعيد مرزوق ، الذي قدم في فيلميه الاولين أسلوباً مغايراً الى حد كبير نسبة لما قدمته السينما المصرية قبل ذلك .. بل انه في فيلمه الاول (زوجتي والكلب) قد أحدث إنقلاباً في موازين ولغة السينما المصرية آنذاك . حيث إستطاع تحطيم الكثير من تقاليد تلك السينما ، وقدم مستويات جديدة في لغة السينما وعناصرها ، من سيناريو واخراج وتصوير ومونتاج . ــ فاصل موسيقي ــ أما في (أريد حلاً) فقد وضع مخرجنا نفسه في تحد كبير ومباشر ، واختار ان يقدم الفيلم الجماهيري ، متخلياً بذلك عن الكثير من لغته السينمائية .. علماً بانه في هذا الفيلم قد ناقش بشكل جاد مشاكل المرأة العربية وحقوقها ، مع محاولته إبراز الظروف القمعية التي تعيشها في ظل القوانين الوضعية . كما ان الفيلم يعتبر أول حوار وجدل بين السينما وقانون الاحوال الشخصية ، فهو يفجر قضية اجتماعية بالغة الخطورة وهي الطلاق ، وتكمن الخطورة في ان مرزوق قد ناقش حق المرأة في طلب الطلاق ، بل وقف بجانبها في المطالبة بان تعامل كانسان مكتمل له الحرية الكاملة في تقرير مصيره . كما انه حاول الكشف عن الثغرات التي يحتويها قانون الاحوال الشخصية . ــ فاصل موسيقي ــ قصة الفيلم كتبتها الصحفية حُسن شاه باتفاق مع الفنانة فاتن حمامة ، التي بدورها رشحت سعيد مرزوق لاخراجها . وبعد مشاورات طويلة مع المخرج وافق بشرط ان يعيد الصياغة عند كتابتة للسيناريو . وقد اعتمد في ذلك على ملفات وكتب قانونية وزيارات متكررة قام بها طوال ثلاثة اشهر لقاعات المحاكم ، كان خلالها يحضر الجلسات ليدرس ويراقب ما يدور فيها . ــ فاصل موسيقي ــ كل هذا بالطبع يحسب لصالح سعيد مرزوق كمخرج ملتزم وواع بدور السينما الاجتماعي وتأثيرها الجماهيري . ولكننا إذا نظرنا الى السيناريو الذي قدمه فسنجد انه قد إفتقر الى رسم دقيق لاعماق شخصياته . فالفيلم يطرح قضيته من خلال ثلاث نماذج نسائية .. الاولى وهي صاحبة القصة الرئيسية (فاتن حمامة) ، ترفع قضية طلاق ضد زوجها (رشدي أباظة) الذي يرفض طلبها هذا . فتبدأ رحلتها الشاقة في سبيل إنتزاع حقها في نيل حريتها ، مستنجدة في ذلك بقانون الاحوال الشخصية ، لكنها تخسر القضية أمام قانون جامد وضعه الرجل نفسه ليعطيه الحق في النيل من حرية المرأة وكرامتها . وبالرغم من ان هذه القصة هي الرئيسية في الفيلم ، إلا ان السيناريو قد إهتم بصاحبتها إهتماماً شكلياً فقط ، بل ومبالغاً أحياناً في تجسيد معاناتها وإنفعالاتها . كما انه لم يستطع تقديم صورة واضحة لشخصية الزوج ، وتعامل معها بشكل سطحي غير مقنع ، بل لم يحاول الدخول في اعماق تلك الشخصية وتجسيد الجوانب التي تجعلها شخصية منبوذة من قبل شخصية الزوجة ومن المتفرج ايضاً ، يبرر للبطلة الاستماتة في طلب الطلاق بهذا الشكل الصارخ . ــ فاصل موسيقي ــ وإكتفى فقط بالاشارة الى ان الزوج رجل شرير ، أناني ، شهواني وزير نساء ، يتردد على أماكن اللهو مع عشيقاته .. فهل هذا يكفي لخلق شخصية مكروهة من المتفرج العربي للرجل العربي ؟ هذا إضافة الى ان السيناريو قد وقع في منزلق مدمر ، عندما فاجأنا بعلاقة حب غير مبررة بين بطلته وصديق أخيها ، الامر الذي أدى الى تقليل تعاطف المتفرج مع البطلة ، والتي تخوض معركة مصيرية ، علماً بان شخصية البديل هذا جاءت شخصية باهتة وسطحية ايضاً ، حيث من المفترض ان تتميز تميزاً حقيقياً عن شخصية الزوج ، ولكنها بدت شخصية تفتقد الى الكثير من العمق والحيوية . ــ فاصل موسيقي ــ أما النموذجان النسائيان الآخران ، فقد تعرفنا عليهما في المحكمة من خلال تواجد بطلة الفصة الاولى هناك . فنحن منذ الدخول الاول للمحكمة نجدها مكاناً بائساً ومزدحماً ، يكتظ بنماذج نسائية منهكة تبدو على وجوهها علامات القهر والظلم . حيث تتحرك الكاميرا بسرعة خاطفة لتنقل لنا عشرات الوجوه لنساء فقيرات ومتشحات بالسواد ، الامر الذي جعل بطلة الفيلم الانيقة تبدو كجسم غريب وسط طوفان المعدمات البائسات . ومن بين قاعات وزوايا المحكمة يختار سعيد مرزوق وجهين من هذه الوجوه . الاول لمطلقة شابة (سعاد حسين) تحاول الحصول على نفقة لتربية طفليها من زوج لا يبين الفيلم لماذا طلقها . وأمام التأجيل المتواصل لقضيتها لا تستطيع الصمود أمام مغريات القواد (سيد زيان) الذي يطاردها فتنحرف بدوافع الجوع والخوف من المستقبل وتستسلم له في النهاية . ــ فاصل موسيقي ــ أما الوجه الثاني فهو مأساة واقعية لسيدة كبيرة في السن (أمينة رزق) طلقها زوجها بعد عشرة دامت ثلاثون عاماً ليتزوج بفتاة صغيرة . ترفع هذه السيدة قضية نفقة عندما تجد نفسها عرضة للجوع والتسول بعد ان أنفقت مؤخر الصداق ، إلا أنها تخسر القضية بعد تأجيلات عديدة مع مطالبة المحكمة لها بدفع المصاريف كاملة . وزغم ذلك ترفع قضية جديدة لكن الموت لا يمهلها لتسمع حكم القاضي فيها . وقد جاء موتها هذا ليكون من أصدق وأقوى الطعنات الموجهة الى قانون الاحوال الشخصية . يقول سعيد مرزوق : شخصية أمينة رزق هي إحدى الشخصيات التي إكتشفتها أثناء تردادي للمحكمة ، مشكلتها كانت تماماً نفس المشكلة المعروضة في الفيلم ، وكذلك شخصية القواد . ــ فاصل موسيقي ــ من الملاحظ هنا ، في فيلم (أريد حلاً) ، بان القصة الرئيسية والتي أخذت الحيز الاكبر من الوقت قدمت بشكل سطحي غير مدروس ، بينما كانت القصتان الثانويتان أكثر عمقاً ومصداقية ، وان صدقهما هذا قد أدى الى كشف زيف وإدعاء القصة الرئيسية . ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة للاخراج فانه من المؤسف حقاً ان نقول بان سعيد مرزوق في فيلمه هذا لم يوظف إمكانياته الفنية والتقنية للارتقاء بالمستوى الابداعي الفني للفيلم . إلا انه من الجدير الاشارة الى ان المشاهد التي قدمها داخل المحكمة ، والتي تعتبر من أفضل وأصدق مشاهد الفيلم على الاطلاق ، حيث قدم لنا محكمة حقيقية وخرج بكاميرته من سجن الاستوديو وتحرر من زيفه وضعف إمكانياته في تجسيد الصدق والواقعية . كما يتضح منذ الوهلة الاولى نشاط الكاميرا الملحوظ في حركتها بين صاحبات قضية المرأة الحقيقيات بصدق وحرارة ، تذكرنا بحركتها في بناية سعيد مرزوق في فيلمه (الخوف) . بينما تبدو الكاميرا عاجزة في تصويرها لقصة فاتن حمامة الرئيسية ، لدرجة انها تنقل ما يدور أمامها من ثرثرة وإنفعالات من خلال كادر واحد وثابت طويل وممل وكأنه مشهد مسرحي . مما ساهم في بطء السرد الدرامي وإفتقاد الفيلم لعنصر التشويق ، والشعور بالملل في أحيان كثيرة . ــ فاصل موسيقي ــ يبقى ان نقول بان سعيد مرزوق لم يظهر بمستواه السابق لتقديم رؤية إبداعية جديدة في هذا الفيلم ، وإنما إعتمد على نمط الانتاج السينمائي التقليدي التجاري ، وساعده على نجاح الفيلم تجارياً قوة الموضوع وجرأته ، وقيام الفنانة الكبيرة فاتن حمامة بالبطولة ، حيث إستمر عرضه خمسة عشر أسبوعاً . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 42 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (كتيبة الإعدام) ، بطولة نور الشريف ومعالي زايد وممدوح عبد العليم ، ومن إخراج عاطف الطيب . وهو إنتاج عام 1989 . ــ فاصل موسيقي ــ لقد إستطاع عاطف الطيب في فيلم (كتيبة الإعدام) أن يجذب إهتمام المتفرج العادي والناقد المهتم على السواء ، وذلك عندما نجح في الجمع بين أسماء فنية لامعة كل في مجاله ، رغبة منه في ترغيب المتفرج في مشاهدة فيلمه . فهناك نجوم شباك ، أمثال نور الشريف ، والذي إرتبط إسمه بالعديد من الأفلام الهامة . والفنانة معالي زايد التي قدمت العديد من الأدوار الناجحة . وهناك أيضاً مدير التصوير سعيد شيمي ، والذي يعتبر من بين أهم مديري التصوير في مصر . هذا إضافة الى كاتب السيناريو الكبير أسامة أنور عكاشة ، في أول تجاربه السينمائية ، وهو المعروف في مجال كتابة السيناريو للمسلسلات التليفزيونية الجيدة والمتميزة ، مثل الحب وأشياء أخرى ، وقال البحر ، رحلة أبو العلا البشري ، عصفور النار ، وآخرها ليالي الحلمية في أجزاءه الخمسة . ومن الطبيعي أن تكون أولى تجاربه في السينما مثار إهتمام الجميع . ــ فاصل موسيقي ــ وبالتالي كانت التوقعات ، تستبشر خيراً في توجه مثل هذا الكاتب الى السينما ، وتعتبر هذا بمثابة إضافة هامة للسينما المصرية .. هذه السينما التي تفتقر لكتاب السيناريو كماً ونوعاً . إلا أن الفيلم جاء مخيباً لكل التوقعات ، من ناحية التأليف والإخراج . حيث لم تكن هناك أية إضافة أو تجديد ، وإنما كان هناك تنويع على موضوعات قديمة سبق تناولها في أفلام مصرية كثيرة . هذا إضافة الى أن الفيلم جاء تقليدياً ويجاري الأسلوب السائد للسينما المصرية التجارية ، والتي تبحث عن الجمهور العريض ، وتعتمد على العنف والإثارة في جذب مثل هذا الجمهور . ــ فاصل موسيقي ــ لقد إعتمد فيلم (كتيبة الإعدام) على حكاية تقليدية قديمة جداً ، أشبعتها السينما المصرية تناولاً ، ألا وهي حكاية القتل والإنتقام . حيث نشاهد في مقدمة الفيلم ، مصرع رجل وإبنه ، لنشاهد ، بعد عشرون عاماً ، إبنة القتيل تخطط للإنتقام وأخذ الثأر من المحكوم عليه ظلماً بقتلهما . هكذا ، ببساطة ، يمكن إيجاز حكاية الفيلم . لكن لأن صناع الفيلم أرادوا أن يكون للفيلم بعداً سياسياً ، فقد صنعوا من هذه الحكاية ـ بعد إضافة بعض الحيثيات والإسقاطات المعاصرة ـ قضية شرف ودفاع عن الوطن . فمن خلال الحوار ، في مقدمة الفيلم ، نعرف بأن القتيلين (الرجل وإبنه) من رجال المقاومة الشعبية أثناء حرب أكتوبر 73 . وإن الذي قتلهما هو موظف البنك المكلف بتوصيل مايقارب المليون جنيه ، هي مرتبات الجيش الثالث . وإنه قام بقتلهما حتى يتسنى له سرقة هذا المبلغ ، لذلك يتم القبض عليه وإيداعه السجن . إلا أن نهاية الفيلم توصلنا الى نتيجة أخرى ، وهي أن هذا الموظف بريء من القتل والسرقة ، وإن القاتل هو العدو الإسرائيلي ، الذي إستعان برجل خائن من الغجر مقابل ذلك المبلغ الكبير . وبالتالي يصبح هذا الغجري من كبار رجال الأعمال ، بعد أن أصبح صاحب أول سوبرماركت في مصر بعد الحرب . وبعد أن تتوضح كل هذه الحقائق ، يقرر الموضف وصاحبة الثأر بالتعاون مع إثنين من ضباط الشرطة ، والمتضررين بشكل مباشر وشخصي من هذا الإنفتاحي ، الإنتقام منه وقتله . وفعلاً يقتلونه داخل السوبرماركت ، وهم على قناعة تامة بأنهم قد قتلوا خائن الشعب والوطن . وبالتالي يقدمهم الفيلم في المحاكمة العلنية ، بإعتبارهم من الأبطال الوطنيين . ــ فاصل موسيقي ــ هكذا أراد الفيلم بأن يقول ، في أن مرحلة الإنفتاح الإقتصادي هي خيانة لحرب أكتوبر ، أي بما معناه .. إن من سرق مرتبات الجيش الثالث ، هو من صنع السوبرماركت كرمز للإنفتاح . وبغض النظر ، إن كنا نختلف مع هذا التصور أو نعتقد به ، فقد أخفق الفيلم تماماً في التعبير عن هذا درامياً ، بل إنه لم يقنعنا ولم يقدم أية مبررات منطقية لتصوره هذا . فهو لم يستطع أن يقنعنا بأن دكتورة في برمجة الكومبيوتر تلهث وراء ثأر مضى علية سنوات طويلة .. ولم يستطع أن يقنعنا بكيفية تمكن الخائن من خداع الشرطة والجيش وكل أجهزة الدولة ، على هذا النحو ، طوال هذه السنوات .. ولم يستطع أن يقنعنا بأن الأبطال الأربعة ، قد أرادوا بقتل الخائن الثأر للوطن وليس للفرد . هذا إضافة الى تلك النهاية العنيفة والساذجة ، التي تذكرنا بالأفلام البوليسية الأمريكية . ــ فاصل موسيقي ــ لقد إعتمد الفيلم على حقائق ووقائع تاريخية عن حرب أكتوبر ، وعن حصار السويس ، ووجود الجيش الثالث في سيناء . وجميعها وقائع تاريخية ، أراد بها المؤلف إقناع المتفرج ، بإعتبارها حقيقية . لكنه ـ في المقابل ـ قد نسج حكاية خيالية لإدانة الطبقة الطفيلية التي إنتشرت في فترة الإنفتاح الإقتصادي . ــ فاصل موسيقي ــ فالفيلم يتغافل ، في أحداثه ، شخصية الإنفتاحي الطفيلي ، ويكتفي بإظهاره ساذجاً وفقيراً في بدايتة ، وثرياً وخائناً في نهايته . هذا إضافة الى أن تلك الوقائع التاريخية التي إعتمد عليها المؤلف ، إختلطت بفكرة مختلقة وغير منطقية تماماً . فالجيش الثالث ، أو أي جيش في العالم ، لا يحتاج أفراده الى مرتباتهم ولا يحصلون عليها في أرض المعركة . ــ فاصل موسيقي ــ إن هذه الفكرة ـ كما هو واضح ـ هي أساس الفيلم كله ، فكل ردود أفعال شخصياته مبنية على هذه الفكرة . فكيف لنا أن نثق في فيلم ، تكون فيه الفكرة الرئيسية ، فكرة مختلقة ومنافية للمنطق .. إنه حقاً إستخفاف يعقلية المتفرج الذي وثق بصناع هذا الفيلم . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (هدى ومعالي الوزير) ، بطولة نبيلة عبيد ويوسف شعبان ، ومن إخراج سعيد مرزوق. وهو إنتاج عام 1995 . ــ فاصل موسيقي ــ وفيلم (هدى ومعالي الوزير) لا يختلف كثيراً عن نوعية الأفلام المصرية التجارية . ولا نعني بتسمية الأفلام التجارية هي الأفلام الرديئة أو الهابطة ، وإنما الأفلام التي مجمل الأفلام التي تسعى الى الجمهور العريض بأي طريقة ممكنة ، بقض النظر عن مستوى الفيلم الفني والتقني . وهذا يعنى بالطبع في أنه يمكن أن يكون الفيلم ذو مستوى لابأس به فنياً وتقنياً ، وفي نفس الوقت ينجح جماهيرياً . ــ فاصل موسيقي ــ يحكي الفيلم عن هدى (نبيلة عبيد) البنت الفقيرة والتي تعيش في أحد الأحياء الشعبية في القاهرة ، إلا أن الفرصة تأتيها للزواج من أحد المليونيرات العرب لترجع الى مصر وهي محملة بالملايين . وتبدأ في الشروع بتأسيس شركة مقاولات لبناء المساكن الشعبية . ولأنها تريد الطريق الأقصر للشهرة ، فهي تعرف كيف الوصول إليه . فتجمع عدداً من أفراد أسرتها الذين يعيشون حياة الصعلكة والنصب والإحتيال ، وتغير من هيئاتهم وهندامهم وتلبسهم أفضل الملابس وتشركهم معها في الشركة لحمايتها من الطامعون فيها . كما تبحث عن مجموعة من الفتياة الجميلات وتلبسهم على الموضة ليعملن في السكرتارية وليكن عوناً لها في تسيير أمورها الرسمية مع المسؤلين في الدولة . وتبدأ في البحث عن معلومات دقيقة عن شخصيات معروفة ، تعرف مسبقاً بأنها ستستفيد منها كثيراً . الشخصية الأولى هو أحمد بيه (يوسف شعبان) محامي معروف وعضو مجلس الشعب وله إتصالات قوية مع الكثير من الشخصيات المهمة في الدولة . وفي حفل إفتتاح الشركة تتعرف هدى على أغلب الشخصيات المرموقة في البلد ، وذلك بفضل أحمد بيه . ــ فاصل موسيقي ــ هنا يصبح كل شيء واضح للمتفرج ، وهو إن هدى أسست هذه الشركة لتقوم على الغش والتزوير . وتبدأ الإعلان عن شركتها في الصحف والمجلات ، أما ف التليفزيون فيكون الإعلان على صورة لقاء تليفزيوني مع هدى تبين فيه المميزات المغرية التي ستمنحها للمواطن الذي سيستأجر شقة في مشروعاتها الإسكانية . ومن الطبيعي أن يصدق هذا المواطن البسيط كلام سيدة الأعمال هدى خصوصاً بأنها تتحدث من جهاز حكومي خطير كالتليفزيون . ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة لزوجها الذي تركته في بلده ، فهو يفكر في الهروب من بلده وطلب اللجوء السياسي في مصر ، خصوصاً بأن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مقطوعة . وهو يعتقد بأنه بهذا الأمر سيكون قريباً من زوجته هدى ، إلا أنها تعرف بأنه سيتعبها كثيراً إذا أصبح بقربها في مصر ، فتدبر للتخلص منه ، وذلك بالتبليغ عنه لدى حكومته . وبعد عودتها الى مصر تطلب الطلاق من المحكمة التي تطلقها غيابياً بسبب سجن زوجها في بلده . وبعد أن تستقر إمبراطورية هدى ، تظهر الصحفية أماني (تهاني راشد) لتنبش في دفاتر هدى وشركتها لتكشف النصب والتزوير الذي قامت عليه هذه الشركة ، وتنشره في الصحيفة . وبالرغم من أن هدى تستخدم كل الطرق الشرعية وغير الشرعية ، إلا أن المحكمة تحكم لصالح الصحفية أماني لحوزتها على كافة الأدلة والمستندات التي تدين هدى وشركتها . فنرى كيف تنهار الشركة بنفس السرعة التي قامت بها . أما سيدة الأعمال هدى ، فهي تهرب الى الخارج بمساعدة سعادة الوزير أحمد بيه ، وتنجو من القضاء . ــ فاصل موسيقي ــ هذه هي أحداث فيلم (هدى ومعالي الوزير) التي نرى بأنها تشكل تحذيراً واضحاً لقدرة الجهاز الأعلامي ، وبالأخص التليفزيون ، على التأثير في المتفرج مباشرة . لذلك يجب التأكد من أي خبر أو إعلان أو حتى معلومة صغيرة قبل بثها على المتفرج . هذه هي الفكرة الرئيسية التي نستخلصها من الفيلم . وهي معلومة إيجابية صغيرة ، إلا أن صانعي الفيلم قد دخلوا في متاهات الدراما التقليدية وصنعوا فيلماً طويلاً يدور حول هذه المعلومة الصغيرة . وقد جاء في عناوين الفيلم بأن القصة السينمائية والسيناريو والحوار لهذا الفيلم كتبها سعيد مرزوق بالإضافة الى الإخراج ، عن قصة للكاتب نبيل خالد . وهذا يعني بأن الفيلم يتحمل عبئه الأكبر سعيد مرزوق لوحده . ــ فاصل موسيقي ــ وإذا أردنا أن نتحدث عن السيناريو ، فيمكن القول بأنه سيناريو ضعيف يحتوى على الكثير من السلبيات ، التي أدت الى هبوط مستوى الفيلم . فهناك أحداثاً وشخصيات رئيسية بدت مفبركة وغير منطقية ولم ينجح سعيد مرزوق في رسمها . فمثلاً الطريقة الساذجة التي بدأ بها الفيلم أحداثه لم تكن مقنعة تماماً . فكيف علينا أن نصدق بأن الإنسان في غمضة عين يمكن أن يصبح صاحب ملايين ، وبهذه الطريقة التي حدثت لهدى . وقد أضحكتني حقاً تلك الحيلة الساذجة التي حبكتها هدى وزوجها على مديرها في العمل لإجباره على السفر بدونها . شعرت وكأنني أمام مشهد فكاهي وتافه أيضاً . ثم كيف يريد أن يقنعنا السيناريو بذلك التحول الذي حدث لأقارب هدى . كيف لنا أن نؤمن بمنطقية أن نجلب إنساناً من الشوارع والحواري ونقول له بأنك مسؤول عن شركة كبيرة . خصوصاً وإن هؤلاء الأقارب قد أظهرهم الفيلم كمعتوهين وسذج لا يعرفون أي شيء في شؤون البزنس ، إضافة الى الصبغة الكوميدية التي أضفاها عليهم رغبة في إضحاك المتفرج ، دون مراعاة بأن ذلك سيضر ببناء الشخصية نفسها . ثم أن كثير من المشاهد والأحداث قد قدمها الفيلم بشكل تقليدي مباشر ، وغالباً ماتكون المباشرة مقتلاً للفن ، حيث ضياع الجانب الجمالي التخيلي. ــ فاصل موسيقي ــ هذا بالنسبة للسيناريو ، أما بالنسبة للإخراج والنواحي الفنية الأخرى ، فسعيد مرزوق بخبرته وموهبته الفذة إستطاع أن يحرك كاميرته بشكل ملفت ويقدم زوايا تصوير جميلة ومعبرة في بعض الأحيان ، فكان للإضاءة دوراً فعالاً في التعبير في مشاهد كثيرة . ولولا ضعف السيناريو والحوار لكان بإمكان سعيد مرزوق أن يقدم تكوينات جمالية تعبيرية مؤثرة . صحيح بأن سعيد مرزوق قد نجح في إدارة من معه من فنيين وفنانين ، إلا أن هذا الجهد قد ضاع أيضاً في تجسيد فكرة وسيناريو ضعيف . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 43 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري الرائد (المومياء) ، بطولة آحمد مرعي ونادية لطفي ، ومن إخراج الفنان العبقري شادي عبدالسلام . وهو من إنتاج عام 1970 . ــ فاصل موسيقي ــ يعد فيلم ( المومياء) من أهم ما أنتجته السينما المصرية منذ ولادتها حتى الآن ، وذلك بشهادة النقاد العالميون .. كما أنه إستحق بجدارة لقب فيلم المهرجانات .. والمومياء أو »ليلة أن تمضي السنين« ، وهو الإسم الآخر له ، تحفة فنية رائعة أبدعها الفنان العبقري »شادي عبدالسلام« ، وهو الفيلم الروائي الوحيد له . ــ فاصل موسيقي ــ خمس سنوات مضت بعد إنتاج هذا الفيلم ، قبل أن يشاهده المتفرج المصري .. كان خلالها يتنقل من مهرجان الى آخر ، يحصد الجوائز وشهادات التقدير وتفاعل المتفرج الغربي .. فقد حصل فيلم ( المومياء ) على أربع جوائز عالمية وسبع شهادات تقدير في سبع مهرجانات ، أهمها جائزة »جورج سادول« الفرنسية عام 1970 . ــ فاصل موسيقي ــ وفي العام التالي ، وقع إختيار »ديلبرباول« ناقدة »الصندي تايمز«على فيلم ( المومياء ) ليكون ضمن قائمة الأفلام الإثنى عشر التي تمثل أفضل أفلام العالم في عام 1970 ، بجانب أفلام ( إغتيال تروتسكي ) لـ"جوزيف لوزي" و ( البرتقالة الآلية ) لـ"ستانلي كوبريك" ، وأفلام أخرى لمخرجين كبار ، أمثال تروفو ، جون هيوستن ، سيدني بولاك . ــ فاصل موسيقي ــ وقد أثار فيلم ( المومياء ) ضجة كبيرة عند عرضه ، باعثاً حوله الجدل ، ليس في مصر وحدها ، وإنما في الأرساط السينمائية العالمية .. فبعد الإنتهاء من إنجازه مباشرة وقبل عرضه على الجمهور ، شاهده النقاد والسينمائيين في عرض خاص بالقاهرة ، وقوبل حينها بعاصفة من النقد بين التأييد والمعارضة . وأول من كتب عن ( المومياء ) مؤيداً ، الدكتور »لويس عوض« في جريدة الأهرام ، وقد جاء مقاله هذا ليضع حداً للهجوم الشرس على هذا الفيلم ، والذي وصل الى غايته ؛ فقبل هذا المقال بيوم واحد كانت هناك صفحة كاملة من التجريح للفيلم . ــ فاصل موسيقي ــ المومياء في الصحافة العربية والأجنبية ـــــــــــــــــ ( عنوان فرعي ) ــ فاصل موسيقي ــ بعد لويس عوض ، بدأ توجه النقاد الجادين بكتاباتهم عن الفيلم ، مثل سمير فريد ، محمد شفيق ، سامي السلاموني ، أحمد صالح ، هؤلاء النقاد كان لهم الدور الكبير في توجيه أنظار الآخرين الى الفيلم وإكتشاف قيمه الجديدة . وبعدهم كتب النقاد الأجانب ، عندما عرض الفيلم في المهرجانات العالمية .. وأول من إكتشفه كان "جي أنيبل" وبعده "مارسيل مارتان" من فرنسا ، وكتب "بوجو كاسيراجي" عن الفيلم في (اليونيتا) الإيطالية ، و"ديفد روبنسون" في (الفايننشال تايمز) البريطانية . ــ فاصل موسيقي ــ وفي مجلة (التايمز) ، كتب الناقد "جون راسل تايلور" ، فقال عن المومياء بأنه : ... عمل فردي يتسم بالغرابة والخروج عن المألوف ، يعتبر أهم فيلم أخرج من القارة الأفريقية ... . كما كتب "كاسيراجي" ، يقول : ... إن فيلم المومياء يعتبر نقطة تحول في السينما المصرية .. فقد أنتجت السينما المصرية في حوالي نصف قرن أكثر من ثلاثة آلاف فيلم ، ولكنها لم تستطع أن تبني لنفسها شخصية خاصة ومستقلة من الناحية الفنية ، حتى جاء فارسها شادي عبدالسلام ... . ــ فاصل موسيقي ــ وعن إخراج الفيلم ، قال الناقد والباحث الفرنسي "كلود ميشيل كلوني": ... إنه مختلف عن أسلوب الإخراج السائد في السينما العربية ، وإنه بفضل توازن محسوب بين الشعر وبين عنف الموضوعات المطروحة ، إرتقى شادي عبدالسلام بفيلمه ـ بعد أن صفا من كل شائبة ـ الى مستوى يقرب من العبادة .. إن المومياء ، بجمال تشكيله ، فيلم له مقام خاص سواء في السينما العربية أو بين المدارس الغربية .. إنه يعبر دون ريب عن بعض جوانب الروح المصرية ودواخلها ، بأسلوب يتسم بالإبتكار الأخاذ ... . ــ فاصل موسيقي ــ المومياء وإستقبال الجمهور المصري ــــــــــــــــــــــــــ ( عنوان فرعي ) ــ فاصل موسيقي ــ لقد عرض فيلم ( المومياء ) في كل من إنجلترا و بلجيكا و هولندا و الدنمارك و السويد وفنلندا و تشيكوسلوفاكيا وفرنسا و كوبا و إيران و الهند .. وبعد أن لف كل هذه البلدان ، وحصل على أكبر عدد من الجوائز ، بالنسبة لأي فيلم عربي ، رجع الى مسقط رأسه مصر لعرضه على الجمهور المصري . وكان إستقبال المتفرج في مصر لـ ( المومياء ) فاتراً جداً ، بل لم يتقبله المتفرج العادي ولم يتجاوب معه .. مما يجعلنا نتساءل ، كيف ينجح فيلم مصري في الخارج وبشكل مثير ومدهش ، ثم يفشل في مصر نفسها . ــ فاصل موسيقي ــ وفي مقابلة لـ"شادي عبدالسلام" ، تحدث عن الأسباب التي أدت الى فشل الفيلم جماهيرياً في مصر ، فقال : ... أولاً لأن الفيلم عرض بعد إنتهائي من تصويره بأكثر من خمس سنوات ، وإنقضت هذه السنوات في مناقشات طويلة حول عرضه أو عدم عرضه ، بدعوى صعوبة فهمه من الجمهور المصري ، وهي مناقشات شبه بيزنطية ، وعرض بعد هذه السنوات الخمس فجأة وبدون أي مقدمات في دار سينما كانت مخصصة لعرض أفلام الكاراتيه ، فماذا تنتظر بعد كل ذلك . ــ فاصل موسيقي ــ ويقول شادي عبدالسلام بأن : متفرج الكاراتيه لا يمكن أن يستسيغ بسهولة فيلماً يناقش الإنسان المصري وحضارته .. والأهم من هذا أن الفيلم عرض في فترة وفاة أم كلثوم ، وهذا وحده كافٍ لإسقاط أي فيلم ، ففي تلك الفترة لم يكن هناك مصري واحد قادر على تقبل أي فيلم من هذا النوع ، كان الناس في حِداد روحي حقيقي ، ورغم ذلك وجدت السينما من يدخلها ويتفرج على الفيلم... . وللعلم ، فإن فيلم ( المومياء ) إستمر عرضه لمدة ثلاثة أسابيع في دار سينما رمسيس ، وكانت الإيرادات تقدر بـ 4475 جنيه .. كما عرض في نفس اليوم ، وبدار سينما رادو ، فيلم ( أميرة .. حبي أنا ) للمخرج حسن الإمام ، وإستمر عرضه ستة أسابيع ، وكانت الإيرادات حوالي 49300 جنيه . ــ فاصل موسيقي ــ بعد العرض الجماهيري في مصر ، كتب الدكتور عبدالمنعم سعد عن الفيلم ، فقال : ... إن المومياء حقق لمصر مالا تستطيع قافلة من الثقافة والأفلام أن تحققه على مدى قرن من الزمان .. إنه خالد خلود الآثار نفسها .. إنه يعيش بين الظلال والشمس ويبقى العاملون فيه ، وفي مقدمتهم شادي عبدالسلام وعبدالعزيز فهمي ( مدير التصوير ) ، يقدمون لغة سينمائية عالمية تعتبر بلا جدال نقلة في تاريخ الفيلم المصري الي الآفاق العالمية ... . المومياء .. مهرجانات وجوائز ــــــــــــــــــــــ ( عنوان فرعي ) لقد حصل فيلم (المومياء) على الكثير من الجوائز ، أهمها : # جائزة جورج سادول لأفضل فيلم أجنبي جديد عام 1970 ـ فرنسا # جائزة النقاد في مهرجان قرطاج كأفضل فيلم روائي عام 1970 # جائزة أفضل فيلم أجنبي في إنجلترا عام 1970 # جائزة أفضل فيلم أجنبي في إيطاليا عام 1970 # جائزة خاصة في مصر عام 1975 ــ فاصل موسيقي ــ وهذا بعض ماقيل عن فيلم ( المومياء ) وعن مبدعه الفنان العبقري "شادي عبدالسلام" ، هذا الفنان الذي توفي في عام 1986 ، وهو يحلم بتحقيق فيلمه الثاني ( أخناتون ) ، غير أن دهاليز الأجهزة الثقافية العربية المسئولة عن الإنتاج السينمائي نجحت في أن تشل قدرة هذا الفنان الإبداعية قبل أن يشله السرطان ويسري في جسده .. لقد رحل عن عالمنا بعد صراع مرير مع هذا المرض وتحدٍ قاتل على عدم التنازل عن أيٍ من مبادئه الفكرية والفنية . ــ فاصل موسيقي ــ نحن هنا أمام فنان عالمي شهد بإبداعاته خيرة النقاد السينمائيين العالميين ، وجعل إسم مصر يتردد في محافل السينما العالمية ؛ بالرغم من ذلك فهو لم يستطع أن يحقق حلمه وحلم الكثيرين من السينمائيين بإخراج فيلم ( أخناتون ) . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري ( ولايزال التحقيق مستمراً) ، بطولة محمود ياسين ونبيلة عبيد ومحمود عبد العزيز ، ومن إخراج أشرف فهمي . وهو إنتاج عام 1979 . ــ فاصل موسيقي ــ قبل الحديث عن هذا الفيلم ، سنتحدث عن المخرج أشرف فهمي ، فهو يعد من ابرز المخرجين المصريين الذين قدموا السينما التجارية . تخرج من قسم الاخراج بمعهد السينما في القاهرة عام ،1963 وتتلمذ على يد خيرة الفنانين الكبار في مصر ، امثال : محمد كريم ، احمد بدرخان ، يوسف شاهين ، صلاح ابوسيف ، توفيق صالح . ونجح بتقدير جيد جداً ، قبل ان يسافر الى جامعة كاليفورنيا عام 1964 في بعثة دراسية . ودرس هناك فن كتابة السيناريو في البداية ثم تحول الى الاخراج . ــ فاصل موسيقي ــ بعد اربع سنوات حصل أشرف فهمي على درجة الماجستير في الاخراج السينمائي . إلتحق بالمركز القومي للافلام التسجيلية بعد عودته من امريكا ، واخرج فيلماً تسجيلياً تحت عنوان (حياة جديدة) عن الحياة في القرية النموذجية »آبيس« ، وحصل هذا الفيلم على شهادة تقديرية من مهرجان ليبزغ عام 1968 . وقبل ان يقوم باخراج اول افلامه الروائية ، عمل مساعداً مع الفنان يوسف شاهين في فيلم الارض . ــ فاصل موسيقي ــ ثم كان فيلمه (واحد في المليون) باكورة اعماله ، وتبعه فيلم (القتلة) ، واخرجهما عام 1971 . ولان الفيلين قد فشلا على المستوى الفني والتجاري ، فقد اصيب أشرف فهمي بحالة من الاحباط والاكتئاب ، وشعر بان هذه هي نهايته كمخرج . الا انه ، وبعد عامين عاد وقدم فيلمه (ليل وقضبان) الذي يعد بدايته الحقيقية في السينما ، حيث كشف فيه عن مخرج يعرف كيف يتعامل مع الكاميرا .. مخرج جديد لفت اليه الانظار وحصل على جائزة الدولة في الاخراج عن هذا الفيلم . كما مثل الدولة في عدة مهرجانات ، مثل : طشقند ، بومباي ، كان ، قرطاج . ــ فاصل موسيقي ــ وبعد فيلمه الثالث هذا ، اي بعد ان اثبت للجميع بانه مخرج متمكن من ادواته الفنية والتقنية وفنان قادر على إدارة من معه من فنيين وفنانين ، جرى أشرف فهمي وراء الشهرة والنجاح الجماهيري وقدم افلاماً كثيرة قاربت الاربعين فيلماً حتى الآن .. افلاماً تفاوتت في مستواها بين الجيد والرديء ، حيث اعتمد ذلك التفوت على مدى توفيقه كمخرج في اختيار مواضيعه وسيناويوهات افلامه . من اهم افلامه : مع سبق الاصرار ـ 1980 ، الشريدة ـ 1982 ، المجهول ـ 1983 ، لاتسألني من انا ـ 1985 ، إمرأة مطلقة ـ 1986 ، اعدام قاضي ـ 1990 . ــ فاصل موسيقي ــ نأتي الآن لفيلمه (ولا يزال التحقيق مستمراً) انتاج عام 1979 ، وهو باكورة اعماله كمنتج بعد ان أنشأ شركة انتاج خاصة تحت اسم (افلام اشرف فهمي) . الفيلم مأخوذ عن قصة لإحسان عبد القدوس بنفس الاسم ، كتب السيناريو لها مصطفى محرم ، والحوار بشير الديك . ومن المعروف بان اغلب روايات إحسان عبد القدوس تحولت الى السينما ، حيث يرى الكثير من المخرجين وكتاب السيناريو بان رواياته زاخرة بالموضوعات الشيقة وذات مادة غنية للتناول السينمائي . ربما في ذلك شيء من الصحة ، الا ان اغلب شخصياتها سطحية غير عميقة واحداثها لا تعتمد في كثير من الاحيان على المنطق النفسي والاجتماعي للشخصية ، ولا تنسجم مع الواقع المعاش . ــ فاصل موسيقي ــ ويحاول فيلم (ولا يزال التحقيق مستمراً) ان يعبر عن وجهة نظر استشرت في الواقع المصري عام 1979 ، حيث يتناول الصراع بين النمطين السائدين بين افراد الطبقة المتوسطة في مصر .. نمط الانسان الذي يرى ان كل شيء مشروع في سبيل الحصول على المزيد من المال ، وتمثله (نبيلة عبيد) ، ونمط الانسان الذي يرى ان هناك ماهو مشروع للحصول على المال وهناك غير المشروع ، وان العمل المنتج هو اساس الحصول على المال ، وان المال ليس كل شيء في هذه الحياة ، ويمثل هذا النمط (محمود ياسين) . ــ فاصل موسيقي ــ وفي محاولته للتعرض لهذين النمطين وتناول تناقضاتهما الاجتماعية ، يعتمد على قصة حب ويتحرك على المحاور الميلودرامية باستخدام ثالوث الحب التقليدي (زوج ـ زوجة ـ عشيق) ليتحول الفيلم الى مجرد استعراض لحالة الانتقام وتصفية الحسابات في حين كان بالامكان الاستفادة من الشريحة الاجتماعية التي اختارها الفيلم للقيام بتحليل اقتصادي واجتماعي وسياسي لحالة الاستلاب التي يعاني منها الغالبية العظمى من الشعب المصري ، وذلك بدل الضياع في اسلوب ومعالجة يوليسية تبدو غير مناسبة لموضوع الفيلم ومضمونه . ــ فاصل موسيقي ــ إضافة الى هذا الفيلم ، فان شخصية المرأة متواجدة كشخصية اساسية في اغلب افلام أشرف فهمي ، احياناً يمس بعضاً من قضاياها الملحة ، واحياناً اخرى يستخدمها كعنصر تجاري لجذب الجمهور . ففي حديث لأشرف فهمي سأل فيه عن قضية المرأة في افلامه ، فاجاب : المرأة عندي ليس لها قضية .. ليس في مجتمعاتنا شيء اسمه مشكلة المرأة ، ذلك لانها اصبحت تمارس العمل الذي تريده بلا اي مانع ، المرأة عندي هي المرأة في »ولا يزال التحقيق مستمراً« . ــ فاصل موسيقي ــ اما بالنسبة لمستوى الاخراج ، فقد استطاع المخرج المحافظة على عنصري الاثارة والتشويق ، وشد انتباه المتفرج وجعله يتعاطف مع شخصيات فيلمه ، هذا اضافة الى اختياره الدقيق للممثلين وقدرته على ادارتهم واستخراج افضل ما عندهم ، خصوصاً الفنانة نبيلة عبيد ، حيث يعتبر هذا الدور بالنسبة لها كممثلة بمثابة ولادة جديدة وقوية استحقت عليه جائزة افضل ممثلة ، لتصبح بعده من بين اهم نجمات السينما المصرية . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 44 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (التخشيبة) ، بطولة نبيلة عبيد وأحمد زكي ، ومن إخراج عاطف الطيب. وهو إنتاج عام 1984 . ــ فاصل موسيقي ــ (التخشيبة) هو الفيلم الثالث في مشوار عاطف الطيب السينمائي . ولأنه كذلك ، فقد كان التساؤل المطروح في الوسط الفني .. ما الذي سيقدمه هذا المخرج الشاب بعد ذلك النجاح الذي المدوي الذي حظي به فيلمه السابق (سواق الأتوبيس) ، ومن الطبيعي في أن النجاح قد يكون ـ في الغالب ـ دافعاً للتردد والحيرة قبل إتخاذ الخطوة التالية ، فبعد النجاح هناك الرغبة في الحفاظ على المستوى الفني وتأكيد الثقة ، وفي أحيان كثيرة يتحول هذا النجاح الى لعنة . لقد كان تحدياً كبيراً لعاطف الطيب ، حيث أنه لم يستسلم لذلك التردد والحيرة ، وقدم (التخشيبة) . هذا بالرغم من أن هذا الفيلم قد جاء أقل مستوى من فيلم (سواق الأتوبيس) ، وكان المأخذ أساساً على السيناريو . ــ فاصل موسيقي ــ يحكي فيلم (التخشيبة) عن الطبيبة (نبيلة عبيد) التي تجد نفسها متورطة في تهمة لا أساس لها من الصحة ، إنطلاقاً من حادث سيارة بسيط جر عليها مصائب لم تتوقعها تماماً . لذلك تمضي أيامها بين أقسام الشرطة وأجهزة الأمن وغرف المستشفيات ، منتظرة أن ينجح محاميها (أحمد زكي) في إثبات براءتها . وفي هذه الأيام العصيبة ، تشهد الطبيبة تهاوي القيم الإجتماعية والمبايء الإنسانية من حولها ، فنراها تندفع للإنتقام من الرجل سبب الفضيحة (حمدي الوزير) . ــ فاصل موسيقي ــ الفيلم في نصفه الأول ذو إيقاع سريع موحٍ ومناسب للتفاصيل التي تتعرض بالنقد للإجراءات الروتينية التي تتعرض لها الطبيبة داخل قسم الشرطة وخارجه . فقد تبدت مهارة السيناريست وحيد حامد في تجميعه لأغرب مواد القانون والإجراءات الحكومية ليصنع منها ما يشبه بيت العنكبوت الذي يلتف حول الضحية ليزهق أنفاسها . كما نجح السيناريو في الإحتفاظ بعنصر التشويق في بناء الأحداث ، فكان النصف الأول من الفيلم مغلفاً بالغموض والتوتر . فالفيلم لا ينفي ولا يؤكد ما إذا كانت الطبيبة بريئة أم مذنبة ، إنما يدع المتفرج يلهث وراء الأحداث . ــ فاصل موسيقي ــ إن المتفرج هنا ، يبدو مشوشاً ، تماماً كالطبيبة والمحامي . ولكن في سبيل تحقيق هذا الهدف ، فقد ضحى السيناريست بالتعمق في جزئيات هامة ، كأن يقترب مثلاً من معانات المحجوزين داخل التخشيبة ، فهناك بالقطع نماذج إنسانية تستحق التوقف عندها . كما أنه ضحى بالتعمق في موقف المجتمع من إنسانة تجد نفسها فجأة متهمة في سمعتها وشرفها . وإكتفى برسم تلك الشخصيات الثانوية السطحية التي تعلن موقفها الإجتماعي من الضحية بشكل متسرع ودون أية مبررات منطقية . وكأن السيناريست قد تعمد بأن يلغي كل هذه الشخصيات من حول بطلته ، حتى تواجه مصيرها بمفردها . ــ فاصل موسيقي ــ كما أن الفيلم قد وقع في الخلط بين قضيتين ، الأولى نقد هذه الإجراءات ، والثانية المطالبة بوضع خاص لهذه المرأة بحكم مهنتها كطبيبة متعلمة و»بنت ناس« . وهذا مما جعل الفيلم يفقد أرضيته الإجتماعية ليتحول الى قضية خاصة وفردية . ويتأكد ذلك في النصف الثاني من الفيلم ، حيث أصبحت تلك الإجراءات التي أدانها الفيلم في نصفه الأول ، إجراءات سليمة وضرورية بالرغم من تعقيدها . ــ فاصل موسيقي ــ لقد كان على الفيلم التركيز أكثر على سوء المعاملة داخل أقسام الشرطة ، وعدم الإهتمام في توفير الأماكن اللائقة بالبشر اللذين تلقى بهم الظروف داخل حجرات الحجز الكئيبة ، ويقعون تحت رحمة مسؤولين يتلذذون بإستعراض عضلاتهم وسلطاتهم . أما الفيلم في الربع ساعة الأخيرة منه ، فقد تحول الى فيلم بوليسي مثير ، يؤكد المنطق الفردي . خصوصاً النهاية التي جاءت غير مقنعة ، بل إنها ـ في تصورنا ـ جاءت لتلبي رغبة الجمهور العريض في رؤية الشر وهو ينال عقابه ، ولكنها درامياً قد أضرت بالفيلم كثيراً وبدت مفتعلة . ــ فاصل موسيقي ــ بالنسبة للإخراج ، فقد تميز أسلوب عاطف الطيب بالبساطة الشديدة في إختيار زوايا التصوير واللقطات حتى لا تكاد تشعر بوجود المخرج . فقد إنسجم أسلوب المخرج هنا مع أسلوب السيناريست وتوحدا معاً ، فإختلطت رؤية المخرج وإحساسه الفني بالروح الدرامية للشخصيات الرئيسية والثانوية . إلا أن هذا الإنسجام لم يمنع في أننا لمسنا نوعاً من التكنيك الجيد ، فالمونتاج الناعم والمنسجم مع روح الأحداث ، وزوايا التصوير والكوادر الفنية الموفقة ، والأداء التمثيلي الجيد من أبطال الفيلم ، كلها أمور ساهمت كثيراً في نجاح الفيلم . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري ( الدرجة الثالثة) ، بطولة أحمد زكي وسعاد حسني ، ومن إخراج شريف عرفة . وهو إنتاج عام 1988 . ــ فاصل موسيقي ــ مرة أخرى مع المخرج شريف عرفة ، وفيلمه الثاني (الدرجة الثالثة ـ 1988) . وقد عرض هذا الفيلم ، بعد أن سبقته دعاية واسعة ، بدأت قبل شهور طويلة من بدء الإعداد له . فالفيلم يجمع ـ وللمرة الثانية ـ ما بين النجمة الكبيرة سعاد حسني والنجم الأسمر أحمد زكي .. إلا أن هذا لم يشفع للفيلم عند الجمهور المصري . فقد واجه (الدرجة الثالثة) كساداً غير متوقع في دور العرض المصرية ، علماً بأن الفيلم قد عرض في موسم عيد الأضحى ، وهو موسم من بين أهم المواسم السينمائية التي ينتهزها المنتجون لتحقيق أكبر عائد مادي وتجاري . ــ فاصل موسيقي ــ فقد راهن صناع الفيلم على وجود موضوع جماهيري بين أيديهم يتحدث عن كرة القدم وجماهيريتها ، وهي اللعبة الأكثر شهرة بين فئات المجتمع . هذا إضافة الى ـ ماسبق وذكرنا ـ وجود نجمين كبيرين لدعم هذا الموضوع ، كما رصد للفيلم ميزانية ضخمة . كل هذه الأسباب جعلت صناع الفيلم يتفائلون بالنجاح الجماهيري للفيلم . لذا جاءت النتيجة مفاجأة غير متوقعة تماماً .. حتى أن الفيلم لم يستطع الصمود وتحقيق مردود يذكر في أسبوعه الأول . ــ فاصل موسيقي ــ فكرة الفيلم التي ، الذي كتبها السيناريست ماهر عواد ، تدور حول الصراع ما بين مافيا المجتمع وبين الناس البسطاء العاديين الذين يحبون بتلقائية ويعطون ويخلصون من دون حدود ودون مقابل . وسيناريو الفيلم يناقش مشاكل الكرة والنادي واللاعبين والجمهور الكروي .. لكنه أيضاً يتخذ من كل هذا بعداً سياسياً مباشراً وموازياً للأحداث . ــ فاصل موسيقي ــ إن الفيلم يبلور العلاقة بين جمهور الدرجة الثالثة الكادحين وبين رواد المقصورة الرئيسية المرفهين .. الأولين يتحملون حرارة الشمس وبرودة الشتاء من أجل تحميس الفريق وفوزه ، والآخرين نراهم يجلسون في المقصورة المريحة مستفيدين من نفس الإنتصارات والفوز الذي يحققه الفريق . وعندما يحاول جمهور الدرجة الثالثة الحصول على بعض الإمتيازات والحقوق ، يثور عليهم السادة ويدخلون معهم في صراع يستمر طوال أحداث الفيلم ، ويتصاعد لتتوتر العلاقة فيما بين الطرفين متخذة شكل العلاقة بين السيد والمسود .. بين الحاكم والمحكوم . ــ فاصل موسيقي ــ يتم إختيار سرور (أحمد زكي) ليكون همرة الوصل بين طرفي الصراع ، وهو الإنسان البسيط الساذج الذي يستغل من قبل إدارة النادي .. الى أن تحدث لحظة التنوير للبطل ، الذي تم إختياره من قاع المجتمع ، والذي مع الوقت يصدق نفسه فرحاً بوضعه الجديد هذا . إلا أنه وبمساعدة زوجته نعناعه (سعاد حسني) وأصدقائه يكتشف أن لهذا التغيير ثمناً لابد أن يدفعه .. هنا تبدأ لحظة التنوير . صحيح بأن فكرة الفيلم هادفة ، إلا أن هذا لا يكفي لإنقاذ الفيلم وإعطائه صفة الجودة . فقد وقع السيناريو في أخطاء وسلبيات فيما يتعلق بالبناء والحبكة والسرد الدرامي . فالسيناريو في في ثلثيه الأخيرين جاء تقليدياً وفقد الكثير من عناصره الجيدة والحيوية التي بدأ بها . فقد تضافرت عناصر الفيلم (تصوير ومونتاج وموسيقى وإخراج) في الثلث الأول وأعطت مشاهد تميزت بالقوة والجمال الفني . كما في المشهد الإفتتاحي قبل ظهور العناوين ، والذي لعبت فيه الموسيقى والمونتاج دوراً هاماً في التأثير على المتفرج وإبهاره بالفكرة الجديدة والمبتكرة . ولكن بشكل عام لم تتجاوز المواقف والأحداث ذلك السرد الدرامي التقليدي ، وحتى السلذج في بعض المشاهد . حيث تذكرنا بنفس الطرق البدائية في التفكير ، والتي كانت سائدة في الستينات لصنع الأفلام الهادفة ، وهي التي عبرت عن فترات التحولات السياسية والإقتصادية الصاخبة . ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة للإخراج ، فقد حاول المخرج جاهداً إنقاذ السيناريو من تلك السذاجة التي سيطرت على البناء السردي فيه . هذا بالرغم من أن الإيقاع جاء متذبذباً مابين السرعة والبطء والتشويق والإملال . فقد قدم شريف عرفة مستوى فني جيد يتميز بلمحات إخراجية جمالية ذكية .. هناك مثلاً المشهد الفنتازي لإجتماع جمعية حبايب النادي في وسط الملعب .. ومشهد حفل زفاف سرور ونعناعة في النادي . هذا إضافة الى المشهد الختامي ، حيث البراعة في التنفيذ والسيطرة على مجموعة العناصر الإخراجية . وبشكل عام ، إحتوى الفيلم على الكثير من المشاهد واللقطات المدروسة بعناية ، ساهمت كثيراً في الإرتقاء بالصورةالسينمائية وإعطائها أبعاداً جمالية فنية معبرة .. وقد كان لوجود مدير التصوير (محسن نصر) بخبرته الطويلة دوراً فعالاً في تجسيد كل ذلك . كما ينبغي الإشارة الى موسيقى (مودي الإمام) ، والتي ساهمت بشكل مؤثر وموحي في التعليق على الأحداث الدرامية وإثراء المجال السمعي والبصري في نفس الوقت . حتام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 45 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (دعاء الكروان) ، بطولة فاتن حمامة وأحمد مظهر ، ومن إخراج هنري بركات . وهو إنتاج عام 1959 . ــ فاصل موسيقي ــ "دعاء الكروان" فيلم أقل ما يقال عنه إنه من بين أفضل الأفلام التي قدمتها السينما المصرية .. فقد جاء في الترتيب السادس في قائمة أفضل عشرة أفلام في تاريخ هذه السينما ، وذلك في الإستفتاء الذي أجرته مجلة " فنون" المصرية عام 1984. وعند التعرض لنقد أيٍ من الأفلام القديمة ، لابد لنا ـ بالطبع ـ من مراعات الفترة الزمنية والمرحلة الفنية التي أنتج فيها هذا الفيلم .. وعلى هذا الأساس ، سيكون تقييمنا لفيلم "دعاء الكروان" . ــ فاصل موسيقي ــ عرض فيلم ( دعاء الكروان ) لأول مرة عام 1959 ، أي منذ خمسة وثلاثين عاماً .. ورغم مرور كل هذه السنين ، إلا أن بريق هذا الفيلم مازال باقياً ، ومما ساهم في إستمرار هذا البريق عدة عناصر فنية ، أهمها : القصة والسيناريو والحوار ، والذي صاغهم السيناريست "يوسف جوهر" بالإشتراك مع المخرج ، معتمدين في ذلك على رواية أدبية بنفس الإسم للدكتور الأديب "طه حسين" ، هذا أولاً .. وثانياً ، وجود مخرج كبير وراء هذا الفيلم ، وهو الفنان "هنري بركات" .. أما العنصر الثالث ، فهو قيام سيدة الشاشة العربية "فاتن حمامة" ببطولة الفيلم ، وهي الفنانة ذات الحضور الجماهيري الواسع ، والخبرة الفنية التي تعدت السبعين فيلماً حينذاك . ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة لمضمون الفيلم ، والذي أصبحت قصته من كلاسيكيات السينما العربية، فهو يحكي عن "آمنة" الفتاة الريفية التي تتمرد على العادات والتقاليد في صعيد مصر ، حيث تقع أختها "هنادي" في حب ذلك المهندس العازب الذي تعمل عنده خادمة ، ولكنه يعتدي عليها ويحطم حياتها ، وبالتالي تُقتل أمام أختها "آمنة" على يد خالها . تقرر "آمنة" ، بعد أن عاهدت نفسها مع دعاء الكروان في القرية ، الإنتقام لأختها من ذلك المهندس .. وهناك ، في منزل المهندس ، تحاول أن تنفذ العهد بالإنتقام ولكنها لاتقوى ، فقد تحرك قلبها وبدأ يميل نحو هذا المهندس ، إلا أنها تدوس على مشاعرها وترفض البقاء معه وتقرر الرحيل عنه ، حيث أنها تعرف بأن طيف أختها "هنادي" سيبقى حاجزاً بينها وبينه . ــ فاصل موسيقي ــ لقد وفق السيناريو والحوار ، وبشكل كبير ، في نقل رواية "طه حسين" الى الشاشة ، خصوصاً إذا عرفنا بأن سيناريو الفيلم قد أضيفت إليه وحذفت منه وعدلت فيه بعض أحداث الرواية وشخصياتها .. وبذلك يعتبر الجهد الذي قام به "يوسف جوهر" و "بركات" ليس مجرد نقل رواية أدبية حرفياً الى السينما ، وإنما هو جهد يقترب من التأليف . ــ فاصل موسيقي ــ وعند الحديث عن فيلم ( دعاء الكروان) ، لايمكن إغفال ما لدور الحوار من قيمة فنية كبيرة أضيفت الى الفيلم ، خصوصاً إذا عرفنا ـ أيضاً ـ بأن الرواية الأصلية تكاد تكون خالية من الحوار ، فقد إعتمدت بشكل كبير على السرد الدرامي من وجهة نظر ذاتية للبطلة .. فقد كان الحوار معبراً بأسلوب وجمال عباراته عن البيئة بدقة متناهية ، ويتناسب مع ظروف الحياة والفترة التاريخية التي جرت فيها الأحداث ، هذا إضافة الى حيوية أدائه وإجادته من قِبل الممثلين . وبذلك إستطاع السيناريو أن ينجح في رسم شخصياته وتعميقها ، وخلق الأجواء النفسية والإجتماعية بما يتناسب ويعبر عن ذلك الواقع ، هذا إضافة الي مساهمة بعض التفاصيل الصغيرة الفكاهية ، المتناثرة هنا وهناك ، في خلق ما يسمي بفترات إسترخاء وراحة للمتفرج ، إستعداداً لإستقبال الحدث المأساوي التالي .. هذا الإنتقال والتبادل بين المأساة والفكاهة قد أعطى للمأساة دوراً مؤثراً وقريباً من نفس المتفرج . ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة للإخراج ، فقد قام به واحد من كبار مخرجي السينما العربية ، وواحد من أعمدة الإخراج السينمائي المصري.. فقد إشتهر المخرج "هنري بركات" بأفلامه العاطفية والغنائية ذات الطابع الرومانسي . ــ فاصل موسيقي ــ بدأت علاقة "بركات" بالسينما بعد تخرجه من كلية الحقوق ، عندما إشترك مع أخوته في إنتاج فيلم ( عنتر أفندي ـ 1935 ) .. وقد كان فشل هذا الفيلم حافزاً لظهور رغبته في أن يصبح مخرجاً ، لذلك عندما سافر الى فرنسا لدراسة القانون ، إهتم هناك بدراسة السينما أيضاً ، وتنقل بين إستوديوهات باريس ، كما شاهد كماً كبيراً من الأفلام وقرأ كل ما وقع تحت يديه من كتب ومجلات سينمائية .. ثم عاد الى مصر ليبدأ حياته الفنية كمساعد للإخراج والمونتاج في عدة أفلام ، حتى قام بإخراج فيلمه الأول ( ورد الغرام ـ 1951 ) من بطولة "ليلى مراد" و "محمد فوزي. ــ فاصل موسيقي ــ وبسبب نجاح فيلمه الأول ، فقد أخرج بعده ـ وفي موسم واحد ـ أربعة أفلام .. وكان لايخلو موسم واحد من فيلم أو أكثر له .. الى أن قدم فيلمه الكبير ( دعاء الكروان ) ، والذي كان بمثابة إعلاناً بتميزه وأهميته كمخرج كبير، وتأكيداً لقدراته الفنية المتميزة . وبذلك إستحق عدة جوائز محلية قدمتها الدولة له ولفيلمه هذا ، وهي : جائزة أفضل ممثلة لـ"فاتن حمامة" ، وجائزة أفضل ممثل لـ"أحمد مظهر" ، كما فازت "زهرة العلا" بجائزة أفضل ممثلة مساعدة .. هذا إضافة الى جوائز الإخراج والسيناريو والإنتاج . ــ فاصل موسيقي ــ أما على الصعيد السينمائي الدولي ، فقد إشتركت مصر بفيلم ( دعاء الكروان ) في مسابقة الأوسكار ، ووصل الفيلم الى التصفية النهائية ، ضمن أفضل خمسة أفلام أجنبية ، وأرسلت لجنة الأوسكار شهادة تقدير لوصول الفيلم الى التصفية النهائية ، وإن كان الفيلم لم يفز بإحدى جوائز الأوسكار .. كما أختير ( دعاء الكروان ) لتمثيل السينما المصرية في مهرجان برلين الدولي في نفس العام . ــ فاصل موسيقي ــ بعد هذا الفيلم ، بدأت تتضح بشكل أكثر الرؤية الفنية لـ"بركات" ، حيث قدم فيما بعد عدة أفلام هامة ، مثل : الباب المفتوح ـ 1964 ، الحرام ـ 1965 ، الخيط الرفيع ـ 1971، أفواه وأرانب ـ 1977 ، ولا عزاء للسيدات ـ 1980 ، ليلة القبض على فاطمة ـ 1985 .. ومن المعروف للجميع ، بأن ( فاتن حمامة / بركات ) من أنجح الثنائيات بين ممثلة ومخرج ، وأفضل أعمال الإثنان هي التي جمعتهما معاً . ــ فاصل موسيقي ــ إن من أهم ما يتميز به أسلوب "بركات" في الإخراج السينمائي ، هو قيادته للممثل ، والتي برع فيها الى حد كبير .. يقول "بركات" : ... للممثل عندي دور كبير ، فهو وسيلتي الأساسية للتعبير عن الإنسان ... .. كما يتميز "بركات" بتكوينات الصورة السينمائية المريحة جداً للعين ، والتي تخلو من الإفتعال والإستعراض الفني .. هذا إضافة الى كاميرته وحركتها الناعمة التي تتناسب والمونتاج الهاديء لهذه النعومة والشاعرية .. وقد بدى ذلك واضحاً الى حد كبير في فيلمه الآخر ( الحرام ـ 1965 ) .. والذي سيكون محور حديثنا في موضوع قادم . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (الهروب الى القمة) ، بطولة نور الشريف وإلهام شاهين ونبيل الحلفاوي وعايدة رياض وسعيد عبد الغني ، ومن إخراج عادل الأعصر . وهو إنتاج عام 1995 . ــ فاصل موسيقي ــ وفيلم (الهروب الى القمة) توليفة ميلودرامية تقليدية ، تدور حول شخصية سيد الهوا ، وهو لص صغير يهرب من مطاردة الشرطة ليقع في يد أحد رجال الأعمال الذي كان يبحث عن وجه جديد لعملياته التجارية غير المشروعة . وينتحل سيد الهوا شخصية جديدة وشكل جديد ليرتفع في سلم السياسة والمجتمع كواجهة للفساد . هذه الفكرة الرئيسية للفيلم ، إنما الفيلم كأحداث درامية ، فهو زاخر بالكثير من التوليفات والمغريات التجارية التي يوجهها الفيلم للجمهور العريض لكسب تعاطفه مع شخصياته . ــ فاصل موسيقي ــ يحكي الفيلم عن سيد الهوا (نور الشريف) الميكانيكي الفقير الذي يستغله الهجامة في فتح الخزائن في مقابل بضع جنيهات يتعيش منها هو ووالدته المريضة . وبالرغم من إعلانه التوبة ، إلا أنه يظل لصاً في نظر الشرطة . حيث يتم القبض عليه كلما وقعت سرقة في أحد المنازل لينال عقابه . صحيح بأنه ليس لصاً بطبعه ، إلا أن اللصوص يستغلون حاجته الشديدة للمال لعلاج والدته . فهو إنسان بسيط وطيب القلب ، إلا أن قسوة ضابط الشرطة همام (نبيل الحلفاوي) يجبره على الرجوع للسرقة للإنتقام . فبعد أن يهاجم همام بيت سيد ويضربه ويهينه أمام والدته ، والتي بدورها لا تتحمل كل هذا يحدث أمامها وهي التي تعرف بأن إبنها بريء ، تصاب بصدمة وتموت . ويدفعه موت والدته الى إقتحام منزل همام بدافع السرقة والإنتقام . ولكنه يفاجأ بالزوجة داليا (إلهام شاهين) خارجة من الحمام شبه عارية لتثير غرائزه فيحاول إغتصابها ويهرب . وأثناء هروبه ينجو من حادث سيارة ويختفي على إثر الحادث ، بعد أن سجل في عداد الأموات . ــ فاصل موسيقي ــ هنا يبدأ خط جديد للفيلم ، يستغله السيناريست ويصنع منه ميلودراما سوداوية تقليدية . فبعد الحادث يكتشف همام بأن زوجته حامل بعد أن ظلت بدون إنجاب طوال الجمس سنوات على زواجهما . مما يجعل الشك يتسرب إليه بأن الإغتصاب لم يكن محاولة وإنما تم بالفعل ، فيطلب من زوجته التخلص من الجنين ولكنها ترفض ، ليفرق بينهما الطلاق . أما سيد الهوا فيظهر بشخصية جديدة في المجتمع ، بعد أن إختفى عند صديقته القديمة شهد (عايدة رياض) ، والتي بدورها تقنعه على عمل عملية تجميل بالكومبيوتر ، ليتغير شكله وملامحه تماماً ، ويصبح له إسماً جديداً وهو رجل الأعمال الكبير (وجدي الزيني) ، وليكون واجهة جديدة لمافيا تجارة القمح بقيادة شهد وصديقها الجديد (سعيد عبد الغني). ــ فاصل موسيقي ــ وبمرور الزمن يصبح سيد الهوا (وجدي الزيني) واحداً من كبار المستثمرين ، ويستضيفه التليفزيون وتجرى له عدة حوارات صحفية ، ومنها تتعرف عليه داليا بصفتها الصحفية وهي لا تعلم بأنه اللص الذي حاول إغتصابها . وتصل الأمور الى أكثر من هذا ، حيث تتكون بينهما علاقة حب . وبعد أن يصبح عضواً في مجلس الشعب ، يصحو ضمير سيد الهوا ، ويرفض أن يلغي عقله على طول الخط ، بل ويرفض أسلوب شركاء السوء في التصفية الجسدية للتخلص من خصومهم . ويدخل في مشاحنات معهم ، ويعلن بأنه لن يتردد في إعلان حقيقة شخصيته مهما كلف الأمر من تضحيات . وبالذات عندما يتضاعف إحساسه بأنه يخدع الجماهير التي أحبته وإلتفت حوله وجعلته عضواً في مجلس الشعب . وأمام جمع غفير يكشف رجل الأعمال (وجدي الزيني) الحقيقة وكل الحقائق التي عرفها من تعامله مع الكبار والمرتشين ، ليكون ذلك هو نهاية حياته برصاصة مصوبة بإتقان من أعدائه المتضررين بكشف كل هذه الحقائق . ــ فاصل موسيقي ــ في فيلم (الهروب الى القمة) نحن أمام عمل تقليدي ، وفيلم آخر من ميلودرامات السينما المصرية . فالسيناريو إعتمد في صياغة شخصياته وأحداثه على نفس التيمة القديمة في البناء الدرامي التي تعود عليها المتفرج العربي . ليس هناك أي كسر لتلك التقاليد البالية التي عفى عليها الزمن . ربما هناك بناء متماسك أحياناً في رسم الشخصيات وصياغة الأحداث ، إلا أنه لم يتجاوز نطاق الدراما التقليدية ، ولم يأتي بجديد يذكر . كذلك جاء الإخراج .. متناسباً لذلك السيناريو ، ولم يحاول المخرج تطويعه والخروج به من التقليدية . ربما تكون هناك لمحات فنية نجح المخرج في تنفيذها ، إلا أنها لم تنقذ الفيلم من الوقوع في القالب القديم . وهناك إدارة جيدة من المخرج لفريقه الفني من فنانين وفنيين ، خصوصاً إدارته للممثلين .. حيث جاء أداء نور الشريف مقنعاً ، ولو أن هذا الدور ليس جديداً عليه ، حيث شابه دوره في فيلم (أهل القمة) . كذلك إلهام شاهين ونبيل الحلفاوي وعايدة رياض وسعيد عبد الغني ، الذين قدموا أدوارهم حسب ماهي مرسومة في السيناريو . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 46 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . ــ فاصل موسيقي ــ فيتنام .. والذنب الأمريكي : ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. هذا الأسبوع سنقدم لفيلمين يتحدثان عن موضوع واحد ، ألا وهو حرب فيتنام . فحرب فيتنام هو موضوع هوليوود القديم /الجديد .. الحرب/المأساة التي تولد عنها كمّ هائل من الخيبة والإحباط لدى المحارب والإنسان الأمريكي على السواء . فقدمت هوليوود هذه الحرب في أفلام كثيرة أغلبها تناول الحرب بتأثيراتها النفسية وما خلفته من شروخ وإنهيارات في المباديء والقيم لدى الشعب الأمريكي ، حيث الموت والدمار والمعاناة وبالتالي تخريب نفسية الإنسان من الداخل. وقد إخترنا هذين الفيلمين باعتبارهما من افضل ما قدم عن هذه الحرب . ــ فاصل موسيقي ــ الفيلم الأول هو (العودة الى الوطن COMING HOME ) من بطولة جين فوندا وجون فويت ، ومن اخراج الامريكي هال أشبي . وهو إنتاج عام 1977 . ــ فاصل موسيقي ــ ( العودة الى الوطن ـ 1977) هو فيلم عن هذه الحرب التي إمتد تأثيرها الى ملايين الأسر الأمريكية ، وظلت تحرك الشارع الأمريكي لفترة طويلة . ولا يمكن لأحد أن ينكر على السينما دورها الكبير الذي لعبته في هذه الحرب ، بل أنها حاربت في فيتنام تماماً كما حارب الجنود . ولأن هذه الحرب إستمرت ما يقارب العشر سنوات ، فقد كان رصيد الأفلام السينمائيةالتي تناولت هذه الحرب كبيراً ومتنوعاً . كانت هناك أفلام صنعها مؤيدوا الشعب الفيتنامي ، وأفلام صنعها أعداء فيتنام في أمريكا والغرب ، إضافة الى الأفلام التي صنعها الثوار الفيتناميين أنفسهم . وحتى بعد نهاية الحرب ، كانت هناك الأفلام الأمريكية التي تنتهج أسلوب النقد للحكومة الأمريكية ، وتحكي عن تورطها في هذه الحرب التي تركت آثاراً جسدية ونفسية على من شارك فيها ومن عاصرها . لقد كانت حرب فيتنام هي ضمير أمريكا السيء ، لذلك سيظل إنعكاسها على الأدب والفن يطل علينا من حين الى آخر . ــ فاصل موسيقي ــ إن فيلم ( العودة الى الوطن ) يعلن صراحة بأنه ضد هذه الحرب ، متناولاً ما خلفته من شروخ وإنهيارات عند الفرد داخل المجتمع الأمريكي ، ومتعمداً أن لا يقدم مشاهد للمعارك الحربية داخل فيتنام . والفيلم ككيان درامي يقوم على ذلك الثالوث التقليدي للأفلام الميلودرامية : الزوج + الزوجة + العشيق ، لكنه يقدم هذا الثالوث على أرض ملتهبة بالأحداث ، فيغير من بناء وإنفعالات الشخصيات ، ليعطي مضامين وأفكار جديدة . فالعشيق هو من خاض تلك الحرب ، فتركت بصماتها على جسده وعقله فإنطلق يحذر منها . والزوج هو المخدوع بالحرب وإعلامها ، الذي يقوده الى مصير مؤلم هو الإنتحار . أما الزوجة فهي الشاهدة على هذه المأساة التي أحرقت كل شيء . تتحدث بطلة الفيلم »جين فوندا« ، التي شاركت في الإنتاج وتدخلت في ضياغة فكرته وجمعت مادته من خلال لقاءاتها مع الجنود العائدين من الحرب ، فتقول : ... لقد إتخذت قراري بالمشاركة في هذا الفيلم عندما شعرت أنه من خلال دوري يمكنني أن أقول الحقيقة التي يجب أن تقال ... . ــ فاصل موسيقي ــ أما مخرج الفيلم فقد إستطاع ، بعد أربعة شهور تصوير وثمانية شهور إعداد للعرض ، أن يقدم فيلماً إنسانياً قوياً ومؤثراً ، يحوي نسيجاً درامياً موحياً لفترة أواخر الستينات ، ويحمل تلك الخلفية الكئيبة لحرب فيتنام . يقول المخرج »هال أشبي« : ... نحن نوجه برسالة الى المجتمع العالمي ، وبالذات هذا الجيل الجديد من الشباب الذي يعرف فقط بأنه كان هناك حرب شنتها أمريكا ضد فيتنام .. حرب إنتهت بالعار والهزيمة للجيش الأمريكي ، ولكنه لا يعرف كيف أثرت هذه الحرب على مصائر الأسر والمجتمع الأمريكي ككل ... . ــ فاصل موسيقي ــ رسالة الفيلم قد وصلت بشكل قوي ومباشر للمتفرج ، حيث نتائج هذه الحرب أمامنا ، هي جنود مشوهون في المستشفيات ، وآلام هذه الحرب هي النغمة الوحيدة والمستمرة طوال الفيلم من خلال الأجساد المشوهة ، ومن خلال علاقة الزوجة بالجندي المقعد ، هذان الممثلان قدما أداءاً قوياً ومؤثراً ، أضفى على شاعرية ومتعة جمالية ، خصوصاً »جون فويت« الذي إستحق جائزة أفضل ممثل في مهرجان كان الدولي عام 1978 . ــ فاصل موسيقي ــ أما الفيلم الثاني الذي يتناول هذه الحرب من جانب آخر فهو الفيلم الامريكي ( بلاتون PLATOON) ، من اخراج الامريكي اوليفر ستون . وإنتاج عام 1986 . ــ فاصل موسيقي ــ يتناول فيلم (بلاتون) حرب فيتنام من وجهة نظر مخرجه »أوليفر ستون« والذي كتب السيناريو أيضاً . ففي مؤتمره الصحفي الذي عقده بعد عرض الفيلم في مهرجان برلين عام 1987، أعلن بأنه يقدم وجهة نظر جديدة في هذه الحرب . ويعتقد بأن السبب الأول في هزيمة أمريكا في حرب فيتنام هم الجنود الأمريكيون أنفسهم .. ... لقد هزمت أمريكا عندما إبتعد الجنود الأمريكيون عن الأخلاقيات أثناء الحرب .. عندما قاموا بقتل المدنيين الآمنين من الأطفال والنساء في المدن .. عندما بدأوا يتشاجرون ويقتل بعضهم بعضاً في الغابات الملتهبة بنار البارود وحرارة الشمس والأحقاد .. عندما أخذوا يدخنون الماريجوانا لكي ينسوا أهوال الحرب ... . ــ فاصل موسيقي ــ يجسد المخرج وجهة نظره هذه ، من خلال شخصية جندي أمريكي في مقتبل العمر إسمه »كريس« ، وهو شاب من أسرة غنية هجر دراسته الجامعية لكي يتطوع في حرب فيتنام . فهو يبدأ الحرب حالماً مثالياً يتطلع الى خدمة وطنه . تحوله الحياة العسكرية في أدغال فيتنام الى وحش قاتل . فهو لا يقتل الجنود الفيتناميين فقط ، وإنما يقتل قائد فصيلته الجريح إنتقاماً لأحد أصدقائه من أفراد نفس الفصيلة . لقد جعل كريس من نفسه قاضياً وجلاداً في نفس الوقت . إنها تجربة شاب صغير بريء يدخل تجربة حرب مروعة ، يقتل فيها الجنود الأمريكان كل من يقابلهم من الفيتناميين ، حتى الشيوخ والنساء والأطفال . إن المخرج أوليفر ستون يقدم من خلال فيلمه هذا ، إدانة جديدة لأمريكا وجنودها ، كما يقدم إدانة لكل الحروب بشكل أو بآخر . لقد قدم المخرج فيلماً متقناً في حرفيته ، يعد من بين أهم أفلام الحركة والتكنيك السينمائي الأمريكي ، ولكن هذا لا يجعله يتميز كثيراً عن الجيد من أفلام حرب فيتنام . ــ فاصل موسيقي ــ بالرغم من هذا ، إلا أن الفيلم حاز على نجاح تجاري وفني هائل في أمريكا عند عرضه هناك . هذا إضافة الى ترشيحه لسبع جوائز أوسكار ، وقد فاز بأربع منها ، أهمها : أوسكار أفضل فيلم وأوسكار أفضل إخراج . وقبل ذلك حصل المخرج على جائزة الدب الفضي كأفضل مخرج عن نفس الفيلم في مهرجان برلين الدولي . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (إمرأة مطلقة) ، بطولة محمود ياسين وسميرة أحمد ونجلاء فتحي وفريد شوقي ، ومن إخراج اشرف فهمي . وهو إنتاج عام 19986 . ــ فاصل موسيقي ــ حرصت السينما المصرية ، منذ نشأتها ، على إشراك المرأة في الافلام . فلم يكن هناك فيلم الا وتحدث عن المرأة .. فهي الحبيبة ، الزوجة ، العشيقة ، الأم ، الأخت . إنما قليلة هي الافلام التي تحدثت عن المرأة كصاحبة جق ، بل نادرة هي الافلام التي ناقشت الجانب الآخر من مشاكل المرأة وحياتها . غالبية الافلام ، إن لم نقل جميعها ، تناولت حياة المرأة بسطحية تصل الى حد التفاهة والسذاجة . حتى الافلام التي صنعتها المرأة كمخرجة او كمنتجة في بدايات السينما المصرية ، لم تفعل عكس ذلك . الى أن جاء المخرج سعيد مرزوق بفيلمه (اريد حلاً) عام ،1975 ليدافع عن المرأة وحقها في موضوع الطلاق . ــ فاصل موسيقي ــ ثم جاءت لنا سينما الثمانينات بمجموعة من الافلام التي تناقش قضايا المرأة الخاصة ، كما شهدت هذه المرحلة بالذات ميلاد عدد من مخرجات وكاتبات الدراما من النساء ، أمثال المخرجة إيناس الدغيدي وفيلمها الاول (عفواً أيها القانون) عام ،1984 والمخرجة إنعام محمد علي بفيلمها التليفزيوني (آسفة أرفض الطلاق) عام 1985 . هذا إضافة الى فيلم (ملف إمرأة) عام ،1986 للمخرجة نادية حمزة ، وفيلم (القانون لايعرف عائشة) في نفس العام للمخرجة علوية زكي . وجميعها افلام ناقشت قضايا المرأة ومشاكلها الملحة ، ودافعت عن حقوقها الاجتماعية والمدنية . ــ فاصل موسيقي ــ وفيلم (إمرأة مطلقة) ، والذي نحن بصدد تناوله ، هو من ضمن هذه النوعية من الافلام . الفيلم مأخوذ عن قصة للكاتبة »حُسن شاه« وهي التي كتبت قبل ذلك فيلم (اريد حلاً) . ومن المعروف أن فيلمها الاول فد ساهم كثيراً في ظهور القانون الذي إشتهر بقانون »جيهان السادات« ، والذي ينص على ان الشقة من حق الزوجة . وحُسن شاه في فيلمها الثاني (إمرأة مطلقة) تناقش حيثيات نفس القانون وتكشف عن سلبياته . فالشقة هنا من حق الزوجة اذا كانت حاضنة فقط ، وان لم تكن حاضنة فلاحق لها في الشقة على الاطلاق ، ومكانها الوحيد الشارع . ــ فاصل موسيقي ــ وتواصل حُسن شاه ذلك الاتجاه الذي بدأت به كتابتها للسينما ، ألا وهو محاولة تغيير الواقع الاجتماعي المتخلف الذي تعيشه المرأة المصرية والعربية . كما انها تستطاعت استغلال دراستها للسينما ، بجانب ثقافتها القانونية ، في المزج بين القانون والفن السينمائي . ــ فاصل موسيقي ــ يحكي الفيلم عن زينب (سميرة أحمد) الممرضة التي تعمل وتكافح لبناء عش الزوجية مع زوجها الموظف الصغير (محمود ياسين) ، حتى يكبر ويحتل مركزاً مرموقاً في احد البنوك ، والذي يكتشف بعد ثمانية عشر عاماً من الزواج انها لم تعد تناسبه في وضعه الجديد . فيفاجئها بالطلاق بعد ان دخلت حياته فتاة اخرى (نجلاء فتحي) . تجد زينب نفسها معرضة لأن يلقى بها في الشارع .. تجد نفسها في مواجهة جحود الزوج وجمود القانون وقسوته ، إلا ان الامل في احتفاظها بالشقة يتجدد عندما تكتشف بعد الطلاق بانها حامل وان هذا الحمل يعطيها الحق في ان تعيش في نصف الشقة ، ويكون النصف الآخر من حق مطلقها وزوجته الجديدة . ــ فاصل موسيقي ــ نحن هنا امام إمرأة يتحتم عليها ان تعود الى شقتها تحت حماية الشرطة ، لتتقاسم الحياة مع الرجل الذي رفظها وزوجنه الجديدة ، ولتعاني من الغيرة والعذاب وهي تشاهدهما يقيمان سعادتهما على أنقاض حياتها . كما ان الفيلم يحكي عن تلك المفاقة والحالة الانسانية الغريبة ، حيث ان القانون قد جعل زينب تفرح بالطفل الذي تحمله في احشائها ، ليس فقط لانه من اعظم نعم الله للزوجة ، وإنما لانه ايضاً سوف يحميها من ان يلقى بها في الشارع . بهذا يكون الفيلم بمثابة صرخة تحذير قوية موجهة ضد قانون الاحوال الشخصية الذي يمتهن المرأة ، ويمتهن قيمة الطفل ايضاً ، ويجعل منه ذريعة قانونية للاحتفاظ او عدم الاحتفاظ بالشقة . حصل هذا الفيلم على شهادة تقديرية من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لعام 1986 ، وذلك ربما لفكرته الجريئة في مناصرة المرأة والدفاع عن حقوقها . فالفيلم ، في ما عدا فكرته ، لا يحمل اي جديد . فهل هناك مايمكن ان يقال عن السيناريو والحوار والاخراج مثلاً ؟ فأشرف فهمي مخرج الفيلم قدم اسلوباً سردياً تقليدياً ، اعتمد فيه على سيناويو تقليدي ايضاً ، وعلي حوار كثيف وثرثار وزائد في احيان كثيرة . كما انه لم يقدم اية لمسات اخراجية فنية تذكر . وكانت الفكرة فقط ، إضافة الي الأداء التمثيلي القوي في احيان كثيرة ، وراء نجاح فيلم (إمرأة مطلقة) وحصوله على التقدير . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 47 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (أحلام المدينة) ، بطولة ياسمين خياط وباسل الابيض ، ومن إخراج محمد ملص. وهو إنتاج عام 1982 . ــ فاصل موسيقي ــ إن مشاهدة الأفلام العربية (سورية ـ مغربية ـ جزائرية ـ تونسية) حلم أي متفرج عربي . فالكل يعرف بأن شركات التوزيع السينمائي لا تهتم تماماً إن كان الفيلم العربي يصل أو لا يصل الى المتفرج العربي ، وهي مهتمة فقط بتسويق الأفلام المصرية والأمريكية والهندية ، والتي لها الجمهور الأكثر وتدر الأرباح الكثيرة على أصحاب دور العرض . ــ فاصل موسيقي ــ من خلال متابعتنا للسينما العربية ، تكاد الفرحة تغمرنا عند مشاهدتنا لفيلم عربي ما ، قد نجد فيه بعض الجديد والجدية في التناول ، أو نجده يحاول الخروج عن تلك النمطية السائدة التي تلازم أفلامنا العربية ، والتي يصعب علينا ـ في غالبيتها ـ أن نقول بأنها نتاج ثقافة عربية . ربما هي كذلك كعناصر وإنتاج ، ولكنها ليست عربية كفكر ورؤية . فكيف لو كان هذا الفيلم هو السوري ( أحلام المدينة ) للمخرج محمد ملص ، هذا الفيلم الذي جلب معه عند عرضه في البلاد الأخرى ضجة كبيرة لجودته وجدته وصدقه الذي أبهر الكثيرين . وبالرغم من أنه قد مضى ما يقارب العشرة أعوام على عرضه الأول ، إلا أنه مازال حياً في الذاكرة . وقد كانت لي مشاهدة أخيرة لهذا الفيلم ، فهو فيلم خاص عن الواقع العربي السياسي والإجتماعي في إحدى مراحله التاريخية الهامة ، لقد غير هذا الفيلم مفاهيم قديمة ، وقلب كل النظريات السينمائية التي نتعامل معها ، وجعلنا نشعر بأن شيئاً ما قد هزنا وحرك أحاسيسنا ، وفرض علينا متابعة مشاهده بعقولنا قبل مشاعرنا . ــ فاصل موسيقي ــ إن ( أحلام المدينة ) كان الفيلم الروائي الأول لمخرجه محمد ملص ، والذي تخرج من معهد السينما في موسكو . وبالرغم من هذا فهو يفتتح فيلمه الأول بمشهد عبقري ومثير وإستفزازي في نفس الوقت . بيت قديم مغلق النوافذ ، ومن وراء زجاج النوافذ الشفاف نرى مجموعة من الحمام الأبيض تحاول الإنطلاق الى الخارج ، إلا أن الزجاج يمنعها من تحقيق ذلك ، فتصطدم أجنحتها بالحواجز البلورية محدثة صوتاً يشبه الصرخات المذبوحة . يزداد عدد الحمام وتزداد الصرخات مع رفرفة أجنحتها وهديل أصواتها ، الذي يلسعنا وكأنه يستنجد بنا لتخليصها من هذا السجن وإطلاق حريتها . إن لهذا المشهد تأثيراً كبيراً على مسار الفيلم ، فهو تعبير عن الجو السياسي والإجتماعي الذي تعيشه دمشق في ظل الحكم الديكتاتوري الملىء بالعنف والكبت ومصادرة الحريات . ــ فاصل موسيقي ــ إن فيلم محمد ملص يحكي قصة من صميم الحياة الشعبية الأصيلة ، ذات أجواء تعكس الواقع المعاش من خلال الأحداث السياسية التي إكتوت بها ضمائر الناس جميعاً . إذاً هناك مساران متمازجان يعتمد عليهما الفيلم .. مسار تاريخي ومسار قصصي . المسار التاريخي يستعيد فيه المخرج فترة النهوض الوطني الذي شهدته سوريا ، منذ إعلان سقوط حكم العقيد »أديب الشيشكلي« ، والمصالحة الوطنية التي تلت ذلك ، والتي نشأت عنها الجبهة الوطنية التي قادت الإنتخابات في سبتمبر 1954 ، هذه الإنتخابات التي أسفرت عن إعادت »شكري القوتلي« الى السلطة كرئيس للجمهورية . وتنتهي أحداث الفيلم بإعلان الوحدة مع مصر في فبراير 1958 ، مروراً بتأميم القناة والعدوان الثلاثي وتأثيرهما على الشارع السوري . ــ فاصل موسيقي ــ أما المسار الثاني ، فيروي قصة إمرأة شابة (ياسمين خلاط) يموت زوجها في بداية الخمسينات ، فتعود الى البيت الأبوي في الحارة القديمة ومعها طفلان . وأمام خشونة الجد (رفيق السبيعي) وبخله الإسطوري ، يضطر الطفل (باسل الأبيض) إبن العاشرة للعمل كأجير كواء . بهذا ، يهدف الفيلم ـ وبشكل مخطط وواضح ـ الى التذكير بماضٍ جميل وعلاقات إنسانية حميمية وشاعرية ، والى إستعادة الأجواء الدمشقية الخمسينية ، وخاق الحنين الى تلك الفترة بكل محاسنها ومساوؤها . ــ فاصل موسيقي ــ إن (أحلام المدينة) فيلم يسجل كيفية تشكل الوعي عند الإنسان في البلاد العربية . وبما أن مرحلة الطفولة هي المرحل الأساسية التي يترسخ فيها الوعي الوجداني والروحي والفكري ، فقد إختار محمد ملص بطله الطفل »ديب« ، ووضعه في كمية من الحالات يستجيب لها في البداية بشكل عفوي وهاديء وحيادي الى حد ما ، إلا أننا نرى ـ تدريجياً ـ بأن هذه الحالات تضيف الى وعيه وعالمه الروحي والفكري تحولاً جديداً يغير من مسار علاقاته وسلوكه تغييراً طفيفاً . وحين تزداد هذه التحولات الصغيرة ، يبداً محمد ملص بوضع بطله في حالات أكبر وأعمق يمكن أن تخلق عنده ذلك الإنتقال الكيفي . وفي النهاية يلقنه الدرس من خلال العلاقات التي رآها تنمو بين الشخصيات .. »ديب« يتعلم الدرس ، أي رد الفعل .. يتعلم بأن الإنسان المهان ليس أمامه إلا العنف ، ليس المهم أن ينجح أو يفشل ، لكنه يتعلم الدرس ويهضمه . ــ فاصل موسيقي ــ إن طريق القمع يبدأها »ديب« من البيت ، عندما يضربه جده ضرباً مبرحاً . بعد ذلك يرى القمع في الشارع مصحوباً بالعنف ، حيث يشاهد الأستاذ الهاديء المسالم بضرب حتى يسقط مضرجاً بدمائه . كذلك يتلقى »ديب« ـ وللمرة الثانية ـ مثل هذا الشكل القمعي ، الضرب يقسوة من الرجل الذي كان يكتب التقارير في عهد »الشيشكلي« ، وذلك عندما يحاول »ديب« ـ وبشكل عفوي ـ إبداء تعاطفه مع جو الشارع السياسي ويردد إهزوجة (شكري بيك لا تهتم ، بنعبيلك بردى دم) . كل مايجري حول الطفل »ديب« لهو صورة صارخة للخيبة .. فالبيت خيبة والعمل حيبة والمدرسة حيبة .. طفولة منتهكة وعالم كل شيء فيه هش ولا يقوم على أساس سليم . ثم يتوج كل هذا ـ من وجهة نظر الطفل ـ بالإنتهاك والخيبة الكبرى ، عندما تعود أمه من زواج كاذب خائب ، فتسود الدنيا في عينيه . هنا يكون »ديب« قد إستوعب الدرس تماماً ويقرر الإنتقام . فهو هنا يخبىء المقص ـ أداة القتل التي إستخدمها الحشاش في بتر بطن شقيقه ـ ويلاحق الزوج المخادع ليمارس الفعل (العنف) ، إلا أنه يسقط بجسده أمام البوابة الكبيرة ، دون أن يبلغ هدفه ، بعد أن تفجر الدم من رأسه الذي أخذ يضربه بالباب وهو يائس ، في مشهد يعتبر من أهم مشاهد الفيلم . ــ فاصل موسيقي ــ لم يقدم لنا محمد ملص ولا مشهد واحد لهذا الزوج ، فقد تعمد ذلك وأراد أن يمسح هذه الفترة من على شريط الفيلم ، إلا أنه ركز أكثر على تصوير المرأة الخاطبة فقدمها في صورة الأفعى والغانية ، كما أنه قد جعل من زواج الأم عملاً أقرب الى الخيانة لنفسها ولولديها ، لكن دون أن يقدم أية إدانة واضحة لموقفها ، فهي مازالت شابة تحس بدفء الجسد وتبحث عنه .. إنها ضحية مثلها مثل إبنها »ديب« . ــ فاصل موسيقي ــ ينتهي الفيلم بمشهد من أرق وأنبل المشاهد شاعرية .. مع تباشير الإحتفال بالوحدة بين مصر وسوريا ، ووصول عبد الناصر الى دمشق ، حيث نشاهد دمشق في أحلى وأزهى ملابسها ، ونسمع أغاني الوحدة ( أنا واقف فوق الأهرام وقدامي بساتين الشام) . وفي غمرة الإحتفالات يقف »أبو النور« ، هذا الشاب الذي ملىء الفيلم بحيويته وحماسه الوطني ، ليقول لصديقه »ديب« ( بعمرك شفت القمر هيك يا دياب ، الله بذاته مع الوحدة ) . ــ فاصل موسيقي ــ (أحلام المدينة) فيلم يخلو من قصة تقليدية ، تعتمد الدراما فيها على البداية + العقدة + النهاية .. إنما يكمن العنصر الدرامي في مجموعة الأحداث والحالات التي يربطها خيط واحد . وبالرغم من أن المشهد يظل في مظهره الخارجي على درجة من البرود ، إلا أن النار تتلظى فيه من الداخل .. فكلما زاد عدد المشاهد ، نزداد شوقاً وتعلقاً بالفيلم لمعرفة الأكثر. إننا في (أحلام المدينة) أمام مخرج يقدم »سينما المؤلف« .. إنه شاعر وناقد إجتماعي ، فهو يمس التحولات الخطيرة ـ التي مرت بها البلاد ـ مساً رقيقاً ، ويتعامل بالدرجة الأولى مع الوجه الإنساني ، فنراه يعبر من خلال رفة العين .. حركة الشفة .. الهمسة .. الذوبان في اللحظة . وفي نفس الوقت ، ففيلمه يحمل نفس وحس تسجيلي ، بإعتباره يستند الى أحداث حقيقية ويحاول إعادة بنائها من جديد وبرؤية واعية للأحداث وفي شكل سينمائي جديد وشاعري . ــ فاصل موسيقي ــ وبالرغم من أن محمد ملص قد إعتمد في فيلمه هذا على الأحداث السياسية والتاريخية ، إلا أنه لا يبدو في شكل مؤرخ فالواقع التاريخي عنده لا يظهر كواقع ، بل بما خلف هذا الواقع من إنطباع في نفسيات شخصياته . ويؤكد محمد ملص ، في حديث صحفي ، بأن قصة اليفلم والأحداث التي مرت بالطفل ديب ، عرفها هو في طفولته . بل أنه تعمد ـ أيضاً ـ أن يقوم بالتصوير في بعض الأماكن الحقيقية التي تركت بصماتها على طفولته . فأعاد زخرفة ديكور البيت ، الذي عاش فيه ووالدته وشقيقه وجده العجوز ، مثلما كان في الخمسينات ، مما جعل الماضي يبدو وكأنه قد عاد حياً من جديد ، يلهب ويلهم ذاكرة المخرج بأرق وأقسى المشاعر والذكريات. ــ فاصل موسيقي ــ ولا يمكن أن ننسى الإشارة الى أن تعاون محمد ملص مع مدير التصوير التركي »أردغان أنجيني« ، قد أعطى للفيلم فرصة أكيدة للوصول به الى هذا المستوى الفني الرفيع . فأنجين هذا هو مصور الفيلم التركي الشهير ( الطريق YOOL ) ، الذي نال نصف الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي عام 1982. وإصرار محمد ملص على إستقدامه لتصوير فيلم (أحلام المدينة) لم يكن عبثاً ، بل كانت النتيجة مذهلة . الصورة عند أنجين ليست صورة عادية ، بل هي صورة قوية ذات إسهام في التعبير الدرامي الذي يريده المخرج ، إضافة الى الدور الدرامي الذي لعبته الإضاءة والتي إختارها أنجين بشكل جميل ومتميز يعكس عوالم الأحداث والشخصيات . ــ فاصل موسيقي ــ هذا هو فيلم ( أحلام المدينة ) .. فيلم من الصعب الكتابة عنه كما يكتب عن أي فيلم تقليدي .. حيث تظل مشاهدة الفيلم أقوى وأهم بكثير من أي كتابة . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (إنذار بالطاعة) ، بطولة ليلى علوي + محمود حميدة + نادية عزت + أشرف عبد الباقي + ممدوح وافي + أحمد آدم ، ومن إخراج عاطف الطيب . وهو إنتاج عام 1993 . ــ فاصل موسيقي ــ يتناول فيلم (إنذار بالطاعة) قصة حب رومانسية بين شاب وفتاة لا يستطيعان الزواج بسبب الظروف المادية . إضافة الى تيمات إجتماعية ثانوية أخرى . حيث يربط الحب بين الطالبة في الجامع أمينة (ليلى علوي) والمحامي إبراهيم (محمود حميدة) ، ولأسباب وظروف إجتماعية وإقتصادية كثيرة تمنعهما من الزواج في الوقت الحاضر ، يقرران أن يتزوجا عرفياً بحضور الأصدقاء كشهود على ورقة العقد . ــ فاصل موسيقي ــ الحبيبان يسكنان في نفس الحارة ، إلا أن أم أمينة تريد تزويج إبنتها من شاب مقتدر وغني ، وذلك عندما يبرز على الساحة العريس المنتظر (ممدوح وافي) . صحيح بأن أمينة ترفظ هذا الزواج ، إلا أنها ترضخ له بعد الكثير من الضغوط التي تسببها لها الأسرة . فيجن جنون إبراهيم ، ويتوجه الى المحكمة ويرفع دعوى إنذار بالطاعة ضد أمينة ، ويقدم للمحكمة وثائق تثبت بأنها زوجته نفسها عرفياً . ولكن إبراهيم الذي كان يتولى الدفاع عن نفسه كمحامي يخسر القضية ، إلا أنه لا ييأس ، ويصر على إسترجاع أمينة ، خاصة بعد أن يموت والده ويخسر أصدقائه ، وتصبح أمينة هي مصير حياته ولم يعد له إلا إمتلاك حبيبته وزوجته . لذلك نراه يستأنف القضية ، وتطلب المحكمة العديد من القرائن التي تؤكد شرعية العلاقة بين الزوجين . وتستمر القضية في المحكمة ، الى أن يستيقظ ضمير والد أمينة ، بعد أن تعترف له بزواجها من إبراهيم . فما كان من الوالد إلا أن يعيد الأمور الى طبيعتها ، ويزوج أمينة على إبراهيم . ــ فاصل موسيقي ــ في فيلم (إنذار بالطاعة) نحن أمام قصة عادية ، ربما تكررت أو تشابهت مع قصص الكثير من الأفلام المصرية . إلا أننا أمام سيناريو جيد ومحفز ومدروس بعناية ، نجح في تقديم قصة حب رومانسية في إطار جديد ومشوق وغير مباشر . كما نجح كاتب السيناريو (خالد البنا) في تقديم شخصيات واقعية ومرسومة بعناية ، تنطق بحوار جميل ومركز بعيد عن الثرثرة الكلامية . هذا إضافة الى الإخراج الجيد الذي حافظ على إيقاع متناغم مع الأحداث والشخصيات ، تميز بتكوينات جمالية للكادر في الكثير من المشاهد . ــ فاصل موسيقي ــ إدارة موفقة من المخرج لأدواته الفنية والتقنية ، خاصة إدارته لممثليه . تصوير جميل وشفاف حافظ على رومانسية الفيلم وواقعيته في نفس الوقت . مونتاج متناغم أعطى للفيلم بعداً واقعياً جميلاً . موسيقى درامية مؤثرة في التعبير الدرامي . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 48 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (الراعي والنساء) ، بطولة أحمد زكي وسعاد حسني ويسرا ، ومن إخراج علي بدرخان . وهو إنتاج عام 1991 . ــ فاصل موسيقي ــ هذا الفيلم دخل به بدرخان معركة فنية إشتركت فيها أسماء معروفة .. معركة كان الرابح فيها بدرخان طبعاً . بدأت الحكاية قبل خمس سنوات عندما عثر بدرخان على رواية لمؤلف أسباني مغمور بإسم (جزيرة الماعز) ، وبدأ يستعد منذ تلك اللحظة لتقديمها على الشاشة . وبعد أكثر من كتابة للسيناريو لم تتفق مع وجهة نظر علي بدرخان ، إتفق مع كاتب السيناريو وحيد حامد . ولأن بدرخان كانت له رؤية خاصة لم يقتنع بها وحيد حامد ، أصر كل منهما على أحقيته بتقديم (جزيرة الماعز) من وجهة نظره . وبدأت المعركة بين الطرفين ، والتي إنتهت بفيلمين: الأول (رغبة متوحشة) سيناريو وحيد حامد وإخراج خيري بشارة ، والثاني (الراعي والنساء) أخرجه بدرخان وشارك أيضاً في كتابة السيناريو مع محمد شرشر وعصام علي. ــ فاصل موسيقي ــ يتحدث الفيلم عن الأرملة وفاء (سعاد حسني) ، والتي تعيش ـ مع إبنتها سلمى (ميرنا) وأخت زوجها عزة (يسرا) ـ في مكان منعزل ، حيث يعيش الثلاث يستصلحن قطعة أرض ورثنها عن زوج وفاء الذي توفي في السجن . يصل الى المكان حسن (أحمد زكي) زميل زوجها في الزنزانة ، والذي يبدي إستعداداً طيباً في مشاركتهما العمل في الأرض . وبالرغم من أنه لم يكن مرغوباً فيه من الثلاث نساء في البداية ، إلا أنهن تتنافسن على حبه فيما بعد . فيعرض الزواج من وفاء ، وتختفي سلمى ليبدأ الجميع البحث عنها حتى يعثرون عليها . وبدون قصد تطلق سلمى النار على حسن . فتطلب عزة من وفاء وإبنتها الرحيل فوراً حتى تنفرد بحسن ، ولكنها تنهار في النهاية عندما تكتشف وفاته . ــ فاصل موسيقي ــ هذه بإختصار الخطوط العامة لإحداث فيلم (الراعي والنساء) ، إلا أن الفيلم لا تكمن قوته وجماله في تلك الأحداث ، إنما تكمن في ذلك الشلال الملتهب من المشاعر والأحاسيس الجياشة .. تكمن في قدرة السيناريو على إبراز الجوانب المتعددة لكل شخصية ، بمناطقها الغامضة والمضيئة .. تكمن في ذلك الرصد الموفق لتباين العلاقات وإختلافها فيما بينها . فعندما يتسلل حسن ـ الخارج لتوه من سجن دام عشر سنوات ـ الى عالم النسوة الثلاث ، تتفتح أبواباً ظلت موصدة لفترة طويلة ، ونفوساً قاربت على الجدب ، وأجساداً تشققت من الضمأ تسعى الى الإرتواء ، شأنها شأن الأرض التي يحيون عليها . ــ فاصل موسيقي ــ نحن هنا أمام ثلاث نساء آثرن الإبتعاد والعزلة عن العالم الخارجي لظروف خارجة عن إرادتهن . وإنكفأن في وسط قطعة إرض أقرب الى السجن الإختياري .. يرعونها ويرعون فيها أغنامهن .. مساحة من الأرض قريبة من بحيرة صغيرة ، تركت مياهها المالحة آثارها المدمرة علىها . ثلاث نساء يعشن عالماً يبدو من الخارج متماسكاً قوياً ، إلا أنه مليء بلحظات من الحب والكراهية ، وتتنازعهن مشاعر متناقضة .. فوفاء تعيش أسيرة للماضي ، والحب الذي ماماد يبدأ حتى قتل ، تكره المكان وتتمنى أن تغادره . على عكس عزة التي تشعر بأن الأرض جزء من كيانها .. فهي لها ولأخيها الذي فقد حياته بسبب تمسكه بوفاء .. لذلك تكرهها وتذكرها دوماً بأنها السبب في فقدانها له ، فقد كان كل شيء في حياتها . ــ فاصل موسيقي ــ أما الفتاة الصغيرة سلمى ، فلم يكن الأب المفقود بالنسبة لها سوى مجموعة من الذكريات الغامضة .. تحبه من خلال حكايات أمها وعمتها ، وهي تعيش أزمة نفسية نتيجة قسوة زميلاتها في المدرسة ، في محاولتهن لخدش تلك الصورة المثالية التي كونتها عن والدها . بدخول حسن عالم الثلاث نساء المعزول ، تتغير الكثير من المعالم . فهو يعمل في الأرض .. يقلبها .. ينتزع الحشائش البرية منها .. يغسلها .. يلقي فيها بالبذور لتنمو وتكسي تلك التربة القاحلة باللون الأخضر . وكما ينجح حسن في تغيير معالم المكان ولون الأرض ، ينجح أيضاً في تغيير النساء الثلاث وتغيير شكلهن . فقد أتى حسن الى هذا المكان باحثاً عن الأمان والحب الذي إفتقده في حياته . فهو يملك مقومات الراعي ، وهن يفتقدن الى ذلك الراعي .. يدلف حياتهن ويطرق حياتهن في وجل ، حاملاً في داخله شحنات دافئة من الحب والحنان ، لعائلة صديقه .. حيث كانت وفاء وسلمى وعزة هن محور حياة صديقه وموضوع أحاديثه ، حتى كاد حسن أن يكون جزءاً من هذه العائلة .. يعرف أدق التفاصيل عن حياة وأحلام النساء الثلاث . ــ فاصل موسيقي ــ يدخل حسن عالم الثلاث نساء وقلبه يخفق بخب وفاء ، إرملة زميل الزنزانة ، ذلك أنها عاشت في خياله من خلال عشرات القصص التي سمعها من زوجها . فمن الطبيعي أن يهيم بها وهو يراها أمامه الآن بروحها وجسدها . كما أنه يعلن أكثر من مرة ، بأنه كان مرشحاً من قبل رب الأسرة بأن يكون أحد أفرادها ، أي أنه كان مرشحاً للزواج من عزة . لذلك تتعلق عزة بهذه الأمنية الآن وتسعى الى تحقيقها . أما سلمى الصغيرة الضائعة نفسياً ، فتشعر نحو هذا القادم بمشاعر مختلطة وغامضة نتيجة تلك الأزمة النفسية التى تعيشها ، فتجده الأب والأخ والصديق ، ولكنها كمراهقة تحبه ، أو على الأقل تتصور بأنها تحبه . ــ فاصل موسيقي ــ تتجه الدراما الى مرحلة التشابك ، وذلك عندما يجد حسن نفسه محاطاً بحب النساء الثلاث . فهو يفتح نافذة الأمل أمام وفاء عندما يعلن لها عن رغبته بالزواج منها ، وهي بالتالي تعبر عن سعادتها وإحساسها ـ بصوتها المتهدج ونظراتها الهائمة ـ بإمكانية أن تبدأ حياتها من جديد . وبالرغم من أنه يحب وفاء ويهيم بها وهي تبادله هذا الشعور ، إلا أن عزة كانت قد قررت أن تستحوذ عليه كبديل للزوج المفتقد والأخ المفقود ، فقد فجر وجوده في حياتها طاقاتها الحسية والجسدية ، وإندفعت ترتوي منه رغماً عن مشاعره . أما سلمي ، فهي تدخل حلبة هذا الصراع على حسن ، كارهة إندفاع عمتها وعشق أمها له . تصفعها أمها في غضب عارم عندما تستثيرها ، لتهيم على وجهها منهارة والإرتباك مسيطراً على مشاعرها . ــ فاصل موسيقي ــ في هذا الفيلم الأخاذ ، نجح على بدرخان في تقديم نسيخ من المشاعر والأحاسيس التي غلفها بقدر كبير بالتفاصيل الصغيرة التي ساهمت كثيراً في تطور الدراما ، من غير السقوط في براثن الميلودراما الفجة . هذا إضافة الى أن السيناريو لم ينزلق الى التفسير الجنسي الغرائزي لسلوك أبطاله ، وإنما تابع تصرفات شخصياته وعلاقاتهم وهي تنمو على مهل وعلى نحو شاعري يميل الى الواقعية . علي بدرخان هنا لا يدين شخصيات فيلمه بقدر ما يحنو عليهم ويتفهم دوافعهم ويترفق بمصائرهم ويتعاطف مع سلوكياتهم ويبرر تصرفاتهم . هكذا عبر علي بدرخان عن مشاعر شخصياته من خلال بناء بصري أخاذ ، كان للكاميرا دوراً كبيراً في خلق روح شاعرية تناغمت مع الموسيقى ذات التعبير الدرامي والمونتاج المتميز بالإيقاع الحيوي والمزج الناعم الذي حافظ على وحدة الإيقاع داخل اللقطة والمشهد . كما نجح علي بدرخان الى حد كبير في إدارة ممثليه الذين قدموا طاقات إبداعية هائلة في الأداء . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (سمك لبن تمر هندي) ، بطولة محمود عبدالعزيز ومعالي زايد ، ومن إخراج رأفت الميهي . وهو إنتاج عام 1988 . ــ فاصل موسيقي ــ في فيلم (سمك لبن تمر هندي) ، نحن أمام عمل سينمائي فانتازي رائد . بل يمكن وصفه بأنه مغامرة فنية قام بها رأفت الميهي في إطار بحثه الدائم عن الجديد . وهي بالطبع مغامرة شجاعة الهدف منها هو تحطيم كل القواعد المتعارف عليها لمخاطبة المتفرج . هذا المتفرج الذي مل من هذا الكم الهائل الذي تقدمه دوائر الإنتاج السينمائي المصري . ويبقى الرهان على هذا المتفرج ، ومدى إستعداده لتقبل هذا الجديد . ــ فاصل موسيقي ــ في فيلمه هذا ، يبدأ الميهي بالتعريف بأبطال فيلمه الرئيسيين ، بشكل واقعي تقليدي مدروس وذكي . فنحن أمام الشاب أحمد سبانخ (محمود عبد العزيز) ، يعمل طبيباً بيطرياً ، يتعامل بشكل إنساني مع نماذج مختلفة من الفلاحين الذين يعتمدون في رزقهم على الحيوانات ، ونراه يرفض الإستغلال والجشع الذي يعاملهم به الممرض الذي يعمل معه . أما على الجانب الإجتماعي ، فهو يحب فتاة ومتفق على الزواج منها منذ عشر سنوات ، حيث حال من إتمام هذا الزواج العثور على شقة مناسبة أو غير مناسبة وتأثيثها . هذا بالرغم من أن حبيبته ـ وإسمها إدارة (معالي زايد) ـ تحاول أن تساعده بالبحث عن عمل ، إلا أنها تعيش في صراع دائم للإلتحاق بوظيفة على الآلة الكاتبة ، وتحاول أن تصل للرقم المطلوب ، وهو ثمانين كلمة في الدقيقة ، إلا أنها نفشل دائماً . وبالإضافة الى هذه الظروف الصعبة التي يعيشها أحمد وحبيبته إدارة ، يصله خبر وفاة والده في الغربة ، حيث سافر للعمل لتوفير حياة أفضل لأبنائه ، ويكون وقع الخبر أليماً على أحمد . ــ فاصل موسيقي ــ هذه البداية ذات النزعة الواقعية ، ليس إلا حيلة فنية ذكية من الميهي ، حتى يملك زمام المتفرج في صالة العرض ، حيث يقدم صورة عامة لمجتمع يعاني فيه الشباب صعوبة تحقيق الحياة السوية المشرعة ، علماً بأنه يقدم بطليه الرئيسيين من الناس العاديين تماماً . ومن ثم ينطلق ليقدم للمتفرج لوحات كاريكاتورية سريعة ولاهثة ، شديدة السخرية الى حد المرارة من هذا الواقع . حيث يدخلنا الفيلم في تفاصيل أحداثه الكوميدية الساخرة ، وذلك بزواج أحمد وإدارة في حجرة متواضعة في المكان الذي يمارس فيه أحمد عمله كطبيب وملاصقة لحضيرة الحيوانات المريضة . ومن ثم وقوعهما تحت تهديد أحد ضباط الإنتربول الدولي وإسمه ملاك (يوسف داود) ، والذي يعتقد بأن والد أحمد كان إرهابياً دولياً ، وإن أحمد على إتصال بمنظمة إرهابية دولية وما زال يتلقى التعليمات منها . وبالتالي يجبرهما ملاك على دخول إحدى المستشفيات المتخصصة لعلاج مشاغبي العالم الثالث للحصول على إعترافات مفصلة منهما ، بعد أن يتم غسل كل أعضاء الإنسان حتى يتوافق مع المجتمع. ــ فاصل موسيقي ــ في هذا المستشفى نرى الأطباء قتلة يأكلون لحوم المرضى ويطهون أكبادهم ويشربون دمائهم ، في لوحات فانتازية كاريكاتورية شديدة السخرية . ولأن ملاك لا يستطيع الحصول على إعترافات مفصلة من أحمد وإدارة ، فهو يطاردهما الى أن يعبرا من المشرحة الى الحياة الأخرى ، الى الجنة والنار ، ليقدم الميهي مشاهد عبثية جميلة . ــ فاصل موسيقي ــ وعلى الرغم من إحتياطات الأمن المشددة ، ينجح أحمد في الهرب من المستشفى ويتخفى في ملابس تجعله أقرب الى الرهبان ، يمتطي حماراً وينزل القرى مبشراً بالحب والعدل ويدعو الناس الى الإنظمام إليه لتحقيق الحلم بتغيير العالم ، علماً بأنه حلم رومانسي عاجز ، أشبه بدعوة المسيح المثالية . وهكذا تستمر مطاردة ملاك لأحمد وإدارة الى أن ينتهي مصيرهما الى الموت ، وينتهي الفيلم بإحتفال تأبيني كبير لهما. ــ فاصل موسيقي ــ وبالرغم من أن رأفت الميهي نجح في تقديم إسكتشات كاريكاتورية ساخرة متتالية ، متنقلاً من الخيال الى اللامعقول الى الجنون ، إلا أنه يخضع مشاهده تلك لمنطق داخلي خاص ، ويعتمد على موازنة عقلية ذكية ومدروسة بين الفن المتمرد والواقع الإجتماعي . حيث أن الأحداث والمواقف الفانتازية والكاريكاتورية ، يغلفها خيال لا حدود له ، يستمد مادته العبثية من واقع صار أشد عبثية من كل عبث فني . ختام
جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك (2004 - 2018)