ما كتبه حسن حداد
برنامج أسبوعي يعني بسحر السينما
من إعداد: حسن حداد, وتقديم: محمد الشروقي ونيلة محمد
وإخراج: محمد الجابر
برنامج إذاعي استمر عام ونصف العام في إحدى وسبعين حلقة إذاعة البحرين (مايو 1997 ـ نوفمبر 1998)
أفلام وأفلام ـ الحلقة 49 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (الزمار) ، بطولة نور الشريف وبوسي وصلاح السعدني ومحسنة توفيق ، ومن إخراج عاطف الطيب . وهو إنتاج عام 1985 . ــ فاصل موسيقي ــ يقدم لنا فيلم (الزمار) جزءاً من حياة الزمار حسن (نور الشريف) ، ذلك الشاب المطارد والمتنقل من قرية الى قرية من قرى الصعيد ، بحثاً عن الأمان والإستقرار ، ولا تتبين لنا مشكلة حسن ، إلا عندما يستقر به المقام في قرية »العرابة« بائعاً في بقالة . إنه من الشباب الطموح المغضوب عليهم من قبل النظام الحاكم . كان يوماً طالباً في الجامعة ، غاضباً على أوضاع بلا منطق ، وكان يريد أن يفتح الأبواب للشمس والحقيقة . كوَّن بكلية الهندسة فريقاً للتمثيل وإختار له منذ البداية مسرحية مشحونة بالإدانة والتعرية للزيف والزائفين ، لكن السلطة لم يعجبها هذا العرض المسرحي فأوقفته ، وإنتهى الأمر بحسن معتقلاً ثم مطارداً من غير جريمة .. جريمته أنه لا يخفي في داخله ألم الناس ومشاكلهم ، لا يستطيع السكوت على هول ما يراه . فهو ينتقل من قرية الى قرية ، ليس بحثاً عن حقيقة أو عن زمن آخر ، إنما بحثاً عن الإنسان . وهو إيضاً من الواثقين منشدي الحكمة ، الحياة عنده مواجهة وهجوم على الخنوع والإستسلام ، هجوم على كل أنواع الفساد في كل مكان . ــ فاصل موسيقي ــ إذن ، نحن هنا ، أمام بطل إيجابي ثائر ورومانسي متطهر . فالقرية الظالمة تحاول أن تحد من إنطلاقته نحو الحقيقة ، ولكنه رغم كل الإغراءات يقف وحيداً مقاوماً ولا يسمع لصوت الشر ، زاهداً من أجل الحقيقة ، لابساً كفنه بإنتظار الشهادة ، لذلك تنتهي به الأحداث مذبوحاً . ليقدم لنا الفيلم نهاية سياسية متشائمة مفرطة في المباشرة والسذاجة ، وهي مقولة »هذا هو قدر من يتصدى للفساد في كل مكان« . ــ فاصل موسيقي ــ إن (الزمار) كفيلم ، يقدم موقفاً فكرياً ثائراً ، أكثر من تقديمه لحكاية ، فالسيناريو يبني أغلب أحداثه على الحالة الإقتصادية والسياسية لمجتمع القرية بكل فئاته .. المأمور ، العمدة ، نائب المنطقة ، أصحاب السلطة والرموز المضادة لها من الفلاحين والعمال الباحثين عن لقمة العيش . فمشروع المياه يخضعهم تحت شروط قاسية ومجحفة يمليها عليهم القائمون على هذا المشروع ، الذين يتبادلون المصالح والمنفعة الشخصية على حساب المشروع ومواصفاته وتكاليفه . هذا إضافة الى أن السيناريو قد تطرق الى تفرعات جانبية أخرى ، هدفها تسليط الضوء على حالة عامة تجسدت في مفاهيم الناس والعلاقات الهامة والبنية الإجتماعية والمعيشية لمجتمع الصعيد . وهي نفس الحالة المزرية التي يرفضها بطل الفيلم (الثائر الرومانسي) . حيث نراه يحاول ، من خلال علاقاته المباشرة بأهالي القرية ، توعيتهم وبث روح الحب فيهم وحثهم على الرفض والثورة . ــ فاصل موسيقي ــ يبقى أن نقول ، بأن كل ما ذكرناه يحسب لصالح الفيلم بالطبع ، لولا أن الفيلم قدم كل هذه المعاني والأفكار النبيلة في قالب فني مباشر ، ساهم كثيراً في هبوط مستواه الفني . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (ايام الغضب) ، بطولة نور الشريف ويسرا وسعيد عبدالغني ، وهو اول اعمال الفنان منير راضي كمخرج . وهو إنتاج عام 1989 . ــ فاصل موسيقي ــ لان الفيلم يمثل ميلاد مخرج سينمائي جديد ، فهي مناسبة للحديث أولاً عن هذا القادم الجديد لعالم السينما . منير راضي خريج المعهد العالي للسينما بالقاهرة عام 1968 . عمل مساعداً للإخراج لابن عمه المخرج محمد راضي في ثلاثة من افلامه وهي ( ابناء الصمت ، المقيدون الى الخلف ، الحاجز ) . كما عمل في الانتاج المسرحي وانتج عدة مسرحيات ، مثل : الملك لير ، تاجر البندقية ، هاملت ، ومسرحية الشخص ، لشقيقته عفاف راضي . وقدم ايضاً كمنتج مسلسل البخلاء للحاحظ ، ومسلسل بيت الدمية لهنريك أبسن في 13 حلقة . ــ فاصل موسيقي ــ هذا هو منير راضي ، المخرج الذي تأجل مشروعه السينمائي الاول مايقارب العشرون عاماً . اما فيلم (ايام الغضب) ، فسيكون تناولنا له بعيداً عن كونه الفيلم الاول لمخرجه ، والابتعاد عن النقد النسبي الذي يعتمد على ماهو موجود في الوسط الفني . ــ فاصل موسيقي ــ فكرة الفيلم تعتمد على مقولة ذكرها المخرج في إحدى مقابلاته الصحفية ، مفادها هو : (عندما يتحول المجتمع الى شكل مادي فلابد ان تنهار القيم والاخلاق والمباديء) . الفكرة بالطبع جيدة ، الا ان تنفيذها درامياً جاء مخيباً للآمال . ــ فاصل موسيقي ــ تدور احداث الفيلم في مستشفى للامراض النفسية ، كما فعلت الكثير من الافلام ، مثل : طار فوق عش الوقواق ، المستشفى البريطاني ، الهروب من الخانكة . وربما يكون اختيار مستشفى الامراض النفسية تعبيراً عن المجتمع بشكل عام . او جاء ليمثل صورة نقدية للنظام السائد وقوانينه من خلال بعض الاسقاطات الدرامية الرمزية . عندما سئل مخرج فيلم (ايام الغضب) عن سبب اختياره للمستشفى للتحدث عن المجتمع ، قال : لانه المكان الاكثر حرية من اي مكان آخر ، ففي المستشفى المجانين لديها الحرية والقدرة لتقول اي شيء تريده على لسان المجنون . ــ فاصل موسيقي ــ واذا أردنا تطبيق هذا الحديث من خلال سيناريو الفيلم ، الذي كتبه بشير الديك ، فسنلاحط انه لم بستطع التعبير عن المجتمع العام من خلال المجتمع الخاص (المستشفي) ، إلا في حدود ضيقة . حيث بقى المستشفى مجرد مكان للامراض العقلية ، لا اكثر ولا اقل ، خاصة ان صناع الفيلم قد استهوتهم مشاهد الصراخ والضرب والتعذيب والاغتصاب وجلسات الكهرباء ، فاسرفوا فيها الى الدرجة التي كاد معها الفيلم ان يحمل نزعة سادية فاشية تثير المتفرج وتشحذ حماسه وتعاطفه مع الجانب الآخر . إضافة الى ذلك ، فان اسباب وتبريرات الفيلم ، بوقوع الاحداث داخل المستشفى كانت غير منطقية وغير مقنعة تماماً . فالمقدمة التي تظهر لنا بطل الفيلم راجعاً من سفر عمل دام اربع سنوات ينقصها الكثير من المبررات المقنعة ، حيث لا يعقل لا واقعياً ولا درامياً ان بطل الفيلم (نور الشريف) لايعرف ان كان اهله قد انتقلوا الى منزل آخر ، وان زوجته قد ازوجت غيره . حتى لو افترضنا انه من الممكن الا يعرف هذا امجارات الخط الدرامي للفيلم ، فالدوافع التي قدمها الفيلم لزواج الزوجة غير مقنعة تماماً . كذلك لم يستطع الفيلم اقناعنا بمبررات والد الزوجة باهدار حق زوج ابنته وابن شقيقه على هذا النحو . هذا اضافة الى النواحي القانونية التي تجاوزها السيناريو بسذاجة ، فاذا تجاوزنا نحن ماسبق من تلفيق واقتنعنا بان الزوج الجديد قد دبر امر جريمة الزوجة بسرقة الشقة المحكمة ، فكيف يمكن تجاوز موقف الشرطة والنيابة ، وموقف الاطباء والاخصائيين النفسانيين في المستشفى وحكمهم على ان هذا الشاب مريضاً نفسياً ، لمجرد ان النيابة هي التي حولته للمستشفى ولمجرد ان الزوج الجديد له علاقات ومصالح مشتركة مع احد الاطباء بالمستشفى . ــ فاصل موسيقي ــ امام كل هذا ، نصل الى اقتناع تام بان كل هذه المواقف والتصرفات قد خلقت اصلاً لتبرير دخول البطل للمستشفى باية طريقة ، حتى تبدأ الاحداث في المستشفى . وما يؤكد هذا الكلام مساعي تلك الاخصائية الاجتماعية (يسرا) لاثبات ان زواج الزوجة باطل ، محاولة منها اخراج الشاب الذي لم يكن في يوم من الايام مريضاً نفسياً في هذا المستشفى . وبالرغم من توصلها الى بعض الحقائق والبراهين على ذلك ، فهي تفشل في اخراجه من المستشفى لمجرد انها تختلف في وجهات النظر والمواقف مع ادارة المستشفى . ــ فاصل موسيقي ــ ورغم كل هذه السلبيات التي إزدحم بها السيناريو ، الا ان المخرج منير راضي ، في اول تجاربه الاخراجية ، قد حقق مستوى فني وحرفي متميز في اغلب مشاهد الفيلم ولقطاته . وبدى ذلك واضحاً من اهتمامه ودقته في اختيار كادراته وزوايا لقطاته . كما وفق في اختيار الديكور المعبر عن اجواء الاحداث الدرامية داخل كل كادر . هذا اضافة الى درجات الاضاءة والظلال التي ابدعها مدير التصوير ماهر راضي (شقيق المخرج) ، تلك الاضاءة التي ساهمت مع الديكور والموسيقى التصويرية في توصيل الايحاءات التعبيرية النفسية . ثم لا ننسى توفيق المخرج في ادارة ممثليه وعلى رأسهم نور الشريف وسعيد عبدالغني ، اما دور الهام شاهين القصير ، فقد اثبتت من خلاله انها ممثلة قديرة ، فهذا الدور القصير يعد من بين اهم ما قدمته على الشاشة. احيراً ، يمكننا القول بان كل هذا الجهد الاخراجي الجيد قد ضاع هباء في تنفيذ سيناريو ضعيف ومفكك وغير مدروس بعناية ، حيث جاء الفيلم ليمثل جسداً بلا روح . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 50 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (عتبة الستات) ، بطولة نبيلة عبيد وفاروق الفيشاوي وصفية العمري وسعاد نصر وصبري عبد المنعم وأمينة رزق وأحمد مظهر . ومن إخراج علي عبدالخالق . وهو إنتاج عام 1995 . ــ فاصل موسيقي ــ في فيلم (عتبة الستات) ، يعود الثنائي الفني : المخرج علي عبد الخالق / والسيناريست محمود أبو زيد . اللذان سبق وأن قدما مع بعض أفلام كثيرة ، بدآها بفيلم (العار ـ 1982) ومن ثم (الكيف ـ 1985) ، (جري الوحوش ـ 1987) ، (البيضة والحجر ـ 1990) . وفيلم (عتبة الستات) لا يختلف كثيراً عن الأفلام السابقة التي كتبها محمود أبو زيد وأخرجها علي عبد الخالق . فهو يدور حول نفس الإشكالية ، وهي إشكالية الصراع بين العلم والمنطق وبين الخرافات والإعتقادات البالية . ــ فاصل موسيقي ــ يحكي الفيلم عن زوجين حازم (فاروق الفيشاوي) و سهير (نبيلة عبيد) إتفقا على تأجيل إنجاب الأطفال حتى يتفرغا لذلك ، إلا أن والدة حازم الصعيدية لا تقبل بهذا الوضع ، خصوصاً أنه قد مضى على زواجهما سبع سنوات . وعندما قررا الإنجاب ، إكتشف حازم بأنه عقيم ، إلا أنه يخفي على زوجته بأن العيب منه ، ويصر على العلاج الذي يأخذه عند صديقه الدكتور (صبري عبد المنعم) . ــ فاصل موسيقي ــ تبدأ الوساوس عند الزوجة سهير في أن أم زوجها (أمينة رزق) قد سحرتها (عملت لها عمل) لأنها لا تحبها بسبب تأخرها في الإنجاب ، لأنها تمنت لإبنها زوجة من الصعيد . وتغذي هذا الإعتقاد عندها الشغالة الجاهلة مروج (سعاد نصر) . فتقنعها بالذهاب الى الشيخة هناد (صفية العمري) وهي ، كما يقول الفيلم ، من سلالة الجن . كما أن حديثها مع والدها (أحمد مظهر) كان له دور مهم في إقتناعها بقوة السحر ووجوده . تذهب سهير الى الشيخة هناد وفي إعتقادها بأن ذلك سيساهم في فك السحر عنها . فتنحرف سهير نحو طريق السحر والشعوذة والدجل ، وهو طريق مليء بالخرافة والنصب والإحتيال ، إضافة الى مصاريفه الباهضة ، حيث كلفها آلاف الجنيهات . أما بالنسبة لزوجها الذي مازال مستمراً في العلاج بالرغم من نصيحة الدكتور في أنه عليه أن يصارح زوجته بحقيقة عجزه ، كما أن الشك قد بدأ يساوره في تصرفات زوجته . خصوصاً بعد معرفته بأنها قد سحبت رصيدها في البنك بالكامل . فجأة يعرف بأن زوجته حامل .. كيف وهو مازال يتعالج .. فيجري تحليلاً عاجلاً إعتقاداً منه بأن العلاج قد أفاد ، إلا أن نتيجة التحليل جاءت مخيبة . هنا تجتاحه ثورة عارمة ويذهب الى زوجته ويجرها الى بيت والدها ليعلمها الحقيقة في عجزه وأنه قد أخفاها عنها كل هذه الفترة .. وكان سؤاله الأوحد .. من أين لك بهذا الحمل . وبإعتباره من رجال الأمن يكتشف في حملة تفتيش بأن الشيخة التي كانت تذهب لها زوجته ، كانت تخدر البنات وجلب لهن رجالاً لممارسة الجنس معهن ، وبالتالي يحملن . هنا يأتي السؤال الذي أراد الفيلم الوصول اليه .. ماذا تفعل الدكتورة سهير في هذه الحالة . ففي أحشاءها جنين لا تعرف أباه . هل تجهضه ، وهو أمر محرم في الإسلام ، أم أنها ترضى بقدرها في أن يكون وليدها مجهول الأب . ــ فاصل موسيقي ــ لقد جاء السيناريو تقليدياً في رسمه للأحداث والشخصيات ، هذا بالرغم من تلك الأفكار الجديدة التي طرحها عن السحر والحسد ، وكذلك عن أطفال الأنابيب . ومن المعروف بأن السيناريست محمود أبو زيد في أفلامه السابقة قد تطرق الى مواضيع جدلية حول العلم والدين وحول الصراع بين العلم والخرافة . وهو في فيلمه هذا يواصل نفس الموضوع ، حيث طرق كافة السبل لإقناع الدكتورة والمتفرج في نفس الوقت بفعل السحر ومصداقيته . إلا أنه قد فعل ذلك فقط في الجزء الأول من الفيلم ، أما الجزء الآخر منه فقد خلا من أي مناقشة وحوار منطقي حول نفس الموضوع ، بل أنه خصص جهده في متابعة عالم المشعوذين وطرق العلاج التي إقترحتها الشيخة المبروكة على الدكتورة سهير . ــ فاصل موسيقي ــ في البدأ أخذ السيناريو يعالج الموضوع علمياً ، ويثبت بأن السحر والحسد موضوعان مذكوران في القرآن ، وأن السحر علم مجهول مثله مثل علم التحنيط الفرعوني . وليت السيناريو إستمر في هذه المناقشة العلمية التي تعتمد المنطق في الحوار . إنما تحول الموضوع فيما بعد الى شعوذة ونصب ودجل . وقد فعل ذلك في البداية حتى يجعل المتفرج يعتقد بالسحر كعلم ومن ثم يصدمه بالحقيقة المرة . حقيقة الشيخة المبروكة ، تلك الحقيقة التي لم يكشف عنها السيناريو إلا في جزئه الأخير ، بعد أن جعل المتفرج مشدوداً لمتابعة الفيلم .. حتى أنه في المشاهد الأولى لظهور الشيخة هناد ، قد أظهرها في حوار منطقي مقبول . فكيف نفسر ذلك التحول الذي حدث لهذه الشخصية . لقد لاحظنا بأن الفيلم قد تأخر كثيراً في طرحه لموضوعه الأساسي ، حيث قدم لنا موضوعاً طويلاً عن تأخير الإنجاب ومن ثم عقم الزوج وعلاجه . هذا إضافة الى أن المبررات التي طرحها السيناريو على لسان البطل ، لا تجعله يخفي موضوعاً مهماً كهذا عن زوجته ، وكانت مبررات واهية هدفها فقط الوصول الى تلك النهاية المطلوبة . ثم كيف لنا كمتفرجين الإقتناع بأن دكتورة في الحمل والولادة مثقفة وواعية ، تنجرف الى طريق الشعوذة والدجل بهذه الطريقة . فالمبررات التي طرحها السيناريو لم تكن كافية لحد الإقناع . وكل هذه ملاحظات فات على كاتب السيناريو الإلتفات لها . ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة للمخرج علي عبد الخالق ، فهو يشكل ظاهرة فنية مثيرة . حيث أنه قادر على إقناعنا بأنه مخرج موهوب في بعض من أفلامه .. وقادر أيضاً على أن يحطم هذا التصور الذي كوناه عنه في أفلام أخرى .. يمتعنا في فيلم ، ليعود ويخذلنا في الفيلم التالي .. هذا هو علي عبد الخالق . ــ فاصل موسيقي ــ كانت البداية (أغنية على الممر ـ 1972) ، وهو الفيلم الذي يمثل الإنطلاقة الأولى في مسيرة جماعة السينما الجددة . وهو فيلم يعبر عن قوة وشجاعة وفداء رجال ضاعت بطولاتهم في ليل الهزيمة . وقد إستقبل الفيلم إستقبالاً حاراً ، سواء من الجمهور أم من النقاد . ولكن لأسباب عدة ، إضطربت مسيرة جماعة السينما الجديدة ، وتوقف مخرج (أغنية على الممر) عن العمل لمدة خمس سنوات . جاء فيلمه الثاني (بيت بلا حنان ـ 1976) مخيباً للآمال سواء بالنسبة لموضوعه الميلودرامي التقليدي ، أو حتى للغته السينمائية المتواضعة . وفي الفترة من 1976 حتى عام 1981، يقدم علي عبد الخالق أفلاماً تقليدية فاشلة ، ليخذلنا تماماً على جميع المستويات ، لدرجة الشعور بأن (أغنية على الممر) كان ضربة حظ بالنسبة لهذا المخرج ، والتي لن تتكرر ثانية . ــ فاصل موسيقي ــ فجأة ، وفي عام 1981 ، يطل علينا علي عبد الخالق بفيلم (الحب وحده لا يكفي) الذي يسترد به الكثير من المواقع التي فقدها في فيلمه الأول . حيث ينفذ الفيلم ، بفهم وبجرأة ، الى واقع السبعينات المختل . وإذا كان علي عبد الخالق بعد (الحب وحده لا يكفي) قد إنزلق من جديد في هوة الأفلام التقليدية ، فإنه ـ وعن جدارة ـ يعود ليحتل أحد مراكز الصدارة بفيلم (العار ـ 1982) الذي كان بمثابة إنطلاقة جديدة لنجم علي عبد الخالق. والفيلم دراما إجتماعية إنسانية نجحت لأنها جمعت بين الإثارة والتشويق ، وقدمت مثالاً متميزاً للتجانس بين كافة عناصر الفيلم ، خصوصاً بين السيناريو والإخراج . وقد حصل فيلم (العار) على الكثير من الجوائز ، أهمها جائزة الإخراج في مهرجان مانيلا الدولي . وبعد (العار) والشهرة التي صاحبته ، تميز مخرجه علي عبد الخالق بغزارة الإنتاج ، وأصبح يقدم بمعدل فيلمين في العام الواحد . ــ فاصل موسيقي ــ بالرغم من أن علي عبد الخالق من المخرجين الذين يطمحون لتقديم أعمالاً جادة ، إلا أنه في نفس الوقت لا يحاول الخروج من أسر السينما السائدة ، لذلك نرى مستواه الفني متأرجح وغير ثابت من فيلم الى آخر . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (ميت فل) ، بطولة شيريهان وهشام سليم وحسن حسني وأشرف عبد الباقي . ومن إخراج رأفت الميهي . وهو إنتاج عام 1995 . ــ فاصل موسيقي ــ (ميت فل ـ 1995) هو آخر أفلام المخرج المبدع رأفت الميهي .. هذا الفنان الذي إختار أسلوب الفنتازيا للتعبير عن قضايا الواقع . حيث يؤكد في فيلمه الأخير هذا على هذا الأسلوب الذي إختاره ، وهو البعد عن الأفكار والأشكال السينمائية المكررة . وهو بذلك خلق مدرسة فنية خاصة به يمكن أن نطلق عليها سينما رأفت الميهي . ــ فاصل موسيقي ــ المتتبع لأفلام رأفت الميهي يجد بأنها تتميز بعنصرين مهمين ، الأول هو ذلك التوازن بين عقلانية مركزة تحكم على الأشياء بمنطقها الخاص والذي يخرج عن المنطق المعتاد للأشياء .. وبين عاطفية مغلفة بحنان خاص يصبه الميهي على شخصياته ويجعلها قريبة من قلوبنا ، مهما كانت طبيعتها أو خروجها عن التقاليد المعروفة . أما فيلمه (ميت فل) فقد إفتقد بعض الشيء ذلك الحنان الخفي الذي يحيط به شخصياته ، فبدت باردة دون حياة ، تتحرك وفق المنطق الخاص الذي رسمه الميهي لها ، دون أن تخلق ذلك التعاطف بينها وبين المتفرج . خاصة وأن الموضوع المطروح في الفيلم موضوع حساس جداً ، يتعرض لدور الأسرة وربها في معتقدات المجتمع العربي الراسخة . ــ فاصل موسيقي ــ يعتمد فيلم (ميت فل ـ 1995) على فكرة عبثية تقوم على أساس فلسفي يركز على مبدأ الإختيار الإنساني .. ماذا يحدث لو قرر الأولاد التمرد على النظام الأسري التعسفي الذي يفرض عليهم آباء وأمهات قد لا يكونون هم المثل الحقيقي الذي يتمنونه لأنفسهم ؟ وماذا يحدث لو حقق هؤلاء الأولاد حقهم الخيالي في إختيار أم أو أب جديد لهم ؟ بطلي الفيلم دلال (شيريهان) و كمال (هشام سليم) زوجان جديدان يكتشفان في يوم الصباحية في فندق رخيص ، بإن كلاً منهما قد كذب على الآخر بخصوص موقع عائلته الإجتماعي .. فكمال زعم بأن والده يشغل منصباً هاماً ، ومن المستحيل أن يوافق على زواجه من فتاة من أسرة فقيرة ، لذا لابد أن يكون زواجهما سراً . وإذا بها تكتشف بأن والده مجرد موظف بسيط .. وهو يرد عليها بأنها قد خدعته أيضاً ، عندما زعمت بأن والدها خبير تجميل ، ثم إكتشف بأنه مجرد حلاق في حي القلعة . ــ فاصل موسيقي ــ هنا يقرر الزوجان الحبيبان أن يضربا بعرض الحائط بكل العواطف التي تربطهما بأسرتيهما ، ويبدأ كل منهما في البحث عن أب بديل .. أب ثري يحقق لهما الوجاهة الإجتماعية . فتجد دلال ضالتها في المليونير حسين أفندي (حسن حسني) وتلقي عليه بفكرتها فيتلقفها سعيداً ويطلق عليها إسم (سرمن رأى) ، فهو لم ينعم بالأبوة بإعتباره أب لإبن متخلف عقلياً أطلق عليه إسماً يعبر عن إحساسه تجاهه وهو »ياخيبتك .. يا« . بينما يفشل كمال في إيجاد أب يتبناه ، فيتقرب من المليونير نفسه وينجح في إقناعه بأن يتبناه هو أيضاً بعد أن يطلق على نفسه (ميت فل) . فيصبح الزوجان كمال ودلال شقيقين بحكم التبني مما يعقد حياتهما ، بالرغم من حصولهما على مبتغاهم من النعمة والثراء . حتى ينكشف أمرهما في النهاية ويصبح زواجهما باطلاً . ــ فاصل موسيقي ــ من خلال فيلمه هذا ، يقدم رأفت الميهي كوميديا الموقف الإجتماعي الفنتازي كعادته ، وفي الفنتازيا التي يطرحها الميهي بالذات ، نرى أنفسنا منصاعين لوجهة النظر هذه دون الحديث عن المبررات لتصرفات الشخصيات . صحيح بأن الميهي قد تسرع قبل أن يعلن عن فكرة فيلمه المجنونة هذه ، حيث لا يكفي دلال قص شعرها من قبل والدها ، حتى تمضي في تحقيق فكرة زوجها كمال في إختيار أب آخر ، إلا أننا نرى بأن ذلك كان ضرورياً لتفادي المط والتطويل للوصول الى الموضوع الرئيسي . هناك أيضاً نقطة إستوقفتنا في الفيلم ، حيث تتوقف الأحداث فجأة ودون أي مبرر ، لتقوم (سر من رأي) بأداء رقصة هندية طويلة ليس لها أي هدف درامي سوى إستغلال إمكانيات شيريهان الإستعراضية . كذلك بقية الإستعراضات التي جاءت بعيدة عن النسق الدرامي للفيلم . ــ فاصل موسيقي ــ ولكن رغم هذه التحفظات ، لا بد لنا أن نقف وقفة تقدير وإعجاب أمام هذا الفنان الذي لا يكف عن طرح أفكاره الجريئة والمتحدية لكل الأعراف والتقاليد . فماذا يمكن أن يقال عن هذا المخرج والكاتب رأفت الميهي ؟! هل يصح لنا أن نقول بأنه يمثل حالة خاصة ونادرة في السينما العربية . هل نقول بأنه فنان يطلق خياله الجميل ويجنح الى كل ما هو غرائبي وفانتازي .. أم نقول بأنه فنان يقدم الكوميديا في أفلامه الأخيرة ، بإعتبارها لا تعتمد في تركيبتها على تفاصيل الواقع بل تعلو على هذا الواقع ، وبالتالي يستطيع أن يقدم رؤية نقدية ساخرة لما يحدث في هذا الواقع . ــ فاصل موسيقي ــ كل ما ذكرناه ينطبق تماماً على رأفت الميهي ، فهو فنان يحاول الإفلات من حصار الضحالة والثرثرة التي تتحكم في غالبية الإنتاج السينمائي المصري .. فنان يقدم بإبداعاته إفتراضات لها أساس علمي صحيح ويبني عليها تداعيات ومشاهد تفجر الضحك من الأعماق ، دون إضطراره لإصطناع خفة الدم ، وهو بذلك يقدم أفلاماً كوميدية بدون ممثلين كوميديين . إذن نحن أمام فنان عاهد نفسه بأن يكون مختلفاً ، ليس رغبة في التميز وإنما لأنه يفكر بشكل مختلف ، لا يقبل إلا الجديد ولا يتحمس إلا للإبتكار .. هذا هو رأفت الميهي . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 51 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. المخرج "بريان دي بالما" ، واحداً من عمالقة الإخراج في السينما العالمية ، إستحق لقب »ملك أفلام الرعب« ، وذلك لأن أفلام الرعب التى يقدمها تتميز بإيقاع متوتر ومتصاعد يشد الأنفاس ويحبسها ، ويسيطر على مشاعر المتفرجين حتى اللحظات الأخيرة من الفيلم . أفلامه عنيفة ودموية ومليئة بالقتل ، في جرعات محسوبة بدقة وموزعة بحذر وإتقان. ــ فاصل موسيقي ــ نحن إذن أمام مخرج ذو مقدرة كبيرة في تجسيد أفكار غير تقليدية ، وحرفي جيد في إختيار زواياه الخاصة بلغة التصعيد الدرامي . فهو الذي قدم أفلاماً مثل (كـــاري CARRIE) و(درب على القتل DRESSED TO KILL) و (غضب ANGER) و (إنحسار BLUE OUT) وغيرها من الأفلام الناجحة . ــ فاصل موسيقي ــ إن إسلوب دي بالما ، في أفلام الرعب والإثارة التي أنجزها ، يعتمد على عنصر الإيحاء في خلق الإحساس الدرامي المتوتر ، أكثر من إعتماده على الإثارة وإستخدام المشاهد التي يسيل فيها الدم بجرعات كبيرة ومغززة . إنه يثير نوعاً من التوجس المشحون بالقلق لدى المتفرجين . ثم أنه يعتمد في خلق عنصر التشويق على إستخدامه للموسيقى التصويرية بشكل بارع وذكي . ــ فاصل موسيقي ــ وفي حلقتنا هذا الأسبوع ، عزيزنا المستمع .. سنتناول فيلمين من أبرز أفلام هذا المخرج الأخيرة ، هما ( الوجه ذو الندبة SCARFACE ) و (المعصومون THE UNTUCHABLE ) . وسنتحدث أولاً عن فيلم دي بالما الأخير (المعصومون THE UNTUCHABLE ) ، والذي يتميز بضخامة إنتاجه. قام ببطولة الفيلم مجموعة من خيرة الممثلين ، وعلى رأسهم العبقري روبرت دي نيرو ، إضافة الى الأمريكي كيفن كوستنر والبريطاني شين كونري . ــ فاصل موسيقي ــ إن فيلم ( المعصومون ) يأتي ضمن سلسلة أفلام العصابات الأمريكية ، مثل فيلم ( الأب الروحي ) بجزئيه ، وفيلم ( حدث ذات مرة في أمريكا ) ، وغيرها . تلك الأفلام التي تبرز المبادىء والقيم داخل الشخصية الأمريكية المثالية ، والتي تركز عليها هذه الأفلام في محاولة لإقناع المتفرج بوجود هذه الشخصية الخرافية . والفيلم يعيد الى الذاكرة المسلسل التليفزيوني (القاهرون) الذي عرض في مطلع الستينات ، ويتناول موضوع العنف والمافيا والمتمثل في شخصية »آل كابون« الذي قدمت عدة مرات في السينما ، حيث يرى صناع السينما بأن هذه الشخصية والظروف الموضوعية المحيطة بها مادة خصبة للبحث والدراسة والتحليل . لذا تم إستحضارها أكثر من مرة ، وكانت كما هي دائماً ، رمزاً للعنف والقسوة والدمار الأخلاقي والإجتماعي من أجل تحقيق أغراضها وأهدافها الخاصة ، حتى ولو أغرقت الدماء الحمراء الشاشة البيضاء بالكامل . ــ فاصل موسيقي ــ وها هو »دي بالما« يعود بشخصية آل كابون (روبرت دي نيرو) التقليدية الى الشاشة ، ليجسد ـ من جديد ـ صورة الإرهاب والعنف المتجاوز لكل قانون ، وليجسد ـ أيضاً ـ تلك الظروف الإقتصادية لمدينة شيكاغو الأمريكية وأزماتها في العقود الأولى من هذا القرن ، والتي ساهمت في تكوين نماذج إنسانية مشوهة تتحرك للهيمنة على مقدرات هذه المدينة . ــ فاصل موسيقي ــ وفي الجانب الآخر ، هناك من يحاول الوقوف ضد كل هذا العنف ويعارض كل هذا الفساد المتجذر .. هناك شخصية المحقق الفيدرالي أليوت نيس (كيفن كوستنر ) ، والذي يقف في وجه آل كابون ويوقف نزيف العنف والجريمة ، يمساعدة بعض العناصر الذي إختارها للعمل معه. إن شخصية هذا المحقق هي شخصية حقيقية ، إستطاعت أن تغير عجلة التاريخ وحركة الجريمة في هذه المدينة الأمريكية . بعد سيل من المواجهات والمعارك الدموية في مشاهد مرسومة بعناية وتمتاز بالدقة والجودة في الكتابة والتنفيذ . ــ فاصل موسيقي ــ وفي هذا الفيلم تبرز الإمكانيات التمثيلية الهائلة . فالعبقري روبرت دي نيرو ـ كما عودنا ـ يغير جلده في كل مرة ومع كل دور جديد يقدمه ، فهو يظهر في الفيلم في ستة مشاهد فقط مقابل مليون ونصف دولار ، إلا أنه يملىء الشاشة بحضوره الطاغي في شخصية آل كابون . ولمعايشة الدور وتقمصه ، قام بزيادة وزنه ثلاثين كيلو جراماً على مدى شهرين ، قام خلالها بإلتهام كميات كبيرة من النشويات والبطاطس والبيض والحلويات وشرب الحليب والإكثار في النوم والإقلال من الحركة ، حتى تحول الى كتلة بشرية ضخمة قريبة الشبه من شخصية آل كابون الحقيقية . ــ فاصل موسيقي ــ أما شخصية المحقق نيس فقد فاز بها الممثل كيفن كوستنر ، بعد منافسة حادة مع كل من ويليام هيرت وهاريسون فورد ، وكانت سبباً لنجوميته وشهرته بعد أن ظل سجيناً للأدوار الثانوية في الكثير من الأفلام . ولا يمكن ـ أيضاً ـ أن ننسى الممثل شين كونري ، والذي قام بدور الشرطي مالون . حيث قدم دوراً يعد من بين أفضل أدواره ، بعد خبرة سنوات طويلة بالعمل في السينما والمسرح . وأخيراً .. فإن (المعصومون) من الأفلام الهامة التي تجمع بين المتعة والمستوى الفني العالي والأداء التمثيلي الأخاذ . فيلم لا يمكن إلا أن يبقى في الذاكرة فترة طويلة . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الآخر للمخرج دي بالما والذي سيكون محور حديثنا في حلقتنا هذه ، فهو فيلم (الوجه ذو الندبة SCARFACE ) ، بطولة الممثل العالمي القدير آلبتشينو ، وهو من إنتاج عام ــ فاصل موسيقي ــ يقدم فيلم ( SCARFACE ) وجهاً جديداً ومعاصراً لفيلم قديم قدمه المخرج »هوارد هوكس« بنفس الإسم ، وكان هذا الفيلم هو البداية الحقيقية لأفلام العصابات ، إلا أن »دي بالما« و »ستون« كانا حريصين على أن يكون فيلمهما الجديد معاصراً . ــ فاصل موسيقي ــ إن فيلم ( SCARFACE ) في مشاهده الأولى ، يكاد يكون فيلماً تسجيلياً ، حيث يبدأ ـ وقبل العناوين ـ بوجه الرئيس الكوبي »فيدل كاسترو« يخطب في جماهير شعبه : »نحن لا نريدهم .. نحن لا نحتاجهم« ، وهو بالطبع يقصد تلك العائلات الكوبية المهاجرة التي تركت الجزيرة الصغيرة وآثرت العيش في أمريكا . 150 ألف كوبي ، سمح لهم كاسترو بالخروج للحاق بذويهم الذين هاجروا الى العالم الجديد .. الى أمريكا . ــ فاصل موسيقي ــ مع أول مشهد بعد العناوين ، تمتلىء الشاشة بوجه توني مونتانا ( آل باتشينو ) وإسم شهرته »كارا كورتادا« ومعناه »الوجه ذو الندبة« ، وهو أحد جبابرة الإجرام ، ضمن 25 ألف مجرم ، إعتزم كاسترو التخلص منهم ، فكان أن أطلق سراحهم وقدمهم هدية الى الولايات المتحدة ، مع مجموع المهاجرين . تحقق الشرطة الأمريكية مع توني بمجرد أن وصل الى جنوب فلوريدا . ومن ثم يعطى ترخيص بالإقامة في معسكر اللاجئين ، بالرغم من أن إجاباته في التحقيق تنطوي على أكاذيب في محاولة منه إخفاء ماضيه الإجرامي . وبعد أن يقتل عميلاً سايقاً لكاسترو ، يمنح بطاقة عمل ، لتكون جواز العبور الى الفردوس . ــ فاصل موسيقي ــ هنا تبدأ التراجيديا المأساوية لصعود مجرم صغير الى عرش إمبراطورية الكوكايين ، ثم كيفية سقوطه . إن توني تتوفر لديه كل الصفات التي تؤهله لأن يصل الى مبتغاه ، الى هذا العرش . فهو محباً للمال بل أنه يعبده ، وهو شجاع وجريء ظاهر الفتوة . ــ فاصل موسيقي ــ هذه الشخصية التي رسمها كاتب السيناريو »أوليفر ستون« ، لم يكتبها من الخيال أو من خبرته بعالم المخدرات وغرائبه فقط (حيث أن تجربته السابقة في فيلم »قطار منتصف الليل« كانت عرضاً لحياة مهرب مخدرات) . أثناء كتابته لفيلم SCARFACE تقابل مع حماة القانون (رجال مكتب المباحث الإتحادي) محققي جرائم المخدرات ومخبري جنايات القتل . هذا إضافة الى أنه ذهب الى الجانب الآخر الخارج على القانون ، إستمع الى أولاد الشوارع ، التجار الصغار ، الممولين الكبار . بل إنه ـ في سبيل إستكمال سعيه بحثاً عن الحقيقة ـ تابع كيف يصنع الكوكايين ، وكيف ينقل من أدغال أمريكا اللاتينية الى الضحايا بالملايين . حيث زار جزيرة »بيميني« التي تعد واحدة من عدة حلقات في سلسلة تهريب المخدرات بالبحر الكاريبي ، وكانت ـ بالطبع ـ مغامرة محفوفة بالمخاطر . ــ فاصل موسيقي ــ وبالتالي كان هذا الفيلم ثمرة مشقات ومخاطر إحتملها كاتب السيناريو ليصل الى واقعيته التي شاهدناها على الشاشة . حتى مشاهد العنف الدموية في الفيلم قد جرى تصويرها بأسلوب واقعي ، لا يشبه ـ من حيث الشكل ـ أياً من أفلام »دي بالما« السابقة . فقد أحدث أول مشاهد الفيلم العنيفة صدمة رهيبة للمتفرج . ــ فاصل موسيقي ــ في هذا المشهد نرى توني مجبراً على رؤية أحد رفاقه مربوطاً ومكمماً في غرفة إستحمام ـ بأحد الفنادق القذرة المطلة على شاطىء ميامي ـ يمزق أمام عينيه شر تمزيق بواسطة منشار كهربائي . إنه حقاً مشهد عنيف جداً ، كان سبباً في قرار الرقابة الأمريكية الى قصر مشاهدة الفيلم على الكبار فقط . وقد راعى »دي بالما« ـ عند إخراج هذا المشهد ـ أن يكون منطوياً على شخصية مهولة من العنف ، غارقاً في كمية هائلة من الدم بحيث يكون له وقع الصدمة الداهمة على المتفرج ، يعتاد بعدها على مذاق الفيلم بكل ما فيه من مشاهد تزدحم بالعنف الدموي . ــ فاصل موسيقي ــ إن المتفرج من بعد هذا المشهد ـ وطوال ساعات الفيلم الثلاث ـ لا يهتز ولا يصدم لجثث القتلى المبعثرة والدماء المتناثرة .. لا يفزع عندما يقرر توني أن يقتل غريمه ومنافسه على عرش الكوكايين .. لا يفزع عندما يقتل رفيقه »ماني« لمجرد إنه عاشر شقيقته »جينا« .. لا يفزع عندما يمسك توني بمدفع رشاش ويصوبه الى قلبه لينطلق منه وابل من الرصاص وينهار به الديكور وينتشر الدمار في كل مكان ، بعد معركة حامية الوطيس مع الفرقة الإنتحارية البوليفية التي أرسلها أباطرة الكوكايين للخلاص من توني . ــ فاصل موسيقي ــ بعد هذا الختام الدموي ، يصل الفيلم برسالته الى المتفرج . فهو يشجب مجتمعاً مريضاً بالطموح والنجاح ، والعنف فيه قد أصبح وسيلة وغاية ، فقد جعل من توني مونتانا وطموحه المجنون للسلطة والمال عبرة الزمان. ختام
أفلام وأفلام - الحلقتان 52 و 53 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بأن نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام وأفلام). عزيزنا المستمع .. فيلمنا لهذا الأسبوع هو الفيلم الأمريكي الأشهر في تاريخ السينما العالمية، والفيلم الذي حطم كل الأرقام القياسية العالمية في شباك التذاكر. فيلمنا هو فيلم المخرج جيمس كاميرون (تايتنك)، من بطولة كيت وينسلت وريكاردو دي كابريو، وهو إنتاج عام 1987. - فاصل موسيقي - الجميع اعتقد بأن المخرج جيمس كاميرون سيسقط من التاريخ بفيلمه عن الباخرة تايتنك. والثلاثمائة مليون دولار قد تضيع أو ستغرق عند صنع هذا المشروع ، ليصبح الفيلم الأغلى في تاريخ السينما .. إعادة لقطات شاملة، تأخير لمدة ستة أشهر، وأرقام خيالية للمؤثرات الخاصة، وبناية بارتفاع 775 قدم كلها دمرت بالكامل فيما بعد، في مقابل تلك الأرقام الخيالية لشباك التذاكر . فلماذا نهتم بكل هذه الأرقام ؟! فجيمس كاميرون مخرج الفيلم وكاتبه ومنتجه قد أشار مرة بأن سعر تذاكر الفيلم ستبقى كما هي، بغض النظر عن كلفة الفيلم. - فاصل موسيقي - في فيلم طويل، كمسابر أعماق البحر، تَبْدأُ رقصتهم الرّشيقةَ على سطح المحيطِ، يُنيرونَ الصورة الظليةَ الملوكيةَ الشّبحيةَ للحطامِ تايتنك. إنها الرؤيا التي حركت كاميرون خلال العامين الماضيتين، عندما خَاطرَ بذهابه إِلى مكان استراحة الباخرةِ النّهائيِ. ميلان ونصف الميلِ تحت سطحِ المحيط، والتي تبعد 400 ميل تقريباً عن ساحل نيوفوندلاند في كندا. والظاهر بأن ولع كاميرون لزّرقة المياه العميقةِ لم تكفيه في مغامرته الأخيرةِ في المحيط، في فيلمه السابق (الهاوية). - فاصل موسيقي - المسابر تَعُودُ إلى طالب الثروةِ "بروك لوفيت"، قام بالدور الممثل والمتعاونِ القديمِ مع كاميرون "بيل باكستون" في أفلام (ترمناتور 2 ، أجانب ، أكاذيب حقيقية). لوفيت يريد أَنْ يَستعيدَ الكنوز التي غرقت مع الباخرةِ، لكنه يُكشّفُ عن قصّة طويلة مَدْفُونة بَدأَت يوم غادرت تايتنك "ساوثهمبتون" في رحلتها المشؤومة. والتّعويذة التي تعود إِلى الماضيِ المصفر، هي لوحة لعذراءِ منبطحةِ على أريكةِ من العصر الإمبراطوري، لاشيء تلبس غير عقدَ بلّوريَ كبيرَ مع ابتسامة حزينةَ. وبضربةِ حظِّ قدسيةِ، وبعض المساعدةِ من تليفزيون CNN، تتقدم امرأة عجوز للاستفسار عن إذا كانوا قد عثروا على الماسة التي في الصورة، أم لا. والمرأة العجوز تدعى روز (قامت بالدور الممثلة النشيطة "غلوريا ستيوارت"، وهي في السابعة والثمانين من عمرها، ممثلة قدمت بعض الأفلام في عام 1930). تتحدث العجوز في الهاتف وتقول بأنها هي البنتُ التي في الصّورةِ، وبذلك التصريح الوحيدِ، يَخفقُ قلب "لوفيت" إِلى موقعِ المنقذة العجوز، التي أحيت عنده الآمالُ باعتبارها هي التي ستساعده في اكتشاف الكنز. - فاصل موسيقي - والقصّة هكذا تبدأ بالشابة "روز ديويت بوكاتر" بعمر 17 سنة (كيت وينسليت) من الطبقة الأمريكية العليا والمتغطرسة، بقيود المجتمع الإدواردي الصارم المتصلّب، مع أمّها "روث" المُساقة اجتماعيا (فرانسيس فيشير). "روز" أيضا مرافقة مِن قِبل خطيبها المليونير "كال هوكلي" (بيلي زان)، الذي يأمل في أن يتزوج "روز" ويعود بها إلى فيلاديلافيا، مصطحباً إياها بين ذراعيه لمجتمع راقي. وشخصية "كاثي باتس" صنعَت ظهورها كالمسافرِة الأكثر تلويناً على الباخرةِ "الغير قابلة للإغراق"، قامت بالدور (مولي برون). مُضيفاً إِلى الشّكلِ التّاريخيِ النقيبُ "إي.جْي.سميث" (بيرنارد هل)، مدير إدارة شركة الشّحنِ وربان الباخرة (جوناثان هيد)، و(فيكتور غاربير) في دور بنّاء السفن البارع ومصمّم أساسيِ للباخرة تايتنك، "توماس أندروس". والممثل الشاب (ليوناردو ديكابريو) يمثل دور "جاك داوسون"، مكرراً دور روميو في فيلمه السابق، وهو في هذا الدور الجديد فنان بعمر 20 سنة نشيط حرّ، فاز بتذكرة من الدرجة الثالثة في لعبةِ بوكر، قبل خمس دقائق من إبحار الباخرة تايتنك. وبإنقاذه روز من إلقاء نفسها في المحيط، في أول ليلة من الرحلة، يبدأ هو رحلة تحريرها من يأسها، وإطلاق روحها إِلى عجائبِ الحياةِ كل يومِ حتى النهاية، لتَقعُ روز في حبّ روحه الحرَّة الصّادقة. - فاصل موسيقي - ويؤمن كاميرون بأنّ قصّةِ الحبِّ هذه ستنقذ هذه الصّورةِ من أن تَكُونُ فقط فيلم كارثةِ آخرِ، ولحسن حظه كان معه الممثلان وينسليت وديكابريو بأدائهما الأخاذ، إضافة إلى الإنتاج المسهب جداً الذي ذهب في بِناءِ الباخرةِ. كل هذا جعل من هذه الحكايةِ دراما مؤثرةِ تدور حول الرّوحِ الإنسانية، رغم أنها لم تكن بنفس فصاحة فيلم (روميو وجوليت)، إلا أن لسيناريو تايتنك مذاق مميز ومتقن . ديكابريو يضيء الشّاشةَ ببراءة صورته غيرِ المستبدة، "داوسون" متشرّد الشّارع الذكي لحد الآن ،. دون أن يعرف بأنه سَيَكُونُ مكسب كبيرَ للمعجبات. وينسليت تجعل "روز" شخصية محبوبة بشكل هائل ذات إرادة قوية تجاري تَوَهُّجها. وهناك قليلُ من الاعتراض على تمثيل الآخرين. (بيلي زان) كان ساحراً في دوره كخطيب "روز" البارز اجتماعيا، والذي يُفكّرُ بها كالصّيدِ الثمين أكثر من استناده على علاقة حب متبادلة معها. وهو مهتم أكثر بمحاولاتها في الهروب من قفصها المذهب، حتى ذلك اليوم الذي جاء فيه "جاك داوسون" وكسر حاجز الدرجة الثالثة وسيطر على اهتمام العروسِ الحزينِة. - فاصل موسيقي - إنّ آلام أمِّ روز تسلّطُ بشكل مخفي عندما نعلم بأنّ العائلةَ تعيش معاناة الديون الثقيلة التي تركها الزّوجِ المتوفي مؤخراً، والطريقة الوحيدة للخروج من هذا الضيق المالي المُريع يعتمد على ارتباط روز بثروةِ الوريثِ كال. وشخصية أم روز تبدو عديمة الشعورَ تسيطر علىِ حريةِ ابنتها بيدِّ حديديةِ؛ هي نفسها حصرتْ نفسها في القفص الذهبي لمدة طويلة جداً، ولا تستطيع أَنْ تتحمل أفكار ابنتها وحياتها خارج هذا القفص. كذلك هناك شخصية مولي برون في دور صغير في الفيلمِ، مع تكدس النّظرات المقيتة عليها من نِساءِ الطبقة العليا الأخرياتِ وذلك لإيمانها بِمساواةِ الأجناسِ، ومع ذلك فهي تُزوّدُ الصّلة الإنسانية بين تربيتها من الدرجة الثالثةِ والحفلات الاجتماعية من الدرجة الأولىِ المتعجرفةِ التي تنتمي إليها الآن. في مشهدِ واحد تَرتدي زيَ العرابةِ الجنّيةِ المثالية عندما تساعد "داوسون" بالظهور في بدلة رسميّةِ تخص ابنها، لكي تَمْنعَ بطلنا من أن يصبِحِ هدفِ النُّكاتِ عندما يَحْضرُ دعوة عشاءِ رسمية قدمها له "كال" مكافئه له على إنقاذ روز. وكال بالطبع، يَقْصدُ أن يستغل الفرصة في أنْ يَضعَ الفتى في مكانه من الدرجة الثالثةِ. بروز أداء (كاثي بيت) يَتْركُ أثر واحد مفقود لنشاهد منها أكثر من ذلك، وهناك المُتَمتَمَ مسبقا سَيَكُونُ في قطعِ عندما يقوم المخرج بالمونتاج. - فاصل موسيقي - ولا يمكننا أن ننسى بأن الفيلم يحتوي على مشاهدُ مؤثرةُ قوية كثيرة تجعل العين دامعة حتى أنها أكثر من متشائمة قاسية. كما أن تفاؤلية الحبيبين الشابين يَرْسمونها في عالمكم، خاصةً عندما يَبْدءان صراعهما ضد كل الإطراف وضد الحدث الفاجع الذي يوشك أن يحدث ويجعلانك تعيش الهلاك المُهَدِّد للباخرةِ. كما يَنْجحُ كاميرون تماماً في جَمْعِ رهبةِ التّسلسلاتِ الرّائعةِ بشكل بصري يشعرنا بإحساسِ الأسىِ مِن قِبل المسافرين سيئي الحظ، للباخرةِ وهي تَغْرقُ. بعض من الصّورِ لا تنسى : قائد الباخرة يَقْفلُ على نفسه، ويصَمّمَ على أن يغرق مع باخرته؛ زوجان مسنان يلفان نفسيهما بالسرير بينما ماءَ البحرِ يلتف حولهما ؛ أمّ في إحدى الحجرات تطمئن أطفالها وتحاول إقْناعهم بأَنْ يَنَاموا قبل أن تغمرهم المياهِ الأطلسيةِ المُجَمِّدةِ. وقد استخدم كاميرون أيضا لقطات راقية، تذوب بشفافية للربط بين الماضي والحاضر، وذلك في مشاهد الفلاش باك الرائعة. فمثلاً تلك اللقطة الكبيرة لوجه روز وهي صغيرة متوهجةِ، نشاهدها تختفي تدريجياً ليظهر الوجهِ المغضّنِ الذابل لروز المعاصرةِ؛ كذلك وسائل الترف والاستجمام داخلِ تايتنك تظهر ذلك الانتقال الروحي للحياةِ الحقيقيِة التي جمعها كاميرون بنفسه من أعماق المحيطِ. كل هذه متعة بصرية رائعة تَتصاعدُ إِلى أن تبلغ الذّروةِ حيث سقوط تايتنك النّهائي إلى ارتفاع 12,378 قدم تحت سطح المحيطِ. نعم، الكل يَعْرفُ ما يَحْدثُ للباخرةِ في النّهايةِ، لكن أن تكون هناك، في عمق أحداث هذه القصة، سيجعلنا نفهم لماذا سَنتذكّرُ ذروةِ فيلم حادثة تايتنك. نمسكها قبل أن تُبحرُ ، لهذا لا تُريدُ أَنْ تَخطئَ رحلة واحدة .. - فاصل موسيقي - بعد "تايتنك"، ليوناردو ديكابريو وعقود العشرين مليون ----------------- (عنوان فرعي) - فاصل موسيقي - نتيجة للمرور على الإنترنت، هو تقريبا الشّخص الأكثر شعبية في العالم الآن. ركب عبر (تايتنك) إلى سلم النجومية. فشعبية ليوناردو ديكابريو لا حدود لها الآن، وفيلم (الرّجل ذو القناع الحديدي) في الطريق. لكن، من هو ليوناردو ديكابريو؟ ما أفكاره، أمنياته، آماله، أحلامه؟ عموماً، نحن لا نعرف. فهو شخص كتوم جداً. لكننا نعرف بأنّه فعل الكثير من المنجزات الجيدة في مقابل القليل من الأخطاء. وكممثل تعامل مع الفرص المواتية بشكل نادر لدرجة أن الممثلون الآخرون يخجلون حتى من المحاولة. هنا نظرة سريعة على بعض أعماله، إضافة إلى بعض الارتباطات الأخرى وصلات ليوناردو والتي ربما لا يعرفها عنه الكثيرون. وأهم الأفلام : (موبي دك)، (مغامرة بوزييدون) أو (البحيرة الزرقاء). . . وقمة أفلامه هو قصة رومانسية من النوع الإيحائي الذي حطم كل الأرقام في شباك التذاكر، ألا وهو فيلم (تايتنك)، الفيلم الأغلى الذي صنع حتى الآن والأكثر أهمية في ويستوود. كما تعرفون، الفيلم أثار الجميع. - فاصل موسيقي - حقق هذا الممثل الشاب شهرة واسعة بعد فيلم (تايتنك)، ولاستغلال شهرته هذه وإمكانياته الأجنبية، ستدفع شركة "(Lions Gate ) للحبيب المراهق ليوناردو ديكابريو 21 مليون لكي يؤدي دور قاتل الذهاني "باتريك باتيمان" في فيلم (المعتوه الأمريكي American Psycho). ومن المتوقّع أن يبدأ التصوير الرئيسي هذا الخريف في نيويورك بميزانية تقدر بأربعين مليون دولار. شركة (Lions Gate)، التي أعلنت عن التصوير في 15 مايو/أيار، تتمنّى أن ينتهي التصوير في رّبيع عام 1999، ومن المحتمل أن يشارك الفيلم في مهرجان كان السينمائي. "إدوارد برسمن" و "كرس هانلي" و "موس برودس". ، سويّة مع "كرستيان هالسي سولومون"، سينتجون الفيلم. و"جيف ساكمان" رئيس (Lions Gate)، و"جو دريك" رئيس شركة (Lions Gate INTL.) سويّة مع "رون روثولز" سيقومون بالإنتاج التنفيذي. وسبق وأن جهزت ميزانية منخفضة للمشروع في حدود الستة ملايين دولار، مع "ماري هارون" الذي كيّفت الكتاب مع "جوينيفير تورنر". وعرضت شركة (Lions Gate) على ديكابريو منذ بضعة أسابيع أن يرمي تلك الخطة. ف"هارون" قد تنازلت عن المشروع لأنها ليست راغبة في توظيف مخطوطتها في ميزانية تزيد عن الأربعين مليون دولار فقط. وكانت قد اختارت "بال" لأداء دور باتيمان. ولقد كان غير واضحاً سواء "هارون" تنازلت عن المشروع أو أن شركة (Lions Gate) أبعدتها رغبة منهم لاكتشاف مخرج آخر بإمكانه أن يعالج ميزانية أكبر. والمصادر قالت بأن "هارون" قد استاءت من اختيار ديكابريو لأنها كانت قد اختارت "بال" للدّور. "هارون" و"بال" عملا سوية على المشروع لمدة عام تقريبا. يقول بال : "واجهنا الكثير من الصعاب لكي نحصل على التمويل المادي حتى يظهر الفيلم إلى النور. هذا على الرغم من الإشاعات بأن "بال" لربما يأخذ دوراً آخراً في المشروع، مع أن "بال" الممثل قال بأنه حتى لا يفكر فيه. وكانت "هارون" قد اتفقت مسبقا بأن تكتب وتخرج الفيلم. وضاهرياً، فقد تسلم "بال" الاتفاقية التي كانت من غير أجرة. وتقول أحد المصادر : "بأن العقد قد عمل أساسا بإخلاص". - فاصل موسيقي - ومن المحتمل من أن شركة (Lions Gate) ستبحث عن إدارة أخرى للفيلم بموافقة ديكابريو طبعاً. وقالت مصادر أخرى بأن هناك قائمة قد أرسلت إليه مسبقا. ومدير ديكابريو "ريك يورن" من (Industry Entertainment)، أكد ارتباط نجمه. كما صرح "يورن" بأن ليوناردو في شدة الفرح بخصوص هذه المخطوطة وقد قرّر أن يجعل لها الأولوية. إضافة إلى أن هذه التسعيرة قد رفعت ديكابريو إلى المستوى الأعلى للرّواتب اللامعة. وهذا الارتفاع الفضيع جاء هذه السّنة بعد فيلم (تايتنك) طبعاً، والعروض في حدود العشرين مليون دولار فاضت في مكتب "يورن" لديكابريو. إلا أن فيلم (American Psycho) هو الدّور الأول الذي قد حرّك اهتمام النّجم الكبير. وقد اقتنعت شركة (Lions Gate) تماماً بأن إنتاج فيلم (American Psycho) مع ديكابريو سيكون مضمون النجاح، فاهتمام المشتري الأجنبي قد يبلغ الذروة. ويقول المنتج سولومون : "إن ليوناردو يعد ظاهرة عالمية نادرة، مثل فرقة البيتليز منذ ثلاثون عاماً مضت. أما "مايكل باسيورنيك" رئيس شركة (Lions Gate) فقد صرح يقول : "إن ليوناردو ديكابريو حالياً يعتبر النّجم الأكبر في العالم في هذه اللّحظة والمهم أيضاً بأنه قد رشّح لنيل جائزة الأوسكار، ومن الرائع جداً أن يمثل في الفيلم. أن يكون معك الرّجل الأكثر رومانسية في الأفلام ويمثل أمام شخصية من غير قلب أو روح، فذلك سيشد أنظار المتفرجين بالطبع". - فاصل موسيقي - لقد تمنت شركة (Lions Gate) قبل بيع فيلم (American Psycho) في كان هذا الأسبوع، أن تجلب ديكابريو إلى المهرجان. لكن المصادر تقول بأن الجماهير منذ عرض فيلم (تايتنك)، تتجمهر دائماً حول ديكابريو وتقلق راحة النّجم الكبير كثيراً، لذا قررت الشّركة وديكابريو بعدم حضور المهرجان. وتبحث شركة (Lions Gate) تأسيس شّركة جديدة كمنافس لنجوم الشباك الكبار والمشاريع الرّئيسية. وقد أخذت الشّركة مؤخرا اهتماما مالياً بشركة (ترفيه بيتر جوبير ماندالاي Peter Guber’s Mandalay Entertainment). وفيلم (American Psycho)، مستند على الرواية المثيرة للجدل للكاتب (بريت إيستون إليس)، والتي تحكي عن قصّة سمسار بورصة صغير ساحر يعمل في وول ستريت في النهار، لكنه يقود أسلوب حياة عنيف وشنيع في الليل. وعندما نشرت هذه الرواية في نهاية الثمانينات، وقع الكتاب تحت جدل سّياسي وأدبي، ومن المؤمنين بمساواة الجنسين وذلك لتصويرها التّخطيطي للعنف ضد النساء. وبالإضافة إلى فيلم (تايتنك) فإن اعتمادات ديكابريو تتضمّن (مفكرات كرة السلة The Basketball Diaries)، و (ماذا يأكل جلبرت جريب What’s Eating Gilbert Grape) و الرجل ذو القناع الحديدي Man in the Iron Mask). - فاصل موسيقي - 50 معلومة لربما لا تَعْرفه عن ليوناردي ديكابريو --------------- (عنوان فرعي) - فاصل موسيقي - ولد ليوناردو ويلهيلم ديكابريو في 11 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1974 في لوس أنجلوس. وقَدْ سُمّى ليوناردو بعد أن زارت أمه الحبلى متحفِ إيطاليِ. عندما أعجبت بلوحة ليوناردو دا فينشي في معرضِ أوفيزي في فلورينسا، شَعرتْ بركلةَ قوية من الجنين وليو الصغير كَانَ هكذا. والديه، جورج و إرميلن ديكابريو، من جماعة الهبيز في الستينات ، واللذان انفصلا قبل ولادته. كمراهقِ، ظَهرَ في فلمِ تربويِ بعنوان (كيف تتعاملَ مع أب يتعاطى مخدرات). كشابِ، لُقّبَ ب"ليوناردو ريتاردو" لأنه كما يَقُولُ، دخل المدرسةَ بغَشِّ بعيد من أَوراقه ورقِص في المطعمِ. الأب "هيدي فليس"، بول، كَانَ طبيب أطفالَ ليوناردو. الاختبار الأول له للعرض جاءه وهو في الخامسة من العمر، عندما طلب منه أَنْ يَتْركَ فرقة (Romper Room) لكونه معرقل جداً. ظهوره الأول كان في عُمرَ الرابعة عشرة، عندما ظَهرَ في إعلان تجاريِ لسياراتِ علبة الثقابِ. فيلمه الأولِ كَانَ (كراتيه 3) لكنه لا يَحْبُّ أَنْ يَتحدّثَ عنه. أول ملايينه جاء من فيلم تايتنك. - فاصل موسيقي - كاتي وينسليت نجمة صاعدة متمكنة .. شطارةُ محسوسة ------------- (عنوان فرعي) - فاصل موسيقي - الإنكليزية الصغيرة الحلوة، تتمتع بإحساس وشطارة أكثر من محنّكي هوليود، شاهد تمثيلها، أنوثتها الواضحة، تمثيلها في فيلم (إيما تومبسون) الجديد، وراقب صعود نجمة جديدة .. اسمها كيت وينسليت. أدت دور الأختَ الصغرى المتهورة لإيما تومبسون في فيلم (معاني وأحاسيس)، فيلم تومبسون الذي استوحته من روايةِ جين أوستين. - فاصل موسيقي - كان المديح كثيراً على الفيلم، وترشيحات الأوسكار هي الضمانُ، فالممثلة إيما تومبسون مرشحة لأفضل ممثلةِ ولأفضلِ كتابة للسيناريو، واسم وينسليت، سجل مسبقا في ترشيحاتِ الكرةِ الذّهبيةِ، لَرُبَما تحصل على ترشيح أفضل ممثلةِ مساعدة. في نفس الوقت، الكلام اللّطيف عن وينسليت ذات العشرون عاماً الواثقة من نفسها وغير المرتاحة مع نفسها، على الرغم من أن أوراق اعتمادها النّامية والأوسمة التي كسبتها. - فاصل موسيقي - "لقد أحببت العملَ الذي عَملتُه، والحقيقة بأنّني قَدْ عَملتُ في كل هذا"، هكذا همست وينسلت، كما لو أنها مندهشة بشكل نهائي، لكونها هنا في فيلمِ رئيسيِ. بالنسبة لوينسليت، عملها هو استمرار تربيتها، لَيسَ طمعاً للشّهرةِ. وتَقُولُ وينسلت عن مهنتها حتى هذه المرحلة: "كان هذا رائعاً فقط، وقَدْ تَعلّمتُ الكثير خلال هذه التجربة". وتواصل: " لقد تَركتُ المدرسة في السادسة عشرة (بدبلوماِ المدرسة الثانويةِ الكنديةِ) وقَدْ عَملتُ مباشرة بعد أن تَركتُ المدرسةَ. وبعد ثمانية أيام فقط من امتحاني الأخيرِ، بدأت العمل لمدة عشرة أسابيع، ومنذ ذلك الحين وأنا أعمل بشكل متواصل تقريباً. لكنني اَشْعر بأني أوَدُّ أَنْ أَتعلّمَ أكثر. ومن الطبيعي أَنْ لا تكتفي من التعلم. ولا يُمكنُ أَنْ تكتفي أيضاً بالمعرفة. ولا يُمكنُك كذلك أَنْ تَوقفَ التطور والتَغيير. وأَعتقدُ بأنّ هذا شيء يحتاج منا كل الاهتمام والعمل. ". هكذا قالت كيت وينسلت. - فاصل موسيقي - كَانَت وينسليت ومازالت تَعْملُ على هذا المبدأ على فترات. فقَدْ اكتشفت وينسلت كموهبةِ مبتدئة في السابعة عشرة في فيلم "بيتر جاكسون" (مخلوقات سماوية Heavenly Creatures). حيث لَعبَت فيه دور البنتَ الإنكليزيةَ المولدَ والتي تُشاركُ في جريمةِ مريعةِ في حب في نيوزيلاندا الخمسينات، وتُصوّرُ حالياً الدور الرئيسي في فيلم (جودي)، المستندة على رواية (توماس هاردي) المعدلة (جودي الغامضة Jude The Obscure)، وهي من قصّص الحبِّ المأساويةِ في القرن التاسع عشر. المستشارون والنقاد قلقون عليها الآن، من أن تحصر نفسها في فخ فيلم (مشاعر وأحاسيس)؟ - فاصل موسيقي - تقول وينسل : "بالتأكيد أعتقد بأنه فخُّ، لكن لا.. أنا لا أَهتمُّ أو اَقْلقُ لهذا، فأنا الآن سعيدة فقط بأنّي ما زِلتُ اَعْملُ. لقَدْ قَابلتُ بعض الناسِ المذهلين وقَدْ تَعلّمتُ كثيراً وعندي خبرة كافية، فكل شخصية قدمتها كانت مختلفة جداً، وهذا لا يَقْلقني. بعد قول هذا، اَحْبُّ أَنْ أُحرقَ المخصِّر واَحْلقَ رأسي وأُقسمَ كثيراً في الفيلمِ. أَعتقدُ، بأن هذا سَيَكُونُ عظيماً. واَحْبُّ الوشم قليلاً". لننسى الوشمَ. فلقد حذروها من الَتدخّلُ بإلْقاءِ بعض الأدوار. إضافة إلى أنها قد حسمت مسألة الأصابع المزينة بمجموعةِ من الخواتم الفضّيةِ الشاذة. وإلا، فوينسليت معتدلة حسنة الكلامُ، ومتواضعة في عملها الخاصِ ومتسامحة في مدحها لزملائها الممثلون، خاصةً إيما تومبسون. . فالاثنتان مؤمنتان بالمجموعةِ. ومن الواضح بأن وينسليت مازالت مرعوبة بعض الشيء، وتَشْكرُ تومبسون بشكل مفتوح لإعطائها الفرصةِ في فيلم (معاني وأحاسيس) وللقيادةِ والرّفقةِ في المجموعةِ. وتقول وينسلت عن معلمتها: "طبيعتها مفتوحَة وصادقَة، وهي ذات شخصية عاطفية انفعالية جداً، وبطريقةٍ ما تَتسرّبُ كل هذه المشاعر والأحاسيس خارجها، مع أن مقدرتها في السيطرة على هذه المشاعر شيء جيد حقاًً. هذا على الرغم من اضطراب تومبسون الشّخصي، فقد كَانتْ في طور إنهاءِ زواجها من كينيث براناغ . وكَانتْ إيما سعيدة جداً (في المجموعةِ)".. هكذا قالت وينسليت عن المرأةِ التي تَدْعوها "صديقتي المفضلة، كَانتْ عظيمَة، واضحة جداً. اَعْني، إنها ممثلةُ رائعةُ، بالتأكيد رائعة. وأنا أقدرها جداً ! " - فاصل موسيقي - الإحساس هو وينسليت الحقيقية ------------------------------------- (عنوان فرعي) - فاصل موسيقي - تهور كيت وينسليت الناضج في فيلم (معاني وأحاسيس Sense And Sensibility)ِ قد جَعلا من الممثلة الصّغيرة نجمة ومرشّحة للأوسكار . أما بالنسبة إلى الميزتان في العنوانِ، فهي تَعْرفُ الذي يناسبها. حيث تقول في إحدى لقاآتي معها على الغداء في شمال لندن : " أنا حساسة؛ أنا، أنا، ".. "الشيء الأساسي في، الشيء الحقيقي في، الإحساسُ هو الأكثر.. وإلا، في الحقيقة، لماذا أَتصرّفُ في أمانة تامة؟ هناك عنصرُ في كل الممثلين يجعل من العواطف متجذرة فيهمِ، يَحْفرُ داخل روحكَ ويرمي بالأشياءِ إلى الخارج. وما زِلتُ لا اَفْهمُ لماذا عِنْدَي هذا الشيء وهو الإرادةِ في أَنْ أعمل كثيراً. وهذه دائما كانت طريقتي، وإذا قلت بأنني سَأعْمَلُ شيء ماَ، فأنا أعْمَله. أنا عنيدةُ جداً بشكل لا يصدق. " - فاصل موسيقي - من فيلمها الأول (مخلوقات سماوية Heavenly Creatures)، أوقعت وينسلت الجماهيرَ في التّخيلِ الجنسيِ كحقيقة قاتلة لمراهقِ إنجليزيِ في نيوزيلاندا الخمسينات. مستندة على قصّةِ حقيقيةِ، وقد لاقى الفيلم نجاحاً كبيراً وحُصِلَ في عام 1995 على أوسكار أفضل سيناريو مقتبس. - فاصل موسيقي - في فيلم (معاني وأحاسيس) المستند على رواية (جين أوستين) الأولى, لعبت وينسليت دور العاشقة "ماريان"، الأخت المتوسّطة للعائلة المَعْصُورةِ مالياً (داشوود). وهي في هذا الدور تُعانقُ بشكل عنيف تحكم القلبِ ضد "التّعقل والشّرف والواجب" هذا المدح جاء على لسان الأخت الكبرى "ألينور" (إيما تومبسون). إضافة إلى استلامها لجائزةِ الكرةِ الذّهبيةِ لأفضلِ دراما، وقد حصل فيلم (معاني وأحاسيس) على سبعة أوسكارات في آذار/مارس 25, وهي أفضل فيلم، أفضل ممثلة، وأفضل سيناريو مقتبس. (وفي الشّهر الماضي، فازَت الممثلةُ بنفس الجائزةِ من نقابةِ ممثلي السينما). وقد سافرت وينسليت إِلى لوس أنجلوس لإجراء اختبارات لفيلمِ (تايتنك) مِن قِبل المخرج جيمس كاميرون. ثم رَجعتْ بعدها إِلى لندن لاستكمال تَصوير دور (أوفيليا) في فيلم (هاملت). وقد صرحت بأنها في تلك اللحظة عندما كانت ممثلة غير معروفة. " إنه لَيسَ مثل أن يُغيّرَ سلوكي أو أي شئ مثل ذلك، ومن الأفضل أَنْ تُهمله وأفضل أن تكون كما أنت". - فاصل موسيقي - وينسليت هي الثّانية من الأطفال الأربعة الذين ولدوا في (ردنغ Reading)، غرب لندن، لأب ممثل، هكذا قالت وينسليت، وأضافت : "حقاً إن الأشياء لا تكتمل أَبَداً". أمّها مربية أطفالُ مؤهّلةُ وأختُها الأكبر سنّاً (آن) وعمرها23 سنة، أيضا ممثلة. مدرسة مسرحِ في المدرسة المُجَاوِرةِ قادتها إلى دوريها في (مخلوقاتِ سماوية) و(معاني وأحاسيس). ولم يسبق لوينسلت أَنْ قَرأتْ للكاتب (جين أوستين) قبل أن تسَمْع عنِ شخصية ماريان. لكنها بعد أن أمسكت بهذه الشخصية، فهمت بذكاء التهاب المشاعر التي تحتويها، بالرغم من أنها في سن أكبر منها. " ماريان" ضحيّةُ إحساسها الخاصِ، الشيء الذي وَجدتُه أكثر تأثير حول شخصيتها"، هكذا تقول وينسليت. وتضيف : "ليس هناك اختلاف في العالم الذي تعرفه ماريان، فيما عدى نفسها، وقد عَانتْ كثيراً لهذا .. اترك هذا " شخص ما لابد أَنْ يكون صادقاً وكريماً جداً مع مشاعرها، ومع ذلك لحد الآن ما زالَت مشاعرها مكسورة. فهي شخصية بريئة المشاعر. - فاصل موسيقي - كيت وينسلت تعرّي روحها وجسمها -------------------------------- (عنوان فرعي) - فاصل موسيقي - كيت وينسليت، الأخت الصغرى لإيما تومبسون في فيلم (معاني وأحاسيس Sense And Sensibility)، والمُرَشَّحة للأوسكار، تَكْبرُ بشكل سريع. وتثير الممثلةَ الإنكليزيةَ، بعمر 20 سنة، المشاعر في مهرجان كان بأدائها دور (Jude)، في رواية (توماس هاردي) المعدلة (جودي الغامضة Jude The Obscure). وينسليت، ذات الجمال المتألق، لعبت (ظل العروس سو Sue Brideshead)، و(حبّ جودي الاستحواذي الدّائم Jude's lifelong obsessive love). وشاهدناها في دراما جنسيةِ مثيرةِ في مواجهة مباشرة مع الممثل (كرستوفر إكليستون) حيث تَعْرضُ عريها كاملاً أمامَ الكاميرا. - فاصل موسيقي - وفي مقابلة معها بعد عرض فيلم (Jude)، تقول كيت : "لم يكن سهلاً أن تتعرى، لكن ذلك كان ضروريَاً. . أعني كان صعباً أن تتعرى. لم يكن عِنْدَي أي مشكلةِ في أن يكون هذا المشهد في السيناريو لأن مثل هذه النقطة تشكل إنعطافة هامة لشخصية (سو Sue) وكانت حاسمة بالتأكيد. ا لشيء الذي كَانَ صعباً حقاً، هو أن علي خلع ملابسي. وهو كمن يقال لكم مثلاً : تعرى أمامي الآن !! لم يجبرني أحد على فعل ذلك، بل كُنْتُ مستعدة لفعل ذلك وأنا أفكر فقط ! فعلت هذا مرة ، وكُنْتُ ممتازة. وعرفت الآن بأن تلك المشاهدِ، كانت فنية، وفنية أكثرُ من أي مشاهدِ أخرىِ في الفيلم، ولم تكن جنسية أَبَداً للمشاركين. لا، ليست كذلك، فقط لأنك لا تُفكّرُ في ذلك. وبالتَأْكيدِ أنتَ تُفكّرُ حقاً في أن لا تكون ذو قناع. وبالتاليً فأنتَ حقاً تَنْسي بأنّك لا تَلْبسُ شيء". وقد تعرت كيت وينسليت أيضا بشكل عاقل ومتحفظ، في دور أوفيليا مع المخرج اللامع (كينيث براناغ) في فيلم (هاملت Hamlet). تقول كيت وينسلت :"لم يكن سهلاً. وكان ضرورة أن تبين بأن هذه العلاقةِ بين أوفيليا وهاملت هي علاقةُ جنسيةُ. ولكي نُدركُ فوراً بأن أوفيليا قد أصبحت امرأة، وليست فتاة فقط". - فاصل موسيقي - كيت وينسلت مشوار حياة وفن --------------------------------------- (عنوان فرعي) - فاصل موسيقي - اللّحظة التي أرادت فيها أَنْ تُصبحَ ممثلة كانت في عُمرَ مبكّرَ جداً. تقول كيت وينسلت : "كان دور مريم العذراءِ أول أدواري، وكُنْتُ بعمر خمس سنوات فقط، لكنني أخذته بجدية.. أَتذكّرُ ذلك الشعور جيداً، شعرت حقاً إحساس أن تكون مريم العذراء". ولدت كيت وينسلت في الخامس من تشرين الأول/أكتوبر عام 1975، في مدينة "ردنغ" بإنجلترا، من عائلة مسرحّية، فقد ورثت كيت التمثيل. فأبوها "روجر"، و"آن" الأخت الكبرى ، والأخت الصغرى "بيث"، جميعهم ممثلي مسرح؛ وأجدادها أشرفوا على مسرحَ ردنغ من حديقتهم الخلفيةِ؛ وعمها "روبرت بريدج" كَانَ مشهوراً في دور (السيدِ بومبل) في فيلم (أوليفر). فقط أم كيت "سالي"، وأخوها الأصغر "جوس"، لم لم يطرقا مجال التمثيل. - فاصل موسيقي - في عُمرِ الحادية عشرة, درست كيت في مدرسةَ "ريدروفس" للمسرحَ في "ميدنهد"، حيث تركتها بعد إكمال شهادة (GCSEs) وهي في عُمرِ السادسة عشرة. وكان عملها الأول هو ظهورَها في إعلان تجاري (هباتِ سكر)، ترقص مع (هوني مونستر). أما ظهورها الأولَ تلفزيونياً فكان في المسرحيةِ التّلفزيونية البريطانيةِ (انكماش Shrinks) عام 1988، تَلى ذلك ظّهورها في مسلسل تلفزيوني باسم (مصيبة Casualty) عام 1989، و (فصل مظلم Dark Season) عام 1991، و(العودة Get Back) عام 1992، و(مواقف انجلوسكسون Anglo-Saxon Attitudes) عام 1993. وقَدْ عملت أيضا في عددِ من الأدوارِ في المسرحِ في نفس فترة عملها في التلفزيون، مثل دور "باندورا" في مسرحية (أدريان مول Adrian Mole) الموسيقية، و"ويندي" في مسرحية (بيتر بان Peter Pan)، و"سارة" في مسرحية (لعبةِ الجنديِ A Game of Soldier)، و"جيرالدين" في مسرحية (ماذا رأى كبير الخدمِ What the Butler Saw)، التي ترشحت عنها بجائزة أخبار مانشيتر المسائية. - فاصل موسيقي - وتتذكر كيت، حيث تقول : "منذ كُنْتُ في الثالثة عشرَة أو الرابعة عشرَة، كنت أشعر دائما بأنني أكبر من عمري الحقيقي". مراهقتها كَانتْ طبيعيةَ، وكَانَ يجبُ عليها أَنْ تُحاربَ مشكلة الوزنِ والحزن. ففي عمر الخامسة عشرة كان طولها ستة أقدام وخمسة بوصات، ووزنها 185 رطلاً، وقَدْ لُقّبَت بالبدينة في المدرسة الثانويةِ. لكن على الرغم من هذه المشاكلِ، فقد صممت كيت على أن تصبحَ ممثلةَ. تَركتْ كيت "ميدنهد"، وبعد ثمانية أيام فقط من إكْمالِ امتحاناتها، حصلت على دورَ في التلفزيونِ بعنوان (Get Back). وفي سن السادسة عشرة وقعت في حب رومانسي مع "ستيفن تريدر"، الذي مثل معها في مسلسل (Dark Season)، وبَقيتْ على علاقةِ معه لمدة خمس سَنَواتِ. إلا أن خطوبتهما قد انتهت مؤخراً، عندما أصيب خطيبها بالسرطان وبدأ يخضع للعلاج الكيماوي. تقول كيت : "كَانَ معي كل الوقتِ، حتى عندما كُنْتُ بدينة، حتى أنه لم يطلب مني أبداً أَنْ أخفف من وزني". وفي إحدى مقابلاتها قالت بأن التمثيل هو "النّصف الآخر من روحي". - فاصل موسيقي - إجازة كيت الطويلة جاءت في النهاية بعد انتهائها من تمثيل دور "جوليت هولم" في الفيلم الشهير (مخلوقاتِ سماوية) عام 1994. كَانتْ كيت تَعْملُ في إعدادَ الأطعمة المستحضرةِ في محل (تريتيور باجنول) في (بريمروس هل) بلندن عندما تغيرت حياتها. تقول كيت : "كُنْتُ أعمل البسطرمة والساندويتشات عندما استلمتُ الدعوة التي أخبرتني بأنه علي أن أقوم بالدور في فيلم (مخلوقاتِ سّماويةِ)". إن ظهورها الأول فازَ بتمييزها الدّوليِ والجوائز (جائزة فيلم وتلفزيون نيوزيلاندا، جائزةِ مهرجان تورونتو الاحتفالية، وجائزة مجلةِ الإمبراطوريةِ)، بالإضافة إلى مخطوطات أفلام كثيرة من هوليود. وبينما كانت كيت منشغلة بفيلم (مخلوقات سماوية) في الولايات المتحدة، جاء إليها مندوب أمريكي من وكالةِ "وليام موريس" لمقابلتها في فندقِ (الفصولِ الأربعة) بنيويورك في الساعة الحادية عشرة مساءً وتعاقد معها. وهي تُتابعُ ظهورها الأول بدورِ غير متوقّعِ كالأميرةِ سارة في فيلم (طفلِ في محكمةِ الملكِ آرثر A Kid in King Arthur's Court) عام 1995، فقد لاحضت بأن العديد من المتفرجين لم يتقبلوا الفيلم ببساطة، لكن فيما بعد وفي نفس العام عوضت كيت نفسها بالظُّهُورِ في الفيلم المريح للقلبِ، والدور الذي رشحت عنه للأوسكار عن شخصية "مارياني داشوود" في فيلم (معاني وأحاسيس) عام 1995. - فاصل موسيقي - سَمعَت كيت عن ترشيحَها للأوسكار بينما هي مسافرة في سيارةِ، تصف كيت تقبلها لهذه المفاجأة، فتقول :"صديقتي كَانتْ تَسُوقُ السيارة عندما اتصل بي "كيلي" بالهاتف المتنقل لتهنئتي.. رَميتُ نفسي على أرض السّيارةِ من الإثارةِ". وبدا الكل في "وليام موريس" الآن مشغولون للمساعدة في اختيار اسما مألوفاً لها. وكل المفاجئة، كانت في أن كيت وينسليت قد وَجدت نفسها في وضع صعب في هوليود، فقد أصبحت رمزاً للجنس لدى النقاد والمتكلمين. في السّنة التالية عام 1996، رجعت كيت إِلى الشّاشةِ الفضّيةِ وذلك بأدائها لشخصية "سو برديهيد" في فيلم (جودي)، وفي دور "أوفيليا" في فيلم (هاملت). هذين الدّورين أستقبلا بشكل جيدَ جداً مِن قِبل النّقاد، إلا أن المتعذر تفسيره هو أنهما عَبرا ترشيحات الأوسكار. - فاصل موسيقي - في الوقت الحاضرِ، أصبحت كيت واحدة من أكبر الممثلاتُ الصّغيراتُ النّاجحاتُ الموهوباتُ، اللاتي يعملن في هوليود. وقَدْ ظهرت مؤخراً في عالم الشهرة ، مثل كاميرون دياز، وكلير دانيش، ومشاهير الممثلات الأخريات. ولا ننسى أن نذكر بأن مجلة "لوس أنجلوس" قد وضعت كيت في قائمة أهم أربعين شخصية. ومجلة "الناسِ" قَدْ أعلنت بأن كيت تعد واحدة من "الـ50 إنسان الأكثر جمالاً" في العالمِ. إلى حدّ الآن، وكيت تَرتفعُ للنجومية (تَكتسبُ مثل هذه العناوينِ :"روز الإنجليزية" و"نجمة سينمائية") قَدْ أعطاها تماماً الخلاصة من أفلامِ الفترةِ، وهذا يَكْسبها الكنية "مخصِّر كيت". ولقَدْ عبرت كيت عن أمنيتها في أن تَعمَلُ فيلمَ حديثَ يَكْسرَ هذه العبارة، ويَرْمي المخصِّر إلى الأبد. تقول كيت : "أُريدُ حقاً أنْ أكُونَ بنتَ قروية في فيلم أمريكيِ جيدِ، وأحبّ أَنْ أقدم أدواراً كبيرة كثيرة. " فيلمها الحالي (تايتنك) إنتاج عام 1997، تلعب فيه دور "روز ديويت بوكاتر"، من الطبقة الفيلاديلفية الراقية على متن عابرة المحيطات المشؤومة تايتنك. وقد أعلن تاريخ إطلاقِ هذا الفيلم في الولايات المتحدة في 19 كانون أول/ديسمبر 1997. ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 54 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (ضربة معلم) ، بطولة نور الشريف وليلى علوي وكمال الشناوي وصلاح قابيل ، ومن إخراج عاطف الطيب . وهو إنتاج عام 1987 . ــ فاصل موسيقي ــ يحكي فيلم (ضربة معلم) عن جريمة قتل يرنكبها شاب (شريف منير) إنتقاماً لشرف والدته ، ويفر هارباً من القانون .. القانون المتمثل في ضابط الشرطة (نور الشريف) والمسئول الشريف (صلاح قابيل) . يعود والد الشاب المليونير (كمال الشناوي) من الخارج ، بعد معرفته بالحادث ، فيسعى جاهداً تخليص إبنه من حبل المشنقة ، وهو على إستعداد للتضحية بكل شيء في سبيل إنقاذ إبنه الوحيد . ــ فاصل موسيقي ــ يبدأ الصراع في الفيلم بين حماة القانون والمسئولين عن تحقيق العدالة من جهة ، وبين حماة الفساد والمتحايلين على القانون لإنقاذ القاتل من العقاب من جهة أخرى . ويستمر هذا الصراع بين الطرفين (الشرطة/المليونير الأب وأعوانه) بكل أشكاله .. بدءاً من المطاردات البوليسية وحتى إجراء المفاوضات بين الطرفين لتسليم القاتل بشروط تضمن حصوله على البراءة . ــ فاصل موسيقي ــ الفيلم يندرج ضمن سلسلة أفلام الحركة المصرية ، ذات الطابع البوليسي .. هذا الطابع الذي يسيطر على معظم أفلام هذه النوعية ، والتي تعتمد على لعبة (عسكر وحرامية) الساذجة . صحيح بأن بعض هذه الأفلام تأخذ على عاتقها معالجة بعض القضايا الإجتماعية والإنسانية ، إلا أن الغالب فيها هو جو المطاردات والقتل . ولأن المخرج عاطف الطيب والسيناريست بشير الديك ينتميان لجيل السينمائيين الشباب الجادين ، ويتخذان من الواقعية الجديدة في السينما المصرية أسلوباً لهما ، فقد حاولا البحث في الأصول الإجتماعية والسياسية لهذا الصراع الدائر بين شخصيات فيلمهما هذا . كما حاولا تعريف المتفرج بالخلفية التاريخية والإجتماعية لأطراف الصراع ، وبالتالي تعريفه على تلك الظروف العامة والخاصة التي تصنع مناخاً فاسداً يساعد على إنتشار الجريمة ، ويجعل من المقاومة لأجل تطبيق القانون نوعاً من المغامرة المحفوفة بالمخاطر ، وذلك لأن حماة الفساد أكثر وأقوى من حماة القانون . ــ فاصل موسيقي ــ هذه هي الفكرة العامة التي قدمها الفيلم ، وهي بالطبع فكرة إيجابية ، إلا أن النوايا الحسنة لوحدها لا تصنع فناً . فالسيناريو في فيلم (ضربة معلم) لم يوفق كثيراً بالدخول في أعماق شخصياته ودراسة إنفعالاتها وتحليلها نفسياً وإجتماعياً ، لذلك بدت ردود فعل بعض الشخصيات وتصرفاتها ساذجة وغير مقنعة . ولولا عنصري التشويق والحركة ، الذي حاول الفيلم الإحتفاظ بهما حتى النهاية . ولولا أن المخرج قد جسد ذلك بشكل ملفت ومقنع ، لسقط الفيلم في الكثير من السطحية ، وتبين بشكل جلي ذلك الضعف في شخصيات الفيلم . هذا إضافة الى الأداء الجيد من نور الشريف وكمال الشناوي ـ بحكم قدراتهما وخبرتهما الطويلة في التمثيل ـ اللذان ساهما الى حد كبير في إنتشال الفيلم من السقوط ــ فاصل موسيقي ــ إن (ضربة معلم) فيلم عادي المستوى ، رغم محاولته طرح أفكار جديدة ، مثل إيحاءاته بأن سفر رب الأسرة للعمل في الخارج وجريه وراء الثروة يقفان وراء كل هذا التفكك الأسري وضياع العائلة . فأحداث الفيلم وجو المطاردات قد أضاعت هذا المعنى ومعاني أخرى كثيرة أهم . لقد حاول الثلاثي (عاطف الطيب ـ بشير الديك ـ نور الشريف) ، تكرار نجاحهم السابق في فيلم (سواق الأتوبيس) ، إلا أنهم لم يفلحوا حتى في مجاراة تجربتهم الأولى تلك . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (لعدم كفاية الأدلة) ، بطولة نجلاء فتحي وصلاح السعدني ويوسف شعبان ، ومن إخراج أشرف فهمي . وهو إنتاج عام 1987 . بفيلم (لعدم كفاية الأدلة) يصر المخرج أشرف فهمي على انتهاج نفس الاسلوب السينمائي التجاري ، الذي قدم به اغلب افلامه . حيث يمثل هذا الفيلم نموذجاً طيباً لما قدمه هذا المخرج من قبل . وما يلفت الانتباه عند أشرف فهمي هو اختياره لافكار وقصص جديدة وغريبة على السينما المصرية ، غالباً ما تكون مأخوذة من على صفحات الحوادث في الصحافة المصرية . وهو يفاخر دائماً بان غالبية قصص افلامه حدثت في الواقع . ونحن نقول بانه ليس كل ما هو واقعي يمكن تقديمه على الشاشة ، بل ليس لهذا ضرورة . فهناك الكثير من الافكار التي قدمتها السينما لم تحدث في الواقع قد نجحت وعبرت عن هموم ومشاكل المجتمع وقضاياه المصيرية . إذاً المسألة نسبية وتكمن في كيفية تناول ومعالجة الفكرة المطروحة في الفيلم . ــ فاصل موسيقي ــ فكرة فيلم (لعدم كفاية الأدلة) إلتقطها المخرج من الجريدة وعرضها علي كاتب السيناريو مصطفى محرم ، وهو الكاتب الذي اشترك مع المخرج في كتابة ما يقارب العشرين فيلماً من قبل ، فاضافا الى الحادثة الاصلية بعض التوابل التجارية ، ونجحا في تقديم ما يجذب المتفرج . ــ فاصل موسيقي ــ تدور الاحداث حول سيدة ريفية اسمها فوزية (نجلاء فتحي) تأتي الى القاهرة مع طفلتها للبحث عن زوجها الميكانيكي ابراهيم (صلاح السعدني) الهارب من جريمة . تتعرض هذه السيدة لحادث ويتم القبض عليها بتهمة خطف طفلة ـ هي طفلتها اساساً ـ لعدم وجود ما يثبت غير ذلك . تتبنى الصحفية (يسرا) قضية هذه السيدة بينما يتزوج زوجها من ابنة صاحب الورشة التي يعمل بها . في النهاية تهرب المتهمة من التخشيبة للانتقام فتقوم بقتل زوجها في مشهد دموي عنيف . صحيح بان فكرة الفيلم جديدة ، الا ان أشرف فهمي كمخرج لم يفهم من التجديد سوى كون الفيلم يحمل فكرة غريبة لم يشاهدها المتفرج على الشاشة من قبل . وبالتالي فالمتفرج ينجذب اندهاشاً لما يشاهده . ــ فاصل موسيقي ــ اما محاولتنا للبحث عن معنى حقيقي لمفهوم التجديد عند أشرف فهمي ، فهي محاولة فاشلة طبعاً . فالطريقة التقليدية التي رسمت بها احداث الفيلم وشخصياته هي التي اعطتنا هذا التصور . فهناك شخصية الزوجة ، وهي فلاحة ساذجة اهم ما تعاني منه واودى بها الى هذا المصير هو الجهل والامية وعدم معرفتها بالتعامل مع القوانين والاوراق الرسمية. وهذه المرأة ـ بالطبع ـ نموذج للكثير من فلاحات مصر اللاتي قدمتهن السينما المصرية في الكثير من الافلام . اما شخصية الزوج فمعاناته الاساسية في الحياة تكمن في مشكلة الفقر والاحتياج للمال . هذه المعاناة التي استخدمها الفيلم لتبرير الكثير من تصرفات هذا الزوج غير المنطقية ، فهو جشع وقاس يتنكر لزوجته وابنته بكل بساطة ، فقط لكي يتزوج من امرأة اخرى غنية ، فالفيلم لايقدم لنا مبررات كافية ومقنعة تبرر تصرفاته هذه . وهناك ايضاً شخصية الصحفية ، فبالرغم من انها اخذت مساحة مناسبة في الفيلم لشخصية رئيسية ، الا انها تظل شخصية هامشية لا تؤثر كثيراً في احداث الفيلم . ــ فاصل موسيقي ــ يهذه الشخصيات الرئيسية الثلاث مع اخرى ثانوية ، حاول كاتب السيناريو ومخرجه إثارة عطف وشفقة المتفرج تجاه الزوجة المسكينة . وقد نجح كل منهما في ذلك الى حد كبير ، خصوصاً وان المخرج قدم مستوى جيد في البناء الفني التقني . وقد كان الاداء التمثيلي عنصراً فعالاً في نجاح الفيلم ، وخصوصاً نجلاء فتحي . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 55 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم العالمي (عمر المختار) ، بطولة أنتوني كوين وإيرين باباس ، ومن إخراج مصطفى العقاد . وهو إنتاج عام 1980. ــ فاصل موسيقي ــ كان ذلك في الرابع من شهر أبريل عام 1981 ، عندما عرض فيلم عمر المختار في عرضه العالمي الأول في الكويت . هذا الفيلم الذي حققه الفنان العالمي مصطفى العقاد ، والذي يعتبر بحق فيلماً تاريخياً صادقاً عن نضال الشعب الليبي ضد الإحتلال الإيطالي الغاشم . ونحن هنا في موضوعنا هذا ، لن نقوم بسرد الأحداث كما جاءت في الفيلم ، بل سنقوم بتناول هذا الفيلم من جوانب أخرى ، نعتقد بأنها أهم من سرد الأحداث ، بإعتبار أن المتفرج العربي في كافة أنحاء الوطن العربي قد كان حريصاً على مشاهدة هذا الفيلم الذي يقدم كفاح شعب عربي ضد الإحتلال بصدق وواقعية . هذا إضافة الى عرضه على شاشات تليفزيونات المنطقة أكثر من مرة ، وآخرها كانت على شاشة تليفزيون البحرين . ــ فاصل موسيقي ــ في البدء ، وقبل تناولنا للفيلم ، لابد لنا من الحديث عن مبدعه مصطفى العقاد وعن إنتاجه الضخم هذا . فهو فنان سوري المولد درس السينما في الولايات المتحدة ، وحصل على الماجستير في العلوم السينمائية من جامعة كاليفورنيا ، وحصل على الجنسية الأمريكية وإستقر هناك كان عاشقاً للسينما الأمريكية ، وكان ذلك سبباً في توجهه الى هوليوود ، حيث عمل في صناعة السينما هناك . في البداية مساعداً للإخراج في عدد من الأفلام ، حيث عمل مع المخرج المتميز سام بكنباه ، ثم كمنتج ومخرج لأفلام ومسلسلات عن موضوعات متنوعة للسينما والتليفزيون هناك . وبعد أن تمكن العقاد من بعض المال ، أدرك بأنه كفنان موضوعه عربي ومكان إبداعه الأراضي العربية . فقدم في مطلع السبعينات مشروعه السينمائي الكبير عن السيرة النبوية الشريفة ، وكان فيلم (الرسالة ـ 1976) . هذا الفيلم الذي إستغرق العقاد في الإعداد له أكثر من عامين ، ونحو عام كامل في التصوير ، وآخر في المونتاج والإعداد الفني . و ( الرسالة ) هو الفيلم الأول من نوعه في تاريخ السينما العالمية الذي تصور لقطاته مرتين في المكان والزمان نفسه .. مرة باللغة العربية وأخرى باللغة الإنجليزية ، وبممثلين مختلفين . وكانت تجربة مبتكرة حقاً ، جعلت الممثل العربي مجالاً للمقارنة بالممثل الغربي ، وأثبتت بأن في العالم العربي ممثلين يمتلكون مواهب قادرة وقديرة تقف صفاً مع عمالقة التمثيل في العالم ، بل وتتفوق في أحيان كثيرة . ــ فاصل موسيقي ــ وبالرغم من أن فيلم الرسالة يعتبر أهم وأفضل فيلم ظهر حتى الآن عن الدعوة الإسلامية ، إلا أن أبرز وأهم أبطاله لا يسمح بتجسيدهم على الشاشة . وبالتالي كان مصطفى العقاد محاصراً في نطاق ضيق ، لم يستطع أن يبرز كافة قدراته الفنية . أما في تجربته الثانية (عمر المختار ) فقد بدا العقاد أكثر تماسكاً وإبداعاً ، وفيه برزت قدراته وأثبت أنه أحد كبار المخرجين في السينما العالمية . ثم لا بد لنا أن نشير الى أن مصطفى العقاد في فيلميه (الرسالة ـ عمر المختار ) يقدم سينما الإنتاج الضخم ، حيث تجاوزت ميزانية فيلم (الرسالة) الـ 15 مليون دولار ، ووصلت ميزانية فيلم (عمر المختار) الـثلاثين مليون دولار . فكما فعل في فيلم ( الرسالة )، إستغرق العقاد نحو خمس سنوات في إنتاج وإخراج فيلمه الثاني ( عمر المختار ) . فقد إستغرق الإعداد والتحضير ثلاثة أعوام ، وبدأ التصوير في الرابع من مارس عام 1979 في منطقة صحراوية تبعد أربعين ميلاً عن بنغازي ، وإنتهى في الثاني من أكتوبر من نفس العام ، بعد تصوير المناظر الداخلية في روما . وفي أبريل 1981 بدأ العرض في الولايات الأمريكية والعالم . وقد إشترك في الفيلم ما يقارب الـ 250 ممثلاً من (الولايات المتحدة ـ بريطانيا ـ أستراليا ـ فرنسا ـ ألمانيا ـ إيطاليا ـ اليونان ـ يوغسلافيا ـ أسبانيا ـ مالطا ـ مصر ـ لبنان ـ تونس ـ السودان ـ ليبيا ) ، هذا إضافة الى أكثر من 5 آلاف من الكومبارس . ولابد أن نذكر فريق العمل الفني العالمي الذي إختاره العقاد ، والذي يتكون من كاتب السيناريو »هاري كريج« ، ومدير التصوير »جاك هيلديارد« الذي فاز باأوسكار عن فيلم (جسر على نهر كواي) ، ومؤلف الموسيقى »موريس جار« الذي فاز بالأوسكار مرتين عن فيلمي ( لورنس العرب ـ دكتور زيفاجو ) . ــ فاصل موسيقي ــ هذا عن المخرج وإنتاجه السينمائي الضخم . أما عن السيناريو ، فقد وفق السيناريست الى حد كبير في أنه قد تحاشى الوقوع في مطب البطولة الأسطورية ـ بإعتبار أن حياة عمر المختار تعطي للسيناريست مادة خصبة وثرية للتعامل معه كبطل فرد ـ بل قدم عمر المختار كنموذج إنساني يعبر عن روح شعب . وبالتالي لم يقدم السيناريست سيرة ذاتية لشخصية عمر المختار ، بل إنه قد جعل من المختار رمزاً للنضال ، وأبرز دور الجماهير الشعبية في الثورة . ففي أول ظهور للمختار على الشاشة ، يقدمه السيناريو في مشهد مليء بالدلالات ، حيث نراه بلباسه البدوي ولحيته البيضاء ونظارته التي ستلعب دوراً كبيراً في الأحداث . يظهره عجوز طاعن في السن يفسر القرآن للأطفال ، نلمح على وجهه الصافي إبتسامة مفعمة بالحب والرضا والحنان . وهو نفسه قائد الثورة القوي ، الذي تكمن قوته في ضعفه ، عندما يقرر أن يحيي الجنرال الإيطالي الجديد ، ويشن على قواته هجوماً ساحقاً يكبدهم فيه خسائر جسيمة في الأرواح والعتاد . ــ فاصل موسيقي ــ كما يؤكد السيناريو على تعريب القضية المطروحة ، وتحويلها من قضية تتعلق بنضال الشعب الليبي الى هم عربي حقيقي ، والى ممارسة فعلية للنضال العربي . كما إستطاع أن يستخرج منها دروساً تاريخية حاسمة تجزم بحتمية الإنتصار وإن طالت سنوات الكفاح . ففي مشهد النهاية ، يزداد هذا التأكيد ، عندما يجري الطفل الصغير الذي أعدموا والديه ، ليلتقط نظارة الشيخ الشهيد حين سقطت من بين يديه بعد شنقه ، يمسك الطفل بالنظارة ويجري بها في الأفق . إن هذه النظارة هي رمز المعرفة التي كان يمثلها عمر المختار ، وها هي المعرفة والراية تنتقل الى جيل جديد . ــ فاصل موسيقي ــ وقد تجنب السيناريو السقوط في هوة شوفينية عنصرية عقيمة ، بل إتسم برحابة الأفق وعمق الفهم . حيث قدم نماذج إنسانية صادقة ذات رؤية حضارية شاملة للتاريخ ، من كلا طرفي الصراع . فهو عندما أدان العسكرية الفاشية الإيطالية ، أكد أيضاً على وجود العديد من الإيطاليين الذين يرفضون سياسة العدو الفاشية. كما أنه لم يبالغ في حجم القوة العربية ، وقدم نماذج أخرى لبعض الليبيين المتعاونين مع سلطات الإحتلال . لقد كان العقاد يعي تماماً بأنه يتوجه لجمهور عالمي ، يعرف التاريخ ويحترم الصدق ، فخاطبه بلغة راقية ، سواء على مستوى المضمون أو الشكل السينمائي ، فقدم له عملاً بالغ الثراء والموضوعية ، مستفيداً من أسلوب وإمكانيات السينما الأمريكية ، سواء في تنفيذ المعارك أو في بناء الشخصيات. وبذلك نجح في كسب التعاطف والإحترام من المتفرج الغربي تجاه شخصياته وقضيتهم العادلة التي يدافعون عنها . وبالرغم من أن فيلم ( عمر المختار ) يحمل الجنسية الأمريكية كإنتاج ، إلا أنه فيلماً عربي التوجه والقضية والهوية ، فيلماً يتصدى للتعبير عن الإنسان العربي ويستلهم التاريخ العربي المعاصر . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (الأنس والجن) ، بطولة عادل إمام ويسرى ، ومن إخراج محمد راضي . وهو إنتاج عام 1984 . ــ فاصل موسيقي ــ وفيلم ( الإنس والجن ـ 1984) ، هو واحد من هذه الأفلام التي تناولت مثل هذه الموضوعات ، كما هو واضح من عنوانه . الفيلم أخرجه محمد راضي ، وقام ببطولته عادل إمام ، يسرا ، عزت العلايلي . ففاطمة (يسرا) الحاصلة على الدكتوراة في العلوم تعود من بعثة دراسية بأمريكا لتلتقي بشخص غريب وغامض يدعى جلال (عادل إمام) الذييفرض نفسه عليها ويصارحها بأنه يحبها ويريد الزواج منها ، لكن فاطمة ترفض ذلك لأنها تحب زميلها أسامة (عزت العلايلي) الدكتور الذي يعمل معها في مركز الأبحاث ، خصوصاً بعد أن تكتشف ـ ونكتشف نحن أيضاً ـ بأن جلال ليس بشراً ، بل ينتمي الى عالم الجن . وأمام إصرار جلال على ملاحقة فاطمة ومحاولته إقناعها بالزواج منه لدرجة لجوئه الى التهديد ، فإنها تنهار نفسياً ، ولا تجد مانعاً من التردد على طبيب نفساني ، والذي بدوره يفشل في علاجها ، نتيجة تمسكه بالمنطق العلمي وعدم إعترافه بالجن والغيبيات . لذا تقترح عليها والدتها أن تذهب الى إدريس ، وهو أحد المشعوذين الذين لديهم إتصال بالأرواح والجن ، فترفض في البداية ، ولكنها تضطر للذهاب إليه ليوصلها الى درجة خطيرة من الإنهيار العصبي ، تنقل على أثرها الى المستشفى . وفي النهاية ينجح الدكتور أسامة من طرد الجني جلال الى الأبد ، وذلك بتلاوة الآيات القرآنية . ــ فاصل موسيقي ــ الفيلم بشكل عام لا يخاطب العقل ، بل يتناول عنصر الخرافة وبأكثر المفاهيم بدائية في عصر العلم والتكنولوجيا . وهو ، أي الفيلم ، يريد أن يثبت لنا بأن العلم عاجز ليس عن تفسير الظواهر الخارقة فقط بل حتى تصديقها ، ورغم أنها موجودة وغير قابلة للشك . ويبدو أن الفيلم نفسه غير قادر على إقناعنا بظاهرة الجن ، وهذا ما يتضح فعلاً في تلك النهاية الساذجة ، حتى يتم طرد الجني بشكل مفتعل ، مع أنه كان الممكن إنصرافه بعد دقيقة واحدة من ظهوره في حياة فاطمة ، إذا كان الحل هو تلاوة آيات قرآنية . لكن يبدو بأن المخرج كان حريصاً على جعلنا نمكث في عالم الجن أطول فترة ممكنة . ــ فاصل موسيقي ــ يقول المخرج : ... لم تتم الإستعانة بأي متخصصين أثناء تنفيذ الفيلم ، لأن فنانينا على مستوى جيد ولديهم حس مرهف ، والمخرج الواعي ذو الرؤية الصادقة يستطيع أن يستخرج من الفنان أفضل ما عنده من طاقات إبداعية . وبالرغم من كل ذلك ، كانت تواجهنا مشاكل الإمكانيات الضعيفة للسينما المصرية بشكل عام ، وتطلب ذلك مجهوداً زائداً للوصول بالعمل الى شكل يقارب الشكل الذي نتخيله ... . لكن النوايا الحسنة وحدها لا تصنع فناً ، فالإفتقار الى الإمكانيات أنتج بالضرورة عملاً فقيراً على المستوى التقني ، حيث أن هذا الفيلم يقتضي تلك الإمكانيات التقنية والفنية ، والتي تضفي على فيلم كهذا مصداقية ذات تأثير مقنع . ثم أن المستوى الفني الجيد للفنانين والحس المرهف والوعي والرؤيا الصادقة والطاقات الإبداعية التي تحدث عنها المخرج ، لم تستطع أن تخلق عملاً متميزاً ، أو على الأقل عملاً مقنعاً . فقد لاحظنا بأن الخدع السينمائية التي كانت تصاحب ظهور الجن وإختفائه ، لم تكن مقنعة حتماً ، بل كانت توحي بالسذاجة ، وتذكرنا بالفيلم العربي القديم (طاقية الإخفاء) للمخرج نيازي مصطفى . ولولا التصريح ـ عن طريق الحوار ـ بحضور الجن ، لما إستطاع المتفرج أن يميز بين طبيعة جلال إن كان جني أو إنسان . كذلك فإن الموسيقى التصويرية التي وضعها شعبان أبو المجد ، لم تستطع أن تسهم في إحداث التأثير المطلوب . فالموسيقى بالذات ـ وكما هو معروف ـ في مثل هذا النوع من الأفلام ، لها تأثير كبير ، ويمكن أن تلعب دوراً أساسياً في خلق حالة من التوتر والإثارة . هذا هو ما قدمه لنا فيلم (الإنس والجن) ، الذي لم نلحظ فيه سوى ذلك الجهد المبذول في مجال الإضاءة والديكور ، والذي كان ملفتاً بحق ، بالقياس الى التجارب السابقة في السينما المصرية . ختام
أفلام وأفلام - الحلقة 56 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بأن نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام وأفلام). عزيزنا المستمع .. فيلمنا لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (خرج ولم يعد)، من بطولة يحيى الفخراني وليلى علوي وفريد شوفي، ومن إخراج محمد خان. وهو إنتاج عام 1984. - فاصل موسيقي - فيلم (خرج ولم بعد) هو الفيلم الثامن في قائمة أفلام المخرج المبدع محمد خان، ومن بطولة يحيى الفخراني وفريد شوقي وليلى علوي. والمتتبع لأفلام محمد خان، يلاحظ ذلك الاهتمام الزائد الذي يوليه هذا المخرج المتميز للمدينة كمكان لأغلب أفلامه. فالمدينة عنده هي عنصر هام ومشارك في الحدث، وشخصية لا تقل أهمية عن بقية شخصيات الفيلم. والمدينة في أفلامه لبست فقط خلفية للأحداث، إنما هي اكبر من ذلك. انه يقدمها بشوارعها وأزقتها الضيقة، يقدمها بكل تناقضاتها واحباطاتها. وليس فيلماه (الحريف، أحلام هند وكاميليا) إلا مثالين فقط يوضحان تماما مدى التعلق والعشق الشديدين من محمد خان للمدينة. - فاصل موسيقي - وبالرغم كل هذا الحب والولع للحياة بالمدينة، إلا إن محمد خان في فيلمه (خرج ولم يعد) يدعو بشكل غير مباشر طبعا للهرب من المدينة إلى الريف. ربما تبدو هذه الدعوة خيالية ورومانسية بعض الشيء، إلا ان مخرجنا - بدعوته هذه - يضع بطله أمام نموذجين للحياة .. المدينة بكل ما تحويه من أزمات و احباطات، والريف بما يمثلـه من جمال وعفـويـة وبساطة، ويدعوه بالتالي للهرب من متاعب وضجيج المدينة الى مكان هادىء يخلو من كل ذلك. - فاصل موسيقي - يأخذنا محمد خان مع بطله عطية (يحمى الفخرانى)، لنتابع رحلة هذا الشاب في بحثه عن اسلوب جديد للحياة، بعد ان ظلمته المدينة. ورغم انه موظف بسيط في ارشيف احـدى الوزارات، يحلم بأن يصبح مديرها العام حتى لو اقتضى ذلك عشرين عامأ من الانتظار .. فهو يسكن منزل آيل للسقوط في إحدى حواري القاهرة الفقيرة، وبسبب ازمة الاسكان، نراه يؤجل زواجه من خطيبته لمدة سبع سنوات. لكنه إزاء تهديد والدة خطيبته بفسخ الخطوبة، ويقرر الذهاب الى الريف ليبيع قطعة أرض يملكها هناك كحل لأزمة الشقة هناك في الريف. إنما لظروف طارئة، يمكث فترة ليست بالقصيرة، يتعرف خلالها على كمال بيك (فريد شوقى) وابنته خيرية (ليلى علوى) اللذين يوقظان في داخله حب الجمال والطبيعة، ويغريانه بالمكوث معهما في الريف، هنا يجد نفسه في صراع داخلي بين العودة الى المدينة التى اعتاد على الحياة فيها رغم قسوتها، وبـين الاستقرار في القرية التى جذبته ببساطتها وطبيعتها الساحرة والخلابة. في النهاية يحسم هذا الصراع لصالح الريف الذى وجد نفسه فيه بجانب خيرية التى أحبها. - فاصل موسيقي - بهذه الفكرة البسيطة جدا والتى إستوحاها السيناريست (عاصم توفيق) من رواية (براعم الربيع) للكاتب ه.أ. بيتش يحاول محمد خان إقناعنا بطرحه الهروبي هذا، وذلك عندما يظهر لنا المدينـة بصورة بشعة ومخيفة، والريف بصورة جميلة ومشرقة ورومانسية. حيث يضع بطله في بيئة شعبية فقيرة، ويتابع بكاميراته - وبلقطات كبيرة ومجسمة - التصدعات والشقوق في البيت الذي يسكنه، والماء الملوث الذى يصل إليه. هذا اضافة الى اللقطات ذات الايقاع السريع فى مشهد خروجه صباحاً من البيت وعبوره الازقة حتى وصوله الى مكان عمله. في هذا المشهد الذي يبدو أشبه بشريط تسجيلي ينبض بالحياة الواقعية اليومية، يستخدمه محمد خان للتعبـير عن البؤس والفقر والتلوث الذي يعيشه عطية في المدينة. نشاهده يحاول تجنب الرائحة الكريهة المنبعثة من القمامة المتكومة على جانبي الأزقة والطرقات، ويحاول كذلك تفادي الاختناق من جراء الغبار ودخان السيارات الذي يكاد يملأ رئتيه. هذا اضافة الى المحيط الاجتماعى والوظيفـى الصعب، والشخصيـات المنفردة والإستفزازية التى يتعامل معها يوميا (زميله في العمل، أم خطيبتـه، وحتـى خطيبتـه نفسها) .. كل هذا، لابد ان يعطي إنطباعا للمتفرج، بأن هذا الشاب يعيش حياة صعبة ويعاني من احباطات كثيرة غير قادر علي تجاوزها. - فاصل موسيقي - ثم بعد ذلك، ينقلنا، محمد خان مع عطية الى الريف، الى الطبيعة الجميلة والسارة، ليضعنا في مقارنة بيئية غير متكافئة. فعطية، بعد ان تعود ان يتنفس الهواء النقي ويتنقل وسط الحقول ليمارس هوايته القديمة، ويستعيد كذلك توازنه النفسي والعاطفي. وعندما يلتقي بخيرية يرفض العودة الى المدينة ومواجهة كل ازماتها، في مقابل التضحية بكل هذا السحر والنقاء في الريف. صحيح بأن محمد خان قد نجح فى كسب تعاطف المتفرج مع بطله عطية، وذلك عندما سخر كافة آدواته الفنية والتقنية لتجسيد فكرة الصراع بين المدينة والريف، إلا انه جسد هذا الصراع بشكل لا يرتبط بالواقع الاجتماعد والاقتصادى، و إنما جعله محصورا في البيئة فقط. فالصراع هنا لايتم بين طبقات اجتماعية او افكار متباينة او حتى بين قيم اخلاقيـة او فلسفية، فبدلاً من الدعوة الى الالتصاق بالانسان في كل مكان، في الشوارع والمصانع والبيوت بما فيها الطبيعة، نرى محمد خان يكتفي ويصر على إلباس المدينة ثوب الشر والريف ثوب الخير. - فاصل موسيقي - ثم لا يخفى علي المتفرج ملاحظة الاختلاف المتباين للسرد الدرامي في البيئتين، ففي المدينة نجد الكابة والحزن يسيطران على المكان وشخصياته، بينما في الريف يتجه السيناريو إتجاهآ اخـر، وذلك عندما يضيف عنصري الفرح والكوميديا على الاحداث الدرامية، حتى يضمن أيضا إنحياز وتعاطف المتفرج لفكرة الفيلم وبطله عطية. أيضا محمد خان كمخرج - في فيلمه هذا- لا ينحاز الى الريف مضموناً فحسب، بل وحتى تقنياً وجمالياً، ففى مشاهد المدينة نلاحظ التركيز على استخدام الاضاءة المعتمة واللقطات الكبيرة لإبراز العيوب، هذا اضافة الى المونتاج السريـع والمتوتر لكي يعطي إيقاعاً حادا للسرد الدرامي. اما في مشاهد الريف فنجد اللقطات عامة واكتر جمالاً في أغلبها، والاضاءة ساطعة والألوان تمتاز بالشفافية إضافة الى تجنب السيناريو اظهار اى شخصيـة شريرة او غير مستحبة، وابراز شخصيـات تتحرك في تلقائية معتادة بلا تذمر او مشاكل او هموم. - فاصل موسيقي - ومما لاشك فيه ان محمد خان كان واعيا لكل ذلك، كما جاء في تصريحاته الصحفية .. فهو في هذا الفيلم يقدم محاولة للتعبير عما يؤرقه كفنان يحمل رؤية فنية وسينمائية خاصة وذاتية. كما انه قدم فيلماً ذو إطار رومانسي مطعم بالكوميديا، استطاع من خلاله الوصول الى قلب وعقل المتفرج العادي، بعد ان كانت افلامه السابقة لا تلقى رواجآ جماهيريا. فهذا المتفرج قد تعرض لعملية تشويه من قبل الافلام المصرية الهابطة، ووجد نفسه الآن أمام فيلم يقدم له كوميديا خفيفة ونظيفة نابعة من الموقف او الحدث الدرامي آساسا، إضافة الى ان الفيلم امتاز بالتلقائية والسلاسة وبالحوار اللماح والمتدفق. - فاصل موسيقي - اخيرا، وبغض النظر عن اختلافنا مع ما جاء فى المضمون، فان فيلم (خرج ولم يعد) عمل جميل يتخلى فيه محمد خان عن نظرته الحزينة التى ضمنها جميع افلامه السابقة. صحيح بان الفيلم قد ظهربشكل يختلف عما هو سائد وتقليدي، إلا انه في نفس الوقت لايشكل خطوة متقدمة لمحمد خان كرؤية فكرية وفنية حيث كان بعيدا - الى حد ما- عما وصل اليه محمد خان من تجديد ورؤية سينمانية متطورة في فيلمه الأسبق (الحريف). - فاصل موسيقي - عزيزي المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم، مغموراً بالصور، مبتعداً عن العالم الواقعي، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له - يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم. - فاصل موسيقي - فيلمنا الثاني - عزيزنا المستمع - هو الفيلم المصري (الكيف)، بطولة محمود عبدالعزيز ويحيى الفخراني ونورا وجميل راتب، ومن إخراج علي عبدالخالق. وهو إنتاج عام 1982. - فاصل موسيقي - فيلم (الكيف) هو عودة ثانية وموفقه لعالم المخدرات للثنائي المخرج علي عبد الخالق والسيناريست محمود أبو زيد. وذلك بعد نجاح فيلمهما الأول (العار- 1982). وفيلم الكيف يعتبر من الأفلام الهامة التي ناقشت قضية المخدرات وتأثيرها على المجتمع، بل انه ناقش حتى قضية الكيف بشكل عام سواء كان متجسدا في المخدرات أو في السيل الجارف من الأغاني الهابطة التي تساهم في انحدار الذوق العام. وهو بالتالي يطرح تساؤلات ويحاول الإجابة عليه، ألا وهو: هل الكيف حقيقة أم وهم؟ - فاصل موسيقي - لقد نجح صناع الفيلم في خلق ذلك التسلسل المنطقي للأحداث، كما نجحوا في خلق جو من الهزل الصاخـب ليكـون معـادلا للمناقشات المنطقية المستفيضة بين الشقيقين (محمود عبد العزيز، يحيى الفخراني) الأول غارق في القاع وسط العوالم وحفلات الأعراس وله فلسفة ولغة خاصة في التعامل مع الحياة، والآخر يعيش حياته وفق المبادئ والمثل ويتسلح بالعلم. شخصيتان مختلفتان بل ومتناقضتان لم يكن اختيارهما عبثا وإنما جاء هذا الاختيار لابراز ذلك الخلل الاجتماعي والثقافي الذي يعانى منه المجتمع المصري نتيجـة الانفتـاح الاستهلاكي. هذا الانفتاح الذي كان له دور تخريبي خطير في انحدار الذوق العام وانتشار أخلاقيات سلبية وسيادة الفن الرديء والتافه وازدهار تجارة الغش والخداع والنصب وبالتالي استطاع الرديء الانتشار والسيطرة على الوسط الاجتماعي، حيث قويت شبكـات تجـار المخدرات واصبح لهم قلاعهم الخـاصة يحتمون بداخلها، شبكات توزيع لهذه البضاعة المدمرة تجنى لهم الكثير من الثروة وتقضي على العقل وتسلب الإرادة. - فاصل موسيقي - كل هذا ناقشه الفيلم من خلال حـوار كثيف وذكى ومليء بالسخرية المريرة، حوار يحتو ى على مفردات للغة جديدة سوقية ومتداولة بشكل واسع في الأوساط الشعبية، كلمات لا معنى لها تتميز بالغرابة ولها رنين يصدمك ويدهشك استثمرها المؤلف في تقديم عدد من الأغاني داخل الفيلم أطلق عليها صفة التفاهة أدانها أصحابها في الفيلم قبل أن يدينها المتفرج. هذه الأغاني اعتبرها المخرج علي عبد الخالق منفذا له للخروج من جو المناقشات بين الشقيقين وهربا من الرتابة التي من الممكن أن تسببها هذه المنـاقشات لاحتوائها على حوار كثيف ومباشر في أحيان كثيرة. صحيح بان هذه الأغاني قد أخذت حيزا مبالغا فيه بعض الشيء إلا أن المشكلة تكمن في كاتب السيناريو الذي اخفق في البحث عن لغة سينمائية تكون فيها الصورة قادرة على استيعاب مناقشات كهذه، لذلك لم يستطع المخرج حل هذه المشكلة بل استمر تأثير صوت هذه المناقشات على الصورة ورؤية العين بالرغم من محاولته (المخرج) الابتعاد عن استخدام زوايا تصوير ولقطات قريبة، والاستعاضة عنها بزوايا تصوير واسعة وبعيدة لا توضح تعبيرات وجه الممثل ولا تكشف عن انفعالاته و دواخله. لدرجة لجوئه (المخرج) إلى أوضاع غريبة للكاميرا دون مبررات فنية أو درامية. - فاصل موسيقي - بالرغم من هذا المأزق الذي وجد المخرج نفسه فيه، إلا أنه استطاع بمساعدة العناصر الفنية الأخرى الحفاظ على سخونة القضية المطروحة. كما أن المخرج قد أعطى الفرصة كاملة لممثليه للإبداع والانطلاق حدود الشخصية المرسومة. فكانت حقا مباراة فنية بين محمود عبد العزيز ويحيى الفخـرانـي، فقد أضحكنـا عبدالعزيز وأبكانا، وأبكانا الفخراني وأضحكنا. ختام
أفلام وأفلام - الحلقة 57 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بأن نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام وأفلام). عزيزنا المستمع .. فيلمنا لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (آسفة أرفض الطلاق)، من ميرفت أمين وحسين فهمي، ومن إخراج إنعام محمد علي. وهو إنتاج عام 1985. - فاصل موسيقي - وفي حلقتنا هذه سنتناول الفيلم التلفزيوني (آسفة أرفض الطلاق) للمخرجة "إنعام محمد علي". وإنعام محمد علي تعتبر من المخرجات البارزات في التلفزيون المصري، وأعمالها تشهد لها بالجودة والقدرة على تلمس الواقع الاجتماعي للأسرة والمجتمع. فقد قدمت مسلسلات تلفزيونية مثل. حتى لا يختنق الحب، هي والمستحيل، دعوة للحب، حصاد العمر. وقدمت سهرات تلفزيونية أبرزها "أم مثالية" وجميع أعمالها تهتم بقضية المرأة ودورها في قيام الأسرة الناجحة. تقول المخرجة إنعام في هذا الصـدد "صحيـح أن معظم مسلسلات تعالج قضايا المرأة، إلا أنني لست متحيزة للمرأة لأنني لا أدافع عن المرأة فقط، بل أدافع عن المجتمع كله، أنا متحيزة لمجتمع متحضر، يدفع عنه تهمة التمييز بين الرجل والمرأة. تلك التهمة التي مازالت قائمة في مصر والوطن العربي "آسفة أرفض الطلاق" يعتبر أول تجاربها الفيلميـة لافلام التلفزيون كتب قصة الفيلم "حسن محسن " وصاغ السيناريو والحوار "نادية رشاد ". وقد آثار الفيلم ردود فعل قوية ومؤيدة للفكرة الجريئة التي طرحها - فاصل موسيقي - يقدم لنا الفيلم شخصيـة الزوجة الهادئة الطيبة "منى" (ميرفت أمين)، التي تهب وقتها لزوجها وتربية ابنتها الوحيدة وتسعى بإخلاص لراحتها. وتعتبر حياتها مع زوجها "عصام " (حسين فهمي) كل ما في مجتمعها. ولكن زوجها يفاجئها في العيد العاشر لزواجهما بأنه يريد الانفصال عنها وبهدوء. ومن الطبيعي أن تشعر في هذه اللحظة بأن كل شئ انتهى، وكل أحلامها وكبريائها والإنجازات التي حققتها على مدى عشر سنوات، قد تحطمت بكلمات قليلة تفوه بها الزوج. عندها لا تملك إلا أن ترفض هذا الطلاق بكل قوة لديها استمدتها من سنوات السعادة التي قضتها معه. إنها ترفض هذا الطلاق بدون معرفة الأسباب التي جعلته يتخذ هذا القرار المفاجئ. وبعد أن تفيق من الصدمة لا تجد معها سوى والديها وصديقتها "هناء" (نادية رشاد أ أستاذة القانون التي آثارها الموقف الذي تقف فيه صديقتها، وبدأ الجدل في هذا الموضوع يثير اهتمامها بشكل كبير، حيث لم يكن يفارقها التفكير فيه لا في البيت ولا في الجامعة وبرز أمامها تساؤل وحيد هو هل من حق الزوج أن يطلق زوجته بدون استشارتها، مع العلم بأن القوانين التشريعية والوضعية تكفل للزوج هذا الحق. لذلك تنصحها صديقتها منى باللجوء إلى القضاء لاستعادة روجها ا بل وتقرر في نفس الوقت الترافع عنها بعد أن ضحت بعملها في الجامعة بدافع عشقها للعدالة الاجتماعية، وتبنيها لقضية صديقتها كمثال للتعسف في استخدام الحق من قبل الزوج، فالاسرة كائن حي أيضا. وبالرغم من إثارة هذه القضية أمام الرأي العام من خلال وسائل الأعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، إلا أن أستاذة القانون لا تنجح في إقناع المحكمة بعدالة قضيتها، ولكنها تنجح في عودة الزوج لزوجته طالبا السماح، وإنه سيعوضها عن كل شئ ضاع وينتهي الفيلم، بهذه العبارة علي لسان الزوجة، " اللي ضاع مايتعوض". اللي ضاع إحساسي بالأمان ". - فاصل موسيقي - بالرغم من قوة الفكرة وجرأتها التي اعتمد عليها الفيلم في نجاحه، إلا أن السيناريو قد أخفق في بعض الأحيان. فقد اتسم الفيلم بالمشاهد الطويلة والحوار المسترسل والرتابـة المملة، خصوصا قبل معرفة الزوجة بقرار الزوج هذا. وقد حاولت المخرجة تجنب هذا الترهل في المشاهد باستخدامها للمونتاج السريع واللقطات القريبة التي تعكس التعبيرات الدقيقة على وجوه الشخصيات. هذا إضافة إلى أن السيناريو لم يقنعنا تماما بموقف الزوج من جراء اتخاذ قرار خطير كهذا ليترك زوجته الشابة والجميلة والثرية والتي تحبه في نفس الوقت وتتفانى في خدمته، لمجرد إنه يحب امرأة أخرى كانت حبه الأول وحتى لو كان هذا التصرف عبارة عن نزوة طارئة فلا يمكن أن تأتي من فراغ بل لابد أن يكون لها مبررات تتعلق بتفاصيل و حياة الأسرة والفيلم، إخراجا، لم يخرج عن نطاق الحيز التلفزيوني، حيث كانت أغلب مشاهده صورت في غرف مغلقة، كعادة التصوير في المسلسلات، ماعدا لقطات قصيرة جدا في النادي والسيارة. واهتم الفيلم باللقطات القريبة بشكل لافت للنظر باعتباره ينتمي للتلفزيون. - فاصل موسيقي - وقد ساهم ؤ نجاح تجربة إنعام محمد علي هذه وتقديم رؤيتها الفيلمية الأولى وجود موضوع جديد وجرئ ذي فكرة فنية جيدة. وتظل النهاية المفتوحة وغير التقليدية من أهم ما وصل إليه الفيلم من نتائج إيجابية حيث لم يبين للمتفرج هل عادت الزوجة لزوجها أم أنها رفضت العودة إليه مثلما رفضت رغبته في الطلاق سابقا أن الفيلم هنا يدق جرس الإنذار في وقت ألغي فيه قانون الأحوال الشخصية الذي صدر في عام 1979، وفي غيبة من البرلمان الذي رفض من قبل المحكمة الدستورية العليـا. ليتجدد الحوار مرد أخرى حول علاقات الرجل بالمرأة في المجتمع المصري. - فاصل موسيقي - عزيزي المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم، مغموراً بالصور، مبتعداً عن العالم الواقعي، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له - يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم. - فاصل موسيقي - فيلمنا الثاني - عزيزنا المستمع - هو الفيلم المصري (فارس المدينة)، بطولة محمود حميدة ولوسي، ومن إخراج محمد خان. وهو إنتاج عام 1991. - فاصل موسيقي - يعتبر فيلم (فارس المدينة- 1991) تجربة إنتاجية جديدة، يغامر بها ويخوضها محمد خان منفردا، وباتفاق يعد الأول من نوعه في مصر، مع أحد البنوك المصرية (بنك تنمية الصادرات)، ليفتح به مجالا جديدا للسينما المصرية للخروج من مأزق تمويل الأفلام الخارجة على التقليد السائد والتخلص من شروط عجلة الإنتاج المصري المتخلف. وقد بدأت هذه التجربة/المغامرة حينما فشل محمد خان من العثور علي منتج لفيلمه هذا، وذلك بسبب رفض المنتجين قبول الممثل محمود حميدة كبطل للفيلم. مما دفع محمد خان للجوء إلى البنك واقتراض مبلغ مائتي ألف جنيه لتمويل إنتاج الفيلم. - فاصل موسيقي - في (فارس المدنية)، والذي كتب له السيناريو والحوار فايز غالي، يقدم محمد خان الممثل الجديد (محمود حميدة) في أول بطولة مطلقة له، حيث يلعب دور شاب خرج من قاع المدينة.. بدا حياته كسائق لسيارة أجرة أشتغل في تجـارة الـعملـة وتـهريـب الدولارات. وإستطاع أن يغسل ثروته التي تضخمت من الأعمال غير المشروعة، بأن بدا يشتغل في مشروعات نظيفة، فاصبح يتاجر في اللحوم واشترى ثلاجة ضخمة وشارك في نصف مصنع للجلود، وغدت له شقة فاخرة في القاهرة وفيـلا جميلـة في الإسكندرية، كما ساهم بخمسة ملايين جنيه إحدى شركات توظيف الأموال. وقد اختار كاتب السيناريو اسم "فارس حسن الهلالي" لهذا الشاب/الفارس، تيمنا بفارس فيلم (أمير الانتقام) الذي قام ببطولته أنور وجدي باسم "حسن الهلالي". إلا أن الكاتب والفيلم الجديد قد تبنى مفهوما مغايرا للفروسية، ففارس هذا الزمان لا يمكن أن يكون مثل فرسان العصور الوسطى، ممن كانوا يمتطون صهوات جيادهم مجردين سيوفهم في وجه الشر ومدافعين عن المبادئ والمثل العليا باستماتة، لذلك ففارسنا الجـديد مازال يحمل بعض مواصفات الفروسية في زمن تلاشت فيه أخلاق الفرسان. - فاصل موسيقي - تبدأ أحداث الفيلم، عندما يتلقى فارس في صباح أحد الأيام، مكـالمة تليفونية على جهاز التسجيل، يطلب فيها ادهم الوزان (عبد العزيز مخيون) من فارس أن يسدد له الدين الذي عليه خلال خمسة أيام - هي زمن أحداث الفيلم - لأنه في حاجة إليها لتمويل صفقة لحوم، نعرف فيما بعد أنها صفقة مخدرات، مشيرا من طرف خفي إلى القرار الذي تصدر صحف صباح أحد أيام شهر يونيه 1988، والذي يقضي بالتحفظ على شركـات تـوظيـف الأموال وتجميـد أرصدتها. ذلك القرار الذي طال أموال فارس أيضا. - فاصل موسيقي - هنا يبدأ فارس معركته لجمع الدين الذي عليه والذي قيمته خمسة ملايين جنيه. يبدأ رحلة جمع الملايين، ممتطيا سيارته الفارهة، مديرا معركته عبر هاتف السيارة، ويناور لاسترداد بعض المال ممن يدينون له، وبيع معظم ممتلكاته العلنيـة والسرية، وتصفية كل تعاملاته، ليبدأ من جديد من نقطة الصفر لا يملك سوى قناعته الخاصة بأنه لن يتنازل عن شهامته وفروسيته المتبقية لسداد هذا الدين ومن خلال هذه الرحلة/المعركة، يكشف الفيلم عن ذلك العالم المليء بالفساد والعنف والكراهية.. يكشف عن عالم لا وزن فيه للعواطف أو القيم، تحكمه فقط المصالح الخاصة، ويتحول فيه الأفراد إلى وحوش يلتهم كبيرهم صغيرهم في نشوة وتلذذ. عالم مافيا التهريب والمخـدرات وتجـارة العملـة واللحوم الفاسدة والصفقات المريبة وشركات توظيف الأموال المشبوهة.. عالم يتسيد فيه ادهم الوزان، أحد كبار رجال هذه المافيا، والذي يدير شبكة أخطبوطية تمتد اذرعتها لتطال كل شئ يعبث بالاقتصاد والسياسة، ولا يتورع عن سحق فارس بأعصاب هادئة من اجل الملايين المطلوبة.. مستخـدما أصدقاء فارس أنفسهم، حين نراهم يبيعونه الواحد تلو الآخر لحساب الوزان. - فاصل موسيقي - ومن جانب آخر، يدلف بنا السيناريو إلى عالم مختلف يفيض دفئا وعذوبة عالم البسطاء والغلابة المسحـوقين فهدى (لوسي) الشابة المطلقة بوجهها الهادئ والمريح، ممرضة في احدى المستشفيات الاستثمارية الكبرى، تتسلل إلى صحراء فارس القاحلة كنقطة ماء عذبة تروي عطشه للحب والحنان الذي افتقده مع مطلقته دلال (سعاد نصر) وأم ولده الوحيد "بكر"، والذي أفسده التدليل ودفع به إلى طريق الشم والإدمان. هناك أيضا عبد العظيم القرنفلي (حسن حسني) مدرس التاريخ العجوز، الذي يخطط دوماً لإلقاء نفسه أمام سيارات الاثرياء الفاخرة لينعم بدخول المستشفيات الاستثمارية، وقضاء أيام من الراحة والطعام الصحي، تم يعود لشقته حيث أكوام الجرائد القديمة وحكايات التاريخ. - فاصل موسيقي - هذه الشخصيات مع أخرى مثلها، تمثل مزيجا غريبا ومدهشا من الشخصيات جسدها محمد خان في (فارس المدينة)، فهو فيلم حاشد يلهث بين الشخصيات والأحداث.. تعبيرا عن عالم لاهث يجري وراء المال والربـح السريع.. ولاتكاد تلتقط أنفاسك إلا مع مشهد النهاية.. حيث يستقر فارس، بعد سداد دينه، في هذه الشقة المتواضعة بالحي الشعبي بجوار حبيبته هدى وصديقه العجوز القرنفلي، ليبدأ صفحة جديدة. ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 58 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (الأقزام قادمون) ، بطولة يحيى الفخراني وليلى علوي ، ومن إخراج شريف عرفة . وهو إنتاج عام 1986. ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا هذا الأسبوع (الأقزام قادمون) ، هو باكورة أعمال المخرج الموهوب (شريف عرفة) . بطولة خمسون قزماً شاركوا ليلى علوي ويحيى الفخراني وجميل راتب . وكتب سيناريو الفيلم ماهر عواد ، وصوره طارق التلمساني . ــ فاصل موسيقي ــ تدور أحداث هذا الفيلم الجرىء حول رجل الإعلانات شهاب (يحيى الفخراني) الذي حقق وضعاً إجتماعياً وشهرة عريضة في هذا المجال . إلا أنه يشعر بزيف حياته وكذب بريقها ، خصوصاً عندما يحترق محل ديسكو ( كان قد نفذ له إعلاناً ) في يوم إفتتاحه ، ليكون هذا الحادث دافعاً لأن يبتعد عن مجال الإعلانات ، ويلقي نظرة من جديد على حياته هو وزوجته ناني ( ليلى علوي) موديل إعلاناته . لذا يقرر شهاب القيام بإجازة يقضيها في شاليه يملكه في الإسكندرية . وهناك يلتقي بالقزم شيكو بائع الآيس كريم ، الذي سبق وعمل معه في عدد من إعلاناته . يعجب شهاب بإرادة شيكو ، عندما قرر ترك الإعلانات والعودة الى عربة الآيس كريم . حيث يتعرف من خلاله على عالم الأقزام ويزور قريتهم ويعجب ببساطة حياتهم وصدقها . ــ فاصل موسيقي ــ هنا تبدأ لحظة الإكتشاف والتنوير عند شهاب ، فمن خلال معايشته لعالم الأقزام ، هذا العالم الذي على الرغم من إستضعافه من قبل الآخرين إلا أنه عالم يعيش فيه قوم متحابون يفعلون مايحلو لهم ويستطيعون العيش في سعادة لم يستطع وهو الإنسان السوي تحقيقها ، سواء في منزله أو في عمله ، على الرغم من أنه مخرج إعلانات مشهور ، حيث يجد نفسه مجبراً على الدعاية والإعلان لسلع لا يحبها ، بل ويشعر بزيفها. وعندما تتحقق لحظة التنوير هذه ، ينخرط شهاب بحماس في هذا العالم الجديد عليه ، بل ويساهم دون أدنى تردد في حل مشكلة الأقزام المزمنة ، وهي إسترجاع ملكية قطعة الأرض التي يعيشون عليها ، والتي يدعي رضوان بيه (جميل راتب) ملكيته لها . وينتهي الفيلم بعد أن ينجح الأقزام ومعهم شهاب في إسترجاع ملكية الأرض ، ويخرج هو أيضاً من أزمته النفسية ، ليعود الى الحياة التي يحلم هو بها . ــ فاصل موسيقي ــ يستمد فيلم (الأقزام قادمون) فكرة موضوعه ، بالتركيز على واحدة من المهام الوظيفية المؤثرة في محيط المجتمع ، حيث العلاقة التي لا تنتهي بين مصمم الإعلانات التجاري والإعلان نفسه بمجرد أن يقبض أتعابه . وماذا لو تبين بأن البضاعة التي روج لها مصمم الإعلان وأبدع في الإعلان عنها ، هي بضاعة فاسدة أو هي دون مستوى الإعلان نفسه ؟ ألا يكون قد ساهم فعلياً في تزييف الحقيقة ؟ ثم ما هو مدى المسئولية التي يتحملها ؟! جميعها أسئلة طرحها الفيلم وحاول جاهداً البحث عن إجابات واضحة عليها .. إجابات أدان من خلالها الكذب والغش والتحايل والتزييف في ظل ظروف إجتماعية معينة ، تتحرك في إطار ما هو مسموح . ــ فاصل موسيقي ــ منذ البداية تتضح لنا قدرة المخرج وكاتب السيناريو على خلق أفضل الأجواء الفنية التي تضع المتفرج في لب الأحداث ، وذلك من خلال لغة سينمائية تتسلسل فيها اللقطات في مشاهد ( الفلاش باك ) بعفوية مقصودة لنتعرف على الشخصيات والأحداث التي وصلت الى ذروتها مع دخول الأقزام في حياة شهاب . لقد إستغل المخرج شريف عرفة أقزام فيلمه لتحقيق المعادلة الصعبة ، فجاء توظيفه لمجتمع الأقزام جيداً يخدم فكرة الفيلم ، بعيداً عن التهريج ، بل أعطاها أبعاداً وإسقاطات رمزية تنطبق على المجتمع ككل ، وليس على مجتمع الأقزام فقط . ــ فاصل موسيقي ــ قدم شريف عرفة مستوى فني وتقني جيد ومبتكر ، إعتمد فيه كثيراً على الصورة ، حيث قدم كادرات جمالية موحية ومؤثرة تحت إدارة الفنان طارق التلمساني . كما إعتمد أيضاً على المونتاج المتدفق الذي لعب دوراً بارزاً في الإرتفاع بمستوى الفيلم ، وجاء ليخدم الإيقاع العام للفيلم بمنتهى الحساسية ، خاصة في مشاهد ( الفلاش باك ) والإنتقال من الحاضر الى الماضي والعكس ، ثم الدخول الى لب الحدث مباشرة ، بعيداً عن الوسائل التقليدية البالية . وقد جاء (الفلاش باك ) سريعاً مركزاً لم يقطع تدفق الأحداث ، بل ويؤكد نجاح السيناريست والمخرج في أولى تجاربهما الفيلمية . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (كشف المستور) ، بطولة نبيلة عبيد وفاروق الفيشاوي ويوسف شعبان ، ومن إخراج عاطف الطيب . وهو إنتاج عام 1994 . ــ فاصل موسيقي ــ يتعرض الفيلم لملفات عناصر المخابرات السابقة ، خاصة فيما يتعلق بدور المرأة كأنثى ، وإستخدامها كطعم للرجال من أجل الحصول على المعلومات السرية . فسلوى شاهين (نبيلة عبيد) سيدة متزوجة من طبيب ورجل أعمال معروف ، تعيش حياة مستقرة وسعيدة مع زوجها (حسن كامي) . إلا أنه كان لها تاريخ مضى عليه سنين طويلة ، يعود من جديد ليحاول السيطرة عليها ويتحكم في حياتها الحالية . ــ فاصل موسيقي ــ يكون هذا عندما يتصل بها مدير إحدى المؤسسات المتخصصة في البحث والتحري (جهاز مخابرات) محسن (فاروق الفيشاوي ، ويطلب منها التعاون معهم في عملية مخابراتية جديدة ، بإعتبار أن سلوى شاهين كانت عضوة نشطة في هذه المؤسسة منذ سنوات طويلة . وبالطبع لا تستطيع الرفض ، لأن محسن يهددها بصور وأفلام فاضحة لها ، مازالت المؤسسة تحتفظ بها ، بالرغم من أن المسئولين السابقين الذين عملت معهم أقنعوها بأن هذه الصور قد أحرقت تماماً . ــ فاصل موسيقي ــ هنا ، وأمام هذا الوضع الجديد الطاريء في حياتها ، تتخلى سلوى شاهين عن زوجها وعن كل شيء ، في سبيل هدف واحد تعتقد بأنه هام جداً ومصيري بالنسبة لها ، وهو البحث عن مديرها السابق في نفس المؤسسة طلعت الحلواني (يوسف شعبان) والذي أكد لها ـ كذباً وغشاً ـ بإعدام كل ما يتعلق بها في هذه المؤسسة . ومن الطبيعي أن يكون مشوار هذا البحث صعب ومليء بالمفاجآت ، تلتقي فيه بزميلاتها القدامى في نفس المهنة ، وترى كيف أن السنين قد غيرتهن . الى أن تصل في النهاية الى المدير طلعت الحلواني ، والذي يعيش في أحد المزارع البعيدة ، يتسلى بتربية النحل عازلاً نفسه عن كل شيء . وتعرف منه بأنه هو أيضاً كان ضحية الغش والكذب ، من المسؤولين الأكبر منه ولم يستطع ـ طبعاً ـ أن يفعل شيئاً حيال ذلك ، بل وينصحها بأن تسافر للخارج لتبتعد عن شر المتربصين بها . ــ فاصل موسيقي ــ تعود سلوى شاهين الى حيث أتت ، وفي ذهنها ـ قبل أن ترحل ـ فضح كل هذا الغش والخداع على الرأي العام . إلا أن المتربصين لها من كل جهة ينفذون حكم الإعدام فيها ، بعد وصولها في سيارتها مباشرة . ــ فاصل موسيقي ــ في فيلم (كشف المستور) نحن أمام سيناريو جيد وجريء مرسوم بعناية شديدة ، لولا إن حساسية الموضوع الذي يتناوله الفيلم وخطورته ، قد جعلتا الفيلم يتعرض لمقص الرقابة والمخابرات ، فجاء مشوهاً ومبتوراً ، ولم يقل ما يريده بالشكل الذي ينبغي . كذلك الإخراج كان جيداً ، حافظ على إيقاع متناغم والحدث الدرامي . حيث وفق المخرج في إدارة فريق العمل الفني ، خاصة إدارته للممثل . وهناك تصوير جيد نوعاً ما ، إلا أنه لا وجود هناك لتكوينات جمالية في الكادر . مونتاج عادي ليس فيه أي تميز . وموسيقى تتناسب والحدث الدرامي . ختام
أفلام وأفلام - الحلقة 59 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بأن نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام وأفلام). عزيزنا المستمع .. فيلمنا لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (كابوريا)، من بطولة أحمد زكي ورغدة، ومن إخراج خيري بشارة. وهو إنتاج عام 1989. - فاصل موسيقي - بعد أربعة أفلام صبغها بألوان واقعية شاعرية تميل إلى السواد (الأقدار الدامية، العوامة 70، الطوق والآسرة، يوم مر ويوم حلو) قفز خيري بشارة - وبلا مقدمات - إلى عالم الفنتازيا الساخرة وقدم (كابوريا). وهو الفيلم الذي استقبله نقاد السينما في مصر بفتور وأحيانا بعداوة، وأقبل عليه الجمهور المصري بحماس شديد، فحقق في الأسابيع الثلاثة الأولى له على الشاشات المصريـة، إيرادات تـعـدت الثلاثمائة ألف جنيه وهو رقم لم تسجله سوى أفلام قليلة، بينهما أفلام النجم عادل إمام. - فاصل موسيقي - شخصيا كان استقبالي للفيلم في مشاهدتي الأولى له استقبالا فاترا، بل أنني صدمت بالفيلم واعتبرته أقل مستوى مما تعودته من خيري بشارة. هذه الصدمة، ربما كانت نتيجة حتمية بعد كل ذلك الانبهار والتعاطف لما قدمه خيري بشارة من قبل، وان هذا التحول المفاجئ في أسلوبه، هو بالضبط ما جعلني مرتبكا في استقبالي لفيلمه الجديد. يقول خيري بشارة : (علي المستوى الشخصي، أنا طول عمري "كابوريا" أفلامي الأربعة الأولى، على الرغم من كل العواطف التي تحملها، حققتها بوعي ذهني شديد، وفي كل مرة كنت أسابق نفسي باحثا عن كيفية التخلص من سيطرة هذا الوعي الذهني علي. كان كاتب الكابوريا في داخلي، وكبت رغبة التمرد الدائمة في داخلي .. وأثناء تحقيقي لأفلامي التسجيلية وأعمالي الروائية الأربعة قبل كابوريا، كنت أمينا مع رؤيتي في السينما هو دور تنويري (…). - فاصل موسيقي - ويواصل خيري بشارة، ويقول : (اليوم، من حقي أن أتغير، أنا ديموقراطي مع نفسي قبل أن أكون ديموقراطياً مع الآخرين. في داخلي أشياء مكبوتة لابد أن أعطيها فرصة للخروج، أشعر أنني كنت ديكتاتوريا على نفسي، واليوم أعامل نفسي بمنتهى الرحابة، وأرى كابوريا اقرب فيلم لتركيبتي الشخصية الحقيقية، وبداية مرحلة سأقلب فيها كل شئ من دون أي رقابة ذاتية، وسأخرج من المياه العذبة لأستمتع بالمياه المالحة!!). من هنا يصبح ما قاله خيري بشارة أمراً مشروعا لأي مبدع، حيث يفترض أن يكون الفنان صادقا مع نفسه، حتى يكون صادقا مع المتلقي، فمن حق أي فنان أن يقدم ما يريده من فن، ومن حق المتلقي قبوله أو رفضه، فالاختلاف ليس ظاهرة سلبية، بل هي على العكس إيجابية خاصة في مجـال الفن والإبداع، وليس صحيحا أن نهاجم الفنان ونصادر حريته لمجرد اختلافنا معه. - فاصل موسيقي - ففي فيلمه (كابوريا) يتحدث خيري بشارة عن أربعة شبان من الطبقة الشعبية الفقيرة، يهوون الملاكمة ويحلمون بالمبـاريات الدولية. ويتحدث من جانب آخر عن سيدة ثرية (رغدة) تبحث عن أحاسيس قوية تخرجها من سأم حياتها المخمليـة، فتصطاد الشباب وتدخلهم في فيلتها، حيث تستبدل المراهنات علي مباريات الديوك بالمراهنات على مباريات الملاكمة، ويعيش هدهد (حمد زكى) وأصدقائه سلسلة من المواقف، يلمسون فيها زيف المجتمع المخملي، فيعودون إلى ناديهم الشعبي الصغير، ويرجع هدهد إلى حبيبته فتاة النافذة المواجهة للنادي. ولأن "الكـابوريـا" يتم اصطيادها في غبش الفجر، عندما تسير منتشية علي الشاطئ، ليتسلى بأكلها ليلا، كذلك يتم اصطياد صعاليك الشوارع فجرا، ليتسلى بهم السادة ليلا، من هنا تعمد الفيلم أن يكون اللقاء الأول بين "رغدة" و"احمد زكى" على سطح النيل في الفجر، حيت يتسلق منتشيا جدار باخرتها، وهو لا يعلم أنها تصطاده للتسلي. - فاصل موسيقي - هذه هي الفكرة العامة التي صاغها خـيري بشارة مـع السيناريست (عصام الشماع) للفيلم، فهما في هذه الصياغة الجديدة، قد تجاوزا ما يسمى بالواقعية، وقدما كوميديا غنائية تسخر من تناقضات الواقع الاجتماعي والاقتصادي. يقول خيري بشارة، في هذا الصدد : (أثناء العمل علي سيناريو كابوريا، كنا دائما نردد أننا نريد أن نكون صادقين كالكريستال، لا مكان في اهتمامـاتنـا لخلفيـات الشخصيـات الاجتماعيـة والاقتصادية والزمن والمكان التاريخيين، وكل هذه الأشياء المرتبطة بـالواقـعيـة الاشتراكية، ما قبل ذوبان ثلوج 56 إنتهت بالنسبة لي، عبرت عنها في أربعة أفلام ولا أرغب في المزيد من الترداد). وبما أن خيري بشارة يعلن صراحة بأنه في فيلمه هذا، لا يتخذ من الواقعية أسلوبا له، فلن يكون هناك مجال للحديث عن مواءمة تصرفـات أي من شخصياته في الفيلم مع طبيعتها وأبعادها من عدمها، حيث من المفترض عدم التعرض لمناقشة الفيلم بأدوات لا تتناسب والأسلوب الفني الذي يتبناه. وهذا بالضبط ما وقع فيه بعض النقاد عندما انتقدوا فيلم كابوريا، حيث تعاملوا معه كفيلم واقعي. أننا في (كابوريا) أمام فيلم فنتازي ساخر يتعرض لطبقة الأغنياء (المليونيرات) وطبقة الفقراء (الصعاليك) يسخر منهما ويدينهما في نفس الوقت. إنه يصور لنا شكلا من أشكال الاستغلال يمارسه أغنياء على فقراء. - فاصل موسيقي - أن خيري بشارة هنا يقدم لنا حياة هؤلاء المرفهين الباحثين عن المتعة والتسلية لقتل الفراغ والملل الذي يعانون منه، وبالتالي. يسعون للبحث عن كل ما هو جديد يكسر هذه الرتابة والملل، حتى ولو أدى إلى توظيف بعض الكـائنـات البشريـة لتحقيق أغراضهم. كما انه يدين أيضا تلك السلبية واللامبالاة التي تلازم أغنياء من هذا النوع، كذلك عندما يتناول حيـاة هؤلاء الصعاليك، فهو لايتعاطف معم تماما، إنما يقدمهم كحيوانات سرك، يتسلى بهم الأغنياء، بل ويدين سلبيتهم كذلك وقبولهم لمثل هذا الوضع المزري. لقد نجح خيري بشارة في تقديم فيلم جديد، هادف وسريع، حيث وفق في إدارة فريقه الفني من فنانين وفنيين، خصوصا في تلك المشاهد التي يرصد فيها، بحيوية ومهارة، أثر اللكمات علي وجوه الملاكمين. - فاصل موسيقي - عزيزي المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم، مغموراً بالصور، مبتعداً عن العالم الواقعي، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له - يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم. - فاصل موسيقي - فيلمنا الثاني - عزيزنا المستمع - هو الفيلم المصري (يا مهلبية .. يا)، بطولة ليلى علوي وهشام سليم، ومن إخراج شريف عرفة. وهو إنتاج عام 1992. - فاصل موسيقي - في فيلمه الخامس، يعود مخرجنا شريف عرفه إلى زميله السيناريست "ماهر عواد" ليقدما (يامهلبية.. يا). وهو باكورة إنتاج الفنانة ليلى علوي، يشاركها البطولة هشام سليم، عبد العزيز مخيون، أحمد راتب، حسن كامي، أحمد أدم، أشرف عبد الباقي، علاء ولي الدين، صلاح عبد الله. والفيلم عبـارة عن دراما اجتماعية سياسية في قـالب كوميدي استعراضي يطرح رؤية فانتازية خاصة لشكل النضال في فترة الأربعينات، وذلك من خلال سيناريو جذاب ومدروس بدقة وعناية، قائم على البناء التركيبي للزمن، حيث أننا نشاهد فيلما داخل فيلم، ونتابع أحداثا تقع في الأربعينات وأخرى تقع في الوقت الحاضر. ومن خلال مزج جميل ومونتاج متناغم، ننتقل من الحاضر إلى المـاضي وبـالعكس، وتتخلـل الأحداث أغاني واستعراضات منسجمة تماما ومضمون الفيلم، بل وتضيف كثيرا إلى الأحداث، إذ تميزت بموسيقى مودي الإمام التعبيرية والبعيدة عن التطريب، وكلمات بهاء جاهين المساهمة في نمو الأحداث . - فاصل موسيقي - فى فيلمهما هذا، يحـاول الثنائي عرفة/عواد أن يقدما بصدق تجربة شبه ذاتية عن معاناة السينمائيين الجدد، حيث يبدأ الفيلم بمشهد يصور أحد المخرجين (عبد العزيز مخيون) يتحدث لصديقه المؤلف (أحمد راتب) عن مدى إمكانية تحقيق حلمهما وإنجاز باكورة تجاربهما السينمائية وإخراجها إلى النور، فيبدو أن من أهم العقبات الأساسية التي تعترض طريقهما هي توفير أستوديو مناسب وغير مكلف للتصوير فيه. ولان المخرج (مخيون) يرث من خاله مخزن دقيق، فهو يقرر أن يبيعه للمليونير سيد بعكوك (احمد عقل) للاستفادة من ثمنه، ولكن وفى لحظة تجل يجد المؤلف (راتب) نفسه وقد أمسك بعصا طويلة وفي مؤخرتها لفافة من الخيش ليمسح يافطة المخزن ويكتشف بأنه كان مقرا لأستوديو سينمائي قديم، لذا يتراجع المخرج عن البيع ليصور فيه فيلمه، فيحدث شجار سريع بينه وبين المليونير "بعكوك" بسبب تراجعه عن بيع المخزن. - فاصل موسيقي - تتواصل أحداث الفيلم، الذي يصور داخل الفيلم، بعد البحث عن أبطال مناسبين للفيلم داخل الفيلم، وبعد معاناة يعثر المخرج علي بائعة هوى (ليلى علوي) لتكون بطلة فيلمه، ومن بعدها يتم اختيار أبطال الفيلم الآخرين ويبدأ تنفيذ الفيلم من خلال وجود الراقصة (مراهم) خالة (عناب) بطلة الفيلم كزعيمة وطنية تحث حاشيتها واتباعها على النضال ضد الاستعمار والملكية كتجسيد فانتازي سافر لشكل النضال في الأربعينات. بعدها يقرر المخرج (مخيون! إنهاء دور هذه الراقصة بعد انتهـائها من تقـديم آخر استعراضاتها، لتموت وهى توصي ابنة شقيقتها عناب (ليلى علوي) ومليم (هشام سليم) الصعلوك وماسح الأحذية الانتهازي، ومجموعة أخرى من الشباب الضائع، بضرورة الاستمرار والنضال ضـد الاستعمار والملكية. وبعد وفاتها تصبح (عناب) هي الزعيمة الجديدة، ويصبح الشعار الجديد (الله - الوطن - عناب) هو شعار (مليم) ورفاقه الأربعة الذين تطوعوا للنضال بمفهومهم الهش له. تتداخل الأحداث بين الحاضر والماضي، بين المشاهد التي يصورها المخرج (مخيون) واللقطات التي تظهره وزميله المؤلف، حيث تعترض التصوير من آن لآخر منغصات ومشاكل، منها ظهور عم عبيد (محمد يوسف) المختبئ داخل مخزن الدقيق (الأستوديو)، وكأنه سقط من الزمن ومازال يعيش على أمل اللحظة التي يقتل فيها الملك، بالرغم من أن هذه اللحظة تأخرت نصف قرن، حيث يفاجئ الجميع وينقض على الممثل (حسن كامي) الذي يؤدى دور الملك في الفيلم، ليقتله بسكينه، إلا أن فريق التصوير ينجح في إقناعه بمقابلة الزعيم سعد زغلول. - فاصل موسيقي - يتواصل تصوير الفيلم داخل الفيلم في شكل لاذع للواقع، ويبدأ نضال عناب وحاشيتها بمحاولة فاشلة للتخلص من الملك، حيث تلجـا الحاشيـة إلى الخداع والأكاذيب لإقناع الزعيمة. بما يقومون به من نضال حر من اجل الوطن والكرامة، إلا أن عناب تكشف خداعهم وأكاذيبهم. وذلك بعد أن تركوها وحيدة في يد الملك، معتبرين أن شرفها ليس ذا أهمية باعتبارها راقصة ملاهي. لذا تقرر عقابهم بفرض تجنيدهم الإجباري في الجيش من خلال علاقتها بأحد الضباط، ويشاركون فيما بعد في حرب فلسطين 1948، وهناك تنكشف أكذوبة الأسلحة الفاسدة والتي تعتبر اكبر من كذبة مليم ورفاقه على عناب. وبعد انتهاء الحرب يطلبون السماح من "عناب" ويتكاتفون من جديد من اجل الخلاص من الملك الذي اغتصب الوطن واغتصب عناب أيضاً. يستمر تصوير الفيلم داخل الفيلم، بالرغم من كل المنغصات التي تلاحق المخرج والمؤلف،فبعكوك لم ينس المقلب، حيث يكون نصيب المخرج والمؤلف علقه ساخنة من قبل رجـال بعكوك. وتتتابع الأحداث حتى نصل للمشهد الأخير الذي اعد له بعناية فائقة، والذي يجسد محاولة الشعب للخروج من الشكل الذي فرض عليهم، وليكون، الحل هو الخلاص من الملك بمؤامرة لاغتياله وتفجير القصر بالديناميت. ولأن بعكوك يخبر الشرطة عن نية المخرج والمؤلف هذه، فان الشرطة تتابع الموقف عن كثب وينجح التفجـير ويتم تصوير المشهد بصرخـة من المخرج (مخيون ) "صور". وتـأتي النهاية للمشاهـد الرئيسية في فيلم شريف عرفة باصطحاب الجميـع إلى فسم الشرطة. وهم يرددون (يامهلبية يا. يا خسارة الوطنية يا .. يا أكلة شطة حامية يا). - فاصل موسيقي - إن فيلم (يامهلبية يا) بالرغم من غرابته وخروجه على الشكل التقليدي، إلا انه فيلم ذو مدلول سياسي واجتماعي خطير استطاع فيه الثنائي عرفة/ عواد إظهار الشباب المحيطين بعناب كفئة مطحونة تحاول إن تكسب لقمة العيش عن طريق الصعلكة والخداع، فتتحول إلى ضحية للأسلحة الفاسدة في حرب 1948. كما أجاد الفيلم تصوير هذه الفئة وإبراز النواحي الإيجابية عند أفرادها. إضافة الى أن الفيلم قد حمل إيحاءات متعددة، حيث توافق اسم الفيلم مع مضمونه إلى حد ما، فالمعروف أن المهلبية نوع من الحلوى ذات شكل هلامي غير محدد المعالم، وهذا ينسجم مع شكل النضال الذي جسده الفيلم. إن الرؤية الفانتازية الساخرة التي جسدها الفيلم على صعيد الصوت والصورة لاشك بأنها قامت بدورها تماما في شد الجمهور وإمتاعه، والذي كان - بين الحين والآخر- يصحو من هذه الرؤية الفانتازية ليكتشف ان هناك شيئا آخر ابعد من مجرد هذه الرؤية المباشرة. واعتقد بأن هذا كان مقصودا من قبل صانعي الفيلم عرفة/ عواد، حيث تبدى حرصهما الدائم على إيجاد هذه المسافة بين المتفرج والفيلم.. هذه المسافة التي تتيـح للمتفرج تشغيل عقله وإثارة تساؤلاته، والتي قد يجد لها إجابات، وحتى إن لم يجد فانه في هذه الحالة سيكون متأكدا أن هناك سؤالا ما طرح نفسه على المتفرج بعد نهاية العرض. - فاصل موسيقي - لقد نجح شريف عرفة كمخرج في إدارة فريقه الفني من فنيين وفنانين، وتميز الفيلم بالبطولة الجماعية، حيث ابرز عددا من الوجوه الجديدة إضافة إلى تألق ليلى علوي وهشام سليم. ويبقى أن نقول بإن الفيلم يعد خطوة إيجابية جريئة لتغيير الشكـل التقليدي للسينمـا المصرية، سواء فيما يتعلق بالسيناريو أو الإخراج، حيث نجح ماهر عواد في تقديم قضية سياسية واجتماعية هامة في قالب فانتازي ساخر، وأبدع شريف عرفة في تجسيد هذه الفكرة سواء من خلال الاستعراضات الهادفة أو من خلال الربط الجميل بين الماضي والحاضر. ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 60 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . في حلقتنا هذه .. عزيزي المستمع ، سنتحدث عن آخر فيلمين للفنان أحمد زكي ، بعد فيلمه الهام (ناصر 56) . حيث لفت إنتباهنا بأنهما لم يرتقىا أبداً الى مستوى إختياراته السابقة . حيث لا يخفى على أحد بإن النجم الأسمر أحمد زكي هو أبرز النجوم المعاصرين في السينما المصرية .. وهو الذي يقع على عاتقه مسئولية نجاح فيلم أو فشله . ولم يأتي هذا بالطبع إلا بعد مشوار طويل من الجد والإجتهاد في إختيار أدواره بعناية فائقة ، وصلت الى حد التميز والإبتكار .. حيث حرصه الدائم على التنوع في الإختيار وعدم التكرار والبعد عن الأدوار التقليدية . إذاً ماذا حدث للفنان لأحمد زكي .. ففيلمه (أبو الدهب ـ 1995) يأتي بعد فيلميه (الرجل الثالث ، وإستاكوزا) ، ليشكل سقطة ثالثة ، ويقدم فيه دوراً مكرراً ليس في السينما المصرية وإنما سبق وأداه هو في أكثر من فيلم . فيلمنا الأول .. عزيزي المستمع هو (الرجل الثالث) ، بطولة أحمد زكي وليلى علوي ومحمود حميدة ، ومن إخراج علي بدرخان . وهو إنتاج عام 1995. ــ فاصل موسيقي ــ فيلم (الرجل الثالث) آخر أفلام المخرج علي بدر خان ، كان قد جذبنا الى مشاهدته ، أسماء نجومه ومخرجه . فهذه الأسماء لها في ذاكرتنا تاريخ فني حافل بالأفلام الرفيعة المستوى . وعندما شاهدناه على شريط فيديو كان خيبة كبيرة لنا ، حيث لم يغفر للفيلم إشتراك تلك الأسماء فيه . فقد كنا ننتظر فيلماً لأحمد زكي ، هذا الفنان الذي عودنا على الدقة في إختيار أدواره . فأمتعنا بأفلام كبيرة . كما كنا نتوقع فيلماً للمخرج علي بدرخان يضيف به رصيده الفني المتميز الذي عهدناه له . إلا أن كل توقعاتنا هذه قد باءت بالفشل . وصرنا أمام فيلم ذو مستوى أقل من العادي . ــ فاصل موسيقي ــ فالمخرج علي بدزخان فنان مصري جاد ، له خصوصيته كفنان متميز ، وله حضوره الفني بين أساتذته وزملائه المخرجين .. محاولاً الصمود أمام مغريات السينما التجارية وشروطها .. هذا الصمود الذي إستمر أكثر من عشرون عاماً . طوال مسيرته السينمائية ، والتي لم تثمر ـ بالرغم من طولها ـ سوى سبعة أفلام روائية طويلة .. وهي : (الحب الذي كان ـ 1972 ، الكرنك ـ 1975 ، شيلني وأشيلك ـ 1977 ، شفيقة ومتولي ـ 1978 ، أهل القمة ـ 1981 ، الجوع ـ 1986 ، الراعي والنساء ـ 1992) . وهو الفنان الذي إستطاع ، وبهذا الإنتاج القليل ، إثبات موهبته وقدراته الفنية ، وليصبح من بين أهم مخرجي السينما المصرية . كما أنه يتميز بشكل واضح بالتدقيق الشديد في إختيار موضوعات أفلامه ، ذات الصفة الإجتماعية والسياسية والجماهيرية في نفس الوقت ، ويبذل جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً في إعدادها وتجهيزها قبل التصوير وبعده . إضافة الى توظيفه لكافة أدواته الفنية والتقنية للتعبير عن المضمون السينمائي بطبيعية غير مفتعلة ، مبتعداً بذلك عن الإبهار الفني كهدف أساسي ، بل هو جزء لا ينفصل عن عملية تجسيد المضمون ، على مستوى اللقطة والمشهد والفيلم بشكل عام . ــ فاصل موسيقي ــ ففي فيلمه قبل الأخير (الراعي والنساء) ، نجح بدرخان في تقديم نسيخ من المشاعر والأحاسيس التي غلفها بقدر كبير بالتفاصيل الصغيرة التي ساهمت كثيراً في تطور الدراما ، من غير السقوط في براثن الميلودراما الفجة . معبراً عن مشاعر شخصياته من خلال بناء بصري أخاذ ، كان للكاميرا دوراً كبيراً في خلق روح شاعرية تناغمت مع الموسيقى ذات التعبير الدرامي والمونتاج المتميز بالإيقاع الحيوي والمزج الناعم الذي حافظ على وحدة الإيقاع داخل اللقطة والمشهد . هذا هو بدرخان الذي نعرفه .. مخرج فنان يحترم السينما ووظيفتها ، كما يحترم في المقام الأول عقلية وذوق المتفرج الذي يخاطبه . فماذا حصل لمخرجنا علي بدرخان في فيلمه الأخير (الرجل الثالث) . فهو في هذا الفيلم يتنازل عن تميزه الفني وأسلوبه السينمائي الذي جسده في أفلامه السابقة . إذن دعونا نرى ماذا قدم لنا بدرخان في فيلمه الأخير . ــ فاصل موسيقي ــ يحكي فيلم (الرجل الثالث) عن الطيار في شركة البترول كمال (أحمد زكي) . الذي يعاني من أزمات العصر المادية ، ويحاول أن يكون أباً صالحاً لإبنه ذو السبعة أعوام من مطلقته المتطلعة الى مستوى معيشي غير عادي . يتعرف على رستم (محمود حميدة) رجل الأعمال ، وعشيقته سهام (ليلى علوي) . يتورط الكابتن كمال مع رستم وعشيقته في عملية مشبوهة ، ينقل له بطائرته شحنة مخدرات متجاوزاً شرطة خفر السواحل ، مقابل نصف مليون جنيه . ولأن كمال كان ظابطاً سابقاً في الجيش شارك في حرب العبور ، فهو يبلغ الشرطة ويتفق مع المخابرات ويتعاون معهم في القبض على العصابة . وبالفعل ينجح الكابتن كمال في هدفه ، بعد مجموعة من الأحداث والمشاهد الدرامية وغير الدرامية . كما أن السيناريو لا ينسى من إيقاع كمال في حب سهام ، تلك المرأة التي يملكها رستم بقلبه وفلوسه ، فهي فرصة لا تعوض بالنسبة للكاتب . وهذا بالضبط كل ما يقوله الفيلم . ــ فاصل موسيقي ــ إن السيناريو ، الذي كتبه السيناريست المخضرم يوسف جوهر عن قصة للواء محمد عباس ، سيناريو تقليدي ، لم يقدم جديداً في فكرته ، ولا حتى في طريقة المعالجة الدرامية لهذه الفكرة . هذا إضافة الى أنه قد أخفق في تقديم الكثير من التبريرات لتصرفات شخصياته . فمثلاً رجل الأعمال رستم يبدو لنا في أول ظهور له على الشاشة بأنه إنسان شريف يصر على إعدام شحنة دجاج فاسد كلفته مبلغ 250 ألف جنيه . مع أن المشهد التالي مباشرة يظهره بأنه قد خسر في صفقة مخدرات كبيرة كلفته خمسة ملايين جنيه . فالمشهد الأول ليس له ضرورة درامية تماماً ، ولا يضيف كثيراً الى الشخصية . ــ فاصل موسيقي ــ كما أن هناك مشاهد وأحداث ، كانت زائدة على الفكرة الرئيسية ، وفي الإمكان الإستغناء عنها . مثل شخصية إبن الكابتن كمال الصغير ، الذي جاء فقط لتبرير إحتياج الأب للفلوس ، ومن ثم تبرير إشتراكه مع العصابة . ولا يستوعب الفيلم تلك المشاهد الطويلة التي تظهر الإثنين في كل مكان . كذلك حكاية الكابتن كمال وعلاقته الغرامية بسهام (ليلى علوي) ، والتي كانت غير مبررة ، وجاءت لإعطاء رونق رومانسي على الفيلم الذي لا تتحمل فكرته شيء من هذا القبيل . ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة للإخراج ، فلم يكن بالمستوى المتوقع من مخرج كعلي بدرخان . فقد حاول بدرخان ـ قدر الإمكان ـ من إنتشال الفيلم من الضعف الدرامي الذي يتصف به . بتقديم مستويات جمالية في تكوينات الكادر ، وإختيار زوايا الكاميرا وحركتها . مع مونتاج سريع ومتناسب أحياناً ، وبطيء ممل في كثير من الأحيان . أما الموسيقى فلم ترتقي الى إبداع الفنان راجح داود ، الذي عهدنا موسيقاه العملاقة في تجاربه السابقة . كذلك التمثيل ، الذي لم يكن أكثر حظاً من العناصر الفنية الأخرى . فلم يكن أحمد زكي بنفس التألق الذي ظهر به في أفلامه السابقة . فكان دوره في هذا الفيلم دوراً عادياً ، لم يضف الى رصيده الفني أي جديد . وكذلك بقية الممثلين . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني للفنان أحمد زكي ـ عزيزنا المستمع ـ هو فيلم (أبو الدهب) والذي يعد سقطة أخرى للفنان الكبير أحمد زكي، وهو بطولة نبيلة عبيد وفاروق الفيشاوي ويوسف شعبان ، ومن إخراج عاطف الطيب . وهو إنتاج عام 1994 . ــ فاصل موسيقي ــ يتحدث الفيلم عن (أبو الدهب) الشاب البسيط والفقير ، الخارج من السجن حديثاً ليجد كل الأبواب موصدة أمامه ، ويرى نفسه مسئولاً عن زوجة (إسعاد يونس) وإبن وشقيقة عليه أن يصرف عليهم . يعيش فترة من اليأس والإحباط من جراء عدم حصوله على مهنة شريفة يتعيش منها . الى أن يجد عملاً مع تاجر البن الذي يزاول تجارة المخدرات أيضاً . ولا يملك أبو الدهب القدرة على الهروب من قدره ورغباته ، فيلقي بنفسه طائعاً بين يدي الشيطان ويشرك معه شقيقته جمالات (معالي زايد) في تجارته المحرمة هذه . وتتصاعد الأحداث بعد أن يتخلص من معلمه صاحب العمل ، ويبدأ في التعامل مباشرة مع الرجل الكبير ، ويصبح بذكائه ودهائه ملك تجارة المخدرات . هنا يشعر بأن زوجته لا تليق به وبمستواه الجديد ، فيرتمي في حضن فكرية (رغدة) التي تطمع في ثروته وتحصل عليها بعملية نصب ساذجة . وفي ما قبل النهاية يقبض عليه متلبساً من قبل الشرطة ، بعد أن تآمرت عليه شقيقته وعشيقها سيد (ممدوح وافي) ليتم زواجهما الذي يرفضه أبو الدهب . إلا أنه في النهاية يستطيع الهرب من الشرطة لينتقم من الذين خانوه . هذه هي التوليفة الدرامية التي إعتمد عليها الفيلم . ــ فاصل موسيقي ــ منذ الوهلة الأولى يتضح لنا بأن الفيلم هو عبارة عن نسخة مشوهة وممسوخة للفيلم الأمريكي (الوجه ذو الندبة SCARFACE) للمخرج الفذ (بريان دي بالما) وبطولة الممثل الكبير (آل باتشينو) في دور »توني مونتانا« صاحب إمبراطورية قوامها تهريب الهيرووين في الولايات المتحدة . فأبو الدهب هو صورة باهتة لمونتانا في صعوده من الحضيض وسقوطه فيه من جديد . كما أن الشخصيات الأخرى كشقيقته جمالات وحبيبها سيد ، هما عبارة عن تقليد أعمى للشقيقة وحبيبها الذي قتله مونتانا في صورة غضب لشرفه المهان . وحتى فكرية التي أغرت أبو الدهب ونصبت عليه ، قد روعي في إختيارها أن تكون قريبة الشبه بشعرها الأصفر وقوامها الممشوق بعشيقة مونتانا الشقراء . ــ فاصل موسيقي ــ ونحن إذ نذكر مثل هذا التشابه بين الفيلمين ، ليس لإجراء مقارنة بينهما حيث إنتفاء أية مقارنة بين الفيلمين ، لا في السيناريو ولا في الحوار ، فالشخصيات في الفيلم المصري مشوهة بل ممسوخة أيضاً ، والأحداث لا تخضع لأي منطق درامي . فالسيناريو يريد لنا أن نصدق بأن رجلاً في ذكاء أبو الدهب وسيطرته ، يجهل علاقة شقيقته بمساعده ، وهما يمارسان علاقتهما علانية أمام جميع العاملين في الشركة . ثم أن هذا الرجل يكتب كل ثروته من الإتجار في المخدرات بإسم زوجة جديدة لا يعرف عنها شيئاً ، لا بسبب سوى الخوف من مطاردات المدعي الإشتراكي . فكيف يمكن لفتاة ـ مهما بلغ شأن جمالها ـ أن تدفع رجلاً عصامياً فقيراً جمع أمواله بالمغامرة والجريمة ، الى أن يكتب بإسمها كل أمواله ، ومن ثم تدفعه الى طلاقها .. وكل ذلك من خلال حجج واهية لا تقف أمام أي منطق . ــ فاصل موسيقي ــ كما أن السيناريو يريدنا أن نصدق بأنه في وسع هذا الرجل الأعزل مغافلة الشرطة والهروب الى حيث خصومه الذين غدروا به فيقتلهم الواحد تلو الآخر ، والشرطة على بعد خطوات معدودة منه . وهذه فقط أمثلة ، فأحداث الفيلم جميعها لا تخضع لأي منطق ولا تقف أمام أي نقاش . ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك على رسم الشخصيات نفسها ، حيث عانت كثيراً من الضعف والتردد وعدم المصداقية . ثم أن التوليفة الدرامية من أحداث وشخصيات ، دأبت السينما المصرية على معالجتها منذ أكثر من عشر سنوات (الجنس والمخدرات .. قصة الرجل الفقير الذي يرتقي طبقياً عن طريق التخلي عن كل القيم .. وقصة المساعد الذي يعمل دون أن يدري في تهريب المخدرات .. وقصة إستمراره في هذا العمل نتيجة الفقر والمعاناة التي يعيشها .. ومن ثم التنكر لزوجته الوفية بسقوطه في حبائل حسناء تفقده صوابه) .. كل هذا قدمته السينما المصرية عشرات المرات ، حتى أن كل مشهد في الفيلم يذكرنا بمشاهد أخرى في أفلام سابقة . ــ فاصل موسيقي ــ هذا إضافة الى أن الفيلم قد إمتلأ بمشاهد جنسية مبتذلة .. ذلك الجنس الذي لا يخدم بتاتاً الموقف الدرامي بقدر ما يقدم الجنس من أجل الجنس .. الجنس الذي يفتقد الى أي نوع من الجماليات . حيث تتفرغ كاميرا سعيد شيمي للتنقل بين غرف النوم ليرينا تلك المشاهد الخالية من أي إحساس ومشاعر . حيث أنها قدمت بطريقة بعيدة تماماً عن الذوق الفني السليم ، سواء في حوارها أو في تصويرها . أما المخرج كريم ضياء الدين ، فقد حاول جاهداً إنتشال السيناريو من الإبتذال والسطحية ، إلا أنه لم يوفق ، وسقط مع الفيلم . حيث كانت مسئوليته كبيرة أمام سيناريو مهلهل كهذا. ــ فاصل موسيقي ــ وماذا يمكن أن يقال عن التمثيل .. فأحمد زكي بلا منازع فنان قدير ، إلا أنه أخفق في الإختيار ، فلم يستطع المتفرج أن يصدقه ، أمام هذا السيل من التصرفات والأحداث البعيدة عن المنطق الدرامي . فالأداء ، إضافة الى إمكانيات الممثل يحتاج الى الصدق الفني الذي خلا منه أداء أحمد زكي . وهذا بالطبع ينطبق على بقية الممثلين . ــ فاصل موسيقي ــ وقبل الختام .. نود الإشارة الى الأغاني الثلاث التي غناها أحمد زكي ولحنها حسين الإمام . منذ أن قدم أحمد زكي أغاني فيلم (كابوريا) يحاول المخرجون والمنتجون إستثمار نجاحه في الفيلم . إلا أن هذا الإستثمار لم يكن موفقاً في فيلم (أبو الدهب) ، حيث بدت الأغاني دخيلة ومحشورة في الفيلم ، ولا تشكل موقفاً معيناً يخدم التصاعد الدرامي في الفيلم . وإنما حشرت في الفيلم لأنها أصبحت موضه في أفلام أحمد زكي بعد فيلم (كابوريا) . ختام
أفلام وأفلام - الحلقة 61 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بأن نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام وأفلام). عزيزنا المستمع .. فيلمنا لهذا الأسبوع هو الفيلم العالمي (لورانس العرب)، من بطولة بيتر أوتول والنجم المصري عمر الشريف، ومن إخراج العبقري ديفيد لين . وهو إنتاج عام 1962. - فاصل موسيقي - إن (لورانس العرب) هو الفيلم الذي وضع له ميزانية مقدارها أربعة عشر مليون دولار، وهو بذلك يعتبر إنتاجا سينمائيا ضخما جدا بمقاييس الستينات، إضافة إلى انه من إخراج عبقري السينما (ديفيد لين)، الذي قدم للسينما العالمية أعمالاً عظيمة وخالدة مثل (الصراع القصير، أوليفر تويست، جسر علي نهر كيواى، دكتور زيفاجو)، و أخيرا فيلم (الطريق إلى الهند). - فاصل موسيقي - أما عن فيلم (لورانس العرب)، فلا اعتقد أن هناك عربيا لم يسمع بهذا الاسم، فقد تردد اسم لورانس العرب في منطقتنا كثيرا، وذلك لان هذا الفيلم يمثل أول انطلاقة عالمية لفنان عربي، ألا وهو الممثل المصري عمر الشريف. لذا دعونا نترك عمر الشريف نفسه يتحدث عن ظروف ومراحل إنتاج هذا الفيلم الكبير، ويتحدث أيضا عن تجربته الشخصية مع فريق العمل من فنانين وفنيين. وللعلم فقط فان فيلم لورانس العرب قد أطلق نجمين مغمورين وقدمهما للسينما العالمية في نفس الوقت، فبالإضافة إلي أن اسم عمر الشريف الذي لم يكن معروفا أبدأ في أوروبا وأمريكا، فقد كان اسم "بيتر اوتول" بطل الفيلم لم يتجاوز بعد الحدود البريطانية. بيتر اوتول، ذلك الايرلندي صاحب العينين الزرقاوتين، الذي قام بدور لورانس استطاع أن يكسب لبريطانيا إمبراطورية! وعمر الشريف في دور الشريف علي كزعيم أو رئيس لقبيلة عربية يعاونه للوصول إلى ذلك الهدف. - فاصل موسيقي - يبدأ عمر الشريف حديثه فيقول : (لم يكن أي منا قد ذهب إلى هوليود.. لكننا بالطبع تصورنا إمكانية حدوث ذلك. لقد وضعنا سويا هذه الرؤية أمام من عملوا معنـا، واستمعنا منهم إلى قصص.. من أليك جينيس، انتوني كوين، ديفيد لين. لقد كان لديهم الوقت لأن يتكلموا.. وكان لدينا الوقت لأن نسمع.. لقد كنا نعيش جميعا تحت نفس الخيمة.. كنا نعيش وسط الصحراء.. كنا مضطرين لأن نراعي حياتنا.. ننصت إلى أحاديث بعضنا بعضا، كنت أراقبهم كأصدقاء بان كنت أنصت إليهم .. شكرا لهم، فقد كنت أدخل من خلالهم إلى عالم فسيح.. عالم التمثيل.. عالم السينما.، عالم التجربة، كنا نتكلم عما فعلوا وعما لم أفعل، عما رأوا وعما لم أر.. من هذه الأحاديث أخذت ما يمكن أن يتلاءم مع طبيعتي، كنا كمجموعة من الممثلين في لورانس العرب مرتبطين باهتمامات مشتركة، ولكن كان هناك شعور بعلاقة قوية تربطني ببيتر أوتول، وهذه العلاقة الحميمة تكونت تحت عباءة الصداقة، وهى التي حققت نجاح لورانس العرب. - فاصل موسيقي - سيناريو فيلم لورانس العرب مأخوذ من كتاب (أعمدة الحكمة السبعة) الذي ألفه لورانس نفسه، واستغرقت كتابته حوالي العامين بين الأردن وسوريا. ولقد قيل الكثير عن طبيعة - العلاقة بين لورانس والشريف علي، كما يتحدث عمر الشريف عن هذه العلاقة فيقول : (مقالات لا حصر لها كتمت عن ذلك، والسيناريو لم يحدد تماما طبيعة علاقتهما .. لقد صور السيناريو تعقيداتها وهى تكشف نفسها خلال الفيلم عن طريق السلوك الذي كان في الواقع إنعكاساً للحياة اليومية التي كنا نعيشها.. بيتر و أنا). - فاصل موسيقي - لقد اختار المخرج ديفيد لين، مكانا في الصحراء يبعد عن اقرب طريق ب 150 ميلا وذلك تحاشيا لظهور أي أثر لأقدام العاملين في الفيلم. كما انه اختار مكان يبعد عشرين ميلا عن مكان التصوير لإقامة طاقمه الفني، وذلك حرصا منه على أن تكون المشاهد بكرا ، أما الفنانون و الفنيون والبدو فقد وصل عددهم إلى ألف شخص، كانت إمداداتهم تصل عن طريق ثلاث طائرات وفرها المنتج لخدمتهم، إضافة إلى ذلك كانت هناك مئات من الجمال والخيول وكان لها طعامها وشرابها أيضا. - فاصل موسيقي - أما عمر الشريف، فيضيف متحدثا عن هذا الإنتاج الضخم قول : (خيامنا كانت مجهزة بأجهزة تكييف وثلاجة، وكان هناك خدم لكل ممثل وفني للعمل على راحتهم، وكانوا يقومون بغسل ملابسنا ومسئولين عن ضرورة وجود طعام وشراب في أي وقت، وجهز مطعم تحت إدارة كبير طهاة لندن، كما كانت هنـاك منضدة لكرة الطاولة بجانب المطعم. ومساء كل سبت كان هناك جو الإجازة الذي يوجد في المدينة. وكانوا يعرضون أفلاماً في الهواء الطلق لكل العاملين في الفيلم. ولم يكن هناك أبدأ من تخلف عن مشاهدة واحد من هذه الأفلام (التي تجاوزت المائة فيلم)! لكن لا تسـألني ماذا شاهدنا؟ لا أستطيع أن اذكر اسم أي منها، لقد تعودت أن أنظر إلى الشاشة دون أن أرى. إنني ببساطة استمتعت بعدم تتابع الأحداث في الأفلام التي شاهدتها.. عدم التتابع هذا هو الذي نسيته.. استمتعت أيضا ببعض الموضوعات المستحيلة في هذه الوحدة بين كثبان الرمال. حياتي - إلى أن وجدت نفسي في هذا الركن من الأردن - كانت عبارة عن تتابع لمناظر خلوية.. لا مكان حيث الناس والحيوانات يعيشون سوياً، والان فأنني في هذا المكان مرتديا زي الصحراء مطيعاً لقانونها ولسحرها كان هناك ألف منا فقد كنت وحيدأ مع نفسي). - فاصل موسيقي - كما يتحدث عمر الشريف عن المخرج العبقري، فيقول : (اختار ديفيد لين أن يعيش كما يعيش البدو، كان يعيش في عربة مقطورة في نفس المكان الذي يتم تصوير الفيلم فيه. وفي كل صباح كنا نذهب الى المقطورة في الساعة الخامسة والنصف ونرى نفس المنظر كل يوم .. كنا نرى مقعداً مزروعاً في هذا الاتساع الصحراوي الذي بلا حدود، وعلى هذا المقعد كان يجلس ديفيد لين يتأمل الافق، وفي نفس الوقت يشبع نفسه بالمشهد الذي سوف يخلقه لمغامرات لورانس وعلي. والواقع انه كان يجلس هناك لمدة ساعتين بلا حراك، لقد كان يريد أن يحصل على نصيبه من هذه الصحراء كل يوم. إن ذلك الرجل وهو يجلس وحده وسط كثبان الرمال وهي تتماوج أمامه بلا نهاية). - فاصل موسيقي - ويواصل عمر حديثه عن لين، قائلاً : (كان وصول مجموعة العمل إلى ديفيد لين في مقطورته معناه نهاية تأملاته. ذلك انه يجمع الممثلين في المقطورة ويتكلم معهم لمدة طويلة، ثلاث أو أربع ساعات عن المشهد الذي سنمثله. وكان يشرح كيف نمثله.. الفكرة التي كان يعدها لرد فعل كل شخصية للموقف الذي يدرسه معنا بكل تفاصيله، في الوقت نفسه هناك ثلاثمائة من البدو كانوا يمحون آثار أقدامنا من نهاية الأفق إلى بدايته بواسطة سعف النخل العريضة. وعند الظهر كنا نبدأ البروفة، ثم بعد ذلك يبدأ البدو في محو أثار أقدامنا مرة أخرى ثم بروفة ثم محو، وهكذا .. وعندما تبدأ الشمس في المغيب نعود الى المعسكر، أما ديفيد لين فكان يعود الى تأملاته. وفي اليوم الثاني كان يعطي تعليماته الى الفنيين قبل تصوير المشهد الذي أجرينا بروفته بالامس .. ويعطي هذه التعليمات مرة .. مرتين .. عشر مرات .. خمسين مرة اذا وجد أن ذلك ضرورياً. وهذا هو السبب في أن فيلم لورانس العرب استمر تصويره عامين). - فاصل موسيقي - أما عن ظروف العرض الأول للفيلم، فيقول عمر الشريف: (هناك في الصحراء كنا نحلم بحفل الافتتاح. إننا أبطال الفيلم الذي سوف يأسر كل مشاهديه.. أسماؤنا سوف تظهر بحروف كبيرة في كل مكان.. المنتجون سوف ينهالون علينا بعقود الأفلام. كان نجاحنا لا مفر منه). كاد عمر الشريف أن يخسر فرحة حضوره حفل الافتتاح، وذلك عندما رفض المنتج حضوره، مبررا ذلك بأنه من الأحسن أن يركز في الفيلم علي بطل واحد فقط، وهو بيتر اوتول، أما أن يدفع باثنين غير معروفين للجمهور في وقت واحد فان ذلك لن يكون من صالح الفيلم، إلا أن بيتر اوتول اتخذ موقفا إيجابيا حينما قال للمنتج : (إذا لم يحضر عمر فأنني لن احضر أيضا). - فاصل موسيقي - ويختتم عمر التشريف حديثه ويقول : (سويا دخلنا إلى قاعة السينما المضيئة من الخارج، وفي الميدان إضاءة لا حد لها.. ثم اشعاعات الجواهر والجمال لهؤلاء النجـوم.. النجوم "السوبر".. النجوم هم اليـزابيث تايلور.. شيرلي ماكلين.. ريتشارد بيرتون.. جريجوري بيك. هؤلاء كانوا هناك ضيوفا على حفل الافتتاح. لقد عرفتهم .. أنا، الولد الذي لم تقع عيناه عليهم، لقد كانوا المثال بالنسبة لي في سنوات مراهقتي، وهذه الليلة أصبحوا حقيقة أمامي. بيتر اوتول لم يكن أقل مني غربة بالنسبة للسينما العالمية، لورانس العرب كان هو الفيلم الذي حصل فيه على اكبر أدواره.. تماما كما كان الموقف بالنسبة لي، ولكن اسمينا ظهرا بحروف ضخمة على الشاشة الكبيرة، وكنا نجلس علي مقاعد مريحة ولكننا كنا نتطلع إلى الناس ننتظر رد فعل.. ولم ننتظر ذلك طويلا.. كان زمن الفيلم أربع ساعات، وعندما نزلت الستارة، وجدنا أنفسنا، بيتر وأنا وسط أوركسترا أنساني تقدم لنا التهاني. تبادلنا نظرة مرتجفة، سريعة جدا. ثم وجدنا أننا قد انفصلنا، أحسست أنني قد ولدت من جديد بواسطة إعصار). ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 62 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . ــ فاصل موسيقي ــ في حلقتنا هذه .. عزيزي المستمع ، سنقف وقفة إكبار وتقدير لفنان كبير رحل عن عالمنا مؤخراً .. فنان أشاخته الأضواء فزادته ألقاً وأرجعته محبة الناس سنوات الى الوراء ، حتى صار الفنان نجماً .. وإستمر النجم نجماً .. وكسر النجم قواعد الشباب والقد الوسيم والوجه الحسن ، والشعر المصفف بعناية .. هذا الفنان الذي رحل عن عالمنا تاركاً وراءه إرثاً فنياً زاخراً بالإنجازات الكبيرة ، وأعطى للفن والسينما الكثير من عمره ومن موهبته على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان ... فناننا في حلقتنا هذه عزيزي المستمع هو الملك فريد شوقي . وسيكون هذا بالتقديم لأربعة من أبرز أفلامه . ــ فاصل موسيقي ــ إذن .. مضى بفريد قطار العمر ، بعد أن صار الرجل يحمل جسداً منهكاً من التعب ، صار قلبه يئن بين ضلوعه ، وصارت عيناه تشكوان ضعف البصر ، وصار يحمل أيضاً جسداً بديناً تكاد سنوات العمر تقضي على كل معالم تناسقه . لقد أرهق الرجل من كثرة العمل ومن تراكمات الطلبات الفنية عليه ، والرجل لا يهدأ . يدخل في مشروع فيلم جديد حين ينتهي لتوه من فيلم آخر . والتساؤل هنا .. لماذا نتحدث عن الراحل الذي رحل بعد أن أرهقه المرض قبل الموت ، حيث أصيب فريد شوقي بثلاث نوبات قلبية حادة ؟! ألأنه آخر العمالقة ؟ ألأن قلبه لم يتحمل كل هذه السنوات وهذا المشوار الفني الطويل ؟ أم لأن النجم قد حمل عدداً من الألقاب والأوسمة ، لو تجمعت في جسد واحد لملأته غروراً . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. أول حديثنا سيكون عن فيلم (الأسطى حسن) الذي كان بداية الخير والشهرة لفناننا الكبير فريد شوقي . الفيلم كتب قصته فريد بنفسه وقدمه للمخرج صلاح أبوسيف ، الذي بدوره وافق وقدمه ليكون ضمن بداية مشواره مع الفيلم الواقعي . والفيلم من بطولة فريد أمام هدى سلطان وزوزو ماضي وحسين رياض ، وإنتاج عام 1952 . القناعة كنز لا يفنى .. عبارة كان لها دور هام وإيجابي وسلبي في نفس الوقت . فهذه العبارة كانت تأشيرة السماح للفيلم بالعرض من قبل الرقابة . أما سلباً ، فهو أن هذه العبارة قد عنت أن يتقبل الأسطى حسن واقعه الفقير كما هو . وبالطبع فقد أثارت هذه العبارة ضجة في أوساط المثقفين . ــ فاصل موسيقي ــ وفيلم (الأسطى حسن) يشكل وصفاً تفصيلياً لمجتمع الأغتياء ومجتمع الفقراء .. بين حيين : الزمالك الذي يعتبر أغنى أحياء القاهرة ، وبولاق الذي يعتبر أفقرها . وهما قريبان من بعض ولا يفصلهما إلا نهر النيل ويربطهما جسر يمتد في النهر . حيث نلاحظ في أكثر من مشهد منظر هذا الجسر ، وكأن أبو سيف يريد التأكيد على هذا التقارب المكاني بينهما ، بالرغم من التفاوت الطبقي بينهما . وبعد ثورة يوليو 52 ، برزت موهبة صلاح أبو سيف بوضوح ، بعد أن قبل الثورة في حالة وصف للمجتمع (الأسطى حسن) . فقد إتخذ من الإنسان الفقير والمسحوق بطلاً لأفلامه ، بعد أن كان بطل غالبية الأفلام السابقة من الباشوات . ــ فاصل موسيقي ــ الفيلم الثاني الذي إخترناه لفريد شوقي ـ عزيزنا المستمع ـ هو فيلم (الفتوة) . وقد أخرجه أيضاً صلاح أبوسيف .. ربما يلاحظ المستمع بأن الأفلام الأربعة من إخراج صلاح أبوسيف ، وهي ليست مصادفة ، بل أن أهم أفلام فريد شوقي كانت مع هذا المخرج الرائد ، والفيلم من بطولة فريد أمام العملاق زكي رستم وتحية كاريوكا ، في واحد من أبرز أفلام الواقعية في السينما المصرية والعربية بشكل عام . وهو إنتاج عام 1957. ــ فاصل موسيقي ــ قصة الفيلم مأخوذة عن حادثة حقيقية ، حدثت لتاجر خضار كان يتعاون مع الملك فاروق في إحتكار السوق ورفع أسعار الخضار بطرق ملتوية . وكان يفعل ذلك وهو يعرف بأنه في حماية القصر الملكي ، خصوصاً بأن الأرباح يكون للملك نصيب فيها . لقد إعتمد أبو سيف هذه الحادثة ، ودرس قضية هذا التاجر بدقة . وعلاوة على ذلك ، فقد نزل أبو سيف الى سوق الخضار ، وأخذ يرسم شخصيات فيلمه من هناك . وبالتالي تمكن من تصوير شخصياته ونجح في تجسيدها بصدق . فهريدي (فريد شوقي) عندما يصل الى السوق قادماً من القرية ، نراه يرضى بالمهانة في سبيل جمع قوت يومه وعملاً يكون به نفسه . فعندما يمرض حمار أحد الحمالين يعمل هو بدلاً منه في جر العربة ، أي أنه يساوي نفسه والحمار . ويؤكد أبو سيف بهذا التشبيه في أنه من يريد دخول حلبة الصراع (صراع الكبير والصغير .. صراع تاجر الجملة وتاجر الرصيف) يجب عليه أن يبدأ قوياً صبوراً ، حتى لو إقتضى ذلك أن يكون حماراً . أما الشخصية الثانية ، فيجسدها أبو زيد (زكي رستم) تاجر الجملة المتسلط ، والذي يتاجر في قوت الشعب ويتحكم في السوق بالتعاون مع القصر الملكي . وهو ذو شخصية قوية لا تدخل العواصف في قراراته . فهو عندما يكتشف خيانة هريدي يدبر له عملية قتل شنيعة في ليلة زفافه ، تدل على شخصية أبو زيد القاسية والجبارة . ــ فاصل موسيقي ــ إننا أمام فيلم سياسي إجتماعي واقعي ، يعالج فيه أبو سيف مرحلة تاريخية مهمة ، وهي مرحلة الإنتقال من الإقطاع الى الرأسمالية ، في شخصية واقعية إنتقاها بدقة من المجتمع ، يمثلها بطله هريدي ، وهو القادم من الريف ، والذي تمر به عدة تطورات حتى تنقله الى موكز أكبر بورجوازي في السوق . ــ فاصل موسيقي ــ أما نهاية الفيلم ، والتي تعتبر من النهايات الجيدة والنادرة في السينما المصرية ، فهي نفس البداية التي بدأ بها هريدي صراعه في السوق ، وإنما الأشخاص هنا تغيرت . وبهذه النهاية يقول أبو سيف بأن الدائرة مستمرة بتغيير الأشخاص ، إنما النظام في محتواه الإستغلالي باق لم يتغير ، وبالتالي فهو يطلب تغيير نظام المجتمع البورجوازي بأكمله . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثالث لفريد شوقي ـ عزيزنا المستمع ـ هو (بداية ونهاية) ، بطولة عمر الشريف وسناء جميل وأمينة رزق . وهو إنتاج عام 1960 . ــ فاصل موسيقي ــ بالنسبة لفيلم (بداية ونهاية) ، والمأخوذ عن رواية بنفس الإسم للروائي الكبير نجيب محفوظ ، فيعتبر من أهم ما قدم للسينما من أدب نجيب محفوظ ، حيث أن عدداً ليس بالقليل من المخرجين قدموا روايات وقصص لمحفوظ ، إلا أن إرتباط إسم محفوظ (الروائي الواقعي) باسم أبوسيف (السينمائي الواقعي) يعتبر مثالاً لذلك التجانس الأدبي والفني المتميز ، والذي أثمر أعمالاً سينمائية جيدة وقوية في المضمون الفني والتقني . وفيلم (بداية ونهاية ) يعتبر من أهم ثمرات هذا التجانس . ــ فاصل موسيقي ــ لقد إشترك أبوسيف في كتابة سيناريو الفيلم مع السيناريست صلاح عزالدين ، وكانت مهمة صعبة وشاقة ، حيث كانت الرواية حافلة بالأحداث والشخصيات . ومن الطبيعي في أن قاريء الرواية سيكتشف بعد مشاهدته للفيلم ، بان مايعرفه عن الأحداث كان أكثر مما شاهده ، حيث إن أقصى مايستطيع أن يحققه كاتب السيناريو من نجاح ـ عند تحويله هذه الرواية بالذات الى السينما ـ هو التوفيق في الإحتفاظ بالجو العام والمضمون الذي تحمله الرواية . وهذا بالضبط ماوفق فيه كاتب السيناريو ، حيث لجأ الى الحذف الكامل لبعض الفصول من الرواية ، والدمج بين أحداث فصلين أو أكثر ، وذلك بعمليات وتصرفات فنية مشروعة . ثم أن رواية »بداية ونهاية« نفسها تعتبر من أكثر روايات محفوظ قابلية للترجمة السينمائية ، فقد إحتوت على العديد من المميزات التي تساهم في ذلك . فبالإضافة الى البناء المعماري للرواية ، والذي يتشكل في خطوط درامية تلتقي في نقطة واحدة ، وذلك النمو الطولي للأحداث .. كل هذا ساعد كثيراً على خلق وحدة درامية مناسبة للفيلم . ثم أن ترتيب الفصول والأحداث داخل الرواية قد أوحى بامكانية عمل صياغة بين تطور العلاقة بين شخصيتي ( نفيسة ، سلمان ) من جانب ، وبين شخصيتي (حسنين ، بهية) من جانب آخر . ــ فاصل موسيقي ــ لقد نشرت رواية »بداية ونهاية« عام 1949 ، وتعتبر من أنضج روايات تلك المرحلة التاريخية . فقد إهتم نجيب محفوظ فيها بتصوير تفاعل العلاقات الإجتماعية من جانب ، وتصوير الواقع الحضاري للمجتمع من جانب آخر .. هذا إضافة الى البحث في التكوين الذاتي لنفسية الفرد وعلاقته بهذا المجتمع . ــ فاصل موسيقي ــ »البداية« هي موت الأب ، و»النهاية« هي تفسخ الأسرة وإنهيارها ، لتتخذ هذه المأساة ذلك الشكل التراجيدي القاتم ، لكونها أصابت تلك الأسرة النموذج ، والتي تنتمي للشريحة القابعة في قاع الطبقة المتوسطة أو الفقيرة ، والتي تعاني من التكوين الهش والكيان الإجتماعي الممزق ، وتلك القيود والتقاليد التي تتصادم بشدة مع واقعها. فبعد موت العائل الوحيد للأسرة ، أصبح لايفصلها عن اللحاق به في قبره سوى قطع الأثاث التي أخذت تذوب في أمعائهم شيئاً فشيئاً . إلا أن تواطؤ المجتمع اللاإنساني الذي يترك أبناءه يعيشون في مثل ذلك الفقر والعوز بلا تأمين أو ضمان ، إضافة الى العوامل الذاتية لكل شخصية ، قد أدى الى سقوطها الحتمي . فالإبن الأكبر »حسن« (فريد شوقي) هو نموذج للبلطجي الجاهل ، والذي ينتهي الى عالم الإجرام مروجاً للمخدرات . والإبنة »نفيسة« هي نموذج للعانس القليلة الحظ في كل شيء ، المال والجمال والعلم ، غير إن غريزتها متأججة لاتهدأ .. لذلك تنتهي الى الإتجار بعرضها وتنتحر بتحريض من شقيقها الأصغر »حسنين« . وهذا الـ»حسنين« هو أيضاً نموذج الأناني المتطلع طبقياً ، والذي يصطدم في النهاية بالحواجز الطبقية لتحول بينه وبين ركوب الطبقة الأعلى ، وذلك بفشله من الإقتران بإحدى بناتها ، ليفيق على واقعه الأليم في ضياع الحاضر والمستقبل ، فيلحق بشقيقته متطهراً في مياه النيل . بينما الأم هي نموذج الحزم والصرامة ، تقف كربان سفينة تحاول عبثاً ، ومعها الإبن الأوسط »حسين« نموذج المثقف الذي لايتردد ـ عند الإختبار ـ عن التضحية بمصلحته من أجل منفعة الأسرة ومصلحتها . ــ فاصل موسيقي ــ هذا هو الفيلم الذي أبدعه مخرجنا صلاح أبوسيف ، مستخدماً كافة أدواته الفنية ليصنع بها قصيدة سينمائية واقعية . ثم إذا كان السيناريو قد وصل الى ذلك النضج الفني والإقتراب من مفهوم الرواية ، فان أبوسيف قد إستفاد كثيراً من التقارب في المزاج والأسلوب الفني بينه وبين نجيب محفوظ ، بل وسخر كامل خبرته السينمائية في الوصول الى مستوى فني جيد في ترجمته للرواية . فقد تعددت إمكانيات الصورة السينمائية لديه ، من خلال الممثل والكادر السينمائي وزوايا الكاميرا وحركتها والديكور والملابس والإضاءة والمونتاج ، هذا إضافة الى عنصر الصوت من موسيقى ومؤثرات سمعية. ثم التكوين العام الذي يجمع بين عناصر الصورة المتنوعة . لقد نجح صلاح أبوسيف في توضيف جميع هذه العناصر الفنية والتقنية توضيفاً متناسباً ومنسجماً مع أحداث الرواية وشخصياتها ، معطياً للمتفرج لوحات بصرية تميزت بالأصالة والصدق العميق . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الرابع لفريد شوقي ـ عزيزنا المستمع ـ هو (السقامات) ، بطولة عزت العلايلي وشويكار . وهو إنتاج عام 1970 . ــ فاصل موسيقي ــ إن رواية السباعي السقامات ، والتي صدرت عام 1952 تأخرت كثيراً في تحويلها الى السينما ، وذلك لأن أحداثها تعالج قضية الموت ، وهو شيء غير مستحب أن يصور سينمائياً . إلا أن المخرج يوسف شاهين قام بإنتاجها بشجاعة وأوكل إخراجها لأبو سيف ، وكانت مغامرة للإثنين . ولكن عندما عرض الفيلم إستقبله النقاد والجمهور على السواء إستقبالاً حاراً ، وذلك للمجهود الكبير الذي بذله أبو سيف في تقديمها للسينما . وأعتبر النقاد الفيلم علامة هامة وبارزة في تاريخ السينما المصرية . ــ فاصل موسيقي ــ تجري أحداث الفيلم في بداية العشرينات في حي الحسينية ، وتدور حول شخصية السقا المعلم شوشة (عزت العلايلي) الذي يعيش وذكرى زوجته آمنة (ناهد جبر) لا يفارقه ، وهي التي أنجبت له إبنه سيد . ويضل الحزن يصاحبه دوماً ويلعن الموت الذي إختطفها منه . وتمر عشر سنوات على ولادة سيد (شريف صلاح الدين) الذي يعيش مع والده وجدته أم آمنة (أمينة رزق) في بيت صغير يخيم عليه شبح الموت . فبالرغم من السنوات الطويلة إلا أن حبه لزوجته لا يموت . مع أن أم آمنة ، التي تسعى لخدمته رغم كبر سنها وفقدان بصرها ، تحثه على الزواج من جارتها زكية ، ولكنه يرفض الزواج وفاء لذكرى زوجته . ــ فاصل موسيقي ــ يلتقي المعلم شوشة صدفة بشحاته أفندي (فريد شوقي) ويتعرف عليه بعد أن أنقذه من شجار كاد أن يقع مع المعلمة زمزم (تحية كاريوكا) صاحبة المطعم الذي لم يدفع فلوس الأكل فيه . ولسبب ظروف شحاته أفندي المالية يعرض عليه المعلم أن يسكن عنده في منزله ، فقد إرتاح له كثيراً . هنا يحاول شحاته أفندي أن يخرج السقا من عزلته ويأسه وخوفه من الموت ، ويفاجأ السقا بأن شحاته يشتغل مطيباتي جنازات ، وهي مهنة مانت منتشرة في الثلاثينات ولكنها إندثرت الآن . ــ فاصل موسيقي ــ وشخصية شحاته أفندي كانت محور فلسفة الموت في الفيلم . فبالرغم من تعامله اليومي مع الموت من خلال مهنته ، إلا أنه كان يخاف الموت ويعتبره جباناً لأنه لا يواجه الناس وإنما يأخذهم على غفلة . ومن خلال حديثه مع المعلم شوشة ، يقول : ... أوعى يكون اللي بيبكوا في المياتم بيبكوا على الميت ، دول بيبكوا على نفسيهم .. الموت جبان ما يجيش إلا على غفلة .. ومدام هو جبان أخاف منه ليه ... . ــ فاصل موسيقي ــ ويعيش شحاته أفندي ليومه فقط ، فعندما يحاول أن يستمتع بليلة مع غانية الحي عزيزة نوفل (شويكار) ويستعد للقاء بها ، يكون قد مات في هدوء . إن موت شحاته أفندي وزواج جارته زكية ، يسببان صدمة قوية للمعلم شوشة . فصديقه الوحيد الذي إرتاح له أخذه الموت مثل ما أخذ زوجته من قبل . وعندما أراد أن يخرج من عزلته ويتزوج زكية يكون قد فات الأوان ، بعد أن ساهم بغير قصد في خطبتها لشاب في مثل سنها . ولكنه بعد ذلك يتغلب على الموت ويجابهه ولا يهابه ، وذلك عندما تحداه وحل محل شحاته أفندي في العمل كمطيباتي جنازات . بعدها يواصل حياته العادية بعد أن نصب في الحي شيخ السقايين . ــ فاصل موسيقي ــ لقد نجح صلاح أبو سيف في فيلم السقامات ، في معالجة الواقع المصري في الثلاثينات ، وذلك من خلال إظهار مهنة السقا ومهنة المطيباتي اللتان إندثرتا وأصبحتا من التراث . وقد صور أبو سيف هاتين المهنتين بقدرة فائقة ، وجعلنا نعيش تلك الأيام كحقيقة . كما قدم لنا وصفاً دقيقاً للأجواء الشعبية لحي الحسينية قبل وصول المياه الى المنازل وإعتماد الناس على السقايين . وقد أضفى أبو سيف جواً من الرومانسية والشاعرية الواقعية في مشاهد الفلاش باك الجميلة. وأخيراً .. لا بد من كلمة قبل أن نختم حديثنا عن هذا الفنان الأسطورة .. فلم يكن فريد شوقي فناناً كبيراً فحسب .. بل كان أسطورة حقاً ، إتسعت وتعمقت منذ الأربعينات وحتى وقتنا الراهن .. راهن على الفن كسلاح وحيد لمناهضة آثام البشرية من شرور وجريمة وقبح ، وحتى التطرف ، وبالتالي فهو فنان مسكون بالفن وللفن . لهذا عندما شعر بأن جسده لا يطاوعه على الحركة والنشاط وأداء الرسالة ، كان هذا بمثابة القشة التي قصمت ظهر البطل . ختام
أفلام وأفلام - الحلقة 63 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بأن نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام وأفلام). عزيزنا المستمع .. فيلمنا لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (خلي بالك من زوزو)، من بطولة سعاد حسني وحسين فهمي، ومن إخراج حسن الإمام. وهو إنتاج عام 1972. - فاصل موسيقي - في حلقتنا هذا الاسبوع سيكون حدديثنا عن فيلم يعد من أهم وأبرز الافلام المصرية في مجال الغناء والاستعراض .. ويعتبر نموذجاً هاماً للاستعراض السينمائي في مصر والعالم العربي في تلك الفترة .. حتى أن الجيل الجديد عند مشاهدته لهذا الفيلم فأنه سيشعر بالحسرة لعدم وجود فيلم استعراضي حقيقي في الوقت الحاضر. كتب السيناريو والحوار لفيلم (خللي بالك من زوزو) الفنان صلاح جاهين، وقدمه للسينما المخرج الذائع الصيت حسن الإمام، وقامت ببطولته الفنانة سعاد حسني وهي في قمة تألقها الفني (السبعينات)، يشاركها البطولة حسين فهمي، تحية كاريوكا، سمير غانم، شفيق جلال، نبيلة السيد وحشد كبير من الممثلين والكومبارس. - فاصل موسيقي - يحكي الفيلم عن زينب عبد ا لكـريم الشهيرة بزوزو (سعـاد حسني)، والتي تعيش حيـاة مزدوجة.. في الصباح طالبة في الجامعة، مثالية، متفوقة.. وفي المساء راقصة تسير كل خطى والدتها نعيمة ألماظية (تحية كاريوكا). إن زوزو إبنة شارع محمد علي، ابنة الراقصة التي ترقص في الأفراح، تظهر عليها تغييرات في شخصيتها، وذلك من تأثير حياة الجامعة عليها. فمن طريقة اشتراكها في المسابقات الرياضية، إلى أحاديثها الصحافية التي تتوج فوزها رياضيا، إلى محـاولة تجيير الشهرة لمصلحـة علاقات اجتماعية يومية مع زملائها، نشاهد أمثلة واضحـة من التطلعات التي تحلم بها زوزو، للقفز فوق أصولها الطبقية الفقيرة، والحلم بالارتقاء نحو حياة الغنى والشهرة. لذا يكون أول مطالب زوزو، من والدتها، هو التوقف عن ممارسة مهنتها (الرقص). ومن الخطأ أن نعتبر طلب زوزو هذا ناتجا عن النظرة الأخلاقية أو الدينية لمهنة الرقص.. حيث أننا لو افترضنا بأن زوزو كانت بائعة فول وطعمية أو أية مهنة هامشية أخرى، لطلبت أيضا التخلي عنها، لان هذا في النهاية بداية التخلي عن كل حاجتها من طبقتها، كشرط من اجل دخول نعيم البرجوازية الذي تحضره لها الجامعة. ولا يمكن أن تغيب عنا حكاية المدافعين عن الدين في الجامعة، والتي حشرت في الفيلم بغية ابتزاز تعاطف المتفرجين وجعلهم يقبلون تخلي زوزو عن طبقتها وأصولها، فالصراع الذي شاهدناه في حدود الجامعة بين الرافضين والمؤيدين لزوزو، قدم صورة الفيلم باعتباره جاء من اجل فتاة جميلة وبطلة رياضية، في حدود مطموسة فكرياً وعلى نحو متعمد. - فاصل موسيقي - ثم تأتي حكاية الفتى الوسيم ابن العائلة الغنية، الذي سينتشل زوزو من الحضيض، حيث تلتقي زوزو بالمخرج المسرحي الشاب سعيد كامل (حسين فهمي) في ندوة له بالكلية، فتعجب به لتتخيل بأنه فتى أحلامها.. تتعرف زوزو على سعيد، وتتعدد اللقاءات، لتبدأ قصة حب بينهما حيث أن مجمل المواصفات الموجودة في هذا الشاب الوسيم والمحيطة به، والتي تسمح بمداعبة خيال أي فتاة فقيرة، هي التي ستقنع من لم يقتنع بعد بالسير في طريق التخلي الطبقي، والذي ستسير فيـه زوزو. تغار خطيبة المخرج سعيد بعد أن تكتشف علاقة زوزو بخطيبها، لذا تفكر في طريقة لازاحتها من طريقها. فتذهب وتتفق مع والدة زوزو للرقص في حفل عيد ميلادها، وفى الحفل تحضر زوزو أيضا مع سعيد لتشاهد والدتها ترقص وسط مدعوين يسخرون منها، بشكل يدعو للخجل و الأسى. فجأة وبالرغم من اعتراض سعيد، تقوم زوزو لترقص بتحد أمام انبهار المدعوين. وهي عندما ترقص أمام الحاضرين من الأغنياء فإنها لا ترقص لتدافع عن طبقتها أو عن والدتها أو عن أي شيء غير نفسها. فقد استطاعت خطيبة الشاب الوسيم في جرها إلى ميدان معركة حددته هي، معركة في بيت الأغنياء، المستعدين للرفض الأبله لكل ما يذكر بالفقر. - فاصل موسيقي - إن صناع الفيلم قد تنبهوا إلى أن رفض محيط هذا الشاب الغني لزوزو فقط لان خطيبته التي اختاروها له جاهزة، ليس رفضا طبقيا، بل انـه رفض عادي وتجاري يمكنه أن يحدث لألف ظرف وظرف لذلك اهتدى صانعو الفيلم إلى أن افضل وسيلة لجعل هذا الرفض يكون طبقيا، هو مقلب المخطوبة الذي دبرته لزوزو، والذي - في نفس الوقت - سيقلب هذا الرفض الطبقي من قبل العائلة الغنية إلى حب من قبل المتفرج الذي سيتعاطف تلقائيا مع زوزو. إن شحذ "زوزو" لأظافرها (خلعها لملابسها لترقص) لتدافع عن نفسها، تحت شعار الدفاع عن أصولها، هو في النهاية محاولة لإيجاد ميزان قوى مقبول لاجبار عائلة الشاب الغني على قبولها ضمن صفوفها. - فاصل موسيقي - إنها عملية ابتزاز مقلوبة، يقوم بها الفقير المتخلي عن طبقته حتى يعطى فرصة انتماء طبقي جديد. إن عملية الابتزاز هذه، والتي استكملتها عملية الابتعاد الشكلي من قبل زوزو عن الشاب الوسيم، ابن البرجوازية، لم يكن لها إلا هدف واحد، وهو إقناع هذا الشاب بعدم التخلي عن زوزو. والدليل على ذلك هو أن الصفعة التي جعلت زوزو تبتعد قليلا عن الشاب، لم تكن إلا نفس الصفعة التي أدخلتها إلى حريم البرجوازية وكرست قبول الشاب وطبقته بها، .. وان الذي غير موقعه الطبقي هو زوزو وليس الشاب.. والذي سينتقل إلى الشقة الفخمة هي زوزو وليس الشاب الغني هو الذي سينتقل إلى شارع محمد علي. ثم لا ننسى أن نضيف أن زوزو لم تشغل بالها كطالبة جامعية، وهو امتياز في شارع محمد علي، ولو لمرة واحدة بسكان حارتها وشارعها وبمشاكلهم، إلا عندما اضطرت أن تدافع عنهم دفاعا عن نفسها، تم تعود وتتخلى عنهم لتصالح نفسها في النهاية، عندما تتزوج من الشاب الوسيم الغني. - فاصل موسيقي - هذه هي حكاية فيلم (خللي بالك من زوزو)، وهى بالطبع حكاية تقليدية، بل ورجعية، حولتها السينما المصرية إلى فيلم استعراضي كبير ذو شعبيـة هائلة. والفيلم - بالرغم من حكايته هذه - مصنوع بدقة وباهتمام زائد من الناحية الفنية السينمائية، حيث توافرت له إمكانيات وعناصر فنية على مستوى عال من الجودة، وفرها له المنتج (تاكفور انطونيان) .. من سيناريو شاعري رقيق، إلى حوار بالغ القوة والذكاء كتبهما (صلاح جاهين)، إلى تصوير متقن من (عبد الحليم نصر) لا يترك أي تفصيل يفوته، ويهتم بتوزيع الإضاءة بشكل يتناسب والتوتر النفسي للشخصيات.. إلى موسيقى تصويرية منـاسبة للحدث قدمها صاحب الخبرة الطويلة في هذا المجال فؤاد الظاهري .. و أخـيرا، أغاني واستعراضات جميلة وقوية، كتبها صلاح جاهين ولحنها كل من كمال الطويل وسيد مكاوي وإبراهيم رجـب ومنير مراد . ثم على رأس هذا اللفيف من الفنانين يأتي المخرج حسن الإمام، صاحب الخبرة الطويلة في إخراج الفيلم الاستعراضي والغنائي، والذي وفق إلى حد كبير في إدارة من معه من فنيين وفنانين وخصوصا في اختياره وأدارته للممثلين من نجوم وكومبارس .. سعاد حسني المتألقة بسحرها وخفتها وحيويتها، وحسين فهمي بوسامته وقدرته على التوصيل، وتحية كاريوكا الفنانة القديرة الصادقة، وغيرهم ممن ظهروا في الفيلم، كل حسب دوره المرسوم له. - فاصل موسيقي - وختاما، لابد لنا من الإشارة إلى أن فيلم (خللي بالك من زوزو)، يـعتبـر واحداً من أبرز الأفلام الاستعراضية في تاريخ السينما المصرية وانجحها جماهيريا.. فقد حطم الأرقام القيـاسيـة في الإيرادات ومدة العرض. ففي السبعة أسابيع الأولى فقط من عرضه حقق ما يفوق المليوني جنيه مصري، واستمر عرضه ما يقارب العام الكامل ولولا حرب أكتوبر 1973 لما رفع من دور العرض واستمر عرضه لمدة اكثر. - فاصل موسيقي - عزيزي المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم، مغموراً بالصور، مبتعداً عن العالم الواقعي، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له - يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم. - فاصل موسيقي - فيلمنا الثاني - عزيزنا المستمع - هو الفيلم المصري (سوبرماركت)، بطولة نجلاء فتحي و ممدوح عبدالعليم، ومن إخراج محمد خان. وهو إنتاج عام 1990. - فاصل موسيقي - المخرج "محمد خان " هو ضيفنا في هذا المقال، حيث شاهدنا مؤخرا، وعلي شاشة تلفزيون البحرين، فيلمه "سوبرماركت- 1990) وهو من بطولة ممدوح عبدالعليم، نجلاء فتحي، عادل أدهم. وهاهي خمسة عشر عاما تمر علي إخراج محمد خان لأول أفلامه "ضربة شمس- 1987)، قدم خلالها خمسة عشر فيلما روائيا طويلا. سنوات حافلة بالإنجازات الفنية وأفلام تميزت - كأسلوب ورؤية- عن المتواجد في الساحة السينمائية في مصر. حيث أن محمد خان، قد ساهم في إرساء قواعد جديدة وتحطيم تقاليد بالية في السينما المصرية. تميز أيضا عن أفراد جيله، بذلك الحس البصري السينمائي والتفكير بلغة الكاميرا وليس فقط التعبير بها. وهذا عبارة عن نتيجة طبيعية لمتابعاته واستيعابه لتيارات التجديد في السينما العالمية لذا نراه يقف مع قلة من المخرجين صامدا أمام التيار الجارف للسينما التجارية، وهو صمود يعتبر بطولة حقا، عندما نعرف مدى قوة هذا التيار ومقدار الإمكانيات والمغريات التي يبثها ويؤثر بها الوسط السينمائي في مصر. - فاصل موسيقي - يبدأ محمد خـان فيلمه (سوبرماركت) بعبارة (.. من أحد الفاشلين إلى أول الناجحين) حيث يعترف خان حين يقول : (قد أكون أنا ذلك الفاشل الذي ليس لأفلامه الجمهور العريض جدا جدا.. فجمهورنا معدود إلى حد ما قد تكون هذه الجملة تعليقا على السينما التي أنا أعملها). في الفيلم، نحن أمام فنان ملتزم "رمزي "، يعمل ليكسب قوت يومه عازفا علي البيانو في فندق سياحي، حيث انه خريج معهد الكونسرفتوار. ولأنه على خلاف دائم مع أخت زوجته التي يعيش في منزلها والتي لا تطيق شئ أسمه الموسيقى، يلجأ لوالدته ليعيش معها. هنا نتعرف على جارته "أميرة" والتي يرتبط معها بعلاقة صداقة جميلة منذ أيام الدراسة. - فاصل موسيقي - تبد أ أزمات رمزي عندما يتم إنهاء عقد عمله في الفندق، إلا إن الطبيب المليونير يعرض عليه فرصة تعليمه العزف على البيانو لقاء أجر مادي معقول. هنا يتعرف المليونير عن طريق رمزي طبعا، على أميرة التي تعاني من ظروف اجتماعية واقتصاديـة قاسية، حيث تكافح من أجل الاحتفاظ بابنتها والتي بدورها تنجذب إلى عالم والدها وثروته بعد عودته من الكويت وبالتالي فهي تنجرف وراء التيار وتقع في قفص المليونير، أملاً باستعادة ابنتها. وفى الجانب الأخر تضيع فرصة رمزي في تحقيق الثروة، عبر قاعدتين هامتين تعلمهما من المليونير، الأولى ضربة حظ يخسرها رغما عنه عندما لا يعرف عن حقيبة الفلوس التي تقع بالصدفة في حوزته منذ بداية أحداث الفيلم وحتى نهايتها. والثانية عندما يرفض التخلي عن أخلاقياته ومبادئه في سبيل المادة. - فاصل موسيقي - نلاحظ منذ الوهلة الأولى بأن التوليفة الدرامية للفيلم تبدو تقليدية. إلا إننا نكتشف فيما بعد بان المعالجة الفنية تختلف كثيرا في توجهاتها وأهدافها، وحتى في شكلها وصياغتها الفنية أيضا. فالفيلم بهذا السيناريو الذي كتبـه السيناريست (عاصم توفيق) يشرح تفاصيل حياة تهيمن عليها القيم والمفاهيم المادية. ويكشف أيضا عن سلبيات ثقافة الاستهلاك على المجتمع بل ويدينها، وخاصة في اعتبار المال قيمة في ذاته، وإعلاء هذه القيمة على قيمة العمل والأخلاق والفن. ولو تتبعنا شخصيات الفيلم، التي ترتبط بعلاقة مباشرة مع رمزي، ابتداء بزوجته وانتهاء بجارته وابنتها، لوجدنا انهم جميعا خضعوا بشكل أو بآخر إلى مغريات الحياة المادية ومباهجها الزائفة، وقدموا تنازلات كثيرة في سبيلها. هذه الشريحـة الاجتمـاعيـة هي جـزء من (سوبرماركت) كبير، كل شئ فيه معروض للبيع حتى الأخلاق. ومن خلال هذا الفيلم، يقدم محمد خان رؤية فنية واجتماعية قوية وساخرة في بعض الأحيان، جسدها من خلال بطله "رمزي " الذي قاوم حتى النهاية كل مغريات الحياة الماديـة، ولم يخضع لسيطرتها، وليبقى نظيفا من كل شئ حتى جيوبه. فصراع الإنسان بين أخلاقيات وهجمات المادة وشراستها وبين مقاومته لها، تعتبر حقيقة اجتماعيـة يؤكدها الفيلم في اكثر من موقف وحدث. خصوصا إذا كانت مثل هذه الماديات تحاصره حتى في لقمة عيشه ومتسقبله، وحتى في تفكيره الحياتي اليومي. - فاصل موسيقي - يتحدث محمد خان عن فكرة الفيلم وكيف خلقت. فيقول : ( طلب مني أحدهم أن أنجز له فيلما للتلفزة، فكتب موضوعا عنوانه ( الهروب من الجنة) وبدأت بفكرة رمزي هذا، وكنت قبل ذلك كتبت ذات الموضوع بطلب من زميل لي (…) ثم حينما فكرت في السينما غيرت قليلا في الموضوع. فيبدأ رمزي وقد وجد محفظة فيها مبلغ كبير من المال، ولكن ماذا سيفعل بهذا المبلغ؟ فتطورت الفكرة وأخذت مغزى ثانيا، رفض عاصم فكرة المحفظة. ثم قبلها حينما وجد انه بإمكانه تصوير مجتمعنا من خلال هذه الحالة. في موضوع المحفظة، قال لي عاصم أنا لست متفقا معك، ولكن سأضعها في الأحداث وعليك أنت أن تتصرف وتجد لك المخرج من الورطة. ستوضع المحفظة عند رمزي في الأول ثم تسرق بعد ذلك، لما بينهما عليك أنت أن تجد الحلول الدارمية كانت مشكلة بالنسبة لي إلا أكون ظاهر ولا خفي ". - فاصل موسيقي - محمد خان، وكما عودنا في جميع أفلامه، يدرس شخصياته بعناية، بل ويسخر كافة إمكانياته وطاقاته للكشف عما في أعماق الشخصيـة التي يتنـاولها. فالشخصيات هي ما تشده اكثر من أي شئ آخر. هنا في فيلم (سوبرماركت) يقدم لنا شخصية محورية واحدة هي (رمزي)، ويصيغ من حولها مجموعة من العلاقات والإشكاليات، ثم يتابع تصرفاتها بحذر شديد، ويسجل لنا بالكاميرا أدق التفاصيل الذكية التي ساهمت بدورها في تعميق هذه الشخصية. كما فعل من قبل مع شخصية (فارس) في فيلمي (طائر على الطريق - الحريف). وفي هذا الفيلم تكمن بعض الأمور التي تثير لدينا الكثير من الملاحظات والإشارات التي لابد من ذكرها. فالفيلم لا توجد به قصة حب. فبعد انتقال "رمزي" إلى منزل و ا لد ته، وظهور "أميرة" أمام المتفرج، يتصور الأخير ومنذ الوهلة الأولى بأنه حتما سيكون هناك قصة حب بين رمزي وأميرة. إلا أن محمد خان يصدم المتفرج التقليدي ويتغلب على سيطرة مخيلة هذا المتفرج ويقدم له علاقة صداقة جميلة! يندر وجودها في أفلام هذه الأيام في مصر.. "تحيا الصداقة". ثم أن وجود (السوبرماركت)، في الفيلم ليس بالطبع له علاقة بعنوان الفيلم، حيث أنها وجدت لتكون نقطة وصل ليس إلا، وجدت لكي تلتقي "أميرة" بزوجها العائد من الكويت، أو ليلقاها فيها الطبيب المليونير، هذا فقط هو دور السوبرماركت في الفيلم. وإلا ماذا يبرر عدم اهتمام الفيلم بالسوبوماركت كمكـان، وعدم تصوير الزحمة والبضائع وغير ذلك مما يتسم به السوبرماركت. - فاصل موسيقي - يبقى أن نشير إلى أن الفيلم قد اتخذ له أسلوبا مختلفا للإيقاع. فالكثيرون قالوا بأن إيقاع الفيلم بطئ، وهذا بالطبع ليس صحيحا مائة بالمائة، حيث انهم أطلقوا هذا التقييم بسبب تأثرهم بأسلوب السينما الأمريكية ذات الإيقاع السريع، والذي ينبع أساسا من أسلوب الحياة العامة في أمريكا. مثلا السينمات الأخرى "الألمانية والفرنسية" لها إيقاعها الخاص جدا وتؤكد عليه دائما. أما السينما العربية -المصرية بالذات- فهي تعاني من هذه المشكلة، مشكلة إيجاد الإيقاع الخاص بها، اليابانيون مثلا تغلبوا على هذا المفهوم، فوجدوا لغة سينمائية إيقاعها نابع من أسلوب الحياة اليابانية الخاصة جدا. وليس من الصحيح أن نطلق على إيقاع فيلـم (سوبرماركت) بطئ. ربما نجده يختلف في أسلوب الإيقاع عن فيلم آخر لمحمد خان (أحلام هند وكاميليا)، إلا أن هذا ليس له علاقة ببطء الإيقاع وسرعته. إن سرعة الإيقاع وتطوره في "سوبرماركت" تكمن أساسا في أحداثه ومواقفه المرسومة في تركيبة السيناريو. وهذا واضح أساسا من تنـامي الأحداث وتدفقها حتى وصولها إلي الذروة. أما بالنسبة لجزئية الحقيبة المليئة بالفلوس، فقد جسدها لنا محمد خان بحرفية سينمائية في ذكية وإمكانيات فنية تحسب لصالحه. إنها تعليق ساخر وعبثي، قد لا تكون لها علاقة بأحداث الفيلم ولكنها في الحقيقة لها علاقة مباشرة بجوهر الفيلم وفلسفته. - فاصل موسيقي - يقول محمد خان : (إنه من غير الضروري أن كل شئ يكون موظفا في الفيلم.. كل التعامل مع الشنطة لم يكن موجودا في السيناريو، ثم أنا شخصيا استظرف مثل هذه الأشياء الصغيرة.. إنها نكشة). لقد كان مخرجنا حذرا، عندما جعل الأم هي التي تنظم أمتعة رمزي، حتى لاينتبه هو لوجود الحقيبة. ثم أن رمزي لم ينتبه فيما بعد لوجود الحقيبة لأن المخرج وضعها بالقرب من صورة بيتهوفن وبيتهوفن هو الذي يسلب رؤية رمزي. وبالرغم من أن السيناريو يتسم بالطابع الأدبي، وهو ما لا يتناسب وعالم محمد خان وأسلوبه في الإخراج، إلا أن بصماتـه الإخراجية في (سوبر ماركت) كانت واضحة منذ أول حركة للكاميرا.. تقنيات تصويرية تأملية هادئة وعميقة واستخدام مؤثر للمونتاج، وكادران جمالية قوية ومتقنة .. .. .. سوبرماركت، فيلم هادئ .. جميل .. جيد .. وجاد.
أفلام وأفلام ـ الحلقة 64 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (قلب الليل) ، بطولة نور الشريف محسنة توفيق وفريد شوقي وهالة صدقي ، ومن إخراج عاطف الطيب . وهو إنتاج عام 1990 . ــ فاصل موسيقي ــ كتب فيلم (قلب الليل) السيناريست محسن زايد ، عن رواية بنفس الإسم للروائي الكبير نجيب محفوظ . وفي إعتقادنا ، بأن إختيار الكاتب والمخرج لهذه الرواية لتحويلها للسينما ، كان إختياراً صعباً . فالرواية تتعرض للمنطقة الرمادية التي يعلوها الضباب ، والتي تمثل بعداً من أهم أبعاد رؤية نجيب محفوظ للحياة . كما أنها تعالج قضية فلسفية هامة ، أتعبت الفكر الإنساني كثيراً ، ألا وهي قضية الحرية والإختيار ، مروراً بالأشواق والرغبات التي تعتمل في أعماق وروح الشخصيات ، فتنطلق لتحطم النواهي والممنوعات . وهي أيضاً رواية تتناول اليقين المهتز بالشكوك والأسرار الغامضة ، والتي غالباً ما يعجز العقل البشري عن كشفها أو إدراكها . وهذه كلها قضايا فلسفية بعيدة تماماً عن هموم السينما السائدة . ــ فاصل موسيقي ــ كما أن هذا الفيلم يطرح أمامنا قضية فنية هامة كثر الحديث حولها ، ألا وهي قضية العلاقة بين الأدب والسينما ، أو مشكلة ترجمة العمل الأدبي الى رؤية سينمائية . فمازالت السينما المصرية تعاني من هذه المشكلة ، ومازال تطويع العمل البعد الروائي الأدبي لصالح المشهد السينمائي مرتبكاً وضعيفاً . ــ فاصل موسيقي ــ وفيلم (قلب الليل) يؤكد ما قلناه ، حيث لوحظ ، في أكثر من تنامي درامي داخل الفيلم ، لهاث الكاميرا للحاق بركب البناء الأدبي ، الذي يعتمد على الكلمة ، والتي بدورها تتجاوز كثيراً الصورة المرئية المحددة بأبعادها السينمائية ، نحو عوالم أكثر إتساعاً . وأعتقد بأن المتفرج قد لاحظ ذلك الطول الغير طبيعي للفيلم ، والذي جاء نتيجة السعي لتجسيد كافة النقلات في التطور الشخصي والإجتماعي وحتى الفكري لدى بطل الفيلم جعفر الراوي (نور الشريف) . هذا إضافة الى أن ذلك قد تم دون تقديم مبررات مقنعة لكل هذه التحولات في الشخصية ، بل وقدمها بمبررات تكاد تقترب من مبررات طرحتها السينما الهندية كثيراً . ولنا أن نتصور ذلك الجهد الذي بذله فناناً كعاطف الطيب حتى يصل بنا الى ما أراد قوله نجيب محفوظ . ربما إستطاع الطيب نقل الفكرة بحرفيتها أحياناً ، إلا أنه قد أخفق كثيراً بسبب الشرط الموضوعي لحجم إتساع المشهد الذي تمتلكه السينما وأدواتها . ــ فاصل موسيقي ــ لقد كان عاطف الطيب في فيلمه (قلب الليل) أميناً للعمل الروائي الى درجة فقدانه للغة السينمائية وإرتباكها في أحيان كثيرة . مما جعل الفيلم يتخبط في لهاثه وراء العمل الأدبي . وربما تكون القضية الفلسفية التي تناولتها الرواية هي السبب في ذلك التخبط الذي إحتواه الفيلم ، خصوصاً في عرض تلك النقلات الغير مبررة لمسار الشخصية الرئيسية وتطوراتها . وكاد الفيلم أن يقع في بعض مشاهده في الميلودراما العنيفة ، لولا قوة حضور الشخصيات وتميز كاميرا عاطف الطيب . ــ فاصل موسيقي ــ ثم لا يفوتنا الإشارة ، الى أن الفيلم في نصفه الأول ، قد تميز بكادرات جمالية رائعة ، وإستخدام موفق للإضاءة داخل المشاهد . بحيث أعطى إيحاءً بالفترة التاريخية ، مما يؤكد سيطرة المخرج على تنفيذ كادراته بما يتناسب وتلك المرحلة الزمنية . هذا إضافة الى الشفافية التي ساهمت في جمالية المشاهد ، والتي جائت نتيجة إستخدام موفق أيضاً للمرشحات المختارة من قبل المخرج ومدير التصوير . ــ فاصل موسيقي ــ أما النصف الثاني من الفيلم ، فقد إفتقد لكل تلك التقنيات الإبداعية ، بل ؤضاع وراء تجسيد سردية القص الروائي ، لدرجة شعورنا بأن الفيلم قام بإخراجه إثنين ـ وليس مخرج واحد ـ يختلفان تماماً في الرؤية السينمائية . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (جري الوحوش) ، بطولة نور الشريف وحسين فهمي وحسين الشربيني ونورا ، ومن إخراج علي عبدالخالق . وهو إنتاج عام 1987 . ــ فاصل موسيقي ــ بعد أن قدم الثنائي علي عبدالخالق ومحمود أبوزيد فيلم (العار ـ 1982) ومن بعده (الكيف ـ 1985) ، حيث نجح هذان الفيلمان نجاحاً فنياً وجماهيرياً ملحوظاً ، جاء فيلمهما الثالث (جري الوحوش ـ 1987 ) ليستثمر هذا النجاح ، ويقدما فيه موضوعاً مختلفاً عن عن موضوع الفيلمين السابقين ، ألا وهو عالم المخدرات والكيف . قام ببطولة الفيلم نور الشريف ـ حسين فهمي ـ محمود عبدالعزيز ـ نورا ، وهو نفس طاقم التمثيل الذي قام ببطولة فيلم ( العار ) . ــ فاصل موسيقي ــ يحكي الفيلم عن فكرة علمية ، حيث ينجح عالم مصري (حسين فهمي ) في تجربة لشفاء العقم عند الرجال ، وذلك باجراء جراحة يتم خلالها زرع أجزاء معينة بجسم الرجل العقيم مأخوذة من رجل قادر على الإنجاب . وقد طبق العالم هذه الفكرة بنجاح على حيوانات التجارب ، وبقى أن يطبقها على الجنس البشري . يلتقي هذا العالم ، والذي يؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة ، بصديق له ( نور الشريف ) يعاني من العقم ، فيقنعه بأن يجري له العملية ، وهو الرجل الغني الذي يمللك المال والثروة ، ولكنه عاجز عن إنجاب طفل يشتهيه .. لذلك نراه يضحي بجزء كبير من ثروته لتحقيق حلم حياته وأمل زوجته (هدى رمزي). ويجد هذا الرجل الغني ضالته المنشودة عند منجد بلدي بسيط (محمود عبدالعزيز ) ، وهو مثال للفحولة والرجولة ، يعيش حياته بالطول والعرض ، ويعتقد بأن سعادة الدنيا هي في المال وحده .. لذلك يضحي ـ أيضاً ـ بفحولته مقابل مبلغ كبير . وهكذا يسعى كلاهما لتحقيق حلمه بتغيير مجرى حياته تماماً . على الطرف الآخر ، يقف رجل القانون (حسين الشربيني ) ، والذي يرفض فكرة إجراء العملية رفضاً باتاً ، وذلك لأنها تخالف القانون والشرع ، رغم تأكيد العالم بأنها عملية ناجحة ، هذا إضافة الى أنها عملية جراحية منتشرة على نطاق واسع في كل دول العالم المتقدم . وبعد إجراء العملية الجراحية ، طرأت بعض المضاعفات الصحية على الإثنان المتورطان في هذه العملية ، لتكون النهاية المخيبة للآمال . ــ فاصل موسيقي ــ إن فيلم ( جري الوحوش ) ، يتناول من خلال أحداثه ، فكرة الصراع بين البشر من أجل تحقيق أرزاق ليست مكتوبة لهم ، والفوز بالسعادة وعلاماتها الثلاث ( الصحة والمال والبنون ) في وقت واحد . والسؤال هو هل ينجح الإنسان في الحصول على رزق غير رزقه مهما ضحى وسعى للحصول عليه ؟!! وهذا بالضبط مايجيب عليه الفيلم بشكل مباشر ، حيث يتبنى الفيلم وجهة نظر رجل القانون ( حسين الشربيني ) صراحة ، بل إنه لا يعطي أية فرصة للمتفرج للتفكير في الأمر ، مقدماً له ـ من خلال هذه الشخصية ـ النصح والموعضة بشكل ساذج ومباشر .. وهذا هو الخطأ الجسيم الذي وقع فيه الفيلم . أما إذا تجاوزنا هذا الخطأ الدرامي فبامكاننا إعتبار هذا الفيلم من بين الأفلام الجادة ، حيث ناقش موضوعاً جديداً وجاداً ، وقدم أسلوباً يتناسب مع تصاعد الأحداث . ــ فاصل موسيقي ــ ويجدر بنا الإشارة هنا الى أن الفيلم لم يحضى بالنجاح المتوقع له ، حيث أن صناع الفيلم عندما أصروا على أن يقوم ببطولة الفيلم رباعي التمثيل في فيلم ( العار ) ، كانوا يتوقعون نفس النجاح للفيلم الجديد . وإن المتفرج ذهب للفيلم على هذا الأساس ، وهو وجود أسماء مثل : محمود أبوزيد ، علي عبدالخالق ، نور الشريف ، حسين فهمي ، محمود عبدالعزيز ، نورا .. فاعتقد ـ على الفور ـ بأن الفيلم به مخدرات ودخان أزرق ، ولكنه صدم عندما وجد الفيلم يتحدث عن موضوع آخر ، ولا يحوي إلا حكماً ومواعظ ، فانصرف عنه . هذا بالرغم من أن الإنتاج كان سخياً ولم يبخل على الفيلم بشيء ، حيث صورت بعض مشاهد الفيلم في قبرص ، وخصوصاً مشاهد المستشفى التي أجريت فيه جراحة نقل الأجزاء من جسد المنجد الى جسد المليونير . وللعلم فأن عملية إعداد السيناريو إستغرقت أكثر من ثلاث سنوات .. وكان هناك فكرة بأن يخرجه محمود أبوزيد بنفسه ولكنه عدل عنها ، وترك هذه المهمة لصديقه ومخرجه المفضل علي عبدالخالق . ــ فاصل موسيقي ــ ويتحدث علي عبدالخالق عن علاقته بالسيناريست محمود أبوزيد ، فيقول : ... أشعر بأن كلانا يكمل الآخر .. وفي مرحلة التأليف لا أتدخل مطلقاً فيما يكتبه محمود ، لأن ثقتي به كاملة ، ولكنه يقرأ علىَّ كل مشهد يكتبه حتى أعيش معه مرحلة الكتابة من البداية للنهاية ، ويأخذ رأيي كناقد أو كقاريء للسيناريو . وأثناء التنفيذ يتركني أعمل ما أريد ، ولكنه يتابع معي مراحل التصوير ويكون قريباً مني بالرأي والمشورة ، لذلك يخرج العمل الفني متكاملاً ... . ــ فاصل موسيقي ــ إن أبرز مايلفت في فيلم ( جري الوحوش ) هو الأداء التمثيلي ، فقد وجد المتفرج نفسه أمام مباراة في التمثيل بين أبطال الفيلم ، والذين قدموا أقصى مالديهم من طاقة تمثيلية وأدائية في حدود الدور المرسوم لهم .. فقد قضى محمود عبدالعزيز ـ مثلاً ـ أسبوعاً كاملاً في أحد الأحياء الشعبية بالإسكندرية ، وبالتحديد في مقهى خاص بالمنجدين ، لكي يتعرف على أسلوبهم في الحياة عن قرب ، وبالتالي يسهل عليه معايشة الشخصية وأدائها. ختام
أفلام وأفلام - الحلقة 65 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بأن نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام وأفلام). عزيزنا المستمع .. في حلقتنا هذه سنتحدث عن فيلمين لمخرج واحد، ألا وهو المخرج المبدع محمد خان. إلا أنهما يختلفان في المستوى. الأول يعد من بين أفضل ما قدمه هذا المخرج، والثاني فيلم لا يصل الى المستوى الذي وصل اليه هذا المخرج من تجديد وإبداع. الفيلم الأول هو (عودة مواطن)، من بطولة يحيى الفخراني وميرفت أمين وأحمد عبدالعزيز وشريف منير وماجدة زكي، ومن إخراج محمد خان. وهو إنتاج عام 1986. - فاصل موسيقي - يعد فيلم (عودة مواطن) ضمن أهم الأفلام في مشوار مخرجه المبدع "محمد خان " حيث بدا الاهتمام بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية يتضح اكثر لدى هذا المخرج. ففي فيلمه هذا يتناول محمد خـان ظاهرة اجتماعية تعتبر من الظواهر الهامة التي شهدها المجتمع المصري خلال العقدين الأخيرين، ألا وهى ظاهرة السفر للعمل في الخارج. وهى قضية شغلت ومازالت تشغل قطاعا كبيرا من أفراد المجتمع المصري، خصوصا الطبقة الفقيرة والمتوسطة والساعية اكثر من غيرها لتحسين مستواها الاقتصادي والمعيشي. علما بأن هذه القضية قد أحدثت خلخلة في كيان البيت المصري على المستوى الاجتماعي والمستوى الأخلاقي أيضا، وذلك لبروز المزيد من التطلعات لتحقيق المزيد من الأمان الاقتصادي. إن محمد خان والسيناريست عاصم توفيق، في فيلهما هذا يقدمان إدانة لأفراد الطبقة المتوسطة ومثقفيها كما يدينان ظروف المجتمع وتحولاته وذلك من خلال تناول شريحة من المجتمع تتمثل في عائلة شاكر (يحيى الفخراني). - فاصل موسيقي - يبدأ الفيلم بعودة شاكر إلي وطنه وعائلته بعد غربة دامت ثمان سنوات محملا بأحلام كثيرة عن الاستقرار ولم شمل العائلة من جديد وتعويض اخوته عن غيابه الطويل عنهم. لكنه يصدم كثيرا بما حدث حوله من متغيرات وتحولات علي صعيد الأسرة والمجتمع بشكل عام. فأفراد الاسرة الأربعة كل منهم يعيش عالمه الخاص والمعزول عن الآخـر ويعيشون حـالة من الاغتراب الشديد رغم وجودهم تحت سقف بيت واحد. فالأخت الكبرى فوزية (ميرفت أمين) كانت ترعى شئون البيت في غياب شاكر لكنها بعد عودته تنجح في تحقيق حلمها القديم بمشروع مصنـع حلويـات، وتنخرط في عالم التجارة مستقلة بعالمها وشخصيتها كسيدة أعمال وتعيش بمفردها. - فاصل موسيقي - والصغرى نجوى (ماجدة زكى) خريجة الجامعة تعمل مضيفة في أحد الفنـادق مستقلة بشئونها وشخصيتها، وتخطط للزواج من أحد زملائها في العمل رافضة لأي تدخل من أحد في خصوصياتها. أما شقيقاه، فالأول إبراهيم (أحمد عبد العزيز) يعيش حالة اكتئاب اثر انتظاره الطويل لقرار توزيع القوى العاملة بعد تخرجه من الجامعة ويحاول التغلب على هذا الانتظار بلعب الشطرنج وابتلاع الحبوب المهدئة ليعيش في حالة من الغيبوبة الدائمة توصله لمرحلة الإدمان وتعاطى ابر المخدرات يدخل على أثرها المستشفى. - فاصل موسيقي - أما الأخ الأصغر مهدى (شريف منير) الطالب الجامعي فهو يتخذ من هواية تربية الحمام ستارا لنشاطه السياسي في أحد التنظيمات السرية إلى أن ينكشف أمره ويعتقل. وأمام كل هذه التحولات يقف شاكر مذهولا وهو يرى تفكك الأسرة وانهيار القيم العائلية ويعيش حالة من اليأس والحزن الشديدين لمجرد إحساسه بأنه المسئول عما حدث لاخوته وشعوره بالعجز عن فعل أي شئ إيجابي. - فاصل موسيقي - نحن في (عودة مواطن) أمام شخصية غير قادرة علي التآلف مع الوضع الجديد والسائد في المجتمع. فبالإضافة إلى التحولات التي أصابت أفراد أسرته يصطدم شاكر أيضا بتحولات المجتمع ككل، حيث بروز أخلاقيات وسلوكيات جديدة أثرت فيه شخصيا وأدت إلى فقدانه لعمله وحبيبته وشقته. إننا أمام شخصيـة ضعيفة وعاجزة وسلبية رغم محاولاتها لأن تكون إيجابية في مواجهتها لكافة هذه الظروف المستجدة. - فاصل موسيقي - فنرى شاكر على استعداد لتقديم كل أمواله التي عاد بها من الخارج في سبيل تحقيق ذلك، غير أن الأموال ليست هي الحل ولن تكون، فهو أمام غول كبير اسمه مجتمع ما بعد الانفتاح، والحل لابد أن يأتي بشكل تراكمي من المجتمع نفسه إضافة إلى التكوين السيكولوجي والضعيف أساسا لشخصيـة شاكر، وهى شخصية غير قادرة على اتخاذ موقف متشدد من بعض ما يدور حوله، فهو رغم دراسته للقانون إلا انه يخاف الشرطة والمحاكم ويميل إلى معـالجة مشاكله بعيدا عن كل تلك القنوات لذلك يكون قراره بالسفر مرة أخرى إعلان عن عجزه عن مواجهة الظروف الصعبة المحيطة به، وغم إحساسه بأن المسئولية الملقاة على عاتقه كبيرة هذه المرة. فاخوته اصبحوا بحاجة إليه اكثر من أي وقت مضى. هذا الإحساس يجعله مرة أخرى يقف عاجزا عن الحركة في المطار، فلا هو قادر على السفر والهروب من المشاكل والمسئولية ولا هو قادر على البقاء ومواجهة كل تلك الظروف. - فاصل موسيقي - إن (عودة مواطن) فيلم متكامل من الناحية الدرامية، حيث يقدم لنا شخصيات مرسومة بعمق ومدروسة بعناية وحذر، ويتابع تطوراتها النفسية بشكل مقنع ليس فيه أي ابتذال أو تجن. كما إن الحدث الدرامي اكتسب قدرا من الجاذبية الشعرية. ورغم بطء السرد الدرامي للفيلم إلا أن ذلك لم يؤثر على سير الحـدث وأهميته. كما إن السيناريو ابتعد عن الأسلوب التقليدي في بناء الشخصيات والأحداث، وقدم أسلوبا جديدا إلى حد ما على السينما المصرية وعلى المتفرج العربي وقد حرص المخرج محمد خان على وضع شخصياته في أماكن تصوير مناسبة تماما مما كان له تأثير كبير علي واقعية الأحداث وصدق الشخصيات، خصوصا بيت العائلة بديكوراته البسيطة. - فاصل موسيقي - كما يؤكد خان قدراته الفنية فى اختيار زوايا الكاميرا وحركتها وتجانسها مع الضوء واللون، ومقدرته علي إعطاء الصورة دورا مميزا في التعبير الدرامي التأملي العميق. ويكفى للاستشهاد بذلك المشهد الذي يدخل فيه شاكر البيت وقد اصبح شبه مهجور بعد تفكك العائلة . يتنقل شاكر بين حجرات البيت- والكاميرا تلاحقه وترصد تحركاته- حيث يتوقف أمام الصور التذكارية للعائلة، ويمعن النظر طويلا فيها وكأنه يقارن بين الأمس واليوم، بين اللحظات السعيدة التي جمعت أفراد العائلة وبين هذه المرحلة حيث التفكك والانفصال. تتابعه الكاميرا وهو يواصل تنقله بين الحجرات الخاوية والصامتة والخانقة، ليصل إلى النافذة ويفتحها وكأنما يتأكد من وجود الهواء بالخارج. بعدها يلقى بجسده على السرير وهو في حالة إعياء تام نتيجة إحساسه بالحزن والمرارة والفشل. انه مشهد قصير موجز ولكن علي جانب كبير من الأهمية حيث يختصر فيه محمد خان كلاما كثيرا يمكن أن يقال مستخدما فيـه الصورة فقط كنموذج للتعبير الدرامي بعيدا عن ثرثرة الحوار. - فاصل موسيقي - يتحدث محمد خان عن فيلمه هذا فيقول: (لو نظرنا لهذا الفيلم بعمق اكثر سنجد انه فيلم موجه إلى الطبقة المتوسطة بلوم وعتاب. يقدم الفيلم شخصيات جميعها سلبية ما عدا الشاب الجامعي الذي يلجأ إلى طريق لا يدري مدى صحته، لكن ربما أوصله إلى الحل). لكن لمـاذا يـزدحم الفيلم بالشخصيات السلبية؟ من اجل أن يكون المتفرج إيجابيا، هدفه كان تحريك المتفرج من الطبقة المتوسطة خاصة، وإدانة سلبيته وعدم فعاليته، يقول له يجب أن تكون فاعلا ولا تكتفي بالفرجة من داخل البيت .. هذه هي قيمة الفيلم. - فاصل موسيقي - وأخيرا لا نغفل الإشارة إلى أن (عودة مواطن) فيلم هادئ وعميـق يتنـاول النـواحـي الحساسة فى المجتمع بشكل جميل وصادق وغير مبـاشر، ويقوم بتشريح نماذج بشرية في إطار واع وعميق محملا بواقعية شاعرية تهزنا من الأعماق. - فاصل موسيقي - عزيزي المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم، مغموراً بالصور، مبتعداً عن العالم الواقعي، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له - يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم. - فاصل موسيقي - فيلمنا الثاني لمحمد خان - عزيزنا المستمع - هو فيلم (مستر كاراتيه)، بطولة أحمد زكي ونهلة سلامة. وهو إنتاج عام 1992. - فاصل موسيقي - يتضح لمن شاهد فيلم (مستر كاراتيه) أنه فيلم ضعيف نسبيا، لا يليق بمخرجه محمد خان ولا بكاتبه رؤوف توفيق ولا حتى ببطله احمد زكي.. هذا الثلاثي الفني الذي قدم من قبل الفيلم المتميز (زوجة رجل مهم).. والذي وصلوا فيه إلى مستويات فنية راقية كإخراج وسيناريو وتمثيل. اما في (مستر كاراتيه) فنحن أمام قصة عادية لاتحمل أي جـديد.. قصة ذات صياغة كلاسيكية تقليدية.. تبتعد كثيرا عما قدمه محمد خان في اغلب أفلامه. - فاصل موسيقي - فالفيلم يحكي عن صلاح (احمد زكي)، الذي ترك قريته، بعد حصوله على الشهادة المتوسطة ثم دراسة لمدة عامين في السكرتارية، وينتظر قرار توزيع القوى العاملة منذ سبعة أعوام.. ترك قريته بعد ذلك قاصدا القاهرة ليحل مكان والده المتوفى كحارس مرآب بإحدى العمارات السكنية الفخمة. وبالتالي يستطيع إعالة أسرته الفقيرة في الصعيد عوضا عن والده. وفي القاهرة يلتقي صلاح بنادية (نهلة سلامة) التي تعمل في محل تأجير أفلام الفيديو بالقرب من عمل صلاح، فيتعارفان ويعجبان ببعضها البعض. - فاصل موسيقي - وبالرغم من الفروقات الاجتماعية الظاهرة بينهما، إذ أنها فتـاة طيبة لكنها تبدو عصرية لبقة حسنة المظهر، وهو فقير يتحدث باللهجة الصعيدية، ثيابه رثة وعمله متواضع جدا.. لكن بالرغم من ذلك إلا انهما يتواءمان في حسن الأخلاق والبساطة والأصالة. لكن هذه الصفات تعرض صلاح للمشاكل في عمله، ويدرك انه لابد له من التصدي لها بالطريقة القاسية ذاتها لذا يتعلم الكاراتيه للدفاع عن النفس وترويض الذات وبالرغم من انه يتعرض أثناء عمله لحادث تنكسر معها رجله ويصاب بعاهـة مستديمة إلا أن ذلك لم يمنعه من ممارسة عمله بنفس أخلاقه ومبادئه في الحياة والتي تسبب له مشاكل كبيرة مع الجميع. - فاصل موسيقي - ونعيش مع أحداث الفيلم وإعجاب صلاح بلعبة الكاراتيه ورغبته بإصلاح العالم من حـوله وبين غرامه بنادية ومشاهده الغنائية الراقصة.. ونعيش أيضا مع أداء احمد زكي المدهش والذي أضفى على الفيلم نكهة خاصة، ونجح في شد انتباهنا وإعجابنا لتصرفات الشخصية التي يؤديها. هذا بالرغم من ذلك الضعف الذي تعاني منـه الشخصية في رسمها وتكوينها الدرامي. عموما، ينتهي الفيلم نهاية سطحية ساذجة.. حيث عودة صلاح ونادية إلى قريته في الصعيد ليزرعا الأرض سويا. ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 66 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (آه يابلد .. آه) ، بطولة فريد شوقي وليلى علوي وحسين فهمي وتحية كاريوكا ، ومن إخراج حسين كمال . وهو إنتاج عام . ــ فاصل موسيقي ــ آه يابلد .. آه ، هو الفيلم المصري الذي كتبه للسينما مباشرة سعد الدين وهبة واخرجه حسين كمال . والفيلم زاخر بالعديد من المعاني والافمار الاجتماعية والسياسية ، حيث الدعوة التي وجهها للشباب بعدم الهجرة ، والبقاء وبناء مستقبل الوطن .. بناء الانسان ، فبالانسان تحيا الاوطان . ــ فاصل موسيقي ــ اعتمد سيناريو الفيلم في تجسيد هذه الفكرة على شخصيتين رئيسيتين الاولى هي أيوب (فريد شوقي) وهي شخصية ذاقت مرارة الاستعمار وسيطرته .. شخصية قاومت وضحت حتى وصل بها الحال الى التشرد والعبثية ، حاملة معها لوعة التضحية وحب الوطن . اما الشخصية الاخرى فهي مجدي (حسين فهمي) ذلك الشاب الذي يعيش حالة من الحيرة والضياع .. حالة توصله بالتالى للسعي لتصفية كافة ممتلكاته واتخاذ قرار بالهجرة من وطنه ، ويرى بأن الفوضى قد عمت كل مرافقه ، ويتصور بأن الهجرة (الهروب) هي التي ستخلصه من كل ذلك . تتكون علاقة صداقة بين الإثنين ، ويكون ايوب سبباً في إثناء مجدي عن الرحيل والهجرة ، بعد سلسلة من الاحداث والمواقف المصيرية التي يتعرض لها ، خصوصاً بعد تعرفه على أهالي القرية والانخراط في مشاكلهم . ــ فاصل موسيقي ــ في البدء لابد من الاشارة الى ان فيلمنا هذا قد تأثر كثيراً بفيلم (زوربا اليوناني) في رسم شخصية ايوب ، بعبثيتها وفلسفتها ، إن لم نقل هي صورة مشوهة من شخصية زوربا ، حيث وصل حد التأثر لدرجة استبدال الآلة الموسيقية المصاحبة لشخصية زوربا بآلة الناي او المزمار . يتحدث المخرج حسين كمال عن هذه الشخصية ، فيقول : فريد شوقي في هذا الدور الكبير زوربا مصري جديد ، يتحدى »أنتوني كوين« !! ــ فاصل موسيقي ــ لم تكن شخصية ايوب ، هي المتأثرة بفيلم زوربا فحسب ، وإنما حتى مسار الاحداث الدرامية بشخصياتها ، تبين لنا مدى التشابه الشديد بين الفيلمين ، فاللقاء الصدفوي بين الشخصيتين الرئيسيتين يكون في محطة القطار بدل الميناء ، ووصول الشخصيتين الى القرية ، يأتي مصحوباً بضجة واحتفال من اهالى القرية . كذلك المشهد الذي يحاول فيه ايوب الرجوع الى الصبا ونسيان ما فات والاحتفال مع صديقته الراقصة المعتزلة (تحية كاريوكا) ، يذكرنا كثيراً بزوربا عند ذهابه الى المدينة ، وبعثرة الفلوس على الشمبانيا وإضاعة الوقت عبثاً مع إمرأة . كما ان الأرملة المكروهة من أهالي القرية ، والمتشحة دائماً بالسواد في فيلم زوربا ، استبدلها فيلم حسين كمال بالأرملة فريدة (ليلى علوي) والتي تقف لوحدها في مواجهة الاقطاعي المتسلط رضوان (أنور إسماعيل) . هذا إضافة الي موقف أهالي القرية من الأرملة عند رجم منزلها بالحجارة ، يتشابه كثيراً مع ما جاء في فيلم زوربا ، ورغم هذا التشابه كله ، إلا أن صانعي الفيلم المصري ، لم يكلفوا أنفسهم للإشارة الى هذا الإقتباس ، الذي اصبح بالتالي سرقة علنية . ــ فاصل موسيقي ــ ورداً على ما قاله حسين كمال من انه صنع هذا الفيلم وفي ذهنه ان يصنع من فريد شرقي صزوربا آخر ، فقد بالغ كثيراً وظلم فيلمه ، بل ظلم معه فريد شوقي ، ونحن بذلك لانجحف بقدرات فريد شوقي الأدائية ، خصوصاً وأنه قد بذل جهداً خرافياً في دوره هذا ، إلا أن المقارنه التي وضع فيها قد ظلمته ، فقد كان أنتوني كوين في هذا الدور مذهلاً ، كما ان فيلم زوربا هو الذيلفت انتباه العالم بأسره الى وجود ممثل كبير وفنان عظيم كأنتوني كوين ، لدرجة انه مايزال يحمل لقب »زوربا السينما العالمية« . ــ فاصل موسيقي ــ اما نهاية فيلم حسين كمال ، فكانت غير منطقية على الاطلاق ، حيث بدأها بخطبة سياسية مباشرة ، ألقاها ايوب على أهالي القرية حتى يبرر ذلك التحول المفاجيء في مواقفهم تجاه سطوة الاقطاعي . هذا هو فيلم (آه يابلد .. آه) ، وهذا هو مخرجه حسين كمال الذي بدأ بداية سينمائية جيدة ، ومن ثم انخرط في تيار السينما التجارية . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (صراع الاحفاد) ، بطولة نور الشريف وصلاح السعدني ونورا وأشرف الكندي ، ومن إخراج عبداللطيف زكي . وهو إنتاج عام 1987 . ــ فاصل موسيقي ــ (صراع الاحفاد) فيلم يقدم فكرة درامية كتبها السيناريست كرم النجار ، تطرح الصراع الذي يمكن ان يحدث بين المال والفكر والقوة . وذلك من خلال ثلاثة أشقاء يتنافسون للفوز بالارث والتركة التي خلفها لهم جدهم ، بشرط تنفيذ وصيته حتى ينال هذه التركة أفضلهم . ــ فاصل موسيقي ــ الاول هو (نور الشريف) الكلاف الذي يرعى البهائم والذي لم تتجاوز حياته حظيرة البهائم . لكنه عندما يبدأ في إحتكار كل المواشي في القرية ، يصبح بسرعة من الاثرياء ، وينشيء شركة لتوظيف الاموال الي ان يدخل مجلس الشعب ، حتى ينكشف أمره بتلاعبه باموال الناس في النهاية . ولم ينجح السيناريو في رسم هذه الشخصية ولم يقنعنا بتصرفاتها ، فقد بدت مليئة بالسذاجة عوضاً عن البلاهة كما أراد السيناريو ان يوصلها للمتفرج ، ولولا وجود مشاهد قليلة مع أداء نور الشريف المتميز لفقدت الشخصية مصداقيتها وإبتعدت عن مكنوناتها الدرامية المرسومة لها . ــ فاصل موسيقي ــ والثاني هو (صلاح السعدني) المؤلف المسرحي ، الذي يمثل الفكر الملتزم بقضايا الوطن والناس ، إلا انه يصطدم بالواقع الفني المريض ، وبالتالي فالفيلم يقترح علينا ان نتعاطف مع هذه الشخصية ، إلا ان هذا لا يحدث ، لان السيناريو قدم مونولوجات طويلة جداً على لسان الشخصية تتضمن مشاهد من تلك المسرحيات الملتزمة .. مشاهد ركيكة وثقيلة الظل درامياً . وبالتالي لن يكون هناك أي رد فعل لدى المتفرج إذا تحولت الي عمل مسرحي مبتذل . ــ فاصل موسيقي ــ الشخصية الثالثة هي (أشرف الكنزي) بطل الملاكمة الذي يرى كل شيء من خلال قوته البدنية . وبالرغم من ان الممثل بطل ملاكمة حقيقي ، إلا ان الفيلم لم ينجح في إقناعنا بذلك ، ولم يظهر له في الفيلم أية مواهب ، لا في التمثيل ولا حتى في الملاكمة . ويعد فيلم (صراع الاحفاد) من الافلام الاولي التي تناولت قضية توظيف الاموال ، ولكن لا يكفي ان يكون هذا السبق السينمائي عنواناً لجودة الفيلم ، حيث يبدو ان هذه القضية (توظيف الاموال) لم تكن مطروحة في البداية ، وإنما جاء إستغلالها عرضاً فيما بعد ، وذلك من أجل الحصول على شرف هذا السبق . ودليل ذلك هو ان المساحة الدرامية التي تمثل محور المال ، جاءت أكبر من الدراما من أجل ان تصبح القضية الاساسية هي توظيف الاموال وليست الصراع بين المحاور الثلاثة : المال ـ الفكر ـ القوة. ــ فاصل موسيقي ــ ان هذا الفيلم هو التجربة الاولى في الكتابة السينمائية للكاتب كرم النجار . وبالرغم من انه قد بدأ الكتابة في الستينات وقدم العديد من الاعمال المسرحية والتليفزيونية الناجحة ، إلا ان أولى تجاربه السينمائىة لم تكن على نفس المستوى من تجربته في المسرح والتليفزيون . ومع ذلك فان دخوله مجال الكتابة السينمائية بعتبر أمراً إيجابياً ، خصوصاً وان السينما المصرية تفتقر كثيراً الى كتاب السيناريو . ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة للمخرج عبداللطيف زكي ، فهو مع مجموعة كبيرة من المخرجين المصريين ، يقدم لك معلومة أو فكرة أو حتى قضية هامة ، لكنها إجمالاً تحمل رؤية فنية وفكرية خاصة ، وبالتالي فهو حرفي جيد ومنفذ لسيناريو في يده ، يمكن ان تلمح في فيلمه بعض اللقطات الفنية والجمالية لكنها في النهاية لا تشكل أسلوباً واضحاً ومتماسكاً . ــ فاصل موسيقي ــ يبقى ان نتحدث عن الاداء التمثيلي ، فهو أبرز عناصر هذا الفيلم ، وهو الذي ساهم في تجاوز الكثير من السلبيات في الفيلم . فبالاضافة الى نور الشريف وصلاح السعدني اللذين أديا دوريهما بتمكن وأستاذية ، تستوقفنا الفنانة الموهوبة عبلة كامل ، التي إستطاعت في اللقطات القليلة التي ظهرت فيها ان تستحوذ على إهتمامنا ومشاعرنا بادائها التلقائي الاخاذ . هناك ايضاً المنتصر بالله ، الذي يكشف في كل دور جديد عن طاقات كوميدية عميقة لم يكشف منها إلا القليل جداً . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 67 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بأن نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام وأفلام). عزيزنا المستمع .. فيلمنا لهذا الأسبوع هو الفيلم الأمريكي (الرقص مع الذئاب)، من بطولة وإنتاج وإخراج الفنان المتعدد المواهب كيفن كوستنر. وهو إنتاج عام 1995. - فاصل موسيقي - يعتبر فيلم (الرقص مع ا لذئاب) تحفة بصرية سينمائية رائعة، وهو الفيلم الذي لاقى نجاحا جماهيريا ونقديا علي السواء، نجاحا كبيرا حقق أرباحا تقدر بمئات الملايين من الدولارات. هذا إضافة إلى ترشيحه لاثنتي عشرة جائزة من جوائز الأوسكار، وفوزه بسبع جوائز منها، وهى جوائز أحسن فيلم، أحسن إخراج، أحسن سيناريو، أحسن تصوير، أحسن موسيقى، أحسن ملابس، أحسن مؤثرات. - فاصل موسيقي - وفيلم (الرقص مع الذئاب) هو واحد من أفلام الويسترن، يدور حول ضابط أمريكي يتم نقله، وباختياره، إثر الحرب الأهلية الأمريكية، إلى نقطة بعيدة في الغرب الأمريكي حيث تنتهي رحلته علي أرض يعيش عليها أفراد قبيلة السيوكس، وهى قبيلة من قبائل الهنود الحمر الذين يخشون تقدم البيض ويحتارون في آمر هذا الضابط الذي حط الرحال وحده في هذه الثكنة العسكرية المهجورة. فهم إذا ما حاربوه قد يجلبون لأنفسهم المتاعب، وإذا ما تركوه فقد يكون بداية قافلة المستوطنين البيض. إلا إن ما يحدث لاحقا، هو ولوج ذلك الضابط الأبيض- تدريجيا- عالم القبيلة الهندية واكتشافه بان كل القصص التي سمعها عنهم مزيفة. فهم حقا شعب مسالم وشجاع وسخي وعلي علاقة سلام مع أنفسهم ومع الطبيعة وبالتالي يؤدى اكتشاف الضابط هذا بأن يتبنى قضيتهم ويؤمن بحقهم في حريتهم على أرضهم لدرجة مواجهته معهم عدوان الرجل الأبيض سعيا وراء إثبات حقوقهم والدفاع عن حريتهم. - فاصل موسيقي - وبهذا يقدم الفيلم، بتعاطف شديد، تراجيديا السكان الأصليين للقارة الأمريكية من الهنود الحمر، ويروي جانبا من الجرائم التي ارتكبت بحقهم من جانب الرجل الأبيض. والذي لم يتوقف عن جرائمه إلا بعد أن دمر ثقافتهم وحضارتهم وقضى حتى على اللغات التي كانوا يتحدثون بها. ليبقى منهم أعدادا قليلة تعيش في مجتمعات مغلقة في بعض الولايات. - فاصل موسيقي - وفيلم "الرقص مع الذئاب " في حد ذاته، هو إعادة اعتبار فريدة من نوعها لمواطني أمريكا الأصليين، ليس لأنه المحاولة السينمائية الأولى في هذا المجال، بل لأنه الأنجح بين كل المحاولات. والفيلم كما يقول بطل الفيلم ومخرجه (كيفن كوستنر) هو اعتذار متأخر جدا لأصحاب القارة الأصليين. ولا يمكن القطع طبعا بأن هذا الاعتذار جاء نتيجة إحساس حقيقي بالذنب تجاههم ونتيجة إيمان قوي بموقف بطل الفيلم الملازم (جون دنبر) الذي خلع زي الجيش الاتحادي للولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان ضابطا فيه عام 1860، فيختار جانب الهنود الحمر والوقوف ليحارب معهم ضد أبناء جلدته. أم أن كل هذا مجرد ذكاء فني وتجارى من السينمائيين الثلاثة الذين قام على أكتافهم الفيلم، وهم المنتج "جيم ولسون" والمؤلف "ميتشيل بليك" والممثل المخرج "كيفن كوستنر" ؟! - فاصل موسيقي - وأيا كان الدافع الحقيقي وراء إنتاج هذا الفيلم، فلاشك بان صانعيه قد نجحوا في تقديم صورة إنسانية بالغة القوة والجمال تتعرض لحياة الهنود وتؤيد قضيتهم كما انهم استطاعوا أن يجعلوا المتفرج الأمريكي ينتابه ذلك الشعور بأنه يمتلك من الحرية وشجاعة الرأي ما يجعله يدين موقف أجداده وآبائه في بعض القضايا التاريخية الهامة. فبعد أن بدأت السينما الأمريكية بإدانة ما حدث للرجل الأسود من تفرقة عنصرية على يد الأجداد البيض، ثم إدانة حرب فيتنام وما جرى فيها من فضائع، قدمت هذه السينما بعض الأفلام التي تدين فيها تصرف الرجل الأبيض تجاه الهنود سكان القارة الأصليين. ففي "الرقص مع الذئاب" تنقلب الصورة التقليدية القديمة التي سجلتها الكثير من أفلام رعاة البقر الأمريكية عن الرجل الهندي الشرير. فالأبطال الطيبون الذين يتعاطف معهم المتفرج ويدق قلبه قلقاً وخوفاً عليهم هم الهنود الحمر من قبيلة السيوكس والذين يقدمهم السيناريو في صورة الرجال الشجعان المسالمين أصحاب التقاليد القديمة والعريقة، أما الأشرار فهم الرجال البيض من جنود الجيش الاتحادي، الذين لا يفيق بعضهم من السكر، والذين لا يتورعون عن سفك دماء الهنود الحمر المسالمين دون أدنى حق. - فاصل موسيقي - إن فيلم "الرقص مع الذئاب" ملحمة خاصة نجمها الوحيد هو "كيفن كوستنر"، الذي لعب دورا مهماً، لا هالات بطولية حوله. كما اختبر فيه قدراته الإخراجية لأول مرة. ولا ننسى أن نشير بان فيلم "الرقص مع الذئاب" هو ثاني فيلم وسترن في تاريخ الاوسكارات (63عاماً) الذي يفوز بجائزة أحسن فيلم. الأول كان فيلم (سيماروت- 1931) وكان أيضا دراما عائلية حول الاستيطان الأبيض في الغرب الأمريكي. - فاصل موسيقي - ويعتبر فيلم "الرقص مع الذئاب" أحد النماذج البارزة لطبيعة الإنتاج الهوليودي الضخم، فقد رصد له منتجه خمسين مليونا من الدولارات وسخرت للفيلم إمكانيات مادية وبشرية هائلة، وذلك حتى يقدم الفيلم في صورة اقرب ما تكون إلى الواقع. وقد قام كل من المنتج والمخرج والمؤلف بدراسة كل التفاصيل الدقيقة لحياة وتقاليد الهنود في عام 1860، فأجريت دراسات وأبحاث على أسلوب الحياة في القرى الهندية وطريقة ارتداء الملابس وتسريحات الشعر ووضع الأصباغ علي الوجوه، والأسلحة التي كانوا يستخدمونها وحتى اللغة التي كانوا يتحدثون بها. ومن أجمل التقاليد التي اتبعها منتج الفيلم انه اصدر كتابا عن الفيلم في مائة وخمسين صفحة من القطع الكبير، يحتوى بجانب القصة الأصلية والسيناريو، على مجموعة من الصور النادرة التي التقطت أثناء تصوير الفيلم، كما يتضمن الكتاب التفاصيل الدقيقة لأسلوب الإنتاج والإخراج لكل لقطة من لقطات الفيلم. بحيث يمكن اعتبار هذا الكتاب مرجعا لعشاق السينما والمهتمين بها والدارسين لها في معاهد السينما المختلفة، وبحيث يمكن للمتابع العادي والمتفرج أن يكتشف كيف تنتج وتنفذ الأفلام الكبيرة في هوليود، حيث تدرس تفصيلات كل لقطة بدقة شديدة من العديد من الخبراء، وبحيث لا يترك شيء للصدفة. فكل شيء محسوب ومرسوم بدقة علي الورق قبل التنفيذ. فإنتاج الأفلام- خاصة التاريخية منها- لا يتم هكذا اعتباطا وإنما نتيجة جهد وفكر ودراسة عشرات الخبراء وكل المسئولين عن الفيلم. - فاصل موسيقي - وبعد أن استقر رأى الكاتب والمنتج على الممثل كيفن كوستنر ليقوم بإخراج الفيلم، حتى بدأ الأخير في الحال البحث عن الموقع الذي سوف يتم فيه تصوير الفيلم، وقد اضطر المسئولون عن الفيلم إلى السفر إلى ثماني ولايات أمريكية بجانب كندا والمكسيك للبحث عن مكان كان يقيم فيه الهنود الحمر في القرن الماضي، حيث يجب أن تمتد المراعي الواسعة التي تخترقها الأنهار وتشرف عليها الجبال العالية المغطاة بالثلوج. - فاصل موسيقي - كما كان يشترط الموقع أن يكون قريبا من إحدى المدن حتى يتمكن طاقم الفيلم من الفنيين، الذين يزيد عددهم على المائتين من الإقامة في الفنادق، هذا بجانب الأعداد الكبيرة من الممثلين والكومبارس الذين يعدون بالآلاف. وبعد بحث طويل تم اختيار جنوب ولاية "داكوتا"، خصوصا بعد علمهم بوجود اكبر مزرعة لقطعان الماشية في العالم، حيث تحتوى على ثلاثة آلاف وخمسمائة رأس من الماشية. واعتبر المخرج إن موافقة صاحب المزرعة على استخدام قطعان الماشية في التصوير هو بمثابة العثور على منجم ذهب، حيث أن من بين أهم مشاهد الفيلم. مشهد يقوم فيه البطل بالمشاركة مع أصدقائه من الهنود بمطاردة قطيع هائل من الماشية، حيث يقومون بدفع القطيع تجاه أراضيهم. وفى هذا المشهد استخدم المخرج للتصوير سبع كاميرات وطائرة هليوكوبتر وعشر سيارات (بيك اب) وأربعة وعشرين راعي بقر على أعلى مستوى يقودون مائة وخمسين فارسا من الهنود الحمر الذين يركبون الخيل ويندفعون في جنون خلف قطعان الماشية التي بوقع حوافرها على الأرض تحدت اهتزازات شديدة عليها. - فاصل موسيقي - وقد استطاعت مديرة الإنتاج في الفيلم "اليزابيث لوستنج" أن تتعاقد مع مئات من الممثلين والكومبارس الذين جاءوا من أصول هندية أمريكية، كما استطاعت أن تختار الشخصيات الهندية بحيث تتوافق تماما مع الشخصيات الهندية التي تظهر في الفيلم، كما أنها استطاعت أيضا أن تقنع أعداد كبيرة من الأمريكيين المنحدرين من قبائل "السيوكس" بالتعاون مع أسرة الفيلم والاشتراك فيه. وقد صمم المخرج، زيادة في الواقعية، علي أن يتحدث الهنود الحمر في الفيلم بلغتهم الأصلية وهى لغة "اللاكوتا"، ولما كانت هذه اللغة قد انقرضت حتى بين الأمريكيين المنحدرين من أصول هندية، فقد كان يجب على المخرج أن يبحث عن أستاذة في إحدى الجامعات الأمريكية هي "دوريس ليدر" لتقوم بتدريس هذه اللغة للممثلين، وترجمة أجزاء كبيرة من الحوار إلى لغة "اللاكوتا" ولتقوم أيضا بدور هام في الفيلم هو دور "بريتي شيلد" أو "الدرع الجميل". واستمرت بالتدريس لمدة ثلاثة أسابيع متواصلة حتى استطاع الممثلون النطق بهذه اللغة. - فاصل موسيقي - وأخيرا، لا يسعنا إلا أن نؤكد بأننا أمام سيمفونية بصرية جميلة وتحفة فنية رائعة، كان وراء التفكير في إخراجها على الشاشة إمكانيات هائلة من الفكر والفن والجهد .. هكذا يكون الفن .. هكذا يكون الإبداع .. هكذا يكون الجمال. - فاصل موسيقي - عزيزي المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم، مغموراً بالصور، مبتعداً عن العالم الواقعي، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له - يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم. - فاصل موسيقي - فيلمنا الثاني - عزيزنا المستمع - هو الفيلم المصري (إعدام قاضي)، بطولة عزت العلايلي جالا فهيمي ويحيى الفخراني، ومن إخراج أشرف فهمي. وهو إنتاج عام 1990. ــ فاصل موسيقي ــ فيلم (اعدام قاضي) ، هو واحد من الافلام التجارية الكثيرة التي اخرجها أشرف فهمي . وهو هنا كاتب القصة ايضاً ، يقدم من خلاله توليفة محبوكة من العنف والاثارة والسياسة .. والفيلم من بطولة جالا فهني (ابنة المخرج) في اول بطولة لها في السينما . ــ فاصل موسيقي ــ في البدء يمكن القول بانه ليس من العيب ان بكون تصوير الفيلم بكامله داخل اماكن مغلقة ، وهذا مافعله مخرجنا في فيلمه هذا ، ففي الامكان ان يحنوي الفيلم على موضوع يتدفق بالحيوية ، ويكون لهذه الاماكن المغلقة دوراً فعالاً في صنع الاحداث الدرامية . وفيلم أشرف فهمي هذا لم تخرج فيه الكاميرا الى الشارع تماماً ، او حتى الى اي مكان مفتوح . فالفيلم صور اما في شقق فاخرة او مكاتب الامن والمحامين والشركات إضافة الى قاعة المحكمة .. إذاً اين يكمن العيب ؟ ! ــ فاصل موسيقي ــ ويوحي عنوان الفيلم بقصته ، حيث لنا ان نتصور من ايقاع الاسم ، بانه لابد ان يكون هناك قاضي سوف يحكم في قضية يفقد على اثرها حياته . وطبعاً الفيلم لا يخذل المتفرج . ويحكي الفيلم عن قاض يبت في قضية امنية حسب ما يمليه عليه القانون ، لكن الجهات الامنية والمحكمة المتمثلة في رفيق الحناوي (عزت العلايلي) تحاول تحاشي هذا الحكم ونتائجه ، وذلك باعدام القاضي بحذفه من شرفة شقته علي اساس انه انتحر . بعد ذلك تظهر عناوين المقدمة ، لتكون فاصلاً زمنياً طويلاً ، لنرى بعده إبنة ذلك القاضي (جالا فهمي) تبحث لتثأر لوالدها ، بالرغم من مرور عشرين عاماً على الحادث . بعد هذه السنين يعود رفيق الحناوي الي البلاد وفي جعبته مشاريع استثمارية يروج لها مع خادمه المطيع المحامي (يحيي الفخراني) ، والذي اشترك معه في جريمته القديمة ، عندما زور تحقيق النيابة في حادثة قتل القاضي . يقدم لنا الفيلم فلاش باك طويل ليثبت لنا هذه الحكاية . ــ فاصل موسيقي ــ كل هذا واحداث الهامة لم تبدأ بعد ، فهي تبدأ بعد عدة لقاءات بين المحامي وابنة القاضي ، التي تقنعه فيها بالتعاون معها لقتل والانتقام من الحناوي . فكان لابد من قيامه بتدبير خطة جهنمية بحكم خبرته بالقانون للتخلص من الحناوي ، لكن هذا الاخير وبمساعدة بعض اصدقائه القدامى في جهاز الامن يكتشف الخطة ، ويرسم خطة مضادة . الا ان الفيلم وصانعوه يفاجؤوننا ايضاً بنهاية ملفقة ، يقتل فيها الحناوي والمحامي وتنجو الفتاة الخارقة ، مراعاة لمشاعر المتفرج الذي تعاطف مع هذه الفتاة ومأساتها . ــ فاصل موسيقي ــ هذه النهاية التلفيقية المفتعلة تتماشى ومنطق الفيلم ، الذي يقول بالحل الفردي ويعتبره الطريق الامثل والوحيد لتحقيق العدل الاجتماعي والسياسي . صحيح بان هناك زعم من الفتاة بانها لاتحارب وحدها بل هناك قطاع كبير من الشرفاد يقف في صفها ، الا ان هذا الزعم لا يتحقق او لا يتحول الى علاقات داخل الفيلم ، وبذلك يفقد مصداقيته ويفقد قضية اغتيال القاضي طابعها العام ، لتبدو كما لو كانت قضية انتقام شخصي من مجرم ، من الممكن ان يكون تاجراً للمخدرات او مزور او غير ذلك . ــ فاصل موسيقي ــ ان صبغ الاحداث بفترات زمنية معينة قد اعطى لهذا الفيلم اهمية لم يكن يستحقها ، وفي ظل هذه التوليفة الدرامية التي اضفى عليها المخرج طابع الاثارة وختمها بتلك النهاية المأساوية التي يلعب القدر فيها دوراً كبيراً . ــ فاصل موسيقي ــ في فيلم (اعدام قاضي) ادى يحيي الفخراني دوره باتقان واستطاع ان يشيع جواً من الحيوية في المشاهد التي ظهر فيها . كما استعان عزت العلايلي بخبرته الطويلة في تجسيد دور الرجل الجنتلمان الدي يخفي وراءه ماضٍ مليء بالعنف والتسلط . اما جالا فهمي فلم تحقق الشيء الكثير ، وبدت وكأنها تحفظ الحوار بدون معايشة للدور ، كما يبدو على ملامح وجهها . ولعل المتفرج يشعر بتلك الفجوة التي بين ممثلة جديدة وبين امكانيات الدور الذي بدى اكبر من امكانياتها وتجربتها المتواضعة. ــ فاصل موسيقي ــ يبقى ان نقول بان هذا الجهد الفني التقني في فيلم (اعدام قاضي) قد ضاع تماماً امام موضوع تلفيقي هزيل . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 68 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بأن نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام وأفلام). عزيزنا المستمع .. فيلمنا لهذا الأسبوع هو الفيلم الأمريكي (أن تكون هناك)، من بطولة بيتر سيلرز، ومن إخراج هال أشبي . وهو إنتاج عام 1979. - فاصل موسيقي - "أن تكون هناك" هو اسم الفيلم الأمريكي الذي أخرجه "هال أشبي"، وقام ببطولتة الممثل الكبير "بيتر سيلرز"، في آخر أفلامه الكوميدية وأهمها. انه حقا، فيلم هادئ ومتميز، استطاع الخروج من نمط الأفلام الأمريكية الكثيرة، التي تهدف إلى تكريس صورة السوبرمان الأمريكي، مستخدمة في ذلك كافة الوسائل والأساليب التقنية والفنية، كما أن تميزه هذا يستمده من كونه نجح، وبشكل مقنع وسلس، في نزع ذلك القناع عن الوجه الحقيقي للمجتمع الأمريكي بعيدا عن كل زيف. - فاصل موسيقي - يتحدث الفيلم عن "تشانس"، ذلك الرجل البسيط الذي عاش طوال حياته منعزلا عن العالم الخارجي، أمضاه يعمل كبستاني أجير في أحد المنازل، لم يكن لديه فيه من اهتمامات سوى الاعتناء بحديقة المنزل ومشاهدة التلفزيون إلى درجة الهوس، باعتباره النافذة الوحيدة التي يطل منها على العالم. يضطر هذا الرجل لترك عمله هذا ومغادرة المنزل، بعد وفاة المالك، بناء على طلب مصلحة العقارات. - فاصل موسيقي - من هنا يبدأ، هذا الرجل، مشواره الصعب في التعامل مع المجتمع الأمريكي الصاخب والمناقض لطبيعته الهادئة والبسيطة. فيهيم في الشوارع ماشيا، دون وجهة محددة، حيث يمر ببعض المواقف التي تؤكد عدم معرفته ومقدرته علي التعامل مع هذا المجتمع الجديد عليه. إلى أن يتعرض لحادث بسيط من سيارة، تصر صاحبتها الثرية على نقله إلى قصرها، لفحصه من قبل الطبيب الذي يشرف مع طاقم من الممرضات على صحة زوجها الثري الذي يحتضر. - فاصل موسيقي - وفي القصر، ينشد الجميع لهذا الرجل وذلك لسلوكه غير المألوف، وهو يواجه حياة القصر الجديدة والبروتوكولات الأرستقراطية. فترتاح سيدة القصر لوقاره وهدوئه، أما زوجها المريض (راند) فينشد إلى الغموض الكامن - كما يعتقد - وراء أجوبته المتقضبة، دون أن يكون قادرا بحكم انتمائه الطبقي وموقعه البارز علي خارطة الاقتصاد الرأسمالي الأمريكي، علي تمييز المنبت الطبقي البسيط، لهذا الرجل. الأمر الذي جعله يتعامل مع تلك التلقائية والعفوية على أنهما ينمان عن شخصية بارزة، لا تريد أن تفصح الكثير عن جوانبها. وبهذا التحليل الخاطئ من قبل الرأسمالي العجوز لشخصية "تشانس"، وباقتناع الجميع - بدون تردد- بهذا التحليل، تتكون شخصية وهمية جديدة لهذا الرجل البسيط، تصاحبها - أيضا- الكثير من المفارقات الاجتماعية والكوميدية التي تحدث بسبب عدم فهم الجميع له، وتفسير كل كلمة ينطقها تفسيرا خاطئا، ينبني- أساسا- علي نمط الشخصية الجديدة. - فاصل موسيقي - تتوطد العلاقة بين المليونير "راند" وصديقه البستاني "تشانس"، ويصر على أن يعتمد عليه في الكثير من مشاريعه الاقتصادية وحياته الاجتماعية، حتى تصل إلى أن يدعوه لأن يكون معه عند استقباله للرئيس الأمريكي في القصر. وفي أثناء هذا اللقاء مع الرئيس الأمريكي، يساء فهم "تشانس" مرة أخرى. حيث كان النقاش بين الرئيس ومضيفه حول مستقبل الاقتصاد الأمريكي، يقابله عدم اكتراث من قبل "تشانس" لجهله بهذه الأمور، ولكنه يفاجأ ويصاب بالارتباك، عندما يسأله الرئيس عن رأيه. ومع ذلك، فهو يجيب بهدوئه المعتاد، الذي يفسره الآخرون علي انه دلالة أكيدة علي رصانة في الرأي. فيقول مستفيدا بخبرته كبستاني: "هناك فصلان رئيسيان، الشتاء والربيع. لنثر البذور في الشتاء حتى تطلع الأزهار في الربيع ". - فاصل موسيقي - وطبعا يثير، رأي "تشانس" استغراب واستهجان الرئيس، إلا أن صديقه "راند" يسارع إلى تفسير جوابه بأنه علينا أن نتحمل الكثير في سبيل إرساء دعائم سياستنا الاقتصادية الجديدة من الآن، حتى نتمكن من جني ثمارها فيما بعد". هنا يعتبر الرئيس هذا الكلام، بمثابة نظرية جديدة في الاقتصاد، فيستشهد بها في خطابه إلى الأمة، ويتحدث إلى الكونجرس عن رأي "تشانس" من انه لابد لكل حديقة من بستاني. - فاصل موسيقي - وبهذا، تتفتح أبواب الشهرة لهذا الرجل البسيط، وتثار ضجة إعلامية حوله وتسعى كبريات الصحف والمحطات التلفزيونية لإجراء مقابلات معه، يمر خلالها بمواقف كوميدية، يفترض أنها محرجة، إلا أنها تفسر بشكل مغاير تماما لحقيقتها وينتهي الفيلم، دون معرفة الجميع لشخصية "تشانس" الحقيقية ماعدا طبعا، الطبيب الذي يتوصل لمعرفة الحقيقة من المحامي. لكنه لا يجرؤ علي البوح بذلك، عندما يرى أن الضجة الإعلامية حول "تشانس" قد بلغت حدا لا يمكن لأحد أن يصدق معلوماته عن هذه الحقيقة. - فاصل موسيقي - يتناول الفيلم نموذجين من المجتمع الأمريكي، الأول ويمثل مراكز القوى السياسية والاقتصادية التى تتحكم في مصير المجتمع الأمريكي، بكل ما يحفل به هذا النموذج من صراعات وتعقيدات، تتناقض تماما مع النموذج الثاني الذي يمثله "تشانس" بكل ما يرمز إليه من طبيعة إنسانية بسيطة وصادقة ذات فطرة نقية وسليمة وهي صفات اختارها الفيلم ليس بشكل اعتباطي، وإنما لإثبات مدى صلاحيتها لتسود بين أفراد المجتمع الأمريكي. حيث أنها صفات يفتقد إليها التركيب النسيجي للنموذج الأول. فالفيلم في نهايته، وبموت الرأسمالي العجوز، يؤكد على ضرورة التخلص من الآثار الاجتماعية التى خلفتها سيطرة النموذج الأول. مع ملاحظة إن الموت حدث في جو خريفي باهت بينما بقى "تشانس" البسيط تاركا مراسم الدفن، ليعتني بشتلة خضراء صغيرة وسط تلك الغابة الجرداء. هنا تأكيد واضح على أن النموذج الثاني هو الإصلاح، ولابد له أن يجري في عروق المجتمع الأمريكي ويتأصل فيه، هذا إذا أراد الاستمرار وتوفير مستقبل افضل. - فاصل موسيقي - يعد هذا الفيلم من الأفلام الكوميدية الهامة. وذلك لأن الكوميديا فيه تعتمد علي مواقف طبيعية، لم تكن مفتعلة بغية الإضحاك الرخيص والمبتذل، وإنما لكونها كوميدية تعد انعكاسا طبيعيا لشخصية من نوع شخصية "تشانس"، وهذا - بالطبع- قد ساعد كاتب السيناريو والمخرج والممثل علي- استثمار ذلك في كشف عيوب المجتمع الأمريكي. فعندما تصدر مثل هذه المواقف من رجل بسيط مثل "تشانس" فإنها لا تثير الاستغراب أو التشكيك، بل إنها تعكس توظيفا صحيحا للكوميديا، حيث إنها تقوم بذلك الدور الناقد والفاضح من خلال عيون نقية ومحايدة وفطرة سليمة مما يكسبها مصداقية لدى المتفرج. - فاصل موسيقي - وعند الحديث عن فيلم "أن تكون هناك" لا يمكن إلا أن نتحدث عن الأفلام الأمريكية، فالقفزة السريعة التى انتقل بها "تشانس" من رجل مغمور الى شخصية فاقت شهرتها الأوساط العامة في المجتمع إلى آفاق الدوائر الهامة في الدولة، دون أن تكون لديه المعرفة أو حتى الرغبة في ذلك. هذه تشكل بالفعل إدانة واضحة ومباشرة للصناعة الإعلامية الأمريكية، التى وان كانت تمتلك تقنية وإمكانيات فائقة إلا إنها علي الأغلب تتعامل مع الضواهر الاجتماعية من قشورها فقط، دون النظر والتعمق في بواطنها، وبذلك تثير في معظم أنشطتها فقاعات إعلامية ليس إلا. - فاصل موسيقي - أخيرا، لابد من الإشارة بان فيلم "أن تكون هناك" لم يستمد أهميته وتميزه من مضمونه الفكري فحسب، وإنما جاء ذلك أيضا بسبب وقوف كادر فني وتقني جيد وراء هذا المضمون. فهناك الممثل القدير "بيتر سيلرز" الذي أدى دوره بإتقان وتميز لدرجة جعلتني لا أتصور إن ممثلا آخر قادر على أداء هذا الدور. وهناك أيضا التكامل في النواحي الفنية الأخرى الذي وفره لنا المخرج علي مدى اكثر من ساعتين. - فاصل موسيقي - عزيزي المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم، مغموراً بالصور، مبتعداً عن العالم الواقعي، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له - يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم. - فاصل موسيقي - فيلمنا الثاني - عزيزنا المستمع - هو الفيلم المصري (الغيرة القاتلة)، بطولة نور الشريف ونورا ويحييى الفخراني وسعاد نصر، ومن إخراج عاطف الطيب. وهو إنتاج عام 1981. ــ فاصل موسيقي ــ هذا الفيلم هو باكورة أفلام المخرج الراحل عاطف الطيب ، إلا أنه لم يعرض جماهيرياً إلا بعد عرض فيلمه الثاني . والفكرة الأساسية لفيلم (الغيرة القاتلة) مأخوذة عن مسرحية عطيل لشكسبير ، والتي تدور ـ كما هو معروف ـ حول طبيعة الغيرة ومن ثم بروز بذور الشك لدى صاحبها . والغيرة المعنية هنا ، هي الغيرة اللاطبيعية التي تقود الإنسان الى حدود التدمير العاطفي والجسدي. ــ فاصل موسيقي ــ وفي فيلم عاطف الطيب هذا ، يقوم نور الشريف بدور عطيل ونورا بدور زوجته ديدمونه ويحيى الفخراني بدور ياجو ، إلا أن الفيلم يصور الغيرة القاتلة بين نور ويحيى ، أكثر مما يصورها بين نور ونورا . أي أن الثلاثي في مسرحية شكسبير هو نفسه في فيلم عاطف الطيب ، إلا أن العلاقات فيما بينهم قد تغيرت ، لتصبح الغيرة بين الزوج والصديق. لذلك بدت صورة عطيل (الزوج) مهلهلة الى حد السذاجة ، وصورة ياجو (الصديق) متدفقة بالشر الى حد الصورة الثأرية . هذا إضافة الى أن السيناريست (وصفي درويش) قد تغافل عن تقديم المبررات المنطقية للغيرة وللحقد الدفين الذي يختزنه الصديق تجاه الزوج (صديقه) ، والذي يملي عليه طوال الفيلم بأن يسلك سلوكاً مضاداً لشخصية صديقه ، فارضاً صورة الشر منذ البداية . ــ فاصل موسيقي ــ والفيلم في شكله الدرامي هذا ، لا يخرج عن نطاق السينما التقليدية المصرية ، فهو يسعى لعناصر الجذب الجماهيري ، كما أنه لا يمس الأزمات الحقيقية للمجتمع إلا مساً سطحياً . وبالرغم من أن فيلم (الغيرة القاتلة) قد أخفق بسبب ضعف السيناريو الذي إستند عليه ، إلا أنه يتميز في عناصر صناعته السينمائية ، من تصوير ومونتاج وغيرها ، فالفيلم متقن الى حد ما ومحبوك في صنعته الفنية والتقنية . ــ فاصل موسيقي ــ هذا إضافة الى أنه تميز بإيقاع سريع وحيوي تتقاطع فيه الخيوط الدرامية وتتوازن . كما إحتوي الفيلم على لقطات ونقلات عديدة متناثرة ذات إستعارات سينمائية ودلالات رمزية موفقة . ولا يمكن أن نغفل ذلك الريبورتاج السينمائي الذي نجح في تنفيذه المخرج مع المونتير ، وذلك عندما قدما لنا في المقدمة ، وفي لقطات سريعة ، شرحاً بالصور الفوتوغرافية فقط تاريخ العلاقة بين الصديقين منذ الصغر . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 69 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (الصرخة) ، بطولة نور الشريف ومعالي زايد ونهلة سلامة ، ومن إخراج محمد النجار . وهو إنتاج عام 1992. ــ فاصل موسيقي ــ منذ سنوات ، كان لنا حديث عن فيلم جديد ، آنذاك ، وكان أول أفلام مخرجه . الفيلم كان ( زمن حاتم رهران 1986 ) للمخرج محمد النجار ، وكان فيلماً ناجحاً كفيلم أول . وذكرنا وقتها بأن محمد النجار كمخرج جديد كان موفقاً ، إلا أن أفلامه القادمة هي المرشحة أكثر لتوضيح منهاجه وأسلوبه السينمائي . وها نحن ، في مقالنا هذا ، نتناول فيلمه الثالث ( الصرخة ـ 1992 ) . ــ فاصل موسيقي ــ بعد فيلمه الأول ، قدم المخرج محمد النجار فيلمه الثاني (الذل) عام 1990، وكان فيلماً مخيباً قياساً لفيلمه الأول . وبعد فيلمه (الصرخة) قدم فيلم (الهجامة) عام 1993 . وبشكل عام ، فإن المخرج محمد النجار لا يقصد أو لا يطمح أساساً في تقديم أفلام ذاتية ، بل أعمالاً ذات صبغة جادة ومواضيع مختلفة عن السائد ، وهو ما نستنتجه من مجموعة أفلامه . وبالطبع فإن غياب مثل هذا الطموح لدى المخرج ، يترك أعماله بلا أسلوب خاص خالياً ولو من قدر بسيط من الذاتية. ــ فاصل موسيقي ــ أما في فيلم ( الصرخة ) ، فقد إختار كرم النجار (المؤلف) عالماً شديد الخصوصية يتحدث فيه عن هؤلاء العاجزين عن الكلام والنطق ، رغم إرادتهم . عالم كل من فيه أخرس .. أبكم .. أصم ، وإن إمتلك القدرة على الفهم والمتابعة ، وتحلى بالفطنة والذكاء الفطري . فالمؤلف هنا يقدم تجربة إنسانية صادقة ، لولا بعض السلبيات التي عطلت رسالة الفيلم الأساسية في المشاهد الأخيرة . ــ فاصل موسيقي ــ يتحدث الفيلم عن عمر الفرماوي ( نور الشريف ) ، ذلك الشاب الذي فقد حاستي السمع والنطق منذ طفولته . يموت والده بعد أن ترك له مبلغاً من المال ، ذلك الذي يعتبر ثروة بالنسبة للفتاة معزوزة (نهلة سلامة) ، والتي تقبل به زوجاً طمعاً في الثروة . وهناك أيضاً ـ في نفس الحي ـ فتاة أخرى ، كان قد شاهدها عمر وهي في وضع عاطفي مع شاب ، سرعان ما تخلى عنها لاحقاً بعد أن حملت منه ، وهي تعيش في إنتظار المولود/الفضيحة . ــ فاصل موسيقي ــ يهرب عمر من الشرطة ، معتقداً أنه قتل أحدهم ، أثتاء دفاعه عن بيته الذي تود مصلحة الضرائب الحجز عليه . وينتهي به المطاف في معهد للخرس والبكم ، بعد أن أرشده اليه صديق له أخرس أيضاً . في هذا المعهد تستغله وتستخدمه لأغراضها العلمية الدكتورة تيسير (معالي زايد) ، التي تعد رسالة دكتوراة عن أسلوب الإشارات عند الصم والبكم . في المعهد يبدأ رحلة جديدة مع الوعي والأحاسيس الفطرية ، يستشعر الحب يتسلل الى قلبه في هدوء ، تجاه فتاة صماء بكماء من فتياة المعهد (أمل الصاوي) . ــ فاصل موسيقي ــ في الجزء الأخير ، يقدم السيناريو حبكة درامية أبطالها ثلاث نساء ، يحاولون النيل من الأخرس عمر بطريقة أو بأخرى . الأولى تطمع في ماله ، ولأنها لا تحصل عليه ، لذا تتفق مع الثانية على الإدعاء بأن الأخرس هو الذي ضحك عليها وعاشرها ثم تخلى عنها ، والثالثة تعرض عليه نفسها إلا أنه لا يستجيب لها خوفاً من المعصية ، ومع ذلك تساعد في إدانته عندما تتم محاكمته في قضية رفعتها المرأة الحامل . وبذلك يعترف الأخرس بما لم يرتكب فيطلق سراحه . لكنه يعمد ، مع باقي مجموعة الخرسى ، الى إختطاف النساء الثلاث ونقلهن الى مختبر الصم في المعهد ، حيث يحاكمهن ويصدر مع الآخرون الحكم عليهم . يتم ربط أيديهن وكم أفواههن وإدخالهن غرفة التعذيب ، والتعذيب عبارة عن مكبرات صوت تصدر صريراً متواصلاً وعالياً يؤدي بالتدريج الى إفقادهن السمع ، لينتهي الفيلم بصرخة يطلقها الأخرس تعبيراً عن إنتصاره عليهن . ــ فاصل موسيقي ــ إن فيلم ( الصرخة ) إستمر يشد إهتمام المتفرج حتى منتصفه ، حيث إثارة الشفقة والتعاطف مع هذا الإنسان الأصم الأبكم الذي يعيش في غابة من الأشخاص الطبيعيين ، حيث يحاول كل من يلتقي به إستغلاله والإستفادة من عاهته . إضافة الى مشاهد إنسانية جميلة ، خاصة مشاهد الحب البريئة بين نور الشريف وأمل الصاوي . إلا أن هذا التعاطف ، خاصة في المشهد الأخير ، لا يلبث أن يتحول الى الشعور بالنفور من هذا المعوق الذي يملك كل هذا العنف وكل هذه القسوة التي تجعله ينتقم هذا الإنتقام المخيف والمروع . ولم يكتف الفيلم بأن يجعل الإنتقام فردياً ، بل إنه جعل مجموعة المعوقين في المعهد يشتركون جميعاً في الجريمة . وبذلك تحول الفيلم الى نوع من العداء بين المعوقين والآخرين ، مما قد يدفع المتفرج من الخوف من المعوقين بدلاً من الإحساس بمشكلتهم . ثم أن هذه النهاية البشعة قد أضرت كثيراً بالفيلم فنياً ، وأثرت على رهافة التناول التي سادت تنفيذ أحداث الفيلم ، وأفسدت المتعة الفنية والبهجة التي إستطاع تجسيدها المخرج ، لتتحول صرخة المرارة والألم التي يطلقها عمر الأخرس في النهاية الى تعبير أجوف عن إنتصار زائف وتتويج لنهاية دموية ، تلحق الفيلم ـ عنوة ـ بتيار سينما الدم والعنف ، وهو على العكس من ذلك ، يفيض رقة وعذوبة ، ساهم فيها الفنان نور الشريف بأدائه الواعي والمتفهم للشخصية . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (الضائعة) ، بطولة نادية الجندي وسعيد صالح ،محمد خيري ، ومن إخراج عاطف سالم . وهو إنتاج عام 1987 . ــ فاصل موسيقي ــ في حلقتنا هذه نحن أمام فيلم من بطولة "نادية الجندي" ، والكل يعرف ماذا يعني أن يكون الفيلم من بطولتها .. فهذه الفنانة تعتبر نفسها (نجمة الجماهير؟؟؟) ، وتعتمد في قولها هذا على إيرادات أفلامها في شباك التذاكر !! صحيح بأن أفلامها تنجح جماهيرياً ، ولا أدري كيف ؟؟ إلا أن معظمها أفلام رديئة ومخدرة للجماهير .. إنها ، كممثلة منتجة ، تسخر كافة الإمكانيات المادية الفنية والتقنية في مقابل موضوع رديء ، بل ومسف أحياناً ، ولكنه شديد الجاذبية ومثير لغرائر الجماهير .. وهذا ، على ما أعتقد ، ما يجعل أفلامها تنجح جماهيرياً !! ولكننا هنا في فيلم (الضــــائعة) أمام "نادية الجندي" أخرى .. فهي في هذا الفيلم تختار موضوعاً مهماً ، يطرح قضية إجتماعية وأخلاقية تمس أكبر قطاع من المتفرجين . كتبت قصة الفيلم الكاتبة "حُسنْ شاه" في ثالث تجربة لها للكتابة في السينما ، بعد تجربتيها الناجحتين في قصة فيلم (أريد حلاً ـ 1975) وقصة فيلم (إمرأة مطلقة ـ 1986) .. وهي كاتبة تقدر مسؤلية أن تضع إسمها على موضوع معين ، وتعرف تماماً أن دورها يتأكد بالإستمرار وطرح قضايا إجتماعية هامة . أما بالنسبة للسيناريو والحوار ، فقد كتبه السيناريست "بشير الديك" ، صاحب التجربة الفنية المتميزة والثرية ، ليقدم بفيلم (الضائعة) رؤية إنسانية شديدة الصدق . ــ فاصل موسيقي ــ في فيلم (الضــائعة) ، نحن أمام إمرأة (نادية الجندي) تضطرها الظروف الإجتماعية الصعبة لأن تترك زوجها وأطفالها الصغار وتسافر الى إحدى الدول الخليجية بحثاً عن عمل شريف يضمن لها مورداً مالياً ، يساعدها علي تحسين وضعها المعيشي ، ويساعدها على إعادة بناء وتأثيث مسكنها المهدم . تحصل على وظيفة كممرضة في أحد المستشفيات هناك ، وبالتالي وتبعث راتبها أولاً بأول الى زوجها (سعيد صالح) حتى يبدأ في تهيئة المسكن اللائق الى حين عودتها .. إلا أنها تفاجيء ، وبعد عودتها ، بأن زوجها قد تزوج عليها وإستولى علي أموالها وشقتها .. تفاجيء بأن الذي تهدم ليس هي العمارة التي كانت تسكنها فقط ، وإنما نفوس البشر أيضاً ، بل وأقرب الناس إليها .. وهي بالطبع صدمة شديدة لها ، لدرجة إنها دفعتها الى تعاطي المخدرات ، رغبة منها في نسيان كل ما حدث .. ولكن الذي حدث شيئاً لا يُنسى ببساطة ، لذلك تخطط للإنتقام من هذا الزوج الخائن والنذل . ــ فاصل موسيقي ــ لقد نجح السيناريو في رسم شخصية الزوجة وتعميقها ، حيث إستطاع أن يرصد تفاصيل حياتها في مجتمع القاهرة ومجتمع الغربة .. وهو في رسمه لهذه الشخصية يدرك تماماً بأن الإنسان ليس مجرد ملامح في فراغ ، وإنما هو حصيلة كل الظروف المحيطة والضاغطة عليه ، ومحاولته للصمود والتصدي لها .. إن "بشير الديك" هنا ينسج لوحة من التفاصيل والأحاسيس الإنسانية ، بحيث يصبح لكل الجزئيات الصغيرة تأثيرها المهم على الأحداث ، وبالتالي تتحول الأدوار الثانوية الى أدوار رئيسية ، كلها تكمل بعضها في نسيج محكم . إما بالنسبة للإخراج ، فلا يمكن إلا أن نتوقع عملاً فنياً ممتعاً من المخرج الكبير "عاطف سالم" أحد أساتذة السينما المصرية ، مسيطراً على كافة عناصره الفنية والتقنية ، وذلك بخبرته الطويلة والمتميزة ..وما يحسب له بالذات قيادته لمجموعة الممثلين ، وإهتمامه بالأدوار الثانوية . ــ فاصل موسيقي ــ وأخيراً نأتي الى "نادية الجندي" ، في أهم أدوارها السينمائية وأكثرها إقناعاً وتناسباً لإمكانياتها التمثيلية .. فهي في هذا الفيلم تنتقل من مرحلة الى أخرى بفهم كامل لطبيعة تطور الشخصية التي تؤديها وإنفعالاتها النفسية ، بغض النظر عن المبالغة والتصنع في الأداء أحياناً .. فهي الزوجة والأم بكل الحنان والقلق .. وهي الممرضة الحريصة على الإستمرار في وظيفتها بكل إحترام ، وأيضاً بكل اللهفة والحنين للعودة الى بيتها وأطفالها .. وهي العائدة بفرح وشوق الى بيتها الجديد ، وصدمة المفاجأة بما فعله زوجها .. وهي المحرومة من أطفالها ومن ثمرة جهدها طوال شهور الغربة .. ثم المدمنة السحوقة والمنبوذة من الجميع . صحيح بأن نادية الجندي قد وصلت الى مستوى جيد في الأداء ، إلا إننا لا يمكن أن ننسى دور كل من سيناريو بشير الديك وإخراج عاطف سالم في وصولها الى هذا المستوى من الأداء الجيد . ــ فاصل موسيقي ــ وبالرغم من وجود بعض السلبيات والمواقف الدخيلة على الأحداث ، إلا أن (الضائعة) بالتأكيد فيلم جدير بالإحترام ، ذلك لأنه يتعرض لقضية إجتماعية حقيقية ، ويعلن كلمة صادقة عن تلك الظروف الإجتماعية والأخلاقية المتغيرة ، والتي حولت البعض الى ضحايا مقهورين . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 70 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (الطائرة المفقودة) ، بطولة محمود ياسين وسهير رمزي ومحيي إسماعيل وأحمد بدير وفايزة كمال ورجاء يوسف ، ومن إخراج أحمد النحاس . وهو إنتاج عام 1984. ــ فاصل موسيقي ــ (الطائرة المفقودة) هو الفيلم الاول لمخرجه أحمد النحاس ، وهو محاولة لكسر الموضوعات المكررة في السينما المصرية . فكرة الفيلم تتحدث عن إنعزال مجموعة من الناس في مكان واحد ، وتحت ظروف صعبة واحدة .. وهي فكرة شاهدناها كثيراً في المسرح والسينما في مصر . ففي المسرح شاهدناها في مسرحية (سكة السلامة) كتبها سغد الدين وهبة وعرضت في الستينات . كما قدمت في افلام : البناية ، بين السماء والارض ، البداية ، التفاحة والجمجمة ، نهر الخوف . وفيلم (الطائرة المفقودة) يقدم لنا شخصيات ونماذج إنسانية اجتماعية متباينة ، ويتابع احاسيسها ومشاعرها تجاه الخطر ، والخطر هنا هو سقوط طائرة ركاب مدنية في الصحراء . ــ فاصل موسيقي ــ في البدء يقدم لنا الفيلم شخصياته وظروفها : الطيار برهان (محمود ياسين) الذي يعاني من تصدع في علاقته الزوجية رغم انجابه لطفلين ، واتجاهه بكل عواطفه الى المضيفة الفاتنة احلام (سهير رمزي) .. وهناك زميلهما مساعد الطيار (محيي اسماعيل) الذي يدرك طبيعة العلاقة بينهما . ولان الطائرة متجهة الى الوادي الجديد ، وهي منطقة استصلاح اراض زراعية جديدة ، وبالتالي تمثل نموذجاً لمجتمع جديد ، فنحن نرى ان ركاب الطائرة اما مدرس منقول للعمل هناك (احمد بدير) ، او عالم بيولوجي في رحلة للبحث العلمي (فؤاد خليل) ، او طبيبة وزوجها في رحلة عمل ، او رجال اعمال ذاهبون للبحث عن او تحقيق اعمال جديدة هناك . هذا إضافة الى مجموعة من الشباب الطموح والهارب من زحمة المدينة وتعقيداتها ، والباحثين في الصحراء عن المستقبل . كذلك الباحثة الاجتماعية الشابة (فايزة كمال) مع مهندس في مثل سنها ، هاربان كل على حدة من علاقة عاطفية فاشلة .. يلتقيان في ظروف مختلفة في علاقة حب جديدة ، لم يكتب لها النجاح . كما لا يمكن نسيان تلك الممثلة المشهورة القادمة لتوها من امريكا (رجاء يوسف) ـ منتجة الفيلم ـ والتي لا مبرر لتواجدها في طائرة متجهة الى مجتمع جديد مازال قيد البناء . ــ فاصل موسيقي ــ عموماً .. كل هؤلاء هم ضحايا الطائرة المفقودة في الصحراء ، والتي من الطبيعي ان يكتشف مكانها في نهاية الفيلم . وبين الحدثين فقدان الطائرة واكتشاف مكانها ، تقع الكثير من المواقف والمفارقات بين الشخصيات في محاولاتها للخروج من الازمة . مواقف واحداث محشورة وزائدة احياناً ، وساذجة ضعيفة وغير متماسكة احياناً اخرى ، اخفق السيناريو في صياغتها . ــ فاصل موسيقي ــ والفيلم بمقاييس الحكم على التجربة الاولى للمخرج ، ينطوي على بعض اللمحات الاخراجية الفنية الجيدة ، لكنه يفتقد الى وحدة الاسلوب . ففي الجزء الثاني من الفيلم عند خروج ابطال الفيلم الى الصحراء نجد بعض اللمسات الفنية التشكيلية المعبرة ذات التأثير الجمالي للتكوينات في الكادرات ودلالاتها التعبيرية . اما بخصوص ما ذكرناه في البداية ، من ان الفيلم يعتبر محاولة لكسر الموضوعات المكررة ، فهو حقاً يقدم موضوعاً جديداً ، الا انه ليس جديداً كفكرة ، وانما هو موضوع ظلت السينما العربية بعيدة عنه لانه يحتاج الى امكانيات تقنية وديكورات ضخمة بالاضافة الى التكاليف المادية المرتفعة جداً . كما ان مثل هذه الافلام تعتمد على اسلوب الاثارة والتشويق اساساً . لذلك يأتي فيلم (الطائرة المفقودة) فقيراً وغير مقنع في ديكوراته ، ولم ينجح كثيراً في الحفاظ على عنصري الاثارة والتشويق في كل مشاهده . وفي اعتقادنا انه اذا كان لابد للسينما المصرية من تناول مواضيع كهذه فيجب عليها توفير الانتاج الضخم اولاً . ولان ذلك غير ممكن في ظل سينما فقيرة جداً ، فعليها تجنب مثل هذه المواضيع والتفرغ امواضيع اخرى اهم واشمل تمس قضايا الانسان العربي الاجتماعية والسياسية والنفسية . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (شيء من الخوف) ، بطولة محمود مرسي وشادية ، ومن إخراج حسين كمال . وهو إنتاج عام 1969 . ــ فاصل موسيقي ــ ها نحن ، مرة أخرى ، أمام أحد أفلام المخرج المصري الذائع الصيت حسين كمال . و(شيء من الخوف) هو الفيلم الثالث في مشوار حسين كمال ، أي إنه جاء في مرحلة تعد من أخصب مراحل هذا المخرج الفنية ، ألا وهي المرحلة التجريبية . فبهذا الفيلم ينهي حسين كمال هذه المرحلة ، وينهي ـ أيضاً ـ تعاقده مع القطاع العام ، ويتجه للعمل مع القطاع الخاص ، وذلك لتنفيذ أفلام تستهدف تحقيق أعلى الإيرادات ، وتخاطب الغرائز والرغبات السهلة لدى قطاع كبير من الجمهور . ــ فاصل موسيقي ــ خلال مرحلته الفنية الأولى (التجريبية ) ، نجح حسين كمال في كسر وتحطيم بعض القواعد التقليدية للسينما المصرية ، وتقديم شكل جديد وضعه في مصاف أهم المخرجين المصريين آنذاك . ففي فيلمه (شيء من الخوف ) قدم أسلوباً فنياً مبتكراً ، حيث لجأ الى أسلوب جعل من الفيلم أشبه بالحكاية الشعبية ، علماً بأن الفيلم مأخوذ عن قصة قصيرة للكاتب ثروت عكاشة . ــ فاصل موسيقي ــ وبعيد عن سردنا لحكاية عتريس وفؤاده ( حكاية الفيلم ) التي حفظها الجمهور ، فان حسين كمال كان ذكياً عندما لجأ الى أسلوب الحكاية الشعبية مستخدماً بعض الأغاني ، التي توزعت بين ثنايا الفيلم ، للتعليق على الأحداث ، حيث أكسبت الفيلم نكهة خاصة جعلت المتفرج يتفاعل معه ويتحمس له حتى النهاية . هذا من جهة ، ومن جهة أخرى حاول حسين كمال تغطية ما في القصة من مبالغات في المواقف الدرامية ، معتقداً بأن الموقف بمجمله ، وليس بتفاصيله ، هو هدف الفيلم ، على عكس ماكان في فيلميه السابقين (المستحيل ، البوسطجي) ، حيث كانت التفاصيل فيهما عوناً له في إغناء الحدث الدرامي الرئيسي وتعميقه . ــ فاصل موسيقي ــ لقد تخلى حسين كمال ـ أيضاً ـ عن واقعيته في هذا الفيلم ، واقعيته التي قدمها في (البوسطجي) ، فالواقعية ليست تصوير الأماكن الحقيقية وجعل الشخصيات تتكلم بلغة المكان ، وإنما هي تقديم الأحداث والشخصيات بشكل مقنع وصادق في أفكارها وتصرفاتها ، لتذوب في هذا الواقع وتعطي عملاً واقعياً متكاملاً . وبالرغم من أن حسين كمال ، في فيلم ( شيء من الخوف ) ، إستطاع أن يجعل المتفرج يعيش مع صورة من الريف المصري ، بكل تقاليدها وعاداتها ولغتها ، إلا أنه لم يستطع أن يقنعه بهذه الصورة المفتعلة والمبالغ فيها من الإجرام والمتمثل في عتريس .. والإجرام بطبيعته إما أن يكون من السلطات وأعوانها أو أن يكون إجرام الإقطاع ، وهو إجرام منظم . ــ فاصل موسيقي ــ وكما هو معروف منذ أقدم العصور ، بأن التكوين والهيكل الإجتماعي للأسرة في القرية المصرية يعطي الأولوية في كل شيء للرجل ، وليس المرأة سوى تابع للرجل وتحت حمايته . فكيف يمكن لحسين كمال إقناعنا بأن تكون فؤاده ( المرأة ) هي من ينقذ القرية من الظلم والإجرام ؟ كما إن إصرار عتريس ( الجد ) على أخذ وعد من حفيده لمواصلة مابدأه ، ثم ذلك التحول المفاجيء للحفيد يتناقض تماماً مع تكوين شخصيته وتكوينها ( في بداية الفيلم ) ، ولم يقدم لنا حسين كمال مبررات كافيةومقنعة لهذا التحول ، أي إنه لم يستطع إقناعنا بواقعية بعض شخصياته وبعض أحداثه في فيلمه هذا . ــ فاصل موسيقي ــ لقد كان دور الصورة السينمائية ، في القسم الأول من الفيلم ، بارزاً . وكان الحوار مركزاً داخل تكوينات جمالية قوية للكادر . وليست مشاهد الأرض العطشى وما بها من تشققات ثم إرتواؤها بالماء إلا دليلاً على ذلك . أما القسم الثاني ، فقد طغى عليه الحوار وضعفت تكوينات الصورة ، بالرغم من أن الحوار الذي كتبه عبدالرحمن الأبنودي تتضح فيه الصياغة الجيدة والعذوبة في نسج الجمل الحوارية . وتأتي الموسيقى التصويرية مع الأغاني والكورال ، لتضفي على الفيلم طابعاً جميلاً ومؤثراً . ــ فاصل موسيقي ــ وبالرغم من إحتواء فيلم ( شيء من الخوف ) على بعض السلبيات ، إلا أنه يظل واحداً من الأفلام البارزة ، وذلك لتقديمه أسلوب الحكاية الشعبية بشكل جديد ومؤثر . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 71 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (إشتباه) ، بطولة نجلاء فتحي ومحمد منير وأحمد عبد الوارث وسعاد نصر وعبد الله محمود ، ومن إخراج علاء كريم . وهو إنتاج عام 1989. ــ فاصل موسيقي ــ إن ولادة مخرج جديد في السينما المصرية ، ليس حدثاً عادياً ، خصوصاً إذا كان هذا القادم الجديد على الفن السينمائي يملك رؤية سينمائية جادة ، يبعث بها روحاً جديدة لهذه السينما العجوز . ومناسبة ما سبق من قول ، هو فيلم (إشتباه) الفيلم الأول لمخرجه »علاء كريم« ، هذا القادم من السينما التسجيلية ، بعد أن قدم مجموعة من الأفلام حازت على الإهتمام والتقدير في المهرجانات الداخلية والخارجية . ــ فاصل موسيقي ــ يبدأ الفيلم بمشهد يجمع بطل الفيلم مدحت (محمد منير) مع نادية (نجلاء فتحي) على سفح الهرم يغني لها ويقوم بتصويرها بالفيديو تارة وتصوره هي تارة أخرى ، وسنعرف لاحقاً بأن بقية الشريط يتضمن فعلاً فاضحاً بينهما ، هو ذروة الفيلم . ومدحت هذا يحب نادية منذ أن كانا زميلين في كلية الفنون التطبيقية ، إلا أن نادية كانت تعطيه إهتماماً بصفته زميل دراسة فقط ، إلا أن هذا الزميل ـ ونتيجة للتربية غير السوية والبيئة التي نشأ فيها ، وما تعرض له من متاعب في طفولته ـ أصبح يتخيل بأن زميلته تحبه حباً جارفاً دون غيره ، وعاش في وهم الحب الكاذب ، في الوقت الذي لا تفكر فيه زميلته بأكثر من الزمالة مثل الآخرين . حتى بعد أن تتزوج نادية لتعيش حياتها الزوجية السعيدة مع زوجها حسين (أحمد عبد الوارث) ، يظل مدحت يطاردها وهي تصده . ــ فاصل موسيقي ــ نرجع لذروة الفيلم ، وهو شريط الفيديو الذي صوره مدحت ، الذي بدأ الشباب يتداولونه فيما بينهم ، وبالتالي يقع في يد شرطة الآداب ، والتي بدورها تحقق في الموضوع وتتعقب مدحت بمراقبته من جهة ، ومن جهة أخرى يصل الشريط الى صديقة نادية محاسن (سعاد نصر) فتكاد تجن عندما شاهدته ، فتطلب من نادية أن تأتي إليها حالاً . وعندما تشاهد نادية الشريط ، تنتابها نوبة هيستيريا ، تزداد عندما تعرف بأن صديقتها لا تنكر بأن التي في الشريط ليست هي . وتقرر أن تواجه مدحت ، فتذهب الى شقته . ومن الطبيعي أن تكون الشرطة هناك تراقب شقة مدحت ، فيكون ذلك صيداً ثميناً للشرطة . بعد دقائق ، تقتحم الشرطة ، وعلى رأسهم الضابط (صلاح قابيل) ، ويتم القبض على مدحت ونادية . وفي غرفة التحقيق ، تحاول نادية أن تنكر قيامها بهذا الفعل الفاضح ، لكن الصورة ـ في الشريط ـ أصدق أنباء من الكلمات ، هذا من وجهة نظر جميع من شاهد الشريط طبعاً. ومن الطبيعي أن نرى ردود الفعل على عائلة نادية . فالزوج نراه منهار يبدو كما لو أن قلبه ينزف بغزارة ، ولا يستطيع أن يفعل شيء سوى أن يطلق نادية وهو في حالة هيجان عاصف . أما الأب العجوز (محمد توفيق) فيبدو أقل إنهياراً من الزوج ويحاول أن يمنع الزوج من التعرض لنادية بالضرب ، ولكنه في نفس الوقت مصدوم بما حدث . هناك أيضاً شقيق نادية (عبد الله محمود) الطالب في كلية الطب ، يحاول أن يكون أقوى ، إلا أن زملائه في الكلية يستفزوه ، الى أن يشتبك مع أحدهم في معركة ينقل على أثرها الزميل الى المستشفى بين الحياة والموت . ورد الفعل الوحيد المختلف ، يأتي من محاسن صديقة نادية ، حيث نراها ـ بالرقم من إعتقادها بأن نادية تورطت في العلاقة مع مدحت ـ تعاملها بمنتهى الرحمة ، وتجد نادية عند محاسن مرفأ الأمان ، وفي صدرها محبة لا حدود لها . وإزاء كل ردود الفعل هذه ، تتكشف الحقيقة في النهاية ، وهي أن التي في الشريط إمرأة أخرى تلبس قناعاً لوجه نادية صنعه مدحت لحبيبته التي لم ينلها قط . وكل هذا يتكشف بوجود ضابط الشرطة ، الذي بدوره يقبض على مدحت وهو في حالة من الجنون . ــ فاصل موسيقي ــ ينجح فيلم ( إشتباه ) في شد إنتباه المتفرج بسبب موضوعه الجديد والمثير ، إضافة الى صناعة السيناريو المحفزة ، والإهتمام بالتفاصيل داخل المشاهد خصوصاً بالنسبة لحركة الممثلين . فالفيلم يقدم نقداً لاذعاً وجريئاً للرأي العام والصحافة المدمرة التي تسعى الى الإثارة ، لدرجة أنه قد إتخذ موقفاً معادياً للمجتمع كله نتيجة ردود الفعل التي صورها تجاه هذه المرأة وبقية أسرتها . ــ فاصل موسيقي ــ وكما أشرنا سابقا ، بأن هذا الفيلم هو الأول لمخرجه ، فقد وضع فيه كل ما يستطيع من جماليات ونقد إجتماعي وتفسيرات نفسية وميلودراما ومطاردات بوليسية وأغاني ورقصات ومشاهد تخيلية . وكل هذه العناصر ، وإن لم تشعرنا بأي تناقض ، إلا أنها قد أثقلت كاهل الفيلم . أما بالنسبة لمشاهد »الفلاش باك« ، فقد أسرف الفيلم في تقديمها بكميات ضخمة ، في محاولة لتعميق شخصية مدحت ، وكان أغلبها لا ضرورة له على الإطلاق ، وكان من الممكن الإكتفاء والتركيز على بعضها . هذا إضافة الى أغاني محمد منير التي صورها الفيلم بشكل تقليدي ليس فيه أي جديد . ــ فاصل موسيقي ــ وأخيراً .. لابد أن نشير الى أن فيلم ( إشتباه ) ، بالرغم من حشوه بالكثير من الأمور وضعفه في بعض المشاهد ، فهو بموضوعه وحسن نيته وتدفقه بالحيوية في أحيان كثيرة ، يدعونا الى إنتظار الأكثر من مخرجه الجديد في المجال الروائي ، هذا المخرج الذي أثبت ـ من خلال أول أفلامه ـ بأن لديه الكثير لكي يقدمه في مشاريعه القادمة ، فدعونا نترقب جديده . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (أبناء وقتلة) ، بطولة محمود عبدالعزيز ونبيلة عبيد ، ومن إخراج الراحل عاطف الطيب . وهو إنتاج عام 1987 . ــ فاصل موسيقي ــ في فيلم (أبناء وقتلة) يتخلى عاطف الطيب عن الواقعية الجديدة التي قدمها في أفلامه السابقة ، ويقدم في هذا الفيلم موضوعاً ميلودرامياً تقليدياً . ويتحدث (أبناء وقتلة) عن عامل البار الإنتهازي الذي يسعى لتسلق السلم الإجتماعي ، ويستغل كل الفرص لتحقيق ذلك . ومن عامل بار ، يصبح أكبر تاجر سلاح . ويتم ذلك في فترة 30 عاماً ، منذ عام 1956 وحتى نهاية الثمانينات . وعامل البار هذا ، وإسمه شيخون (محمود عبد العزيز) ، ومن خلال أول فرصة ، يقرر شراء البار من صاحبه الأجنبي ، جعد أزمة قناة السوَس ، عندما يقرر الجحيل عن مصر . حيث زشعر شيخون بأنها ف]صة عمره كي يمتلك طلبار ، ولكنه يعجسـعن تدبير المال اللازم لشرائه . إلا أنه يجد الحل في زواجه من إحدى بنات الليل (نبيلة عبيد) اللاتي يترددن على البار . وفي ليلة الدخلة يسرق ذهب زوجته ويبيعها ، ومن ثم يشتري البار . وتتوتر العلاقة بين شيخون وزوجته ، إلا أنها تستمر معه لأنه كان يرضي غرائزها . ثم تنجب منه ولدين توأم ، ومع ذلك تظل متربصة له تنتظر لحظة الإنتقام منه . ويعطيها هو بدوره الفرصة عندما يأوي في البار أحد المطاردين من العدالة . حيث تشي به زوجته بمساعدة ضابط شرطة منحرف (مجدي وهبة) ، وتنجح الزوجة في الإنتقام من زوجها شيخون . ومن ثم تطلب الطلاق ، وتحصل عليه لتتزوج من ضابط الشرطة ، إلا أن هذا الزواج لايدوم طويلاً . ــ فاصل موسيقي ــ بعد ذلك تتجه الزوجة للرقص وتنجح فيه ، وتصبح راقصة مشهورة ، في الفترة التي يخرج فيها شيخون من السجن بمناسبة أعياد الثورة وإفتتاح السد العالي مع بداية السبعينات . وبالتالي يطلب من مطلقته ولديه ليربيهما بمعرفته ، إلا أنها ترفض ، فيدبر لقتلها بواسطة أحد القتلة المأجورين ، وينجح في إبعاد الشبهات عن نفسه . ومن ثم يستعيد ولديه ويستولي على شقة طليقته وسيارتها وثروتها بالكامل . ــ فاصل موسيقي ــ ويبدأ شيخون مرحلة جديدة في حياته ، حيث يحول البار الى محل لبيع الأسلحة والذخائر ، يشارك فيه أحد تجار السلاح الكبار ، ويلجأ شيخون الى أساليب غير مشروعة في تهريب السلاح الى داخل البلاد ، ولأن شريكه يرفض هذا الإسلوب ، يزيحه من طريقه بنفس الطريقة التي أزاح بها طليقته . وينجح شيخون في أن يصبح واحداً من أكبر تجار السلاح في مصر ، في نفس الوقت الذي يكبر فيه الولدان ، أحدهم يفشل في التعليم (شريف منير) فيكتفي بالوقوف مع والده في محل السلاح ، والثاني (أحمد سلامة) ينبغ في التعليم ويتخرج من كلية الإقتصاد ، ويتجه إتجاهاً دينياً متطرفاً ، ويقع في حب فتاة متدينة ، ويتقدم لخطبتها من أهلها ، لتكون المفاجأة الصاعقة لشيخون . حيث يكتشف بأنها إبنة الضابط الذي تزوج من طليقته ووشى به وأدخله السجن. وتكون المواجهة بين العائلتين ، لينتهي الفيلم بمذبحة بشعة . ــ فاصل موسيقي ــ في فيلم (أبناء وقتلة) نحن أمام سيناريو تقليدي ، ضعيف ومتذبذب في المستوى . حاول فيه (مصطفى محرم) المزج مابين المتغيرات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية وما يجري لشخصيات الفيلم ، إلا أنه لم ينجح في ذلك ، حيث أن هذه المتغيرات وجدت أم لم توجد ، فنحن أمام تركيبة ميلودرامية تقليدية ، لم تضيف كثيراً الى الدراما . ربما يوجد بعض النجاحات في رسم بعض الشخصيات ، إلا أن هذا لم ينقذ الفيلم من الوقوع في السطحية . ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة للإخراج ، فهو عادي وتقليدي ، لم يضف أي جديد لمخرجه ، بل جاء نتيجة السيناريو الضعيف . والتصوير ـ بشكل عام ـ جاء تقليدياً أيضاً ، والتعبير بالصورة غير موجود تماماً . ليس هناك تكوينات جمالية للكادر ، بالرغم من وجود ديكور موفق يوحي بالفترات الزمنية التي تعرض لها الفيلم . مونتاج موفق أحياناً . وموسيقى تتناسب والجو العام للفيلم . ختام
جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك (2004 - 2018)