ما كتبه حسن حداد
برنامج أسبوعي يعني بسحر السينما
من إعداد: حسن حداد, وتقديم: محمد الشروقي ونيلة محمد
وإخراج: محمد الجابر
برنامج إذاعي استمر عام ونصف العام في إحدى وسبعين حلقة إذاعة البحرين (مايو 1997 ـ نوفمبر 1998)
أفلام وأفلام ـ الحلقة الأولى أعزائنا المستمعين نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في أولى حلقات برنامجنا الأسبوعي ( أفلام و أفلام ) ، الذي سنحاول فيه دخول عالم السينما السحري ، من خلال تناولنا النقدي للأفلام ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع فيلم غير عادي لمخرج غير عادي .. وهو الفيلم العربي (إشارة مرور) للمخرج خيري بشارة ، بطولة ليلى علوي و محمد فؤاد . وهو إنتاج عام 1995 ــ فاصل موسيقي ــ في (إشارة مرور) نحن أمام فيلم جميل وجريء ، يقدمه لنا المخرج المتميز خيري بشارة ، ليؤكد عشقه للجديد والمختلف دوماً . فهو في مرحلته الفنية الأخرى ، والتي بدأها بفيلم (كابوريا) ، يقدم أفكاراً بسيطة بشخصيات عادية يلتقطها من الشارع ، ليصيغ من حولها حكايات جميلة وشاعرية عميقة ــ فاصل موسيقي ــ ففي يوم غير عادي ، يأخذنا خيري بشارة في رحلة ممتعة الى مدينة القاهرة الصاخبة والمزدحمة .. وفي موقع إحدى إشارات المرور الكثيرة التي تمتليء بها هذه المدينة الكبيرة . والمناسبة : هي مرور موكب رسمي في أحد الشوارع الرئيسية . وحادث مرور عند إشارة المرور في الطريق الفرعي المحاذي والذي من المفترض أن يكون إحتياطياً للشارع الرئيسي .. عند إشارة المرور هذه ، تتوقف حركة المرور تماماً ، وتبدأ الحكايات ــ فاصل موسيقي ــ أنماط مختلفة من البشر تتجمع في وسط الزحمة ، كل له حكايته . حيث ينجح المؤلف في إنتقاء شخصياته بدقة وعناية ، ليصيغ حولها حكايات ، منها المضحك الساخر ، ومنها المأساوي الميلودرامي ــ فاصل موسيقي ــ فهناك سوسو أو سمية (ليلى علوي) الممرضة الباحثة عن الشهرة من خلال هوايتها للغناء . وهناك أيضاً ريعو (محمد فؤاد) كبير المشجعين وعامل البناء الذي يبحث عن والد خطيبته شرطي المرور ، فيقع في حب سوسو الممرضة ويتفقان على الزواج . وكذلك الموسيقي الشاب نبيل (عماد رشاد) الذي يعاني حادث غريب تعرض له في صباح نفس اليوم . أما المدرس زكريا (سمير العصفوري) الذي حملت زوجته نعمات (إنعام سالوسة) بعد خمسة وعشرون سنة زواج . فيكاد أن يصاب بالجنون لمجرد إحساسه بأنه سيفقد إبنه الوحيد ــ فاصل موسيقي ــ وحكاية رجل الأعمال علي ظاظا (عزت أبو عوف) ، المتجه الى المطار لإنهاء صفقة رابحة والذي على علاقة عاطفية بسكرتيرته وزوجته على علم بذلك ومصرة على الفوز به . وضابط المرور (سامي العدل) الذي يكتب الشعر ولا يملك سيارة خاصة ، والذي يريد أن يخلي الشارع بأسرع ما يمكن تفادياً لأي إرتباك في حركة المرور في الشارع الرئيسي . وكذلك المراهق المهووس بحبيبته ، والذي يخجل من البوح بمشاعره . وعندما تواجهه وتطلب منه الكف عن ملاحقتها ، يصارحها بحبه ومعرفة مشاعرها تجاهه ، حيث يخرجان مع بعض ويطلب منها مسك يدها بشكل صريح ، ويتزوجان في النهاية ــ فاصل موسيقي ــ أما بائع الآيس كريم (محمد لطفي) الذي يتورط مع عصابة إرهابية في محاولة تفجير الموكب الرسمي ، فتكون نهايته في فتحة المجاري حيث يموت ، والقنبلة تنفجر في يد طفلة بريئة . والكثير من الحكايات والشخصيات التي صاغها السيناريو لتعطي للفيلم مذاق خاص ــ فاصل موسيقي ــ وكما في فيلمه السابق ، يقدم خيري بشارة أسلوب السهل الممتنع .. ويبتعد كثيراً عن الحكاية التقليدية ، مع أنه يقدم فكرة بسيطة ، مع حادث ومواقف يومية يمكن أن تحدث كل يوم . يعتمد أيضاً على إمكانيات من معه من فنانين وفنيين لتقديم أفضل ما عندهم ، في عمل سريع وخفيف . فنرى أولاً السيناريو الذكي ذو الحوار اللماح العميق ــ فاصل موسيقي ــ حيث أن ما جعل الفيلم أكثر حيوية ، تلك الحكايات والحالات والشخصيات التي صاغها السيناريو ، في زمن قصير لا يتعدى الأربع والعشرون ساعة ، حيث يتشكل مجتمع صغير ، يتكون من إنماط مختلفة من البشر .. يتعايشون مع بعض ، لتظهر كافة التناقضات .. من جراء تلك الحكايات المتداخلة في نسيج درامي واحد ــ فاصل موسيقي ــ ففي حكاية الموسيقي الشاب نبيل (عماد رشاد) ، ذلك المصاب بالدهشة والمهانة في نفس الوقت من جراء حادث غريب تعرض له في الصباح .. حيث يتلقى صفعة قوية من الخلف من أحد المارة في الشارع . ولا يجد أي تفسير منطقي لماحدث . شخص لا يعرفه وبدون أي سبب منطقي ..نراه يحكي لحبيبته نور في حوار مشحون بالحزن والألم ، لعلها تساعده في تجاوز ما هو فيه . فهو يعيش إحساس فظيع بالمهانة ، خصوصاً أنه لم يستطع عمل أي شيء ، مما زاد إحساسة بالتفاهة . ومن خلال حديثه مع حبيبته نور نكتشف مدى شفافية هذا الإنسان ، ومدى تأثره المباشر بحادث بسيط يحدث في مجتمع متخلف كل يوم ــ فاصل موسيقي ــ ونتابع أيضاً تلك العلاقة السريعة التي تكونت بين ريعو وسوسو . فبالرغم من سرعة تكونها لدرجة أن تصل الى الزواج ، إلا أن التفاصيل الصغيرة والكثيرة التي أحاطت بالشخصيتين ، قد جعلت منها علاقة طبيعية منطقية . ثم أن المتفرج يصدق كلا الشخصيتين بسبب ذلك الحوار الأخاذ الذي يأتي على لسانهما ويضيف عليهما تلك المصداقية ــ فاصل موسيقي ــ أما ذلك المدرس الغلبان زكريا الذي ينتابه شعور باليأس نتيجة تعطله في زحمة الحادث ، حيث كان متجهاً الى مستشفى الولادة مع زوجته الحامل . فقد بدأ يهذي ويكاد يفقد عقله ، خصوصاً بأن هذا المولود إنتظره العمر كله وبعد خمس وعشرون عاماً من الزواج ، ولا يمكن أن يتصور بأنه سيفقده . ثم كيف نجح السيناريو في تصوير علاقته بزوجته بشاعرية نادرة ، وأيضاً كان للحوار دوراً في ذلك ــ فاصل موسيقي ــ وهذه أمثلة فقط ، حيث لا يسعنا الحديث للحصر .. إنما هذه الحالات والحكايات التي جسدها السيناريو ، لم تكن تصل بالشكل المطلوب لولا وجود صورة ناعمة سلسلة ومعبرة ، ومونتاج متناغم ومتناسب ، إضافة الى الموسيقى التصويرية المعبرة عن أحاسيس تلك الشخصيات . جميعها عناصر ساهمت في وصول الفيلم الى هذا المستوى الجيد ، تحت قيادة مايسترو فنان هو المخرج خيري بشارة ــ فاصل موسيقي ــ فقرة ثابتة قبل الفيلم الثاني عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم فيلمنا الثاني هو الفيلم العربي (المطارد) ، بطولة نور الشريف وسهير رمزي ، ومن إخراج سمير سيف .. وهو من إنتاج عام 1985 ــ فاصل موسيقي ــ و(المطارد) فيلم مأخوذ عن ملحمة الحرافيش لنجيب محفوظ ، وهو يشترك مع مجموعة من الافلام في نفس الموضوع . والافلام هي : الجوع ، سعد التيم ، شهد الملكة ، التوت والنبوت ، الحرافيش ، عصر الحب .. وجميعها مأخوذ عن "الحرافيش" ــ فاصل موسيقي ــ وباستثناء فيلم (الجوع) ، وهو اهمها ، اعتمدت هذه الافلام اساساً على العنف المجسد بشكل بارز ، وذلك لان ملحمة الحرافيش قد وفرت لهذه الافلام كمية من العنف لم تتوفر في اعمال روائية اخرى ــ فاصل موسيقي ــ ففي الحرافيش ترتفع هراوات الفتوات لتفرض القهر والذل والاتاوات على سكان الحارة ليأتي فيما بعد من يحاول الوقوف ضد هذا الظلم والطغيان ، فيلجأ ـ بالطبع ـ الى العنف ، حيث يفشل مرة وينجح مرة اخرى حتى يصل الى السلطة ، الا انه سرعان ما يتفشى الفساد في السلطة الجديدة ، وذلك باعتمادها على القمع وتخويف الناس لاستمرار تحكمها في الحارة ، فينتشر القهر والذل من جديد ، وتفرض الاتاوات ويستمر التسلط حتى يأتي من يحاول المقاومة والتصدي مرة اخرى لهذا الفساد ، وبالتالي فالعنف مستمر ومتواصل الى مالانهاية ــ فاصل موسيقي ــ بالنسبة للمخرج سمير سيف صاحب فيلم (المطارد) فهو من بين انشط مخرجي جيل السبعينات ، فمنذ تخرجه من المعهد العالي للسينما بالقاهرة عام 1969 ، قدم ما يزيد على العشرين فيلماً . وبالرغم من انه قدم الفيلم الكوميدي والاجتماعي والنفسي ، والغنائي والميلودامي ، الا ان اكثر افلامه نجاحاً هي التي تنتمي الى سينما العنف والمطاردات ، متأثراً كثيراً بافلام هوليوود الامريكية ــ فاصل موسيقي ــ وفيلم (المطارد) يتخذ من العنف والمطاردات اساساً للاحداث ، فقد إعتمد سيناريو الفيلم ، الذي كتبه احمد صالح بالاشتراك مع المخرج ، على الحكاية الرابعة من ملحمة "الحرافيش" لنجيب محفوظ . ونحن هنا لن نتطرق للسرد الدرامي بكل تفاصيله ومتاهاته ، وانما سنحاول مناقشة بعض الافكار الدرامية والفنية التي قدمها لنا الفيلم ــ فاصل موسيقي ــ ففي (المطارد) هناك عبارة وردت على لسان احدى الشخصيات تتحدث عن فكرة العدالة ، أضافها السيناريو على القصة الاصلية ، تقول : ان العدالة والنزاهة مجرد اكاذيب نسجتها خيالات المقهورين ، وان المستبد لايمكن ان يكون عادلاً ــ فاصل موسيقي ــ وهي فكرة ترتبط بفكرة اخرى وردت في آخر حكايات "الحرافيش" ، تقول : ان العدل لايمكن ان يتحقق الا بمشاركة الجميع في السلطة والسطو على السواء . ولكن هذه الفكرة لم تجد لها المعادل السينمائي المناسب عند تنفيذ هذا الفيلم ، وبالتالي بدت باهتة وهامشية ــ فاصل موسيقي ــ فالحرافيش الذين شاهدناهم يدربون انفسهم على استخدام الهراوات ـ في مشاهد سريعة وخاطفة ـ يشاركون في المعركة الاخيرة بطريقة بليدة ومتراخية وسرعان ما يختفون تماماً ، مما ادى الى خفوت الفكرة التي كانت تحتاج الى تعميق وتجسيد يليق بها ــ فاصل موسيقي ــ كما ان الفيلم ، بعد ان أهمل فكرة المقاومة الجماعية ، إتخذ من الارادة الفردية اسلوباً لمحاولة الخروج من دائرة الطغيان ، لذلك فالاحداث الدرامية نراها تسير على خط واحد مفرد ، مختزلة كل الخطوط الاخرى حتى صارت مجرد زوائد تتصل بذلك الخط الواحد ، الذي يكون بمثابة رصد لحركة ومغامرات البطل (سماحة الناجي) رمز القوة والعدل الذي يطارده الجميع ويريدون قتله ــ فاصل موسيقي ــ وربما حاول السيناريو في بعض من رموزه الكثيرة إضفاء اسقاطات سياسية واخلاقية معاصرة ، الا ان هذه الرموز كانت تحتاج ايضاً الى عمق في التناول ومساحة مناسبة في الحدث الدرامي حتى تبرز وتؤثر ــ فاصل موسيقي ــ اما بالنسبة للاخراج ، فقد ساهم كثيراً في إنقاذ السيناريو من سلبيات كثيرة ، فاختيار أماكن التصوير والديكور قد أعطى مصداقية للاحداث . فمثلاً بيت الناجي القديم الواسع الأرجاء قد أعطى الاحساس بان هذا المكان يحتاج الى من يملؤه .. واللقطات البعيدة التي أظهرت أبعاد الدار العتيقة قد عمقت هذا الاحساس بالفراغ ــ فاصل موسيقي ــ كما لجأ المخرج لإختيار الاضاءة المعتمة كعنصر درامي يضاف الى حلكة الظروف الصعبة التي يعيشها أهل الحارة . ولم يستخدم الاضاءة الساطعة إلا في حالات نادرة للايحاء ببعض جوانب الأمل والتفاؤل ــ فاصل موسيقي ــ وهناك مشهد في بداية الفيلم يصور إختبار القوة بين الفسخاني والفللي لتحديد زعامة الحارة .. في هذا المشهد يتم تصوير لحظة الاستعداد للمعركة بحيث يبدوان كعملاقين يناطحان السحاب ــ فاصل موسيقي ــ ثم حينما يتحدد الفائز ويبدأ الاهالي بالانصراف تأخذ الكاميرا لقطة عامة توحي بان المكان ليس إلا خشبة مسرحية ، وان ما دار فوقها ما هو الا لعبة سوف تنتهي عاجلاً أو عاجلاً ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة الثانية أعزائنا المستمعين نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام) . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم الأمريكي (عشيقة الملازم الفرنسي) . من بطولة الأمريكية ميريل ستريب والبريطاني جيرمي إيرونز ، ومن إخراج كاريل رايز . وهو من إنتاج عام 1981 ــ فاصل موسيقي ــ يعتبر فيلم ( عشيقة الملازم الفرنسي) من بين الأفلام المتميزة والمهمة في تاريخ السينما الأمريكية ، خلال عقد الثمانينات .. وتكمن أهمية هذا الفيلم في بنائه الدرامي الزمني ، متأثراً ـ بالطبع ـ بما إستحدثته "الموجة الفرنسية الجديدة" في نهاية الخمسينات من تغييرات هائلة في أسلوب إستقبال الأحداث في شرائح منفصلة تنتمي كل منها الى زمن مختلف بحيث يختلط الحاضر بالماضي في بناء عضوي واحد ومتماسك لا يرتبط بتدفق أو ترتيب زمني منطقي ــ فاصل موسيقي ــ ففي فيلم (عشيقة الملازم الفرنسي) نلاحظ تنقلاً سريعاً ومتداخلاً بين أحداث تقع في الحاضر وأخرى حدثت في الماضي .. أي أن هناك زمانين واضحين تماماً في الفيلم ، والمثير للإرتباك ، هو أننا نشاهد أحداث الزمانين من خلال نفس الشخصيات ، بينما يفصل بينها أكثر من مائة عام ــ فاصل موسيقي ــ يحرص الفيلم ، في أولى لقطاته ، على توضيح ذلك .. حيث نشاهد فيلماً سينمائياً يُجرى تصويره في الوقت الحاضر ، وفي مونتاج متناغم ومنطقي ، ننتقل من مشهد لمجموعة العمل في الفيلم الى مشهد آخر من الرواية التي تحدث في الماضي .. أي أننا نشاهد الممثلَين "مايك" و "أنا" وهما يؤديان دوريهما "شارلز" و "سارة" ــ فاصل موسيقي ــ يتناول الفيلم بوعي كسر الإيهام بين المتفرج والأحداث حتى لا يتوحد مع الشخصيات .. وفي مقابل ذلك يقوم بناء الفيلم على التوحد الكامل بين الممثل والشخصية التي يؤديها .. فنحن لا نستطيع التمييز بين "مايك" و "شارلز" ولا بين "أنا" و "سارة" ، فقصة الحب التي تربطهما في الحاضر تكاد تكون إمتداداً عضوياً لقصة الحب التي يمثلانها في الماضي ــ فاصل موسيقي ــ وبعيداً عن كل هذا الحديث ، والذي يتناول التركيب الفني للفيلم من بناء وشكل وأسلوب ، هناك القضية التي يتناولها الفيلم ، والتي تتركز حول شخصية محورية هي "سارة وودروف" ، التي رغم تعقيدها الشديد فقد إستطاع كاتب السيناريو رسمها وتحليلها كأفضل ما يكون ــ فاصل موسيقي ــ ولكي تتوضح لنا هذه الشخصية ونستطيع أن نفهمها ، لابد لنا أن نفهم البيئة والعصر الذي تعيش فيه ، حيث تعكس هذه الشخصية عصراً كاملاً ورؤية واضحة لما كان يحدث في ذلك الوقت في إنجلترا ، من صراع بين مجتمع راسخ له قيمه وتقاليده القوية المتسلطة وبين رياح التغيير التي بدأت تطرح أفكاراً جديدة لابد أن تُقاوَم بعنف حتى لا تنسف أعمدة هذا المجتمع التقليدي ــ فاصل موسيقي ــ هذه الشخصية هي تلخيص ذكي لهذا العصر ولهذا الصراع ، فهي عندما تقول بأنها كانت تبحث عن حريتها في نهاية الفيلم ، لم تكن تعني بالطبع الحرية بالمعنى الفردي وإنما بما هو أكثر عمقاً وشمولاً .. كانت تعني البحث عن الذات وعن أسلوب جديد للحياة في هذا المجتمع المغلق ..هذا حتى ولو لم تكن "سارة" مدركة لذلك لفرط إنهماكها في مأساتها الشخصية ــ فاصل موسيقي ــ إننا هنا نعيش فترة العصر الفكتوري ، حيث التحول الصناعي في بريطانيا يصل الى قمته في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر ـ زمن الفيلم ـ ويصحبه نشاط تجاري كبير بين بريطانيا وأرجاء إمبراطوريتها المترامية الأطراف ــ فاصل موسيقي ــ ونرى كيف أن الفيلم إستطاع أن يجسد هذا العصر ، في شخصية واحدة ، بكل ملامحه من تزمت وجمود فكري وأخلاقي وتمسك بتعاليم الكنيسة في مجالات التفكير والسلوك العلمي والعملي ــ فاصل موسيقي ــ وفي الجانب الآخر هناك شخصية "شارلز" الذي يمكن أن نعتبره النموذج المناقض لهذا المجتمع التقليدي الراسخ ، فهو عالم حفريات شاب جاء الى قرية "لايم" يبحث عن رواسب الصوان .. وهو أيضاً يعكس طموح الشباب والخروج من إطار هذا المجتمع على المستوى العملي من ناحية ــ فاصل موسيقي ــ ومن ناحية أخرى يشير الى تيارات العلم الجديدة التي بدأت تفرض نفسها على قيم أوروبا الراسخة في تلك الفترة الحاسمة .. ويمكن إعتباره الى حد ما شخصاً متمرداً على العصر الفكتوري هذا ، وإن لم يكن بنفس قدر تمرد "سارة" نفسها على هذا العصر ــ فاصل موسيقي ــ وسط كل هذه الظروف المعقدة ، وفي ظل هذا المجتمع المغلق ، توجد "سارة" .. هذه الفتاة الجميلة الرقيقة الحالمة ، والتي تبدو وكأنما وجدت في غير عالمها أو في غير موعدها ، فهي فتاة متعلمة ومثقفة تعرف اللغة الفرنسية ، حيث يبدو هذا في مظهرها وفي أدق إيماءاتها الرقيقة ، رغم ظروفها التعسة ــ فاصل موسيقي ــ إنها نبات برِّي غريب وشديد الجمال في غابة وحشية .. وهي ، بالطبع ، نموذج لشخصيات أخرى كثيرة لابد أنها موجودة في ظل هكذا ظروف ، وتطمح الى الحب والحرية والحق في السعادة .. ويمكن أن تكون "سارة" هذا النموذج حينما نضعها في إطار الجو العام الذي يرسمه الفيلم ، لتكون رمزاً للصراع بين عالمين متناقضين ، القديم الذي يتشبث بقيمه وقوانينه والجديد الذي يحاول أن يجد لنفسه مكاناً ويؤكد ذاته ويحصل على حرياته ــ فاصل موسيقي ــ وإذا كان أهل القرية يُسمُّون "سارة" (الآنسة مأساة) فقد يكون ما يعنونه هو مأساتها الشخصية مع الملازم الفرنسي الذي أقامت معه علاقة آثمة ثم هجرها ، وهم بذلك يحبسون أنفسهم في النظرة الأخلاقية .. مع أن الفيلم ، في رؤيته الشمولية ، يتجاوز هذه الرؤية الأخلاقية الى مأساة أكبر هي مأساة الوجود في العصر الخطأ . هنا تكون مأساة "سارة" أعمق من مجرد سقوطها الجسدي مع ملازم فرنسي ، بل إن هذا السقوط نفسه هو أُكذوبة إخترعتها "سارة" ، وكأنها إختارت أن تعاقب نفسها بالفضيحة والعار والإمتهان ، كنوع من تعذيب النفس ــ فاصل موسيقي ــ وما نفهمه نحن من هذا السلوك الغريب هو أنها وجدت نفسها عنصراً غريباً أكثر رقياً من الوسط المحيط بها فقررت أن ترتفع عن هذا الوسط بأن تصبح منبوذة فيه ، أي منفية بإختيارها .. وما كانت تبحث عنه "سارة" بالتأكيد هو أن توجد ، لا بالمعنى الجسدي وإنما بأن يصبح لها كيان ويمكن أن يحقق ذاتها ، لذلك نراها تصر على أن ترسم بإستمرار حتى تنجح في النهاية ، وتجد ما يجعلها متفردة بموهبتها في الرسم ، ولكن ما هو إهم من ذلك بالنسبة لها أنها وجدت حريتها فاصل موسيقي ــ يبقى أن نقول بأن ( عشيقة الملازم الفرنسي ) فيلم رائع ومبتكر في أسلوب إخراجه ، إستخدم فيه المخرج خبرته الطويلة في المونتاج عبر لغة سينمائية هادئة ومتوازنة مع الحدث ومستفيداً بالموسيقى الهادئة أيضاً ، التي لا تفرض نفسها في صخب وإنما تبقى في الخلفية لتتناسب وأسلوب الفيلم في قول أشياء كبيرة من خلال مشاعر داخلية ــ فاصل موسيقي ــ وهناك أيضاً الدور الهام جداً للتصوير في فيلم كهذا يقوم أساساً على الصورة وجمالها وقوة تعبيرها ، ليس فقط من حيث توفير الجو المطلوب درامياً كخلفية للأحداث ، أو في التصوير الداخلي الذي يتطلب تحقيق جو من الكآبة والإختناق لمحاصرة الشخصيات ، وإنما أيضاً محاولة الإستفادة من كل جماليات الطبيعة الإنجليزية ، والتي يقدمـها مـدير التـصـويـر "فريدي فرانسيس" فيما يشبه اللوحات التشكيلية المبهرة ــ فاصل موسيقي ــ ثم لابد من الإشارة الى ذلك الأداء المتميز والمذهل للممثلة ميريل ستريب ، فلا يمكن تخيل هذا الفيلم بدونها ، فهي روح الفيلم ووسيلته الأساسية لتوصيل كل ما يحمله من فكر ومضمون ، ليس فقط بجمالها الأخاذ وإنما بقدرتها الرهيبة على التعبير عن روح الضياع والإنكسار والطموح والعذاب الداخلي الهائل والذي يعكس رغبة ملحة في الحياة والحب ، بمجرد التعبير الهامس منها بالنظرة أو الإيماءة . وهناك أيضاً الممثل القدير جيرمي إيرونز الذي أدى دوراً صعباً يحوي مشاعر شديدة الصعوبة بإقتدار كبيراً ، وكان يمكن أن يلمع أكثر لولا أضواء "ميريل ستريب" التي سيطرت على الأذهان والقلوب ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم العربي (حبيبي دائماً) ، بطولة نور الشريف و بوسي ، ومن إخراج حسين كمال . وهو من إنتاج عام 1979 ــ فاصل موسيقي ــ في فيلم (حبيبي دائماً) ، يقدم لنا حسين كمال ـ باعتباره من ابرز مخرجي السينما التجارية ـ فيلماً تقليدياً من الميلودراما المغلفة بالرومانسية ، استوحى قصته السيناريست رفيق الصبان عن قصة حب عاشها الفنان عبدالحليم حافظ ــ فاصل موسيقي ــ بطل الفيلم ابراهيم (نور الشريف) طبيب شاب بسيط ومكافح ، يحب فريدة (بوسي) سليلة الحسب والنسب ، حيث تقف الفوارق الطبقية حائلاً لزواجهما ، بالرغم من قرار فريدة بالتضحية بأهلها والهرب مع ابراهيم والزواج منه ، الا ان ابراهيم يرفض هذا التصرف ويصر على ارجاعها بنفسه الى بيتها ــ فاصل موسيقي ــ ولا يرى المتفرج مبرراً منطقياً لهذا التصرف ، والذي تعتبره فريدة ضعفاً منه وعدم مقدرة لديه على المواجهة . لذا نراها توافق على الزواج من رجل اعمال ثري ، تسافر معه الى باريس . وبعد مشاهد غريبة مليئة بالترف والانحلال والمجون ، لم تتوضح فيها رؤية الكاتب ، ترفض فريدة هذا الزواج وتحصل على الطلاق لتعود الى مصر ــ فاصل موسيقي ــ تلتقي فريدة مرة اخرى بابراهيم الذي مازال يحبها ، بعد ان اصبح طبيباً مرموقاً . في هذه الفترة تصاب فريدة بمرض خبيث يكتشفه ابراهيم نفسه لكنه يخفي حقيقة هذا المرض عنها ، ويصر على الزواج منها في اسرع وقت ــ فاصل موسيقي ــ بعدها يسافر بها الى لندن للعلاج محاولاً انقاذها من المرض ، الا ان الاطباء هناك اكدوا بان حالتها ميؤوس منها . تعرف فريدة بأمر مرضها في لندن ، فترجع مع حبيبها الى مصر لتنتظر الموت . وفي النهاية تموت بين احضان حبيبها بعد مشاهد ميلودرامية عنيفة ــ فاصل موسيقي ــ الفيلم ذو مستوى تقني جيد ، قدم حسين كمال من خلاله لقطات ومشاهد جميلة ظهرت وكأنها لوحات تشكيلية ، لقطات مدروسة بدقة من حيث التكوين واللون ــ فاصل موسيقي ــ كما قدم مشاهد لمدينة لندن لم يسبق للافلام المصرية ان قدمت مثلها . الا ان كل هذا جاء ليخدم موضوعاً مستهلكاً ، سبق وان قدمته السينما المصرية عشرات المرات ، كما تطرقت له السينما العالمية في الكثير من الافلام ، ابرزها فيلم (قصة حب LOVE STORY ) لمخرجه آرثر ميلر ــ فاصل موسيقي ــ صحيح من ان فيلم (حبيبي دائماً) قد صنع بدقة وعناية ، الا انه لم يطرح اية قضية ملحة وجادة ذات ابعاد انسانية واجتماعية ، كما انه تناول شخصياته بسطحية مفرطة ولم يدخل في اعماقها ــ فاصل موسيقي ــ إذاً نحن هنا امام موضوع تقليدي وشخصيات فقيرة باهتة . وانه لمن دواعي الاسف حقاً ان مثل هذه الموضوعات مازالت تحظى باهتمام بعض المخرجين المصريين و لاسيما ونحن امام مخرج كبير كحسين كمال قطع شوطاً طويلاً في عالم السينما . ان حسين كمال بهذا الفيلم قد اهدر طاقاته وطاقات من عمل معه في عمل تجاري تقليدي ــ فاصل موسيقي ــ التمثيل كان ارفع مستوى من عناصر الفيلم الاخرى ، او بالاحرى هو العنصر الوحيد البارز . فقد ادى نور الشريف دوراً شديد الصعوبة اعتمد علي التعبير بعضلات الوجه عن مجمل الاحاسيس والخلجات والصراعات الداخلية ــ فاصل موسيقي ــ كذلك بوسي التي استطاعت في عدة مشاهد ان تؤكد قدرتها على الاداء الصعب والتحرر من قيد الشخصية واكسابها نوعاً من التألق ، هذا بالرغم من ان هذه الشحصة لم ترسم بدقة وبدت مسطحة ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة الثالثة أعزائنا المستمعين نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (أحلام هند وكاميليا) ، بطولة نجلاء فتحي وأحمد زكي وعايدة رياض ، ومن إخراج محمد خان . وهو من إنتاج عام 1988 ــ فاصل موسيقي ــ إن محمد خان في (أحلام هند وكاميليا) ـ وكما عودنا دائماً ـ يقدم لنا عالم الشخصيات العادية التي تعيش بيننا ونتعامل معها يومياً لكننا لا نعرفها جيداً ولا نلاحظ فيها ما قدمه هو خلال فيلمه هذا . فهو هنا ـ ولأول مرة في السينما المصرية ـ يتناول عالم الخادمات ، بما يحتويه من تفاصيل وإيحاءات عميقة صادقة ، تختلط فيها المرارة بالبراءة .. ووحشية الفقر وقساوة العيش بعفوية الكدح اليومي وبراءة الكادحين وطيبتهم الصادقة ــ فاصل موسيقي ــ يقدم لنا محمد خان ، في فيلمه هذا ، مجتمع القاهرة الحقيقي من خلال خادمتين ولص ظريف .. القاهرة التي تحتل موقعاً هاماً وبارزاً من أحداث الفيلم ، وتتحكم في مصائر الشخصيات .. القاهرة بشوارعها وأزقتها وبكل ضجيجها وفوضويتها . ويقدم في نفس الوقت فيلماً بسيطاً وممتعاً تتداعى فيه الأحداث مع الشخصيات ، التي إنتقاها بحذر وذكاء شديدين .. يقدم لنا فيلماً عن العلاقات الإجتماعية المفككة في المدينة ، وفيلماً عن الحرية الشخصية ــ فاصل موسيقي ــ فشخصيات الفيلم لا تنتمي الى طبقة مستقرة إجتماعياً وإنتاجياً ، وبالتالي فهي لا تمثل إلا ذاتها ، ولا تربطها بالآخرين إلا علاقات تحكمها عوامل معيشية قائمة أساساً على المصلحة والمنفعة المشتركة ، ولا تحكمها ـ مثلاً ـ علاقات القرابة وأواصر الرحم . نرى هند (عايدة رياض) مثلاً تذكر خالها بكلمات السوء دائماً ، وذلك عندما يأتي ليأخذ منها أجرها الشهري ، وكأنها نسيت أهلها .. كذلك كاميليا (نجلاء فتحي) في علاقتها غير المستقرة بشقيقها الذي طلقها من زوجها لينعم بأجرها ــ فاصل موسيقي ــ وهناك أيضاً علاقة عيد (أحمد زكي) بإبن عمه ، عندما نرى الأخير يتهجم على زوجة الأول ويعتدى عليها لمجرد أنه يئس من العثور على شريكه ليقاسمه الفلوس التي هرب بها .. وبالتالي لا ينسى عيد ـ طبعاً ـ هذه الخيانة وينتقم منه ( من إبن عمه ) أبشع إنتقام حتى ولو أدى ذلك الى إستمرار حبسه . وليس هذا الإنتقام إلا إيحاءً قوياً بأن الفقراء لا يغفرون الخيانة أبداً ، بل ويجيدون الإنتقام بكل ما تحمله حياتهم من شقاء وتعاسة وحرمان ــ فاصل موسيقي ــ هذه هي طبيعة العلاقات التي تحكم شخصيات الفيلم ، وهي ـ بالطبع ـ علاقات كان لمجتمع المدينة الإجتماعي والمعيشي دوراً أساسياً في تفككها . بعكس مجتمع الريف الذي مازال يؤمن الى حد ما بضرورة التأكيد على وجود العلاقات الإجتماعية الطبيعية الثابتة في ترابطها ، وذلك بإعتبار الريف مجتمعاً زراعياً جماعياً ، يركز على صفات مثل التعاون ، كضرورة إجتماعية وإنتاجية ويرفض صفة الفردية والذاتية ــ فاصل موسيقي ــ بينما نرى مجتمع المدينة يؤكد على مسألة الحرية الفردية ، بل ونلاحظ بأن كافة القرارات والتصرفات نابعة أساساً من ذات الشخصية ، وتعتمد على نفسها كثيراً في تسيير أمورها . ونرى ذلك يتجسد من خلال محاولات هند الريفية في الإعتماد على نفسها ، بعد نزوحها الى المدينة .. أما كاميليا فهي تؤكد دائماً على مسألة حريتها الشخصية وكيفية تعاملها مع الواقع منذ هروبها من بيت زوجها الثاني ، حتى إشتغالها في سوق الخضار ــ فاصل موسيقي ــ كذلك عيد الذي نراه يتصرف بحرية وعفوية ويحاول جاهداً الحفاظ على هذه الحرية هارباً من أي قيود ، حتى بعد زواجه من هند نراه يعيش تناقضات كثيرة بين إشتياقه للحرية وبين مسئوليته تجاه زوجته وإبنته أحلام ــ فاصل موسيقي ــ في هذا الفيلم ، يؤكد محمد خان ـ من جديد ـ بأنه فنان من نوع خاص ، يمتلك إمكانيات وقدرات فائقة على الإبحار في عالم الشخصيات العادية. كما يؤكد على مقدرة عجيبة في صياغة كل الأحزان من خلال لوحات سينمائية شديدة الرقي والجمال وبدون أية إثارة أو عنف ، ويثبت بأنه قد تخلص من عيوب كثيرة ومزمنة للفيلم المصري ــ فاصل موسيقي ــ كما نجح محمد خان في ان يطوع الصورة والفكر معاً لتقديم فن جميل وممتع في نفس الوقت ، مبتعداً قدر الإمكان عن الإنخراط في الميلودراما المبتذلة التي تحتويها غالبية الأفلام المصرية .. علماً بأن أحداث فيلمه هذا مؤهلة فعلاً بأن تصنع فيلماً ميلودرمياً بكائياً صارخاً على يد أي مخرج آخر ــ فاصل موسيقي ــ هذا إضافة الى إن محمد خان يرغب دائماً في كسر أناقة الفيلم المصري السائد ، والذي يصور في شقق فخمة وشوارع نظيفة وأماكن هادئة . فهو يصر على النزول بكاميرته الى الحواري والأزقة لمتابعة شخصياته ونقل حياتها بعنفها وهذيانها ــ فاصل موسيقي ــ ولا شك بأن بصمات محمد خان الفنية كانت واضحة منذ أول حركة للكاميرا ، تلك التي تميزت بتقنيات تصويرية تأملية هادئة ومدروسة بعناية ، إضافة الى الإهتمام بالجانب الجمالي وتقديم كادرات تصويرية قوية ومتقنة ، ساهمت كثيراً في الإرتقاء بمستوى الفيلم ــ فاصل موسيقي ــ إننا في (أحلام هند وكاميليا) أمام فيلم مصري طليعي ومتميز ، يمثل نقلة نوعية لسينما محمد خان ، فهو عبارة عن سيمفونية حزينة تحكي عن الأحلام المفتقدة والمعبرة عن الإحباطات النفسية والأخلاقية والعاطفية ، إنه فيلم يجمع ما بين الحزن والجمال في إطار لغة سينمائية متطورة ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم العربي (سمع هس) ، بطولة ليلى علوي وممدوح عبد العليم ، ومن إخراج شريف عرفة . وهو من إنتاج عام 1989 ــ فاصل موسيقي ــ في (سمع هس) يقدم المخرج الموهوب شريف عرفة شكلاً فنياً جديداً ومبتكراً ، لموضوع هو مزيج بين الكوميديا الإجتماعية والفنتازيا الإستعراضية ــ فاصل موسيقي ــ فهو جديد في كتابته ، حينما يقوم بتعرية المجتمع بأسلوب ساخر لا يعتمد الميلودراما البكائية وإنما السخرية والغناء والإستعراض الحركي النابض .. وجديد في إخراجه ، حيث يمتاز بجمال التكوين البصري ورشاقة الكاميرا المتحركة والمثيرة ذات الإيقاع السريع اللاهث وراء ذلك الصراع بين الشخصيات ــ فاصل موسيقي ــ يحكي الفيلم عن حمص (ممدوح عبد العليم) وحلاوة (ليلى علوي) ، وهما نموذجان للفقراء البسطاء القانعين ، يعيشان على هامش حياة يومية صعبة مليئة بعقبات لا تنتهي .. نراهما مطاردين دوماً لسبب أو دون سبب ــ فاصل موسيقي ــ أما الشيء الوحيد الذي يملكانه ـ الى جانب الصدق والحب ـ فهو أغنيتهما التي يتغنيانها في السيرك والأفراح وفي كل مكان يتواجدان فيه .. وهي أيضاً مصدر رزقهما الرئيسي ــ فاصل موسيقي ــ ويحدث أن يسرق لحن أغنيتهما هذه وينسب الى آخرين أغنياء وذوي سطوة اعلامية ، حولوا اللحن البسيط الى أغنية وطنية تكسب إحترام الجميع ، على الرغم من لحنها المسروق ــ فاصل موسيقي ــ في (سمع هس) يقدم الثنائي شريف عرفة/ماهر عواد نموذجاً لذلك الظلم الإجتماعي الواقع من كبار اللصوص على صغار الشرفاء ، وذلك من خلال عرضهما لشخصيتي حمص وحلاوة ، وقضية سرقة لحنهما من قبل المغني غندور (حسن كامي) ــ فاصل موسيقي ــ ويمتاز هذا الفيلم بأنه لا يروى ، شأنه في ذلك شأن كل الأفلام التي تخاطب العقل والوجدان .. حيث لا تكفي روايته بل يجب أن يسمع ويشاهد ، فبالرغم من بساطة فكرته ، إلا أن مخرجه إستطاع أن يجعل القضية التي يطرحها تتسرب الى عقل المتفرج ووجدانه ليتفاعل معها بهدوء ودون صخب ، حيث كان من السهل على أي مخرج آخر أن ينزلق في معالجته لموضوع كهذا الى مزالق الخطب الرنانة والحوار الزاعق ــ فاصل موسيقي ــ لقد نجح السيناريست عندما مزج ـ في صياغته للأحداث ونسيجها الداخلي ـ بين الحس الدرامي والتعبير الموسيقي . فنراه يقترب بذلك من هموم البسطاء ويدخل عالمهم من أوسع الأبواب ، ليعلن عن واحدة من قضاياهم التي لم تصل الى المحاكم ولم يناقشها قضاة ، بالرغم من أنها إخترقت المسامع وتداولتها الألسن بالشفقة حيناً والسخرية والإستهتار في أحيان كثيرة ــ فاصل موسيقي ــ فالسيناريو يغوص داخل أعماق القضية من جانب فني ، متجاوزاً ممنوعات الرقابة .. وذلك عندما إختار عالم الفن الواسع مدخلاً الى قضية ثرية كهذه ، مسلطاً الأضواء حولها عبر رؤية جادة ومبتكرة ، فيها دعوة واضحة للتصدي وعدم القبول بالواقع الذي فرضه قادرون ــ فاصل موسيقي ــ إن الإستعراض الغنائي في فيلم (سمع هس) بشكل عام جاء معبراً ويشكل جزءاً هاماً من نسيج العمل الدرامي ، وليس مقحماً على الأحداث .. وهو أيضاً إستعراضاً له كل مقومات الإستعراضات الناجحة ، من دقة في التكوين الجمالي للكادر ، وسرعة في الإيقاع ، وتناسق في الأداء الحركي ــ فاصل موسيقي ــ هذا إضافة الى ذلك التفاعل والإنسجام فيما بين شريط الصوت والصورة السينمائية .. فالأغنية الوطنية مثلاً قد قدمت نقداً لبعض سلبيات المجتمع بشكل كوميدي طريف .. فبينما كان الصوت يردد (سندافع عنك يا وطن ونحميك ....) ، كانت الصورة تقدم لنا رجالاً في المقاهي يلعبون ويدخنون الشيشة شاردين في عالم آخر ، غير آبهين لمن يسرق من ــ فاصل موسيقي ــ ومن الصور البصرية المعبرة التي قدمها المخرج للتعبير عن حالة بطليه وأزمتهما ، إنتقاله بالكاميرا مباشرة ـ بعد موقف سرقة اللحن منهما ـ الى مبنى قبر الجندي المجهول ، حيث إقتربت الكاميرا مركزة على عبارة (الجندي المجهول) تأكيداً على حقهما في اللحن ، وتأكيداً على وجود جنود مجهولين آخرين في مختلف المستويات ــ فاصل موسيقي ــ ومن الإستعراضات البارزة في الفيلم ، إستعراض الفلوس ، والذي يمثل حلم البطلين . وقد جاء تنفيذه جيداً ، تمازجت فيه ألحان مودي الإمام وموسيقاه الدرامية المؤثرة مع كلمات بهاء جاهين المعبرة ، وخطوات الراقصين الإيقاعية الرشيقة مع إضاءة محسن أحمد الدرامية ومونتاج عادل منير الراقص ، إجتمعت جميعاً لتخرج لنا مشهداً قوياً وراقياً ، نجح شريف عرفة في تجسيده ــ فاصل موسيقي ــ كما لا يفوتنا الإشارة الى إستخدام المخرج الموفق لاحدى الفرق الشعبية للتعليق على الأحداث ، سواء بالعزف على الربابة وحدها تعبيراً عن تصاعد الأحداث ، أو بالغناء الشعبي الذي يعلق فيه مطرب الربابة على ما يجري أمامه من أحداث .. وقد جاء هذا الإستخدام في بناء درامي قوي ومتماسك ــ فاصل موسيقي ــ إن (سمع هس) ، إضافة الى ما قدمه من شكل فني جيد ومبتكر ، يعد بمثابة إعادة إكتشاف لطاقات ممثليه الأدائية ، خاصة بطليه .. فالفنان ممدوح عبد العليم إنتقل بدوره في هذا الفيلم من مجرد ممثل لامع على شاشة التليفزيون الى نجم سينمائي شامل ، يمثل ويرقص ويغني ، وقد أجاد في جميعها ــ فاصل موسيقي ــ كذلك ليلى علوي التي كانت في نظر غالبية المتفرجين مجرد وجهاً جميلاً فقط ، أصبحت بهذا الدور ممثلة تمتلك قدرات أدائية وتعبيرية تلقائية صادقة ، إضافة الى المرونة في الجسم رغم إمتلائه ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة الرابعة أعزائنا المستمعين نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (البوسطجي) ، بطولة شكري سرحان وزيزي مصطفى ، ومن إخراج حسين كمال . وهو من إنتاج عام 1967 ــ فاصل موسيقي ــ إن حسين كمال ، يعتبر حالة خاصة جداً في السينما المصرية .. هذا المخرج الذي يعد من أبرز مخرجي السينما التجارية التجارية .. مخرج خسرته السينما المصرية الجادة ، بعد أن أهداها فيلمه ( البوسطجي ) ، وهو الفيلم الذي يعتبر من بين أهم عشرة أفلام قدمتها السينما المصرية على مدى تاريخها كله ــ فاصل موسيقي ــ يحكي فيلم (البوسطجي) عن عباس (شكري سرحان) ، الشاب القادم من القاهرة لإستلام وظيفته كناظر لمكتب البريد في قرية "كوم النحل" في الصعيد . والفيلم يطرح عدة خطوط درامية منسجمة ومتداخلة في بعض ، إلا أن هناك خطان رئيسيان مهمان ــ فاصل موسيقي ــ الخط الأول يخص البوسطجي القاهري ، والذي يعيش صراعاً حاداً بين تصوره للواقع الإجتماعي وتصور أهالي القرية المتخلف لهذا الواقع . فهو يعيش في عزلة إجتماعية قاسية ومملة ، فرضها عليه أهالي القرية . وفي محاولة منه لكسر حدة الوحدة والملل ـ في عزلته هذه ـ نراه يلجأ الى فتح رسائل أهل القرية ، يدفعه الى ذلك حرصه الشديد لمعرفة مايدور في هذه القرية ــ فاصل موسيقي ــ أما الخط الدرامي الثاني ، فهو قصة حب بين فتاة من القرية (زيزي مصطفى) وبين شاب من خارجها ، لذا تكون الرسائل هي حلقة الوصل الرئيسية بينهما . ومن خلال إطلاعه على رسائل القرية ، يفاجأ البوسطجي بهذه العلاقة ويتعاطف معها كثيراً ــ فاصل موسيقي ــ إلا أن البوسطجي ، وبسبب خطأ غير مقصود منه ، يتسبب في إنقطاع خط الإتصال بينهما ، وذلك بعد أن أثمرت هذه العلاقة جنيناً غير شرعي ، لتكون نتيجة ذلك مقتل الفتاة على يد والدها الصعيدي (صلاح منصور) لمحو هذا العار ــ فاصل موسيقي ــ وينتهي الفيلم بلقطات قوية ومعبرة لعباس البوسطجي وهو يبكي ويقطع الرسائل وينثرها في الهواء ، نتيجة لإحساسه العميق بالذنب لحدوث هذه الفاجعة المأساوية ــ فاصل موسيقي ــ قصة الفيلم مأخوذة عن قصة للأديب يحيى حقي بعنوان "دماء وطين" ، إلا أن السيناريو إستطاع أن يحولها الى فيلم سينمائي متماسك ، به كل مقومات الفيلم الناجح ، وإن الإضافات فيه مدروسة بعناية ، ولا تُشعر المتفرج بالإطالة أو الإفتعال ــ فاصل موسيقي ــ بهذا الفيلم ، إستطاع حسين كمال أن يحقق إستخداماً متقناً للمونتاج بقيادة المونتيرة رشيدة عبدالسلام ، التي عملت معه في أغلب أفلامه فيمابعد . كذلك إستفاد كثيراً من التفاصيل الصغيرة والشخصيات الثانوية ، في إغناء الخط الدرامي الرئيسي وتعميقه . وحقق أيضاً توازناً موفقاً وملحوظاً بين السيطرة على أدواته الفنية والتقنية كمخرج ، وبين المضمون الذي يطرحه الفيلم ــ فاصل موسيقي ــ فمثلاً في بيت البوسطجي ، الذي إستأجره من العمدة ، وكان مهجوراً في السابق .. هذا البيت كان يمثل سجن البوسطجي في القرية . فالبيت واسع جداً ، إلا أن جدرانه متهدمة ، والمكان مشبع بالرطوبة ، مما ساهم في إحساس البوسطجي بالكآبة ، وإنزوائه في ركن من أركان هذا البيت الكبير ــ فاصل موسيقي ــ كما إن الصور الإباحية التي لصقت على الجدران ، ومشهد الغازية ، إضافة الى هذا الجو القذر الذي يعيشه .. كل هذه العناصر تمثل حرمانه الإجتماعي والجنسي ، وتحَوُل هذا الحرمان الى وسيلة خاطئة للإشباع . كذلك مكتب البوسطة ، بتكوينه وشباكه الحديدي ، يمثل سجناً آخراً والبوسطجي سجيناً فيه ــ فاصل موسيقي ــ ثم مشهد المجلات الإباحية في مكتب البوسطة ، والذي أعطى فكرة سيئة لأهالي القرية عن البوسطجي ، وأستغلال هذه الفكرة لتحطيم شخصيته. وبالرغم من رفضهم لما في هذه المجلات ظاهرياً ، إلا أن منيتهم هي ما بداخلها .. هنا إبراز لذلك التناقض في شخصياتهم ــ فاصل موسيقي ــ لقد سافر حسين كمال ، عندما أراد إخراج فيلم (البوسطجي ) ، الى أسيوط وأقام ثلاثة أسابيع هناك ، إضافة الى ذهابه الى قرية النحيلة ، التي تبعد ساعة ونصف عن أسيوط ، يراقب ويتعايش مع جو الفيلم قبل البدء في الإخراج ــ فاصل موسيقي ــ وكان حسين كمال شديد الحرص على إظهار القرية بشكل واقعي صادق ، ومختلف عن الشكل الذي ظهرت فيه فيما سبق من أفلام قدمتها السينما المصرية . كذلك إستطاعت شخصيات الفيلم أن تقنعنا بمصداقيتها وذوبانها في هذا الواقع ، وكانت موازية لكافة العناصر الفنية الأخرى ــ فاصل موسيقي ــ وختاماً .. ليس بوسعنا إلا الإشادة بما قدمه حسين كمال في فيلمه (البوسطجي ) ، الذي إستطاع من خلاله أن يحطم بعض قيود السينما التقليدية وتقديم شكل فني وسينمائي جديد ومغاير ، قد وضعه في مصاف المخرجين المجددين آنذاك ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم الأمريكي ( آني ) ، بطولة ألبرت فيني و كارول بيرنيت . ومن إخراج جون هيوستن . وهو من إنتاج عام 1981 ــ فاصل موسيقي ــ يعتبر فيلم ( آني ) أحد أفلام الناجحة للمخرج الكبير " جون هيوستن " ، وهو مأخوذ عن قصة للكاتب الأمريكي " هارولد غراي " الذي كتبها عام 1924 ، وبالرغم من قدم القصة ، إلا أنها بقيت مجمدة حتى عام 1977 ، حيث قدمت على خشبة المسرح في برودواي ، لتفوز بإثنيتن وعشرين جائزة تقديرية ــ فاصل موسيقي ــ أما فكرة تقديم هذه القصة سينمائياً فلم تتحقق إلا عندما إشتهرت على المسرح ، فقد رصدت شركة كولومبيا مبلغ ثلاثون مليون دولار لإنتاج الفيلم مع حق إخراجه وتوزيعه ــ فاصل موسيقي ــ في البداية كان أمر الحصول على كل مايلزم لإنتاج الفيلم أمراً في منتهى السهولة ، حيث وضع المنتج "راي ستارك" ، الذي إكتشف بربارا سترايسند ، كافة إمكانياته بصفته أحد كبار المسئولين في شركة كولومبيا لتقديم الفيلم بقالب ساخر وكوميدي خفيف ، ليشهد مسيرة جديدة وناجحة لكولومبيا ــ فاصل موسيقي ــ فقد إستطاع "ستارك" أن يجمع نخبة لامعة من الممثلين ، مثل ألبرت فيني في دور المليونير ، وكارول بيرنيت في دور المشرفة على دار الأيتام ، وجيفري هولدن و إدوارد هيرمان وغيرهم . أما المفاجأة فهي إختياره للعجوز "هيوستون" لإخراج الفيلم ، حيث إشتهر هذا المخرج في الخمسينات بإخراجه لأفلام المنوعات ذات الطابع الكوميدي ، فضلاً عن تميز فنه الإخراجي بأساليب متعددة ــ فاصل موسيقي ــ ويعلق هيوسون ، بأن قبوله إخراج فيلم تقليدي يحتوي على منوعات فكاهية ، يجعل كافة إمكانياته الفنية توضع على المحك من جديد ، وإن الفائدة من وراء هذا القبول هو صقل قدراته ومواهبه التي إعتلاها الصدأ منذ زمن بعيد ــ فاصل موسيقي ــ تبقى مسألة إختيار الطفلة التي قامت بدور اليتيمة "آني" ، فقد إستمر البحث عنها لمدة عامين كاملين . فمن بين عشرين ألف صورة وثمانية آلاف طفلة قابلها مديرو الإنتاج ومشاهدة خمسمائة وخمسين طفلة على أشرطة الفيديو ــ فاصل موسيقي ــ إستقر الرأي في النهاية على تسع متقدمات ، كانت بينهن الطفلة "إيلين كوين" من ولاية بنسلفانيا الأمريكية ، تلك الطفلة المغمورة ذات التسع سنوات ، والتي تحولت فيما بعد الى أشهر طفلة في العالم ، حيث أعادت أمجاد الصغيرات في السينما الأمريكية ــ فاصل موسيقي ــ بدأت آني تصوير الفيلم في أبريل 1981 ، وعند الإنتهاء من التصوير في سبتمبر ، كان قد شارك في هذا الفيلم نحو ألفي شخص ، من بينهم 117 راقص وراقصة ، و82 ممثل وممثلة ، وأكثر من ألف كومبارس ، و225 هم فريق التصوير والمكياج ، فضلاً عن 190 عاملاً ساهموا في بناء وتصميم مناظر الفيلم ، وقام نحو 59 رجل شرطة بالحفاظ على سلامة إستمرار التصوير ، وأسهم في عمل الموسيقى التصويرية والأغاني 65 موسيقياً ، و175 موظفاً عملوا في مسرح المنوعات ــ فاصل موسيقي ــ والغرض من ذكر كل هذه الإحصائيات ، هو تعريف القاريء والمتابع للسينما بالإمكانيات الضخمة التي يتطلبها الفيلم الإستعراضي ، حيث إنه من الصعب مطالبة السينما العربية ـ والمصرية بشكل خاص ـ بتقديم فيلم إستعراضي متكامل فنياً ، وهي السينما الفقيرة جداً إنتاجياً قياساً بالسينمات الأخرى في العالم ــ فاصل موسيقي ــ نعود لفيلمنا ( آني ) لنناقشه فنياً .. فمن ناحية الحبكة والبناء الدرامي ، فهو ـ كعادة الأفلام الإستعراضية ـ لايهتم بها كثيراً ، بل يعتمد على العنصر الإســتــعـراضـي أســاســاً ، وبالرغم من ذلك فهو فيلم ممتع ومسلٍّ ، حيث ساهم في ذلك الأداء الجيد للممثلين ، خصوصاً كارول بيرنيت التي أضفت على الفيلم نوعاً من الخفة والحيوية في المشاهد التي ظهرت فيها ــ فاصل موسيقي ــ أما الطفلة إيلين فقد كانت متألقة من خلال الرقصات التعبيرية والموسيقى الغنائية ، أدت إيلين وأطفال الملجأ الأدوار ببراعة ، وهي مشقة كبيرة تحملها المخرج بصبر ، فنجح في إدارة ممثليه من الأطفال في فيلمه هذا ــ فاصل موسيقي ــ أما الديكور ومناظر الفيلم فقد عبرت تماماً عن أجواء الثلاثينات ، حيث نشاهد السيارات القديمة والشوارع الضيقة في الأحياء الفقيرة ، ومظاهر العظمة في شوارع الأغنياء حيث المباني الفخمة والقصور وحدائقها ــ فاصل موسيقي ــ كما ساهمت الإضاءة في إضفاء الأجواء المناسبة للجو القاتم والمعبر عن حياة البؤس في الملجأ ، والجو المبهر لحياة الأغنياء في القصور ، وفيه تعبير واضح عن الفارق بين نمطين من الحياة فوق أرض واحدة . إضافة الى كل هذا ، فلابد من التأكيد على أن نجاح هذا الفيلم كان وراءه مخرج ذو خبرة في السينما ، قام بتقديم خلاصة تجربته وزبدة أفكاره ومواهبه في هذا القالب الإستعراضي ــ فاصل موسيقي ــ ولايفوتنا أن نشير الى أن المخرج جون هيوسون قد سبق وأن حصل على أوسكار أفضل مخرج مرتين ، كما رشح لنفس الجائزة ثلاث عشرة مرة عن عدد من أفلامه ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة الخامسة أعزائنا المستمعين نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (السادة الرجال) ، بطولة محمود عبدالعزيز و معالي زايد ، ومن إخراج رأفت الميهي . وهو من إنتاج عام 1987 ــ فاصل موسيقي ــ ورأفت الميهي مخرج فنان أثيرت حوله ضجة كبيرة على جميع الأصعدة ، من جمهور ورقابة وقضاء .. فمع كل فيلم جديد يقدمه ، هناك عدة مفاجآت يصر مخرجنا هذا على تقديمها للمتفرج ـ بجميع طبقاته ـ تعرّي وتفضح سلبيات هذا المتفرج ومجتمعه ــ فاصل موسيقي ــ وهو كمخرج يمثل حالة خاصة ونادرة في السينما العربية .. فنان يطلق خياله الجميل ويجنح الى كل ما هو غرائبي وفانتازي .. يقدم الكوميديا في أفلامه الأخيرة ، بإعتبارها لا تعتمد في تركيبتها على تفاصيل الواقع بل تعلو على هذا الواقع ، وبالتالي يستطيع أن يقدم رؤية نقدية ساخرة لما يحدث في هذا الواقع ــ فاصل موسيقي ــ إذن نحن أمام فنان يحاول الإفلات من حصار الضحالة والثرثرة التي تتحكم في غالبية الإنتاج السينمائي المصري .. فنان يقدم بإبداعاته إفتراضات لها أساس علمي صحيح ويبني عليها تداعيات ومشاهد تفجر الضحك من الأعماق ، دون إضطراره لإصطناع خفة الدم ، وهو بذلك يقدم أفلاماً كوميدية بدون ممثلين كوميديين ــ فاصل موسيقي ــ إنه حقاً مخرج فنان عاهد نفسه بأن يكون مختلفاً ، ليس رغبة في التميز وإنما لأنه يفكر بشكل مختلف .. لا يقبل إلا الجديد ولا يتحمس إلا للإبتكار ــ فاصل موسيقي ــ أما فيلمه (السادة الرجال) فهو يتناول أبعاد العلاقة بين الرجل والمرأة ، من خلال منظور إجتماعي ونفسي . فنحن أمام زوجين ، أحمد (محمود عبد العزيز) و فوزية (معالي زايد) ، تشتد بينهما الخلافات ويحاول كل منهما أن يستبد برأيه ــ فاصل موسيقي ــ ويقدم الفيلم ، من خلال هذه العلاقة ، فكرته الأساسية ، وهي أن المرأة عندما يستقر قرارها على شيء ، فهي ستحاول تحقيقه ، حتى ولو كلف ذلك حياتها ــ فاصل موسيقي ــ فالـزوجة فوزية إمرأة ناضجة تتميز بالأنوثة والجمال ، متزوجة من صحفي له ثقله وسطوته ، لكنه ينظر إليها نظرته لمجتمع الحريم ، وينهاها على أن تتجاوز حدودها كإمرأة ، ويردد دائماً بأن الرجل هو صاحب الأمر والنهي في الحياة الأسرية وفي المجتمع ككل ــ فاصل موسيقي ــ لذا نرى فوزية تتمرد على هذه الحياة ويصل بها الأمر الى حد الثورة على مجتمع الرجال وعالمهم المضطهد للمرأة ، فتقرر أن تصبح رجلاً ، وتصارح صديقتها وزميلتها في العمل سميرة (هالة فؤاد) بقرارها هذا ، بإعتبارها المقربة الوحيده منها ، وبإعتبارها تعيش معها كل تفاصيل حياتها ، وتدرك مدى تعاستها في حياتها الزوجية ــ فاصل موسيقي ــ تنتهز فوزية فرصة غياب زوجها في إحدى سفرياته الصحفية ، وبالفعل تذهب الى أحد المستشفيات وتجري عملية حراحية تتحول بعدها الى رجل ، كامل الرجولة . وعندها تصبح فوزية هي فوزي ، الشاب الأنيق والوسيم ، ومن ثم تعود الى صديقتها سميرة ، التي تصعقها المفاجأة ــ فاصل موسيقي ــ ويقدم رأفت الميهي طرحه الإجتماعي والفكري من خلال دراما إجتماعية في إطار كوميدي ساخر ، ينتقد فيه صورة وواقع مجتمع الرجال ممن مايزالون مرتبطين بالعلاقات والمفاهيم الإسرية القديمة المتعجرفة ــ فاصل موسيقي ــ وتتتابع الأحداث والمواقف الكوميدية الساخرة ، حيث يعود الزوج من السفر ليجد زوجته رجلاً بل أكثر منه رجولة ، فيحاول أن يثور على هذا الوضع . ولكن لا فائدة الآن ، فعليه أن يعيش في الوضع الجديد هذا ، دون أي إعتراض ، خاصة وأن القانون قد قرر أن يبقى الوضع على ماهو عليه ، ليحيا الإثنان تحت سقف واحد . ويصبح على الزوج المثقف والمتنور أن يتقبل كل شيء تقوم به زوجته السابقة . وبالتالي علي أن يقبلها كرجل يحيا حياته كما ينبغي ، له كلمته وسطوته ، ويبحث عن فتاة يحبها ــ فاصل موسيقي ــ وبالفعل يتقدم فوزي لخطبة سميرة ، التي توافق بدورها على الزواج منه . والمفاجأة هي أن الزوج أحمد أيضاً راح يبحث عن زوجة أخرى ، وهداه التفكير في صديقة زوجته سميرة . وعندما يذهب إليها طارقاً بابها طالباً يدها ، تظهر له سميرة في ثياب النوم ، وبجوارها زوجها الجديد فوزي ، فيكاد يسقط مغشياً عليه ــ فاصل موسيقي ــ في فيلم (السادة الرجال) يقدم الميهي موضوعاً مثيراً من الناحية الإجتماعية ، له أبعاده الفكرية والميتافيزيقية ، ومن خلال حس درامي كوميدي ساخر ، يبرز تناقضات الواقع ، وتلك الهوة العميقة بين الرجل والمرأة ــ فاصل موسيقي ــ ومثل ما سخر الميهي من المساواة بين الرجل والمرأة ، نراه يسخر أيضاً من المرأة التي تتصور بانها تحل مشكلتها كإمرأة عندما تتحول الى رجل ، فحل المشكلة ليس بإلغائها ، حيث نشاهد المتاعب التي واجهها فوزي بعد زواجه من سميرة ، وإكتشافه بأنه يمارس معها نفس ما كان يمارسه الزوج أحمد مع الزوجة فوزية ــ فاصل موسيقي ــ فالمشكلة ليست بين المرأة والرجل ، بل هي مشكلة المجتمع والواقع المحيط بهما . كما تمكن الميهي من تقديم هذا الطرح ، من خلال معالجة سينمائية موفقة وفهم واع ومتميز للواقع الإجتماعي في تناقضاته ، هذا إضافة الى حسه الفني الخلاق بمفردات اللغة السينمائية وإمكانيات توضيفها ــ فاصل موسيقي ــ وهكذا نرى كيف أن الفنان رأفت الميهي ، يتسلل الى أخطاء حياتنا اليومية ساخراً ، ليزرع فينا الإبتسامة ثم الضحكة التي تتفجر من الأعماق .. نضحك معه على أخطائنا وممارساتنا اليومية ، ونفيق بالتالي على الحقيقة ، حتى وإن لم نجرؤ على ممارستها . ويكفي هذا الفنان بأنه جعلنا ننتبه ونفكر ونضحك مما نفعله ، مدركاً بأن اللامنطق والعبث قد أصبح عرف التعامل اليومي في الواقع .. فكيف لا يستخدم أسلوباً أكثر عبثية للوصول الى المتفرج ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري(بيت لقاصرات) ، بطولة محمود عبدالعزيز و سماح أنور ، ومن إخراج أحمد فؤاد ــ فاصل موسيقي ــ كان ذلك في عام 1984 ، عندما فاز فيلم (بيت القاصرات) بالجائزة الأولى في مهرجان الإسكندرية السينمائي ، مناصفة مع فيلم (آخر الرجال المحترمين) . والفيلمان يشتركان في خصوصية هامة واحدة تعد ـ حينها ـ ظاهرة صحية في السينما المصرية ، ألا وهي المعالجة الدرامية السينمائية للنقد الإجتماعي الجريء لبعض القوانين واللوائح الحكومية الجامدة ــ فاصل موسيقي ــ وقد كان فيلم (بيت القاصرات) بالفعل مفاجأة سارة للوسط الفني وللمتفرج على حد سواء . فقد توقعنا من خلال عنوان الفيلم بأننا سنشاهد فيلماً مشابهاً لعشرات الأفلام التي تدور حول الإصلاحيات وما يدور فيها . وهو موضوع سبق للسينما المصرية أن عالجته مراراً وبأشكال تقليدية تغلب عليها الميلودراما الفجة مع نهاية سعيدة فيها الموعظة والإرشاد والتوجيه المباشر . إلا أن فيلم (بيت القاصرات) يخيب توقعاتنا ، وينحرف بالموضوع إنحرافاً إيجابياً خطيراً ، ليصبح وثيقة إتهام مدهشة عوضاً عن أن يكون درساً أخلاقياً ميلودرامياً ــ فاصل موسيقي ــ فنعيمة (سماح أنور) بنت فقيرة تبيع الفول السوداني في محطة الباصات وتربطها علاقة بريئة بسائق التاكسي الشاب أمين (محمود عبد العزيز) . ولكن شبان المحطة يطمعون بنعيمة ويحاولون الإعتداء عليها ، فيقبض عليهم جميعاً من قبل شرطة الآداب ، وتتهم نعيمة بالخطأ ـ طبعاً ـ وهي قاصر في حادث دعارة ، توضع على إثره دار رعاية الفتيات (بيت القاصرات ـ الإصلاحية) ــ فاصل موسيقي ــ وهنا تبدأ محاولات حبيبها أمين ، والذي ينوي بالفعل الزواج منها ، في إخراجها من الإصلاحية ، إلا أنه يصطدم دائماً بالروتين الحكومي الجامد ، ليكشف للمتفرج ذلك التنافر فيما بين الإجراءات القانونية والأشخاص الذين يريدون تنفيذه حرفياً بإسم القانون ــ فاصل موسيقي ــ ولعل الحوار الذي دار بين مديرة الإصلاحية (محسنة توفيق) والمشرف الإجتماعي (أحمد راتب) بعد مشهد الإنفجار النفسي لنعيمة ، لأقوى تعبير عن الرفض الصارخ الذي يؤكده كاتب السيناريو (أحمد عبد الوهاب) لجمود هذه القوانين والسلبية التي يتحلى بها من يقوم بتنفيذها بحذافيرها ــ فاصل موسيقي ــ إن فيلم (بيت القاصرات) يروي قصة البنت الفقيرة التي دافعت عن عذريتها وشرفها وهي في الشارع وفقدتهما عندما دخلت إصلاحية أحداث المنحرفات ... إنها حقاً لمفارقة مؤلمة ، يرجع سببها لتلك القوانين الجامدة وسوء الإدارة العمياء ، هذا إضافة الى جو الإصلاحية الفاسد ــ فاصل موسيقي ــ والفيلم في كثير من الإحيان يأخذ طابع الكوميديا الخفيفة الهادفة ، وذلك عندما قدم السيناريو للمتفرج هذه المأساة الناعمة من خلال إبتسامات وضحكات لا تميت القلب بالطبع ، مع دموع نبيلة تطهر النفوس في وقت واحد . كما وفق كاتب السيناريو أيضاً في تقديم مشاكل القاصرات بشكل معبر وغير مبتذل من خلال نماذج إنسانية بائسة بعضها ضائع وبعضها يائس والبعض الآخر مستسلم ــ فاصل موسيقي ــ كما لا ننسى الإشارة الى أنه إستطاع أيضاً ـ بشكل مقنع وغير مقحم ـ أن يعرض للمتفرج أزمة سيارات الأجرة في مشاهد سريعة تلقائية وخفيفة الظل ، مستغلاً كون بطله سائق أجرة ــ فاصل موسيقي ــ أما المخرج (أحمد فؤاد) فبلا شك من أن هذا الفيلم يشكل تطوراً ملحوظاً في أسلوبه وإتجاهه السينمائي . فبعد العديد من أفلامه الكوميدية التجارية ، والتي بدأها بفيلم (رجب فوق صفيح ساخن) ، يخرج للمتفرج بحلة جديدة وجادة ليناقش موضوعاً إنسانياً ويطلق صرخة جريئة ضد القانون والمجتمع من خلال قصة واقعية جداً ــ فاصل موسيقي ــ فهو في هذا الفيلم لا يساوم ولا يتنازل ولا يبحث عن متعة الجمهور البليد الذي لا يفكر .. إنه هنا يعطي للجزئيات أهمية تعادل الأساسيات من خلال الإحساس بأعماق المواقف وحنان متدفق يجعله يصل الى قلب وعقل المتفرج ــ فاصل موسيقي ــ ولا خلاف على أن الكوميديا فن عظيم ومطلوب ، ولكن في المقابل لا بد أن تحمل فكرة أو قضية تهم المتفرج وتقول له ما يفيده . وتجدر الإشارة هنا الى أن المخرج أحمد فؤاد يملك حساً فكاهياً كبيراً كشخص ، وفهماً أكيداً للكوميديا ، وهي بالنسبة لمخرج الكوميديا خاصية هامة بل وضرورة مهنية مرتبطة بعمله ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه ــ فاصل موسيقي ــ مستوى التمثيل جيد ، بل ممتاز أحياناً . فإذا كان متوقعاً من محمود عبد العزيز أن يؤدي دوره بإتقان (في أول أدواره الكوميدية) ، ومن محسنة توفيق أن تقدم نفس المستوى في الأداء الطبيعي المتقن ، فإن المفاجأة هي سماح أنور التي أدت دورها بثقة وتوازن وبدون أدنى إفتعال ، إستحقت عليه جائزة تقديرية في مهرجان الإسكندرية السابق الذكر ــ فاصل موسيقي ــ كما يبرز لنا في الفيلم عنصرا المونتاج والتصوير بشكل ملحوظ ، فقد أضفى المونتير (عادل منير) إيقاعاً سريعاً على الأحداث لم يسمح للمتفرج بفرصة لإلتقاط أنفاسه . أما التصوير ، فيكفي أن يكون مديره (سعيد شيمي) الذي يقدم أعمالاً كبيرة وهامة مثل (سواق الأتوبيس ـ الحريف ـ المجهول) ــ فاصل موسيقي ــ ففي هذا الفيلم إستطاع شيمي أن يضيف الى رصيده الفني والى الفيلم مستوى عالي من التقنية وسرعة الحركة بكل وسائل التصوير المتاحة ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة السادسة أعزائنا المستمعين نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (سواق الأتوبيس) ، بطولة نور الشريف وميرفت أمين ، ومن إخراج عاطف الطيب . وهو إنتاج عام 1982 ــ فاصل موسيقي ــ يتناول فيلم (سواق الأتوبيس) ذلك التفكك الأسري والتفسخ الأخلاقي إزاء التغير المفاجيء في العلاقات الإجتماعية في عصر الإنفتاح . والفيلم لا يعتبر من أهم أفلام الإنفتاح فحسب ، وإنما يعد علامة بارزة في تاريخ السينما المصرية . ويكفي أنه أختير من بين أهم عشرة أفلام قدمتها السينما المصرية على مدى تاريخها الطويل . هذا إضافة الى حصوله على عدة جوائز ، أهمها جائزة التمثيل الذهبية لنور الشريف في مهرجان نيودلهي السينمائي الدولي ــ فاصل موسيقي ــ يبدأ الفيلم بمشهد إستهلالي ، يظهر فيه سواق الأتوبيس حسن (نور الشريف) ، وهو يتنبه لحادثة سرقة في الأتوبيس ، فيهم بمطاردة اللص ، ولكنه يتوقف لحظة ويتابع السير بلا مبالاة ، تماماً مثل الآخرين ــ فاصل موسيقي ــ كما أن نهاية الفيلم ـ أيضاً ـ تكون بمشهد مشابه لحادثة مشابهه ، إنما موقف حسن يتغير هنا ، ويصبح أكثر جرأة وضراوة ، إذ نراه يقفز من مقعده ليطارد اللص حتى يقبض عليه . وبكل الألم والمرارة والغيظ الذي يعتمل في داخله ، ينهال على اللص باللكمات وهو يلعنه ويلعن الآخرين ، في صيحة غضب مدوية ــ فاصل موسيقي ــ ترى ماذا حدث لحسن من تغيرات ما بين الحادثتين ؟ ففعل السرقة واحد .. هذا ما ستجيب عليه أحداث الفيلم ما بين الحادثتين ــ فاصل موسيقي ــ في فيلم (سواق الأتوبيس) نحن أمام شخصية ندر تناولها في السينما المصرية من قبل . فحسن شاب أنضجته أربع حروب خاضها بالتوالي ، حرب اليمن وحرب 67 ثم حرب الإستنزاف وحرب 73 . وبالتالي فهو شاب عاش أجمل سنوات عمره بين البارود والنار يواجه الخطر في كل لحظة . وبعد عودته الى أهله ، كان عليه أن يخوض حرباً أخرى حياتية ــ فاصل موسيقي ــ إنه الآن متزوج من الفتاة التي أحبها وأحبته (ميرفت أمين) ، بالرغم من معارضة والدتها . وكانا قد تعاونا لتوفير حياة سعيدة مع إبنهما . لكن .. هل إنتهت المعارك بالنسبة لحسن ؟ لا .. فهناك أشرس معركة قدر لحسن أن يخوضها .. إنها معركة أسرية تدور بينه وبين أخواته البنات وأزواجهن . فورشة الأخشاب الخاصة بوالده الحاج سلطان (عماد حمدي) على وشك البيع في المزاد العلني ، فالكل يريد الإصطياد في الماء العكر ، حتى زوجة حسن ــ فاصل موسيقي ــ صحيح بأنه ينجح في تدبير المبلغ المطلوب لمنع البيع ، بعد كفاح مرير مع الجميع وبمساعدة رفاقه في الحرب ، إلا أن ذلك لا يتم إلا بعد فوات الأوان .. أي بعد وفاة الوالد ــ فاصل موسيقي ــ هذا ما حدث بين حادثتي السرقة ، صراع شخصي للمحافظة على القيم الأخلاقية والتقاليد الإجتماعية الأصيلة ، ومحاربة ما أفرزته مرحلة الإنفتاح من قيم إستهلاكية . وهذا ما جعل حسن يتحول الى إنسان إيجابي عندما يرى حادثة السرقة في نهاية الفيلم ، حيث يطارد اللص هذه المرة ، ويصرخ في المتفرج ليقول بأن التفسخ والفساد الإجتماعي الذي يعيشه المجتمع هو نتاج سلبيتنا جميعاً ــ فاصل موسيقي ــ إن المعركة الإجتماعية التي خاضها حسن قد حققت إنتصاراً رئيسياً ، حيث إكتشف حسن فرسان المعسكر الآخر .. معسكر الشرفاء ، أخته المتعلمة وزوجها المثقف ، زميل العمل الكمسري المهذب والإنسان ، وبقية رفاق الحرب ، والذين تفرقوا ، كل منهم في مكان يبحث عن رزقه ــ فاصل موسيقي ــ إنما حين إلتقوا جمعتهم الذكريات ، في مشهد بالغ الرقة والشفافية مشهد يتجمع فيه رفاق السلاح في نزهة خلوية عند سفح الهرم ، وفي ليلة قمرية وصدى أغنية قديمة لعبد الحليم حافظ تتردد من مذياع السيارة حتى تتلاشى تدريجياً ، ليبدأ توزيع جديد لنشيد بلادي في إيقاع حزين ــ فاصل موسيقي ــ إنهم ينتمون لجيل من الشباب أعطى وضحى وعاش لحظات البطولة والإنكسار ، وجمعهم المعدن الأصيل ، الرجولة والشهامة . كما إكتشف حسن في معسكر الشرفاء فارساً قديماً ومقاتلاً عنيداً آخراً ، لم تتح له ظروف الحياة ومتطلباتها منذ زمن أن يختبر معدنه وصلابته .. إنه حسن نفسه ، حيث يتحول من بطل سلبي لامبال في بداية الفيلم الى بطل إيجابي يحارب السلبية المتفشية في المجتمع في نهاية الفيلم ــ فاصل موسيقي ــ إن سر نجاح فيلم (سواق الأتوبيس) هو أنه يحدثنا عن الأشياء العادية التي يتصور البعض بأنها ليست موضوعاً للسينما . ثم أن الفيلم قد تحدث عنها بوعي وبمرارة وصدق وحرارة ، دون الوقوع في المباشرة . لذلك فإننا نظل مشدودين في متابعة الأحداث حتى النهاية ــ فاصل موسيقي ــ وقد لا يختلف إثنان على أننا أمام فيلم ينتقد بقوة ذلك الخراب الذي حل بالإنسان المصري العادي في عصر الإنفتاح ، لكن أليس بغريب من أن كلمة الإنفتاح لم ترد في حوار الفيلم ولو حتى لمرة واحدة . وهذا ـ بالطبع ـ دليل واضح على أن الفيلم قد تحاشى جاهداً تقديم مواعظ وخطب رنانة ومباشرة عن الشرف والأمانة والوطنية ــ فاصل موسيقي ــ وعلى العكس من غالبية الأفلام التي تناولت مرحلة الإنفتاح ، ففيلم (سواق الأتوبيس) لم يبذل المجهود المعتاد في إبتكار أحداث كبيرة أو أشخاص ذوي شأن ، بل صب كل الإهتمام في تأمل التطورات والتغيرات الدقيقة في الأخلاقيات والمشاعر ، وكذلك الروابط العائلية والآثار النفسية المترتبة منها ، وكم هو صعب حقاً الإبداع في هذه المنطقة الوعرة ــ فاصل موسيقي ــ وفي ختام حديثنا عن (سواق الأتوبيس) لابد من الإشارة الى أنه ـ إضافة الى السيناريو المتميز والطليعي ـ فقد توفرت للفيلم كافة الإمكانيات الفنية والتقنية حتى يظهر بهذا المستوى الفني المتميز ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم الغنائي المصري (قمر الليل) ، بطولة ليلى علوي والمغني وليد توفيق ، ومن إخراج اللبناني محمد سلمان . وهو إنتاج عام 1984 ــ فاصل موسيقي ــ يحكي الفيلم عن الفنان الشاب عماد ( وليد توفيق ) الحائر إزاء الضائقة المالية المستمرة والمزمنة ، حيث لا يجد سبيلاً للغناء في مكان محترم ، رغم حلاوة صوته ــ فاصل موسيقي ــ يعيش عماد في بنسيون متواضع ، مقاوماً موجات اليأس وإنتظاراً للفرج .. ولأنه لا يملك إجرة الغرفة التي يسكنها ، تضطر صاحبة البنسيون مدام نجية ( نعيمة الصغير ) الى طرده ، فيهيم على وجهه في الشوارع .. وفجأة يشاهد فتاة جميلة تحاول الإنتحار ، نعرف فيما بعد بأن إسمها نبيلة ( ليلى علوي ) ، فينقذها ويقنعها بالعدول عن الإنتحار ــ فاصل موسيقي ــ ينجح عماد في إثنائها عن عزمها بالإنتحار ، بعد أن تغلَّب في البداية على مقاومتها .. وبدأ يقترب منها حيث إرتاحت إليه ، بعد أن أقنعها بجمال الحياة ، شارحاً لها كيف أنه يحتفظ بإبتسامته بالرغم من أنه يواجه ظروفاً صعبة ومعقدة .. تقتنع نبيلة بمنطقه ، بل وتصحبه معها ليقابل والدها المليونير الذي أراد مجاملته فأخرج مبلغاً من النقود تسبب في إحراج عماد الذي رفض المبلغ وخرج غاضباً .. وكان ذلك الموقف بداية تفكير عميق من نبيلة بعماد ــ فاصل موسيقي ــ يلتقي عماد بصديقه القديم شاكر ( سعيد صالح ) الذي تحول الى النشل كأسهل أسلوب في الكسب ومواجهة نفقات الحياة .. يتعارض إتجاه الإثنان لكنهما يتفقان للبحث عن عمل لعماد في إحدي ملاهي شارع الهرم ، أو الإتفاق مع إحدى شركات التسجيل لتتبناه .. لكنه يواجَه بالرفض من هنا وهناك لأن أغانيه لا تتوافق مع السوق الرائجة حالياً ــ فاصل موسيقي ــ يقتحم الصديقان ، عماد وشاكر ، إحدى الحفلات ليغني فيها عماد ، وفعلاً تتاح له الفرصة ، ويكشف عن موهبة سخية ، ولكن مَنْ يتبناه ؟ وتتوطد أواصر الصداقة بين الضائعين حتى إنهم يحاولان إقتحام حفلة أخرى ، ويتصادف وجود نبيلة فيها ، حيث يحدث لقاء الحب الحتمي ــ فاصل موسيقي ــ وبينما نبيلة غارقة في تذكر طيف عماد ، كان هو يتعرض للعبة خبيثة من نصاب محترف ( أبوبكر عزت ) والمستفيد من أرملة ثرية ( مريم فخرالدين ) والتي تعاني من فقدان إبنها الوحيد الذي خطف في لبنان ، في زيارة عابرة لبيروت .. ونظراً للشبه الشديد بين عماد وبين الإبن المخطوف ، يغتنم هذا النصاب الفرصة ويعرض على عماد أن يقوم بدور الإبن العائد من الخطف ، وبعد مقاومة وإغراءات كثيرة ، يستسلم عماد للفكرة ، التي يبدو إنها قد إنطلت على الأرملة المسكينة ــ فاصل موسيقي ــ المهم إن عماد دخل القصر وعاش فيه وإستمتع بالثراء من ناحية ، ومن ناحية أخرى إستطاع أن يعيد الإبتسامة الى شفاة الأم المنكوبة ، والتي عوضته ما فاته من حنان الأمومة .. بعد ذلك راح يقدم نفسه من جديد لنبيلة . لكن أخلاقيات عماد دفعته للإعتراف أمام حبيبته بالحقيقة ــ فاصل موسيقي ــ وأمام إستنكارها لذلك التصرف ، يضطر للإعتراف للأم التي يتضح بأنها تعرف الحقيقة منذ فترة وإن خطة النصاب هي أن يتزوج منها في المرحلة التالية ، وإبعاد عماد ليرث وحده ثروتها الطائلة .. ويتصاعد الموقف عاطفياً بينهما بعد المصارحة ، ويتعاهدان على الوفاء والإخلاص ، إنما يستكملان خطة النصاب الذي جاء يجهز لإجراءات الزواج ــ فاصل موسيقي ــ هنا يتلقى النصاب الصدمة عندما تخبره الأرملة بفهمها لحقيقة ما نسجه من أكاذيب . وبينما عماد منغمس في حياته الجديدة ، وسط أهل الحيّ الذي كان يعيش فيه ، يفاجأ بحضور الأرملة وبصحبتها محبوبته الفاتنة نبيلة ، لنصل الى النهاية السعيدة ــ فاصل موسيقي ــ بعد إنتهاء تصوير الفيلم ، قال المخرج "محمد سلمان" : ... إن هذا الفيلم سيُكسب وليد توفيق لقب الممثل الغنائي عن جدارة ، لأنه تأقلم مع الكاميرا وتأقلمت معه بعد أن فهم كل أسرارها ، وتعامل معها هذه المرة تماماً كما يتعامل مع الميكروفون ، بمزاج طيب وثقة في النفس ــ فاصل موسيقي ــ أما "وليد توفيق" فقد صرَّح ، بعد عرض الفيلم ، وقال : ... إن الأفلام الإستعراضية ستكون طريقه الى السينما لبعث اللون الغنائي الإستعراضي من جديد بصورة أبهى ــ فاصل موسيقي ــ وللرد على ما قاله كل من "محمد سلمان" و "وليد توفيق" ، والنظر الى فيلمهما بعين نقدية موضوعية وغير متحيزة .. فإننا نسجل هذا التصور النقدي عن الفيلم . فقد إهتم فيلم ( قمر الليل ) بالأغاني والألحان دون سائر عناصر الفيلم الأخرى ، وبالذات عنصر الدراما .. مما جعل الفيلم حائراً بين الغنائي الخالص وبين البناء الدرامي التقليدي ــ فاصل موسيقي ــ إن الفيلم الغنائي أو الإستعراضي ، متى خلَت قصته من عنصر الدراما ، تحول الى مجرد أغاني منفصلة لا تربطها أي رابط ، حتى ولو كانت الأغاني ناجحة وموفقة في التنفيذ ، وهذا بالضبط ما حدث لفيلم ( قمر الليل ) .. فبالرغم من نجاح "وليد توفيق" بعفويته وإنطلاقته وغنائه في لبعض الأغاني ، إلا أن كل ذلك لا يعني مطلقاً نجاح الفيلم ــ فاصل موسيقي ــ ولا يعني أن ( قمر الليل ) هو الفيلم الغنائي البديل ، الذي ينشده المتفرج منذ سنوات طويلة .. منذ إفتقاده بغياب نجومه الكبار ، أمثال : محمد فوزي ، فريد الأطرش ، عبد الليم حافظ ، ليلى مراد ، وغيرهم من نجوم الفيلم الغنائي المصري ــ فاصل موسيقي ــ وإذا جئنا الى فيلم ( قمر الليل ) ، فإن موضوعه ـ كما ذكرنا سابقاً ـ لا يتمتع بالمنطق والموضوعية ، بقدر ما يتمتع بالسذاجة والبلاهة في سرده الدرامي .. فالفيلم يحتاج للمزيد من الإقناع بخصوص الخلفية الإجتماعية لشخصياته ، فهو مثلاً لا يفسر البعد الإجتماعي المنطقي لإندفاع فتاة ثرية وجميلة الى الإنتحار ــ فاصل موسيقي ــ كما يتطلب الأمر إيجاد تبرير منطقي أيضاً لمصادفة التشابه الشديد بين بطل الفيلم "عماد" وبين إبن الأرملة المخطوف ، وضبط الحبكة بإحكام أكثر قوة . والفيلم ، بشكل عام ، مطالب بالمزيد من العمق الفكري ، والذي كان بإمكانه أن ينعكس في معالجة أكثر إقناعاً ، وفي تعبير فني أكثر كثافة ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة السابعة أعزائنا المستمعين نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو (ناصر 56) ، بطولة أحمد زكي وفردوس عبدالحميد ، ومن إخراج محمد فاضل ــ فاصل موسيقي ــ لقد صاحبت فيلم (ناصر 56) حملة إعلانية ضخمة منذ الإعلان عن بدء الإعداد له ، أي قبل عامين تقريباً من عرضه . ثم بعد عرضه الخاص أثار عاصفة صحافية ، حيث كتب عن الفيلم الكثير من المقالات النقدية والتحقيقات الصحفية . أما عرضه الجماهيري الذي بدأ في الثالث من أغسطس 1996، فقد حطم الأرقام القياسية لشباك التذاكر ــ فاصل موسيقي ــ لقد إجتذب الفيلم مليوني متفرج الى دور العرض في الأسابيع الثلاثة الأولى التي تلت العرض الإفتتاحي . وقد بدأ عرض الفيلم ليتزامن مع الذكرى الأربعين للتأميم ، وأعاد بذلك الجدل الطويل بشأن الدور التاريخي للرئيس الراحل ، مابين معارض ومدافع ــ فاصل موسيقي ــ يحكي الفيلم عن قصة الزعيم والقرار الصعب .. عن جمال عبد الناصر وتأميم القناة . ويروي عن مائة يوم في حياة هذا الزعيم منذ جلاء القوات البريطانية الى العدوان الثلاثي ، والتي إتخذ خلالها قرار تأميم قناة السويس في عام 1956 ــ فاصل موسيقي ــ ويتناول الفيلم هذا القرار منذ أن كان مجرد فكرة مستترة أشبه بالبذرة التي ولدت في قلب الزعيم بعد تلك الإهانة الجارحة التي تلقاها من صندوق النقد الدولي ، الذي رفض تمويل مشروع السد العالي بضغط من الحكومة الأمريكية ــ فاصل موسيقي ــ فقد نمت هذه الفكرة رويداً رويداً على شاطيء بريوني اليوغسلافي ، أثناء محادثاته الساخنة مع الزعماء تيتو اليوغسلافي ونهرو الهندي ، ليعود بها الى القاهرة يهدهدها في داخله وتزداد نضجاً حتى تأخذ بمجامع عقله وتفكيره وقلبه ــ فاصل موسيقي ــ لقد نجح كاتب السيناريو بذكاءه وحساسيته في إيصال هذه الأفكار والمعاني العميقة ببساطة وسلاسة ، دلت على ذكاء وموهبة كاتب السيناريو . إن فيلم (ناصر 56) يسجل لنا بشكل سينمائي مدهش ، كيف بدأت هذه الفكرة في قلب وعقل الزعيم ، وكيف نمت وإزدهرت ، وألقت بثمارها مرة واحدة حتى أصبحت كإنفجار رائع هز كل الدنيا ــ فاصل موسيقي ــ والفيلم وراءه كاتب سيناريو كبير إشتهر بكتابة الدراما التاريخية ، بل أنه يعد من أبرز كتابها ، ألا وهو الكاتب محفوظ عبد الرحمن .. وهو كاتب له أسلوبه المتميز في التعامل مع التاريخ وأحداثه ، جاعلاً من هذا التاريخ قصص وحكايات درامية مشوقة ومقبوله لدى جمهور عريض في الوطن العربي . وهذا ما حدث أيضاً في فيلم (ناصر 56) ــ فاصل موسيقي ــ فقد نجح (محفوظ عبد الرحمن) في إختياره للفترة التاريخية التي تدور فيها أحداث الفيلم (فترة تأميم القناة) ، فهي قمة تألق شخصية عبد الناصر ، حيث أجمع كل المصريين على زعامته . فالفيلم ينقل البطل التاريخي في حياة الشعب ليصبح البطل الدرامي على الشاشة ــ فاصل موسيقي ــ ثم أن هذا الفيلم أتاح لشباب الجيل الحالي الذين لم يعاصروا عبد الناصر ، والذين يمثلون 70% من جمهور الفيلم ، أتاح لهم الفرصة للتعرف عليه بسرعة وبسهولة وبأسلوب شيق من خلال ساعتين ونصف على شاشة السينما بدلاً من قراءة الكتب والعودة الى المراجع ــ فاصل موسيقي ــ لذلك كان للفيلم معنى مختلفاً في حياة هذا الجيل ، فالفيلم جاء عن رجل أضاء في تاريخ الأمة ثمانية عشر عاماً بكل مالم تكن تحلم به من عزة وكرامة وشموخ وصدام مع الأقوياء . وبالرغم من أن الفيلم تاريخي يعتمد على وثائق وأحداث حقيقية ، إلا أن كاتب السيناريو قد إستطاع أن يحولها الى دراما شدت الإنتباه وجذبت الأنظار إليها . فقد إحتوى السيناريو على العنصر الإنساني في حياة عبد الناصر ، إضافة الى العنصر الخيالي الذي هو من وضع الكاتب ــ فاصل موسيقي ــ فمثلاً ، التصرفات البسيطة كمواطن عادي في بيته مع زوجته وأولاده ، لهفة أولاده عند عودته من السفر ، ترقب الزوجة أثناء تواجده في مواقع وظروف خطرة ، إلحاح الأولاد عليه في القيام برحلة الى الإسكندرية لقضاء عطلة الصيف ، رفضه إقامة حمام سباحة في منزله بتكلفة أربعة آلاف جنيه بسبب ميزانيته الخاصة التي لا تسمح بذلك ــ فاصل موسيقي ــ جميعها معلومات إستقاها الكاتب من الوثائق والكتب والمذكرات الخاصة لعبد الناصر ومعاصريه . أما العنصر الخيالي الذي أضيف على المعلومات الحقيقية فيمثل تدعيماً للدراما ، ومنها على سبيل المثال : إقتحام موظف سابق بقناة السويس موكب الرئيس يشكو له فصله من قبل هيئة القناة . كذلك إلحاح السيدة العجوز في مقابلته بمكتبه رغم إنشغاله ــ فاصل موسيقي ــ إن كل هذه العناصر الإنسانية والخيالية السالفة الذكر مع الكثير من التفاصيل التي أحاطت بالشخصيات ، قد حولت المعلومات الوثائقية الى حدوتة درامية مشوقة نجحت في شد الإنتباه . ولظهور سيناريو جميل وقوي كهذا الى النور ، كان لابد من وجود مخرج متميز ومتمكن يصل بالفيلم الى بر الأمان ــ فاصل موسيقي ــ وبالفعل كان هذا المخرج هو الفنان الكبير (محمد فاضل) . فقد بذل محمد فاضل مجهوداً كبيراً للغوص في أعماق شخصيات الفيلم ، ونجح الى حد كبير في أن يستخرج منها تعبيرات أخلاقية ، بدت ملامحها واضحة على الوجوه ، ولم تكن بحاجة لأي جهد من المتفرج لفهمها ، لذلك تأثر وإنفعل بها كما أراد صناع الفيلم ــ فاصل موسيقي ــ كما أن إعتماد المخرج على الواقعية في الديكور والماكياج ، جعل الفيلم يبدو مطابقاً لما كان عليه الزمن في الخمسينات . هذا إضافة الى أن المخرج قد إختار تصوير الفيلم بالأبيض والأسود رغبة منه في الحفاظ على الإنسجام في متن الفيلم ودمج اللقطات المأخوذة من الأفلام الوثائقية دمجاً عضوياً بباقي المشاهد ــ فاصل موسيقي ــ كما أنه نجح في تحويل الساعات الطويلة التي سبقت إتخاذ القرار الفاصل الى لحظات مليئة بالتوقع والترقب عبر تقديم عرض دقيق لردود الفعل وتصاعد الموقف حتى لحظة الحسم ، رغم أنها تدور بمعضمها في مكان واحد ، هو مكتب الرئيس ــ فاصل موسيقي ــ ولا يمكننا إلا أن نشير الى أن أجمل ما في الفيلم هو إبتعاده الكامل عن المباشرة في الطرح والصراخ السياسي ، هذا بالرغم من أن الموضوع يتحمل مثل ذلك . فقد إختار المخرج محمد فاضل لهذا الفيلم أسلوباً يجمع بين الواقعية التسجيلية وبين الرؤية الشعرية المغلفة بكثير من الشجن الذي تبعثه الذكرى . ويشدد من قيمته هذه ذلك الإحباط السياسي اليومي الذي تعيشه الأمة العربية هذه الأيام ــ فاصل موسيقي ــ وبشكل عام فإن سيناريو محفوظ عبد الرحمن ، الكاتب العاشق للتاريخ والأمين عليه في نفس الوقت ، وأسلوب المخرج المبدع محمد فاضل .. تضافرا معاً ليحققا ذلك التزاوج بين الدراما والتوثيق ، ويرسما التفاصيل بدقة ، ويقدما عبد الناصر كما كان عليه عام 56 ، ليرتقي التعبير الفني دون أن تتلاشى الحقيقة الواقعة ــ فاصل موسيقي ــ وقد إستطاع أحمد زكي أن يقدم لنا عبد الناصر على الشاشة بكل قدرات الفنان المتألق في المحاكاة ومعايشة الشخصية عن ظهر قلب لدرجة أن الأداء جاء ممزوجاً بروح عبد الناصر . فعبقرية الأداء عند أحمد زكي ليس لها حدود ، خاصة عندما يلتقي بشخصية درامية لها أهميتها كشخصية عبد الناصر ــ فاصل موسيقي ــ عندها تنطق عيناه بذكاء حاد ، وترسم ملامح وجهه التحدي والصرامة وقوة الشخصية ، ويجسد أسلوبه عن طريق حركة الجسم الى الأمام والى الخلف وهو يخطب ، أو وهو يقوم من مقعده مقدماً كتفه اليمنى أولاً ، أو وهو برفع عينيه الى أعلى جالساً نحو من يقف أمامه بنظرات ثاقبة . ثم كيف يغوص في روح عبد الناصر أثناء الأداء ــ فاصل موسيقي ــ إن أحمد زكي في هذا الدور نجح في إلتقاط خيوط الشخصية ودراستها جيداً في معظم جوانبها .. ورغم ذلك فهو لم يقلد الشخصية ليبدو كنسخة مكررة ، لأنه لو فعل ذلك فسيبدو كالمنولوجست الذي يقلد فيظهر ساخراً مثيراً للضحك ــ فاصل موسيقي ــ إلا أن أحمد زكي عرف عن الشخصية كل شيء .. أبعادها الثلاثة الجسمانية والإجتماعية والنفسية ، ثم إبتعد عن عبد الناصر بعد أن تقمص شخصيته وراح يؤديها بطبيعة بالغة . مما ترك إنطباعاً طيباً لدى النقاد والمشاهدين في نجاح أحمد زكي بتجسيده لشخصية عبد الناصر وهو يحاول التغلب على الشكوك التي دارت حول قدرة مصر على تأميم القناة وإدارتها بنفس كفاءة الفرنسيين والبريطانيين ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (زمن حاتم زهران) ، بطولة نور الشريف وصلاح السعدني ومشيرة إسماعيل ، ومن إخراج محمد النجار . وهو من إنتاج عام 1986 ــ فاصل موسيقي ــ وفيلم (زمن حاتم زهران) من انتاج وبطولة الفنان نور الشريف ، في سادس تجربة انتاجية له ، بعد افلام : دائرة الانتقام ـ 1976 ، قطة على نار ـ 1977 ، ضربة شمس ـ 1978 ، حبيبي دائماً ـ 1979 ، آخر الرجال المحترمين ـ 1984 ــ فاصل موسيقي ــ وتعتبر تجربة الفنان المنتج لدى نور الشريف خطوة جريئة لتقديم سينما نظيفة وجادة . فهو في تجربة فيلم (زمن حاتم زهران) يقدم مخرجاً جديداً هو محمد النجار ، ايماناً منه بضرورة اعطاء الفرصة للجيل الجديد ، حيث قدم من قبل المخرجين سمير سيف و محمد خان ــ فاصل موسيقي ــ موضوع فيلمنا (زمن حاتم زهران) ليس جديداً ، فهو يندرج ضمن موجة الافلام الكثيرة التي تناولت مرحلة الانفتاح الاقتصادي في المجتمع المصري . إلا ان الجديد يكمن في المعالجة الدرامية الجيدة ، وفي رسم الشخصية المحورية ، الا وهي شخصية الرأسمالي الانفتاحي حاتم زهران (نور الشريف) ، الواعي تماماً لاصول اللعبة والكسب المادي السريع في هذا الزمن ــ فاصل موسيقي ــ فنحن نراه يواجه كل ما يعترض طريقه بقوة وحكمة واعصاب باردة تنم عن ثقة زائدة بالنفس .. كما يساعد في نجاح هذه الشخصية ذلك الحوار العميق والمتدفق ، هذا إضافة الى الاداء الجيد لنور الشريف ــ فاصل موسيقي ــ من الواضح جداً ان الفيلم اراد إدانة عصر الانفتاح ورموزه المتمثلة في طبقة الرأسمالية المتطفلة . إلا أن السيناريو قد أخفق في ذلك ، ووقع في خطأ أثر تأثيراً سلبياً على المضمون . فالمفترض ـ لادانة عصر الانفتاح ورموزه ـ تقديم نموذج لرجل الانفتاح الاستهلاكي ، الذي يضع في اعتباره الربح والمكسب المادي السريع فقط ، حتى ولو أدى ذلك الى نهب خيرات الوطن ، والمساهمة في تخلف المجتمع وإبراز قيم جديدة متخلفة ولا إنسانية مترتبة على ذلك ــ فاصل موسيقي ــ وبدلاً من كل ذلك ، فقد شاهدنا نموذجاً للرأسمالي المصري القادم من امريكا والحاصل على الدكتوراة في الادارة ، والذي يسعى جاهداً لتنفيذ مشروع إنشاء مصنع لانتاج مستحضرات التجميل . صحيح انه مشروع خاص ، إلا انه في نفس الوقت يساهم في مشاريع التنمية المحلية ، بل ويؤكد على مبدأ تكريس الانتاج المحلي وقيمته ، وهذا في حد ذاته لا يدين صاحبه بل يساند موقفه ــ فاصل موسيقي ــ وبالتالي فان الفيلم لم يستطع ان يدين حاتم زهران الرأسمالي و وإنما ادان ممارساته الشخصية تجاه اخيه والآخرين . وبذلك لم يستطع ان يقنع المتفرج او يطلب منه ان يكره حاتم زهران الانفتاحي . فالمتفرج بعكس ذلك قد اعجب بهذه الشخصية المتطلعة والناجحة والذكية ، بغض النظر عن تصرفاتها الاجتماعية الشخصية ــ فاصل موسيقي ــ وبعيداً عن كون الفيلم يدين او لا يدين عصر الانفتاح ، نجد انه قدم شخصية قوية مدروسة ومرسومة بعناية فائقة ، الامر الذي ادى لملاحظة ذلك القصور الواضح في رسم بقية الشخصيات ، كشخصية الصديق المحارب (صلاح السعدني) الذي يظهره الفيلم كبطل إيجابي في مقابل شخصية حاتم زهران ، وذلك لاكتساب تعاطف المتفرج معها ــ فاصل موسيقي ــ الا اننا نراه يتحول الى شخصية ضعيفة وسلبية ، تتحدث بلغة إنشائية مباشرة في الدفاع عما تؤمن به من مباديء وقيم . كذلك الشخصيات الاخرى ، نراها مثالية تردد كلاماً مباشراً عن القيم والاخلاق والوطنية ــ فاصل موسيقي ــ اما المخرج الشاب محمد النجار فقد استطاع ان يسيطر على ادواته الفنية والتقنية ، وإعطاء الفيلم ايقاعاً تصاعدياً سريعاً قد أضفى على الفيلم نوعاً من الاثارة والتشويق ــ فاصل موسيقي ــ كما وفق في الانتقال من مشهد الى آخر دون افتعال . ساعده في ذلك المونتاج الجيد ، إضافة الى التصرير الموفق في استخدامه للاضاءة وإختياره لكادرات وزوايا تصوير قوية ومعبرة . اما الموسيقى التصويرية فلم تكن في المستوى المتوقع من فنان مثل كمال بكير . واخيراً ، فان فيلم (زمن حاتم زهران) كان مشروعاً ناجحاً لمخرج جديد ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة الثامنة أعزائنا المستمعين نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) عزيزنا المستمع .. فيلمنا لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري الشهير (الكيت كات) ، بطولة محمود عبدالعزيز و عايدة رياض وشريف منير ، ومن إخراج المبدع داود عبدالسيد . وهو من إنتاج عام 1992 ــ فاصل موسيقي ــ عوالم الكيت كات .. بين أصلان وعبد السيد ### (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ إن فيلم (الكيت كات) يعد نموذجاً جيداً بل ومتميزاً في مجال كانت السينما المصرية تعاني منه ، ألا وهو ترجمة العمل الأدبي الى رؤية سينمائية . فقد كان تطويع البعد الروائي الأدبي لصالح المشهد السينمائي مرتبكاً دائماً . فالكاميرا في سعيها لتحقيق وتجسيد الرواية الأدبية سينمائياً وترجمتها حرفياً ، تجعل السينمائي ينسى شروط أدواته التعبيرية وإمكانياتها الموضوعية ، وبالتالي يحاول ليّ عنق الكاميرا لصالح المشهد الأدبي ، وذلك على حساب المشهد السينمائي ــ فاصل موسيقي ــ وقد ينجح السينمائي أحياناً في نقل وترجمة الرواية ، إلا أنه يخفق كثيراً بسبب الشرط الموضوعي لحجم إتساع المشهد الذي تمتلكه السينما . وبالتالي فقدان اللغة السينمائية أو إرتباكها ، مما يجعل الفيلم يتخبط كثيراً في لهاثه وراء العمل الأدبي. أما فيلم (الكيت كات) ، فقد كتبه داود عبد السيد ـ إضافة الى الإخراج ـ من وحي رواية "مالك الحزين" للروائي إبراهيم أصلان . وإستطاع أن يصنع فيلماً متميزاً عن عمل أدبي متميز ، دون تفريغه من محتواه . كما نجح عبد السيد في أن يتمثل الرواية ويعيد صياغتها ، بعد أن أعطى لنفسه الحق ـ كفنان صاحب رؤية ـ في التعديل والحذف والإضافة والتغيير والدمج ، وإقامة بناء متواز تخلص فيه مما تصور أنه يشكل عبئاً على بناء الفيلم . فالرواية تحتوي على أكثر من أربعين شخصية ، ومجمل أحداثها تدور في أقل من أربعاً وعشرين ساعة . وليس من السهل ـ طبعاً ـ نقل كل هذا في فيلم واحد . لذلك إنتقى عبد السيد بعضاً من الشخصيات وقدم من خلالها موضوعاً مختلفاً عن موضوع الرواية الرئيسي ــ فاصل موسيقي ــ لقد جعل عبدالسيد من الشيخ حسني وإبنه يوسف شخصيتان محوريتان تدور في فلكها بقية الشخصيات ، وصاغ من تلك العلاقة التي تجمعهما رؤية لعالم الكيت كات (الحي الشعبي) . بينما لا توجد شخصيات رئيسية أو حدث رئيسي في الرواية ، إنما هي مجموعة من الأحداث والتفاصيل التي تنتظم في منظومة أو نسق واحد يحتل رؤية الروائي نفسها ، ومن بين صفحات الرواية تخرج شخصيات الفيلم وأحداثه ، وهي بالتالي تنتمي الى الرواية بقدر إبتعادها عنها . فالفيلم والرواية يتعرضان لعالم "الكيت كات" ولشخوصه وشكل الحياة اليومية الممتدة منذ عمق التاريخ للمكان الذي يتعرض للبيع والتفكك في نسق القيم الإجتماعية المتجسدة في الممارسات والسلوك اليومي ، من قبل فرسان الإنفتاح الجدد ، والخارجين ـ بالطبع ـ عن هذا النسق ــ فاصل موسيقي ــ فلسفة الشيخ حسني ### (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ وبعيداً عن تلك الأنماط المكررة في الأفلام المصرية ، ينتقي عبد السيد شخصية الشيخ حسني الحيوية ، والتي ملأت رواية "مالك الحزين" مرحاً وصخباً وحياة ، ليعيد صياغتها وترتيب علاقاتها وتوسيع مساحتها ، لتصبح بذلك هي الشخصية المحورية في الفيلم . فالشيخ حسني (محمود عبد العزيز) مدرس موسيقى سابق ، فاقد للبصر لكنه يمتلك بصيرة شيطانية وإصراراً عنيداً على تحدي هذه العاهة ورفض عجزه هذا . متيقناً بأنه يرى أفضل من المبصرين .. إنه يسير بدون عصا ويستخدم كل حواسه ـ حتى أطراف أصابعه ـ ليتحسس الطريق ويتششم البشر . وتسيطر عليه رغبة محمومة في ركوب دراجة بخارية ، بل أنه لا يتردد في تحقيق هذه الرغبة ــ فاصل موسيقي ــ نتعرف على الشيخ حسني منذ أول مشهد ، وهو في إحدى جلسات الإنبساط . نسمعه ثم نراه يغني بصوت جهوري وسط صحبة الليل والحشيش ، محتضناً عوده ، يحاول بصوته المدوي أن يعبر عن وحدته الداخلية ، حيث يجد من يسمعه وسط تلك الصحبة. ويتحلى الشيخ حسني ـ أيضاً ـ بخيال جامح وخصب ، وذكاء فطري حاد ، حيث نراه ـ فيما بعد ـ يوهم "الشيخ عبيد" الأعمى بأنه مبصر ويصر أن يقوده في الشوارع ، بل ويحذره من الحُفَر أيضاً ، لدرجة أنه يذهب به الى السينما ويبدأ في سرد حكاية فيلم من خياله ، كما يقنعه بأنهما في عرض النيل في زورق ، بينما الحقيقة بأنهما لم يغادرا الشاطىء . ويغريه بالنساء ويثير غريزته عندما يصفهن له بكلمات الغزل ــ فاصل موسيقي ــ وعشرات التفاصيل صاغها عبد السيد بذكاء شديد ووعي بطبيعة الشخصية ، وجسدها بإقتدار الفنان محمود عبد العزيز . حيث يصل هذا الفنان بالشخصية وتصل به الى أعلى وأفضل مستويات الأداء التمثيلي ، فهو عندما يرتدي الجلباب ويلغي التعبير بعينيه يصبح لزاماً عليه البحث عن وسائل أخرى للتعبير ، فنراه يطوِّع حركة يديه ورجليه وطريقة سيره ، كما يعتمد على تلوين صوته للتعبير عن إنفعالاته الداخلية. إنه يتحرك في ثقة وحذر شديدين ، يصيخ السمع وتتحول شعيرات جسده بالكامل قرون إستشعار . إنها حقاً شخصية متميزة ، جسدها هذا الفنان المبدع بتميز ، وتمثل دور عمره على أقل تعبير. ثم أن نجاح هذه الشخصية بهذا الشكل المذهل ليس سببه ذلك الأداء المتميز فحسب ، وإنما هناك عناصر فنية أخرى ساهمت في ذلك النجاح . حيث أنه من الواضح بأن عبد السيد ومدير تصويره الموهوب قد إختارا أفضل الزوايا المدروسة بعناية فائقة والملائمة للتصوير ، وذلك لكي تتناسب والمواقف التي يؤديها الممثل . ففي المنلوجات الداخلية مثلاً تصور الكاميرا وجه محمود عبد العزيز منفرداً في لقطات قريبة ، حتى يبدو على خلفية السماء البالغة الإتساع ، كما لو أنه في جزيرة معزولة عن الجميع . كما أن الكاميرا تصوره في العديد من المشاهد من أسفل فيظهر أطول قامة من البيوت . هذا إضافة الى التركيز بلقطات قريبة وكبيرة على أصابع يديه المرهفة وقدميه وهو يتحسس جدران البيوت خارج شقته ، أما عندما يكون في داخل الشقة فنراه يتحرك بحرية وسهولة مطلقة ، ذلك لأنه يعرف الشقة ويألفها تماماً ــ فاصل موسيقي ــ يوسف والإحساس بالعجز ### (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ وعلى العكس من شخصية الشيخ حسني ، تأتي شخصية إبنه يوسف (منير شريف) المصاب بالإحباط والإحساس بالعجز . فيوسف شاب عاطل يبحث عن عمل وأمله كبير في الخروج من أزمته هذه ، والتي تكاد تخنقه ، بالسفر للخارج هرباً من واقع محبط . ثم علاقته المجهضة مع فاطمة (عايدة رياض) وعجزه عن التواصل معها جسدياً . نراه في البداية يفشل في علاقته هذه لأنه مشدود الى عالم بعيد غير محدد الرؤى ، ولا تتحقق علاقته بها إلا عندما يدرك بأنه جزء من هذا الواقع ويبدأ في صياغة علاقته بهذا الواقع . ثم أن إستيعابه لشخصية أبيه بكل تناقضاتها وهو يراه مصراً على تجاوز عجزه مدفوعاً بحبه للحياة ، جعله يستوعب الدرس من أبيه . وقد برز ذلك من خلال المشهدين الأخيرين من الفيلم ، حينما يغني معه ثم يصحبه في نزهة على الدراجة ليشاركه ويساعده على تحقيق رغبته الأبدية ، في شكل من التوحد بين الأب وإبنه ولحظة إنطلاق جديدة لهما ــ فاصل موسيقي ــ نساء عبد السيد .. ضياع أقرب الى الخيانة ### (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ بالإضافة الى تلكما الشخصيتين المحوريتين ، هناك شخصيات أخرى ثانوية في هذا الفيلم ، تعاني بدورها من الضياع والعجز ، وخصوصاً النساء اللاتي نراهن ضائعات خائنات ، وإن كان عبد السيد يلتمس لهن الأعذار والدوافع ولا يحكم عليهن أحكاماً أخلاقية . ففاطمة التي تحب يوسف بجنون ، كانت متزوجة من أحد الأثرياء العرب إلا أنه سافر الى بلده وإنقطعت أخباره بمجرد سفره ، فأصبحت من بعده مهجورة وهي لا تزال في ريعان شبابها ، تتمنى ولو لحظة ود من يوسف . كذلك روايح وزوجها سليمان الصائغ ، تفتح بابها للرجال ، وتصل ذروة الخيانة والمأساة بهروبها ، ليتضح ذلك الواقع النفسي المشوه الذي يعيشه الزوج سليمان .. الزوج غير القادر على الحوار مع زوجته والتعامل معها كزوج عليه واجبات كما له حقوق ، فنراه يلقي بنفسه الى الخمرة عله ينسى أو تحل عقدة لسانه . أما عواطف الأرملة (أم روايح) فهي لا تأبه لهروب إبنتها ، وتتمنى الخلاص من إبنتيها الأخريتين ، ولا تتورع عن الإستجابة لمداعبات الشيخ حسني ، بل وتعده بلقاء في اليوم التالي . إضافة الى فتحية ، زوجة الأسطى حسن العليل ، التي تخونه مع المعلم هرم ــ فاصل موسيقي ــ شخصيات هامشية ### (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ شخصيات فيلم (الكيت كات) إجمالاً من المنسيين ، يعيشون على هامش المجتمع ، وبالرغم من البعد اللاأخلاقي في سلوك شخصياته ، ينظر عبد السيد إليهم برحمة وحنو وتفهم لحاجات النفس والجسد . فهناك المعلم هرم الذي بالرغم من إتجاره بالحشيش وبالرغم من خيانته لصديقه الأسطى حسن ، إلا أن هناك جوانب أخرى مضيئة في شخصيته . فهو مثلاً يرفض العمل كمرشد للشرطة ، ويدبر الألف جنيه التي طلبها منه الشيخ حسني . إنه إنسان محبط هو الآخر تتعقبه الشرطة ومطارد لا يملك لحظة أمن ، يختلس الحياة ويسعى لأمان مفتقد . أما شخصية المعلم عطية صاحب القهوة ، فهو مغلوب على أمره رغم أنه قد حاول إستجماع شجاعته للتصدي للمعلم صبحي الإنفتاحي ، إلا أنه يجد نفسه أعزل وعاجز عن مواجهته ومواجهة رجاله الذين أسالوا الدم من فخذه تحذيراً وإرهاباً ــ فاصل موسيقي ــ هؤلاء هم شخصيات (الكيت كات) ، شخصيات واقعية صاغها عبد السيد بحذر وصدق أخاذ . راصداً في رهافة ودون مباشرة متغيرات الواقع وتأثيراتها على تلك الشخصيات وعلى تطور علاقاتها ، وذلك من خلال نماذج شديدة الإنسانية ، إنتقاها من أرض الواقع . إن (الكيت كات) فيلم يتجاوز الحكاية التقليدية ، بل إنه لا يهتم بعناصر الحكاية بقدر ما يعرض لحالات ونماذج بشرية لا تعيش الفراغ ولكنها تجد نفسها في واقع أليم ضيق وخانق ــ فاصل موسيقي ــ بطولة المكان ### (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ نصل الآن للحديث عن المكان في فيلم (الكيت كات) ، والذي يعد لوحده شخصية محركة وفاعلة ، وليس فقط مجرد خلفية جامدة للأحداث والشخصيات ، فالمكان يكتسب أهمية كبيرة في فيلم عبد السيد هذا . إن "الكيت كات" كفيلم أو "مالك الحزين" كرواية يعدان بمثابة سيمفونية بصرية عن المكان وعن البشر داخل هذا المكان ، داخل تلك الحواري الضيقة التي تحاصر الحركة وتطبق على الأنفاس ، وبالتالي يكتسب الديكور أهمية كبيرة أيضاً . ولم يكن إعتباطاً عندما أهدى عبد السيد فيلمه هذا لصديقه الفنان إنسي أبو سيف . فقد نجح فنان الديكور أبو سيف في إبداع هندسة المناظر وبناء ديكور يصل الى أعلى درجات الإيهام بالتماثل مع الواقع ، وذلك من خلال وعي كامل وإدراك حقيقي لطبيعة المكان ــ فاصل موسيقي ــ لقد كانت لمسات أبو سيف واضحة بالذات في شقة الشيخ حسني وشقة فاطمة حيث كان الديكور يجسد بشكل ملحوظ ما يسمى بالوظيفة الدرامية للديكور والإكسسوار ، فالجدران تحاصر ساكنيها وتدفعهم الى الهرب والفكاك منها . كذلك الحجرة الفقيرة المهجورة التي يلتقي فيها يوسف وفاطمة . فقد عبرت هذه الحجرة ، بقطع الأثاث المهشم الذي يعلوه التراب ، عبرت بشكل بليغ عن تلك الفوضى وذلك العجز الجنسي والوضع النفسي المحبط الذي يتملك يوسف ، خصوصاً عندما تصورهما الكاميرا من أعلى بين ركام الأثاث المهمل في لقطة ذكية ومعبرة لتبدو الحجرة الضيقة كما لو أنها واسعة عليهما وذلك من تأثير الحالة النفسية المتفائلة . ومن الطبيعي تحت ظل ديكور كهذا أن يكون مدير التصوير الفنان محسن أحمد قد إستفاد كثيراً من تلك المناظر وديكوراتها ، بل وساعدته ـ أيضاً ـ على تجسيد الحالات النفسية للشخصيات عن طريق توزيع الإضاءة وإستخدام زوايا للتصوير ساهمت في نقل مشاعر وأحاسيس شخصياته الى المتفرج ، وبالتالي ليس من الغريب أننا إستمتعنا بكادرات جمالية معبرة وقوية ، إرتقت بمستوى الفيلم الفني والدرامي ــ فاصل موسيقي ــ الكيت كات .. ونجاح جماهيري منقطع النظير ### (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ لقد حظي فيلم (الكيت كات) بإهتمام نقدي وجماهيري فاق كل تصور ، حيث إستمر عرضه الجماهيري أكثر من عشرين أسبوعاً . هذا بالإضافة الى الإحتفاء والتقدير النقدي في الصحافة والمهرجانات . حيث إشترك الفيلم في عدة مهرجانات محلية ودولية ، وحصل على الكثير من الجوائز. ولم يأتي هذا الإحتفاء ، وبهذا الشكل المذهل ، إلا لأن الفيلم يستحق كل هذا فعلاً . فقد تضافرت جميع العناصر والطاقات الفنية في الفيلم من تمثيل و تصوير و مونتاج و ديكور و موسيقى ، تحت قيادة مايسترو ماهر وسينمائي فنان ، إستطاع حقاً ، من خلال ثلاثة أفلام فقط ، أن يقف في مقدمة الصفوف مع كبار المخرجين المصريين . إننا ، مع المخرج المبدع داود عبد السيد ، أمام حالة فنية خاصة في السينما المصرية ــ فاصل موسيقي ــ الكيت كات .. مهرجانات وجوائز ### (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ في مهرجان الإسكندرية حصل على الجائزة الفصية وعلى جوائز أفضل ممثل وسيناريو وتصوير وديكور . وفي مهرجان دمشق الدولي حصل على جائزة السيف الذهبي مناصفة مع فيلم كوبي وجائزة أفضل ممثل . أما مهرجان جمعية الفيلم فقد منحه ثمان جوائز وهي : أفضل فيلم ، أفضل إخراج ، أفضل سيناريو ، أفضل ممثل ، أفضل مونتاج ، أفضل موسيقى ، أفضل ديكور ، أفضل ملصق إعلاني . وجائزة أفضل ممثل من جمعية فن السينما . وأفضل فيلم من جمعية نقاد السينما . وفي المهرجان القومي للسينما ، فقد حصل على الجائزة الذهبية ، وجوائز أفضل سيناريو ، أفضل وممثل ، أفضل وديكور . ومنحته لجنة النقاد في المهرجان القومي الجائزة الذهبية ، وجائزة أفضل إخراج ، أفضل سيناريو ، أفضل ممثل ، أفضل ديكور ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة التاسعة أعزائنا المستمعين نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (يادنيا ياغرامي) ، بطولة ليلى علوي وإلهام شاهين وهالة صدقي ، ومن إخراج مجدي أحمد علي . وهو من إنتاج عام 1995 ــ فاصل موسيقي ــ لقد شهد موسم 1995 السينمائي حدثاً مهماً على صعيد الإخراج ، وهو ميلاد مخرج جديد وجاد . وذلك عندما قدم فيلمه الأول (يادنيا ياغرامي) ، الذي أذهل به الجميع ، وحصد الجوائز الكثيرة والتقدير النقدي والجماهيري الكبير وميلاد مخرج جديد في السينما المصرية ، ليس حدثاً عادياً كما يعتقد البعض ، خصوصاً إذا كان هذا القادم الجديد على السينما المصرية يملك رؤية سينمائية جادة ومتميزة ، يبعث بها روحاً جديدة لهذه السينما العجوز ــ فاصل موسيقي ــ كتب سيناريو فيلم (يادنيا .. ياغرامي) الكاتب محمد حلمي هلال ، ومن إنتاج فنان قدير هو رأفت الميهي ، الذي قال : ... لم أكن مغامراً بإنتاج هذا الفيلم ، زغم أنني إستدنت تكاليف إنتاجه من البنوك .. لقد وضعت ثقتي كاملة في المخرج وأعطيته الفرصة للإجادة والظهور أما المخرج مجدي محمد علي فهو فنان طموح ، تخرج من المعهد العالي للسينما ، وعمل بعدها كمساعد مخرج لأكثر من عشر سنوات . وبالطبع إستفاد هذا الفنان الشاب كثيراً من خبرة كل مخرج عمل معه ، حتى كون شخصيته المتميزة كمخرج .. شخصية قادرة على الخلق والإبداع . حيث قدم في باكورة أعماله الروائية فيلماً جديراً بالمشاهدة والثناء قادراً على الإقناع ، وذلك نتيجة إختياره الموفق للسيناريو المذهل الذي حرص على تقديمه ــ فاصل موسيقي ــ الفرحة ، هو أول شعور ينتابنا بعد مشاهدة فيلم (يادنيا ياغرامي) .. وبالطبع لم يأتي هذا الشعور من لاشيء ، فقد كان الفيلم بارعاً وصادقاً لدرجة إنتزاع كل الإعجاب . فالصدق الفني والإجتماعي هما أبرز ما قدمه الفيلم ، حيث قدم شخصياته صادقة إنتقاها بعناية من الأحياء الفقيرة وصاغها في قالب درامي منطقي مدروس ، بل ونجح في الدخول الى تفاصيل الحياة اليومية البسيطة لهذه الشخصيات . هذا إضافة الى ذلك النسيج الدرامي الأخاذ في وصف الحياة البسيطة بالرغم من إحباطات الحياة الكثيرة ، وذلك الأسلوب الشاعري الذي يتخذ من الواقعية إساساً له ، في الإمساك بالروح المصرية والتعبير عنها من خلال ثلاث شخصيات رئيسية ــ فاصل موسيقي ــ ففي فيلم (يادينا ياغرامي) نحن أمام ثلاث فتيات عاملات تجاوزن سن الزواج الإعتيادي . هذا بالرغم من تحليهن بقدر من الجمال المعقول وخفة الدم . ومع تواضع المطلب وبساطته في تحقيق الطموحات والأحلام ، لم تستطع أي منهن أن تحقق حلمها البسيط المتمثل في الحب والزواج والحياة الآمنة مع إبن الحلال . الشخصية الأولى هي فاطمة (ليلى علوي) التي أحبت إبن خالتها الميكانيكي يوسف (هشام سليم) وتمت خطوبتها منذ أربع سنوات ، دون أن يتمكن هو من الوفاء بالتزاماته التقليدية الضرورية والمتمثلة في الشبكة والمهر . لذلك يتجه للسرقة والنصب حتى على أصدقائه على أمل الإقتران بفتاة أحلامه ، لذلك يدفع الثمن غالياً عندما يودع السجن لمدة ثلاث سنوات ، ليفقد كل شيء إلا حبه لفاطمة ــ فاصل موسيقي ــ والشخصية الثانية سكينة (إلهام شاهين) التي أحبت شقيق الأولى عبده (أحمد سلامة) وإنزلقت في دهاليز الحب الى هوة سحيقة فقدت على إثرها عذريتها ، ويغيب فتى الأحلام سنوات الغربة في الكويت ليعود خاوي الوفاض وأكثر عجزاً عن الزواج متردياً في أجواء البطالة والتطرف مما يحول دون إصلاح خطئه أو إتمام الزواج . وبعد عملية لإعادة البكارة تتزوج في النهاية ــ فاصل موسيقي ــ أما الشخصية الثالثة فهي نوال (هالة صدقي) التي إرتبطت بحسن شقيق الثانية (مجدي فكري) خريج كلية الحقوق الذي يحبها بدوره ، لكنه يصاب بما يشبه اللوثة العقلية ، ويظل يرسل لها عبر الترانزستور أغنيتها المفضلة "يادنيا يا غرامي" لعبد الوهاب . لتصبح نوال لقمة سهلة يحاول صاحب محل الزهور التي تعمل به النيل منها ، وكذلك الثري رياض (حسين الإمام) الذي يوافق ، بعد محاولته الفاشله للنيل منها ، على الزواج منها عرفياً ، لتصبح سعادتها ناقصة ــ فاصل موسيقي ــ من خلال النظرة العامة للرؤية الفكرية والفنية التي طرحها الفيلم ، نلمس ذلك التحرر الكامل والإنطلاق نحو تجسيد العلاقات الحميمية التي تعيشها المرأة ، والفهم الكامل لأعماقها الإنسانية ، وتأكيد إرادتها كمخلوق له شخصيته المستقلة . فبالرغم من كل هذه الإحباطات والضروف الإجتماعية والمعيشية الصعبة ، إحتفظت الفتيات الثلاث بالقدرة على المرح وإنتزاع اللحظات السعيدة وذلك بالتحايل على الضروف والخروج الى الحياة والإستمرار بالتمتع في شرب القهوة الإيطالية (الكابتشينو) ، فهذا أقصى ما يستطعن تحقيقه من ترف ورفاهية . وفيلمنا هذا ـ بشكل عام ـ يبعث على الأمل في حياة أفضل ، في كثير من مشاهده ، مؤكداً على إنتزاع البسمة والضحكة من أفواه شخصياته ، وتكرار المحاولة والتمسك بأهداب الحياة . هذا بالرغم من أن أحداث الفيلم تدور في غالبيتها في حواري متواضعة وسط الفقر والجوع والحرمان إضافة الى الفشل والعجز الذي صاحب بعض شخصياته ــ فاصل موسيقي ــ يعالج السيناريو أفكاراً ومواقف حياتية يومية بسيطة ، ليس بها ذلك التعقيد الدرامي المعتاد ، أي بمعنى أننا ربما شاهدناها في الكثير من الأفلام ، إلا أنها هنا جاءت بصياغة جديدة وصادقة بعيدة عن الفذلكات والمبالغات الدرامية . فالشخصيات التي قدمها الفيلم ، تعيش حياتها اليومية ببساطة بالرغم من المنقصات المحيطة حولهم . حيث نلاحظ بأن الشخصيات الثلاث يسرقن أنفسهن من كل الإحباطات ليعشن لحظات الفرح الجميل ، والتي تساعدهن على الإستمرار في حياتهن الصعبة تلك ــ فاصل موسيقي ــ ربما تكون الفكرة الوحيدة المطروحة بشكل جديد ، هي فكرة العذرية عند شخصية سكينة . وهي فكرة ناقشها الفيلم بوعي وحذر ، بل وإتخذ موقفاً جريئاً تجاهها . ففي ظل مجتمع متخلف كهذا ، مجتمع تسوده قوانين الرجل ، ترفض سكينة في البداية أن تعمل عملية ترقيع البكارة ، بل أنها تصمم على ذلك ، حيث تسائل نفسها وصديقاتها عن الذنب الذي إرتكبته . لكننا نراها ترضخ في النهاية أمام ضغط المجتمع وقوانينه ، حيث تصبح عملية إعادة البكارة هي الحل الوحيد للزواج من رجل شرفي. هذا إضافة الى أفكار أخرى ، مثل فكرة الإحباط والعجز وعدم القدرة على الفعل عند الشباب وذلك نتيجة القهر الإجتماعي المحيط . فشخصيات يوسف وعبده وحسن جميعها تجسد ذلك العجز ، ومثلما شاهدنا يوسف وهو يتحايل على الضروف بالنصب والسرقة ، شاهدنا عبده وهو يبتعد عن حبيبته ويتركها لوحدها تواجه المستقبل بقلب مكسور وعذرية ضائعة . كذلك حسن الذي فشل في مواجهة الواقع فضاع في الأوهام . أما شخصية زهيرة هانم (ماجدة الخطيب) فهي المنحدرة من أسرة ثرية بل رأسمالية متعجرفة ، لكنها تصبح شخصية باهتة في مجتمع الفقراء بعد ضياع كل شيء منها . كما ينجح الفيلم في تجسيد ذلك الكم الرهيب من التناقض داخل هذه الشخصية بشكل كاريكاتوري خفيف ، عندما تتمنى سندوتش الفول مع خوفها من الفضيحة . ثم هناك الهوس الخاص بالإعلانات وجنون الجوائز المالية ، الذي نجح السيناريست في طرحه في الفيلم بشكل سلس ومقبول . ونجح في كشف ذلك الزيف الذي يحيط بهذه الجوائز . أما أغنية (يادنيا ياغرامي) والتي هي عنوان الفيلم ، فقد كانت محركة في الفيلم وباعثة للأمل ، بإعتبارها تمثل واقع أبطال الفيلم ، بما تحمله من دلالات عن دنيا الحب والغرام ــ فاصل موسيقي ــ لقد نجح السيناريو كثيراً في تفهم دوافع شخصياته ، وتبرير تصرفاتهم بشكل منطقي ومدروس . ثم أن التفاصيل الصغيرة والكثيرة التي أحاطت بالشخصيات قد ساهمت في تألق هذه الشخصيات وإنتزاع التعاطف معها من قبل المتفرج . أضف الى ذلك تلك الأحداث والمواقف الحميمية التي لم تخرج بتاتاً عن منطق الشخصيات ومصداقيتها .. أحداث صاغها السيناريست بشكل يتناسب وأعماق الشخصيات ودواخلها . مبتعداً بذلك عن المباشرة ، ومتحاشياً ـ قدر الإمكان ـ من إعطاء مواعظ وخطب رنانة عن الشرف والأمانة . وبذلك قدم سيناريو مركز يبتعد عن الثرثرة الحوارية ــ فاصل موسيقي ــ ثم من حسن حظ الفيلم أن يكون مخرجه هو الفنان الشاب مجدي محمد علي .. وهو مخرج إستطاع أن يصل بهذا السيناريو الجيد الى آفاق فنية رحبة . حيث إبتعد عن المبالغة في إبراز المهارات ، وإعتمد أسلوباً سهلاً في توصيل ما أراده السيناريو . هذا إضافة الى أن الإخراج تميز بإيقاع سريع وحيوي ، معتمداً على مونتاج أخاذ يتناسب والحدث ومعبراً عن تصرفات الشخصيات . أما التصوير ، فقد كانت الكاميرا تتميز بحركة موفقة وزوايا تصوير منتقاة بعناية إضافة الى الإختيار الموفق للإضاءة الدرامية المعبرة التي ساهمت في إعطاء تكوينات جمالية قوية للكادر . وقد ساهم المونتاج والتصوير إضافة الى الموسيقى التصويرية التي تتميز بالشاعرية ، في إيصال الفيلم الى مستوى راق من الإبداع . حيث نجح المخرج في إدارة فريقه الفني من فنيين وفنانين ، خصوصاً إدارته للممثلين رئيسيين وكومبارس ، حيث كانوا في أفضل حالاتهم الأدائية . وتميز منهم على سبيل المثال ليلى علوي وإلهام شاهين وهالة صدقي وختاماً .. لابد من التأكيد على أن فيلم (يادنيا ياغرامي) يعد من الأفلام المتميزة القليلة التي أنتجتها السينما المصرية في العشر سنوات الأخيرة . كما أنه يبشر بميلاد مخرج موهوب ينتظره مستقبل زاهر في دنيا الإخراج السينمائي ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (حب في زنزانة) ، بطولة عادل إمام وسعاد حسني ، ومن إخراج محمد فاضل . وهو إنتاج عام 1982 ــ فاصل موسيقي ــ لقد مضى أكثر من عقدين على بروز مجتمع الانفتاح الاقتصادي في مصر ، مما يمكن لأي باحث ودارس لهذه الفترة ، أن يمعن النظر ويبحث في تأثيرات هذا المتغير الاجتماعي والاقتصادي على المجتمع المصري بعد ربع قرن . إلا اننا هنا لسنا بصدد بحث إقتصادي إجتماعي ، بل سنحاول إلقاء ضوء بسيط على تأثير هذه المتغيرات على السينما المصرية ، وذلك من خلال تناولنا لأحد افلام تلك المرحلة . فالسينما المصرية بدأت بالتعرض لمجتمع الانفتاح ونقده منذ نهاية السبعينات وطوال عقد الثمانينات . وكان لا يخلو فيلم من الاشارة ولو بشكل سطحي الى تأثيرات الانفتاح . إلا ان هناك إفلاماً تعرضت وبشكل مباشر لعصر الانفتاح ، أطلق عليها (افلام الانفتاح) . وهي افلام حاولت في بعضها ان تستفيد كثيراً من هذا الانفتاح ، حيث قدمت نماذج سيئة من الافلام ، كان صانعوها هم أنفسهم من تجار الانفتاح ، مستغلين ذلك الاقبال الجماهيري على افلام تنتقد المرحلة . لذلك وظفوا أموالهم في صنع افلام تنتقد وتسخر ، لكن دون فهم أو وعي ــ فاصل موسيقي ــ أما الافلام التي حاولت ان تعبر عن الخلل الاجتماعي والاقتصادي الذي حدث نتيجة الثراء الفاحش والسريع لبعض الافراد ، والحرمان والضياع وسط الزحام للبعض الآخر . هذه الافلام حاولت ان تقول كلمة جادة في زمن كان من العسير في ان ترفع صوتك بالاعتراض ، فقد كان ورائها رغبة صادقة من قبل صانعيها لنقد الواقع المعاش وإلقاء الضوء على نماذج شريفة حاربت وتحارب الفساد المستشري في المجتمع الجديد . كما حاولت أفلام الفئة الثانية في مجملها ، الإجابة على أسئلة كثيرة والبحث في طبيعة ذلك التخريب الإقتصادي والاجتماعي ، والبحث أيضاً في فساد القيم الاجتماعية والأخلاقية الذي سببه ذلك التخريب . ويمكن الإشاة الى أسماء بعض أبرز هذه الافلام ، مثل : (أهل القمة) للمخرج علي بدرخان ، (سواق الاتوبيس) لعاطف الطيب ، (قهوة المواردي) لهشام أبوالنصر ، (الغول) لسمير سيف ، (الصعالك) لداود عبدالسيد . أما الفيلم السينمائي الذي نحن بصدد الحديث عنه ، فهو يندرج تحت نفس هذه القائمة . إنه فيلم (حب في زنزانة) للفنان المبدع محمد فاضل ، وهو المخرج التليفزيوني صاحب الأعمال الدرامية التليفزيونية الأشهر ــ فاصل موسيقي ــ وفيلم (حب في زنزانة) يناقش القانون الخاص الذي يحكم به لصوص الانفتاح على ضحاياهم . قانون إمتصاص جهود فئة الشباب ، والوعود الكاذبة التي يلوحون بها لهم ، وإستنفاذ كل أمل بداخلهم . تلك الفئة من الشباب التي تحلم بتوفير لقمة العيش ، وتملك رغبة قوية تمتلىء بشحنات أقوى من التحدي والعنف ، عندما تواجه برفض الآخرين من ملوك الفساد لذلك الحلم المتواضع . يصبح حينها العنف لغة ضرورية ، رغم نتائجه المدمرة ، لتأكيد تلك الرغبة من ان تعيش كما تريد هي وليس كما يراد لها . ومن خلال قصة حب شاعرية رقيقة ، تحدث بين عنابر سجني الرجال والنساء ، يقدم محمد فاضل لوحات فنية إبداعية تنبض بكل المشاعر الانسانية . بطلا القصة هما السجينان (عادل إمام و سعاد حسني) ، والاثنان ضحايا وهم كاذب ــ فاصل موسيقي ــ لقد نجح المخرج من تقديم مشاهد تنبض بالحيوية .. فمثلاً في مشهد تسليم الخبز في سجن النساء ، وتلك المواجهة الاولى بين سعاد وعادل ، وكل منهما يحاول التعرف على الآخر ، إستطاع المخرج ان يلعب بتعبيرات الوجوه المختلفة ونظرات العيون الحائرة وحركة الاصابع ، وبدت إبتسامة عادل وكأنها طاقة نور وأمل لسعاد ، أو لنقل لكليهما . ثم ان الفيلم في تناوله للسجن ، نجح في كسر كآبة المكان من خلال مشاهد بسيطة وعميقة . فقد أصبح للسجن حياة جديدة بعيدة عن سموم الأطعمة المستوردة وبعيدة عن النفاق والغش والخداع .. حياة تظهر فيها شحنات قوية من دفء العاطفة الانسانية الصادقة لأشخاص إرتكبوا جرائم في الحقيقة ، ولكن تحت وطأة الجوع والحاجة ورغبة في الحياة وليس حباً في المال والترف . لذلك فالقيم الاخلاقية والاجتماعية كالشرف والمروءة والاخلاص والشجاعة والحب الصادق مازالت كامنة ومنبعثة من جوانبهم . ولم يفسد مشاهد السجن سوى تلك المعركة بين المساجين والتي إفتعلها السيناريو ليجد مبرراً لهروب عادل ــ فاصل موسيقي ــ ولا يفوتنا ـ عزيزنا المستمع ـ الإشارة الى ان أحداث الفيلم لا تقدم إجابات منطقية عن كيفية هروب عادل من السجن ، ولا كيف يخرج من عربة القمامة ببدلة ضابط مكوية ونظيفة ، ولا كيف يصل هذا السجين الهارب والمطارد الى منزل ذلك الانفتاحي الكبير والموضوع تحت الحراسة المشددة . وكأن المطلوب من المتفرج ان لا يدقق كثيراً في التفاصيل . وبالرغم من كل هذه التساؤلات ، فقد نجح المخرج في ان يضعنا داخل مأساة الحب ومأساة القانون الخاص للصوص الانفتاح ، حتى كاد ان ينسينا كل تساؤلاتنا هذه عن منطقية الاحداث ، حيث اننا لا نلاحظ كل هذا إلا بعد إنتهاء الفيلم ، أو ربما نتناساها تماماً ــ فاصل موسيقي ــ وأخيراً .. لابد من الاشارة بان هذا الجهد الواضح والمتميز لطاقم الفيلم من فنانين وفنيين يقودهم المخرج محمد فاضل الذي وفق كثيراً في تقديم هذه الشحنة العاطفية ، التي نسج بها فيلمه عن اللصوص والضحايا ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة العاشرة أعزائنا المستمعين نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (آخر الرجال المحترمين) ، بطولة نور الشريف وبوسي ، ومن إخراج سمير سيف . وهو إنتاج عام 1984 ــ فاصل موسيقي ــ لم يكن العرض الاول لفيلم (آخر الرجال المحترمين) عام 1984 مفاجأة ، فنجمه نور الشريف كان قد لقب بنجم الجوائز بعد حصوله على جائزة التمثيل الاولى في مهرجان نيودلهي عن دوره في فيلم (سواق الاتوبيس) . كما كانت حساستة في انتخاب ادواره امراً لا ترتفع له الحواجب دهشة او استغراباً ، خصوصاً اذا عرفنا بان فيلم (آخر الرجال المحترمين) من انتاج نور الشريف وزوجته بوسي ، وهو كما عودنا عبر تجربته الانتاجية كفنان يختار السيناريو الجيد والجديد دوماً . الفيلم كتبه للسينما السيناريست وحيد حامد ، ويتناول فيه العلاقة بين المواطن البسيط والسلطة . ويبحث عن الحد الفاصل بين جهاز الامن كقوة لخدمة المواطن وتحقيق الامان له ، وبين جهاز الامن كافراد وكروتين وكاجراءات تعيق تحقيق ذلك ، بل وتقلبه احياناً الى قوة تمارس السلطة وتتلذذ بها . وفي فيلمه هذا ، يؤكد وحيد حامد بان السينما المصرية بامكانها الاستفادة من الواقع المعاش والاقتراب منه ، فهو مليء بالموضوعات التي يمكن ان تثري السينما ، خصوصاً عندما يتم تناول هذا الواقع بشكل انساني صادق ــ فاصل موسيقي ــ يحكي الفيلم عن الاستاذ فرجاني (نور الشريف) المدرس في احدى القرى ، والذي يعتبر اطفال المدرسة مسئوليته الخاصة على كل المستويات الشخصية والعامة . وهو يتعامل مع الجميع كمرب فاضل مهمته بناء عقل الانسان ووجدانه بكل الصدق والحب ، ولا بستطيع تصور وجود عوامل اخرى تهدم ذلك البناء/الانسان ، حيث انه يصاب بدهشة بالغة عند اكتشافه بان تلاميذه لا يعرفون الشاعر احمد شوقي ، بل ويغالطون بينه وبين احمد عدوية . وامام شخصية فرجاني المثالية التي برزت في المشاهد الاولى من الفيلم كنا نتوقع الكثير من المصادمات بين فرجاني وبين الواقع المخالف تماماً لافكاره واحلامه في القاهرة . الا ان وحيد حامد يتخلى عن الكثير مما توقعنا مقابل مشاهد اخرى تعتمد على الاثارة والتشويق ولا تبتعد كثيراً عن البعد الانساني لهذه الشخصية . يبتعث فرجاني على رأس مجموعة من تلاميذ المدرسة في رحلة الى مدينة القاهرة ، واثناء تجوالهم في حديقة الحيوان تغيب عن اعينهم طفلة صغيرة من ضمن المجموعة ، وتدور بقية الاحداث الى النهاية في البحث عن الطفلة حتى العثور عليها ــ فاصل موسيقي ــ لقد استطاع السيناريو ان يؤكد الكثير من القيم النبيلة خاصة في احتكاك فرجاني بالمدينة والسلطة اثناء البحث . كما تبرز لنا مثالية فرجاني اكثر عندما يحاول الاتصال بوزير الداخلية شخصياً لمساعدته في العثور علي الطفلة ، الا انه يصطدم ايضاً بالواقع القاسي الذي تفرضه الاجراءات وحياة المدينة . هنا يبدأ تصاعد الاحداث وتبرز لنا قدرة السيناريست ، حيث لا يقدم لنا النقد الاجتماعي علي شكل مواعظ ونصائح ، وانما يطرحه من خلال الحدث الناتج عن اختفاء الطفلة في اثارة وانارة الرأي العام بشكل متناسق وشيق . ويقوم فرجاني ـ وبشكل غير ارادي في البداية ـ بواجب وزارة الداخلية نفسها ، ويبدأ البحث بطرق اخرى غير مشروعة تقوده الى اكتشاف صور متناقضة مع واجهة المدينة البراقة ــ فاصل موسيقي ــ فالفيلم يقدم لنا نماذج من الطبقات الدنيا لمجتمع المدينة من النشالين وجامعي القمامة وعصابات خطف الاطفال ، والتي حرصت السينما المصرية في احيان كثيرة على اخفائها عن عيون المتفرج الذي لم يعايشها في الواقع فيصدم بها ، وعن عيون المتفرج الذي تشكل كل كيانه الاجتماعي والاقتصادي فيفر منها ، باعتباره ذاهب للسينما ليشاهد واقعاً جديداً عليه ، مليئاً بوسائل البذخ والثراء حتى يعيش احلامه التي تملأ مخيلته ، ويتمنى ان يعيشها ، وبذلك يخرج من دار السينما وهو في نشوة هذه الاحلام . ولا يفوتنا الاشارة الى ان وحيد حامد لم يتناول الجوانب السيئة من حياة هذه الفئات الفقيرة فحسب ، بل على العكس من ذلك ، حيث اضاء بعض الجوانب الانسانية من حياتهم ، خصوصاً بان كان لهم دوراً مهماً في العثور على الطفلة . وتعرض الفيلم ايضاً الي نقد السلوكيات البسيطة والمدمرة للانسان المصري . فهناك ظاهرة الثأر التي اختفت منذ سنوات من السينما المصرية ، بالرغم من انها لم تختف من الواقع المصري ، حيث تتفشى بشكل كبير في الصعيد وذلك لانتشار الامية هناك ــ فاصل موسيقي ــ ولان وحيد حامد كاتب مقتدر ، فقد نجح في تقديم هذا ببراعة واختصار شديد للتنبيه فقط لخطورة هذه الظاهرة . وإبتعد عن التناول التقليدي لمثل هذه المواقف ، حيث اوقف تصاعد الموقف فجأة بكشف فرجاني للحقيقة . فاضاع بذلك على المخرج التقليدي فرصة ملىء الفيلم بالمعارك والمطاردات ، فالمهم هنا هو الحد الادنى من الصدق الفني ، وليس استغلال الموقف حتى ولو تعارض ذلك احياناً مع بناء الفيلم الدرامي . كذلك ادخل السيناريست ما تصوره بعداً انسانياً على الفيلم ، عندما قدم لنا شخصية ثريا (بوسي) الأم المريضة نفسياً من جراء فقد ابنتها ، والتي تقوم بخطف البنت وتتصور بانها ابنتها . ومن الطبيعي ان تحتاج المتهمة هنا الى طبيب نفسي وليس الى الشرطة ، حيث كشف لنا الاستاذ فرجاني ذلك في نهاية الفيلم . لقد اكتملت للفيلم أهم العناصر الفينية ليظهر بالمستوى الجيد هذا ، فالتمثيل لا تشوبه اية شائبة ، خصوصاً نور الشريف الذي ابرز قدراته الادائية لاعطاء هذه الشخصة نصيبها من النجاح . اما مدير التصوير محمود عبدالسميع فقد أكسب الفيلم الكثير من التشويق وحيوية شديدة ، فاستحق جائزة تقديرة من لجنة التحكيم في مهرجان الاسكندرية السينمائي عام 1984 ــ فاصل موسيقي ــ يبقى ان نتحدث عن مخرج الفيلم سمير سيف ، الذي قدم للسينما المصرية عدداً من الافلام الجيدة ، مثل : الغول ، شوارع من نار ، المطارد . وهو بفيلم (آخر الرجال المحترمين) قد اضاف الى رصيده الفني عملاً جيداً يستحق التقدير . ويعتبر هذا الفيلم هو رابع تعاون فني بين نور الشريف كمنتج وممثل وبين سمير سيف كمخرج . لقد استطاع سمير سيف في هذا الفيلم ان يؤكد إمكانياته الكبيرة في الاستفادة من قدرات ممثليه ، ومن اماكن التصوير والتتابع واختيار زوايا التصوير ، هذا اضافة الي التكثيف والتركيز في الاحداث دون اطالة او اسراف ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (نزوة) ، بطولة أحمد زكي ويسرا وشيرين رضا ، ومن إخراج علي بدرخان . وهو إنتاج عام 1996. وكم كانت الخيبة كبيرة ، بعد مشاهدتنا لفيلم (نزوة) ، فقد كنا في إنتظار أن يطرح في سوق الفيديو منذ فترة طويلة . وكنا في لهفة أيضاً لمشاهدة فيلم للمخرج علي بدرخان .. فيلم جديد يعوضنا عن فيلمه الذي قبل (الرجل الثالث) والذي لم يرقى الى مستوى هذا المخرج الكبير . بل وزادت لهفتنا عندما قرأنا على ملصق الفيلم بأن كاتب السيناريو والحوار هو بشير الديك ، صاحب فيلم (سواق الأتوبيس) . فالإثنان ، بدرخان والديك ، قمتان من قمم الفن المصري ، فكيف سيكون فيلم يحمل توقيع الإثنان معاً .. لابد أن يكون فيلماً رائعاً ، ينتقل بنا الى عوالم من الخيال والجمال .. ويعيد إلينا عطر وسحر أفلام الإثنين أيام زمان. وما إن توالت اللقطات والمشاهد الأولى من فيلم (نزوة) ، حتى بدأت الخيبة تجتاحنا .. حيث بدأت تمر على الذاكرة ـ بشكل سريع ـ لقطات مشابهة من فيلم آخر أمريكي الجنسية ، إسمه بالتحديد (جاذبية قاتلة) ، إنتاج عام 1987 ، بطولة مايكل دوجلاس وجلين جلوز وآن آرثر ، ومن إخراج أدريان لين . أما في فيلم بدرخان هذا ، فقد قام أحمد زكي ويسرا وشيرين رضا ، بتقمص أدوار الأمريكان الثلاثة بالترتيب السابق . والغريب في الأمر بأن صناع فيلم (نزوة) لم يذكروا الأصل الأمريكي ضمن تترات المقدمة ، حيث ذكر بأن كاتب السيناريو والحوار هو بشير الديك .. هذا بالرغم من أن رسم الشخصيات والأحداث في فيلم (نزوة) عبارة عن صورة منقولة عن الفيلم الأمريكي ، بل إنها صورة مهزوزة أيضاً لذلك الفيلم الذي حقق نجاحاً تجاريا كبيراً عند عرضه ، بل ورشح لنيل ست جوائز أوسكار (أفضل فيلم ومخرج وممثلة وممثلة مساعدة وسيناريو ومونتاج) ــ فاصل موسيقي ــ في فيلم (نزوة) نحن أمام إمرأة جميلة وجذابة إسمها ندى (يسرا) ، ولكنها متقلبة المزاج وصعبة المراس . نتابعها وهي تسعى وراء هدف واحد إستحوذ على كيانها تماماً ، ألا وهو جريها وراء المهندس الشاب صلاح (أحمد زكي) ، حيث وجدت الأمان والدفء بين أحضانه خلال نزوة عابرة ، بعد أن دفعته لقضاء ليلة في شقتها أثناء غياب زوجته صفاء (شيرين رضا) في إجازة قصيرة عند والديها . تتحول هذه النزوة الى كابوس يطارد صلاح في كل مكان ، فندى تسعى الى علاقة أبدية رغم محاولة صلاح إقناعها بأنه يحب زوجته وإبنته ، وهي لا تريد أن تقتنع بذلك ، بل وتفاجئه بأنها حامل منه ، وترفض طلبه في إجهاض نفسها . وحتى عندما يحاول إمتصاص نار وضراوة الغضب في داخلها وإقناعها بالزواج منها عرفياً ليصبح أباً لطفلها ، تسخر منه وتبدأ في مطاردته في كل مكان . وأمام هذا الوضع الحرج الذي وجد صلاح نفسه فيه ، يضطر في أن يصارح زوجته بالحقيقة ، تاركاً لها البيت وهي مصدومة من خيانته هذه . أما ندى فتستمر في مطاردتها لصلاح وأسرته ، مما تضطره لمحاولة قتلها ، فتدخل المستشفى لتكتشف بأنها أجهضت من جراء هذا الحادث . تحاول أن تنتحر لكنها تفشل ، فتقرر الإنتقام من صلاح ، حيث تقوم بخطف إبنته وتحاول قتل زوجته ، إلا أن الفيلم ينتهي بمعركة دامية يشترك فيها الثلاثة ، لتنتهي بندى الى إحدى المصحات النفسية ــ فاصل موسيقي ــ هذا هو ملخص لاحداث فيلم (نزوة) الذي إحتوى على مشاهد كاملة منقولة من الفيلم الأمريكي . إضافة الى أن ما قدمه كاتب السيناريو من إضافات قد أفقدت الفيلم الكثير من مغزاه وحولت الموضوع من "نزوة" الى "علاقة" كان يمكن أن يكتب لها الإستمرار في ظل ظروف أخرى . فبدلاً من إختصار الفترة التي تجمعهما في الفراش لتكون ليلة واحدة في الفيلم الأمريكي ، يظل صلاح يمرح مع ندى على إمتداد غياب زوجته ما يقرب من أسبوع يستسلم فيه لنزواتها ويشاركها الفراش في لقطات فاضحة تقوم هي بتصويرها . هنا نشعر بأن السيناريو تجاهل النموذج المثالي للنزوة ، تلك اللحظة الخاطفة التي تتفجر من الأعماق أمام جاذبية المظهر ، والتي تدمر كل شيء من أجل لحظات عابرة. ولأن شخصية البطلة في الفيلم الأمريكي غريبة عن مجتمعنا ، يحاول كانب السيناريو أن يضفي على شخصية ندى تأثيرات سلوكية . فنحن أمام إمرأة عاشت معظم حياتها في أمريكا ولم تعد الى مصر إلا منذ ثلاث سنوات .. لم تنعم بالإستقرار والأمان هناك .. تتأزم حالتها النفسية بعد وفاة والدتها وزواج والدها من أخرى أمريكية .. تقرر ندى العودة الى مصر مع أول رجل يطلب الزواج منها .. بعد سنوات تنفصل عنه أيضاً لعدم شعورها بالأمان معه . كلها ظروف أحاطها السيناريو بالشخصية ليضفي عليها بعض المصداقية ، إلا أنه لم ينجح في ذلك بإعتبارها لا تبرر تلك التصرفات الغريبة على المرأة الشرقية ، التي جسدتها يسرا على الشاشة ــ فاصل موسيقي ــ أما إذا أردنا أن نقيم فيلم (نزوة) بعيداً عن الأصل الأجنبي ، فإننا سنتابع فيلماً قوياً ذو جاذبية خاصة ، يمتاز إخراجه بالتشويق والذكاء في إختيار اللقطات الكبيرة والمتوسطة التي ترصد إنفعالات الشخصيات وصراعها ، إضافة الى نجاح المونتاج في تتبع ردود أفعال الشخصيات . ثم هناك الأداء التمثيلي المذهل من يسرا ، حيث تقدم في هذا الفيلم واحداً من أفضل أدوارها في السنوات الأخيرة . فقد نجحت يسرا في إنتشال الشخصية من الترهل في بعض مراحلها ، وبقيت واعية بكل تفاصيلها . كما نجحت شيرين رضا في أن تكون ربة الأسرة الجذابة والواعية لمتطلبات زوجها وإبنتها ، بالرغم من أنها فشلت في إقناعنا ـ وهذا ضعف في السيناريو ـ في أن تكون الصحفية الواعية . أما نجمنا الكبير أحمد زكي فلم يحقق تواجده الحقيقي إلا مع إحساسه بمحاصرة ندى له ولأسرته ــ فاصل موسيقي ــ هذا هو علي بدرخان في فيلمه الأخير .. بدرخان آخر غير الذي عرفناه في سنوات السبعينات والثمانينات .. سنوات الإزدهار الكمي .. فقد عرفناه مخرجاً له خصوصيته كفنان متميز ، وله حضوره الفني بين أساتذته وزملائه المخرجين .. صامداً أمام مغريات السينما التجارية وشروطها .. هذا الصمود الذي إستمر أكثر من عشرون عاماً .. طوال مسيرته السينمائية .. التي لم تثمر ـ بالرغم من طولها ـ سوى سبعة أفلام روائية طويلة .. وهو الذي إستطاع ، وبهذا الإنتاج القليل ، إثبات موهبته وقدراته الفنية ، ليصبح من بين أهم مخرجي السينما المصرية .. عرفناه متميزاً بالتدقيق الشديد في إختيار موضوعات أفلامه ، ذات الصفة الإجتماعية والسياسية والجماهيرية في نفس الوقت ، باذلاً جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً في إعدادها وتجهيزها قبل التصوير وبعده ــ فاصل موسيقي ــ هذا هو بدرخان الذي نعرفه .. مخرج فنان يحترم السينما ووظيفتها .. ويحترم في المقام الأول عقلية وذوق المتفرج الذي يخاطبه . فماذا حصل لمخرجنا بدرخان في فيلميه الأخيرين (الرجل الثالث) و (نزوة) .. حيث نراه يتنازل عن تميزه الفني وأسلوبه السينمائي الذي جسده في أفلامه السابقة ، وتتغير مصادره عندما يجنح لمتطلبات السوق .. ففيلمه (الرجل الثالث) يأتي ليحكي قصة بوليسية مستهلكة ، و(نزوة) يأتي من أصل أجنبي يبتعد كثيراً عن الواقع العربي ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 11 أعزائنا المستمعين نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (حدوتة مصرية) ، بطولة نور الشريف ويسرا ، ومن إخراج العبقري يوسف شاهين . وهو من إنتاج عام 1982 ــ فاصل موسيقي ــ في حلقتنا هذا الأسبوع ، نحن أمام فنان كبير ومثير للجدل والنقاش ، مصطحباً ضجة لا تنتهي مع كل فيلم جديد يقدمه . مخرجنا هو العبقري يوسف شاهين .. والحديث عن يوسف شاهين يطول ويطول ، فهو كفنان يشكل حالة خاصة ، نادرة في السينما المصرية ، بل والعربية بشكل عام . فهو الفنان المجدد دائماً ، والباحث عن أسلوب جديد وصياغة مختلفة لأفكار ومفاهيم ، تبدو عادية ومتداولة . أما بالنسبة لفيلمه (حدوتة مصرية) ، والذي نحن بصدد الحديث عنه ، فهو واحداً من الأفلام القليلة في تاريخ السينما المصرية ، التي توصف بالجودة والعمق والإبهار . ففي فيلمه هذا ، وضع شاهين خلاصة تجاربه ومعاناته وتمرده وإحباطاته وإنتصاراته .. إنه فيلم يشد المتفرج ويستحوذ على تفكيره ويهزه من الأعماق ــ فاصل موسيقي ــ لقد إختار يوسف شاهين حشداً كبيراً من ممثلي مصر لتجسيد شخصيات السيناريو الذي وضعه شاهين بنفسه ، ونجح في إدارتهم جميعاً بشكل مذهل ، مما جعل النقاد العالميين في مهرجان برلين الدولي يجمعون على الإشادة بمستوى الأداء التمثيلي . فكان نور الشريف في أنضج ظهور له على الشاشة وهو يمثل دور شاهين . ومع نور الشريف كان هناك : ماجدة الخطيب في دور شقيقته شاهين ، وسهير البابلي في دور والدته ، ومحمود المليجي في دور والده ، ومحسن محي الدين في دور شاهين شاباً ، يسرا في دور زوجته ، ورجاء حسين في دور بنت الشعب الأصيلة ، وسيف الدين في دور الصديق الوصولي ، وأحمد محرز في دور الطبيب الصديق ، ومحمد منير في دور الصديق الوفي والتقدمي ومساعده في الإخراج ــ فاصل موسيقي ــ في فيلمه هذا ، يقدم يوسف شاهين سيرته الذاتية كإنسان وفنان ، وهو بالتالي إبحار داخل الذات . وتعتبر هذه التجربة السينمائية الثالثة من نوعها ، بعد أن قدمها أولاً المخرج إيليا كازان في فيلم (أمريكا .. أمريكا) ، وقام بتكرارها المخرج بوب فوس في فيلم (كل هذا الجاز) . إن يوسف شاهين في فيلم (حدوتة مصرية) يواصل ما بدأه في فيلمه الأسبق (إسكندرية .. ليه ـ 1978) ، والذي قدم فيه فترة متقدمة من تاريخ نشأته وبداية تعلقه بفن السينما . أما في هذا الفيلم فنرى شاهين وقد كبر وأصبح مخرجاً مشهوراً عركته الحياة وتميز بالقلق والتمرد على ذاته والواقع وعلى كل الأفراد المحيطين به . إن يوسف شاهين في فيلمه هذا يقدم رؤية ذاتية بكل أبعادها الإنسانية والعاطفية والإجتماعية والسياسية والإقتصادية والوطنية والقومية ــ فاصل موسيقي ــ يبدأ (حدونة مصرية) أثناء إخراج يوسف شاهين (نور الشريف) لفيلم العصفور ، وتعرضه لأزمة قلبية ، وإضطراره لإجراء عملية جراحية في لندن . هذه العملية التي تفجر داخله أزمة الفنان والإنسان ، أزمة المفكر والمخرج .. وتتداعى ذكريات الطفولة والصبا والشباب ، بما تختزنه من مكنونات وتجارب . وتبدأ هذه التداعيات وشاهين في غرفة العمليات ، بعد أن يسري المخدر في جسده ، ويسقط في حالة اللاوعي ويدور شريط الذاكرة ، مسترجعاً علاقاته بأفراد أسرته والآخرين . ويبدأ شاهين بمحاكمة نفسه أولاً ، والمحيطين من حوله ثانياً ، ومجتمعه ثالثاً . هذه المحاكمة التي نصبت ـ بشكل فني سريالي ـ داخل جسم شاهين وبالتحديد في قفصه الصدري .. محاكمة جريئة وصريحة تجمع بين الجلاد والقاضي .. بين المتهم والمحلف .. وكذلك بين الحاكم والمحكوم . فهي محاكمة للذات والواقع والعصر الذي يعيشه شاهين . في البدء نرى مجموعة كبيرة من عدسات التليفزيون ، الكل ينتظر بدأ المحاكمة ــ فاصل موسيقي ــ فجأة .. يدخل المتهم (أسامة نذير) ـ طفل صغير في الثامنة من العمر ـ يحيطه الحراس ويضعونه في القفص ، فهو متهم بمحاولة قتل يوسف شاهين . ومن خلال الحوار ، نكتشف بأن هذا الطفل هو شاهين في الصغر ويمثل القيم والمباديء والبراءة في شخصية شاهين ، ولأنه نسيه وإبتعد عنه ، فهو يثور عليه ويحاول قتله . وتبدأ المحاكمة بالبحث عن الجناة الحقيقيين في محاولة قتل يوسف شاهين والمشتركين مع الطفل . يبدأ شاهين بمحاكمة الأم .. الأب .. الأخت في صورة واقعية سريالية . ثم ينتقل الى محاكمة الزوجة .. الأبناء .. المدرسة .. السلطة .. الأصدقاء .. المجتمع والدولة . ويقدم رؤيته السياسية والإجتماعية بعمق ووعي شديدين . وتتحدد معالم هذه المحاكمة بشكل أكثر ، عندما نحدد أطراف الصراع المختلفة التي أدانها يوسف شاهين ، لتبرز من خلالها أبعاد الأزمة درامياً وفكرياً ــ فاصل موسيقي ــ الصراع مع الأسرة ### (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ الأم مشتركة في محاولة القتل ، فقد كانت قاسية وقلقة ومشغولة عن أطفالها لتحقيق متعتها الشخصية ، مما أثر على شاهين وجعله يبحث عن الحنان عند أخته وجدته ، إلا أنهما كانتا مشغولتان عنه بأشياء أخرى . أما الأب فقد كان مكسور الجناح ، يحلم بأن يكون محامياً مشهوراً ، وكان يرضى بالواقع لأنه عاش ظروفاً صعبة للغاية . وكان الأب يرى بأن الضمان المادي هو الأهم ، حيث زوج إبنته لرجل غني على الطريقة التقليدية . كذلك الزوجة التي تزوجها شاهين عن حب ، ولكنها إنشغلت عنه ولم تفهم طموحه السينمائي . لقد كان يشعر بأنها في واد وأفكاره وأحلامه في واد آخر ــ فاصل موسيقي ــ الصراع مع الواقع ### (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ يبدأ إتهامه بالمدرس (عبد العزيز مخيون) الذي كان يضربه ويعذبه ويتلذذ بعذابه ، لذا يظهره في هيئة "هتلر" . ومن هذه النقطة يبدأ شاهين بالتحدث عن القمع والإحباطات . يتحدث عن مرحلة الشباب وبداية تشكل وعيه الوطني والسياسي ، والذي يبدأ مع أول مشاركة له في المظاهرات وإصابته في رأسه ، تلك الإصابة التي تترك بصماتها الوطنية والمتمردة على حياته وتفجر فيه نوعاً من الثورية . ومن ثم يبدأ شاهين في بلورة موقفه من الواقع الإجتماعي والسلطوي ، ويكشف عن مواقفه القومية والسياسية ويقدمها في أفلامه فيما بعد . كما يتحدث عن علاقته بالرقابة والسلطة بشكل عام والمشاكل التي تعرض لها بعد إخراجه لبعض من أفلامه . ويعلن صراحة بإيمانه بالناصرية وينحاز الى كل ما أفرزته تلك المرحلة من أفكار وأيديولوجيات . يتحدث أيضاً عن تجربته مع المهرجانات ، حيث يكتشف بأن السياسة تتحكم في نتائج المهرجانات الأوروبية بالذات . ويتطرق لدور المنتج في الحياة السينمائية ، وكيف أنه يتحكم دائماً فيما يقدم من أفلام ــ فاصل موسيقي ــ الصراع مع الذات ### (عنوان فرعي) ــ فاصل موسيقي ــ بإعتبار يوسف شاهين فنان قلق ومتوتر ، نراه في تمرد دائم . فهو دائماً غير راض ، متمرد على نفسه وعلى عمله ، يختلف مع الطفل الذي كان ويختلف حتى مع سلوكه ، تنتابه الهواجس والوساوس . نراه يبدأ بنقد الذات ، ويبدو ذلك واضحاً في الفيلم ، عندما يعرف بأن إبنته قد ضبطت مع شاب في سينما بحي السيدة زينب ، وبأنه لم يأخذ أي دور إيجابي من هذه العلاقة . فبالرغم من أن شاهين يحب الناس البسطاء ويجد نفسه معهم ، إلا أنه يتعالى عليهم ويرفض بشدة أن تتزوج إبنته من أحد أبناء حي السيدة زينب . ويبرز الحوار الذي دار بين الثلاثة ، مدى التناقض بين المباديء التي ينادي بها وبين سلوكيات الطبقة التي ينتمي لها . ويبين الفيلم مدى الضبابية السياسية التي تمثل موقف شاهين ، فهو فنان لا يفهم كثيراً في السياسة ولا يحاول أن يفهمها ، وقد أبرز ذلك في عدة مشاهد ــ فاصل موسيقي ــ إن موقفه السياسي واضح تجاه ما يؤمن به ويعبر عنه ، فهو يؤمن بالحق بأن تحصل الفئات الشعبية على حقوقها ، ولكنه لا يعرف كيف يتم ذلك . ومن خلال تراكم الأحداث وتصاعد الحوار بين شخصيات الفيلم ، نكتشف بأن كل من قابلوه في حياته قد أخطأوا في حقه ، حتى أنه هو نفسه قد أخطأ في حق نفسه وذلك بإبتعاده عن مبادءه .. عن صفاء طفولته .. عن إحساسه البسيط بالناس . وتنتهي الحدوتة بالمصالحة بينه وبين شاهين الطفل ، في الوقت الذي تنتهي فيه آخر مراحل العملية الجراحية ، والتي تتم في صدره . ومع إتمام هذه المصالحة تنجح العملية ، ويتعاهد الإثنان على نفس المباديء ونفس القيم ، وأن لا يفترقا مرة أخرى . ويدخل الملاك الصغير (شاهين الطفل) في جسد شاهين الكبير ، لتتألق الطفولة الزاهية داخله وينتابه ذلك الشعور بالراحة والطمأنينة ، فقد عاد إليه الحلم ــ فاصل موسيقي ــ هذا هو فيلم يوسف شاهين ، الذي يثير الكثير من القضايا على مستوى الفكر والأسلوب السينمائي والتقنية الفيلمية ، بما يطرحه من قوالب وأشكال فنية ، إضافة الى ما تحدثنا عنه بما يخص الجوانب الفكرية ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (للحب قصة أخيرة) ، بطولة يحيي الفخراني ومعالي زايد ، ومن إخراج رأفت الميهي . وهو من إنتاج عام 1984 . يأتي فيلم رأفت الميهي (للحب قصة أخيرة) ليؤسس أسلوباً جديداً في السينما المصرية ، وليجمع بين الواقعية المؤلمة والجمال في نفس الوقت. فقد إستطاع الميهي ( كمخرج ) بهذا الفيلم أن يصل بصورته السينمائية الى درجة عالية من الإتقان والجودة بقدر عنايته بمعالجة الواقع بصدق . إن فيلم ( للحب قصة قصيرة ) مزيج من العلاقات الإنسانية المتناقضة ، وهو ـ أيضاً ـ مزيج من الحب والكراهية .. الحياة والموت ، إنه يتحدث عن الوضوح والغموض .. عن الصدق والزيف .. الصحة والمرض .. الخرافة والعلم ــ فاصل موسيقي ــ يقدم لنا رأفت الميهي بفيلمه هذا ، ومن خلال كاميرا شاعرية ذات حساسية ، موقعاً سكانياً في وسط النيل ( جزيزة وراق العرب) ، عالم يكاد يكون منسياً ومعزولاً عن تطورات المدينة ، لا نعرف عنه شيئاً . يقدمه لنا الميهي بواقعية حقيقة في مشاهد شديدة الخصوصية ، متغلغلاً بكاميرته بين أفراح الناس وأحزانهم ، أحلامهم ومعتقداتهم من شعوذة وطقوس . فالفيلم يتأرجح بين الخاص والعام ، في بناء فني متماسك . فمن بين الخلفية الإجتماعية لمجتمع الوراق ، تبرز عدة وجوه وشخصيات تنفصل عن الطابع العام لتأخذ طابعها الخاص ، وليقدم الميهي من خلالها جرعات شاعرية قوية من العلاقات الإنسانية ــ فاصل موسيقي ــ فمثلاً ، هناك المدرس رفعت (يحيى الفخراني) وزوجته سلوى (معالي زايد) ، والتي تزوجها رغماً عن أمه المتكبرة (تحية كاريوكا) ، بعد أن خيرته بين حبه وبين ثروة والده . رفعت مصاب بداء القلب ، والموت يهدده في أية لحظة ، لذا يتفق مع الدكتور حسين على كذبة مفادها أن تخطيط القلب الذي إطلعت زوجته على نتيجته غير صحيح ، وإن رفعت يمكنه أن يعيش مائة عام قادمة .. كل هذا لأنه أحس بمدى العذاب الذي تعيشه زوجته . إلا أن هذا الإتفاق يتصادف توقيته مع ذهاب سلوى لزيارة الشيخ التلاوي لشفاء زوجها ، فتحاول أن تقنع نفسها بأن هذا من بركات الشيخ ، وتعيش في وهم السعادة المزيفة لعدة أيام ، حتى تخبرها أم رفعت بالحقيقة ــ فاصل موسيقي ــ عندها يموت رفعت بعد قراره السفر للعلاج ، فيموت الوهم في داخلها ، وتفيق على الحقيقة المؤلمة . لذا نراها تذهب الى مقر الشيخ التلاوي ، وكر الخرافة والشعوذة ومركز أوهام الجزيرة ، لتجد كرسي الشيخ وبجانبه بقايا لأدوات تستخدم لتعاطي الحشيش والمخدرات . تقترب سلوى من الكرسي وتضربه بالفأس الذي بجانبه ، تضربه بشكل عصبي يائس ، وكأنها تؤكد بأن هذا الوهم يجب تحطيمه ، وإن الإنقاذ لن يأتي أبداً من خارج الفعل الإنساني ــ فاصل موسيقي ــ وهناك ـ أيضاً ـ علاقات إنسانية ثانوية ولكنها لا تقل أهمية . هناك مثلاً الوالدين اللذين ينتظران إبنهما الغائب والذي لا يعود منذ خمس عشرة عاماً ، فالأم تعتقد بأنه مات وتخفي عن الأب ، والأب يخفي عن الأم الحقيقة بأن إبنها قاتل وهارب .. كلاهما يتحاشى الألم والصدمة النفسية للآخر . كذلك نرى الدكتور حسين (عبدالعزيز مخيون ) الذي يحب والدته العجوز ويقرر البقاء معها لخدمتها في الوراق ، تاركاً زوجته وأولاده يعيشون في الضفة الأخرى من النهر بالزمالك حيث الثروة والمال يطغيان على العواطف والأحاسيس ومع أن هذا الدكتور متزوج وله طفلان ، إلا أنه غير كامل من الناحية الجنسية ، يعيش عذاب نفسي حاد لا يتخلص منه إلا عندما تتوفى والدته في نفس الوقت الذي يعيش فيه لحظة توهج جنسي مع الغازية على السرير المحاذي لسرير الأم ، هنا يتحرر الدكتور من عذاباته وعقدته في أن يخرج الى حياة جديدة ــ فاصل موسيقي ــ وبالرغم من كل هذه الأحاسيس والمشاعر الإنسانية السامية التي جسدها رأفت الميهي في هذا الفيلم ، إلا أن البطولة المطلقة كانت للكاميرا ، التي إستطاع الميهي توظيفها بشكل مبتكر وشديد الحساسية ، وقدم بها رؤية ووثيقة واقعية هامة عن مجتمع الوراق ، وذلك من خلال سيناريو أخاذ ومدروس بعناية ، يحمل في طياته مواقف وشخصيات قادرة على أن تؤلمنا وتثيرنا وتشدنا بشكل حميمي الى واقعها الأليم وبفيلم ( للحب قصة أخيرة ) يكون رأفت الميهي قد إستطاع أن يصل الى درجة متقدمة من الشمولية والإبداع ، وذلك لتمكنه من تقديم تقنية عالية ومقدرة فذة في التأثير في المتفرج في نفس الوقت . وسوف يظل هذا الفيلم طويلاً محفوراً في ذاكرة المتفرج ، كما سيظل علامة بارزة في تاريخ السينما المصرية ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 12 أعزائنا المستمعين نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (طيور الظلام) ، بطولة عادل إمام ويسرا ورياض الخولي وجميل راتب وأحمد راتب ، ومن إخراج شريف عرفة . وهو من إنتاج عام 1995 ــ فاصل موسيقي ــ و(طيور الظلام) ، هو الفيلم الذي جلب ضجة رقابية وقضائية وجماهيرية عند عرضه ، وذلك للجرأة في الطرح الفكري والفني . ولرفع قضية من أحد المحامين على الفيلم وصناعه . وفيلمنا هذا هو الفيلم الخامس للثلاثي الفني (عرفة/حامد/إمام) ، بعد أفلام (اللعب مع الكبار ، الإرهاب والكباب ، المنسي ، النوم في العسل) . فبالإضافة الى نبض شريف عرفة الخاص في الإخراج ، كان هناك جرأة "وحيد حامد" كاتباً للسيناريو ومنتجاً للفيلم ، ومن ثم شعبية عادل إمام كنجم جماهيري خارق للعادة . ففي فيلم (طيور الظلام) ، يقدم وحيد حامد دراما إجتماعية جريئة ، ترصد الواقع المصري بكل تناقضاته وإتجاهاته ، ويقدم موقفاً فكرياً سياسياً وفنياً حاسماً تجاه أبرز القضايا المعاصرة التي يعيشها الفرد والمجتمع على السواء . وهو بذلك يضع الفساد والإرهاب في مزيج واحد ، ويقدم شخصيات حية من هذا الواقع .. شخصيات تجري وراء مصالحها الشخصية ، حتى ولو أدى ذلك الى سلوكهم لطرق غير مشروعة وملتوية . لذلك فهؤلاء هم طيور الظلام الذين يعملون في الخفاء ، غير قادرين على العمل في العلن أو الخروج بأفكارهم الى النور ــ فاصل موسيقي ــ تتمحور شخصيات وحيد حامد في ثلاثة أصدقاء تخرجوا من كلية الحقوق ، الأول فتحي نوفل (عادل إمام) ، وهو محامي شاب وفقير يسكن شقة متواضعة في الأرياف ، ويعتبرها بمثابة المسكن والمكتب في نفس الوقت . ولكنه عندما يريد الصعود بوضعه الطبقي ، فهو يستفيد من موهبته القانونية وذكائه الفطري في كشف ثغرات القانون . ولا يتسنى له عمل ذلك إلا من خلال أستاذه المحامي الكبير (نظيم شعراوي) الذي يعرفه على الوسط الراقي ، عندما يستخدمه في حل رموز قضية كبيرة تهم الرأي العام . حيث يقبل فتحي في تبرئة متهم بإحدى قضايا الفساد مقابل المال الكثير . بعد ذلك يدير فتحي الدعاية الإنتخابية لصالح أحد الوزراء (جميل راتب) ويلجأ الى أساليب ملتوية ذكية الى أن ينجح في الإنتخابات ، ومن ثم يصبح فتحي مدير مكتبه والرجل الثاني في الوزارة ، مما يرفع رصيده وينقله من حال الى حال ، ليكون بعد ذلك أحد رموز الفساد الكبيرة في البلد ــ فاصل موسيقي ــ والصديق الثاني هو علي الزناتي (رياض الخولي) ، الذي يتمتع بشخصية قوية ، ويرى بأن المستقبل سيكون للإتجاه الديني المتطرف ، لذلك ينخرط فيه ، ويحاول أن يقنع فتحي بمشاركته في ذلك ، إلا أنه يرفض أن يكون ضد السلطة . وينجح علي الزناتي في الصعود ويضيء نجمه في سماء المجتمع ، بعد أن وفر له أصحاب الإتجاه الديني والإرهاب طموحات الشهرة والثراء ، مستفيدين من ذكائه وقدراته القانونية في تنفيذ مخططاتهم الإجرامية بحق المجتمع والدفاع عن الجماعات المتطرفة ــ فاصل موسيقي ــ أما الصديق الثالث فهو محسن مختار (أحمد راتب) ، ذلك المواطن الشريف والمثالي الحالم ، الذي مازال يعيش سنوات الستينات المليئة بالأحلام والشعارات السياسية . فبالرغم من أنه يعيش فراغاً ساسياً شديداً في واقع مليء بالفساد كهذا ، إلا أنه يرفض أن يكون أداة للفساد أو التطرف متخذاً موقفاً سلبياً من الإثنين . وهناك أيضاً ، إضافة الى شخصيات الأصدقاء الثلاثة ، شخصية سميرة (يسرا) ، الفتاة المطحونة التي وجدت في بيع جسدها وسيلة لتوفير حياة أفضل ، والتي دخلت حياة فتحي نوفل بعد إتهامها في قضية آداب ، وبالتالي توكله للدفاع عنها ، ومن ثم تصبح البنك الذي يخفي فيه فتحي نوفل ثروته ــ فاصل موسيقي ــ من هنا نتوصل الى أن فتحي نوفل وعلي الزناتي هما وجهان لعملة واحدة . فالإثنان إنتهازيان ، إلا أن إنتهازية فتحي تختلف عن إنتهازية صديقه علي ، فهو يفضل اللعب في النور ومع السلطة ، على العكس من صديقه الذي يلعب مع الجماعات الدينية المتطرفة والمعارضة للسلطة . والإثنان تجمعهما مصالح مشتركة أحياناً .. نوفل يستعين بالزناتي في إنجاح حملته الإنتخابية للوزير ، في مقابل التستر على الزناتي في تحركاته غير المشروعة لتقوية التطرف ، وإبعاد رجال الأمن عن طريقه . ويصل الإثنان الى مرحلة متقدمة من الشهرة والتورط .. فتصل عند الزناتي الى أن يتورط في تأمين إختباء إرهابيين بعد قيامهم بإحدى العمليات ، فيقبظ عليه . أما فتحي فيقبض عليه لإستغلاله لمنصبه في تكوين ثروة كبيرة ، يخفيها في جيب الشركة التي ينشئها بإسم صديقته سميرة فتاة الليل التي يضعها في طريق الوزير ، بل ويزوجها منه عرفياً ويحتفظ هو بورقة الزواج . هذا إضافة الى زواجه من سيدة أعمال ثرية يخفي ثروته غير المشروعة في ثروتها . صحيح بأنه يتم القبض على فتحي نوفل وعلي الزناتي من قبل رجال الأمن ، إلا أنهما يؤكدان بأنهما لن يظلا في السجن طويلاً ، فليس هناك ما يدينهما قانونياً ــ فاصل موسيقي ــ إن فيلم (طيور الظلام) يقدم صرخة جريئة في وجه المجتمع ، مبيناً أخطر القضايا التي تؤرقه . وقد نجح وحيد حامد في صياغة كل ذلك في سيناريو قوي ومتماسك وسريع ، إحتفظ فيه بعنصري الإثارة والتشويق حتى النهاية . كما أنه إستطاع تقديم مبررات منطقية وواقعية لتصرفات شخصياته . هذا بالرغم من تلك السطحية التي إتصفت بها شخصية سميرة ، وعدم التعمق في دواخلها . وكذلك الضعف الواضح في رسم شخصية الوزير ، الذي بدى ساذجاً مقلوباً على أمره . وقد تجسد هذا السيناريو بعناصر سينمائية خلاقة ، ساهمت كثيراً في إخفاء العيوب القليلة التي إتصف بها السيناريو . فالمصور محسن نصر نجح في إختيار زوايا تصوير تعبر عن الموقف وتتناسب والحدث الدرامي ، إضافة الى حركة الكاميرا السلسة والتكوينات الجمالية القوية والمعبرة والراصدة للوجوه وتعبيراتها في الكثير من المشاهد . وكان المونتاج السريع والمحفز عوناً في إيصال هذا التعبير الى المتفرج وذلك بشحنه بالتوتر . كذلك الموسيقى التصويرية ذات التأثير الدرامي التعبيري ، والتي جعلتنا نتعايش أكثر مع الحدث . كذلك التمثيل الذي كان في عمومه صادقاً وطبيعياً ومجسداً للشخصيات كواقع حي . وجميعها عناصر فنية نجح المخرج المبدع شريف عرفة في إدارتها وتطويعها لخدمة السيناريو . أدارها كمايسترو لأوركسترا متناسقة ومنسجمة ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (زوجة رجل مهم) ، بطولة أحمد زكي وميرفت أمين ، وإخراج محمد خان . وهو من إنتاج عام 1987 . وهو فيلم من بين الأفلام المصرية الهامة التي ستظل علامة بارزة في ذاكرة السينما المصرية ، وتكمن أهمية هذا الفيلم في ذلك السيناريو الجيد الذي كتبه السيناريست رؤوف توفيق . حيث يتناول موضوعاً هاماً وجريئاً ، ألا وهو مفهوم السلطة وعلاقتها بالفرد ــ فاصل موسيقي ــ إن الأفلام التي تناولت هذا الموضوع قليلة جداً ، بل هي نادرة في السينما المصرية ، وذلك لحساسية هذا الموضوع بالنسبة للرقابة والنظام بشكل خاص . وحتى الأفلام القليلة التي فعلت ذلك تناولت السلطة من الناحية السياسية المباشرة ، وأغفلت النواحي الإجتماعية والنفسية .. بعكس ما فعل المخرج محمد خان في فيلمه هذا . لذلك ففيلم (زوجة رجل مهم) يتميز بأنه أبرز هذه النوعية من الأفلام ، بل أهمها ، وذلك لإبتعاده عن المباشرة في الطرح ، وعدم لجوئه الى الرمز في نفس الوقت ــ فاصل موسيقي ــ في (زوجة رجل مهم) نحن أمام شخصيتين من بين أهم شخصيات محمد خان السينمائية .. شخصية الرجل المهم هشام (أحمد زكي) وشخصية الزوجة منى (ميرفت أمين) .ـ هو العقيد ضابط المباحث الذي إستهوته السلطة منذ الصغر ، فأصبح يمارس سلطته داخل نطاق العمل وخارجه .. وهي الطالبة الجامعية العاشقة لصوت عبد الحليم حافظ ، بكل ما يحمله هذا الصوت من دلالات رومانسية . هو متعته الوحيدة إهانة الآخرين وتلفيق أكبر عدد من التهم لهم ، ويتعامل مع الجميع بمفهوم رجل السلطة ، فارضاً سلطته هذه في البيت والشارع وفي كل مكان . لتتكرس بذلك شخصيته نتيجة خضوع الآخرين له وإقترابهم النفعي منه .. وهي الفتاة الحالمة الرقيقة التي تدخل عالم ضابط المباحث مبهورة في البداية بتلك الأبواب التي تتفتح أمامها فجأة وتشعرها بأهميتها ، غير مدركة أنها بذلك تقتل كل المفردات والتفاصيل الجميلة في حياتها الهادئة المطمئنة . تكتشف هي ، بعد زواجها منه بأنها ليست سوى قطعة جميلة من ديكور المنزل ، إقتناها لإستكمال وضعه الأسري والإجتماعي ، وأنها بذلك قد فقدت شخصيتها وهويتها كامرأة وإنسانة لا تقوى على مناهضته حتى في المسائل الزوجية الصغيرة والبسيطة . كما تجد نفسها معزولة حتى عن العالم الخارجي المحيط بها ــ فاصل موسيقي ــ ويكتشف هو ـ وبشكل مفاجىء ـ بأن السلطة قد تخلت عنه وأحالته على المعاش ، وذلك إثر تحقيقات النيابة ومحاكمات القضاء في قضية أحداث يناير 1977 ، وهو الذي لم يكن يستطيع أن يتصور ـ إطلاقاً ـ الخروج من إطار السلطة ليعيش كمواطن عادي ، ولا يمكنه أيضاً التصور بأن الأيادي التي كانت ترتفع تحية له ، توشك الآن أن تصفعه . وفجأة ، يجد نفسه الآن مطروداً من هذه السلطة ، بعد أن توحدت شخصيته بها وأصبحا شيئاً واحداً. يحاول هو التمسك بالسلطة حتى ولو كان ذلك وهماً ، حيث يتضح هذا من خلال تصرفاته الغريبة والشاذة ، والتي تجسد رفضه القاطع لهذا الحدث الكارثة ، ووقوفه على حافة الجنون .. وهي في محاولتها للتصدي له ومواجهة أوهامه ، تقف عاجزة عن فعل ذلك نتيجة لسلبيتها وخضوعها له ، هذا بالرغم من شعورها بالمهانة ورفضها لهذا الزوج وأسلوبه الرخيص في التعامل معها والسيطرة عليها ــ فاصل موسيقي ــ هو يصر على أن يعيش مع أوهامه ، رافضاً التأقلم مع وضعه الجديد ومواجهة الواقع ، لذا نراه يستمر في محاولاته العقيمة لتحقيق توازنه المفتقد ، الذي لا يجده إلا في منزله ومع زوجته التي تصبح بسلبيتها المفرطة بديلاً لعالمه الضائع ليمارس عليها ما تبقى لديه من سلطة .. وهي تصل الى مرحلة صعبة من التعاسة والإحباط في حياتها الزوجية ، حيث الشعور بأن المنزل قد أصبح كالسجن الصغير يمارس فيه زوجها دور السجان . فنجدها تستنجد بوالدها ليأخذها بعيداً عن هذا العالم التي أصبحت الحياة فيه مستحيلة ــ فاصل موسيقي ــ هنا يكون "الرجل المهم" ، والذي ما يزال يحتفظ بطبيعته التسلطية ، قد أحس بأنه سيفقد زوجته أيضاً ، أي أن آخر سلطاته مصيرها مهدد أيضاً . فنراه يتصرف بشكل هستيري مجنون ، وينطلق من داخله وحش ضاري لا يعرف سوى لغة الرصاص ، ليقتل والد زوجته ومن ثم ينتحر ــ فاصل موسيقي ــ يضعنا فيلم (زوجة رجل مهم) أمام شحصيتين متناقضتين تماماً ، بالرغم من وجودهما تحت سقف بيت واحد .. يشتركان في حياة زوجية واحدة .. هي طالبة غارقة في رومانسيتها .. وهو ضابط مباحث متسلط ومريض نفسياً ... إذن لابد من وجود قاسم مشترك يجمعهما ويشدهما لبعض ، فما هو ؟ يتحدث محمد خان في هذا الصدد ، فيقول : (... كنت أود أن أظهر بأن هذه المرأة ترتبط عاطفياً ـ وبشكل مخيف ـ بهذا الرجل .. إذن هناك شيء ما يربط بينهما .. شيء يقضي على وعي كل واحد منهما . كل هذا كان مكتوباً ولكني لم أجد الصيغة التي أمرر بها هذه النقطة ...). صحيح بأن محمد خان قد لمح لهذا الإرتباط العاطفي فيما بينهما ، وذلك في لقطة القبلة ذات الإيحاءات الصارخة التي طبعتها منى على خد هشام ، إلا أن هذا لم يكن كافياً ولم يستطع توصيل الفكرة التي أرادها محمد خان . ومع ذلك فهذا لا يمنع من إستنتاج سبب آخر ، وهو إن كلاهما (الزوج والزوجة) قد وجد في الآخر مراده .. هو وجد فيها فريسة سهلة يمكن أن ترضخ لسلطانه .. وهي وجدت فيه الرجل المهم الذي يحكم وتتحطم أمامه كل المصاعب والعقبات ــ فاصل موسيقي ــ لقد إستطاع محمد خان في فيلمه هذا أن يغوص داخل أعماق شخصياته وإظهار ما بدواخلها من مشاعر وأحاسيس ، كما أنه سخر كاميرته لتكون بالمرصاد لكافة المتغيرات والتحولات التي طرأت على هذه الشخصيات . هذا إضافة الى أنه قد أحاطها بالكثير من التفاصيل الصغيرة التي ساهمت في إبراز الجوانب النفسية والأخلاقية فيها ، والتي كشفت أيضاً عن جوانب هامة وخطيرة في تركيبة رجل السلطة وزوجته ــ فاصل موسيقي ــ ومما لاشك فيه بأن السيناريو قد نجح في صياغة المواقف والأحداث الدرامية بشكل منطقي مقنع ، إلا أن هذا السيناريو ـ بما يحويه من مضمون جاد وقوي ـ قد طغى على إمكانيات الصورة السينمائية في التعبير الدرامي التأملي ، فكان الحوار الكثيف ـ رغم قوته ـ هو المسيطر في أحيان كثيرة على الصورة ، مما ساهم في ضعف الصورة وإيحاءاتها ، وقلل من إمكانيات الإبداع الجمالي الفني للكادر لدى محمد خان ــ فاصل موسيقي ــ وهذا لا ينفي من أن محمد خان قد قدم أسلوباً بسيطاً وممتعاً في الإخراج ، وأثبت مقدرة كبيرة على التحكم في أدواته الفنية . كما أنه نجح في إدارة من معه من فنيين وفنانين ، وعلى رأسهم (أحمد زكي) الذي أثبت بأنه ممثل عبقري وفنان من نوع خاص يمتلك إحساساً عميقاً بالشخصية التي يؤديها ، حيث جسد شخصية الضابط بشكل متقن ومقنع الى درجة كبيرة ، عبر مراحلها المتعددة من الطموح والتسلط الى الإنكسار والسقوط ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 13 أعزائنا المستمعين نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (سارق الفرح) ، بطولة لوسي وحسن حسني وماجد المصري وعبلة كامل وحنان ترك ومحمد هنيدي ، ومن إخراج داود عبدالسيد . وهو إنتاج عام 1994 ــ فاصل موسيقي ــ و(سارق الفرح) هو آخر أفلام المخرج المبدع داود عبد السيد . والذي نجح نجاحاً جماهيرياً ملفتاً ، إن كان في عرضه السينمائي ، أو حتى في سوق الفيديو ، حيث بيع حق عرض الفيلم لكل من السعودية والكويت بمبلغ سبعون ألف دولار ، ولمدة خمس سنوات فقط. كما تم بيع حق عرض الفيلم على أشرطة الفيديو داخل مصر فقط مقابل ثلاثمائة ألف جنيه . وهو مبلغ قياسي بالطبع ، في حين بيع حق الفيديو لأفلام قامت ببطولتها شيريهان وليلى علوي ، بمبلغ مائة وخمسين ألف جنيه فقط ، وفيلم بطلته يسرا بيع بمبلغ مائة وعشرين ألفاً من الجنيهات . وهذه الأرقام بالطبع قد أسعدت الفنانة لوسي بطلة فيلم سارق الفرح ، الذي قام بإنتاجه زوجها سلطان الكاشف ــ فاصل موسيقي ــ وداود عبد السيد ، يعد واحد من بين أهم مخرجي السينما المصرية الجديدة . فبعد أربعة أفلام (الصعاليك ـ البحث عن سيد مرزوق ـ الكيت كات ـ أرض الأحلام) ، يتوضح بشكل أكثر أسلوبه السينمائي ورؤيته الفنية والفكرية في نوعية السينما التي يصنعها . فهو يقدم سينما خاصة ، يتمرد بها على السائد والتقليدي ، ويبحث عن أفلام مختلفة ذات أسلوب ذاتي خاص يحمله رؤيته الفنية والفكرية . والسينما الذاتية التي يصنعها عبد السيد ، لا تعني أن يتحدث عن نفسه ، وإنما تعني أن يقدم الموضوعات التي يشعر بها كإنسان وكفنان . فهو يهتم كثيراً بشخصياته أكثر من إهتمامه بالقضية المطروحة على الشاشة ، مقتنعاً تماماً بأن أية قضية ، إنما تبرز عندما تتألق الشخصية لتعبر عن أحلامها وطموحاتها بصدق وواقعية . وهو بالتالي لا يبحث إطلاقاً عن حكايات تقليدية ، وإنما يبحث عن نماذج وحالات إجتماعية نمطية تعيشها شخصياته . ثم أنه يقدم لنا شخصياته ويتركها تعيش واقعها وتتصرف بحرية وبتلقائية ، حتى ولو أدى ذلك الى تصرفات لا أخلاقية .. فهو يتركها ويقدمها كما هي ولكنه يتابعها في نفس الوقت .. لا ليدينها بل لينظر إليها برحمة متلمساً لها الأعذار والدوافع متفهماً حاجات النفس والجسد لكل شخصية من شخصياته . مضفياً عليها الكثير من التفاصيل الدقيقة ، لتكون أكثر قرباً ووصولا" الى المتفرج ، ليصبح المتفرج بالتالي في موقع المشارك والمتوحد مع هذه الشخصيات ، يشاركهم أحزانهم وأفراحهم ــ فاصل موسيقي ــ وفي فيلمه الأخير (سارق الفرح) ، وعلى مدى أكثر من الساعتين ، يقدم لنا داود عبد السيد سيمفونية بصرية شديدة الواقعية ، عن حكاية حب رومانسية ممزوجة بأحلام الفقراء ، وبمجموعة من الحكايات والحالات عن أناس فقراء يعيشون في عشش على هامش المدينة فوق هضبة المقطم .. يجمعون قوتهم اليومي ، ويتحايلون على هذا الواقع الصعب ، للحصول على الرزق وتحقيق الأمنيات .. فهم بشر تعينهم الأحلام والأمنيات على توفير لقمة العيش .. يرقصون ويغنون ويخطفون لحظات الفرح الناقصة والنادرة ، لتكون عوناً لهم على الإستمرار في هذه الحياة . كما يقدم لنا عبد السيد حكايات تتناول أدق التفاصيل عن حياة هؤلاء الناس وعن أفراحهم وأحزانهم . أما شخصياته ، فهي نماذج بشرية تعيش يومها ولا تخطط لليوم الآخر .. تعيش أحلامها البسيطة مع كم هائل من المشاعر الجياشة ، هذا بالرغم من الكثير من الإحباطات في واقع يسوده الفقر والتشرد ــ فاصل موسيقي ــ يحكي فيلم (سارق الفرح) عن عوض (ماجد المصري) ، الذي يسعى للزواج من حبيبته أحلام (لوسي) ، إلا أن المال ـ والمال القليل جداً ـ هو العقبة الوحيدة في طريق زواجه منها . فيتحتم على هذا الإنسان الفقير عوض أن يدبر ثمن المهر والشبكة الذي طلبهما والد أحلام عم بيومي (لطفي لبيب) ، في مدة تتراوح بين إسبوع الى عشرة أيام ، وإلا فقد حبيبته . فبعد إجتيازه للكثير من الصعاب في طريق جمعه لثمن المهر والشبكة ، يستطيع عوض في النهاية ، وبمساعدة الجميع ، أن يحقق رغبته في الزواج من أحلام . هذه هي الحكاية الرئيسية في الفيلم ، وهي حكاية بسيطة فعلاً ، إلا أن شخصيات هذه الحكاية ، التي صاغها عبد السيد بذكاء وأضفى عليها الكثير من الصدق والواقعية ، قد ساهمت في صنع فيلم شاعري جميل ، يتأرجح مابين الواقعية والشاعرية ــ فاصل موسيقي ــ فإذا أخذنا شخصية الشاب عوض ، نراه يعيش حياته بالطول والعرض حلمه الوحيد هو الزواج من أحلام . فهو يحبها بجنون ، ولا يمكن أن يتصور العيش بدونها . ولأن عوض يكسب رزقه اليومي من التسكع في الشوارع والأزقة وبين إشارات المرور كبائع متجول ، فهو يلجأ الى طرق ووسائل غير مشروعة وغير شريفه أحياناً لتدبير المبلغ المطلوب . صحيح بأنه مبلغ ليس بالكبير ، إلا أنه مبلغ ضخم بالنسبة لفقير مثله . كما أنه يلجأ في أحيان كثيرة ، وفي مشاهد تذكرنا بمشاهد الإعتراف التي تتم في الكنيسة ، الى الشيخ أبو العلامات ، يطل عبر شباك صغير ويبوح للشيخ بكل ما يعتمل في داخله ، يستنجد به ، منتظراً منه علامة تهديه الى الطريق الصواب . فهو مثلاً يعتبر مخلفات الحمامة عندما تسقط فوق رأسه علامة مرسلة إليه من الشيخ أبو العلامات . وذلك في مشاهد ساخرة يصبغها داود عبد السيد بالكوميديا السوداء . مقدماً رؤية حول فكرة التواصل والإيمان بالخرافة ، وذلك التناقض الحاد بين السلوك الفعلي للفرد وبين معتقداته . فالإنسان البسيط والفقير حين تعترضه مصاعب غير قادر على حلها يلجأ الى الإعتقاد بمثل تلك الخرافات ــ فاصل موسيقي ــ فمثلاً نراه يسرق ثياب شقيقه مطر(فتحي عبد الوهاب) الذي يعمل كطبال وراء راقصة في شارع الهرم ، ويقوم ببيعها ليدخر ثمنها ، بعد أن أصيب بخيبة أمل في أن يساعده في الزواج من أحلام . كما أنه يصبح قاطع طريق ، وذلك عندما يتفق مع نوال (عبلة كامل) على أن تجلب الزبون في مكان خالي ليهجم هو عليه ويسرق فلوسه . وتتكرر العملية أكثر من مرة ، الى أن يصادف زبون لاعب كاراتيه ، فيضربه ويكسر ذراعه ويسرق فلوسه التي جمعها بطرق صعبة . وتتألق شخصية عوض في خضم الأحداث والمواقف الصعبة التي يمر بها . ففي قمة إحتياجه الى صديق قريب منه يفهمه ويفضفض له ، يرى نفسه وحيداً في أزمته هذه ، بعد وفاة صديقه عم ركبة . وفي قمة إحتياجه للمزيد من المال نراه يضطر لصرف الفلوس التي جمعها للزواج على جنازة صديقه الفقير هذا . كما أنه لا يتردد لحظة واحدة في مصارحة حبيبته أحلام ـ وهو في حالة من الإحباط والإنكسار ـ بأنه غير قادر على جمع مبلغ الشبكة والمهر ، مما يجعله غير قادر على الزواج منها ــ فاصل موسيقي ــ وفي الطرف الآخر ، هناك شخصية أحلام ، البنت التي تتفجر أنوثة ، والتي تنتظر فارسها ليخطفها الى عالم مجهول المستقبل . فهي أيضاً تحب عوض بجنون ، وتغار عليه لدرجة التصرف معه بوحشية في أحيان كثيرة . ولا يمكننا أن ننسى ذلك المشهد ، وهي تكبله بالحبال ، وتقوم بضربه بقسوة ، لمجرد أنها شاهدت بنت حلوة يهمها أمره. وهو حقاً مشهد قاسي ووحشي ، إلا أنه تعبير واضح عن مدى حبها وغيرتها على حبيبها . كما يوضح أبعاد تلك الشخصية التي تمارس الحب الفطري بطريقتها . فأحلام هذه شخصية تتمتع بتفكير فطري ، لا تتردد في فعل أي شيء يوصلها الى مبتغاها . تحاول جاهدة مقاومة كافة الإغراءات التي تعترض طريقها ، خصوصاً من الحلاق القواد زينهم (محمد متولي) الذي يحاول أن يجرها الى سهرات الأغنياء لترقص لهم وتؤانسهم في مقابل مبلغ كبير من المال . صحيح بأن أحلام تضعف وتستجيب لتلك الإغراءات ، إلا أن عندها ما يبرر ذلك الضعف والإنهزام ، وهو مجرد التفكير فقط في أنها ستخسر عوض . وقد إستجابت لهذا الإغراء بعد مقاومة قوية ، ولولا أن عوض خسر كل فلوسه لما إنهزمت . ففي المشهد الختامي يضربها عوض بعد أن صارحته بفعلتها تلك ، مع تأكيدها له بأنها ما فعلت ذلك إلا لأنها تحبه ، كما فعل هو عندما سرق بسبب حبه لها ــ فاصل موسيقي ــ أما شخصية نوال ، المومس خفيفة الظل التي عاشت في بيروت ، فهي تظهر فجأة في حياة عوض .. تلك الفتاة التي تبيع الهوى للطلبة والمراهقين في مقابل مبلغ تتعيش منه ، بالرغم من أنها تتعرض لبطش الزبائن الذين يلتقطونها من الطريق . ونوال شخصية نمطية ذات بناء متماسك ، صاغها عبد السيد بذكاء ، وقامت بتجسيدها عبلة كامل بشكل مذهل ، لتكون بمثابة المرفيء الآمن الذي يرسو فيه عوض لإسترجاع أنفاسه وقوته ، ومن ثم مواصلة الركض والبحث عن منفذ جديد يجمع منه ثمن المهر والشبكة . فهي بالنسبة له كل شيء ، يقضي معظم وقته معها ، ويراها أكثر مما يرى حبيبته أحلام . صحيح بأنه لا يميل لها عاطفياً ، إلا أنها أصبحت تشكل الكثير في حياته . وتتألق شخصية نوال أكثر ، عندما تشعرنا بفضاعة الواقع القذر التي تعيش فيه ، ومدى إشتياقها لأية فرصة تنتشلها منه . فهي إنسانة قبل أن تكون بائعة هوى ، وهناك ظروف ـ لا يتعمق السيناريو في كشفها ـ أبرزها الفقر والتشرد ، أدت بها الى هذا المصير . ولهذا فنوال لا تفوت الفرصة في التقرب من عوض ، فهي تفسر وجوده في حياتها على أنه إهتمام شخصي بها ، وتترك مشاعرها تنساق وراء شخصية عوض . إلا أنها تكتشف زيف هذه المشاعر عندما يعترف لها بأنه يحب أحلام ولايستطيع أن يتزوج حبيبته بسبب قلة المال ، لذلك نراها قد آثرت أن تنسحب من حياته بهدوء ، بعد أن تركت له مبلغاً من المال يساعده في إتمام زواجه من أحلام ــ فاصل موسيقي ــ كما أن عبد السيد إختار أن يبدأ فيلمه بشخصية القرداتي عم ركبه (حسن حسني) ، ذلك الأعرج الذي تعدى الخمسين من عمره . ولم يأتي هذا الإختيار عشوائياً ، بل لأن هذه الشخصية تشكل نافذة حقيقية ، تؤدي بنا الى دواخل الشخصيات الأخرى ، نظراً لخبرة عم ركبه في هذه الحياة بحكم سنه ، وفهمه الواضح للواقع المحيط به .. شخصية مركبة ترتبط بعلاقات متنوعة مع الآخرين ، وتدخل في صميم مشاكلهم . وهي شخصية ، بالرغم من موتها في الربع الأخير من الفيلم ، إلا أن فعلها الدرامي وتأثيرها على الأحداث يظل يسري في روح الفيلم وشخصياته . فهي شخصية ذات أبعاد ومقومات درامية فلسفية فطرية ، ساهمت في توضيح بناء الفيلم الإجتماعي وتوضيح الكثير من الأبعاد الإجتماعية والنفسية التي تقوم عليها بقية شخصيات الفيلم . فـ(عم ركبه) هذا ، يهيم بحب رمانة (حنان ترك) أخت أحلام ، إلا أنه يخجل من الإفصاح عن حبه هذا ، وذلك لإحساسه بالفرق الواضح بينه وبينها . وحتى عندما يبوح بسره هذا ، وهو في لحظة صفاء وتجلي ، الى صديقه عوض ، نرى صديقه هذا لا يستوعب هذا الحب ويبدأ في الضحك و السخرية منه . لذلك فهو يكتم حبه هذا لنفسه ، ويكتفي بمتابعة رمانة عن بعد ، يساعده في ذلك المنظار الذي بحوزته ، في تقصي خطوات رمانة . نشاهده وهو يتابع بقية الشخصيات ، من خلال هذا المنظار الذي وجده صدفة في محل لبيع الأشياء القديمة ــ فاصل موسيقي ــ وفي أكثر من مشهد تتوضح أكثر شخصية عم ركبه ، وتتوثق علاقته بمن حوله وبالمتفرج أيضاً . فنسمعه مثلاً يتحدث مع القرد بلغة حكيم طاعن في السن ، ويناجي الشمس في مشهد الفجر ، الذي يشكل رؤية فلسفية وفنية ، حيث نرى عم ركبه وهو يهز الدف ويهتف للشمس بأن تطلع ، داعياً أن تتحقق أحلامه ، في يوم كهذا . وتتألق شخصية (عم ركبه) هذا في مشهد رومانسي شاعري يعد من بين أجمل مشاهد الفيلم . ففي إحدى الليالي القمرية ، يصادف أن يشاهد عم ركبه حبيبته رمانة في فرح بنت الجيران ، فيبدأ في الدق على الدف بعد أن شاهدها تهم بالرقص . ويزداد المشهد حرارة وتألقاً ، وعم ركبه في نشوة لا تعادلها نشوة ، وهو يرى حبيبته ترقص على ضربات أصابعه بالدف ، وتتلوى أمامه بقوامها المياس ، تثير فيه الشهوة وتمنحه لحظة إشباع حسي وعاطفي ، الى أن ينهكها التعب فتتوقف . لينسحب هو بعد ذلك شارد الذهن في ملكوت أحلامه وهيامه وعشقه ، فتتبعه رمانه التي شعرت بهذا العشق الذي يختزنه ركبه تجاهها . يبتعد (عم ركبة) عن ضجة الفرح ليختلي بنفسه مع زجاجة الويسكي ، وفجأة يرى أمامه رمانة بشحمها ولحمها ، وكأنه مازال يعيش في أحلامه ، وبعد أن يكتشف حقيقة ما يراه وتلامس أصابعه وجهها وجسمها ، ينطلق فرحاً ويتمنى الطيران في تلك اللحظة الإستثنائية ، من غير أن يدري بأن الموت ينتظره على حافة الهضبة ، حيث يموت من فرط الشعور بالسعادة بعد سقوطه من فوق الهضبة ــ فاصل موسيقي ــ و(سارق الفرح) فيلم زاخر بالشخصيات الثانوية الكثيرة التي تعيش على هامش المجتمع .. شخصيات إنتقاها وصاغها عبد السيد بصدق ، راصداً تأثيرات هذا الواقع عليها وعلى تطور علاقاتها .. شخصيات شديدة الإنسانية لا تعيش الفراغ ، لكنها تجد نفسها في مواجهة واقع أليم وخانق .. شخصيات تتجاوز الحزن دوماً وتلهي نفسها بحالات الفرح المنقوصة ــ فاصل موسيقي ــ في البدء لابد من الإشارة الى خصوصية هامة تميز أفلام عبد السيد ، ألا وهي الفترة الزمنية التي تدور فيها أحداث فيلمه ، فهو حريص في غالبية أفلامه على أن يحدد تلك الفترة الزمنية بيوم واحد أو أسبوع مثلاً ، ثم يلقي بشخصياته ويتركها تواجه مصيرها في هذه الفترة الحددة. فهو مثلاً في فيلمه (البحث عن سيد مرزوق) يتناول رحلة بطله خلال يوم واحد من حياته . وفي (أرض الأحلام) يتابع التحولات الإجتماعية والنفسية لشخصياته في الأربع والعشرين ساعة . أما في فيلمه (سارق الفرح) فالفترة الزمنية تمتد الى أسبوع ، وهي المهلة التي أعطاها والد أحلام لعوض لجمع ثمن الشبكة والمهر ــ فاصل موسيقي ــ وعبد السيد في (سارق الفرح) يقدم لنا سيناريو شيق وجذاب ، حيث كان دقيقاً وذكياً في إختياره لشخصياته وأحداثه . ونجح في تقديم سيناريو خلاق تختلط فيه الواقعية بالكوميديا السوداء بالفنتازيا الساخرة ، في إنسجام مذهل ومدروس ، يجعلنا نتعايش مع مجمل المشاهد . كما أنه نجح ـ الى حد كبير ـ في صياغة حالات وأحداث تتناسب وشخصيات الفيلم ، صاغها بشكل بسيط وعميق في نفس الوقت . وبالرغم من كل هذا الفقر والحزن الذي يحيط بتلك الشخصيات ، إلا أننا نراها تتجاوز فقرها وأحزانها ، وتتصرف أحياناً بشكل عبثي كاريكاتوري ساخر . وهو ـ بالطبع ـ شكل يمليه عليها الموقف ويتناسب ومنطق الشخصية . فمثلاً مشهد تقدم عوض لخطبة أحلام ، ورد فعل كل منهما إزاء عدم موافقة والد أحلام على زواجهما . حيث نراهما يبكيان كالأطفال ، للضغط عليه في تغيير موقفه هذا والموافقة على الزواج . إنه حقاً مشهد كاريكاتوري غير واقعي ، ولكنه يؤدي في النهاية الى النتيجة المطلوبة ، بغض النظر عن قربه أو بعده عن الواقعية ــ فاصل موسيقي ــ وأمام سيناريو خلاق كهذا ، لمسنا إخراجاً قوياً ومتماسكاً ، يسيطر فيه عبد السيد على مجمل أدواته الفنية والتقنية ، ويديرها على أكمل وجه . فالصورة في (سارق الفرح) قوية وشاعرية معبرة تحرص على إعطاء تكوينات جمالية للكادر ، تصاحبها موسيقى جميلة معبرة تعتمد نفخات الناي الحزينة في أغلب الأحيان ، مع مونتاج متناسب ، ساهم في تألق الشخصيات وإنسجامها مع الأحداث . وقد ساهمت هذه العناصر جميعها في خلق قيمة جمالية راقية للصورة والتكوين رغم فقر المكان ، في مشاهد معبرة وجميلة كثيرة ستبقى في ذاكرة المتفرج مدة طويلة . أما التمثيل ، فعبد السيد يعيد تشكيل الممثل من جديد ويستخرج منه طاقات أدائية مذهلة . فهو هنا يقدم للسينما المصرية ممثل جديد وموهوب ، في دور عوض ، وليس بغريب في أن يصبح إسم ماجد المصري نجماً لامعاً في سماء الفن في التسعينات . كما أن عبد السيد قدم الفنانة عبلة كامل في دور جديد عليها .. دوراً فاجأ به الجميع ، عندما إستطاع أن يستخرج منها طاقات أدائية مذهلة ثم لابد لنا من الحديث عن ذلك المزج والإنسجام المدهش الذي خلقه عبد السيد فيما بين الأغاني (التي كتب كلماتها بنفسه) والمواقف والأحداث الدرامية . إنه حقاً مزج جميل وتجسيد غير تقليدي ، فهو هنا يقدم شكلاً جديداً للأغنية السينمائية .. شكل بسيط وسريع ومعاصر ، إستخدم فيه الأسلوب العبثي الفنتازي الغير واقعي في توصيل أفكار الكلمات البسيطة وختاماً .. لابد من القول بأن داود عبد السيد بفيلم (سارق الفرح) يؤكد مجدداً بأنه واحد من قلة مخرجين ، يصنعون سينما متجددة ومنطلقة الى آفاق فنية رحبة . مواصلاً البحث عن صيغة غير تـقـلـيـديـة لمـعـالـــجة الواقع ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 14 أعزائنا المستمعين نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (سرقات صيفية) ، بطولة أسماء البكري وشوقي شامخ وعبلة كامل ، ومن إخراج يسري نصرالله . وهو من إنتاج عام 1988 ــ فاصل موسيقي ــ سرقات صيفية .. هو الفيلم الذي بشر بميلاد مخرج جديد آنذاك .. مخرج فنان يحمل رؤية سينمائية فكرية وإجتماعية واعية ، ألا وهو الفنان يسري نصر الله . وقد كان أول عرض لهذا الفيلم في إفتتاح تظاهرة نصف شهر المخرجين في مهرجان كان الدولي 1988 . ومن ثم إنطلق الى بقية المهرجانات الدولية وطاف دول العالم من خلالها ، وحصل على الكثير من الجوائز . عرض ضمن تظاهرة نصف شهر المخرجين في مهرجان كان .. حصل على شهادة أفضل سيناريو ، وشهادة العمل الأول مناصفة ، وجائزة الإتحاد الدولي لنوادي السينما في مهرجان فالنسيا بإيطاليا .. عرض في مهرجان مونتريال الدولي .. عرض في مهرجان ميونخ الدولي .. عرض في مهرجان سينما البحر المتوسط ـ الجزائر .. عرض في مهرجان الإسكندرية . ولكن بالرغم من الترحيب الدولي ، الذي إعتبره البعض بأنه جواز مروره الى الداخل ، إلا أن (سرقات صيفية) فيلم مصري بكل المقاييس . فالفيلم أعتبر حينها تجربة فنية هامة ، خاضها المخرج/المؤلف مع طاقمه الفني الشاب . هذا إضافة الى إختياره لموضوع إجتماعي حيوي ، وطرحه ومناقشته من خلال أسلوب فني جديد وجرىء . فالمخرج هنا يناقش العلاقة الحساسة بين طبقة الإقطاع وبين قرارات ثورة يوليو الإشتراكية . كما يتابع عملية تحلل هذه الطبقة وتفككها ، وما صاحبته من أمراض إجتماعية وعلاقات إنسانية محبطة ــ فاصل موسيقي ــ في فيلم (سرقات صيفية) ، نحن أمام فترة تاريخية تعد من بين أهم فترات التحولات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية في التاريخ المصري إبان قرارات ثورة يوليو ، والمتعلقة بقوانين الإصلاح الزراعي في مطلع الستينات ــ فاصل موسيقي ــ يأخذنا يسري نصر الله معه للتعرف على أجزاء من سيرته الذاتية ، ويضعنا أمام عائلة أرستقراطية تمثل شريحة أو نموذج للطبقة البرجوازية الكبيرة (الإقطاعية) المستقلة . هذه الطبقة / العائلة التي ظهرت من العدم .. ظهرت من خدعة ماكرة ، وذلك عندما جاء الجد الكبير الى مساحة من الأرض الجرداء وأقنع الفلاحين بأنها تحتوي على كنز . وعلى أساس هذه الخدعة/الكذبة تكونت قرية كايد ونشأت معها ملكية العائلة للأرض . وهكذا تبدأ جذور العائلة .. تبدأ بجد مغامر لا يستطيع حتى الإستمرار في كذبته هذه نتيجة إحساسه بالذنب . لذلك تكون الخمرة هي الملاذ المسكن والقاتل في نفس الوقت ، فيموت تاركاً ورائه زوجته وأبنائه (ريما ـ منى ـ أمينة ـ عزيز) ، وتاركاً أيضاً ذلك الحمل الكبير على أعتاق الجيل الثاني لكي يواجه تناقض المنشأ وعقدة الأصل ــ فاصل موسيقي ــ تتزوج البنات من برجوازيين بحثاً عن التوازن الطبقي وإستكمالاً لمقومات الملكية ، ويتزوج الإبن من لبنانية بحثاً عن وطن آخر . إنهم لا يثقون في ملكية الأرض لهذا يدعمونها بأشياء أخرى . ثم يأتي الجيل الثالث (ياسر + داليا) في ظل تاريخ جديد للملكية فنجده يبحث عن إنتماء جديد ، فلا يجد أمامه سوى الفلاحين المطحونين . ففي محاولة من ياسر و داليا للبحث عن الصداقة والحب نراهما يسعيان لتكوين علاقات مع الفلاحين . إلا أنهما يصطدمان بقوانين العائلة ، حيث الملكية هي المحتوى الذي تتشكل حوله صراعاتهم الجديدة . وبعد وفاة الجد ، تبقى زوجته لترى الإضطراب الذي يحدث من بعده .. فهي الآن أشبه بالعاجزة .. صامتة طوال الوقت ، ربما تعبيراً عن الرغبة في الإنفصال عن الواقع الجديد .. أحياناً تترك مخيلتها لتغوص في بحيرة ذكرياتها وتتشبث بما كان من لحظات جميلة ، وتكون في نفس الوقت شاهدة على إضطرابات بناتها وصراعاتهن النفسية ــ فاصل موسيقي ــ فالبنت الكبرى (أمينة) تبدأ هي أيضاً في فقد سمعها ، وتنتابها حالات وهواجس الفلاحين اللصوص . والإبنتان (ريما ـ منى) تنفصلان عن زوجيهما . الأولى نتيجة الخلاف معه على بيع الأرض وإستثمار ذلك في تأمين مستقبل الأولاد . أما منى فتترك زوجها لكي تتزوج من رجل الدولة الذي سيساعدها في حماية الأرض ، حيث أنها تشكو من إضطراب في علاقتها الزوجية . بالرغم من أنها تتحلى بشخصية قوية مسيطرة ، فهي نموذج الأرستقراطية العنيدة التي لا تريد التنازل عن أرضها ، وتريد طرد الفلاحين منها وتحويلها الى حدائق للفاكهة . وهي بالتالي تمتلك نفوذاً وسيطرة كبيرة على كافة أفراد العائلة ، وخاصة أختها ريما . يبقى ياسر و داليا اللذان قاما بمحاولة للتحرر من أسر القيد الطبقي وتكوين علاقات مع أفراد من خارج الطبقة ، وذلك من خلال علاقة ياسر بـليل و داليا بـعبدالله ، إلا أن قوانين المجتمع والعائلة الأرستقراطية وأنظمتها تقف عائقاً لتحقيق ذلك ياسر يحب صديقه "ليل" حباً ملكياً محدوداً ومحصوراً داخل نفس الأطر والمقاييس الأيدلوجية لطبقته ، كما يتضح ذلك في أنانيته وتخليه عن صديقه بعد إلقاء القبض عليه نتيجة قيامهما بالسرقات الصيفية . و"ليل" يحب ذلك الحب الذي يمكن لعبد أن يحبه .. حب الأسياد والرغبة الورعة في وصالهم . كذلك داليا التي تحب عبدالله إبن الفلاحة حباً خطابياً عاجزاً ، فهي تماثل والدتها في عواطفها وترغب في إبن فلاحين متعلم يساعدها في تخطي أزماتها . وعبدالله ذلك الضابط الذي إلتحق بالكلية الحربية بمساعدة العائلة الإرستقراطية ، يظل أيضاً عاجزاً أمام داليا ولا يتملكها كموضوع للحب والشهوة ــ فاصل موسيقي ــ إن يسري نصر الله يضعنا أمام مأساة هذه العائلة الإقطاعية ، التي تعيش تناقضات كثيرة وخطرة على مستوى العلاقات الإجتماعية والإقتصادية ، وبالتالي تؤدي الى تفككها وتحللها نتيجة تلك الهزات العاطفية والأمراض النفسية المتأصلة . فالجيل الأول لم يتوصل الى المصالحة النفسية مع الذات ، ليصاب بالقلق والإضطراب . والجيل الثاني يصاب بالعجز وعدم التواصل مع الآخر . أما الجيل الثالث فقد وصل حد الكراهية للذات والرغبة في الضياع . الصراع يدور بين شخصيات الفيلم/العائلة ضمن ثلاثة محاور .. الملكية ـ العائلة ـ الدولة . الملكية : تتجسد في شخصية الجد ، كونه مؤسس هذه الملكية وشرف الأبناء الدفاع عن هذه الملكية . والعائلة : تبدأ نتيجة لهذه الملكية وتستمر كوعاء لها . فالعائلة في هذه الحالة ليست عبارة عن علاقات إجتماعية مترابطة ، وإنما هي علاقات تحتويها إضطرابات كثيرة مع كل تغيير يطرأ على الأرض/الملكية ــ فاصل موسيقي ــ فنحن كمتفرجين يداخلنا الشك في وجود علاقات طبيعية كالتضامن والمحبة والأخوة بين أفراد هذه العائلة ، وإن وجدت فهي وسائل فقط للحفاظ على ملكية الأرض وإستمرارها . ثم المحور الثالث وهو الدولة : التي هي إستمرار للتاريخ الإجتماعي للعائلة ، فالحكومة هنا هي الهرم الذي يجاور الملكية ويكون حارساً عليها . وعندما لن يكون كذلك فإن الملكية تكون في خطر ــ فاصل موسيقي ــ لقد نجح المخرج يسري نصر الله في الغوص في أعماق شخصياته المتمثلة في أفراد العائلة ، وتعرية طبيعتها ودوافعها وإدانتها بشكل قاس وجريء ، ولكنه في نفس الوقت كان حريصاً على أن يمسح على آلامها وجروحها بحب وحنان . إننا نشعر بمأساة هذه العائلة ونتفاعل معها ، فهي تشحننا ضدها على المستوى الإجتماعي والسياسي ، كما تثير تعاطفنا على مستوى أزماتها العاطفية والنفسية . والفيلم ينطلق من مجموعة حية من الأفكار والمشاعر ، ويداعب عواطف راقية للمتفرج الحساس الذي لا يبحث عن الميلودراما المخدرة . وهو أيضاً فيلم لا يعتمد في سرده على الأسلوب التقليدي للدراما ، وإنما على توظيف إمكانيات السينما في خلق حالات وعلاقات . لذلك فمن الصعب البحث عن حدوتة أو أحداثاً متتابعة ، هذا إضافة الى أن المخرج قد نجح الى حد كبير في السيطرة على جميع أدواته الفنية والتقنية (أداء ـ تصوير ـ مونتاج ـ موسيقى ـ ديكور) ، كما إستطاع نصرالله توظيف هذه الأدوات لخدمة مضمونه الدرامي . فالملاحظ بأن أغلب المشاهد التي تدور داخل البيت الكبير بأسواره وأثاثه وألوان شبابيكه ، تميزت بإضاءة محايدة بين الحزن والفرح .. إضاءة خافتة وألوان مطفئة ، وليس هذا إلا تعبيراً موحياً وتجسيداً لكافة العلاقات الإنسانية المتناقضة والعواطف المحبطة . هذا بخلاف الجزء الثاني من الفيلم حيث الإضاءة الساطعة ، بعد تفكك العائلة وإنهيار البيت الكبير ، أضيئت المشاهد هنا لكي نرى هذا التفكك والإنهيار ، كما عبر ياسر في حديثه عن مشهد مماثل في بيروت ــ فاصل موسيقي ــ إن يسرى نصر الله في فيلمه هذا يقوم بعرض هذه المرحلة التاريخية الهامة من خلال الحياة اليومية لهذه العائلة ، بكل تفاصيلها وخصوصياتها ، وتجسيدها بشكل واقعي صادق من خلال ذلك الإيقاع المميت لتتابع المشاهد وحركة الكاميرا أو المونتاج الحاد في القطع . إنه يتذكر جوانب من سيرته الذاتية ، لذلك أتصف الفيلم بدفء المعايشة الشخصية للحدث أخيراً .. ينبغي الإشارة الى أن فيلم (سرقات صيفية) عمل ليس له علاقة تماماً بالإنتاج السينمائي المصري المهيمن .. عمل متحرر من كافة قيود الإنتاج التقليدي .. عمل لا يعتمد على نظام النجوم . كل هذا قد جعله فيلماً متميزاً ، وجعل مخرجه في حالة فريدة من الحرية الفنية والشخصية ، لتقديم فيلم إنطلق أساساً من قناعاته هو كفنان وإنسان ، وكانت النتيجة مذهلة . فقد تخطى بنجاح هذه المغامرة الفنية الخطرة في ظل هيمنة تيار السينما التقليدية ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (أربعة في مهمة رسمية) ، بطولة أحمد زكي ونورا ونجاح الموجي ، ومن إخراج علي عبدالخالق . وهو إنتاج عام 1987 كثيرة هي الافلام التي تناولت الروتين الحكومي والنقد الاجتماعي لبعض القوانين واللوائح الجامدة . فهناك مثلاً افلام (التخشيبة ، بيت القاصرات ، آخر الرجال المحترمين) والعديد من الافلام ــ فاصل موسيقي ــ وفيلم (اربعة في مهمة رسمية) ، واحداً من هذه النوعية ، وهو للمخرج علي عبد الخالق ، وهو مخرج غزير الانتاج . فمنذ ان نجح فيلمه (العار) عام ،1982 وهو يقدم ثلاثة او اربعة افلام في السنة ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الذي نحن بصدده الآن يقدم لنا (احمد زكي) كموظف يحلم بحياة متجددة ، يحلم بتغيير روتين حياته ويؤمنها مادياً في نفس الوقت بعدما اعيته الحياة الراكدة في مجتمع الصعيد . لذلك اتفق على عقد عمل في مجال السياحة باليونان . يجد هذا المظف نفسه في وسط ظروف صعبة تهزه من الداخل وتجعله يحيا تجربة صدامية اخرى مع الروتين ، وذلك من خلال قيامه بمهمة رسمية للمصلحة الحكومية التي يعمل بها ، وهي تسليم تركة الى بيت المال بالقاهرة تتكون من قرد وحمار ومعزة . ويعتقد هذا الموظف بسهولة المهمة ، وانه في مقدوره القيام بها بسرعة قبل إلتحاقه بالعمل في اليونان . يكتشف هذا الموظف البسيط فيما بعد بانها مهمة غاية في الصعوبة والتعقيد حيث اصطدامه بجدار الواقع الصعب والروتين الحكومي القاتل ، وبالتالي تنعكس عليه كل عقد وتراكمات النظام الوظيفي ــ فاصل موسيقي ــ هذه هي الفكرة الرئيسية في الفيلم ، والتي يقدم المخرج من خلالها تجسيداً صارخاً لعيوب المجتمع الوظيفي الذي يخضع للروتين . كما يسخر من البيروقراطية المتعفنة من خلال حس نقدي واع وفي إطار دراما كوميدية خفيفة . القصة كتبها الصحفي محمد دواره ، وكتب لها السيناريو المخرج مع عبد الجواد يوسف ، اما الحوار النقدي الساخر فكتبه المسرحي علي سالم . ثم يأتي اسم حسين القلي منتج الفيلم ، هذا المنتج الفنان الذي قدم للسينما المصرية افلاماً طليعية هامة ، مثل : الطوق والاسورة ، البداية ، زوجة رجل مهم ، احلام هند وكاميليا ، يوم مر .. يوم حلو . وهو المنتج الذي يصر دوماً على انتاج افلام تحاول ان تغير اتجاه ذوق المتفرج المصري والعربي ، بحيث تخاطب هذه الافلام عقله ووعيه في ثوب فني رائع ، على أيدي قلة من المخرجين المتميزين ــ فاصل موسيقي ــ لقد إختار المخرج علي عبد الخالق اسهل الطرق للوصول الي قلب المتفرج ، فقدم الكوميديا والنقد الاجتماعي متلازمين . هذا مع التأكيد على إبراز دلالات وإسقاطات تعمق وتنتقد العيوب والسلبيات التي يصطدم بها بطل الفيلم . كما يؤكد ضياع البشر مادياً واجتماعياً في ظل البيروقراطية والبطالة المقننة بالنسبة للاخراج في الفيلم فهو عادي ، إنتهج فيه المخرج الاسلوب التقليدي ، فليس هناك لمحات اخراجية متميزة غير عادية ، الا انه لابد من الاشارة الى ان المخرج وفق كثيراً في ادارة ممثليه وطاقمه الفني ، هذا إضافة الى التوفيق في تجربته الاولى في التعامل مع الحيوان كممثل . اما احمد زكي فقد كان له دور فعال وبارز في نجاح هذا الفيلم ، حيث حمل الفيلم بأكمله على عاتقه وأدى دوره بنجاح وتلقائية مذهلة ، قدمه بفهم كامل للشخصية ، وكشف عن مواهب وطاقات يمتلكها في مجال الكوميديا ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 15 أعزائنا المستمعين نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (ملف في الآداب) ، بطولة مديحة كامل وصلاح السعدني وفريد شوقي ، ومن إخراج عاطف الطيب . وهو من إنتاج عام 1986 ــ فاصل موسيقي ــ في فيلم (ملف في الآداب) ، وهو ثالث تعاون بين عاطف الطيب والسيناريست وحيد حامد ، بعد فيلمي (التخشيبة و البريء) ، يواصل الإثنان البحث في موضوعهما الأثير ، وهو الحد الفاصل بين جهاز الأمن كقوة لخدمة المواطن وتحقيق الأمان له ، وبين جهاز الأمن كأفراد وكروتين وكإجراءات تعيق تحقيق ذلك ، بل وتقلبه أحياناً الى قوة تمارس السلطة وتتلذذ بها . ويأتي فيلم (ملف في الآداب) ليمثل حلقة جديدة من هذا التعاون ، حيث يجد المواطن العادي نفسه ، أمام سوء إستخدام السلطة ، متهماً ومهدور الكرامة في دهاليز مكاتب الأمن والمحاكم بدون وجه حق ــ فاصل موسيقي ــ تدور قصة الفيلم حول عملية إتهام ثلاث فتيات ورجل ، بإدارة شبكة للدعارة ثم براءتهم من هذه التهمة . ربما تبدو هذه القصة بسيطة ، إلا أنها قضية شائكة ، فهذه البراءة التي حصلوا عليها لا تمنع في أن يكون لكل واحد منهم ملفاً عند شرطة الآداب . وهذا يعني بأن البراءة القانونية شيء ، وصفاء السمعة الإجتماعية وإستمرار إتهام المجتمع الذي سيظل سيفاً مسلطاً على رقاب الأبرياء الى ما لا نهاية شيء آخر .. وبالتالي فالموضوع خطير وليس هيناً على الإطلاق ــ فاصل موسيقي ــ لقد جعل الفيلم المتفرج في حالة من الغيظ والإستفزاز ، إستمرت فترة ليست بالقصيرة ، حتى بعد إنتهاء مشاهدته للفيلم . وهذا بالطبع دليل واضح على صدق الفيلم ونجاحه في توصيل هذا الصدق الى المتفرج . فالشعور بالغيظ هي أيضاً حالة إيجابية مفترضة في حالة مشاهدة أي فيلم جاد . وبالتالي ، كان أمام عاطف الطيب موضوعاً يحمل فكرة جديدة وقوية ، حاول جاهداً توفير كافة الظروف لتوصيلها للمتفرج . أما السيناريو فقد كان متسرعاً ومتناسياً أحياناً إيجاد مبررات لتصرفات شخصياته . فمثلاً لم يكن مقنعاً ولا منطقياً ، ذلك التحول في شخصية الضابط المتحمس والأمين في عمله ـ كما ظهر في بداية الفيلم ـ الى ضابط يحمل شهوة جامحة لتعويض هزيمة سابقة ، بأن يلفق الأكاذيب ويزور أقوال المتهمين ويهددهم بالفضيحة في مقابل توقيعهم على ما يريد. ولم يتوقف السيناريو بالتأمل والتحليل لما حدث للضابط وظروف عمله بعد فشله ذاك ، كما لم يوضح المراحل التي مر بها هذا الضابط ، من إنكسار وهزيمة ، ورد فعله من الحدث الذي ظهر في مقدمة الفيلم ــ فاصل موسيقي ــ لقد كان واضحاً بأن الفيلم كان يتعجل الوصول الى النتيجة المثيرة للمتفرج . وبنفس التعجل ، يقفز بنا الفيلم الى مشهد المحاكمة ، دون المرور على الآثار النفسية والإجتماعية الجانبية والهامة التي لحقت بعائلات المتهمات في قضية الدعارة . فالفيلم لم يوضح تأثير هذه القضية الأخلاقية على المحيط الإجتماعي لتلك الشخصيات . علماً بأن الفرصة كانت مواتية لتوضيح هذا الموقف من المجتمع ، بدلاً من الإكتفاء بحوار مباشر جاء على لسان المتهمات في مشهد المحكمة الحماسي والذي يحمل طابع المباشرة الفنية . وربما هناك من يقول ، بأن رسالة الفيلم قد وصلت الى المتفرج . وهذا صحيح ، إلا أنها لم تصل بلغة الصورة ، أي الصورة المعبرة . فقد كان الحوار الكثيف مسيطراً وزائداً في أحيان كثيرة ، وهو الذي كان له الفضل الأكبر في التوصيل . مع إن هذا ، لا يمنع من القول بأن الفيلم جديد في طرحه الإجتماعي الجريء ، وإن السيناريو قد صيغ بحيث يستفز المتفرج ويجعله يرفض هذا الإستخفاف بمصائر الناس ــ فاصل موسيقي ــ ومن المهم الإشارة الى أن عملية التلفيق والتجريم التي قام بها الضابط ، والتي ركز عليها السيناريو في هذا الفيلم ، تختلف إختلافاً كلياً عن الإضطهاد البوليسي من قمع وإرهاب وتعذيب . فالفيلم هنا تطرق الى سوء إستخدام القانون والذي بدوره يؤدي الى التجريم . وهذا بالطبع أخطر بكثير من تصوير الإضطهاد البوليسي ، حيث أن الفيلم يشير بإصبع الإتهام الى النظام القانوني نفسه وليس الى مجرد شريحة إجتماعية معارضة له . بل على العكس من ذلك ، فالتجريم القانوني هنا ، واقع على شخصيات هي من نتاج عامة الناس ، إن لم يكونو من مؤيدي هذا القانون نفسه .. وهنا تكمن أهمية الفيلم فكرياً وفنياً يبقى هنا دور المخرج عاطف الطيب في إيصال هذا الفيلم الى المتفرج ، فعلاوة على إقتناعه بفكرة الفيلم الجريئة ، وهذا بالطبع يمثل شجاعة إجتماعية تحسب له كمخرج ، فقد أظهر إيمانه وتبنيه لهذه الفكرة بوسائله الفنية التي حققت إستفزازية المتفرج وتعاطفه مع شخصيات الفيلم . ولا يمكن نكران ذلك الجهد الفني المبذول من المخرج في الإحتفاظ بالنبض المتدفق والإيقاع السريع واللاهث للفيلم . أي أن المتفرج يلهث وراء مجموعة من المتهمين الأبرياء ، يعرف مسبقاً تلك المأساة التي سيتورطون فيها . وبالتالي نجح عاطف الطيب في الموازنة بدقة بين الإيقاع البوليسي للفيلم ، وبين إيقاعه كفيلم يحمل هدفاً فكريا إجتماعياً ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (أفواه وأرانب) ، بطولة فاتن حمامة و محمود ياسين ، ومن إخراج هنري بركات . وهو إنتاج عام 1977 . وفيلم (أفواه وأرانب) واحد من أبرز الأفلام المصرية الناجحة فنياً وجماهيرياً . فقد تصدر قائمة الأفلام المصرية في موسم عرضه ، وحقق أعلى الإيرادات في شباك التذاكر . في هذا الفيلم ، نحن أمام نموذج هام وخطر للسينما الخطرة التي تصنعها الرجعية . فقد توفرت للفيلم كافة الإمكانيات الفنية والإنتاجية ، إلا أنه ـ بما يطرحه من أفكار ـ قد شكل حينها بديلاً مطروحاً في مقابل نماذج كثيرة قدمتها السينما التقليدية ، نماذج رخيصة ومبتذلة ورجعية في أفكارها وإتجاهاتها لخدمة تلك الأفكار السائدة ، وهذا راجع ـ بالطبع ـ لضعفها الفني ، وعدم مقدرة مخرجيها في التعامل مع مادتها الفكرية ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة لفيلم (أفواه وأرانب ) فالأمر يختلف الى حد كبير . فالفيلم مصنوع بدقة وإهتمام زائد من الناحية السينمائية . إضافة الى الذكاء والحذر في صياغة نواحيه الفكرية . فدعونا أولاً ، نبحث في النواحي الفنية التي توفرت لهذا الفيلم والأسباب التي أدت الى ذلك الإقبال الجماهيري الهائل الذي حضي به الفيلم . قد يكون أحد أسباب نجاح الفيلم هو قيام فاتن حمامة ببطولة الفيلم ، وهي ممثلة كبيرة ونجمة جماهيرية ، تعتبر من القليلات في السينما العربية اللواتي يمتلكن جاذبية ذات تأثير كبير ـ ومنذ اللقطة الأولى ـ على الجمهور . هذا الإنجذاب والتفاعل العاطفي اللاإرادي من الجمهور هو عبارة عن حصيلة أو تراكم لمجمل الشخصيات المتميزة التي قدمتها هذه الفنانة ، وبالتالي تفاعل الجمهور مع أي عمل فني تقدمه يكون تفاعلاً عاطفياً ، بل ويصبح المتفرج غير قادر على تشغيل ذهنه فيما يرى أمامه . ولكن وجود فاتن حمامة في الفيلم يعتبر سبباً غير كافٍ ، لذا ينبغي البحث عن الأسباب الفنية والفكرية الأخرى ــ فاصل موسيقي ــ فيلم (أفواه وأرانب) يتحمل أعباءه مخرج كبير هو الفنان هنري بركات ، وهو الذي سبق أن قدم فاتن حمامة في مجموعة من أهم أدوارها على الشاشة مثل : دعاء الكروان و الحرام . وبركات مخرج متمكن من الناحية التقنية ، بل ويعتبر من أهم مخرجي السينما الرومانسية والكلاسيكية . لذلك نلاحظ تلك الرومانسية الهادئة التي إحتواها فيلم (أفواه وأرانب) ، والتي أبعدته عن الإبتذال والسطحية السائدة في أغلب الأفلام المصرية . هذا إضافة الى قدرة المخرج المعهودة في إدارة ممثليه ونجاحه في إستخراج ما لديهم من وقدرات أدائية ــ فاصل موسيقي ــ وهناك ـ أيضاً ـ التصوير الجيد الذي أداره الفنان الكبير وحيد فريد ، وهو مدير تصوير أغلب أفلام فاتن حمامة . حيث إهتم كثيراً في هذا الفيلم بالتفاصيل الكبيرة والصغيرة وأبدى إهتماماً زائداً بتوزيع الإضاءة الذي يتناسب والتوتر النفسي للشخصيات ، وبالذات شخصية فاتن حمامة . كذلك كان الديكور للفنان التشكيلي نهاد بهجت ، والموسيقى للفنان جمال سلامة ، والمونتاج للفنانة رشيدة عبد السلام . أما السيناريو والحوار فكان للفنان سمير عبد العظيم ، الذي كتب حواراً قوياً وذكياً ، أعطى للأحداث والشخصيات مصداقية وبعداً واقعياً عميقاً . كل هؤلاء إجتمعوا فكونوا فريقاً فنياً متكاملاً من النادر تواجده في فيلم واحد هذا الفريق الفني إستخدمه بركات لتقديم فيلم نظيف فنياً ، وخلق علاقة تعاطف بين الجمهور وشخصيات الفيلم الطيبة والخيرة . ولكنه ـ في المقابل ـ إستخدم فريقه الفني هذا لخلق ذلك الإيهام بالواقع .. كيف يكون ذلك ؟ دعونا نبحث في ذلك ــ فاصل موسيقي ــ في هذا الفيلم ، هناك فكرتان أساسيتان تدور حولها الأحداث : فكرة التصالح الطبقي ، وفكرة تحديد النسل . ومن هاتين الفكرتين تتفرع عدة أفكار ثانوية كثيرة ، كفكرة الصراع بين الخير والشر وغيرها من الأفكار المثالية . فكرة التصالح الطبقي تدور بين فاتن حمامة المنتمية الى الطبقة العاملة الفقيرة ، وبين محمود ياسين البورجوازي النبيل . ولكن الصراع ـ كما بينه الفيلم ـ لا يدور بين هاتين الطبقتين ، بل بين كل واحد منهما وبين أنداده من نفس الطبقة . ولا يتم اللقاء بين فاتن ومحمود إلا بعد أن ينتصر كل منهما على طبقته ، سواء كان ذلك بالإقناع أو بالعناد ، حيث لا فرق في هذا عند صناع الفيلم والفيلم بذلك قد إعتمد في توصيل فكرة التصالح الطبقي على تحويل الصراع الطبقي الى صراع أخلاقي بين الخير والشر ، وصرف النظر عن الدوافع الإجتماعية التي تحرك هذا الصراع . وهذا ـ بالطبع ـ منطق متخلف كما نظن . وحتى إذا قلنا بأن لفاتن حمامة هنا خصوصيتها الشخصية ، أي بأنها ليست شخصية نمطية شائعة ، فإن المخرج قد نجح بإستخدامه لكافة تلك العناصر السينمائية الفنية التي تحدثنا عنها سابقاً ـ وبالأخص فاتن حمامة ـ في تحويل الخاص الى عام ، في تحويل شخصية فاتن حمامة من حالة خاصة الى حالة عامة . وبالتالي ، فقد لعب ذلك التعاطف الذي نشأ بين الجمهور وبطلته ، دوراً سلبياً ومخرباً ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة للفكرة الأساسية الأخرى ، فإن الفيلم قد طرح مشكلة الإنجاب وتعدد الأطفال لدى العائلات الفقيرة ، طرحها بشكل سطحي فقط ، متجنباً ـ بالطبع ـ علاجها جذرياً . فهو يبدأ وينتهي بلقطات قصيرة وسريعة لأطفال منتشرين في الشوارع ، تقول بأن هذه المشكلة هي السبب في الفقر الذي تعاني منه عائلة فاتن حمامة . وهي ـ أيضاً ـ السبب الذي يجعلها تخشى الزواج إن مشكلة الإنجاب هذه حاضرة في كل لحظة من لحظات الفيلم ، وبالتالي فالفيلم يدينها . ولكن المخرج لا يتردد لحظة واحدة في إيجاد حل سحري لها ، حيث يكون الحل على يد البورجوازي النبيل ، عندما يأتي في النهاية ويصطحب أفراد العائلة جميعاً ليعيشوا معه في المزرعة . وهذا ـ بالطبع ـ حل فوقي مزيف للمشكلة ، يطرحه الفيلم بديلاً للحل المنطقي . أي إنه حل يتناول الشكل الخارجي للمشكلة وليس جوهرها ، فالمشكلة الأساسية هنا هي مشكلة النظام الإقتصادي العاجز عن إستيعاب مالديه من طاقات بشرية نتيجة غياب التخطيط المستقبلي السليم ــ فاصل موسيقي ــ وكما يفعل الفيلم ، حين يعمم الحل القائم على التصالح الطبقي ، نراه يعمم الحل السحري بالنسبة لمشكلة الإنجاب . فمثلما وجدت فاتن حمامة من يحبها ويرفعها طبقياً ، كذلك يجد الأطفال سيداً يرعاهم ويوفر لهم ما كانوا محرومين منه ، وبالتالي ينهي مشكلتهم . هنا يكون الفيلم وصناعه قد حققوا ما أرادوه من توصيل هذه الأفكار ، وذلك بدغدغة عواطف المتفرج ، وإستدراجه للتعاطف مع الفيلم وأبطاله وبالتالي أفكاره . وإظهار السيد البورجوازي كالبطل المنقذ في النهاية ، دون أن يتركوا أي مجال للمتفرج بالتفكير في حل آخر ، أو إنتظار أي منقذ آخر ولكن بالرغم من كل ذلك ، فلا بد من الإشارة الى أن ( أفواه وأرانب ) فيلم جيد فنياً ومتقن في صناعته السينمائية . وهذا بالذات ما دفعنا الى تناوله من الناحية الفكرية بل والتركيز عليها . لأن مثل هذا الفيلم يشكل خطراً أكبر على الجمهور ، وكان لابد من فضحه ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 16 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (مشوار عمر) ، بطولة فاروق الفيشاوي ومديحة كامل وممدوح عبدالعليم ، ومن إخراج محمد خان . وهو من إنتاج عام 1985 . ــ فاصل موسيقي ــ في حلقتنا هذه ، نحن أمام فيلم مصري هام للمخرج الفنان محمد خان ، وهو الفيلم التاسع في قائمة أفلام المخرج . ففي (مشوار عمر) بالذات تبدأ إهتمامات محمد خان بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع ، حيث يتناول تأثيراتها النفسية على الانسان المصري ، بأسلوب سينمائي جديد وخلاق وغير مباشر في نفس الوقت . فهو هنا يتناول قضية إجتماعية هامة وخطيرة . وقضية الفيلم ، هي قضية الشباب الفاقد لكل الاحلام والطموحات .. الشباب الذي ينحدر من سلالة الطبقة البورجوازية الجديدة ، التي أثرت ثراء سريعاً في ظل سياسة الانفتاح الاقتصادي ، وساهمت بشكل كبير في بروز المجتمع الاستهلاكي . ومن ثم ظهرت ثروات مادية صخمة وخيالية .. ثروات تحطمت فوقها كل أحلام وطموحات أبناء هؤلاء الانفتاحيين الاثرياء . فلم يعد هؤلاء الشباب في حاجة الى الحلم بالحصول على سيارة مثلاً .. أو الحاجة للدخول في أية مشاريع إستثمارية لضمان المستقبل ، فكل شيء سهل وميسور وفي متناول أيديهم . ومع ضياع الحلم والطموح لدى هؤلاء الشباب ، أصبحوا يفتقدون لأي هدف حقيقي واضح ، وإنعدمت في داخلهم روح تحمل المسئولية ، كما أصبحوا يعيشون على هامش هذه الحياة . ــ فاصل موسيقي ــ هذا ما قدمه محمد خان ورؤوف توفيق (كاتب السيناريو) من خلال فيلمهما هذا ، وذلك عندما أخذانا مع عمر (فاروق الفيشاوي) في مشوار مليء بالمفاجآت إستغرقت أحداثه ثمان وأربعون ساعة فقط . فعمر هذا هو ذلك الشاب الذي يملك كل شيء دون أن يؤدي أي شيء . فبالرغم من أنه يحمل مؤهلاً جامعياً إلا أنه لا يجد ضرورة لأن يعمل ، معتمداً علي ثروة والده تاجر المجوهرات في تأمين حياة رغدة وسهلة له . ولهذا نري عمر شاباً مدللاً ومستهتراً وغير مسئول ، لا يخطط للوصول الى هدف معين ويعيش حياته بلا معنى بعيدة عن الاستقرار الاجتماعي والنفسي . فهو يملك سيارة فخمة وثمينة إشتراها له والده . هذه السيارة بشكلها وطرازها الأخاذ تتحدى كل من يراها ، وتترك في عيونه نظرة هي مزيج من الحسد والإعجاب ، وهي بالطبع جزء لا يتجزأ من شخصية عمر ، لا يعيش إلا بها ولها ، ولا يتركها إلا ليعود إليها . فكل أحداث الفيلم تسير بشكل متواز معه ومعها ، لذلك تظل ماثلة أمامنا دائماً حتى عندما تسرق ، وذلك عندما نلاحظ التغيير المفاجىء الذي يحدث لشخصية عمر بسبب فقدها ، وكأنما يفقد بذلك كل مكونات شخصيته . ــ فاصل موسيقي ــ يتعرض هذا الشاب للإستجواب من قبل فتاة (سمية الألفي) كانت تربطه بها علاقة عاطفية عندما كان يسكن نفس الحي الشعبي الذي تسكنه ، وقبل أن ينتقل الى حي آخر أنيق يناسب مركزه المالي ، ناسياً أصوله الاجتماعية وناسياً جيرانه ورفاقه . هذه الفتاة تحاول إستفزازه عندما تواجهه ببعض الحقائق التي لا يرغب في مواجهتها . ولكن هذه اللحظة ليست هي محور الفيلم ، بل يتجاوزها محمد خان سريعاً باعتبارها بداية الامتحان الصعب والتجربة الحياتية الهامة التي يعدها لعمر . يبدأ عمر مشواره الاجباري بتوصيل صندوق مجوهرات الى طنطا حيث كلفه والده بذلك . فماذا يصادف في مشواره هذا ؟ نراه يلتقي بشخصيات ونماذج إنسانية كثيرة .. نماذج تجسد حالات ومواقف كثيرة وترصد الكثير من التحولات والتطلعات الاستهلاكية المستجدة ، يتعرف من خلالها على سلوكياتهم وممارساتهم . ــ فاصل موسيقي ــ في البدء يلتقي بشاب قروي إسمه عمر أيضاً (ممدوح عبدالعليم) ، شاب بسيط فقير وساذج ، ليست لديه طموحات من أي نوع ، مستسلم لقدره بالعمل في محطة ينزين حيث يلتقيه عمر الاول عندما ينفذ بنزين سيارته . لكنه يقبل بسرعة عرض عمر له بمصاحبته في مشواره وتوفير عمل مناسب له في القاهرة ، وذلك رغبة منه في تحقيق حلمه بالتخلص من حالة الفقر والواقع الصعب الذي يعيشه ، رغم معارضة والده الفلاح لفكرة السفر . كما يلتقي عمر بسائق الشاحنة الحرامي الحاقد على مجتمعه .. هذا المجتمع الذي علَّمه أن يكره ويقتل ويتحدى كل القوانين . أيضاً هناك نجاح (مديحة كامل) المرأة التي دفعتها ظروفها الى الانحراف . والكثير من الشخصيات والاحداث والتفاصيل الصغيرة التي جعلت من هذا المشوار عبارة عن تجربة ذاتية هامة ومؤثرة يكتسبها عمر في النهاية عندما يجد نفسه وحيداً ضائعاً ويائساً داخل سيارته المحطمة فوق صخور شاطيء البحر المهجور . هنا يجد نفسه في مواجهة ذاته ، فأما أن يعيد النظر في مشوار حياته القادمة ، أو يكرر المشوار ذاته . فالفيلم لا يوضح لنا ذلك ، لكننا نشعر بأن تغييراً كبيراً سيطرأ على حياة عمر ، يتبعه تغيير في مواقفه وعلاقاته ورؤيته للحياة . ــ فاصل موسيقي ــ إن محمد خان في فيلم (مشوار عمر) يقدم تجربة سينمائية جريئة طموحة وغير تقليدية بالنسبة للسينما المصرية . ويتضح ذلك منذ اللقطة الأولى .. منذ الدقائق الأولى . حيث يضعنا أمام شخصيته الرئيسية مباشرة ، ومن خلال لقطات سريعة وخالية من أية ثرثرة حوارية ، مختصراً بذلك كل من يمكن أن يقال من شرح وتقديم مطول عودتنا عليه الافلام المصرية التقليدية . كما لا يفوتنا أن نشير الى أن محمد خان قد جعل من نجاح وعمر الثاني شخصيتين مساندتين للشخصية المحورية ، حتى يبرز ما في أعماقها من متناقضات سلوكية أخلاقية ونفسية . وهو لا يتخذ موقفاً مباشراً من هاتين الشخصيتين ، فهما مناسبتان لظروف ذاتية وموضوعية ، ولكنه يعرض مبرراتهما بشكل صادق وموضوعي ، تاركاً للمتفرج الحرية في إصدار الحكم عليهما . هذا بالاضافة الى أن محمد خان هنا لا يعتمد على الحدوته التقليدية المتمثلة في الحبكة البسيطة لسرقة المجوهرات من السيارة ، والمحاولة اليائسة لاستعادتها ، وإنما يهتم إهتماماً خاصاً بشخصياته وما تصادفه من أحداث ومواقف ، بغية التعبير عن وجهة نظره ورؤيته السينمائية إزاء تلك الشخصية البورجوازية الطفيلية التي برزت بشكل واضح في مجتمع الانفتاح الاقتصادي الاستهلاكي . ثم أننا نراه هنا قد إستغنى تماماً عن الموسيقى التصويرية وإكتفى بصوت إذاعة مونت كارلو منطلقاً من داخل السيارة بما يحويه من أخبار وحوار مع نجوم المجتمع وأغنيات وموسيقى الروك أند رول . وبالطبع لم يأت هذا الاختيار إعتباطياً ، بل جاء تعبيراً عن جو الانحباس لدى عمر وتعلقه بهذه السيارة . أما نهاية الفيلم فقد كانت منطقية الى حد كبير ، حيث نلاحظ إبتعاد محمد خان عن النهايات الملفقة ذات الحلول النمطية السهلة . فنحن نرى عمر وقد قذفت به ظروف مشواره في مكان مهجور ، بعد أن نجح سائق الشاحنة في سرقة المجوهرات ، وعاد عمر الثاني الى مكانه الطبيعي وهو العمل في الارض ، بعد ضياع أحلامه وتبخرها ، وواصلت نجاح مسيرتها الخاصة جداً . وكما عودنا خان في جميع أفلامه ، إنطلق بكاميرته الي الاجواء الرحبة والحياة العادية لتكون شاهدة على ما يدور ويحدث أمامها من حالات ومواقف ناقلة لكل الانفعالات والممارسات الصادرة من شخصيات الفيلم ، وقد نجحت الكاميرا بالفعل في تجسيد كل ذلك بأمانة وصدق وتلقائية منسابة غير مقحمة بقيادة مدير التصوير المبدع طارق التلمساني . وأخيراً .. نؤكد من جديد بأن فيلم (مشوار عمر) يعتبر علامة بارزة وهامة ليس في مشوار محمد خان السينمائي فحسب ، بل في مسيرة السينما المصرية . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم الأمريكي (رجل المطر RAIN MAN ) ، بطولة داستن هوفمن و توم كروز . وهو إنتاج عام 1988 . فيلم ( RAIN MAN ) من أبرز الأفلام التي عرضت عام 1988 ، وإستحق لقب فيلم الجوائز ، حيث حصل على ثمان جوائز أوسكار ، من أهمها أفضل فيلم ، أفضل إخراج ، أفضل ممثل ، كما حصل قبل الأوسكار على جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين الدولي . ــ فاصل موسيقي ــ يتناول فيلم ( RAIN MAN) عزلة الفرد وإغترابه في وسط مجتمعه ، كما يؤكد على ضرورة الإتصال مع الآخر وفهمه وقبوله كما هو . وقد جاء تجسيد كل هذه المعاني من خلال تلك العلاقة التي تقوم بين شقيقين ، عندما يلتقيان من جديد بعد وفاة والدهما . أحدهما يدعى شارلي (توم كروز) يعمل في تجارة السيارات ويعاني من أزمة مالية ، وهو الذي لم يكن على وفاق مع والده المليونير وتركه له منذ أن كان في السادسة عشرة من عمره . أما الشقيق الأكبر ريموند (داستن هوفمان) فقد كان مقيماً في مصح للمتخلفين عقلياً منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً ، حيث كان يعاني من مرض عقلي دفعه الى التوحد مع الذات والعجز عن فهم الواقع والتعامل معه والصعوبة في إقامة علاقات سوية طبيعية مع الآخرين . لكن ريموند في ذات الوقت يملك قدرة هائلة ومذهلة في التعامل مع الأرقام وحل المسائل الحسابية ، هذا إضافة الى إمتلاكه لذاكرة قوية وملفتة يمكن أن تختزن معلومات وإحصائيات تثير الدهشة حقاً .. حوادث الطيران بتواريخها مثلاً . بوفاة الوالد ينتعش الأمل لدى »شارلي« لحل أزمته المالية ، معتقداً بأنه سيرث تركة والده ، إلا أنه يصدم عندما يعرف وصية والده ، والتي تقضي بملكيته للسيارة القديمة فقط ، تلك السيارة التي كانت سبباً في تأزم العلاقة بينه وبين والده . ولم يكن شارلي يتذكر بأن له شقيقاً ، بل أنه فوجىء بأن ملايين والده ورثها شخص يدعى »ريموند« ، لا يعرف معنى المال ولا كيفية التصرف فيه. ويكتشف شارلي أو يتذكر بأن ريموند هو نفسه » رينمانRAIN MAN « الذي كان يشعر بالراحة والطمأنينة في حضوره عندما كان صغيراً ، بل كان يعتقد بأن شخصية »رينمان« هي من نسج خياله هو . هنا يقرر شارلي ، وينجح في أن ينتزع شقيقه من المصح دون علم المشرفين هناك . ودافعه في ذلك هو إيجاد طريقة للحصول على نصف التركة ـ على أقل تقدير ـ من شقيقه مهما كلفه الأمر ، وفي سبيل ذلك يحتمل سلوك ريموند الطفولي ، ويتحمل المشاكل التي تترتب من جراء تخلفه العقلي . وهو ـ بالطبع ـ لا يتردد في إستغلال مهارات ريموند وقدراته على التعامل مع الأرقام في الكسب من صالات القمار في »لاس فيجاس« . ولكن فيما بعد يتغير موقف شارلي ، ويشعر تجاه ريموند بالحب والإحترام ، بل ويقرر الإعتناء بعه ورعايته ، غير إن هذا الأمر لا يمكن تحقيقه ، بإعتبار إن ريموند ليس مؤهلاً لفهم الحياة والتكيف مع العالم والناس خارج المصح العقلي . تكمن قوة الفيلم الفنية في أداء داستن هوفمان لشخصية ريموند ، حيث حرص هذا الفنان العبقري على دراسة شاملة للشخصية وسلوكها ، وإهتم بأدق التفاصيل المتعلقة بالحركة والإلقاء ، فقدم دوراً صعباً لا يتكرر ، ونجح بتمكن في توصيله بشكل مقنع ومدهش لا مثيل له ، هذا الدور الذي أهله للحصول على أوسكار أفضل ممثل . أما السيناريو ، فهو يقدم لنا رحلة يقوم بها شخصان يختلفان في كل شيء ، في سلوكهما وفهمهما ورؤيتهما للعالم ، ولا يربطهما سوى المال والعجز عن الإتصال والتفاهم . فإذا كانت حالة ريموند مرضية عقلية أساساً ، فإن حالة شارلي نفسية إجتماعية . صحيح بأن الفيلم قد أشار الى هذا الإرتباط بين الشخصيتين ، إلا أنه لم يحسن إستغلاله بشكل عميق . ثم أن السيناريو قد ركز فقط على الربط الوجداني الإنساني بين الشخصيتين ، وأغفل الأبعاد السيكولوجية والفلسفية التي كان من الممكن أن تضفي على الأحداث والشخصيات مصداقية أكثر . وبالرغم من هذا ، إلا أننا أمام فيلم نفذ بشكل جيد ومتكامل إخراجاً وتصويراً وموسيقى وأداء ، بل أن فيلم (رجل المطر RAIN MAN) سيظل علامة هامة لا تنسى في تاريخ السينما الأمريكية والعالمية . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 17 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (الأراجوز) ، بطولة عمر الشريف وميرفت أمين وهشام سليم ، ومن إخراج هاني لاشين . وهو من إنتاج عام 1989 . ــ فاصل موسيقي ــ بدأ إسم عمر الشريف يتردد من جديد في الاوساط الفنية المصرية والعربية ، بعد عودته للعمل في السينما المصرية . هذا الفنان الذي سحرته السينما العالمية وجذبته إليها وهو في قمة تألقه الفني في دنيا الفن العربي . كانت تلك مغامرة بالفعل لكنها ناجحة ، بل كانت بمثابة التجربة الفنية والحياتية الهامة في مشوار عمر الشريف السينمائي ، حيث تسنى له الاختلاط بكبار السينمائيين ، أمثال : المخرج ديفيد لين والممثلين بيتر أوتول و أنتوني كوين ، وغيرهما . ــ فاصل موسيقي ــ لهذا السبب ، لم يكن غريباً ان نشاهد ذلك الاداء المتميز من عمر الشريف في فيلم (الاراجوز) ، فهو أحد تلامذة المخرج العبقري ديفيد لين . ان عودة عمر الشريف ، بعد غياب دام عشرون عاماً ، بفيلم (الاراجوز) لهو يشكل تحدياً من هذا الممثل لكل الضروف التي مرت بمشواره السينمائي . فالفيلم كان فيلم الافتتاح لمهرجان الاسكندرية السينمائي عام 1989 . أما مخرج الفيلم هاني لاشين ، فيقول : لا يشغلني كثيراً ان اقدم اعمالاً غير تقليدية ولكن الذي يشغلني هو تقديم فكرة أشعر من خلالها انني أقول شيئاً سواء كانت هذه الفكرة جديدة أو قديمة . هكذا يفكر هاني لاشين ، فما قاله قد تجسد الى حد كبير في فيلمه (الاراجوز) . ففكرة الفيلم جيدة والسيناريو مكتوب بشكل متقن ، وذلك رغم الاسلوب التقليدي في رسم الشخصيات وتتابع الاحداث الدرامية . ــ فاصل موسيقي ــ الفيلم يحكي عن محمد جادالكريم (عمر الشريف) ، ذلك الرجل الريفي الاصيل ، أراجوز القرية المتمسك بالقيم والمباديء والتقاليد . والذي يحاول من خلال عمله البسيط وأدائه لدور الاراجوز ، ان يكشف عن اصحاب الفساد في قريته ، وإنتقاد السلبيات الموجودة فيها . وينجح الأراجوز غالباً في مسعاه هذا ، لكنه رغم ذلك لم ينجح في ان يعلم إبنه بهلول (هشام سليم) دروس القيم والمباديء ، لذلك يصبح الإبن فيما بعد على طرفي النقيض من والده ، حيث يبيع المباديء والتقاليد ، بل ويبيع أهله أيضاً . ــ فاصل موسيقي ــ هذه الحكاية التقليدية البسيطة هي فكرة الفيلم . وكون الفيلم تقليدياً ، لا ينفي وجود مخرج متمكن من أدواته الفينية والتقنية ، فقد كان أداء الممثلين تحت إدارته معبراً وجميلاً ، حيث إستطاع إستخراج الكثير من طاقاتهم الادائية المكبوتة ، فشاهدنا عمر الشريف وميرفت أمين وهشام سليم في أفضل حالاتهم التمثيلية . هذا إضافة الى بقية العناصر الفنية التي تظافرت جميعاً للارتفاع بمستوى الفيلم . فمثلاً نجح المخرج في تجسيد وقع هزيمة 67 في مشهد قوي وخال من أية جمل حوارية ، يحتوي على كادرات جمالية متقنة ومعبرة . ذلك المشهد الذي يبدأ من نقطة الاظلام بموسيقى معبرة عن ذلك الشعور بالاحباط والهزيمة لتظهر لنا لقطات صافية وجميلة للقرية المنكوبة وأهلها . كذلك كان المونتاج بارزاً في كل مشهد ، وخصوصاً في تنفيذ الاغنيتان اللتان أداهما عمر الشريف .. أغنيتان لم تخرجا عن سياق الحدث الدرامي ، بل وكان لهما دوراً بارزاً ومهماً في تطور الاحداث . ــ فاصل موسيقي ــ هذا هو فيلم (الاراجوز) ، الذي أطلق نجمين في وقت واحد .. عمر الشريف بعودته الجديدة ، ومخرجه الموهوب . فقد جعل هذا الفيلم من هاني لاشين مخرجاً مرموقاً يقف في مصاف كبار المخرجين المصريين . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (عفواً أيها القانون) ، بطولة نجلاء فتحي ومحمود عبدالعزيز وفريد شوقي وهياتم ، ومن إخراج إيناس الدغيدي . وهو إنتاج عام 1983 . وفيلم (عفواً أيها القانون) .. صرخة إحتجاج ضد قانون العقوبات المصري ، أطلقتها المخرجة المصرية »إيناس الدغيدي« في أول افلامها السينمائية الذي يحمل نفس الاسم . وقد أثار هذا الفيلم عند عرضه لأول مرة ضجة كبيرة بين مؤيد ورافض للفكرة الجريئة التي طرحها ، علماً بان الجميع قد إتفق على ان المخرجة إيناس الدغيدي قد نجحت في إثبات وجودها كمخرجة سينمائية ، وإستطاعت ان تجد لها مكاناً مرموقاً الى جانب أساتذتها في الاخراج . ــ فاصل موسيقي ــ وقبل البدء بالحديث عن هذا الفيلم ومخرجته ، لابد لنا من الحديث أولاً عن دور المرأة في الإخراج السينمائي المصري . فمن بين أبرز الظواهر في السينما المصرية في عقد الثمانينات بروز المرأة ـ من جديد ـ كمخرجة للفيلم الروائي ، حيث كان للمرأة المصرية تجارب رائدة في الإخراج السينمائي . فالسينما المصرية عند نشأتها قامت على أكتاف نساء رائدات أمثال : عزيزة أمير ، فاطمة رشدي ، بهيجة حافظ ، أمينة محمد ، آسيا داغر . فقد قمن باخراج بعض الافلام ، إلا انهن لم يواصلن وتفرغن للانتاج والتمثيل فيما بعد . هذا إضافة الى أن دور المرأة قد برز في مجالات فنية اخرى ككاتبة للسيناريو وكمساعدة للاخراج ومنتيرة وغير ذلك ، على مدى تاريخ السينما المصرية . ــ فاصل موسيقي ــ وعودة المرأة الى عالم الاخراج السينمائي جاءت كضرورة ملحة لطرح قضايا المرأة المعاصرة . فالسينما المصرية ، وعلى مدى تاريخها الطويل هذا ، قد أساءت الى المرأة وقدمتها في صورة سلبية ، كما أغفلت ـ ربما عن عمد ـ الجانب الايجابي لدور المرأة في المجتمع . فليست المرأة المصرية هي الراقصة أو بائعة الهوى فقط ، بل هي ايضاً السيدة الفاضلة القوية التي تتحمل وتواجه مصاعب الحياة بكل صبر وشجاعة . وبما ان المخرج الرجل هو الذي يصنع الافلام ، فالسينما المصرية كانت تعكس ـ في معظمها ـ فكر الرجل التقليدي عن المرأة . لذلك غالباً ما يشوه وضعها الاجتماعي نتيجة جهله لمشاكلها وتخلف موقفه الاجتماعي تجاهها. فالملاحظ بان السينما المصرية قد قدمت المرأة من زاوية علاقتها بالرجل ، مع التركيز على الانوثة والاغراء والانحراف ، والبعد عن دور المرأة وعلاقتها بالمجتمع ، ودورها كانسانة صاحبة رأي أو موظفة محترمة ، أو حتى إبراز صراعها مع المجتمع والحياة العامة . ــ فاصل موسيقي ــ وهذا ـ بالطبع ـ لا ينفي ان تكون هناك افلام قليلة تعد على أصابع اليد ، عالجت مواضيع المرأة وقضاياها بشكل إيجابي بناء ، مثل افلام (الحرام ، ولا عزاء للسيدات ، الشقة من حق الزوجة ، إمرأة مطلقة) . إلا أن إبرز الافلام عن المرأة وقضاياها قدمه المخرج سعيد مرزوق تحت عنوان (أريد حلاً) عام 1975 ، وهو الفيلم الذي كتبته الصحفية حُسن شاه ، وقامت ببطولته الفنانة الكبيرة فاتن حمامة . هذه الافلام تقف وحدها أمام كم ضخم من الافلام قارب الثلاثة آلاف فيلم ، أنتجتها السينما المصرية عبر مسيرتها الطويلة . لذا علينا ان نشير الى جانب هام في هذا الموضوع ، وهو ان الخطر لا يكمن فقط في التشويه الذي تعرضت له المرأة في تلك الافلام ، ولكنه يتجسد ايضاً في تصدير هذا التشويه الى المرأة كمتلقية لمثل هذه الافلام الشاذة . ــ فاصل موسيقي ــ وتبقى الاشارة الى هذا التساؤل الذي يطرح نفسه دائماً على الساحة السينمائية المصرية ، وهو ... هل إستطاعت المرأة المخرجة ان تساهم في إبراز قضايا المرأة الملحة ، من خلال الافلام القليلة التي قدمتها ؟! هل إستطاعت ان توجد لها مكانة بارزة في عالم الاخراج السينمائي المصري الذي سيطر عليه الرجل طوال هذه السنين ؟! والاجابة على هكذا تساؤلات ليست بالامر اليسير ، بل ولا تأتي إلا من خلال متابعة لصيقة لمجمل ما قدمته المرأة من افلام . كما أن هذه الاجابة لا تكون بنعم أو لا ، فالمسألة نسبية ولا يمكن تحديدها هكذا بشكل مطلق ، وهي ايضاً تحتاج الى بحث متواصل ليس مجاله هنا. ونكتفي بذكر أسماء المخرجات الجدد اللواتي قدمن تجاربهن ، وهن : نادية حمزة ، نادية سالم ، بالإضافة الى مخرجتنا إيناس الدغيدي . ــ فاصل موسيقي ــ وإذا كانت نادية حمزة قد طرحت إسمها بشكل تجاري مباشر في فيلمها الاول (بحر الاوهام ـ 1983) ، ونادية سالم قد أشارت الى موقفها الايجابي من الثقافة الوطنية في فيلمها (صاحب الادارة .. بواب العمارة ـ 1984) ، فان إيناس الدغيدي قد قدمت نفسها بشكل لافت للنظر لجرأة الموضوع الذي تناولته في فيلمها (عفواً أيها القانون) . ــ فاصل موسيقي ــ بداية إتصال المخرجة إيناس الدغيدي بعالم السينما كان عام 1971 ، عندما دخلت معهد السينما وتخرجت منه في عام 1975 ، والتحقت في البداية بقسم الانتاج . وأثناء دراستها بالمعهد إشتغلت كمساعدة مع كبار المخرجين المصريين ، أمثال : صلاح أبوسيف في (الكذاب ، السقامات) ، ومع كمال الشيخ في (على من نطلق الرصاص) ، ومع هنري بركات في (أفواه وأرانب) الذي مثلت فيه أيضاً ، كما عملت كمساعدة مع العديد من المخرجين الشباب لمدة عشر سنوات ، وآخرهم كان يوسف فرنسيس في فيلمه (عصفور من الشرق) . بعدها باشرت بالاعداد لفيلمها الاول والذي عثرت على فكرته بالصدفة أثناء قراءتها لكتاب صغير لضابط شرطة (نبيل مكاوي) كان قد سجل فيه تجربته الشخصية كضابط . عندها أصرت على تطوير هذه الفكرة وتقديمها في أول افلامها . فبدأت مرحلة التحضير الاولى مع السيناريست إبراهيم الموجي . وأثناء مرحلة التحضير تحدثت المخرجة مع بعض أساتذة القانون للإستشارة ، فوجدت البعض منهم يعترض على هذا القانون مثار التقاش في الفيلم ، ويطالب بتغييره ، مما أعطاها دافعاً قوياً بالاستمرار في تنفيذ الفيلم بعد ان كانت خائفة ومترددة قليلاً . ــ فاصل موسيقي ــ تقول إيناس الدغيدي : وجدت ان وراء القصة قانوناً لم أكن أعرفه تماماً مثلما لا تعرفه ملايين النساء مثلي . لقد كان الموضوع كله مفاجأة لي ، فأردت ان أفاجيء به الجميع كي يعرفوا بان هناك قانوناً ينتمي الى محاكم التفتيش التي تم إلغاؤها منذ عهود بعيدة .. المهم انني شعرت بالظلم الكبير الواقع تجاه المرأة فأردت تصحيح الاوضاع المائلة . ــ فاصل موسيقي ــ الفيلم في فكرته وموضوعه يبرز ذلك التناقض الموجود في القوانين الوضعية التي تحكم مجمل العلاقات الاجتماعية من خلال التفريق في الحكم بين الرجل والمرأة . ففي قضية معينة يصدر الحكم على المرأة بالسجن خمسة عشر عاماً مع الشغل والنفاذ ، باعتبارها جناية ، بينما يكون الحكم في نفس القضية على الرجل بالسجن شهراً واحداً مع إيقاف التنفيذ باعتبارها جنحة فقط . وتكمن أهمية الموضوع الذي طرحه الفيلم ليس من منطلق الدعوات السطحية لمساواة المرأة بالرجل ، بل من منطلق التشريع والعدل في الاسلام ، وهو بالتالي لا يهدف الى المساواة فقط ، بقدر ما يهدف الى محاربة الجريمة ذاتها وحماية المجتمع من أضرارها ، بغض النظر عن إذا كان المجرم رجلاً أم إمرأة . ــ فاصل موسيقي ــ ان المخرجة التي شاركت في كتابة الرؤية السينمائية والسيناريست ابراهيم الموجي قد إتبعا عدة وسائل للوصول الى الهدف الذي يسعى إليه الفيلم ، لكنهما لم ينظرا بعين الاعتبار الى بعض الاخطاء البارزة التي حواها السيناريو . فاعتراف الزانية بواقعة الزنا علناً في المحكمة ، والملابس الداخلية التي أحضرتها الشرطة لزوجها ، لهما دليليّ إثبات قويان لم يستخدمهما السيناريو في الدفاع عن المتهمة ، دون إعطاء مبررات مقنعة لذلك . لقد نجح السيناريو في تقديم نموذج الرجل الشرقي الجاهل غير المثقف (فريد شوقي) ، والذي يحمل في أعماقه مفاهيم وموروثات دينية ودنيوية خاطئة ، غير انه لم ينجح في إنهاء الفيلم بشكل مناسب . فالفيلم إنتهى فعلاً بعد النطق بالحكم في المحكمة وخلوها تماماً إلا من المحامية المحبطة أمام خسارتها للقضية . فالمشاهد التي تبعت ذلك لم تعط أية إضافة لفكرة الفيلم الرئيسية . ــ فاصل موسيقي ــ ومثلما نجح الفيلم ، نجحت المخرجة أيضاً في قيادة فريق العمل من فنانين وفنيين بشكل ملفت ، وقدمت فيلماً جيداً يطرح قضية جريئة جداً من خلال الصراع بين الشريعة والقانون والمجتمع . وبالرغم من ان الفيلم يعالج قضية الزنا ، إلا ان المخرجة إبتعدت عن الاسفاف والابتذال وقدمت مشاهد الفراش بين الزوجين في لقطات قصيرة وعابرة ، وكذلك لقطات الجنس بين الزوج وعشيقته كانت سريعة إلا ان المتفرج إستطاع الحصول على المقصود في كل لقطة وكل مشهد دون الحاجة الى مشاهد جنسية صارخة ومبتذلة . ــ فاصل موسيقي ــ ان المخرجة إيناس الدغيدي في فيلمها الاول ، إستطاعت تفادي أخطاء فنية كثيراً ما يقع فيها المخرج في أول أعماله ، كما قدمت أسلوباً بسيطاً تقنياً وتجنبت إبراز تكنيك جديد كان بالامكان ان يخدم العمل بشكل أفضل . ــ فاصل موسيقي ــ ولا يفوتنا أن نذكر بأن المخرجة قد تأثرت بثلاثة إتجاهات سينمائية عايشتها وتفاعلت معها أثناء عملها الطويل كمساعدة . لذلك لم يكن من الصعب في أول تجاربها الاخراجية ملاحظة ملامح من واقعية صلاح أبوسيف ، وذلك في مشهد تهجين الثور والبقرة في الريف . وملامح من ومن رومانسية بركات في المشاهد الغرامية . كذلك تأثرت المخرجة إيناس الدغيدي بايقاعية ورشاقة كمال الشيخ في مشاهد إطلاق الرصاص والانتقال الى المستشفى . صحيح بان التأثر بمن سبقونا ليس عيباً في حد ذاته ، وإنما كان على المخرجة ان تتخذ لفيلمها الاول أسلوباً محدداً تنفرد به عن غيرها لابراز شخصيتها السينمائية المستقلة . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 18 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم الأمريكي (الثور الهائج) ، بطولة روبرت دي نيرو ، ومن إخراج مارتن سكورسيزي . وهو من إنتاج عام 1978 . ــ فاصل موسيقي ــ في حلقتنا هذه ، سيكون حديثنا عن فيلم ( الثور الهائج ) ، بإعتباره واحداً من الافلام البارزة في تاريخ السينما العالمية . ففي هذا الفيلم ، نحن أمام عملاق من عمالقة التمثيل في السينما العالمية ، وواحد من بين أهم ما قدمته السينما الأمريكية لفن التمثيل .. إنه الممثل العبقري روبرت دي نيرو ، صاحب الأدوار التي نالت تقديراً ونجاحاً كبيراً مثل : شوارع دنيئة ، الأب الروحي ، سائق التاكسي ، نيويورك .. نيويورك ، صائد الغزلان . وفي فيلمه ( الثور الهائج ) يؤكد دي نيرو مواهبه الإستثنائية مرة أخرى ، حيث يقوم بأداء دور الملاكم الأمريكي وبطل العالم في الملاكمة "جاك لاموتا" .. إن دي نيرو عندما أدى هذه الشخصية حرص تماماً على الإنغماس في تفاصيلها ، لذلك تدرب وتعلم لمدة سنة كاملة ، وعلي يد لاموتا نفسه ، أصول وطبيعة الملاكمة والحالة النفسية التي يعيشها الملاكم ، داخل الحلبة وخارجها . كما أن دي نيرو ـ وهذا هو المدهش حقاً ـ إستطاع أن يزيد من وزنه ثلاثين كيلوجراماً ، في زمن قياسي وهو أربعة أشهر فقط ، من أجل الوصول الى الصدق في أداء الشخصية ، حتى أن لاموتا نفسه صرَّح ، قائلاً : دي نيرو قادر الآن على إمتهان لعبة الملاكمة بشكل جيد .. وقد عمل لاموتا كمستشار فني في هذا الفيلم وكان ملازماً لـروبرت دي نيرو . يتحدث دي نيرو عن تجربته في هذا الفيلم ، فيقول : ... تمرنت على الملاكمة فترة طويلة مع جاك لاموتا نفسه قبل تصوير الفيلم وأثناء التصوير ، وقرأت كتباً كثيرة عن الملاكمة ، وشاهدت أفلاماً كثيرة عن هذه الرياضة ، وذلك لكي أعبر عن هذه الشخصية بأصالة ، ولكي أفهمها وأتقمصها .. وقد أعطيت نفسي ستة أشهر قبل أن أبدأ التصوير ، تحدثت خلالها كثيرا مع لاموتا عن حياته وتجربته ... . ــ فاصل موسيقي ــ ويواصل دي نيرو ، فيقول : ...كان لاموتا معنا دائماً ، ولكننا لم نرغب في حضوره خلال اللحظات الدراماتيكية الصعبة ، لأننا لم نكن نريد أن يتدخل أو يتأذى . إنه من الصعب جداً علي ممثل أن يؤدي دور إنسان على قيد الحياة ، فبالنسبة لي كان يجب أن أكون حراً لأمثل دوري كما أفهمه ، ولو كان لاموتا معنا في تلك اللحظات الدراماتيكية ، ولو إنه لم يقل شيئاً ، لأحسسنا بثقل حضوره ، ولصعب عليَّ أن أمثل دوري بدون توتر وعصبية ، لذلك السبب فضلنا أن لا يكون معنا ... . وللعلم ، فإن روبرت دي نيرو هو الذي إقترح على المخرج تصوير ( الثور الهائج ) ، حيث كان قد قرأ في بداية السبعينات كتاباً يحكي السيرة الذاتية لـ"جاك لاموتا" ، وتأثر بها كثيراً .. يقول دي نيرو : ... لقد أحسست بأن لهذه القصة قوة خارقة بالنسبة للتحليل النفسي والإجتماعي للبطولة والمجد ، ومنذ تلك الفترة شعرت بأن تمثيل هذا الدور سوف يطور مواهبي .. وفي أثناء عملي مع المخرج "سكورسيزي" في فيلم (سائق التاكسي ـ 1976) أعطيته هذا الكتاب ، وتحدثنا في إمكانية تحويل قصته الى الشاشة ... . ــ فاصل موسيقي ــ إن ( الثور الهائج ) فيلم يتحدث عن العنف .. العنف بصورته الأكثر بشاعة .. العنف القادم من "لاموتا" ، والعنف الواقع عليه . فـ"جاك لاموتا" عاش سنوات صباه في حيّ فقير في مدينة نيويورك ، من أب مهاجر من إيطاليا .. كانت دروسه الأولى في الحياة هي كيف يسرق ويقتل .. وتعلم منذ صغره على أنه إذا أراد البقاء فإن عليه أن يكون أقوى من الشخص المقابل ، لذلك كان عنيفاً ونشأ وحيداً لا يثق بأحد ، تتملكه أحاسيس مثل الخوف والغضب وكره الذات والإحساس بالذنب . وبالرغم من أن الفيلم يستمد مصادره من سيرة حياة هذا الملاكم ، إلا أنه لا يركز على الملاكمة في حياته .. فالفيلم يستفيد من عرضه لهذه الشخصية ليطرح من خلالها مجموعة من الأفكار .. إنه يقدم لنا عالماً يستوطنه العنف والعدوانية ، ويقترب من هذه الشخصية ليكشف الضعف الكامن خلف هذا العنف . نحن هنا أمام ملاكم يصارع العالم لوحده ، ومصارع يرتكب كل شيء للفوز والوقوف وحيداً في القمة .. إنه يصارع ويتعثر ، ثم يفوز ويتخدر بتأثير ذلك الصراع النفسي الحاد مع الضعف والخوف الذي يتولَّد من الإنتصار .. تتحول الحلبة في هذه الحالة الى مكان داخل الجمجمة . ــ فاصل موسيقي ــ طريق هذا البطل هو طريق ذلك الصراع المفروض بالرغبة في التفوق على النفس أو إحتقارها أيضاً .. الى أن يتحول البطل تدريجياً الى أداة تنفيذية لعقاب نفسه وتدمير ذاته وجسده ، ويتحول كل هذا العنف الى وسيلة من وسائل تحطيم الشخصية .. يتحول "لاموتا" الى ثور هائج من الغيرة والوهم والعنف السادي الذي ينخر في عضلاته . ومن الملاحظ ، بأن الفيلم يركز أكثر على العنف الموجه ضد النفس في معركة واحدة ، للتخلص من شيء ملوَّث في الذهن ، فمشاهد الملاكمة القصيرة ، ما هي إلا علامات وإشارات لصيغة العنف التي تتميز بها حياة هذا البطل الشخصيح العائلية . فالملاكمة ، في الفيلم ، لا تحتل مساحة لإثارة الغرائض ، هذا بالرغم من وحشية وعنف اللقطات التي تصوَر على الحلبة ، والتي وُجدت لتكشف وحشية هذه اللعبة وكمية العنف الذي تحمله هذه الشخصية . ــ فاصل موسيقي ــ إن الملاكمة أو الصراع الذي يدور على الحلبة ليس هو ما يهتم به الفيلم ، وإنما ذلك الصراع الداخلي المتباين داخل الشخصية .. فالبطل يواجه معارك أخرى خارج الحلبة ، مع الزوجة ومع الأخ ومع الأصدقاء .. حيث أن العنف يسيطر على قلبه وحياته فتتحول علاقاته الى نوع من المشاجرات الدائمة مع كل محيطه الإجتماعي . إن الوصول الى القمة قد أحاله الى نوع من الغرور والإنفجار في وجه الجميع ، والبطولة أصبحت عبئأً لا يطاق ، والنظام الرياضي الصارم يدفع به الى نوع من التصرفات الشاذة للحفاظ على متانة العضلات وقوتها .. فنحن نراه في مشهد يطلب فيه من زوجته أن تمارس معه الجنس قبل المباراة ، وعندما تستثيره يدفعها بعيداً .. فهو هنا يريد أن يحتفظ برغباته ويحملها معه الى الحلبة لتغذي عدوانيته ، والنتيجة أنه يتحول الى شعار عريض من الغيرة لإحساسه بالتقصير في حياته الزوجية الأمر الذي يتسبب في تحطيم سعادته العائلية والخصام مع أخيه ، ثم كل الذين يحيطون به لمجرد أنهم سلَّموا على زوجته . ــ فاصل موسيقي ــ هكذا أصبح البطل ، يقف وحده وسط الميدان ، يعارك شكوكه وخوفه من الهزيمة ، ويجد إن إنتصاره تحوَل الى ضغط كبير على النفس ، فتفكيره يوجد في قبضة يده ، وهو يستعمل يده محاولاً أن يجد طريقاً في وجه الآخرين . ففي لحظة من لحظات الفيلم ، إنتفت فيها الفروق ، لم يعد يميز بين الأعداء وبين الأصدقاء ، كان ينتابه نوع من كراهية النفس والرغبة في الإنتقام منها .. فنحن نراه في بداية الفيلم يطلب من أخيه أن يضربه على وجهه بكل ما يملك من قوة ليثبت لنفسه بأنه يستطيع تحمل الآلام التي يسببها له الآخرون .. هنا تظهر لنا صورة أخرى من العنف العائلي ، فلا توجد هناك محاولة للتفاهم ، إن أي حديث عائلي يعني البحث عن خصام وشجار ومحاولة تحطيم الأثاث . والمأساة هي أن البطل قد سمح لتلك الأحداث الصغيرة أن تتحول الى عملية إنتقام شديدة لا حدود لها .. فبعد أن فاز بالبطولة ، إنتهت به الأحداث الى نوع من الإنهزام المؤلم في حياته الخاصة..فقد هربت منه زوجته مع أطفاله ، وقاطعه أخوه بعد شجارهما ، ثم دخل هو السجن بتهمة إغراء فتاة قاصر ، حيث نراه ينهار في السجن تماماً ، ويبدأ في النحيب وضرب رأسه في الجدار إنتقاماً من جسده على الإهانة التي لحقت به .. وأخيراً ينتهي به الزمن بالعمل في أحد الملاهي الليلية ، يسلي ويُضحِك الحاضرين في المقهى ، والذين يبحثون مثله عن اللهو والمماطلة وتأجيل الواقع الى بعد حين . ــ فاصل موسيقي ــ هذا هو "جاك لاموتا" الذي نجح السيناريو في تقديم ملف حياته لنا ، وإستطاع أيضاً أن يعطينا حبكة طبيعية لبورتريه "لاموتا" ، بعد أن أوضح لنا ملامح تركيب الشخصية على المستوى الفسيولوجي ( ملاكم قوي ، أكول ، غير وسيم ... الخ ) ، وعلى المستوي النفسي ( طَموح ، قوي الإرادة ، جِلّْف ، يعاني من الفراغ العاطفي ، غيور جداً ... الخ ) .. بكل هذه التوصيفات والنعوت ، إستطاع كاتب السيناريو "بول شرادر" النجاح في تقديم "جاك لاموتا" على الشاشة . أما بالنسبة للإخراج ، فقد بدت لغة "مارتن سكورسيزي" ، في فيلم (الثور الهائج) ، بسيطة في التراكيب واضحة في طريقة طرح الأفكار دون حذلقة أو تعقيد .. كما أنه نجح في إستخدام مفردات اللغة السينمائية ، لإعطاء دلالات فكرية ونفسية لخدمة المعنى العام المراد إبرازه في الفيلم . وأخيراً ، فإن فيلم ( الثور الهائج ) سيظل علامة بارزة في تاريخ السينما ، وعملاً فنياً مهماً لمخرجه .. هذا إضافة الى أنه (الفيلم) يكرس "روبرت دي نيرو" كواحد من أعظم الممثلين في السينما الأمريكية المعاصرة . حصل هذا الفيلم على جائزة أوسكار أفضل ممثل (دي نيرو) ، وأفضل مونتاج .. إضافة الي جائزة أفضل ممثل ( دي نيرو) ، وأفضل ممثل مساعد (جوبسكي) في مهرجان نيويورك . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (آنساتي سادتي) ، بطولة محمود عبدالعزيز ومعالي زايد وعبلة كامل ، ومن إخراج رأفت الميهي . وهو إنتاج عام 1990 . في فيلم (سيداتي .. آنساتي) يواصل رأفت الميهي جنونه الفني ليلعب دوره الهام في كشف ذلك الزيف الذي يعيشه الواقع العربي . حيث يناقش قضية إجتماعية شائكة .. ألا وهي قضية العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمعات الشرقية في نهاية القرن العشرين . ــ فاصل موسيقي ــ إن رأفت الميهي لا يتعرض للظلم الواقع على المرأة ، ولا يعرض للحِمل الثقيل الذي يقع على الرجل ، لكنه يعرض للواقع المجنون بكل سليباته وإيجابياته . فهو في هذا الفيلم ، يلتقط بعض الأخطاء الإجتماعية والفكرية الشائعة ، ويعيد صياغتها من خلال شكل فني فانتازي ساخر ، مليء بالمتناقضات معتمداً في ذلك على الخيال الممكن حدوثه في الواقع . في فيلمه هذا ، يفترض رأفت الميهي بأن أربع بنات يقررن الزواج من رجل واحد ، وهو ما لا يتعارض مع الشرع الإسلامي ، ما دام تفسير الشرع أصبح حرفة وهواية لكل شخص حسب مصالحه وأهوائه . والفكرة مجنونة وخيالية ، ولكنها واقعية في نفس الوقت ، وذلك بإعتبارها حلاً طريفاً وواقعياً ممكناً أيضاً لمشكلة تأخر سن الزواج بالنسبة للبنات ، وهي أيضاً حلاً لمشكلة عدم قدرة الرجال على أعباء الزواج هذه الأيام . ــ فاصل موسيقي ــ فمحمود (محمود عبد العزيز) شاب مثقف وحاصل على الدكتوراة ، لكنه يعمل ساعياً في إحدى الشركات ، وذلك لأن دخل الساعي من القهوة والشاي ما يساوي 500 جنيه شهرياً ، أي أفضل من مرتب حامل الدكتوراة . وفي المقابل هناك الأربع بنات .. المحامية درية (معالي زايد) والطبيبة آمال (عبلة كامل) والمهندسة عزيزة (صفاء السبع) والمحاسبة كريمة (عائشة الكيلاني) ، هؤلاء البنات يعانين من مشكلة زواجهن في سن متأخر ، وذلك بسبب أزمة الإسكان والإزمة الإقتصادية بشكل عام . لذا نراهن يقررن الزواج جميعاً من محمود مرة واحدة ، والسكن معه في شقة واحدة ، إختصاراً لأزمة السكن . كما يؤكد الميهي نظرته الإنسانية الواعية للواقع من خلال شخصية المسيحية العجوز تيريز ، صاحبة البيت الكبير الذي يسكن فيه البنات الأربع . وزواجها أيضاً من إبن البقال الشاب سامي (أشرف عبد الباقي) ، الذي يؤمن بمنطقِه الخاص في زواجه من العجوز تيريز ، بحثاً عن حنان الأم والزوجة في وقت واحد . فزواج محمود من أربع ، مثل زواج سامي من العجوز تيريز ، كلاهما تعبير عن التناقضات التي نعيشها في حياتنا اليومية . ــ فاصل موسيقي ــ تصل الإحداث والمواقف الكوميدية العبثية الى ذروتها ، عندما يقرر فتحي (يوسف داود) ، رئيس الشركة التي يعمل فيها محمود وزوجاته الأربع ، ترقية محمود بعد زواجه وإبعاده عن العمل في البوفيه ، وبالتالي إنخفاض دخله . مما يجعل زوجاته الأربع يقررن بقاءه في البيت ليقوم بالأعمال المنزلية ، يكنس ويمسح ويجهز لهن الطعام .. لتظهر عليه ـ فيما بعد ـ أعراض الحمل الكاذب . فما دام قد تخلى عن دوره الحقيقي ، فعليه أن يتحمل كافة النتائج . وعندما تتعقد الأمور بين محمود وزوجاته ، تقوم درية وآمال بتطليق محمود والزواج من فتحي . هنا يقرران أن يستكملا الأربعة بأن يتزوج كل منهما بأمرأتين جديدتين . هنا تثور ثائرة الزوجات القديمات ، فيطلقن محمود وفتحي ليخرجاهما الى الشارع . ــ فاصل موسيقي ــ وهكذا نرى كيف أن الفنان رأفت الميهي ، يتسلل الى أخطاء حياتنا اليومية ساخراً ، ليزرع فينا الإبتسامة ثم الضحكة التي تتفجر من الأعماق .. نضحك معه على أخطائنا وممارساتنا اليومية ، ونفيق بالتالي على الحقيقة ، حتى وإن لم نجرؤ على ممارستها ، ويكفي هذا الفنان أنه جعلنا ننتبه ونفكر ونضحك مما نفعله . مدركاً بأن اللامنطق والعبث قد أصبح عرف التعامل اليومي في الواقع ، فكيف لا يستخدم أسلوباً أكثر عبثية للوصول الى المتفرج . نحن في هذه الحلقة أمام حالة نادرة في السينما المصرية ، أمام تجربة الفنان رأفت الميهي ، فهو فنان يحاول الإفلات من حصار الضحالة والثرثرة التي تتحكم في غالبية الإنتاج السينمائي المصري .. فنان يقدم بإبداعاته إفتراضات لها أساس علمي صحيح ويبني عليها تداعيات ومشاهد تفجر الضحك من الأعماق ، دون إضطراره لإصطناع خفة الدم ، وهو بذلك يقدم أفلاماً كوميدية بدون ممثلين كوميديين . إذن نحن أمام فنان عاهد نفسه بأن يكون مختلفاً ، ليس رغبة في التميز وإنما لأنه يفكر بشكل مختلف ، لا يقبل إلا الجديد ولا يتحمس إلا للإبتكار .. هذا هو رأفت الميهي . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 19 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (الإرهاب والكباب) ، بطولة عادل إمام ويسرا وكمال الشناوي ، ومن إخراج شريف عرفة . وهو من إنتاج عام 1992 . ــ فاصل موسيقي ــ في فيلمه السادس (الارهاب والكباب) يكرر المخرج شريف عرفة تجربته السابقة والناجحة مع الثنائي (عادل إمام ـ وحيد حامد) .. حيث كتب السيناريو لهذا الفيلم وحيد حامد وقام ببطولته النجم عادل إمام . و(الارهاب والكباب) فيلم يقدم فيه شريف عرفة دراما إجتماعية سياسية كوميدية ، تتخذ الفانتازيا شكلاً لها ، علماً بأن أحداثها لا تخرج عن حيز الواقع ، أي أنها فانتازيا ممكنة الحدوث ، وليست بعيدة عن المنطق . ــ فاصل موسيقي ــ يحكي الفيلم عن ذلك الموظف البسيط أحمد فتح الباب (عادل إمام) الذي إعتاد على الالتزام باللوائح والقوانين وسماع كلام الحكومة . هذا الموظف الذي يعمل في إحدى المصالح الحكومية في الصباح وكافتيريا في المساء ، وذلك ليزيد من دخله ويوفر لأسرته سبل الحياة الكريمة . يتعرض لمشكلة يتصور بأنها بسيطة ، ألا وهي نقل أولاده من مدرسة بعيدة عن سكنه الى أخرى قريبة ، وحتى يتم ذلك لابد له من التقدم بطلب الى مديرية التعليم الواقعة بمجمع التحرير الحكومي . هنا يصطدم هذا الموظف بالروتين الحكومي ، حيث يجد صعوبة في إنهاء معاملته هذه ، نتيجة لبيروقراطية الموظفين وإنصرافهم عن خدمة المواطنين . ــ فاصل موسيقي ــ تبدأ الاحداث الحقيقية للفيلم (بعد تقديم كوميدي غير ضروري يستهلك الكثير من زمن الفيلم) بمعركة بين أحمد وبين أحد الموظفين الذي يستدعي رجال الامن بالمجمع ، ويشتبكون مع أحمد ، الى ان يتمكن من الاستيلاء على سلاح أحدهم ، وتنطلق رصاصة بطريق الخطأ ، ليهرع الجميع في حالة من الذعر الشديد ، ويتسرب الخبر الى مرافق المجمع الاخرى ، على ان المجمع تم إقتحامه من قبل عماصر إرهابية ، وان هناك العديد من الرهائن . يجد هذا المواطن البسيط والبريء نفسه فجأة ومن غير مقدمات وقد أمسك في يده مدفع رشاش لا يعرف حتى إستخدامه ، ويشعر بأنه في ورطة لا يعرف كيف ستؤدي به وكيف السبيل للخروج منها وقوات الامن قد حاصرت المكان . ولانه يجد نفسه محاصراً بل مطلوب القبض عليه ، فهو يضطر الى إحتجاز بعض المواطنين كرهائن ، بل وينضم إليه بعض الافراد ممن ليس لهم حق الاعتراض ، فجائتها الفرصة لتهرب من واقعها الى دور البطولة . ــ فاصل موسيقي ــ يأتي في مقدمة هؤلاء الصعيدي (أحمد راتب) ماسح الاحذية الهارب من الثأر ، بعد ان باع أرضه ليدفع ثمنها كخلو لمكان في مجمع التحرير ، وهو يعاني ظلم المحكمة التي دق أبوابها لسنوات للحصول على حقه دون فائدة . وهناك الجندي (أشرف عبدالباقي) الذي يعاني هو الآخر من ظلم رئيسه الضابط ، الذي سخره مدة خدمته في الجيش لأغراضه الشخصية فصار خادماً له ولزوجته وأولاده . أما الزوج التعس (علاء ولي الدين) الذي ذهب لينتحر من فوق المجمع هرباً من زوجته النكدية التي أباح لها القانون أن تشكوه في المحكمة . وهناك أيضاً فتاة الملاهي (يسرا) المتهمة بقضية آداب ويريدون منها أن توقع على أنها ضمن شبكة دعارة ، بالرغم من أنها كانت فقط تجالس الزبائن في فندق خمس نجوم . ــ فاصل موسيقي ــ هؤلاء هم الذين إنضموا الى ذلك المواطن المحروم أحمد فتح الباب .. شخصيات تعاني من الفقر والحرمان وغياب العدالة .. هؤلاء البسطاء يجدون أنفسهم فجأة في موقف لا يحسدون عليه .. يجدون أنفسهم في موقع المذنبين ، بل ويطلقون عليهم إرهابيين .. وهم الذين لا تمكنهم ثقافتهم أو معارفهم الحياتية من صياغة الافكار في مجموعة رؤى أو مفاهيم علمية ، لذلك نراهم يلتقون وبالفطرة مع أحد المقهورين (عادل إمام) الذي يمثل جزءا من أحلامهم البسيطة جداً . ــ فاصل موسيقي ــ هنا يأخذ الفيلم منحى آخر ، حيث النقد الواضح لسياسات الحكومة ، والتي تبدأ من الاعلام الذي لا يذكر الحقيقة ، ومن ثم رجال الامن بصورهم الكرتونية المضحكة ، الخائفة والمذعورة ، باستثناء وزير الداخلية (كمال الشناوي) الذي يسعى للسيطرة على الموقف بدهاء . وتبدأ المواجهة والمساومة معاً ، في معركة غير متكافئة ، بين الحكومة والمواطنين (الارهابيين) .. بين جهاز منظم ومزود بالاسلحة ، يمكن ان يسيطر على مدينة بكاملها .. بين هؤلاء الذين جمعوا أنابيب الغاز الموجودة في المجمع للمواجهة في حال إستفحال الامر . وفجأة ، يكتشف أحمد ان هناك من يطلب منه تحديد مطالب مقابل الافراج عن الرهائن والتخلي عن المبنى . في هذه اللحظة يبرز التساؤل : ماذا حدث ؟ ولماذا ؟ لتبدأ براعة كاتب السيناريو وموهبته ، للهروب من الاجابة المنطقية .. حيث لا يجد بديلاً سوى تقديم مشاهد ضاحكة غير مسفة بالطبع ، يتخللها حوار شيق ولاذع يدور بين وزير الداخلية و(الارهابيين) .. كما تتجلي بوضوح موهبة المخرج في المزج بين الواقعي والفانتازي من خلال لغة سينمائية معبرة . ــ فاصل موسيقي ــ عموماً .. يسألهم الوزير عن مطالبهم ، فيطالب الجميع بأبسط حقوق الانسان (العدالة والرحمة) .. حيث يتخلى أحمد فتح الباب عن مطلبه الذي جاء من أجله ، ليسأل من معه عن مطالبهم وتكون المفاجأة بأنهم جميعاً ليس لديهم مطالب محددة ، لتنتهي المساومة بطلب وجبة كباب لكل واحد منهم ، ودواء نادر وغالي الثمن لامرأة عجوز ، وهي مطالب حققها الوزير لهم . إلا أن هذا الوزير قد رفض رفضاً قاطعاً الانصياع لمطلبهم باستقالة الحكومة .. بل أنه قرر إقتحام المبنى ، لولا ان الارهابي أحمد وزملائه وافقوا ، حقناً للدماء ، للسماح للرهائن بالانسحاب من المجمع ، والذين بدورهم أصروا على ان بأخذوا أحمد فتح الباب معهم .. لتعود الحياة الطبيعية مرة أخرى لمجمع التحرير الحكومي . ــ فاصل موسيقي ــ في فيلم (الارهاب والكباب) يصل وحيد حامد الى مستوى فني عالٍ ، ويقدم فكرة جديدة وجريئة ، مبتعداً بذلك عن أي تقليد ، ومعتمداً على موقف معين تتصاعد من خلاله الدراما . كما يبدع حواراً ساخناً ومشوقاً تتخلله المرارة . هذا بالرغم من أنه ككاتب يتحمل مغامرة تقديم فيلم تجري أحداثه في مكان واحد ، حيث يشكل ذلك قيداً على الكاتب ، ولهذا نراه يلجأ أحياناً الى مونولوجات طويلة لعادل إمام يغلب على بعضها المباشرة . ثم أنه لم يعتن بتعميق الشخصيات الاخرى المساندة لشخصية عادل إمام . ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة للاخراج الذي حمله على كاهله الفنان الموهوب شريف عرفة ، والذي يسير بخطى ثابتة نحو إحتلال مكانة بارزة بين زملائه المخرجين المصريين ، فهو يثبت في فيلمه هذا مقدرة ودراية كاملة باللغة السينمائية ويؤكد موهبته في إمكانية المزج بين الواقعي والفانتازي ، مستخدماً كافة عناصر اللغة السينمائية من تصوير ومونتاج وموسيقى ، وإمكانية التوفيق بين أحلامه كفنان ورغبات الجمهور دون تنازلات . ــ فاصل موسيقي ــ لقد إستطاع عرفة ان يجسد بكاميرا محسن نصر الرشيقة والشاعرية مشاهد ساخرة قوية تمتاز بالجمال التكويني المعبر . كما برع في قيادة المجاميع ، مثل مشاهد الزحام داخل الباص والحركة داخل مجمع التحرير ومحاصرة رجال الامن المركزي للمجمع . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (الحريف) ، بطولة عادل إمام وفردوس عبدالحميد ونجاح الموجي ، ومن إخراج محمد خان . وهو إنتاج عام 1982 . (الحريف) فيلم هام ويشكل علامة مهمة ونقطة إنطلاق في مسيرة مخرجه ، وهو فيلم للمخرج المبدع محمد خان . ففي هذا الفيلم يصل محمد خان الى مرحلة متقدمة جداً في بحثه عن أطر جديدة لمحتوى أفلامه ، حيث ينجح في كسر إحدى دعامات السينما التقليدية في مصر .. إنها الحدوتة ، وذلك بعد أن بدأت روح التجريب والإبتكار تظهر لديه في فيلمي موعد على العشاء ، طائر على الطريق . ففي (الحريف) يعلن محمد خان ثورته على الحدوتة ويتحرر من قيودها . فبعد أن كانت الحدوتة من مقدسات الفيلم المصري ، بدت عند محمد خان عاملاً مساعداً للتوصيل لا أكثر ، وإتضح أكثر محاكاته لشخصياته والغوص في أعماقها ونقل أحاسيسها وإضطراباتها ، جاعلاً من التفاصيل الصغيرة والكثيرة المحيطة بالشخصية ، أسلوباً جديداً وخلاقاً لإضفاء أبعاداً إنسانية عميقة وصادقة عليها . ــ فاصل موسيقي ــ يشكل فيلم (الحريف) سيمفونية حزينة عن العالم السفلي للمدينة ، ينزل به محمد خان الى قاع مدينة القاهرة .. الى حواريها وأزقتها الضيقة ، ليكشف عن الإنسان المصري المسحوق ، والذي يعاني من الفقر والكثير من الإحباطات النفسية والإجتماعية ، نتيجة مقاومته لطوفان المدينة الكبيرة . يكشف محمد خان في هذا الفيلم عشقه وتعاطفه مع البسطاء ساكني هذه الحواري والأزقة ، أكثر من عشقه للحواري والأزقة نفسها . فهو يضعنا أمام نماذج بشرية تعيش على هامش المدينة ، بكل إحباطاتها وأزماتها والنفسية والأخلاقية والعاطفية . ــ فاصل موسيقي ــ نحن في (الحريف) أمام فارس آخر من فرسان محمد خان ، يشبه الى حد ما فارسه في (طائر على الطريق) . ففارس (عادل إمام) هنا إنسان بسيط وفقير يعيش حجرة حقيرة فوق سطح أحدى البنايات الشاهقة ، يعمل في ورشة لصنع الأحذية ، إضافة الى أنه يحترف لعبة الكرة الشراب ، والتي يمارسها في الشوارع والساحات العامة . يعيش فارس أزمة عاطفية مع مطلقته دلال (فردوس عبد الحميد) ، التي يحبها وإبنه الذي يعيش معها بحكم المحكمة . وهي ترفضه لمعاملته العنيفة لها ، إضافة لفشله المادي . وبالرغم من أنه يشعر برغبة في العيش معها وإبنه تحت سقف واحد ، إلا أنه عاجز عن ضمان عيشة مستقرة لهما ، خصوصاً عندما يتعرض ـ فيما بعد ـ للإهانة والطرد من عمله . كما أنه يقضي بعض الليالي في التخشيبة إثر إتهامه بقتل جارته الثرية ، ويتهمه الضابط بأنه رجل عنيف ، فقد سبق أن ضرب زوجته ومدربه في النادي من قبل . وهذا صحيح ، ولكن برغم العنف الذي يحمله فارس ، إلا أنه في المقابل لطيف المعاشرة في معاملة من حوله ، فظروفه الصعبة هي التي تضطره لإستخدام هذا العنف الكامن في داخله . ــ فاصل موسيقي ــ ومأساة فارس تكمن في أنه يعي ويدرك تماماً لكل ما يدور حوله ، ولكنه لا يستطيع التوائم مع محيطه . فهو يحمل في داخله طاقة رهيبة من التمرد على كل ما يحيط به من فشل وإحباطات .. وهو متمرد على سيطرة صاحب ورشة الأحذية .. ومتمرد على زوجته رغم حاجته إليها والى إبنه .. ومتمرد على زميلته في العمل سعاد (زيزي مصطفى) التي تسعى لمشاركته الفراش ، إلا أنه غالباً ما ينفر منها رغم حاجته الى إفراغ كبته الجنسي الذي يفرضه عليه المجتمع .. كما نراه يتمرد أيضاً على متعهد مبارياته المعلم رزق (عبد الله فرغلي) عند شعوره بأنه يستغله ويستغفله ، وبالتالي يتمرد على لعبته ومصدر عيشه ، هذا بالرغم من أن الملعب هو الشيء الوحيد الذي يشعره بقيمته في هذا المجتمع .. يشعره بأنه أكثر من عامل مهمل في ورشة للأحذية . فالحشود الكبيرة من عشاق تلك اللعبة جاءوا لمشاهدته والهتاف بإسمه والتصفيق من أجله ، وهو ما يجعله يشعر بالتفوق على كل ظروفه القاسية . أما خارج الملعب فالفشل والإحباط يلاحقانه في كل مكان ، فهو يعيش في وسط كم هائل من الشخصيات المحبطة ، ومن الطبيعي أن تنعكس عليه إحباطاتها هذه . ــ فاصل موسيقي ــ إن فيلم (الحريف) يقدم صورة سينمائية صادقة للبطل المهزوم والمحاصر ، فبالرغم من أن الفيلم قد إهتم أكثر بشخصية فارس ، إلا أن هذا الفارس لا يعيش وحيداً في هذا الواقع ، بل في بيئة شعبية تمثل قطاعاً كبيراً من المسحوقين أمثاله . والفيلم فيه كشف هائل ورائع لقاع المدينة وشخصياتها ، فكل شخصية تقول شيء وتعبر عن صورة بشعة لهذه البيئة ، صاغها السيناريو عبر مشاهد سريعة الإيقاع لتؤدي وظيفة درامية هامة في عملية شحن المتفرج للتأفف من أوضاع هذه النماذج البشرية والتعاطف معها في آن واحد . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 20 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم الأمريكي (الخروج من أفريقيا) ، بطولة ميريل ستريب و روبرت ريدفورد ، ومن إخراج سيدني بولاك . وهو من إنتاج عام 1985 . ــ فاصل موسيقي ــ ثلاثون مليون دولار ، ميزانية ضخمة .. تلك التي وضعت للفيلم الأمريكي (الخروج من أفريقيا) ، منها عشرة ملايين تقاسمها بطلي الفيلم »ميريل ستريب« و روبرت ريدفورد« والمخرج »سيدني بولاك«. وقد لاقى هذا الفيلم نجاحاً جماهيرياً وفنياً طيباً في أغلب عواطم العالم . كما أن فيلم (الخروج من أفريقيا) إكتسح جوائز الأوسكار لعام 1986 . فقد رشح لنيل إحدى عشرة جائزة ، حصل على سبع منها ، وهي أوسكار أفضل فيلم ، أفضل مخرج ، أفضل سيناريو مأخوذ عن عمل أدبي ، أفضل تصوير ، أفضل موسيقى ، أفضل صوت ، أفضل ديكور وتصميم فني . ــ فاصل موسيقي ــ قصة الفيلم إستوحاها كاتب السيناريو »كيرت لودتك« من حياة ومؤلفات البارونة الدنماركية »كارين بليكسن« التي كانت تكتب تحت إسم مستعار ، وقد صادف إنتاج هذا الفيلم ذكرى مرور مائة عام على ميلادها . تبدأ الحكاية مع بداية هذا القرن ، عندما سافرت الكاتبة الى كينيا ، وأقامت بإحدى القرى القريبة من العاصمة نيروبي . وقد عملت في إحدى المزارع هناك ، مما أتاح لها الإختلاط بالشعب الكيني ، وجعلها على بصيرة بكل عاداته وتقاليده . عاشت هذه الكاتبة هناك تسعة عشر عاماً ، منذ عام 1914 ، وإختارت أن تكتب تجربتها الخاصة بإحساس شاعري مليء بالحب والحنين الى أفريقيا . وللعلم فإن كينيا مازالت تحتفظ لهذه المرأة بذكرياتها الجميلة ، فقد أطلقت إسمها »كارين« على المنطقة التي كانت تعيش فيها ، ومازالت تحمل نفس الإسم ، حيث جرى تصوير الفيلم . ــ فاصل موسيقي ــ تبدأ أحداث الفيلم برحيل كارين (ميريل ستريب) الى أفريقيا ، لتتزوج من رجل يدعى برور (كلاوس ماريابراندو) ، تعرفت عليه في الدنمارك ويقيم في كينيا .. هي بارونة من عائلة ثرية ، وهو مغامر لايمكن الإعتماد عليه .. يتركها لوحدها لاهياً بمغامراته ورحلاته التي تستفرق شهوراً طويلة . لذا تنصرف هي بدورها ، للعمل في مزرعتها للتغلب على وحدتها . تتعرف كارين على دينس (روبرت ريدفورد) ، وهو مغامر من نوع آخر .. صياد وطيار يسعى للإنطلاق والإستقلال ، كلاهما يندمج عاطفياً مع الآخر. وبعد أن تسوء علاقتها بزوجها ، تبدأ مباشرة بعلاقة جارفة مع دينس ، ليعيشان حالة حب جميلة وشاعرية في أحضان الطبيعة الأفريقية . فقد كانا يجدان الوقت الكافي للتنقل بين الغابات والسهول ، والتي كانت تسحرهما فيجدان فيها تلك الشاعرية التي تغمر روحيهما . وفي تلك الأجواء كانت كارين تروي حكايات من خيالها الخصب على مسمع دينس المبهور جداً بتلك الحكايات . وبعد سنوات من الحياة المليئة بالحب والجمال الفطري ، يختفي دينس إثر سقوط طائرته ، لتعود كارين الى الدنمارك منكسرة القلب ، بعد إحتراق مزرعتها وضياع ممتلكاتها أيضاً ، ولتعيش وحيدة منصرفة الى كتابة القصص والروايات المستوحاة من حياتها في أفريقيا ، التي تركتها مكرهة . ــ فاصل موسيقي ــ إن فيلم ( الخروج من أفريقيا ) يثير الكثير من النواحي الجمالية في الفن السينمائي ، فهو يبدو كسرد لقصة عاطفية ومجموعة من الحكايات الموازية للحدث الرئيسي ، إضافة الى كونه مذكرة في علم الإنسان والطبيعة ، وتأمل للعلاقات البشرية . إن هذا الفيلم لايبحث في العلاقة الإنسانية بين الحضارتين الأوروبية والأفريقية ، وإن كان هناك بعض الإشارات بالتعاطف والتجاوب والحنان بين البطلة وبين من حولها من الأفارقة . فالفيلم لم يصنع أساساً لتجسيد هذه الفكرة ، ولم يصنع للحديث عن أفيقيا كوطن ومواطنين وقضايا إجتماعية وسياسية ، وهذا مايفسر ـ بالطبع ـ إهتمام الفيلم بسرده لعلاقات وجدانية وعاطفية خاصة جداً . والملفت للإنتباه ، في هذا الفيلم ـ وهو الأمر الذي جذب إنتباه المخرج أيضاً ـ هو ذلك الحماس من بارونة شابة فاتنة ضحت بكل شيء وتنازلت عن أموال عائلتها مقابل لقب ومزرعة في كينيا ، وهامت في الأرض السمراء وراء حب لم تكن على ثقة بأنها ستفوز به . ــ فاصل موسيقي ــ ولا يفوتنا أن نشير هنا ، الى أن المخرج الأمريكي سيدني بولاك قد دخل أفريقيا محملاً بإنفعالات الشاعر والفنان الذي تبهره لحضات شروق الشمس على الأرض الأفريقية ، وثراء هذه الأرض السمراء وخصوبتها وتفجرها بالسحر والجمال . لذلك نراه قد إهتم كثيراً بالخلفية في مؤخرة الصورة ، وأعطانا كادرات جميلة وجذابة للطبيعة الأفريقية الشاعرية أحياناً أثناء الغروب ، والشمس تصبغ الأفق بإحمرار دامي .. أو ليلاً عندما تمتليء الغابات بأصوات الحيوانات والطيور ، مضفية طابعاً خاصاً وأثيراً . ثم هناك فريق العمل الفني ، والذي تعامل بجرأة مع الخامات الفنية والطبيعية المتاحة ، حيث التركيز على إستخراج الواقع الحقيقي من كل عناصر الفيلم ، والتركيز على ماتركته الكاتبة من واقعية وحلقت عنه في فضاء رومانسيتها . إضافة الى أن كاتب السيناريو قد ملأ الفراغات الدرامية في القصة بإضافات معقولة ومحبوكة ، مما جعلنا نشعر بأن الزمن في الفيلم قد أعيد توزيعه من جديد .. وإن الأحداث قد أعطيت أحجاماً خاصة ومناسبة لجو الفيلم العام . وهو بذلك قد حرر السيناريو من التوالي الزمني اليومي المبتذل ، وبالتالي أمد المخرج وممثليه بعناصر جديدة جعلت السيناريو يبدو متكاملاً ومشاهده متقنة . ــ فاصل موسيقي ــ يأتي الآن دور الحديث عن هذا الإنتاج الضخم .. حيث التساؤل الذي يمكن أن يطرح من قبل المتفرج .. أين أنفقت الثلاثين مليون دولار ؟ والفيلم ـ بالطبع ـ بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة يجيب عن هكذا تساؤل . لقد كان فريق الفنيين ، مع المخرج ، حريصين كل الحرص على إحياء تلك الفترة التاريخية ، وإعادة الحياة في كينيا كما كانت عليه في عام 1914 ، ولهذا السبب بحثوا في المتاحف وبين الصور الفوتوغرافية القديمة عن تلك الفترة بالذات ، إبتداء من شكل السكن الذي أقامت فيه الكاتبة ، الى نوع الستائر وقماش الملابس ، الى طراز المقاعد والموائد ولمبات الغاز ، كما بحثوا عن نفس نوع السيارات المستخدمة في تلك الفترة . هذا إضافة الى القطار البخاري الذي ظهر في المشاهد الأولى من الفيلم .. ثم يأتي الأصعب من كل هذا ، وهو توفير طائرة صالحة للإستعمال تناسب تلك الفترة . كما إنهم إستحضروا الأسود المدربة من كاليفورنيا لتمثيل بعض المشاهد ، حيث كان من الصعب تطويع الأسود البرية . وبذلك فقد قُدر عدد العاملين وراء كاميرات الفيلم بحوالي عشرة آلاف شخص ، كانت مهمتهم تحقيق الصورة الحقيقية والمناسبة لأفريقيا في بداية هذا القرن . وفي إعتقادنا بأن كل هذا الجهد ، قد يفسر السبب الذي من أجله قدمت لجنة الأوسكار أغلب جوائزها للفريق الفني ، من صوت وديكور وتصوير وموسيقى . وربما لايهمنا ، في الفيلم ، قصة تلك المرأة وذكرياتها ، إلا أن الفيلم يعد تحفة فنية وعملاً سينمائياً على مستوى راقٍ من الجودة الفنية .. صور لنا الجانب الجذاب من أفريقيا الطبيعة .. أفريقيا السحر والجمال والرومانسية ، وكأن المخرج ـ بذلك ـ يقدم بطاقة حب الى أفريقيا . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (عيون لا تنام) ، بطولة أحمد زكي ومديحة كامل وفريد شوقي وعلي الشريف ، ومن إخراج رأفت الميهي . وهو إنتاج عام 1981 . قدم رأفت الميهي فيلم (عيون لاتنام ) كأول تجربة إخراجية له ، مستوحياً السيناريو من مسرحية أمريكية هي (رغبة تحت شجرة الدردار) للكاتب »أوجين أونيل« . غير إن الفيلم يبدو بعيداً جداً عن أحداث وأجواء الكاتب الأمريكي .. فقد غيَّر رأفت الميهي في الأحداث وفي بناء الشخصيات وعلاقاتها . يقول الميهي ، في هذا الصدد : ... أنا مسئول عن نص »عيون لاتنام« من أوله الى آخره ( ... ) فأنا لست ناشراً ، ولا أعيد نشر رواية ، فأنا أتناولها وأكتب وجهة نظري الخاصة ... . كذلك يرى الميهي إن للمخرج ـ أيضاً ـ إستقلاليته عن كاتب السيناريو ، فالسيناريست ينتهي إبداعه على الورق كمؤلف ، وعندما يقف المخرج وراء الكاميرا لا يكون مترجماً لما هو مكتوب على الورق فقط ، وإنما الإخراج في رأي الميهي ...هو إضافة وإبتكار وخيال آخر يضاف الى خيال السيناريست ، وإذا لم أكن أملك شيئاً أقوله ، فلا داعي إذن لإخراج الأفلام .. أعتقد إنني أستطيع أن أشتغل بأعمال أخرى ... . ــ فاصل موسيقي ــ وقد حمَّل رأفت الميهي فيلمه الأول فكرة تعتمد ـ أساساً ـ على الرغبة المرتبطة بالطبيعة الإنسانية ، وهي حب التملك . ولكنه قدمها بعيون ناقدة ومتفهمة لمدى خطورة هذه الرغبة ، فهي عندما تسيطر على الإنسان تحطمه وتقضي عليه . فنحن في فيلم ( عيون لا تنام ) أمام عائلة مكونة من أربعة أخوة ، تملك قطعة أرض أقيمت عليها ورشة لإصلاح السيارات ، يستحوذ الأخ الأكبر إبراهيم (فريد شوقي) على ملكية هذه الأرض ، بينما يقتنع الآخرين بأنهم يمتلكون حق الحصول على الورشة .لذا يعيشون في صراع دائم لا ينتهي . يشتد هذا الصراع عندما يقرر إبراهيم الزواج عله يرزق بوريث ، حيث تجد الزوجة الفقيرة ـ والصغيرة في السن بالنسبة لإبراهيم ـ سميحة (مديحة كامل) ، والتي تبحث عن الحماية من الجوع والتشرد ، تجد نفسها وقد دخلت هذا الصراع ، وعليها أن تحارب وتدافع عن نفسها حتى تحافظ على إستقرارها وزواجها هذا . وأمام أول محاولة لسميحة بالبدء في التصدي لمضايقات الأخوة الثلاثة ، ينسحب إثنان منهم تاركين الحلبة للأخ الأصغر إسماعيل ( أحمد زكي ) وسميحة وزوجها . ومن خلال هذا الصراع الدامي بين الطرفين على إمتلاك الأرض والورشة ، والذي ينتهي الى الموت ، نكتشف حقيقة الوضع الإجتماعي والنفسي القاسي لهذه الأسرة العاملة ، ولأغلب الأسر المصرية الفقيرة التي تعيش على هامش مجتمع الإنفتاح . ــ فاصل موسيقي ــ لقد أراد رأفت الميهي ـ في فيلمه هذا ـ من المتفرج أن يظل متفرجاً ، أي إنه لا يجد مجالاً للتعاطف مع شخصية ضد شخصية أخرى ، وذلك لأن كلا طرفي الصراع يطرح موقفه ووجهة نظره الخاصة بشكل مقنع الى حد ما .. إلا أن الخطأ الذي يرتكبه كل منهم كونه يتجاهل وجهة نظر الآخر ، ولا يرى سوى وجهة نظره الفردية ، وبمعنى آخر لا يرى الحقيقة إلا من زاوية واحدة . وهذا ـ بالطبع ـ هو الذي أدى الى الإقتتال في النهاية . إن فيلم ( عيون لا تنام ) لا يداعب المتفرج ، وإنما يعطيه جرعات من الصدمات القوية . فالمتفرج بعد مشاهدة الفيلم ينتابه شعور بمدى السواد المحيط به وبهذا الواقع . وقد تعمد المخرج هذا ليحرك في المتفرج الرغبة في التغيير ، تغيير هذا الواقع الذي يعيشه وينكوي منه .فنحن نشعر بمدى خطورة الفساد الإجتماعي والمناخ المتعفن الذي تعيشه شخصيات الفيلم ، لا وجود للضحايا هنا ، فجميع الشخصيات ـ في النهاية ـ جلادة لنفسها . ــ فاصل موسيقي ــ لقد نجح رأفت الميهي (المخرج ) في دراسة كل لقطة بعناية فائقة ، فهو مدرك بأن الجزئيات هي التي تصنع الكليات في الحياة كما في الفن . أما الميهي (السيناريست) فقد أراد للمكان أن يضيف الى الدراما لا أن يحيط بها ، فكانت الورشة هي أحد أبطال الفيلم . إن للمشهد الأخير ، وبالذات صرخة أحمد زكي ، إيحاءات كثيرة .. وتثير أكثر من تساؤل : هل هي صرخة ضد رغبة التملك المدمرة .. أو ضد الأنانية .. أو ضد العنف .. أو هي ، كما ترينا اللقطة الأخيرة لكوبري »6 أكتوبر« والبنايات الشاهقة الرامزة لعصر الإنفتاح ، صرخة ضد عصر الإنفتاح .. أو إن الميهي قصد بهذه الصرخة لتكون ضد هذه الأمور جميعاً. إن فيلم ( عيون لا تنام) إستطاع ، كما جاء في تقرير لجنة تحكيم جمعية النقاد المصريين ، أن يبرز وبأسلوب واقعي متماسك عواقب الإعلاء من شأن الملكية الخاصة في مجتمع يحتاج الى التنمية الشاملة والتخطيط العلمي . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 21 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (قشر البندق) ، بطولة محمود ياسين وحسين فهمي ورانيا محمود ياسين وحميد الشاعري ، ومن إخراج خيري بشارة . وهو من إنتاج عام 1995 . ــ فاصل موسيقي ــ (قشر البندق) فيلم للمخرج المتجدد خيري بشارة . وبهذا الفيلم يؤكد خيري بشارة بأنه يبحث دوماً عن الجديد والمختلف . مهما يكن موضوع الفيلم . المهم أن يكون جديداً ومختلفاً في الفكرة والطرح والمعالجة . وقبل الحديث عن فيلم (قشر البندق) ، نقترح عليك عزيزي المستمع أن نتحدث عن المخرج خيري بشارة وعن تجربته السينمائية المتميزة بشكل موجز وسريع . فخيري بشارة كان من بين الأسماء اللامعة في سماء السينما التسجيلية في سنوات السبعينات . بدأ تجربته السينمائية الروائية بمجموعة من الأفلام تندرج تحت تصنيف الواقعية الجديدة .. مثل (الأقدار الدامية ـ 1980) ، (العوامة 70 ـ 1982) ، (الطوق والإسورة ـ 1986) ، (يوم مر .. يوم حلو ـ 1988) . وفي عام 1989 بدأ خيري بشارة مرحلة فنية جديدة بفيلمه (كابوريا) ، حيث تمرد على الواقعية الجديدة التي قدمها في السابق ، وقدم كوميديا غنائية تسخر من تناقضات الواقع الإجتماعي . فبعد أفلامه الأربعة السابقة الذكر والتي صبغها بألوان واقعية شاعرية تميل الى السواد ، قفز بشارة ـ وبلا مقدمات ـ الى عالم الفانتازيا الساخرة بفيلم (كابوريا) . وهو الفيلم الذي إستقبله نقاد السينما في مصر بفتور وأحياناً بعداوة .. بينما أقبل عليه الجمهور المصري بحماس شديد ، فحقق إيرادات مرتفعة لم تسجلها سوى أفلام قليلة ، من بينها أفلام النجم عادل إمام . وفي مرحلته الفنية الجديدة ، قدم خيري بشارة بعد (كابوريا) أفلام : رغبة متوحشة (1991) ، آيس كريم في جليم (1992) ، أمريكا شيكا بيكا (1993) ، حرب الفراولة (1994) ، وآخر أفلامه (إشارة مرور 1996) ، أما (قشر البندق ـ 1995) ، الذي نحن بصدد تناوله في حلقتنا هذه ، فكان ترتيبه قبل الأخير في قائمة أفلام خيري بشارة . ــ فاصل موسيقي ــ فكرة فيلم (قشر البندق) فكرة جديدة ومشوقة ، وتعتمد على إقامة مسابقة في الأكل من قبل أحد فنادق الدرجة الأولى من باب الدعاية والإعلان . فيندفع الجمهور للمشاركة في هذه المسابقة والحصول على المكافأة المادية الكبيرة المخصصة للفائز الأول في المسابقة ، والتي تشرف عليها الفتاة الطموحة فاطمة (رانيا محمود ياسين) . وفاطمة كانت تعمل كخادمة في نفس الفندق ، إلا أن حماسها وإندفاعها لتطوير نفسها هما اللذان دفعا مدير الفندق رؤوف (حسين فهمي) لإختيارها كمشرفة أولى للمسابقة . وينطلق الفيلم منذ بداية الإعلان عن المسابقة ليتابع دوافع الأشخاص الذين تم إختيارهم من قبل اللجنة المشرفة للمسابقة . فمنهم الموسيقي والعامل والشرطي والرياضي ورجل الأمن وفتاة الليل و النصاب والمقامر والمرافق والخادمة الصغيرة والمتقاعد وبائعة اليانصيب . جميعهم دخلوا المسابقة وكلهم أمل بالفوز بالجائزة الكبيرة بغية تحقيق أحلامهم . وتبدأ المسابقة ، التي تتكون من عدة جولات هي عبارة عن أطباق متنوعة من أكلات عالمية . ومع بدأ المسابقة تتم التصفيات الأولى ويبدأ عدد المتسابقين في التناقص ، ويشتد التنافس بين الباقين . إلا أن المسابقة تنتهي بمأساة موت المتسابق فتحي من كثرة الأكل ، حيث يصاب بسكتة قلبية ، وتنتهي بإنتهاء العلاقة بين فاطمة وخطيبها ، وتنتهي بقتل محمود ذهني ، وتنتهي بفشل هشام في مراهناته . ــ فاصل موسيقي ــ أما شخصيات المشاركين في المسابقة فقد إنتقاهم السيناريو بدقة وصاغ حولهم حكايات كثيرة منها الطريف والمأساوي .. وهم : فتحي (حميد الشاعري) :الموسيقي الإسكندراني المتسكع والنصاب وتابعه السمين . وتهاني (عبلة كامل) : بائعة اليانصيب التي تعشق فتحي الموسيقي وكانت تصرف عليه ، هذا بالرغم من معرفتها بأنه نصاب ، ولكنه هجرها. وصقر (محمد هنيدي) : شرطي الأمن الركزي الذي يعاني من الفقر والجهل ، ويعتبر إشتراكه في هذه المسابقة فرصة لتحسين وضعه المعيشي هو وأسرته في القرية . والرياضي أبو زيد (محمد لطفي) : الذي قدم من القرية على قدميه متأخراً ، وذلك لعدم حصوله على ثمن المواصلات . مع أنه بطل الجمهورية وأفريقيا في كمال الأجسام . ومحمد (طارق لطفي) : رجل الأمن وخطيب فاطمة التي تسببت في فصله من عمله كرجل أمن ، وبالتالي يعرض عليها أن تتوسط له للإشتراك في المسابقة فترفض . مما يسبب خلاف بينهما يؤدي الى فسخ الدبل . وبالرغم من محاولاته إنهاء هذا الخلاف أثناء المسابقة إلا أنه لا يفلح في ذلك . وفتاة الليل (دينا) : التي تخلى عنها زوجها (حسب قولها) وتركها في الفندق . تشترك في المسابقة لسداد أجرة الفندق . وهشام (ماجد المصري) : السمسار المغامر الذي يستأجره رؤوف للبحث له عن سيارة موديل 45 لزوجته الأمريكية . نراه يدبر مبلغ السيارة بطريق النصب من زوج أخته الذي يختلس مبلغاً من عهدته على أن يسترد نفس المبلغ بعد بيع السيارة . وبعد أن يرفض رؤوف أن يشتري السيارة ، يجد هشام نفسه في ورطة فيستغل جو المسابقة ويعمل شغل من خلال المراهنات بين الجمهور على المتسابقين . والفلاح محمدين (علاء ولي الدين) :البدين الساذج الذي هرب من الذين يضحكون عليه في قريته ، وهو يعيش الآن عاطلاً في القاهرة منذ ثلاثة أشهر . والخادمة مرزوقة : البنت الصغيرة التي تجوعها مخدومتها لمدة يوم ونصف ، لتجبرها على الإشتراك في المسابقة لكي تستفيد هي من قيمة الجائزة . والمتقاعد (محمد يوسف) : الأب الفقير الذي يعجز عن توفير جهاز إبنته ، بسبب المهر القليل الذي دفعه خطيبها ، فيلجأ الى الإشتراك في المسابقة لتساعده في تحقيق كل أحلامه . أما لجنة التحكيم فتتكون من : دكتورة علم النفس والأديبة (صافيناز الجندي) ، وهي إمرأة محافظة إلا أنها تعاني من الكبت الجنسي بسبب العنوسة ، وتشتاق لممارسة الجنس مع الرياضي . وعندما تختلي به في أحد الغرف تجهل بأن الغرفة مراقبة بكاميرا تكشف على الهواء كل مايدور بينها وبين الرياضي . والمحكم الثاني دكتور في الأغذية من جامعة كاليفورنيا . والثالث هي ملكة جمال وملكة شواطيء ميامي النجمة (مريم فخر الدين) . أما المحكم الرابع والأخير فهو رجل الأعمال محمود ذهني (محمود ياسين) الذي إختارته مشرفة المسابقة ليكون عضواً في لجنة التحكيم بسبب إعتذار مفاجأ لأحد أعضائها . وبالرغم من أنه لا يريد الإشتراك إلا أن فاطمة تذكره بأنه يدين لها بإعتذار وعليه أن يسدده بإشتراكه في لجنة التحكيم لإنقاذ الموقف . ــ فاصل موسيقي ــ سيناريو الفيلم جيد وخلاق ومكتوب بعناية فائقة ، إستطاع به خيري بشارة أن يلفت إنتباه المتفرج الى أحداثه حتى آخر لقطة . فبالإضافة الى الحدث الرئيسي وهو المسابقة ، هناك العديد من الحكايات الثانوية كانت قد ساهمت في ربط الحدث الرئيسي وتقويته . فمثلاً هناك حكاية محمود ذهني (محمود ياسين) رجل الأعمال المشهور والشاعر الفاشل والمتورط في قروض تقدر بالملايين لذلك نراه يختار هذا الفندق ليختفي عن الأنظار والصحافة والرأي العام الى أن يحل مشكلته مع المتسببين في توريطه . ولكن أجمل شيء في هذه الحكاية هو صياغتها في السيناريو . فقد حرص كاتب السيناريو على أن لا تكون محشورة حشراً في السيناريو . فجعل الدكتور زهدي يكتب رسالة لصديقه القديم عبد العزيز يروي له ويتحدث له في لحظة صدق عن مشوار حياته خلال ال 25 سنة الأخيرة وعن كل ما يحسه ويشعر به ، حيث يكتشف متأخراً بأنه قد أخطأ الطريق في مشوار حياته . دون أن يكون لظهور شخصية هذا الصديق على الشاشة ضرورة حتى ولو للقطة واحدة ، مختصراً في هذه الرسالة قصته بكاملها في دقائق معدودة . بدل المط والتطويل الذي عودتنا عليه أغلب الأفلام المصرية . حيث يظهر محمود في لقطات سريع وذكية أثناء سرد قصته لصديقه . وهناك إعلان المسابقة (هات حته .. هات حته) الذي نفذ بخيال جميل ومتناسب وجو الفيلم العام . كذلك مشهداً يظهر المشارك فتحي الإسكندراني وهو في طريقه الى الفندق مع مرافقه ، يسعل بصوت يتناسب مع نغمة المؤثر الموسيقى للفيلم ، وتتبعه عدة لقطات لآخرين يسعلون على نفس النغمة ، ليتكون مشهد فنتازي كوميدي جميل . إنه حقاً مشهداً يعد من بين أبرز الشماهد التى إستخدمها المخرج لإعطاء طابعاً خفيفاً مقبولاً لفيلمه . وهو بالطبع ليس مشهداً شاذاً كما يعتقد ، بل هو يتناسب والجو العام للفيلم . وهناك الكثير من المشاهد والمواقف التي نفذها المخرج المبدع خيري بشارة بخبرة ودراية ، ووصلت الى المتفرج بشكل جميل وسلس . ــ فاصل موسيقي ــ بالنسبة للإخراج بشكل عام ، نجح خيري بشارة في تقديم فيلم جميل وسريع الإيقاع ، كما نجح في إدارة فريق عمله الفني في الإرتفاع بمستوى الفيلم الفني والتقني . من خلال حركة كاميرا سريعة وزوايا تصوير موفقة ومنسجمة مع المونتاج السريع اللاهث والشفاف والمتناسب والحدث الدرامي . هذا إضافة الى الموسيقى التصويرية والألحان التي أكملت هذا الإنسجام العام . ولا يمكن إلا أن نشير الى ذلك الأداء الأخاذ من جميع الممثلين كباراً وصغاراً ، وإدارتهم الجيدة من قبل المخرج الحساس خيري بشارة . يبرز منهم الوجه الجديد رانيا محمود ياسين ، التي نجحت في أول تجاربها وقدمت دورها بثقة وتمكن ، وأعلنت عن وجودها على الشاشة . أما الفنانة عبلة كامل صاحبة الأداء التلقائي الطبيعي ، فهي تواصل تألقها الفني من فيلم الى آخر ، وذلك بتوفيقها في إختيار أدوارمتميزة وناجحة . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (العار) ، بطولة نور الشريف وحسين فهمي ومحمود عبدالعزيز ونورا ، ومن إخراج علي عبدالخالق . وهو إنتاج عام 1982 . يعد فيلم (العار) من بين افضل الافلام التي انتجت في عقد الثمانينات ، حيث لاقى نجاحاً كبيراً عند عرضه على المستويين الجماهيري والنقدي . حيث اشاد به النقاد والمهتمين واعتبروه حينها فيلم الموسم . حصل فيلم (العار) على جائزة الاخراج في مهرجان مانيلا السينمائي الدولي ، وانتزع افضل ثلاث جوائز من مهرجان جمعية الفيلم السنوي ، متجاوزاً افلام هامة مثل (حدوتة مصرية) ليوسف شاهين و (العوامة 70) لخيري بشارة . والثلاث جوائز هي افضل فيلم و اخراج وسيناريو . والفيلم يشكل اول تجربة للثنائي الشهير علي عبدالخالق كمخرج ومحمود ابوزيد ككاتب . ــ فاصل موسيقي ــ وفيلم (العار) دراما اجتماعية انسانية مشحونة بالاثارة والتشويق ، تحكي عن اسرة تاجر عطارة تعيش في بحبوحة من العيش في هدوء واستقرار نفسي واجتماعي ، وكل شيء في حياة هذه الاسرة طبيعي ويسير بروتينية وهدوء .. وفجأة تحدث الكارثة ، عندما يموت رب الاسرة في حادث مرور . هنا يحدث التحول في الخط الدرامي ويتطور الى النقيض تماماً ، حيث يتضح فيما بعد بان الحاج الوالد كان من اكبر تجار المخدرات . وبعد معرفة الاسرة المنكوبة بهذا السر الخطير ، يبدأ في التأثير على مسار الاحداث والشخصيات وفضح كوامنها ، ويبرز الفروق بين الممارسات الاجتماعية والانسانية وبين الصورة الحقيقية لهذه الشخصيات . ويشترك الاخوة الثلاثة في تصريف صفقة المخدرات التي اتفق عليها المرحوم الوالد قبل وفاته ، ووضع فيها مبلغ خمسة ملايين جنيه ، آملين ان يحصل كل واحد منهم على نصيبه . ــ فاصل موسيقي ــ والفيلم يعد إدانة واضحة لمرض إستشرى في مجتمع الإنفتاح ، الا وهو طغيان المادة واللهث وراء الثروة لدرجة تناسي القيم النبيلة والمباديء الاخلاقية والانسانية . كما ان الفيلم قد أشار الى تأثير المخدرات (المادة) على الروابط الاسرية الى حد التفكك . وقد شاهدنا كيف أن بريق المادة قد جعل الطبيب الذي يعالج مرضاه بعقاقيره يلجأ إليها عندما توترت أعصابه ، وشقيقه رئيس النيابة لم يتمكن من مواجهة أحد تجار المخدرات رغم كفائته وأحكامه السابقة . هنا يقعان في وضع صعب وهو الاختيار بين وظيفتهما والقيم التي رباهما عليها والدهما ، وبين الثروة الكبيرة التي تأتي من تجارة المخدرات . ولانهما رضخا لسيطرة المادة ، كانت النتيجة فقدانهما لكل شيء في النهاية . ــ فاصل موسيقي ــ لقد جمع فيلم (العار) بين الاثارة والتشويق ، وقدم مثالاً متميزاً للتجانس بين كافة عناصر الفيلم ، وخصوصاً بين السيناريو والاخراج . فعلى سبيل المثال لا الحصر ، نرى كيف ان السيناريست رغبة منه لتوصيل افكاره ، حرص على عدم اظهار الشرطة حتى النهاية ، على عكس ما يحدث عادة في الافلام المصرية من ضرورة تدخل الشرطة وإلتحامهم مع تجار ومهربي المخدرات في معركة شرسة ، تنتهي ـ بالطبع ـ بانتصار الشرطة . هنا أصر محمود ابو زيد على البحث عن وسيلة اخرى لقول ما يريده .. ونجح فعلاً في ذلك . كذلك المخرج علي عبدالخالق ، الذي استطاع السيطرة تماماً على ادواته الفنية والتقنية والحفاظ على عنصري الاثارة والتشويق طوال الفيلم . كما نجح حقاً في ادارة ممثليه ، حيث قدم مباراة في الاداء التمثيلي بين ثلاثة نجوم كبار . واخيراً يمكن القول بان (العار) فيلم يستحق الاحترام ، لانه استطاع قول ما يريده للمنفرج دون افتعال ودون مباشرة وباسلوب شيق وجميل . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 22 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (الهروب) ، بطولة أحمد زكي وهالة صدقي وعبدالعزيز مخيون وأبوبكر عزت ومحمد وفيق وحسن حسني ، ومن إخراج عاطف الطيب . وهو من إنتاج عام 1990 . ــ فاصل موسيقي ــ فيلم (الهروب) يعد من أفضل الأفلام التي قدمها المخرج الراحل عاطف الطيب ، فهو فيلم يتناول الكثير من الممارسات الخاطئة التي يعيشها الواقع المصري والعربي بشكل عام . ويتطرق ـ بالتحديد ـ لتلك الجراح الغائرة في حياتنا ، من عنف وتطرف وإرهاب وغيرها ، مؤكداً بأن بعض هذه الممارسات قد ساهمت وسائل الإعلام وبعض مؤسسات الدولة في تكريسها وإنتشارها . وعاطف الطيب في هذا الفيلم يطرح أفكاره بجرأة وبأسلوب فني قوي وغير مباشر . كما يعد الفيلم من بين أفضل أفلام الفنان أحمد زكي ، ويتعرض الفيلم لتلك المساحة التي تقع مابين الحلم المجرد للإنسان العادي وبين الواقع الملوث الذي يحيطه . فالمساحة المسموح برؤيتها للإنسان الحالم بالغد الأفضل ، تلزمه بأن يعي هذا الواقع الذي يعيشه والمناخ المحيط به ، ومدى صلابة الأرض التي يقف عليها . كما تلزمه أن يعي ـ أيضاً ـ قواعد اللعبة وقوانينها ، والتي هو طرف فيها سواء أراد أم لم يرد . وعليه أن يكون على دراية كبيرة بهذه اللعبة وقواعدها ، حيث لا يكفي أن يدعي معرفتها ، لأنها بالتالي ستحوِّل الأرض التي يقف عليها الى هوة عميقة يسقط فيها ، ليجد نفسه مجبراً على مواجهة تلك القواعد والقوانين ، والتي ـ بالطبع ـ سيقف عاجزاً أمامها . ــ فاصل موسيقي ــ ففي فيلم (الهروب) نحن أمام نمطين إجتماعيين .. الأول منتصر (أحمد زكي) الذي أجبرته الظروف المحيطة به على إرتكاب أكثر من جريمة ، محاولاً الهروب من هذه الظروف الصعبة . والثاني هو ضابط المباحث سالم (عبدالعزيز مخيون) ، وهو النقيض لشخصية منتصر والمكلف بالقبض عليه ، مع إنه صديق طفولته وصباه وشبابه . هذا الضابط الذي وجد نفسه ـ أيضاً ـ طرفاً في لعبة قذرة فوق مستوى إرادته ومعرفته . هذان النمطان لم يكونا على دراية كافية بقوانين اللعبة ـ كما أسلفنا ـ لذا كان مصيرهما الهلاك في نهاية الفيلم . ــ فاصل موسيقي ــ يحكي الفيلم عن منتصر ، الشاب الصعيدي الذي هجر قريته الى القاهرة سعياً وراء حلم زائف ، يعمل في أحد المكاتب المشبوهه لتسفير العمالة المصرية الى الدول العربية ، وهو يعلم مسبقاً إن مدير المكتب يقوم بتزوير تأشيرات الدخول وعقود العمل ، بل إن منتصر نفسه يشارك في ذلك بإعتباره لا يجرؤ على الإعتراض . إلا أن منتصر يعترض ـ ذات مرة ـ لأسباب خاصة ، فهو يكتشف بأن مدير المكتب يغازل إبنة عمه وخطيبته التي عقد قرانه عليها ، كما أن العمال المسافرين هذه المرة هم أبناء قريته ، فهو يعلم ماذا باعوا من ممتلكات لكي يتحقق سفرهم وحلمهم بالغد الأفضل . وتصل المواجهة بين منتصر ومدير المكتب الى التهديد ، فيدبر الأخير مكيدة لمنتصر للتخلص من تهديده ، حيث يوشي به للشرطة بعد أن يضع قطعة من المخدرات في غرفته التي يسكنها بسطح أحدى العمارات . هنا يتحول الفيلم تحولاً واعياً في الرؤية والمعالجة ، وذلك بعد أن يخرج منتصر من السجن ويبدأ رحلته بالإنتقام . ربما نجد في شخصية منتصر ملامح من شخصية »سعيد مهران« بطل فيلم (اللص والكلاب) ، إلا أن كاتب السيناريو (مصطفى محرم) يضيف الى شخصية فيلمه وقائع معاصرة حقيقية عن القاتل الذي إستطاع أن يهرب من المحكمة قبل صدور الحكم ضده . ــ فاصل موسيقي ــ وقد كان من الممكن أن تسود الفيلم حوادث الإنتقام كما في (اللص والكلاب) ، إلا أن سيناريو (الهروب) يحطم هذا القيد ـ بعد حادثتين فقط ـ ويتطرق الى عدة قضايا مهمة تضع المتفرج في مواجهة مناطق جديدة وبشكل جريء في الطرح . فالفيلم مثلاً يتحدث عما يجري داخل جهاز الأمن حيث الإنقسام وتباين وجهات النظر بين تياراتها أو المدارس المختلفة فيها ، والتي يعبر عنها الضابطان (عبدالعزيز مخيون ـ محمد وفيق) . فالأول يتنازعه إحساس بالواجب تجاه عمله كضابط وإحساسه تجاه بلدياته (أحمد زكي) ، بينما نجد الثاني نموذجاً للضابط الإنتهازي الذي هو على إستعداد للتخلي عن كل القيم والمباديء لتحقيق أهدافه . ــ فاصل موسيقي ــ كما يتطرق السيناريو الى رد فعل جهاز الإعلام وتواطئه مع جهاز الأمن في التهليل لحوادث منتصر وتضخيمها وجعله إسطورة إجرامية ، ثم الحديث عن كفاءة أجهزة الأمن في القبض على منتصر ، كل ذلك محاولة لشق الرأي العام وتغيير إتجاهه عن قضايا أكثر أهمية ، مثل ذلك الفساد الذي يستشري حولهم . أما علاقة منتصر بالراقصة (هالة صدقي) ، فهي المرفأ الوحيد الذي يلجأ اليه منتصر بعد كل مطاردة ، وهي ـ أيضاً ـ تعبر بشكل صارخ على أن منتصر يبحث عن الحب والحنان المفتقد لديه ، كما أنها تأكيد على أن المشاعر الإنسانية قادرة على التواصل حتى بدون كلمات ، حيث إن الإثنان لم يتعرفا على إسميهما إلا في اللقاء الأخير . ونصل الى الحدث الأخير لينتهي الفيلم بطلقات الرصاص التي تنهي حياة الإثنان معاً ، منتصرالهارب من العدالة وسالم ضابط الشرطة الباحث عن العدالة . ــ فاصل موسيقي ــ في ( الهروب ) ، نحن أمام فيلم يقدم مستوى فني جيد ، يصل به مخرجه عاطف الطيب الى درجة كبيرة من الإتقان ، حيث نجح في إدارة فريقه الفني من فنانين وفنيين .. فتصوير »محسن نصر« وإضاءته قد حققا مستوى عالٍ من الحرفية ، وخلقا الجو المتناسب مع الحدث الدرامي ، كما نجح مدير التصوير في تجسيد عناصر التشويق والإثارة ، فجاءت كاميرته لتعبر عن ذلك التوتر بحركتها الحرة في الأماكن المغلقة أو بالإهتزاز المتوتر عند التصوير فوق سطح القطار مثلاً . هذا إضافة الى التعبير بالصورة والإضاءة الدرامية في مشاهد كثيرة ، وبالذات في تجسيد العلاقة بين منتصر والصقور المحلقة بمصاحبة المؤثر الصوتي الجميل (صوت راعي الجمال) والمتناسب مع الموقف الدرامي ، الذي إستخدمه ـ وبشكل موفق ـ الموسيقي المبدع »مودي الإمام« ، هذا الفنان الذي إستطاعت موسيقاه أن تعمق الكادر السينمائي ، وكانت جزءاً أساسياً في تكوين الصورة وليست ظلاً لها فحسب . ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة للتمثيل ، فأحمد زكي ـ كعادته ـ متجدد ومتدفق ، أضفى على دوره عفوية فطرية وصدق في الأداء ، فكان مقنعاً بدرجة كبيرة ، فهو بهذا الفيلم يقدم واحداً من أفضل أدواره ، مستفيداً من لياقته البدنية إضافة الى لياقته الفنية ، حيث كان هناك العديد من مشاهد المطاردات التي حرص أحمد زكي على أدائها بنفسه لتحقيق أعلى درجات الصدق . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (اللعب مع الكبار) ، بطولة عادل إمام وحسين فهمي وعايدة رياض ، ومن إخراج شريف عرفة . وهو إنتاج عام 1991 . في فيلمه (اللعب مع الكبار) ، يقدم المخرج شريف عرفه سينما جميلة متكاملة ، ويؤكد من خلاله رؤيته الإخراجية الخاصة . كما ينجح في تقديم فيلم جماهيري ذو مستوى فني رفيع ، يرقى بذوق المتفرج والناقد على السواء . ــ فاصل موسيقي ــ لقد توافرت في (اللعب مع الكبار) ثلاثة عناصر فنية هامة ، بل أنها تألقت أيضاً ، فبالإضافة الى نبض شريف عرفه الخاص ، كانت هناك شعبية عادل إمام (النجم الأوحد) ، ثم جرأة وحيد حامد كاتباً للسيناريو ومنتجاً للفيلم . وإن هذا التفاعل الفني بين الثلاثي (عرفه/إمام/حامد) قد أنتج ثماراً خصبة وفيلماً يعد من بين أهم ما أنتجته السينما المصرية في السنوات العشر الأخيرة . والفيلم كفكرة ، يتحدث عن ذلك العبث الإقتصادي والإجتماعي بمصائر البشر ، والذي يقوم به المستغلون الكبار بحق الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة في مواجهة هذا الإرهاب الواقع عليهم . ــ فاصل موسيقي ــ يحكي الفيلم عن حسن بهلول (عادل إمام) كنموذج للإنسان البسيط الذي أجبرته ظروف الحياة على أن يعيش حالة البطالة ، فهو لا يعمل ولا يستطيع حتى الزواج من خطيبته (عايدة رياض) ، ويحاول أن يعيش حياته التي يصبغها بعبثية جميلة ، معتمداً على قدراته وخبراته في الحياة . واقعه مظلم وآماله محطمة ، إلا أنه يملك قدراً كبيراً من الحب والإحساس بالمسئولية تجاه وطنه . تبدأ أحداث الفيلم عندما يجري حسن إتصالاً بجهاز أمن الدولة ، ويتحدث الى الضابط (حسين فهمي) ليبلغه عن توقيت حريق سيحدث في أحد المصانع في اليوم التالي . وعندما يسأله الضابط عن كيفية معرفته بذلك ، يبلغه حسن بأنه شاهد الحادث في الحلم . وبالفعل يقع الحادث ، لتبدأ علاقة من نوع خاص بين حسن والضابط . ــ فاصل موسيقي ــ وتتعدد الحوادث التي يشاهدها حسن في الأحلام (يعمد المخرج لتكرار مشهد إستيقاظ حسن من النوم للإيحاء بشيء ما) وفي كل مرة يصدق حسن فيما يقوله للضابط . عندها يتعرض حسن لضغط وتعذيب نفسي وجسدي بعد تحويله الى ضابط آخر (مصطفى متولي) للتحقيق معه . ولكن حسن يصر على الصمت وكتمان أسراره ومصدر معلوماته حتى يعود لصديقه الضابط الذي بدوره يكن حباً حقيقياً لحسن . وتنتهي الأحداث عندما يتم إلقاء القبض على عضو مجلس الشعب (أحمد عقل) لإستغلاله حصانته البرلمانية لتهريب المخدرات ، حيث يكتشف الكبار بأن موظف سنترال الهاتف (محمود الجندي) هو الذي أفسد صفقتهم هذه ، والذي يستقي منه حسن بهلول معلوماته . يقرر هؤلاء الكبار التخلص من حسن بهلول وصديقه ، لتبدأ بذلك أجمل مشاهد الفيلم ، وذلك في محاولة حسن الفاشلة لإنقاذ صديقه عندما يصل متأخراً . ففي المشهد الأخير (داخل السنترال) يمسك الضابط بمسدسه بينما يصرخ حسن بهلول بأنه سوف يواصل حلمه ولن يتوقف عن الحلم ، مؤكداً على مواصلة المشوار في كشف صور الفساد بالحلم بواقع أفضل ، الى أن يسمع صوت رنين الهاتف في النهاية ليكون بمثابة إنذار للمتفرج . ــ فاصل موسيقي ــ إن فيلم (اللعب مع الكبار) بالرغم من أحداثه الواقعية ، إلا أنه يحلق بنا بين الحين والآخر وينطلق الى آفاق وفضاء الخيال والفانتازيا الرحبة ، ونلمس ذلك في حوار وحيد حامد الذكي واللماح وكاميرا شريف عرفه الشاعرية وأداء عادل إمام الأخاذ . فعادل إمام في هذا الفيلم مختلف .. صادق وحيوي ، يؤدي دوره بحميمية شديدة ينفذ بها الى مشاعر المتفرج وعقله بسهولة .. فقد شاهدناه فناناً يعرف كيف يصل بأدائه وتعبيرات وجهه الى معنى الجملة التي ينطق بها . أيضاً وصل حسين فهمي الى الذروة في أدائه ، هذا بالرغم من أن الشخصية التي أداها ليس لها ملامح درامية حادة ، ولهذا فإن قدرته على التواصل مع المتفرج تنبع من صدقه في التعبير الأدائي . ــ فاصل موسيقي ــ والفيلم بشكل عام يزخر بمناظر رائعة للقاهرة ، خصوصاً في الليل ، إستطاع شريف عرفه كمخرج أن يقدمها بصدق من خلال عين مدير التصوير محسن نصر . هذا بالإضافة الى ديكورات نهاد بهجت ذات التصميمات البسيطة والمعبرة وذات الألوان المنسجمة . كما يتميز (اللعب مع الكبار) أيضاً بذلك الإيقاع السريع والمدهش ، الذي جعل المتفرج مشدوداً حتى آخر لقطة من الفيلم . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 23 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم البريطاني (غاندي) ، بطولة بن كنجسلي ، ومن إخراج ريتشارد أتنبرو . وهو من إنتاج عام 1981 . ــ فاصل موسيقي ــ ( منذ ثمانية عشر عاماً كنت ممثلاً ومنتجاً ، كانت حياتي هادئة وبلا مشاكل .. ثم حدث أن قرأت سيرة غاندي التي كتبتها لوفير فيشر، عندئد إنقلب كل شيء .. ومنذ ذلك اليوم لم أتوقف لحضة عن التفكير بإخراج فيلم عن حياة غاندي ) . هذا ماقاله المخرج البريطاني ريتشارد أتنبرو عن مشروع حياته ، والذي تمثل بإخراجه لفيلم غاندي . ويواصل المخرج "أتنبرو" حديثه ، فيقول : ... لمدة عشرين عاماً ، كنت كلما رفضت أو قبلت العمل في فيلم ، أفكر بشيء واحد هو بمثابة معيار ، إذ أنني أتساءل هل سيساعدني هذا العمل على إخراج فيلمي ؟ ولمدة عشرين عاماً تفاوضت ، وطرقت جميع الأبواب .. رحلت أربعين مرة الى الهند .. وهاأنذا ـ أخيراً ـ أصل الى غايتي ... . ــ فاصل موسيقي ــ ( غاندي ) ، فيلم تهيأت له كافة الإمكانيات ، فهو نموذج جيد للإنتاج الهوليودي الضخم ، وفيلم ذو رسالة نبيلة وجهها الى العالم الغارق في كافة أشكال العنف الهدام .. فيلم يحكي ، على مدار ثلاث ساعات ، عن حياة "المهاتما غاندي" ، ذلك الإنسان الرافض للعنف والإنقسامات الدينية ، والداعي للمقاومة السلمية للتحرر من نير الإستعمار . نحن أمام فيلم مليء بإعجاب المخرج الشديد لهذا القائد الهندي الكبير .. إعجاباً يذهب ـ أحياناً ـ الى حدود التأليه لهذه الشخصية ، وهو ما حذر منه الرئيس الهندي "نهرو" ، عندما إالتقى بالمخرج "أتنبرو" في عام 1963 ...... حيث قال لـ "أتنبرو" أثناء حديثه عن مشروع إنتاج الفيلم : ... أياً كان فيلمك ، فلا تجعل من الرجل إلاهاً .. لقد كان رجلاً عظيماً ، لذا يجب تجنب تأليهه ، رغم أن هذا هو مافعلناه في الهند ... . ورغم هذا التحذير من "نهرو" ، إلا أن المخرج لم يتفاد إحاطة شخصية "غاندي" بهالة أفقدتها شيئاً من إنسانيتها ، وبالتالي جاء الفيلم ـ رغم حسناته الكثيرة ـ ناقص الروح . لقد قدم الفيلم صورة لـ"غاندي .. صورة خلت من بعض إنسانية البطل ، فسلبته بعض من حجمه الحقيقي ، وأفقدت الفيلم حرارة الإتصال والمعايشة القريبة من هذا الزعيم ، والذي نادى بالإتحاد والتسامح في كل ماقاله وكتبه . وتفاصيل كثيرة حجبها "أتنبرو" عن فيلمه ، تفاصيل صميمة تخص حياة الزعيم الأسطورة ، منها ـ على سبيل المثال ـ خلافاته الحادة مع إبنه "هريلال غاندي" الذي إعتنق الإسلام وإنشغل في عمليات عقارية واسعة .. كذلك هاجس العفة الذي طارد المهاتما ، جسَّده المخرج من خلال سطرين في حوار سريع على لسان زوجته .. ولاشيء يذكر عن الليالي التي كان يقضيها عارياً في فراش فتيات ، لتأكيد صموده ضد رغباته الجنسية . والكثير من التفاصيل التي تدخل في صميم شخصية "غاندي" حذفها "أتنبرو" فأفرغ الشخصية من بعض إنسانيتها مفضلاً شخصية خارقة شامخة ومبسطة .. شخصية تاريخية أسطورية . ــ فاصل موسيقي ــ وقد رُشح فيلم ( غاندي ) لإحدى عشر أوسكاراً ، فاز بثمان منها ، ألا وهي : أفضل فيلم ، أفضل مخرج ، أفضل ممثل ، أفضل سيناريو ، أفضل تصوير ، أفضل مونتاج ، أفضل ديكور ، أفضل ملابس . هذا إضافة الى جوائز الأكاديمية البريطانية للفن السينمائي ، والتي قدمت له جوائز : أفضل فيلم ومخرج وممثل وممثلة مساعدة .. وللعلم فإن كاتب السيناريو للفيلم هو البريطاني "روبرت بولت" ، الكاتب المفضل لدى المخرج الكبير "ديفد لين" ، حيث كتب له أفلام لورنس العرب ، دكتور زيفاجو ، رجل لكل العصور ، إبنة ريان . ــ فاصل موسيقي ــ 25 مليون تحت أقدام القديس العاري : ــ فاصل موسيقي ــ ما يقارب من الخمسة وعشرين مليون دولار ، هي ميزانية ضخمة ، وضعت تحت تصرف مخرج الفيلم ، لتحقيق مشروع حياته .. فالفيلم إنتاج بريطاني/هندي مشترك ، ساهمت الهند بمبلغ ستة ملايين دولار أمريكي ، قدمتها الشركة القومية للإنتاج السينمائي الهندي ، وذلك بإيعاز من "أنديرا غاندي" ، على أساس أن تسترد الشركة هذا المبلغ من حصيلة إيرادات الفيلم ، وذلك لدعم صندوق الشركة ومساعدة المخرجين الهنود الشباب . ــ فاصل موسيقي ــ بين حلم "أتنبرو" بإنتاج الفيلم وبين تحقيق هذا الحلم ،عشرون عاماً .. فقد كانت هناك الكثير من العقبات التي واجهت إنتاجه ، فلولا موافقة السلطات الهندية على مشروع الفيلم ومساندتها له ، لما كان لهذا الفيلم أن يرى النور . وكان المخرج قد حصل على موافقة رسمية لمشروع الفيلم من الرئيس "نهرو" ، وذلك عندما أعلن أمام البرلمان الهندي »أن هذا المخرج الإنجليزي صالح تماماً للقيام بهذا العمل« ، وإن "أنديرا غاندي" قد قرأت بالتفصيل سيناريو الفيلم ، وإقترحت بعض التعديلات الهامة عليه . كما أعلن المخرج في مؤتمر صحفي بعد عرض الفيلم ، حيث قال : بفضل إقتراحات "أنديرا غاندي" ، أمكننا التقدم بأحداث الفيلم ، فنحن لا نقدم فيلماً تسجيلياً يغطي خمسين عاماً من حياة "غاندي" ، بل لكي نكون صادقين مع أنفسنا ، فهدفنا من الفيلم هو تقديم فلسفة وروح "غاندي". . ــ فاصل موسيقي ــ وبالرغم من كل هذه الموافقات الرسمية على مشروع الفيلم ، إلا أن العديد من الصحف الهندية قد أثارت حملة من التشكيك والهجوم قبل تصوير الفيلم .. فقد إستنكرت الصحافة أن يتناول مخرج أجنبي شخصية هندية عظيمة . كما أن بعض السينمائيين الهنود زعموا بأن "أتنبرو" إنما ينتج الفيلم على حسابهم ، لأن الهند ساهمت في الإنتاج ، في الوقت الذي كانت الحكومة تتردد في منح القروض للمنتجين الوطنيين .. متناسين ـ بالطبع ـ بأن رأسمال الفيلم سيصرف في الهند ، وسيعود للهنود بطريق غير مباشر ، حيث أن ثلاثين ألف ممثل وكومبارس هندي ، تصل أجورهم الى أكثر من ثمانية ملايين دولار ، قد شاركوا في الفيلم . هذا فضلاً عن إستخدام عدد كبير من المهنيين الهنود ، مابين حداد ونجار وبناء وسائق وخياط في عمل الديكورات اللازمة والقيام ببعض المهمات التي يحتاجها التصوير . ــ فاصل موسيقي ــ كما أن الإعتراضات في الصحافة قد أثارت قضية الإستعانة بممثلين أجانب لأداء الأدوار الرئيسية في الفيلم ، حيث تردد في المراحل الأولى من تحضير الفيلم ، أن الأسماء المرشحة لتلعب دور "غاندي" ، جميعها من النجوم الأمريكية والإنجليزية ، مثل : ألبرت فيني ، داستن هوفمن ، أنتوني هوبكنز ، جون هيرت ، روبرت دي نيرو .. وذلك لضمان توزيع الفيلم في أمريكا والعالم ، لدرجة أن إحدى شركات التوزيع الأمريكية إشترطت للمساهمة في تمويل الفيلم أن يلعب "ريتشارد بيرتون " دور غاندي . ألا أن المخرج رفض ذلك وصرح بأنه لم يتخيل أحداً من هؤلاء النجوم صالحاً للدور ، وإنه مقتنع تماماً من إسناد الدور الى ممثل غير معروف .. فقد تعاقد ، بعد ذلك ، مع الممثل المسرحي الإنجليزي ( الهندي الأصل ) "بن كنجسلي" الذي عمل لسنوات طويلة في فرقة شكسبير الملكية . ــ فاصل موسيقي ــ كعمل سينمائي ، ليس في فيلم ( غاندي ) ما يبهر أو يدير الرؤوس .. ليس فيه إستعراض للعضلات ، أو إظهار مهارات تقنية فائقة .. إنه فيلم متقن جداً وهاديء ، لا أكثر . لقد إستطاع "أتنبرو" وفريق عمله الفني ، إعطاء الصنعة حقها ، فجاء الإخراج جيداً .. وكذلك التصوير في مشاهد أغنتها بإستمرار أقوال غاندي .. بالإضافة الى موسيقى حميمية متناسبة والحدث الدرامي .. ويمكننا القول بأن ( غاندي ) فيلم ذو مستوى عادي ، كعمل سينمائي راقي ومُعتنى به جيداً . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (الأفوكاتو) ، بطولة عادل إمام ويسرا وإسعاد يونس حسين الشربيني ، ومن إخراج رأفت الميهي . وهو إنتاج عام 1983 . مرة أخرى نعود لمخرجنا المتميز رأفت الميهي ، بإعتباره واحداً من أبرز المخرجين المجددين .. مخرج يبحث دائماً عن الجديد والمختلف . فهو هنا في ثاني أفلامه كمخرج يقدم في ( الأفوكاتو) فيلماً ينتمي الى ما يسمى بالكوميديا السوداء . ــ فاصل موسيقي ــ يقدم لنا الميهي في فيلمه هذا كوميديا راقية وهادفة ، إفتقدتها السينما المصرية منذ أيام نجيب الريحاني (إن صح التعبير) ، واضعاً نصب عينيه الرواج الجماهيري للفيلم الكوميدي ، ومستغلاً ذلك لتصحيح الإعتقاد الخاطيء والسائد عن الكوميديا ، خصوصاً إن الأفلام التي تناولت الكوميديا ـ وماأكثرها ـ تناولتها بشكل تجاري بحت ، متخذة من التهريج طريقاً للربح المادي . فالكوميديا هي أكثر الفنون الدرامية تعرضاً للظلم والإجحاف ، في كل زمان ومكان . وذلك نتيجة ذلك الإعتقاد السائد بأن الكوميديا هي فن الإضحاك والتهريج فقط . علماً بأن الكوميديا ـ على غير ما هو شائع ـ ليست بعيدة عن مشاكل الإنسان وقضاياه الحقيقية . وهذا بالضبط ما فعله الميهي ، عندما قدم ( الأفوكاتو ) ليكون نموذجاً للكوميديا الهادفة ، مبتعداً عن الإسفاف والتهريج . ــ فاصل موسيقي ــ ومنذ أن بدأ رأفت الميهي الكتابة للسينما ، كان إهتمامه منصباً على معالجة هموم الإنسان المصري والعربي وقضاياه السياسية الإجتماعية والنفسية ، ويبدو ذلك جلياً في فيلمه الأول ( عيون لا تنام ) ، حيث تناول فيه وبواقعية أحد الأمراض الإجتماعية المتفشية في المجتمع . كذلك يواصل الميهي التعبير عن هذا الواقع في فيلمه (الأفوكاتو) ، و إنما من خلال رؤية سينمائية مختلفة وجديدة وبأسلوب إعتمد فيه على عدم التقيد بقوانين الواقع ، بل إنه لجأ الى الفانتازيا . وقد إستطاع ـ بهذا الأسلوب ـ أن يتجاوز المحاذير التي ظلت بعيدة عن النقد والتعرض لها من خلال السينما ، عن طريق غير مباشر وساخر في نفس الوقت . فالميهي يسخر من شخصية المحامي ، ويسخر من السلطة القضائية ، ويسخر من السجن والسجان ، وكذلك يدين الطبيب والمأذون الشرعي .. وكل هذه رموز للمجتمع والسلطة ، أدانها وكشف بعض أوراقها ، بإعتبارها أنماط فاسدة إستطاعت إستغلال سلطاتها لتحقيق مصالحها الشخصية ، وهي إفراز طبيعي لمجتمع الإنفتاح الفاسد . وقد نجح رأفت الميهي في إختياره لشخصية المحامي حسن سبانخ (عادل إمام ) بصفته رجل القانون المدافع عن الحق والعدالة ، ليكون هو المتلاعب بهذه العدالة . فهو يستخدم المسافة بين القوانين والواقع ليقلب الحقائق ويجعل من البريء متهماً وبالعكس . ومن خلال هذا التناقض تحدث عملية فرز للمواقف الإجتماعية التي يريد أن يعريها ويكشفها في حياتنا اليومية . ــ فاصل موسيقي ــ يتحدث رأفت الميهي ، فيقول : ... حسن سبانخ هو كل مسئول يحيد عن أداء واجبه ، هذا هو مفهومي للسينما ، فهي نقد الواقع وكشفه . وإذا كان هناك من يريد إبقاء الواقع على ماهو عليه فإنني لست كذلك . والفن لا ينبغي عليه أن يلعب هذا الدور ( ... ) إن ماتعلمته في حياتي إن السينما هي أداة الناس لنقد السلطة والمسئولين... . وفيلم ( الأفوكاتو ) لا يعتمد على ماتقوله الحدوتة ، بقدر إعتماده على المواقف الإجتماعية والكوميدية الساخرة . وقد إستطاع الميهي (المخرج) أن يجسدها بأسلوب فني بسيط وغير معقد ، إبتعد فيه عن أسلوب الإبهار ، وإحتفظ فقط بالحرية في تنفيذ المشهد ، حتى بدت المشاهد كاريكاتورية ، وهي ـ بالطبع ـ صفة من صفات الفانتازيا . ــ فاصل موسيقي ــ نهاية الفيلم جاءت على غير المتوقع ، فالفيلم يقدم صدمة للمتفرج ويجعله يخرج من الفيلم بشعور من الإكتئاب ، بالرغم من كوميديا الموضوع التي يعيشها طوال أحداث الفيلم . ولعل هذا نتيجة للكم الهائل من السلبيات والعيوب التي يبرزها لنا الفيلم ويعيشها المجتمع المصري ، إن لم يكن العربي بشكل عام . إن مشهد النهاية ، وعدة مشاهد أخرى ، تؤكد لنا بأن الفيلم قد نفذ بشكل يتم فيه تحطيم وكسر قوانين الواقع ، وإلا لكانت النهاية مضحكة كنهايات الأفلام الكوميدية التقليدية . ختام
أفلام وأفلام ـ الحلقة 24 أعزائنا المستمعين .. نحييكم أجمل تحية ويسعدنا بان نلتقي بكم في برنامجنا الأسبوعي (أفلام و أفلام ) . عزيزنا المستمع .. فيلمنا الأول لهذا الأسبوع هو الفيلم المصري (الحرام) ، بطولة فاتن حمامة وعبدالله غيث وزكي رستم ، ومن إخراج هنري بركات . وهو من إنتاج عام 1965 . ــ فاصل موسيقي ــ في حلقتنا هذه سيكون لقائنا مع الثنائي السينمائي الأشهر في السينما العربية (النجمة الكبيرة فاتن حمامة والمخرج الكبير هنري بركات) ، وفيلمهما الشهير (الحرام ) . وفيلم ( الحرام) يعد نموذجاً بارزاً من بين أفضل نماذج السينما العربية ، إنه حقاً فيلماً هاماً ، إستحق الترتيب الرابع في قائمة أفضل عشرة أفلام في تاريخ السينما المصرية ، وذلك في إستفتاء مجلة "الفنون" المصرية عام 1984 . ــ فاصل موسيقي ــ إن فيلم ( الحرام ) قد أتاح لبطلته "فاتن حمامة" بأن تقدم للسينما دوراً كبيراً وخالداً ، وصلت به الى مرتبة النجوم العالميين ، تحت قيادة المخرج "هنري بركات" ، ومن خلال دراما ملحمية كتب السيناريو والحوار لها "سعدالدين وهبة" عن قصة للأديب "يوسف إدريس" .. دراما صادقة تعبر عن الواقع في الريف المصري ، وتتحدث ـ ولأول مرة ـ عن شريحة إجتماعية معدمة من قاع السلم الإجتماعي ، ألا وهي شريحة عمال التراحيل . يحكي الفيلم عن عزيزة ( فاتن حمامة ) ، تلك الفلاحة الفقيرة والتي تتحمل قدراً كبيراً من الضغوطات النفسية والإجتماعية والمعيشية ، في سبيل إعاشة عائلتها .. إنه فيلم يحكي عن ذلك السقوط الأخلاقي .. سقوط "عزيزة" .. سقوط يقع في إطار العلاقات السائدة في الريف ، إقتصادية كانت أم إجتماعية . ــ فاصل موسيقي ــ إننا في هذا الفيلم أمام تراجيديا لذلك السقوط الأخلاقي .. تراجيديا لمأساة فردية ، ولكنها ـ في نفس الوقت ـ وسيلة تعرض الواقع المحيط بهذه الشخصية وفرادتها ، فالفيلم يتخذ منهجاً موضوعياً شاملاً عندما يضع مأساة بطلته في إطار ظروف مجتمعها المحيط بها ، وذلك بإعتبار أن الفن والأدب بشكل عام يتناول مصائر الأفراد كظواهر إجتماعية وليست حكايات ذاتية منعزلة عن الواقع . ــ فاصل موسيقي ــ أما بالنسبة للنواحي الفنية والجمالية في الفيلم ، فقد وصل "بركات" الى درجة عالية من الإتقان والقدرة على نقل الأحاسيس والتحكم في كل التفاصيل ، كذلك إهتم كثيراً بالإيحاء والتعبير عن الواقعية كصوت وصورة ، الي حد إصراره على أن يتم التنفيذ على الطبيعة ، من حيث التصوير وتسجيل الصوت أيضاً . كما أن بركات في سبيل الوصول الى الصدق الفني في الفيلم ، زار عدة مناطق في الريف وأتاح لـ"فاتن حمامة" أن تختلط بالفلاحات للتعرف على أسلوب حياتهم ونوعية لباسهم ودراسة اللهجة الريفية وإجادتها . ثم أن قيادة "بركات" لهذا الحشد الكبير من الممثلين والكومبارس ، إضافة الي فريقه الفني ، قد أكد قدراته وإمكانياته في السيطرة التامة على مجمل العمل الفني .. فبالنسبة للتمثيل ، فقد كان يمتاز بالطبيعية والتلقائية والبساطة ، سواء كان بالنسبة للأدوار الرئيسية أو الثانوية أو حتى على مستوى المجاميع . في الفيلم ، إضافة الى "فاتن" ، ممثلين كبار ، أمثال : زكي رستم ، عبدالله غيث ، حسن البارودي ، عبدالعليم خطاب ، عبدالسلام محمد ، حسن مصطفى ، وغيرهم من عمالقة التمثيل المصري . وهناك أيضاً التصوير ، والذي ـ كما أشرنا ـ تم بأكمله في المواقع الطبيعية بعيداً عن أي ديكور مصطنع .. وقد نجح مدير التصوير "ضياء المهدي" في تقديم كادرات معبرة وتكوينات جمالية قوية، ساعده في ذلك إختياره الموفق لزوايا التصوير وحجم الكادرات . كما ساهمت الموسيقى التصويرية ، الى حد كبير ، في التعبير الدرامي عن الأحداث وذلك بإستخدام أنغام ريفية مناسبة ، تعزفها آلات ريفية صميمة كالناي والأرغول والطبول ، حيث أقنعنا مؤلف الموسيقى "سليمان جميل" فعلاً بملائمة هذه الآلات للتعبير عن أدق الأحاسيس والمشاعر . ــ فاصل موسيقي ــ إن فيلم ( الحرام ) سيظل عملاً فنياً خالداً ، يقترب كثيراً من الكمال !! وهذا مما جعله مؤهلاً لأن يُشرِّف السينما المصرية عندما عرض في مهرجان كان الدولي عام 1965 ، فقد حضي بإعجاب وإهتمام النقاد والجمهور في ذلك المهرجان . كتبت جريدة "لوموند" الفرنسية عن الفيلم ، وقالت : ...لقد أثار فيلم الحرام للمخرج بركات إهتماماً خاصاً ..كان من الممكن لهذا الفيلم أن يكون مجرد فيلم ميلودرامي ، إلا أن المخرج لم يقع في هذا الخطأ ، لماذا ؟ لأنه حافظ على الواقعية في الفيلم ..إنه يعطينا سجلاً للحياة اليومية في قرية صغيرة .. وتصوير البطلة يعكس بإستمرار ما يعانيه هذا المجتمع ، فهي رمز للمجموعة وهذا هو ما أعجبنا في الحرام ... . وفي جريدة "الآداب" الفرنسية ، كتب الناقد الفرنسي "جورج سادول" يقول : ... إن فيلم الحرام مفاجأة طيبة ، بعدما إعتدنا علي ما نراه من أفلام مصرية في المهرجانات السابقة ، ويشاركني هذا الرأي كثيرون أعجبوا بالواقعية التي عرض بها الفيلم الحياة اليومية في قرية مصرية ... . ــ فاصل موسيقي ــ عزيزنا المستمع .. في عتمة الصالة التي تشبه الرحم ، مغموراً بالصور ، مبتعداً عن العالم الواقعي ، معزولاً حتى عن بقية المتفرجين المجاورين له .. يبدأ المتفرج في ولوج الحلم والانتشاء بذلك الخدر اللذيذ الذي يدغدغه ويسمو به فوق الواقع والعالم . ــ فاصل موسيقي ــ فيلمنا الثاني ـ عزيزنا المستمع ـ هو الفيلم المصري (إنقاذ مايمكن إنقاذه) ، بطولة محمود ياسين وميرفت أمين وحسين فهمي ونجاح الموجي ، ومن إخراج سعيد مرزوق . وهو إنتاج عام 1983 . عندما عرض فيلم (إنقاذ ما يمكن إنقاذه) عام 1983 ، كان قد جلب معه أكبر ضجة رقابية تعرض لها فيلم سينمائي في تاريخ السينما المصرية . الفيلم من بطولة محمود ياسين وميرفت أمين وحسين فهمي ، ومن إخراج سعيد مرزوق . ــ فاصل موسيقي ــ لقد أصبح مقدراً للمخرج سعيد مرزوق ـ دون قصد طبعاً ـ ان يقوم بفضح ذلك المستوى العقلي والفكري المحدود الذي وصلت إليه الرقابة المصرية ، والتنبيه الى جوانب إدارية سلبية عديدة في هذا الجهاز الخطير . فتجربة سعيد مرزوق مع الرقابة في أفلامه (الخوف ، المذنبون ، إنقاذ ما يمكن إنقاذه) ، ليس إلا دليل على قولنا هذا . فبعد العرض الخاص لفيلم (إنقاذ ما يمكن إنقاذه) ، أعلن النقاد ـ في قاعة العرض وفي الصحافة فيما بعد ـ سخطهم علي الفيلم وصانعوه وطالبوا بمنع عرضه ومحاكمتهم ، كما طالبوا بتدخل اللجنة العليا للرقابة وإعادة النظر في عرض هذا الفيلم جماهيرياً . علماً بان المخرج والمنتج قد حصلا على كل الموافقات القانونية المسبقة على السيناريو وتعديلاته ومن ثم الموافقة على عرضه الجماهيري . وأمام هذا الهجوم الشرس على الفيلم ، ما كان من الرقابة ومن وزير الثقافة شخصياً إلا إعادة النظر مرة أخرى في تصريح الاجازة للفيلم بالعرض . وبدأت رحلة مريرة للفيلم ، بتنقله بين ردهات الرقابة واللجنة العليا للرقابة ولجنة التظلمات . وإستمرت هذه الرحلة ما يقارب الثلاث سنوات ، وهي الفترة ما بين إنتاج الفيلم والسماح له بالعرض الجماهيري . ــ فاصل موسيقي ــ ان قضية فيلم (إنقاذ ما يمكن إنقاذه) الرقابية ، هي بمثابة تجسيد صارخ عن مدى الاجحاف والظلم الذي يتعرض له الفنان والمبدع ، والذي يضطره إبداعه للتعامل مع هذه التناقضات الفكرية والادارية الشكلية . فهذا الفيلم الذي كتب له السيناريو والحوار المخرج نفسه ، يطرح نماذج كثيرة للفساد والانحراف ، كما يطرح فكره السياسي والاجتماعي المتعلق بالواقع الاقتصادي وإفرازاته . وهو بذلك يفترض إنهيار القيم الاخلاقية وسيطرة رجال الانفتاح على مجريات الامور . وهو بذلك يدعو لمحاربة هذا الفساد وتدارك الامر وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الاوان . وهذا بالطبع هدف إيجابي قدمه سعيد مرزوق . كما ان أسلوبه الفني الذي إختاره لتجسيد ذلك هو أسلوب علمي كأحد مناهج الفن السينمائي ، وهو تعرية السلبيات والتنبؤ بالاخطار التي تهدد كيان المجتمع . وهذا ايضاً من حقه كفنان يقدم وجهة نظره فيما يدور من حوله . وعلينا نحن كمتلقين إحترام وجهة النظر هذه حتى لو إختلفنا معها . ــ فاصل موسيقي ــ إن مجمل الاتهامات التي وجهت للمخرج وفيلمه هذا ، والتي مفادها بان الفيلم يسيء الى مصر والى الثورة ، جميعها إتهامات باطلة . فسعيد مرزوق قد أوضح موقفه وأكد على عدم التعميم ، حيث جاء ذلك على لسان إحدى شخصياته في الفيلم . ثم ان مقولة (الاساءة الى مصر) أصبحت متداولة كثيراً في تلك الفترة ، بل وأتخذت كسلاح فكري وإرهابي إستخدمه البعض لمحاربة المختلفين معهم في وجهة النظر . بعد هذا الحديث الطويل عن الرقابة ، نأتي لنناقش سعيد مرزوق وفيلمه نقاشاً فنياً ، بعيداً عن كل ما هو خارج هذا الإطار ، مع ملاحضتنا بان غالبية المقالات التي نشرت عن الفيلم ، لم تتخذ أسلوب النقد الفني ، بل إهتمت بما يطرحه الفيلم من فكرة وموضوع ، بينهم من هاجم وبينهم من دافع عن الفيلم ومخرجه . ــ فاصل موسيقي ــ إن الفيلم بشكل عام ، إتصف بالمباشرة في الطرح السياسي والفكري ، كما انه جاء مشحوناً بالحوار الكثيف ، مما أضعف من لغة الصورة السينمائية . فالفيلم يعلن منذ أول مشاهده ، وبشكل مباشر ، عن مضنونه وإتجاهه السياسي ، هذا إضافة الى الشكل السينمائي التقليدي ، حيث لم يقدم السيناريو أي جديد ، لا علي مستوى اللغة والتعبير السينمائي ولا حتي علي مستوى المضمون . لقد إعتمد سعيد مرزوق علي نفس الاسلوب الذي قدمه من قبل في فيلمه (المذنبون) . أي انه في فيلمه (إنقاذ ما يمكن إنقاذه) قدم ايضاً ما يشبه الريبورتاج المصور ، وذلك باستعراضه لما يراه هو من سلوكيات وأخلاقيات صاحبت مرحلة الانفتاح ، والتي شاهدناها في افلام مصرية كثيرة ، علماً بان مرزوق هنا قدمها بشكل أكثر جرأة ، محاولاً إلباس الفيلم ثوباً سياسياً فضفاضاً ليميزه عن تلك الافلام . ــ فاصل موسيقي ــ إحتوى الفيلم علي مشاهد لم تمثل أية إضافة ضرورية لمضمون الفيلم ، بل وساهمت ايضاً في ضعف السيناريو والتمطيط فيه .. مثل مشهد (الفلاش باك) الذي يصور الباشا وهو يطبب المتظاهرين في قصره .. كذلك مشهد حلقات الذكر التي إشترك فيها حسين فهمي وميرفت أمين . وهناك أيضاً مشهد الحب التخيلي بين حسين فهمي وميرفت أمين ، الذي جاء على الارجح كضرورة إنتاجية تجارية في المقام الاول هذا بالرغم من انه نفذ بشكل متقن وبارع ، محملاً بايحاء جنسي مثير غير مبتذل .. هذا إضافة الى مشهد (الفلاش باك) الذي يظهر شخصيات الفيلم أيام زمان وهم في القارب ، فقد كان مطولاً لدرجة الملل ، بالرغم من الجهد الفني المبذول من المخرج في تنفيذه ، حيث جعل مرزوق الكاميرا تدور حول القارب لتكشف عما بداخله من وراء الملايات . ــ فاصل موسيقي ــ أما مشهد القبض على مسببي الفساد ، فقد إحتوى على الكثير من المبالغة في الاداء وتم حشره بمواقف وحوار كوميدي ، مما أضعف المشهد وجرده من إيحاءاته الاساسية الجادة ، مع ملاحظة ان سعيد مرزوق إستخدم شخصية سمير غانم الهزلية في محاولة منه إضفاء طابع كوميدي ترفيهي إعتقد بانه مرغوب من المتفرج . ــ فاصل موسيقي ــ ان سعيد مرزوق عندما أراد كتابة هذا الفيلم ، حاول تلافي الانتقادات التي وجهت لفيلمه (المذنبون) وهي عدم توضيح أسباب الفساد وكيفية مواجهته .. لذلك نراه في فيلمه التالي يدين الفساد ويحذر من الآثار التي ستترتب عليه ، بل ويدعو في النهاية الى مواجهته . إلا ان هذا قد أضر كثيراً بالفيلم ولم يفده ، باعتبار ان الفن بشكل عام ليس مطلوباً منه تقديم حلول ، وإنما التنبيه الى السلبيات والمشكلات . لذلك جاءت نهاية الفيلم مباشرة ، عندما سيطر رجال الامن على مجريات الامور وألقوا القبض على شلة المنحرفين . لقد أراد سعيد مرزوق ان يطرح الحلول لكل تلك الانحرافات ، ولكنه لم يوفق في ذلك فنياً ، فلو انه إتخذ من التحليل الفكري السياسي والاجتماعي عوناً في محاربته لمسببي الفساد ، لاستطاع الابتعاد عن تلك النهاية المباشرة والتقليدية التي شاهدناها كثيراً في افلام الانفتاح وما قبلها . ــ فاصل موسيقي ــ وبالرغم من كل هذه السلبيات ، إلا ان هناك عناصر سينمائية اخرى إستفاد منها سعيد مرزوق في فيلمه هذا ووفق في إستخدامها .. فقد كان للمونتاج دور كبير في إضفاء نوع من التشويق والحركة على الفيلم .. كذلك التصوير حيث كانت حركة الكاميرا متميزة بل ومبهرة في أحيان كثيرة ، وتمتاز بالحيوية والخفة والتلقائية ، وذلك أثناء حركتها في المطار وتجوالها في القصر وإنسيابها بين زوايا مركز الشرطة ودهاليز المحافظة . فقد كشفت الكاميرا بشكل خاطف وموح ، عن بعض مشاكل المواطنين مع الروتين وإنتشار الواسطة . كما ان مرزوق قد وفق الى حد كبير في جعله من مشهد الاغتصاب الاخير دعوة للمواطنين بالمشاركة في التخلص من الفساد ، وذلك بتجسيد هذا المشهد من خلال مكبر الصوت . ــ فاصل موسيقي ــ فليس من الطبيعي ان يقف أي مواطن مكتوف الايدي أمام موقف مثير كهذا ، تمثل في صرخات الاستجداء والنجدة التي تطلقها ميرفت أمين من خلال مكبر الصوت . كما ان هذا قد فات على الدين وصفوا الفيلم بانه يدعو الى الثورة والارهاب ، بتدخل المواطنين بالعصي في النهاية . ــ فاصل موسيقي ــ يبفى ان نقول بان سعيد مرزوق بفيلمه هذا قد نجح في تقديم فيلم تجاري جاد ، إستطاع من خلاله الجمع بين الكوميديا والرقص والحشيش ، إضافة الى النقد الاجتماعي . في محاولة منه لتقديم توابل السينما التجارية ، وإعطاء صفة جماهيرية للفيلم وضمان نجاحه تجارياً . ختام
<<<< الحلقات من 25 إلى 48
جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك (2004 - 2018)