فيلم
(الضائعة ـ 1987)، من بطولة "نادية الجندي"، والكل يعرف ماذا يعني أن يكون الفيلم من
بطولة "نادية الجندي".. فهذه الفنانة تعتبر نفسها (نجمة الجماهير؟؟؟)،
وتعتمد في قولها هذا على إيرادات أفلامها في شباك التذاكر!! صحيح بأن
أفلامها تنجح جماهيرياً، ولا أدري كيف؟؟ إلا أن معظمها أفلام رديئة
ومخدرة للجماهير.. إنها، كممثلة منتجة، تسخر كافة الإمكانيات المادية
الفنية والتقنية في مقابل موضوع رديء، بل ومسف أحياناً، ولكنه شديد
الجاذبية ومثير لغرائر الجماهير.. وهذا، على ما أعتقد، ما يجعل أفلامها
تنجح جماهيرياً!!
ولكننا هنا في فيلم ( الضــــائعة ) أمام "نادية الجندي" أخرى.. فهي في
هذا الفيلم تختار موضوعاً مهماً، يطرح قضية إجتماعية وأخلاقية تمس أكبر
قطاع من المتفرجين.
كتبت قصة الفيلم الكاتبة "حُسنْ شاه" في ثالث تجربة لها للكتابة في السينما، بعد تجربتيها الناجحتين في قصة فيلم (أريد حلاً ـ 1975) وقصة فيلم (إمرأة مطلقة ـ 1986).. وهي كاتبة تقدر مسؤلية أن تضع إسمها على موضوع
معين، وتعرف تماماً أن دورها يتأكد بالإستمرار وطرح قضايا إجتماعية هامة.
أما بالنسبة للسيناريو والحوار، فقد كتبه السيناريست "بشير الديك"، صاحب
التجربة الفنية المتميزة والثرية، ليقدم بفيلم (الضائعة) رؤية إنسانية
شديدة الصدق.
في فيلم (الضــائعة)، نحن أمام إمرأة (نادية الجندي) تضطرها الظروف
الإجتماعية الصعبة لأن تترك زوجها وأطفالها الصغار وتسافر الى إحدى الدول
الخليجية بحثاً عن عمل شريف يضمن لها مورداً مالياً، يساعدها علي تحسين
وضعها المعيشي، ويساعدها على إعادة بناء وتأثيث مسكنها المهدم. تحصل على
وظيفة كممرضة في أحد المستشفيات هناك، وبالتالي وتبعث راتبها أولاً بأول
الى زوجها (سعيد صالح) حتى يبدأ في تهيئة المسكن اللائق الى حين عودتها.. إلا أنها تفاجيء، وبعد عودتها، بأن زوجها قد تزوج عليها وإستولى علي
أموالها وشقتها.. تفاجيء بأن الذي تهدم ليس هي العمارة التي كانت تسكنها
فقط، وإنما نفوس البشر أيضاً، بل وأقرب الناس إليها.. وهي بالطبع صدمة
شديدة لها، لدرجة إنها دفعتها الى تعاطي المخدرات، رغبة منها في نسيان كل
ما حدث.. ولكن الذي حدث شيئاً لا يُنسى ببساطة، لذلك تخطط للإنتقام من
هذا الزوج الخائن والنذل.
لقد نجح السيناريو في رسم شخصية الزوجة وتعميقها، حيث إستطاع أن يرصد
تفاصيل حياتها في مجتمع القاهرة ومجتمع الغربة.. وهو في رسمه لهذه الشخصية
يدرك تماماً بأن الإنسان ليس مجرد ملامح في فراغ، وإنما هو حصيلة كل
الظروف المحيطة والضاغطة عليه، ومحاولته للصمود والتصدي لها.. إن "بشير
الديك" هنا ينسج لوحة من التفاصيل والأحاسيس الإنسانية، بحيث يصبح لكل
الجزئيات الصغيرة تأثيرها المهم على الأحداث، وبالتالي تتحول الأدوار
الثانوية الى أدوار رئيسية، كلها تكمل بعضها في نسيج محكم.
إما بالنسبة للإخراج، فلا يمكن إلا أن نتوقع عملاً فنياً ممتعاً من المخرج
الكبير "عاطف سالم" أحد أساتذة السينما المصرية، مسيطراً على كافة عناصره
الفنية والتقنية، وذلك بخبرته الطويلة والمتميزة.. وما يحسب له بالذات
قيادته لمجموعة الممثلين، وإهتمامه بالأدوار الثانوية.
وأخيراً نأتي الى "نادية الجندي"، في أهم أدوارها السينمائية وأكثرها
إقناعاً وتناسباً لإمكانياتها التمثيلية.. فهي في هذا الفيلم تنتقل من
مرحلة الى أخرى بفهم كامل لطبيعة تطور الشخصية التي تؤديها وإنفعالاتها
النفسية، بغض النظر عن المبالغة والتصنع في الأداء أحياناً.. فهي الزوجة
والأم بكل الحنان والقلق.. وهي الممرضة الحريصة على الإستمرار في وظيفتها
بكل إحترام، وأيضاً بكل اللهفة والحنين للعودة الى بيتها وأطفالها.. وهي
العائدة بفرح وشوق الى بيتها الجديد، وصدمة المفاجأة بما فعله زوجها..
وهي المحرومة من أطفالها ومن ثمرة جهدها طوال شهور الغربة.. ثم المدمنة
السحوقة والمنبوذة من الجميع.
صحيح بأن "نادية الجندي" قد وصلت الى مستوى جيد في الأداء، إلا إننا لا
يمكن أن ننسى دور كل من سيناريو "بشير الديك" وإخراج "عاطف سالم" في وصولها
الى هذا المستوى من الأداء الجيد.
وبالرغم من وجود بعض السلبيات والمواقف الدخيلة على الأحداث، إلا أن
(الضائعة) بالتأكيد فيلم جدير بالإحترام، ذلك لأنه يتعرض لقضية إجتماعية
حقيقية، ويعلن كلمة صادقة عن تلك الظروف الإجتماعية والأخلاقية المتغيرة،
والتي حولت البعض الى ضحايا مقهورين. |