فيلم ( الدم الأول
FIRST BLOD)، قام ببطولته الأمريكي الشهير
»سلفستر ستالون«، وأخرجه »تيد كوتشيف« عام 1982. وهو أول إنتاج
أمريكي ضخم للمنتج اللبناني الشاب »ماريو قصار«، حيث رصد له ميزانية
قدرها خمسة عشر مليون دولار،
كان نصيب ستالون منها خمسة ملايين، أما إيراداته في عرضه الأول، على أكثر
من ألف شاشة سينمائية، فقد فاقت المائة مليون دولار.
في
هذا الفيلم ، فتشت هوليوود في
أوراقها القديمة ، وعادت إلى موضوعها القديم /الجديد
، حرب فيتنام .. الحرب/المأساة التي
تولد عنها كمّ هائل من الخيبة والإحباط لدى
المحارب والإنسان الأمريكي على السواء
.
والأفلام التي تناولت هذه الحرب كثيرة
، ولسنا بصدد ذكرها هنا ، إلا أننا نشير بأن أغلبها قد قدم الحرب
بتأثيراتها
النفسية وما خلفته من شروخ وانهيارات في المبادئ
والقيم لدى الشعب الأمريكي ، حيث
الموت والدمار والمعاناة
وبالتالي تخريب نفسية الإنسان من الداخل
.
أما بالنسبة
لفيلم ( الدم الأول ) ، فهو يحكي عن مجند سابق يدعى »رامبو« ، من فرقة
»القبعات
الخضر« الأمريكية التي حاربت في فيتنام ، وهي من أشرس فرق الجيش الأمريكي .
ورامبو
هذا هو آخر من تبقى منها وأكثرهم جرأة وكفاءة ، فهو قادر على تحمل كافة
الظروف ،
والقتال في جميع الأجواء
.
إن رامبو في هذا الفيلم ، يخوض حرباً
في وطنه .. حرب
يقف فيها وحيداً في مواجهة رجال الأمن والنظام نفسه
الذي أرسله إلى الحرب الأولى
.
قصة الفيلم كتبها »دافين موريل« قبل
عشر سنوات من عرض الفيلم ، وتعتمد على
فكرة سياسية بسيطة تجسدت من
خلال حوارات البطل القصيرة جداً ، حيث نراه يخاطب مدربه
ويقول: (...عندما هبطت من الطائرة عائداً إلى الوطن قبلت أرضه وشققت طريقي
حيث
الأطفال والحشود تحمل الشعارات وتصرخ بأعلى صوتها.. يا قاتل الأطفال.. يا
تاجر
الحرب.. كانوا يبصقون في وجهي ويصبون عليّ أقذع ألفاظ السباب والشتائم،
وكأنما
ارتكبنا في فيتنام أعمالاً تقشعر لها الأبدان.. لم تكن حربي لوحدي، لم أكن
صاحب
هذه الحرب ولم أُثرها، كل هؤلاء المحتشدين كانوا يحتجون ضدي وكنت أخاطبهم
ألا يعتبوا عليّ أو يهينوني، فما أنا إلا جندي.. لو كانوا مكاني لفعلوا
مثلي تماماً، ولعرفوا ما معنى أن يُقذفوا بهذه الشتائم وهم عائدون من بين
براثن هذه الحرب المهلكة...).
رامبو محق ـ على أقل تقدير ـ فيما
قاله، وعنده ما يبرر هذا القول، حيث
شهد ويلات حرب فيتنام ومآسيها،
وتعلم القتال الشرس دفاعاً عن سياسة الذين خططوا
للحرب، ومن الطبيعي أن يتوقع حين عودته أن يعامل معاملة الأبطال. إلا أن
الفيلم
يعطي انطباعا معيناً لمفهوم المعاملة، وهو اعتبار كل مجند سابق في حرب
فيتنام، هو رجل يستحق ازدراء المجتمع له، حتى لو لم يبدر منه أي عمل مخل
بالأمن أو
بالأخلاقيات العامة.
أما بالنسب إلى فيلم (الدم الأول)
كصناعة وكلغة سينمائية
ـ بعيداً عن قصته ـ فهو فيلم فائق الجودة في
التقنية والتنفيذ، كل شيء فيه موظفاً بذكاء وبتقنية عالية، سواء من ناحية
بناء السيناريو أو الحوار، كما تضافرت عناصر
المونتاج والموسيقى والإخراج في
إضفاء متعة فنية ومشاهدة لم نشعر خلالها بأية لحظة
ملل أو نشاز.
وقد تمثلت عناصر الجودة والإبهار
والنجاح في هذا الفيلم بثلاثة
عناصر: الأول كان مواقع التصوير والبيئة المختارة
بذكاء شديد والمناسبة لأحداث
الفيلم. فقد تميزت بموقع مثالي
لاحتوائها على غابات تكاد تكون بيئة مناسبة لرجل
العصابات »رامبو« في حربه ضد
رجال الأمن.
أما العنصر الثاني فهو الحدث الدرامي
باعتباره عادياً وبسيطاً جداً، ولكنه في المقابل مستمد قوته وبعده الدرامي
والإنساني من المكان، حيث أعطاه عنصري الإبهار والتشويق، في مشاهد سينمائية
متقنة
تكاد تقصع الأنفاس من شدة الترقب والتشوق في معرفة لما ستكون عليه المطاردة
بين
رامبو وقوات الأمن، ناهيك عن ذلك التعاطف مع البطل.. هذا البطل الذي يشكل
العنصر
الثالث في نجاح هذا الفيلم. فوجود نجم كـ »سلفستر ستالون« في دور رامبو، قد
أعطى
للفيلم تأثيراً معيناً أثار تعاطف المتفرج.. فهو هنا لا يمثل، إذ أن الدور
لا
يتطلب صفات الممثل بقدر ما يحتاج لمواصفات خارقة للجسم الإنساني المبهر
والقادر على
أداء المغامرات وتحمل المصاعب والمشاق تحت أقسى الظروف الطبيعية.. وهذا
بالضبط ما
حققه ستالون.
أما المخرج الكندي »تيد كوتشيف«،
وبتعاون فريقه الفني، قد أعطى
هذه العناصر الثلاثة أسباب
النجاح الفني والجماهيري، وكان وراء المتعة الحقيقية في
المشاهدة. فمدير التصوير »أندرو لازلو« يرجع له الجهد الفائق والمتميز
لظهور لقطات
نادرة ومتقنة من خلال زوايا تصوير دقيقة وصعبة. كما تظهر حرفة فريق الحيل
السينمائية، والمكون من الثلاثي ميتشيل كوزال، وليام ساكيم، وسلفستر ستالون
» البطل نفسه«.
إن مشاهدة الفيلم على شاشة السينما،
متعة لا تحققها الشاشة الصغيرة، لأنه يتميز بالصوت المجسم (DOLBY
STEREO) مع موسيقى تصويرية وضعها باقتدار
»جيري جولد
سميث«. وبالرغم من عدم وجود أي عنصر نسائي بالفيلم (كضرورة إنتاجية)، إلا
أن
المتفرج لا يشعر بأي نقص، فالمتابعة والترقب يبدآن منذ اللقطة الأولى
ويستمران حتى
كلمة النهاية. |