مايكل كليتون: شهرة وعبء أكبر..!!
شهرة الممثل جورج كلوني ونجوميته
قد اكتسحت جميع الأوساط الفنية والشعبية.. وجعلت
من الغالبية ينتظرون جديده بفارغ الصبر.. فأفلامه
في السنوات الأخيرة كان لها حضوراً بارزاً في
ذاكرة هذا الجمهور العريض.. هذا إضافة إلى شخصية
كلوني الجذابة، فهو يعد من أبرز النجوم والشخصيات
التي تختارها مجلات المنوعات الأمريكية والعالمية
ليكون عنواناً للوسامة والجاذبية.. وقد حصل في
استفتاء أكبر المجلات الأمريكية على لقب أكثر
الرجال جاذبية في العالم للعام 2006.
لهذا كله.. ليس غريباً أن يكون اسم
الشخصية التي يؤديها في فيلمه الجديد عنواناً
للفيلم.. (مايكل كليتون).. حيث أن كلوني قد حمل
العبء الأكبر في نجاح هذا الفيلم، وبدا كبطل شعبي
يصارع قوى الشر والفساد المتفشي من حوله.. ونجح في
تحويله من مجرد فيلم إثارة جيد إلى واحد من أفضل
أفلام هذا العام، بسبب أدائه المتميز والصادق..
وهذا ما جعل الفيلم يحوز على تقدير نقدي كبير في
أغلب المهرجانات والمحافل السينمائية التي عرض
فيها.
مايكل كليتون، محام في منتصف
الأربعينات من العمر، يحاول أن يتأقلم مع وضع صعب،
ويسيطر عليه إحساس بالخوف من عنف المدينة.. فهو
غارق في مشاكل مالية ومتاعب عائلية، إضافة إلى
عمله لصالح إحدى شركات المحاماة الكبرى التي
تستخدم طرقاً ملتوية لخدمة زبائنها.. ومايكل
كليتون يعرف ذلك تماماً، إلا أنه لا يملك الخيار
في التمرد وإبداء قناعاته كمحام وكإنسان.. حيث
إضطراره للعمل لتسديد ديونه وحل مشاكله المتراكمة
والتي تتمثل في دينه لعصابة بمبلغ كبير نتيجة
لصفقة تجارية خاسرة في مطعم.. هذا إضافة إلى
مشكلته مع زوجته وطلاقه منها بعد أن أنجبا ابنه
الوحيد.
ومع متابعتنا لأحداث الفيلم، نستشف
بأن شخصية كليتون في داخلها إنسان نظيف وواع، إلا
أنه يضطر للتعامل مع عالم يسوده الفساد.. عالم
القضاء الأمريكي المليء بالألاعيب والتحايل على
القانون.. وأن عليه في نفس الوقت أن يتعامل مع
مشكلة أعز أصدقائه بحكمة وعقلانية.. بل أن المشكلة
التي يعيشها صديقه هذا، تجعله في مرحلة اختيار بين
ماضيه وحاضره.. إي الذهاب نحو التغيير الكيبر في
حياته وشخصيته.. فصديقه هذا يصاب بانهيار عصبي
أثناء اشتغاله على إصلاح ملف قضائي لشركة كبيرة
منتجة لمبيد حشري، والمتهمة بتجربة تتسبب في إصابة
البشر بالسرطان، وقد لجأت إلى شركة المحاماة
للتخلص من هذه التهمة، والاستمرار في بيع المبيد.
يكتشف كليتون بأن ما قيل عن صديقه
المحامي إنما هو افتراء لإخفاء الحقيقة.. وهي أن
على العكس مما قيل، فقد استعاد صوابه وضميره،
عندما اكتشف الجريمة البشعة التي تمارسها الشركة
على الناس، فبدأ يجمع الوثائق ضدها، بدلاُ من أن
يجمع أدلة براءتها كما تقضي مهنته.
هنا تبرز الشخصية الثانية التي
تؤثر في هذا التغيير الكبير الذي يحدث لشخصية
كليتون.. ألا وهي رئيسة الأمناء في شركة المبيدات،
والتي تريد إنقاذ الشركة بأية طريقة، ومهما كان
الثمن.. وهي بالتالي تمثل جانب هام من هذا الفساد
المتفشي في المجتمع.. حيث جشعها في الاحتفاظ
بمنصبها بانقاذ شركتها لا يقف عند حدود.. ليصل إلى
تدبير قتل صديق كليتون، وشروعها في محاولة قتل
كليتون نفسه..!!
مايكل كليتون: خوف.. متاهة
وانكسار..!!
يبدأ فيلم (مايكل كليتون) بمشهد
استهلالي جميل وقوي جداً.. وهو مشهد محاولة قتل
مايكل كليتون، بتفجير سيارته.. هذا المشهد يمثل
نقطة التحول الرئيسية في الفيلم، بل في تكوين
الشخصية الرئيسية أيضاً.. لذا نرى بأن صانع الفيلم
قد استهل به فيمله، كتأكيد على دلالة درامية مهمة
لا يكتشفها المتفرج إلا في النهاية.. كما أن صياغة
هذا المشهد قد جاءت على نحو مغاير وشاعري، ليكون
تأثيره كبيراً على بقية الأحداث التي سبقته
وتبعته..!!
المشهد: طريق ريفي/ نهار خارجي:
مايكل كليتون يقود سيارته خارجاً
من زحمة المدينة متجهاً ناحية الريف حيث الصفاء
والراحة النفسية، وفجأة يوقف السيارة ويخرج منها
لمشاهدة منظر جميل في عمق الكادر لثلاثة أحصنة في
وضع حميمي مبهر، كان قد لمحها في لحظة شاعرية، ثم
يقترب منها شيئاً فشيئاً ليربت على ظهر أحدها..
وفجأة يعلو المشهد إنفجار السيارة.. ليبدو لنا
مايكل كليتون في حال ذهول من هذا الحدث الجلل..!!
لاحظنا كيف أن مخرج الفيلم قد اهتم
كثيراً بتكوينات هذا المشهد بالذات، من خلال حجم
الكادر وتكويناته، وتلك الشفافية التي أضفهاها على
روح المكان.. وكل هذا ليشعرنا بأهمية مشهد قصير في
التأثير على بقية أحداث الفيلم.. نكتشف فيما بعد
بأنه مأخوذ من مستقبل الفيلم، بعد عودة لاحداث
أربعة أيام سابقة، من خلال فلاش باك طويل.. حتى
الوصول إلى نفس المشهد الإستهلالي.. ومن ثم
متابعته لما يحدث بعده.
صحيح بأن الصدفة هي التي صنعت هذا
المشهد، وأن الصدفة هي التي أنقذت حياة مايكل
كليتون، أثناء قيادته لسيارته في طريق ريفي خارج
المدينة، وصحيح بأن الصدفة هي التي جعلت مايكل
كليتون يوقف سيارته ويسعى للتفرج عن قرب على ثلاثة
أحصنة رائعة الجمال، رآها في أحد كتب ابنه، وهي
صدفة أخرى.. إلا أن جميع هذه الصدف كان القصد منها
التأكيد على ضرورة البحث عن دلالة درامية تؤكد
خطورة الأحداث الجسام التي يعيشها مايكل كليتون.
كاتب السيناريو الشاب توني جيلوري
قد نجح من خلال هذا المشهد الإستهلالي أن يضع
المتفرج في حالة من الهلع والترقب حتى ينكشف
الأمر.. وهو أسلوب تعودناه من جيلوري، من خلال
كتابته لسيناريو أربعة أفلام سابقة (ثلاثية بورن،
براهين على وجود حياة)، وهي أفلام صنعت له شهرة
جيدة في الأوساط السينمائية، شجعته لكي يقوم
بإخراج أحدث سيناريوهاته (مايكل كليتون).. هذا
الفيلم الذي سيفتح له آفاقاً جديدة، بعد ترشحه
للعديد من الجوائز وأهمها الأوسكار.
جورج كلوني يقدم في هذا الفيلم
واحداً من أقوى وأجمل أدواره، حيث التمكن في
التعامل مع مشاعر وأحاسيس متقلبة.. الضعف..
الخوف.. المتاهة.. الإنكسار، وتجسيد حي وصادق
لمعاناة الشخصية في صراعها مع الفساد.. لكن الأهم
من ذلك كله، بروز دور الكتابة والإخراج في شد
إنتباه المتفرج لقضية الفيلم المشوقة والتي تناولت
عالم القضاء وسياسته وأدانة المؤسسة القضائية بشكل
غير مباشر.. ليشكل هذا الفيلم إضافة جديدة لكاتب
السيناريو توني جيلوري، من خلال تألقه وحضوره
اللافت في الإخراج، مما جعل أربعة من كبار مخرجي
أمريكا، مساندته في أولى تجاربه الإخراجية.. وهم
سيدني بولاك وجورج كلوني كممثلين ومنتجين، وأنتوني
منغيلا وستيفين سودنبرغ كمنتجين.
|