ما كتبه حسن حداد

 
 
 
 
العزيمة

إنتاج عام 1939

كمال سليم

 
 
 

نشر هذا المقال في مجلة هنا البحرين في 10 يناير 1990

 
 
 

بطاقة الفيلم

 
 

حسين صدقي + فاطمة رشدي + أنور وجدي + ماري منيب + عبد السلام النابلسي + عباس فارس + سامية جمال

قصة وسيناريو: كمال سليم ـ حوار: بديع خيري ـ تصوير: فرانسوا فاركاش ـ مناظر: ولي الدين سامح ـ موسيقى: عبد الحميد عبد الرحمن ـ مونتاج: كمال سليم ـ إنتاج: أفلام استديو مصر

 
 
 
 
 
 
 
 

رؤية

 
 
 
 
 

إن أهم ما يميز فيلم "العزيمة" هو ذلك التجسيد الصادق لجــو الحـــارة الشــعبية وكأنك تعيش في حارة حقيقية، علماً بأن جميع مشاهد الفيــلم صــورت في الأســتوديو، حيث اهتم كمال سليم بخلفية الصورة اهتماما كبيراً.. ومن هنا جـــاءت مشـــاهد الحارة نابضة بالحياة، فالحارة عند كمال سليم ليست مجرد ديكورات.. فقد ملأ خلفـية الصـورة ليقدم للمتفرج روح الحارة وجوّها، إضافة الى الشخصيات التي تعيـش فيـــها، والتــي وُفِّق السيناريو، الى حد كبير، في رسمها وتصويرها بعنــاية وبطـريقة تجعـل المتفــرج يتخيل أنها شخصيات نابضة بالحياة، تذكــره بأشـــخاص يعــــرفهــم وسبـق أن قابلهـــم في الحيــــــاة.

لقد كان كمال سليم جريئاً في إدارة أحداث الفيلم، وذلك عندما اعتمد على الكثير من العادات والتقاليد الاجتماعية، والتي تحتاج من المخــرج الاستعانة بالمجاميع الكبيرة، فالأحداث تدور في شهر رمضان، بين حلقات الذكر وصَـلات التــراويـح وأناشيد الأطفــال وابتهاج الصائمين بلحظة آذان المغرب ثم طبلة المسحراتي.. كما أنه جسد "المولـد" بكل ما يحتويه من مظاهر الأفراح وشتى الألعاب المعروفة فيه، ومن بيـن العـــادات والتقالـــيد التي جسدها كمال سليم، ذلك الاحتفال الشعبي بالزواج وموكب الزفاف الذي تسير فيه العروس من بيتها الى بيت العريس، كما اعتمد على إظهار الجـو الشـعبي بالتركيز على مسجد الحارة، الذي افتتح به الفيلم مع الفجر، والمصلُون يتدفقون عليه من كـل جـانب.

ثم لا ننسى أنه أظهر قهوة الحارة، ذلك المنتــدى اليــومي الذي يلتـقي فيـه أهـل الحــارة، واستغلال هذه القهوة في تصوير المشاجرات التي كانت تنشب بين الحين والآخر، وكانـت هذه أول مشاجرات تظهر بصورة واقعية على الشاشة المصرية.. هـذا إضـافة الى أنـه قـد أظهر، ولأول مرة في الفيلم المصري، القبــلة بصـورة طبيـعـية بين البـطلين في مشـاهد السلم وسطوح البيت.

ومن أروع المشاهـد الـتي ظـهرت على الشـاشة المصـريـة، ذلـك المشهد التراجيكوميدي العجيب، عندما بدأ المحضِر في بيـع أثاث صـالون الحـلاق في المـزاد، ثـم ظهور موكب تشييع الجنازة، تسبقها موسيقى المارش الجنائزي، ليأتي الحانوتي ويرفع الحجز عن صالون الحلاق بثمن تشييع الجنازة.. فبالرغم من أن مشهد الجنازة من المشاهد المقبضة للنفس على الشاشة إلا أن المتفرج في تلك اللـحظـة، يتـنفس الصعداء ويضحك عندما يتحقق المثل القائل (مصائب قوم عند قوم فوائد).

كما لا يخلو الفيلم من النقد الاجتماعي، حيث يقدم تجسيداً لحالة البطالة التي كانت متفشية في ذلك الوقت، وعدم حصول الشباب المتعلم على الوظيفة إلا بالواسطة، وكذلك تصوير مظهر الإهمال بين موظفي الشركات الذين يقضون أوقاتهــم إما في شرب القهوة والشاي أو في الأحاديث وقراءة الصحف.

ولا يضعف من الفيلم سوى اعتماده على الصدفة، فقد لعبت دوراً رئيـسياً في تصعيد أحداث الفيلم، وجعلت منه ميلودراما تقوم على المصادفـات.. كذلك تلك النـهاية التي حل بها كمال سليم - وهو كاتب القـصة والسيناريو إضـافة الى الإخراج - مشــكلة بطل الفيلم، إذ نجد الإنقاذ يأتي على يد باشا رأسمالي.. ألم يكن من الأفضل أن نرى هذا الشاب الفقير المكافح والمتعلم وهو يواصل كفاحه حتى يحقق النصر بيديه هو ؟

كما يلفت الانتباه في هذا الفيلم ذلك الأداء المسرحي لبعض ممثليه، أمـثال فاطـمة رشـدي وحسين صدقي وزكي رستم وعباس فارس.. علماً بأن السبب في ذلك يرجــع أولاً الى أن هؤلاء من نجوم المسرح أساساً، والـذين اعتادوا هـذا اللـون من الأداء، وثانـيـاً إلى طــول الحوار في الكثير من المشاهد.

وأخــيراً، ورغـم كـل هـذا، إلا أن هـذه السـلبيات لا تقـلل من أهـمـية هـذا الفيلم كتجربة فنية غنية ومتميزة بل ورائـدة، سـبقت عـصرها بسـنوات طويلـة.. وليظل هذا الفيلم العزيمة محفوراً في ذاكرة السينما المصرية وذاكرة الجمهور على السواء.

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)