جديد حداد

 
 
 
 

السينما والصحافة

( 2 ـ 3 )

 
 
 

جريدة الوطن

 
 
 
 
 
 

ثانياً: عربياً (مصرياً):

ولأن السينما في مصر قد بدأت مبكراً، فإن الحديث والجدل عنها بدأ مبكراً أيضاً، خصوصاً بأن العروض السينمائية في مصر جاء بعد عام واحد فقط من العروض العالمية للسينما. وبالتالي كانت الصحافة قد علقت على هذه العروض، وكان أولها صحيفة (المؤيد) في تعليقها على أول عرض في عددها الصادر في 26 يناير 1896م.

وبدأت السينما تكتسب جمهوراً يتزايد يوماً بعد يوم، بعد أن كان الجمهور متوجهاً بشكل عام للمسرح. فبدأت صالات السينما تتزايد، تلبية لرغبات هذا الجمهور المتشوق لهذا الفن الوليد. وتكون ما يسمى بـ (هواة السينما)، هؤلاء الذين بُهروا بهذا الفن، بل وفكروا بالانخراط في ممارسته، وعلى رأس هؤلاء الهواة كان محمد كريم، ويوسف وهبي، ومختار عثمان، وغيرهم كثيرون. حتى أصبح هذا الفن يشكل الهم الأكبر، ما دفعهم مراسلة شركات الإنتاج المحلية والأجنبية.

وفي الفترة التي واكبت ثورة 1919، بدأ محمد كريم الكتابة عن السينما في الصحف المحلية، وكان تفكيره يتجه إلى الكتابة عن تمصير السينما، في مقالات تحمل عناوين مثل (فكروا في إنشاء شركة للسينما) أو (مصروا صناعة السينما).

أما أول مقال نشر عن السينما في مجلة (الهلال) المصرية، فكان الذي كتبه الناقد السيد حسن جمعه تحت عنوان (السينما الناطقة: ماضيها وحاضرها ومستقبلها)، ونشر في عدد ديسمبر 1929م. وهو نفس الكاتب الذي كتب أول مقال عن الأفلام المصرية نشر في مجلة "الهلال" المصرية، تحت عنوان "الأشرطة المصرية على اللوحة الفضية"، وكان في عدد نوفمبر 1931.

اهتمت الصحافة المصرية بوجه عام، والصحافة الفنية بشكل خاص، بهواة السينما، بل وساعدت على ازدياد عددهم. فكانت مجلة "الصباح" ـ على سبيل المثال ـ تواظب على نشر صور هؤلاء الشبان الهواة الذين كانوا يعرضون استعدادهم للتمثيل. وبالمثل حذت حذوها مجلة "العروسة"، وكانت صفحة "السينما والملاهي" في جريدة الأهرام تواظب ـ منذ ظهورها عام 1933 ـ على نشر رسائل القراء والرد عليها فيما يتعلق بالسينما وشئونها، كما فتحت أبوابها لكتابات الهواة عن السينما، وشجعت بعضهم على الاستمرار في الكتابة. مما ساهم في تطور كتاباتهم عن السينما بعد إنشاء أستوديو مصر. وفي أحد أعداد أكتوبر 1934، تلقت الصفحة عدة رسائل من القراء حول نادي السينما للهواة.

وكان هواة السينما يشكلون احتياطياً مستمراً للعاملين بالسينما، فقد جاء من صفوفهم جميع المشتغلين بالسينما في مختلف عناصرها. هذا إضافة إلى أن الهواية كانت وراء ظهور العديد من الأفلام المصرية القصيرة والطويلة. ولعل أبرز فيلم من صنع الهواة في تاريخ السينما المصرية هو فيلم (تيتاوونج).

أما أول مجلة مصرية متخصصة عن السينما، فكانت مجلة (الصور المتحركة)، التي صدرت عام 1923، وتوقفت عام 1925.

 

ومثلما كانت الهواية وراء كثير من أفلامنا وروادها، كانت أيضاً وراء النقد السينمائي وكتاب السينما. فقد كان معظمهم من الهواة بدأوا حياتهم شباباً محباً للسينما، يقرأ عنها ويحاول فهمها. فقد أصدر السيد حسن جمعة وزكريا الشربيني مجلة (كواكب السينما) في القاهرة عام 1926، وكانا يطبعانها من 50 نسخة في 16 صفحة محلاة بالصور والرسوم ويوزعانها على أصدقائهما ومعارفهما. وفي الإسكندرية صدرت مجلة (معرض السينما الجميلة) التي شارك في تحريرها السيد حسن جمعة، في نفس الفترة.

ولأن فن السينما الوليد، كان ثورة ذلك العصر، فقد جعل كبار الكتاب والأدباء يهتمون به، بل ويكتبون عنه. ولأن الكتاب والأدباء يعدون من قادة الفكر والرأي، فلا شك من أن لكلمتهم قوة تأثيرية كبيرة. فكانوا سنداً كبيراً للسينما منذ البداية، وكان لمساهماتهم أثر واضح بالنسبة لازدياد الوعي بالسينما وتأصيل مفهومها عند الهواة وجمهور السينما على السواء. فكتب زكي مبارك في مجلة "المصري" عن فيلم (ليلى بنت الصحراء) عام 1937. وكتب طه حسين في "كوكب الشرق" عام 1933عن فيلم (الوردة البيضاء). وكتب أحمد حسن الزيات في "الرسالة" عام 1942 عن فيلم (يوم سعيد).

 

الصحافة الفنية العامة، الأسبوعية أو الشهرية أو حتى الفصلية، كانت تخصص للفنون ـ ومن بينها السينما ـ مساحات على صفحاتها، تتناسب حسب سياسة كل صحيفة وأهدافها. ومن أبرز هذه الصحف، مجلة "الصباح" التي خصصت باباً بعنوان "السينما في مصر وأوروبا" عام 1928. وبالرغم من أن موضوعاتها تتناول السينما الأجنبية، إلا أن ذلك لم يمنع المجلات الأخرى أن تحذو حذوها، وتخصص مساحات للسينما. فقد دأبت "البلاغ الأسبوعي" و"السياسة الأسبوعية" على نشر مقالات متخصصة في السينما ابتداء من عام 1927. وتبعتهما مجلة "الهلال" العريقة، والتي استمرت في نشر موضوعات متخصصة عن السينما حتى وقتنا هذا. ثم جاءت مجلة "الكواكب" الأسبوعية عام 1932، التي كانت تنشر ملخصات لأفلام الأسبوع، وأحاديث مع النجوم، ومقالات لرجال السينما، إضافة إلى أخبار الأفلام التي يجرى تصويرها. وعندما صدرت مجلة "آخر ساعة" عام 1933، لم يكن النقد السينمائي يشكل حيزاً يذكر على صفحاتها. فيما عدى تلك المقالات ذات الطابع الإعلاني. ولكنها فيما بعد خصصت باباً سينمائياً ثابتاً بعنوان "هوليوود تقول" ابتداء من عام 1939.

لم تحض السينما، أعزائي الحضور، بعناية ومتابعة الصحف اليومية، فصحيفة "الأهرام" مثلاً لم يتجاوز اهتمامها حد الأخبار القصيرة والإعلانات، دون تخصيص زاوية يومية، واستمر ذلك حتى عام 1933م. إلا أنها خلال ذلك العام أحدثت انعطافة حقيقية في اهتماماتها بالسينما، حيث خصصت صفحة كاملة للسينما تحت مسمى "السينما والملاهي"، واستمرت بنشرها بصورة يومية تقريباً. وكانت الصحيفة تعتز بهذه الصفحة، حتى أنها عهدت بتحريرها إلى أحد النقاد الذين برزوا في تلك الفترة وهو زكريا الشربيني.

وإذا كانت الأهرام هي أول صحيفة يومية تخصص للسينما مثل هذه المساحة، فقد شجعت الصحف اليومية الأخرى على تخصيص مساحات متفاوتة للسينما. فصحيفة "كوكب الشرق" بزاويتها السينمائية غير المنتظمة كلفت الناقد محمد كامل مصطفى بتحريرها. ثم جاءت "روز اليوسف" اليومية وعهدت بزاوية السينما فيها إلى الناقد أحمد كامل مرسي. وكذلك الحال مع صحيفتي "البلاغ" اليومية، و"المقطم"، وإن كانتا أقل اهتماما بالسينما. وحين صدرت صحيفة "المصري" عام 1937، أولت السينما بعض اهتمامها، وكانت تفرد من حين لآخر ركنا للسينما وأخبارها وتعليقاتها. ومع ذلك كله ظلت "الأهرام" رائدة الصحف اليومية وأكثرها اهتماما وتأثيراً فيما يتعلق بالسينما.

يتبع في الحلقة القادمة...... 

 

الوطن البحرينية في

31.05.2006

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)