جديد حداد

 
 
 
 

السينما والصحافة

( 3 ـ 3 )

 
 
 

جريدة الوطن

 
 
 
 
 
 

تعتبر الصحافة الفنية المتخصصة، ثمرة مباشرة للاهتمام الجماهيري المتزايد بالسينما. وهي بالطبع أرقى ما يمكن أن تصل إليه الصحافة الفنية في أي بلد. فعن طريق هذه الصحافة يمكن الحديث عن تطور ما قد يصيب النقد والثقافة السينمائية، تطبيقياً ونظرياً.

ويمكن حصر صحافة هذا النوع، في مجموعة من المجلات السينمائية الرائدة. وأبرز هذه المجلات: "الصور المتحركة"، "معرض السينما"، "عالم السينما"، "فن السينما"، العروسة والفن السينمائي".

وبهذا يمكن الإشارة، إلى أن الصحافة الفنية، عامة ومتخصصة، قد ساعدت على نشر الوعي والثقافة السينمائيين، برغم كل الصعوبات التي واجهتها. كما ساهمت في تهيئة المناخ المواتي لنشأة النقد السينمائي وتطوره ابتداء من عام 1927. 

وقد استفادت السينما العربية من شبكة الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات إلى حد ما، هذا بالرغم من أن الإنترنت العربي في هذا المجال بالذات يعد فقيراً جداً، ليس بالنسبة للسينما، وإنما لغالبية الفنون والآداب. صحيح بأن هناك مواقع عربية بدأت تنتشر في السنوات الأخيرة.. مواقع متخصصة بشتى المجالات، إلا أن السينما كان حظها ضئيل. ربما تجد مواقع عربية تهتم بالسينما الأمريكية، ومواقع شخصية أخرى تقدم القليل عن السينما العربية.

 

ثالثاً: محلياً:

أصعب ما يواجهه أي باحث في مجال السينما والصحافة في البحرين، هو ندرة المصادر وقلة العناوين في المكتبة المحلية، باعتبار أن التاريخ المكتوب في البحرين لم يشمل هذا الجانب الحيوي ثقافيا، لذا فإننا سنعتمد على متابعاتنا المتواضعة لما نشر وكتب عن السينما في الصحافة العامة، وعمل رصد متواضع لبعض الصفحات السينمائية المتخصصة.

ولكن قبل أن ندخل في خصوصية هذا الموضوع، أحب الإشارة، ولو بشكل مختصر، عن تاريخ بدء العروض السينمائية في البحرين.. ففي هذا تكمن الطرفة والحكاية الخفيفة.

فصالات العرض السينمائي في البحرين.. لها ذكريات جميلة، وتاريخ حي في قلوب روادها، منذ بدأت مع بدايات القرن الماضي.. المعاصرون لفترة الخمسينيات والستينيات، مازالوا يتناجون بذكريات طريفة ومقالب هزلية.. جيل السبعينات أيضاً، كان له ذكرياته الخاصة.. ذكريات عشناها وكانت جزءاً مهماً من حياتنا وتاريخنا.

أما بالنسبة لبدايات هذه العروض السينمائية في البحرين، فيحدثنا الكاتب والباحث خالد البسام، في كتابه "يا زمان الخليج"، من خلال بحثه القيّم عن بدايات السينما في البحرين، قائلاً: "بعد ربع قرن تقريباً على بداية السينما في العالم، راح جمهور صغير قرب ساحل مدينة المنامة بالبحرين، يتفرج على أحد الأفلام السينمائية في كوخ صغير مبني من سعف النخيل في منتصف عام 1921. ولم يكن في بال ذلك الجمهور الصغير المملوء بالدهشة والسحر، أن هذا الكوخ الصغير هو بداية دخول السينما في منطقة الخليج والجزيرة (باستثناء العراق)".

ومن خلال قراءتنا لهذا البحث، نتعرف على بدايات تعلق ذلك الجمهور وتعطشه لهذا الفن الساحر، حيث يذكر البسام بأن الجمهور البحريني: "كان يجد في السينما فناً جميلاً لا يجده في فنون أخرى. فبرغم أن البحرينيين كانوا ا من أوائل أهالي المنطقة الذين أسسوا فرقاً مسرحية وجمعيات وأندية أدبية وفنية، وتفاعلوا كثيراً مع أدوات التقدم العلمي الأولى، مثل الراديو والفونغراف وغيرهما، إلا أن السينما وحدها هي التي سحبت البساط من جميع كل تلك الأشياء وجعلتهم ينتظرون موعد غروب الشمس بفارغ الصبر حتى يركضوا للسينما ويشتروا التذاكر".

ويواصل البسام حديثه المشوق، ليطلعنا على نوعية هذا الجمهور، حين يقول: "ولعل أشهر جمهور للسينما هو الجمهور الفقير الذي كان يشكل الغالبية الساحقة لرواد السينما في الخمسينيات والستينيات، وكان يسمى "جمهور أبو روبية. حيث كان يحتل مقاعد الدرجة الثانية بمقاعدها المهترئة والقريبة من شاشة العرض، ويملأ الصالات بالصفير والتصفيق والتعليقات التي لا تنتهي. وكان هذا الجمهور يحرص قبل دخوله على البحث عن قطع كرتون صغيرة ليجلس عليها. وفي الشتاء كان غالبية رواد السينما يحرصون على جلب بطانيات الصوف معهم لتدفئة أنفسهم من الجو البارد في السينما المكشوفة، ولكي يستمتعوا بمشاهدة الفيلم".

وعودة على موضوع السينما والصحافة، فقد بدأت صحيفة "البحرين" التي يملكها عبد الله الزايد، في نشر فقرات إعلانية عن العروض والأفلام التي جاءت مع بدايات العروض السينمائية في البحرين. ولم يكن هناك أي إشارة لوجود أي مقالات نقدية (أو حتى غير نقدية) عن الأفلام، نشرت في صحافة البحرين قبل العقد السابع من القرن الماضي.

فمع بداية السبعينيات، تكونت مجموعات من الهواة ومحبي فن السينما من المثقفين والكتاب البحرينيين، والذين حرصوا على تكوين نواة لنادي سينمائي بحريني، يساهم في نشر الثقافة السينمائية في البحرين، ويحتضن بعض التجارب الفيلمية القصيرة المتناثرة هنا وهناك، إلا أن هذه النواة لم تكتمل.

ولكن في نفس الوقت، بدأت بعض الكتابات عن السينما والأفلام تأخذ مساحات في الصحافة المتوفرة محلياً. مقالات تتسم بالطابع الاستهلاكي غالباً، متناثرة ومتباعدة زمنياً في هذه الصحيفة أو تلك.

في منتصف السبعينيات، وعلى صفحات مجلة "صدى الأسبوع"، بدأت كتابات الناقد أمين صالح، تظهر من حين إلى آخر، ضمن الباب الثقافي والفني الذي كان يشرف عليه أمين صالح وخلف أحمد خلف. وقد تناولت هذه المقالات بعض الأفلام المعروضة في صالات البحرين، إضافة إلى مقالات عن السينما العربية والعالمية.

إلى أن جاء الوقت الذي تأسس فيه نادي البحرين للسينما عام 1980، ليكون ملتقى مجموعة عاشقة ومهتمة بالسينما، ونخبة متخصصة في مجال الكتابة عن السينما، حرصت على إصدار نشرة داخلية بعنوان "أوراق سينمائية"، التي أخذت تتطور بفعل الحماس المترتب عن ردود الفعل المحلية والعربية، بعد أن تحولت إلى مجلة فصلية. وقد صدر من دورية "أوراق سينمائية" ثمانية أعداد فقط، كان آخرها في صيف 1989. ويبدو أن مشروع المجلة قد انتهى، فيفصلنا عن آخر عدد أكثر من خمسة عشر عاماً، وهي مدة كفيلة بأن تكون إعلان عن توقف إصدار من أهم الإصدارات العربية في مجال السينما.

ومع بداية الثمانينيات، وعندما صدرت مجلة "بانوراما الخليج"، أصبح من الممكن الحديث عن صفحات متخصصة للسينما في الصحافة المحلية، وذلك عندما قام أمين صالح بالإشراف على قسم يتكون من أربع صفحات، يتناول فيه العروض السينمائية، ويقدم قراءات نقدية حول السينما ومبدعيها.

وفي تجربة ممتعة، أتاح الكاتب خالد البسام فور تسلمه رئاسة تحرير مجلة "هنا البحرين"، الفرصة لكاتب هذا البحث للإشراف على صفحتين أسبوعيتين عن السينما منذ مايو 2001 وحتى اليوم.

ومع صدور جريدة "الوسط" في سبتمبر 2002، أتيح للسينما حيزاً هاماً وبارزاً للسينما في الصحافة المحلية.. حيث كلف كاتب هذا البحث بالإشراف على ملحق سينمائي من صفحتين، أسس له وأشرف عليه لمدة عام تقريباً.. ومازال هذا الملحق مستمراً بطاقم صحفي آخر، يقدم ويتابع ما تنتجه السينما العالمية والعربية والمحلية أيضاً.

في يناير 2004، بدأ الزميل خالد الرويعي الإشراف على ملحق للسينما في جريدة الأيام البحرينية.. وسعى ملحق "سينما" منذ انطلاقته على متابعة الأحداث السينمائية المحلية والدولية.. فكان حاضراً مثلاً عند عرض فيلم "باب الشمس" بجزأيه، في مجمع الدانة.. بل التقى بمخرجه "يسري نصرالله".. كان متابعاً لعروض الفيلم البحريني "زائر" بعروضه الخاصة والجماهيرية.. كان حقاً متابعاً لكل جديد على الساحة السينمائية.

لقد حرص الرويعي على التواصل مع القارئ بجميع مستوياته، بين الخبر والطرفة والنقد والمتابعة.. وهذا بالضبط ما يشتاق إليه القارئ والمتابع للسينما بشكل عام.

ولم يستمر هذا الملحق ـ للأسف ـ وذلك بعد أن بدأت حركة جديدة، تجتاح الصحافة البحرينية.. ففي مطلع العام 2006، صدرت جريدة "الوطن" لتدشن ملحقها السينمائي الأسبوعي (خيوط الضوء) بإشراف الكاتب فريد رمضان.. وهو ملحق زاخر ونشط يغطي أربع صفحات كاملة.. حرص على تغطية الكثير من الفعاليات السينمائية عربية كانت أم عالمية.. وبالرغم من تقليصه إلى صفحتين الآن.. إلا أنه مازال يمثل نافذة هامة للسينما في الصحافة المحلية.

ولا يمكن أن ننسى بأن صفحة السينما في جريدة "الميثاق"، كان لها أيضاً دور في تغطية الفعاليات السينمائية المحلية.. صفحة تصدر كل أربعاء.. وهو اليوم الذي يكون فيه للسينما حضور صحفي طاغي.. فصحيفتي "الوسط" و"الوطن" تصدر صفحاتها السينمائية في نفس اليوم.. هل هي مصادفة أن يكون يوم الأربعاء هو اليوم الذي تعيش السينما فيه يوم خاص جداً..؟!

بعد صدور جريدة "الوقت".. كان للزميل خالد الرويعي اسهاماً آخر في السينما من خلال ملحق (عين للسينما وعين للتليفزيون) الأسبوعي،  يعني ويؤسس لنافذة أخرى تطل على اشكاليات الصورة المرئية.

وفي خضم هذا الفعل الصحافي النشط، من المؤمل أن يكون للسينما والثقافة بشكل عام، حصة لا بأس بها.. خصوصاً بعد أن تأكد لأصحاب الصحف المحلية، بأن فن السينما هو الفن الأكثر انتشاراً وشعبية في المجتمع.. وأن للصورة المرئية دوراً فعالاً ونشطاً في التوصيل المباشر.

إنتهى

المراجع:

·    النقد السينمائي في الصحافة المصرية ـ د. علي شلش ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ الطبعة الأولى ـ القاهرة 1986.

·        كتاب السينما والتليفزيون والفيديو ـ محمد رضا ـ الطبعة الأولى ـ لندن 1985.

 

الوطن البحرينية في

07.06.2006

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)