جديد حداد

 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

RAGING BULL

الثور الهائج

( 2 )

 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

من الملاحظ، بأن فيلم (الثور الهائج) يركز أكثر على العنف الموجه ضد النفس في معركة واحدة، للتخلص من شيء ملوَّث في الذهن، فمشاهد الملاكمة القصيرة، ما هي إلا علامات وإشارات لصيغة العنف التي تتميز بها حياة هذا البطل الشخصيح العائلية. فالملاكمة، في الفيلم، لا تحتل مساحة لإثارة الغرائض، هذا بالرغم من وحشية وعنف اللقطات التي تصوَر على الحلبة، والتي وُجدت لتكشف وحشية هذه اللعبة وكمية العنف الذي تحمله هذه الشخصية.

إن الملاكمة أو الصراع الذي يدور على الحلبة ليس هو ما يهتم به الفيلم، وإنما ذلك الصراع الداخلي المتباين داخل الشخصية.. فالبطل يواجه معارك أخرى خارج الحلبة، مع الزوجة ومع الأخ ومع الأصدقاء.. حيث أن العنف يسيطر على قلبه وحياته فتتحول علاقاته الى نوع من المشاجرات الدائمة مع كل محيطه الإجتماعي.

إن الوصول الى القمة قد أحاله الى نوع من الغرور والإنفجار في وجه الجميع، والبطولة أصبحت عبئأً لا يطاق، والنظام الرياضي الصارم يدفع به الى نوع من التصرفات الشاذة للحفاظ على متانة العضلات وقوتها.. فنحن نراه في مشهد يطلب فيه من زوجته أن تمارس معه الجنس قبل المباراة، وعندما تستثيره يدفعها بعيداً.. فهو هنا يريد أن يحتفظ برغباته ويحملها معه الى الحلبة لتغذي عدوانيته، والنتيجة أنه يتحول الى شعار عريض من الغيرة لإحساسه بالتقصير في حياته الزوجية الأمر الذي يتسبب في تحطيم سعادته العائلية والخصام مع أخيه، ثم كل الذين يحيطون به لمجرد أنهم سلَّموا على زوجته.

هكذا أصبح البطل، يقف وحده وسط الميدان، يعارك شكوكه وخوفه من الهزيمة، ويجد إن إنتصاره تحوَل الى ضغط كبير على النفس، فتفكيره يوجد في قبضة يده، وهو يستعمل يده محاولاً أن يجد طريقاً في وجه الآخرين.

ففي لحظة من لحظات الفيلم، إنتفت فيها الفروق، لم يعد يميز بين الأعداء وبين الأصدقاء، كان ينتابه نوع من كراهية النفس والرغبة في الإنتقام منها.. فنحن نراه في بداية الفيلم يطلب من أخيه أن يضربه على وجهه بكل ما يملك من قوة ليثبت لنفسه بأنه يستطيع تحمل الآلام التي يسببها له الآخرون.. هنا تظهر لنا صورة أخرى من العنف العائلي، فلا توجد هناك محاولة للتفاهم، إن أي حديث عائلي يعني البحث عن خصام وشجار ومحاولة تحطيم الأثاث.

والمأساة هي أن البطل قد سمح لتلك الأحداث الصغيرة أن تتحول الى عملية إنتقام شديدة لا حدود لها.. فبعد أن فاز بالبطولة، إنتهت به الأحداث الى نوع من الإنهزام المؤلم في حياته الخاصة.. فقد هربت منه زوجته مع أطفاله، وقاطعه أخوه بعد شجارهما، ثم دخل هو السجن بتهمة إغراء فتاة قاصر، حيث نراه ينهار في السجن تماماً، ويبدأ في النحيب وضرب رأسه في الجدار إنتقاماً من جسده على الإهانة التي لحقت به.. وأخيراً ينتهي به الزمن بالعمل في أحد الملاهي الليلية، يسلي ويُضحِك الحاضرين في المقهى، والذين يبحثون مثله عن اللهو والمماطلة وتأجيل الواقع الى بعد حين.

هذا هو "جاك لاموتا" الذي نجح السيناريو في تقديم ملف حياته لنا، وإستطاع أيضاً أن يعطينا حبكة طبيعية لبورتريه "لاموتا"، بعد أن أوضح لنا ملامح تركيب الشخصية على المستوى الفسيولوجي (ملاكم قوي، أكول، غير وسيم... الخ)، وعلى المستوي النفسي (طَموح، قوي الإرادة، جِلّْف، يعاني من الفراغ العاطفي، غيور جداً... الخ).. بكل هذه التوصيفات والنعوت، إستطاع كاتب السيناريو "بول شرادر" النجاح في تقديم "جاك لاموتا" على الشاشة.

أما بالنسبة للإخراج، فقد بدت لغة "مارتن سكورسيزي"، في فيلم (الثور الهائج)، بسيطة في التراكيب واضحة في طريقة طرح الأفكار دون حذلقة أو تعقيد.. كما أنه نجح في إستخدام مفردات اللغة السينمائية، لإعطاء دلالات فكرية ونفسية لخدمة المعنى العام المراد إبرازه في الفيلم.

وأخيراً، فإن فيلم (الثور الهائج) سيظل علامة بارزة في تاريخ السينما، وعملاً فنياً مهماً لمخرجه.. هذا إضافة الى أنه (الفيلم) يكرس "روبرت دي نيرو" كواحد من أعظم الممثلين في السينما الأمريكية المعاصرة. حصل هذا الفيلم على جائزة أوسكار أفضل ممثل (دي نيرو)، وأفضل مونتاج.. إضافة الي جائزة أفضل ممثل (دي نيرو)، وأفضل ممثل مساعد (جوبسكي) في مهرجان نيويورك.

 

أخبار الخليج في

20.07.2013

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)