جديد حداد

 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

RAGING BULL

الثور الهائج

( 1 )

 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

يعتبر فيلم (الثور الهائج RAGING BULL)، إنتاج عام 1980، واحداً من الافلام البارزة في تاريخ السينما العالمية. ففي هذا الفيلم، نحن أمام عملاق من عمالقة التمثيل في السينما العالمية، وواحد من بين أهم ما قدمته السينما الأمريكية لفن التمثيل.. إنه الممثل العبقري روبرت دي نيرو، صاحب الأدوار التي نالت تقديراً ونجاحاً كبيراً مثل: شوارع دنيئة، الأب الروحي، سائق التاكسي، نيويورك.. نيويورك، صائد الغزلان.

وفي فيلمه (الثور الهائج) يؤكد دي نيرو مواهبه الإستثنائية مرة أخرى، حيث يقوم بأداء دور الملاكم الأمريكي وبطل العالم في الملاكمة "جاك لاموتا".. إن دي نيرو عندما أدى هذه الشخصية حرص تماماً على الإنغماس في تفاصيلها، لذلك تدرب وتعلم لمدة سنة كاملة، وعلي يد لاموتا نفسه، أصول وطبيعة الملاكمة والحالة النفسية التي يعيشها الملاكم، داخل الحلبة وخارجها.

كما أن دي نيرو ـ وهذا هو المدهش حقاً ـ إستطاع أن يزيد من وزنه ثلاثين كيلوجراماً، في زمن قياسي وهو أربعة أشهر فقط، من أجل الوصول الى الصدق في أداء الشخصية، حتى أن لاموتا نفسه صرَّح، قائلاً: (دي نيرو قادر الآن على إمتهان لعبة الملاكمة بشكل جيد).. وقد عمل لاموتا كمستشار فني في هذا الفيلم وكان ملازماً لـروبرت دي نيرو.

يتحدث دي نيرو عن تجربته في هذا الفيلم، فيقول: (...تمرنت على الملاكمة فترة طويلة مع جاك لاموتا نفسه قبل تصوير الفيلم وأثناء التصوير ، وقرأت كتباً كثيرة عن الملاكمة، وشاهدت أفلاماً كثيرة عن هذه الرياضة، وذلك لكي أعبر عن هذه الشخصية بأصالة، ولكي أفهمها وأتقمصها.. وقد أعطيت نفسي ستة أشهر قبل أن أبدأ التصوير، تحدثت خلالها كثيرا مع لاموتا عن حياته وتجربته...).

ويواصل دي نيرو، فيقول: (...كان لاموتا معنا دائماً، ولكننا لم نرغب في حضوره خلال اللحظات الدراماتيكية الصعبة، لأننا لم نكن نريد أن يتدخل أو يتأذى. إنه من الصعب جداً علي ممثل أن يؤدي دور إنسان على قيد الحياة، فبالنسبة لي كان يجب أن أكون حراً لأمثل دوري كما أفهمه، ولو كان لاموتا معنا في تلك اللحظات الدراماتيكية، ولو إنه لم يقل شيئاً، لأحسسنا بثقل حضوره، ولصعب عليَّ أن أمثل دوري بدون توتر وعصبية، لذلك السبب فضلنا أن لا يكون معنا...).

وللعلم، فإن روبرت دي نيرو هو الذي إقترح على المخرج تصوير (الثور الهائج)، حيث كان قد قرأ في بداية السبعينات كتاباً يحكي السيرة الذاتية لـ"جاك لاموتا"، وتأثر بها كثيراً.. يقول دي نيرو: (...لقد أحسست بأن لهذه القصة قوة خارقة بالنسبة للتحليل النفسي والإجتماعي للبطولة والمجد، ومنذ تلك الفترة شعرت بأن تمثيل هذا الدور سوف يطور مواهبي.. وفي أثناء عملي مع المخرج "سكورسيزي" في فيلم (سائق التاكسي ـ 1976) أعطيته هذا الكتاب، وتحدثنا في إمكانية تحويل قصته الى الشاشة...).

إن (الثور الهائج) فيلم يتحدث عن العنف.. العنف بصورته الأكثر بشاعة.. العنف القادم من "لاموتا"، والعنف الواقع عليه. فـ"جاك لاموتا" عاش سنوات صباه في حيّ فقير في مدينة نيويورك، من أب مهاجر من إيطاليا.. كانت دروسه الأولى في الحياة هي كيف يسرق ويقتل.. وتعلم منذ صغره على أنه إذا أراد البقاء فإن عليه أن يكون أقوى من الشخص المقابل، لذلك كان عنيفاً ونشأ وحيداً لا يثق بأحد، تتملكه أحاسيس مثل الخوف والغضب وكره الذات والإحساس بالذنب.

وبالرغم من أن الفيلم يستمد مصادره من سيرة حياة هذا الملاكم، إلا أنه لا يركز على الملاكمة في حياته.. فالفيلم يستفيد من عرضه لهذه الشخصية ليطرح من خلالها مجموعة من الأفكار.. إنه يقدم لنا عالماً يستوطنه العنف والعدوانية، ويقترب من هذه الشخصية ليكشف الضعف الكامن خلف هذا العنف.

نحن هنا أمام ملاكم يصارع العالم لوحده، ومصارع يرتكب كل شيء للفوز والوقوف وحيداً في القمة.. إنه يصارع ويتعثر، ثم يفوز ويتخدر بتأثير ذلك الصراع النفسي الحاد مع الضعف والخوف الذي يتولَّد من الإنتصار.. تتحول الحلبة في هذه الحالة الى مكان داخل الجمجمة.

طريق هذا البطل هو طريق ذلك الصراع المفروض بالرغبة في التفوق على النفس أو إحتقارها أيضاً.. الى أن يتحول البطل تدريجياً الى أداة تنفيذية لعقاب نفسه وتدمير ذاته وجسده، ويتحول كل هذا العنف الى وسيلة من وسائل تحطيم الشخصية.. يتحول "لاموتا" الى ثور هائج من الغيرة والوهم والعنف السادي الذي ينخر في عضلاته.

 

أخبار الخليج في

07.07.2013

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)