جديد حداد

 
 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

حب في زنزانة

 
 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

مضى ما يقارب النصف قرن على بروز مجتمع الانفتاح الاقتصادي في مصر، مما يمكن لأي باحث ودارس لهذه الفترة، أن يمعن النظر ويبحث في تأثيرات هذا المتغير الاجتماعي والاقتصادي على المجتمع المصري بعد نصف قرن. إلا أننا هنا لسنا بصدد بحث اقتصادي اجتماعي، ولكننا سنحاول إلقاء ضوء بسيط على تأثير هذه المتغيرات على السينما المصرية، وذلك من خلال تناولنا لأحد أفلام تلك المرحلة.. حيث يندرج تحت نفس القائمة أفلام مثل: (أهل القمة) للمخرج علي بدرخان، (سواق الأتوبيس) لعاطف الطيب، (قهوة المواردي) لهشام أبوالنصر، (الغول) لسمير سيف، (الصعاليك) لداود عبدالسيد.

فيلمنا هو (حب في زنزانة ـ 1982) للمخرج محمد فاضل، وهو المخرج التليفزيوني صاحب الأعمال الدرامية الشهيرة. وهو هنا يناقش القانون الخاص الذي يحكم به لصوص الانفتاح على ضحاياهم، قانون امتصاص جهود فئة الشباب، والوعود الكاذبة التي يلوحون بها لهم، واستنفاذ كل أمل بداخلهم. تلك الفئة من الشباب التي تحلم بتوفير لقمة العيش، وتملك رغبة قوية تمتلئ بشحنات أقوى من التحدي والعنف، عندما تواجه برفض الآخرين من ملوك الفساد لذلك الحلم المتواضع. يصبح حينها العنف لغة ضرورية، رغم نتائجه المدمرة، لتأكيد تلك الرغبة من أن تعيش كما تريد هي وليس كما يراد لها.

ومن خلال قصة حب شاعرية رقيقة، تحدث بين عنابر سجني الرجال والنساء، يقدم محمد فاضل لوحات فنية إبداعية تنبض بكل المشاعر الإنسانية. بطلا القصة هما السجينان (عادل إمام وسعاد حسني)، والاثنان ضحايا وهم كاذب. لقد نجح المخرج من تقديم مشاهد تنبض بالحيوية، فمثلاً في مشهد تسليم الخبز في سجن النساء، وتلك المواجهة الأولى بين سعاد وعادل، وكل منهما يحاول التعرف على الآخر، استطاع المخرج أن يلعب بتعبيرات الوجوه المختلفة ونظرات العيون الحائرة وحركة الأصابع، وبدت ابتسامة عادل وكأنها طاقة نور وأمل لسعاد، أو لنقل لكليهما.

الفيلم في تناوله للسجن، نجح في كسر كآبة المكان من خلال مشاهد بسيطة وعميقة. فقد أصبح للسجن حياة جديدة بعيدة عن سموم الأطعمة المستوردة وبعيدة عن النفاق والغش والخداع.. حياة تظهر فيها شحنات قوية من دفء العاطفة الإنسانية الصادقة لأشخاص ارتكبوا جرائم في الحقيقة، ولكن تحت وطأة الجوع والحاجة ورغبة في الحياة وليس حباً في المال والترف. لذلك فالقيم الأخلاقية والاجتماعية كالشرف والمروءة والإخلاص والشجاعة والحب الصادق مازالت كامنة ومنبعثة من جوانبهم، ولم يفسد مشاهد السجن سوى تلك المعركة بين المساجين والتي افتعلها السيناريو ليجد مبرراً لهروب عادل. هذا إضافة إلى أن أحداث الفيلم لا تقدم إجابات منطقية عن كيفية هروب عادل من السجن، ولا كيف يخرج من عربة القمامة ببدلة ضابط مكوية ونظيفة، ولا كيف يصل هذا السجين الهارب والمطارد إلى منزل ذلك الانفتاحي الكبير والموضوع تحت الحراسة المشددة، وكأن المطلوب من المتفرج أن لا يدقق كثيراً في التفاصيل.

وبالرغم من كل هذه التساؤلات، فقد نجح المخرج في أن يضعنا داخل مأساة الحب ومأساة القانون الخاص للصوص الانفتاح، حتى كاد أن ينسينا كل تساؤلاتنا هذه عن منطقية الأحداث، فلا نلاحظ كل هذا إلا بعد انتهاء الفيلم، أو ربما نتناساها تماماً.

وأخيراً.. لابد من الإشارة بان هذا الجهد الواضح والمتميز لطاقم الفيلم من فنانين وفنيين يقودهم المخرج محمد فاضل الذي وفق كثيراً في تقديم هذه الشحنة العاطفية، والتي نسج بها فيلمه عن اللصوص والضحايا.

 

أخبار الخليج في

26.08.2017

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)