جديد حداد

 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

الحريف

( 2 )

 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

تعتبر شخصية "فارس" في فيلم (الحريف - 1984) نموذج صارخ للتمرد، لكنه ليس نموذجاً فوضوياً، إنما هو إنسان يمثل خليطاً من المشاعر والأحاسيس والمتناقضات، بين الجد واللامبالاة، الفقر والإسراف، العنف والرقة، الشهرة والوحدة، الكرامة والإحباط. كل هذا يجعله يعيد النظر في أسلوب حياته ليكشف في النهاية استحالة الاستمرار هكذا في هذه الحياة القاسية التي يعيشها. لذلك نراه يستجيب لعرض صديقه القديم بالعمل معه في التهريب، رغبة منه بلم شمل العائلة الصغيرة وتوفير احتياجاتها.

فيلم (الحريف) ـ الذي كتبه بشير الديك أيضاً ـ يقدم صورة سينمائية صادقة للبطل المهزوم والمحاصر. وبالرغم من أن الفيلم قد اهتم أكثر بشخصية فارس، إلا أن هذا الفارس لا يعيش وحيداً في هذا الواقع، بل في بيئة شعبية تمثل قطاعاً كبيراً من المسحوقين أمثاله. فهناك شخصية جاره (نجاح الموجي) الذي يعاني من الفقر الشديد وعجزه عن إعالة زوجته وأولاده وتضطره هذه الظروف لارتكاب جريمة قتل. وشخصية سمسار العربيات والمباريات الوصولي (عبدالله فرغلي) الذي يستغل فارس أيما استغلال، ضارباً عرض الحائط بالزمالة والقيم والأخلاق في سبيل الحصول على المال. وهناك أيضاً جارته التي تمارس الدعارة وتتمنى قضاء ليلة واحدة مع رئيس مجلس الإدارة، والتي يستسلم لإغراءاتها فارس وهو في حالة حزن ويأس شديدين. كذلك هناك الوافد الجديد من القرية (حمدي الوزير) الريفي البسيط والطيب، الذي يحاول تكييف نفسه للتعامل مع هذه المدينة الكبيرة، إلا أنه يضيع في دوامتها الواسعة وينجرف مع التيار اليومي للمدينة. أما رواد المقهى الذين يتردد عليه فارس، فهم كثيرون ويملئون المقهى، ولكل منهم شخصية قائمة بذاتها بكل آمالها وآلامها إحباطاتها. أمثال كابتن كرة القدم العجوز الذي يظل يحكي عن أمجاده الماضية مع الرياضيين القدامى ويتحسر عليها، ويمنعه كبرياؤه من الإفصاح عن حاجته للمال لمواجهة متطلبات الحياة الصعبة.

قطعاً ليس هؤلاء فقط هم شخصيات (الحريف)، فالفيلم فيه كشف هائل ورائع لقاع المدينة وشخصياتها، فكل شخصية تقول شيء وتعبر عن صورة بشعة لهذه البيئة، صاغها السيناريو عبر مشاهد سريعة الإيقاع لتؤدي وظيفة درامية هامة في عملية شحن المتفرج للتأفف من أوضاع هذه النماذج البشرية والتعاطف معها في آن واحد.

وفي حديث لمحمد خان عن فيلمه هذا، قال: (انظر إلى الحريف، كان يلهث مخنوقاً من ضغط فوضى السلبية. الضغط بهذه الشخصيات يخرج النقاء والحب خالصين. فأنا أؤمن بإيجابية المتفرج، وعندما أقدم عملاً سلبياً لا أدعو إلى تكريس السلبية والعجز، ولكن أدعو المتفرج إلى أن يستنكر الموقف) *

إن محمد خان في فيلم (الحريف) يقدم تجربة سينمائية هامة وجريئة تعتبر من أكثر التجارب تطرفاً في السينما المصرية، وهو بالطبع تطرفاً إيجابياً يدعو ويحرض للخروج على ما هو سائد ومستهلك من أنماط وشخصيات تقليدية.

 

أخبار الخليج في

14.08.2017

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)