جديد حداد

 
 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

كامل التلمساني

( 1 )

 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

إن الحديث عن فيلم (السوق السوداء)، لابد أن يجرنا للحديث عن مبدعه الفنان (كامل التلمساني) بشيء من التفصيل، فهو قامة فنية بارزه، ستضل شامخة في ذاكرة السينما.

يعد الفنان المصري "كامل التلمساني" علماً بارزاً، ليس في الوسط السينمائي فحسب، وإنما على صعيد الوسط الثقافي والفكري بشكل عام.. فقد كان داعية ومبشراً وصاحب رسالة ثقافية، وذلك بمحاولاته الجادة في نشر الاتجاه الواقعي في السينما والفن التشكيلي..كما أنه يمثل، مع كمال سليم وأحمد كامل مرسي وأحمد بدرخان، الجيل الثاني لمخرجي السينما المصرية.. الجيل الذي أرسى اتجاهات الفيلم المصري أبّان العصر الذهبي لأستوديو مصر قبل الحرب العالمية الثانية.

البـدايـة الفـــنية:

ولد "كامل التلمساني" في الخامس عشر من مايو عام 1915، في بلدة نوى في محافـظة القلـيوبية، وأنـهى دراسـته الابتدائية والثـانـوية فيها، ثم التحق بكلية الطب البيطري، ولكنه لم يكمل دراسـة الـطب، فقـد تركـها وهو في السـنة النـهائية.. تَـفـرَّغ بعدها لإرضاء ميوله وهواياته في الرسم والتصوير والقراءة والكتابة والنقد الصحفي، وذلك بعد أنهاجر مع أسرته إلى القاهرة، وتنقل بين أحياء "الصليبة" بالقلعـة و"الجـيزة" و"العباسية".

بدأت هواياته لفن الرسم والتصوير وهو في سن مبكرة، ولكنها لم تُنمِ وتصقل وتتخذ لها أسلوباً واضحاً ومميزاً إلا بعد التحاقه بكلية الطب، وبعد إطلاعه على المدارس الفنية المختلفة. كان ينطـلق في حواري القاهرة ويجوب قُـرى الريف ليرسم الفـقـراء في قاع المدينة والفلاحين في القرى.. وكانت هذه الصور والنماذج البشرية، وما تلاقيه من عذاب ومعاناة، هي الموضوع الذي يتفاعل في نفسه وينفعل معه، ومن ثم يعرضـه في صوَرِه ولوحاته.

وكامل التلمساني ذو شخصية غريبة الأطوار، كما يقول معاصره وزميله الفنان "أحمد كامل مرسي": (...شخصيته عصبية المزاج، حـادة الطبع، متوقـدة الـذكـاء، قـوية المنطق، وذلك من أثر قراءاته العديدة، وإطلاعه على كـافة المـذاهب والأفكار من اللـغات الإنجليزية والفرنسية والعربية.. لقد أكتنز قسطاً من المعلومات والمعرفة، والتي تكثـفت وتراكـمت وجـعلته يتـكلم في الفـن والأدب والفـلسـفة والـسـياسة والعـلم والـدين والمجتمع والحضارة.. يتكلم في حماس شديد، بل في ثورة عارمة في بعـض الأحيـان (....) إنه مجموعة من المتناقضات، تلتحم وتتصارع في لحظة واحدة بين جوانحه، وسرعان ما تتحول من حالٍ إلى حال.

استمر كامل التلمساني قرابة العشرة أعوام (1933- 1943) وهو يـسـاهم في إقامة معارض فنية، ويدعم اتجاهات الفن الحديث في الرسم والتصوير مثـل التـعبـيرية والسريالية والتجريدية.. ولكن المعظم الغالب من أعماله الفنية كانت تنتمي للتعبيرية، فقد كان متأثراً جداً بما تعانيه الطبقات الكادحة.. حيث جسد هذه المعانات بطريقة فـنـية مبـتكرة وخـاصـة بـه، تتـمـيز بالجـرأة الفــنية في التـعبـير، معـتمداً على تدفـُق عواطفه وأفكـاره، أكـثر من اعتماده على نقـل الـواقـع وتقـلـيده، ومتـخذاً أسـلوباً عنيفاً لا يعرف الانسجام والتنسيق، بل إنه يعتمد الألوان الصارخة والمثيرة للتعبير عن حالات النـفـس البشرية.

ضــد الفــاشــــية:

وفي هذه الفترة من حياته، تعرف التلمساني على مجموعة من فناني الطليعة أمثال: جورج حنين، رمسيس يونان، فؤاد كامل، أنور كامل.. والذين أسسوا فيما بعـد (جماعة الفن والحرية)، ومن ثم أصدروا بياناً فنياً مشتركاً بعنوان (يحيا الفن المنحط)، وهو بيان ضد الفاشية والنازية في ألمانـيا، وضـد موقفها المعـادي والـشرس من الفنانين والكتّاب التقدميين.. ثم أصدرت هذه الجماعة مجلة (التــطور) لتعبر بذلك عن أفكارهم ومبادئهم الإنسانية في مناصرة الفن والحرية.. وقـد لـعـبت هـذه الجـماعة ومجـلتـها دوراً ريادياً بارزاً في ربط الفن بالمجتمع، وكان منهج التجديد هو الأسلوب الأسـاسي والمـلـتزم لهذه الجماعة. كما لا يفوتنا أن نشير إلى أن التلمساني قد ساهم برسوماته وصوره في مجلة (مجلتي) التي كان يصدرها "أحمد الصاوي محمد"، وكانت في ذلك الوقت بمثابة المنبر الثقافي للفن الحديث.. كذلك تعرَّف على "سلامة موسى" في (المجــلة الجـــديـدة)، وانتظم بالعمل فيها، وأثبت علمياً ماهية الـفن الحـر ووظيـفته في خـدمة المجتـمع ورفـع مستوى الوعي الثقافي للطبقة العاملة. وبذلك لمع اسم كـامل التـلمـساني، وتـألق نجمه في عالم الفن والكتابة، حيث أقـام عـدة معـارض حـققت نجـاحـات كبـيرة، واستطاعت لوحاته أن تثير عاصفة من الجدل والنقاش في الأوسـاط الفنـية، وذلـك باعتبارها صـادرة من فنـان مبــدع ومـفـكر يحمل رؤية فنية متميزة ورأي حر وأسلوب خاص.

 

أخبار الخليج في

02.11.2013

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)