جديد حداد

 
 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

كامل التلمساني

( 2 )

 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

التحـــول إلى السينما:

ورغم كل هذا النجاح وهذه الشـهرة التي أحـاطت بالتـلمـساني في الثـلاثينات وبداية الأربعينات، إلا أنـه أحـس فجـأة بالـذنب في أنـه لـم يقم بالواجب الذي عليه، ولم يؤدِ الأمانة.. فقد تبين له بأن لوحاته تشترى من طبقة الأغنياء المقتدرين، ومن ثم تُـزيّن بها جدران القصور لتكون حلية وزينة ومتعة للناظرين، دون الشعور بما تنطوي عليه من تعبير عن الفقر والبؤس والعذاب.. وأحس بأنه يستقبل في المجتمعـات الـراقية بالحفاوة والترحيب، في حين أن البعد يشتد ويزداد يوماً بعد يوم بينه وبين آماله وأفكـاره، بينه وبين الجماهـير المحـرومـة والمطـحونـة.. لـذلك، وفي لحـظة خـاطـفة من الغـضب والثـورة العارمة، توقف عن الرسـم وقطـع كـل علاقـاته به، وتوجـّه إلى السينما، باعتبارها أداة هامّة للاتصال بالجماهير العريضة.. حيث بواسطتها يمكن إعادة الحوار بينه وبين الناس البسطاء، الناس الذين أحبهم وتعلق بهم وبهمومهم، منذ نشأته الأولى.

ففي عام 1943 التحق بأستوديو مصر، وبدأ مشواره السينمائي بالعمل كمساعد في الإخراج والمونتاج والإنتاج.. كما بدأ الكتابة في الـسينما، ليواصل بذلك رسالته الفنية التي بدأها في الرسم، والتي يمكن بلورتها في إن الفن العظيم هو الفن الذي ينبع من الجماهير، والفن الرديء هو الذي يصدر عن أعداء التقدم.. وهذا بالفعل ما تضمنه كتاباه (سفير أمريكا بالألوان الطبيعية ـ 1957)، (عزيزي شارلي ـ 1958).

وقـد تميز كامل التلمساني في كتاباته بالبساطة مـع شيء من الصرامة والتحديد وعدم الإلتواء في الفكر أو القول أو التعبير عما يشعر به.. هذا إضافة إلى أنه قام بتحرير باب (خلف الكاميرا) في مجلة السينما عام 1945، وذلك بعد إنجاز فيلمه الأول.

لقد أعطى كامل التلمساني للسينما المصرية عشرة أفلام كمخرج، كما اشترك مع صديقه الفنان "أحمد سالم" وعمل معه في جميع أفلامه، سواء في الإخراج أو المونتاج أو الإنتاج.

وفي عام 1960، ترك كامل التلمساني بلاده في ظروف مريرة وصعبة، إثر محاكمته بتهمة كاذبة.. مما جعله يهاجر إلى لبنان، حيث بدأ حياته من جديد هناك، واستطاع بعد معاناة، أن يصنع له مكاناً مرموقاً في الأوساط الفنية اللبنانية.. فكتب للإذاعة والتليفزيون في بيروت ولندن.. حتى انتهى به الأمر بالعمل كمستشار درامي لمنتجي السينما هناك.. كما عمل مع "فيروز و الرحبانية" كمعد للنصوص ومنسق لأعمالهم ومشروعاتهم المسرحية والسينمائية.. وفي الفترة الأخيرة من حياته، أنشأ مع شقيقيه حسن وعبدالقادر (شركة أفلام إخوان التلمساني) لعمل الأفلام الفنية والثقافية والتسجيلية.. وعاش في لبنان حتى رحيله عن عالمنا، في الثالث من مارس عام 1972، وهو في السابعة والخمسين.

إلى هنا نكون قد تعرفنا على رمز وعلامة هامة من علامات الثقافة المصرية والعربية.. تعرفنا على "كامل التلمساني" الكاتب والفنان التشكيلي والمخرج السينمائي، ولمسنا محاولاته في خلق الجديد المبتكر، والذي يكشف عن مرارة الحياة وحيرة الإنسان بين آماله وآلامه.. وإذا كانت الأكاذيب والشائعات والصحافة قد جَنَتْ على كامل التلمساني، والزملاء أغفلوه والقضاء المصري قد قسى عليه، فإن التاريخ لن يقسو عليه وسيذكره دائماً، بل وستبقى ذكراه في أكثر من مجال من مجالات الثقافة والفن.

 

أخبار الخليج في

09.11.2013

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)