نشرت هذه الدراسة في مجلة هنا البحرين على سبع حلقات

من 2 أبريل إلى 1 يونيو 1994

 
 
 
 
 
 
 
 
إضغط للذهاب إلى مهرجان الصور الخاص بالشخصية
 
       

       
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 

مخرج ومؤلف ومنتج مصري تخرج من المعهد العالي للسينما في عام 1982 هو ابن المخرج سعد عرفة و الشقيق الأكبر للمخرج عمرو عرفة كانت بدايته السينمائية عام 1987 بإخراج فيلم الأقزام قادمون من تأليف ماهر عواد، بعدها قدم فيلم الدرجة الثالثة مع النجمة سعاد حسني والنجم أحمد زكي والذي لم يلاقي نجاحاً جماهيرياً عند عرضه قام باكتشاف نجوم منهم ( محمد سعد - احمد حلمي - محمد هنيدي - كريم عبدالعزيز - احمد مكي - محمود عبدالمغني - هيثم احمدزكي - علاء ولي الدين - منى زكي - نور - سلاف فواخرجي - جمال سليمان )ويدل ذلك علي أن شريف عرفة مخرج له نظرات خاصة للفنانين المبتدئين . عمل مع كبار النجوم منذ بداياته الفنية مثل سعاد حسني وأحمد زكي وعادل أمام، كذلك قام بأكتشاف وتقديم العديد من الوجوه السينمائية الشابة المعروفة مثل علاء ولي الدين ومحمد هنيدي ومنى زكي ومحمد سعد ونور) وأحمد حلمي وهيثم أحمد زكي وغيرهم الكثيرين وكذلك أنتج العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية مثل فيلم حليم ومسلسلي تامر وشوقية ولحظات حرجة وبرنامج الناس وأنا ذلك من خلال شركة الأنتاج الخاصة به بارتنر برو وكذلك قام بإخراج العديد من الأعلانات التلفزيونية لمنتجات معروفة مثل بيبسي وشيبسي دخل شريف عرفة عالم الإنتاج التليفزيوني بقوة في عام 2006 بأنتاجه ثلاثة أعمال هي مسلسلي تامر وشوقية ولحظات حرجة وبرنامج الناس وأنا والذي شاركه في أنتاجه منتجون آخرون من مصر ومن الولايات المتحدة اخرج شريف عرفة العديد من الأفلام السينمائية الهامة في تاريخ السينما المصرية مثل طيور الظلام والناظر و مافيا و حليم

تاريخ الميلاد: 25 ديسمبر 1960

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 

 

2007 - الجزيرة

2002 - مافيا

1995 - طيور الظلام

1992 - الإرهاب والكباب

1991 - يا مهلبية يا

1991 - اللعب مع الكبار

1990 - سمع هس

1987 - الدرجة الثالثة

1986 - الأقزام قادمون

 
 
 
 
 
 
       

       
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 

مخرجنا هو المتميز شريف عرفة .. هذا المخرج الذي يعد واحداً من أبرز مخرجي السينما المصرية الجديدة.. فهو يقدم سينما ذات طابع خاص ومتميز فنياً وتقنياً. فجميع أفلامه تحمل سمات وعتاصر فنية مشتركة.. تتحلى بتلك الروح الكوميدية الفنتازية الجميلة. فالمونتاج السريع اللاهث والمحفز والموسيقى التعبيرية المشاركة في الحدث والبعيدة عن التطريب، هما أبرز العناصز الفنية التي صنعت سينما شريف عرفة .. هذا المخرج الذي بعث روحاً ودماءً جديدة في جسم السينما المصرية.

ومخرجنا شريف عرفة ليس بغريب على الوسط الفني، فهو إبن المخرج السينمائي »سعد عرفة«، وقد عمل كمساعد لوالده في معظم أفلامه الأخيرة. تخرج من المعهد العالي للسينما في القاهرة عام 1983، وإشتغل في أكثر من ثلاثين فيلماً أثناء دراسته بالمعهد، أما كمدير للإنتاج أو مخرج مساعد.

وقد كان باكورة أعمال شريف عرفة كمخرج عام 1986، مع زميله السيناريست »ماهر عواد« ـ خريج نفس الدفعة ـ بفيلم (الأقزام قادمون)، وكان الأول لكليهما. فقد قدما فيه تجربة جديدة وجريئة، إتضحت ملامحها في قدراتهما على خلق أفضل الأجواء الفنية التي تضع المتفرج في عمق الأحداث. وذلك من خلال حكاية بسيطة ولغة سينمائية سهلة وذكية في نفس الوقت. فقد جاء توظيف مجتمع الأقزام موفقاً ويخدم فكرة الفيلم، بعيداً عن أي إسفاف أو تهريج. أما الفكرة العامة لفيلم (الأقزام قادمون) فهي إدانة واضحة لمجتمع الإستهلاك، وتدور حول مافيا الإعلانات التجارية التي تسعى الى تجميل ذلك الزيف الذي يحيط بالمستهلك.

وفي فيلمهما الثاني (الدرجة الثالثة - 1987) يقدم شريف عرفة وزميله ماهر عواد رؤية فانتازيا حول ذلك الصراع التقليدي الذي يدور بين مافيا المجتمع وبين الناس البسطاء.. الذين يحبون بعفوية ودون حدود ومن غير مقابل. ويقدمان هذا الصراع في صيغة مبتكرة وأسلوب فانتازي ساخر. وذلك من خلال تلك العلاقة مابين جمهور الدرجة الثالثة لكرة القدم البسطاء وبين أفراد المقصورة الرئيسية المرفهين ذوي السلطة والنفوذ.. تلك العلاقة التي تتطور وتتوتر متخذة شكل العلاقة بين الحاكم والمحكوم.

ولأن شريف عرفة ـ في السينما التي يقدمها ـ يحاول طرح شكل فني جديد ومبتكر، أكثر من إهتمامه بالفكرة والمضمون، مع وعيه التام بأن الشكل الفني هو الذي يزيد من قوة المضمون في كثير من الأحيان، فهو بذلك في فيلمه الثالث (سمع .. هس - 1990) ـ مع ماهر عواد أيضاً ـ يقدم شكلاً مبتكراً لمضمون هو مزيج من الكوميديا الإجتماعية الخفيفة والفانتازيا الإستعراضية. ففي هذا الفيلم يقدم الثنائي (عرفة/عواد) نموذجاً لذلك الظلم الإجتماعي الواقع من كبار اللصوص على صغار الشرفاء. وذلك في تناولهما لقصة حمص وحلاوة وقضية سرقة أغنيتهما من قبل الملحن المشهور غندور.

وفيلم (سمع.. هس) الذي إعتبره المخرج خيري بشارة بداية فعلية لعصر جديد للسينما المصرية، فيلم يستحق هذا التقدير فعلاً. فهو فيلم جديد في ترميبته للسيناريو، حيث يقوم بتعرية المجتمع بأسلوب ساخر لا يعتمد الميلودراما البكائية كأداة توصيل، وإنما يعتمد الغناء والإستعراض الحركي النابض. وهو أيضاً جديد في إخراجه، حيث تميز بجمال التكوين من خلال الكاميرا الشاعرية المتحركة والمثيرة ذات الإيقاع السريع والاهث لكشف ذلك الصراع الدائر بين حمص وحلاوة من جهة وغندور وأعوانه من جهة أخرى.

أما في (اللعب مع الكبار - 1991)، وهو الفيلم الرابع لشريف عرفة، فيقدم فيه سينما جميلة متكاملة، ويؤكد من خلاله رؤيته الإخراجية الخاصة به كمخرج، التي صبغت أفلامه السابقة وستكون أكثر وضوحاً في أفلامه اللاحقة.

وفيلم (اللعب مع الكبار) يتحدث بشكل عام عن ذلك العبث الإقتصادي والإجتماعي بمصائر البشر. ذلك العبث الذي يقوم به كبار المستغلون بحق الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة، وعاجزين عن مواجهة هذا الإرهاب الواقع عليهم. في (اللعب مع الكبار) ينجح شريف عرفة من تقديم فيلم جماهيري ذو مستوى فني جيد، يرقى بذوق المتفرج والناقد على السواء. حيث توافرت لهذا الفيلم ثلاثة عناصر فنية متجانسة، بل ونتألقة أيضاً. فبالإضافة الى نبض شريف عرفة الخاص في الإخراج، كان هناك جرأة »وحيد حامد« كاتباً للسيناريو ومنتجاً للفيلم. ثم شعبية عادل إمام كنجم جماهيري خارق للعادة.. والذي جاء أداؤه مختلفاً، صادقاً وحيوياً في هذا الفيلم. وقد جنى هذا التفاعل الفني بين الثلاثي (عرفة/ حامد/ إمام) ثماراً خصبة، وفيلماً يعد من بين أهم ما أنتجته السينما المصرية في السنوات الأخيرة.

بعدها، بعود شريف عرفة لزميله السيناريست ماهر عواد ليقدما معاً فيلم (يامهلبية.. يا - 1991). وهو دراما إجتماعية سياسية في قالب كوميدي إستعراضي ساخر.. يطرح رؤية فانتازية خاصة لشكل النضال في فترة الأربعينات، وذلك من خلال سيناريو خلاق مدروس بعناية ودقة، قائم على البناء التركيبي للزمن. حيث نشاهد فيلم داخل فيلم، ونتابع أحداثاً تقع في الأربعينات وأخرى تقع في الوقت الحاضر. ومن خلال مزج جميل ومونتاج متناغم، ننتقل من الحاضر الى الماضي وبالعكس ضمن إستعراضات منسجمة تماماً ومضمون الفيلم، تميزت بموسيقى »مودي الإمام« التعبيرية وكامات بهاء جاهين التي لا تكرر المعنى البصري، بل تساهم في نمو الحدث الدرامي.

وفي فيلم (الإرهاب والكباب - 1992) يكرر شريف عرفة تجربته السابقة والناجحة مع الثنائي (عادل إمام/ وحيد حامد)، ويقدم من خلال هذا الفيلم دراما إجتماعية كوميدية، يمكن وصفها بالفانتازيا السياسية. علماً بأن أحداثها لا تبتعد كثيراً عن الواقع.. أي أنها ممكنة الحدوث. ففكرة الفيلم تحمل الكثير من المعاني الزاخرة بالمفاهيم والقيم الإجتماعية والساسية، صاغها المؤلف والمخرج بأسلوب كوميدي ساخر، لم يفرغ هذه القيم ـ بالطبع ـ من محتواها، بل ساهم في البحث عن المنطق الإجتماعي للشخصيات.

ومع نفس الثنائي (إمام/ حامد)، يقدم شريف عرفة فيلم (المنسي - 1993). وهو عمل ناعم تدور أحداثه خلال يوم واحد، ويتناول في معالجة بسيطة وقوية الصراع بين رجل أعمال فاسد ومتسلط، يريد تقديم سكرتيرته كضحية لتاجر ثري لإنهاء صفقة تجارية مهمة بالنسبة له، وبين شاب فقير وبسيط وضعته الظروف في طريق هذه الفتاة، ويسعى لإنقاذها متحدياً رجل الأعمال وحراسه بدون مقابل. ويقدم شريف عرفة في هذا الفيلم لمحات فانتازية حالمة أخاذة، تؤكد مهارته كمخرج.

ومن خلال متابعتنا لأفلام شريف عرفة، تبرز أمامنا خصائص ومميزات فنية واضحة، ميزته كمخرج عن بقية مخرجي جيله. فبالإضافة الى ذلك الحس الفانتازي الكوميدي، فقد إشتركت أفلامه في قيمة رئيسية واحدة، ألا وهي مواجهة الفرد أو الفريق الضعيف لقوى أكبر منه نفوذاً وتسلطاً، ثم إدانة هذا النفوذ والتسلط. هذا بالرغم من أن أفلامه تحوي مضامين بسيطة، بل عادية ليس فيها أي تجديد. وربما تكون هذه نقطة الضعف الأساسية في هذه الأفلام، إلا أن شريف عرفة يتجاوز هذا الضعف بإعتماده ـ في جميع أفلامه ـ شكلاً فنياً مبتكراً ومحدداً، يبعده عن سينما المشاعر، التي تعودها المتفرج في الأفلام المصرية.

إن شريف عرفة يعتمد الكوميديا ليس للإضحاك أو للتهريج، وإنما بإعتبارها أقرب الى تحريك ذهن المتفرج. فالكوميديا تجعل المتفرج يستدعي أو يربط علاقات وليس مشاعر.. عندها يحاول التفكير أكثر من الشعور، وإذا ما فكر المتفرج في الفيلم إبتعد بالتالي عن الإندماج الكامل فيه، وبدا له في صورة أوضح وأدق. من هنا يأتي سبب ذلك الشعور من البعض بأن أفلام شريف عرفة لا تعيش طويلاً في داخلهم. إنما في الحقيقة لا يمكن للمتفرج أن يمنع نفسه بالتفكير فيها بعد مشاهدتها، وربما هذا ما سعى إليه المخرج.

أما بالنسبة لأدواته الفنية والتقنية، فشريف عرفة يعطي إهتماماً كبيراً للمونتاج، ويستخدمه بشكل ملفت ومبتكر، هذا إضافة الى الموسيقى التصويرية (للموسيقي الموهوب مودي الإمام)، والتي أصبحت علامة مميزة في جميع أفلامه. وذلك بقدرتها على التأثير في الحدث الدرامي والتأثير في المتفرج بحيويتها وعنفوانها.

كما يحرص شريف عرفة على إختيار فريقه الفني ويصر عليه. لذلك نلاحظ أسماء تتكرر في جميع أفلامه، مثل: ماهر عواد، وحيد حامد، مودي الإمام، محسن أحمد، عادل منير. وفي إعتقادنا بأن هناك حسنة هامة ساعدته كثيراً على تنفيذ ما يدور في ذهنه، دون الرضوخ لمتطلبات السوق السينمائي وعجلة الإنتاج التقليدي، ألا وهي أن أفلامه كانت ـ في معضمها ـ من إنتاج فنانين (ممدوح عبد العليم ـ ليلى علوي - وحيد حامد).

وأخيراً.. لا يسعنا إلا التأكيد على أن الأسلوب السينمائي الذي إتخذه المخرج شريف عرفة ـ ومن تعاون معه ـ هو الأسلوب الفني المرشح لأن يأخذ حيزاً ومكاناً بارزاً في السنوات القادمة. حيث بدا ذلك واضحاً ـ منذ الآن ـ في أعمال المخرج خيري بشارة (كابوريا ـ آيس كريم في جليم ـ أمريكا.. شيكا بيكا ـ قشر البندق).. وكذلك عند المخرج محمد خان في فيلم (مستر كاراتيه).. وعند المخرج داود عبد السيد في فيلمه الأخير (سارق الفرح).

 

* * * *

 

الأقزام قادمون

1986

فيلم (الأقزام قادمون - 1986)، هو باكورة أعمال المخرج الموهوب (شريف عرفة). بطولة خمسون قزماً شاركوا ليلى علوي ويحيى الفخراني وجميل راتب. وكتب سيناريو الفيلم ماهر عواد، وصوره طارق التلمساني.

تدور أحداث هذا الفيلم الجرىء حول رجل الإعلانات شهاب (يحيى الفخراني) الذي حقق وضعاً إجتماعياً وشهرة عريضة في هذا المجال. إلا أنه يشعر بزيف حياته وكذب بريقها، خصوصاً عندما يحترق محل ديسكو (كان قد نفذ له إعلاناً) في يوم إفتتاحه، ليكون هذا الحادث دافعاً لأن يبتعد عن مجال الإعلانات، ويلقي نظرة من جديد على حياته هو وزوجته ناني (ليلى علوي) موديل إعلاناته. لذا يقرر القيام بإجازة يقضيها في شاليه يملكه في الإسكندرية. وهناك يلتقي بالقزم شيكو بائع الآيس كريم، الذي سبق وعمل معه في عدد من إعلاناته. يعجب شهاب بإرادة شيكو، عندما قرر ترك الإعلانات والعودة الى عربة الآيس كريم. حيث يتعرف من خلاله على عالم الأقزام ويزور قريتهم ويعجب ببساطة حياتهم وصدقها.

هنا تبدأ لحظة الإكتشاف والتنوير عند شهاب، فمن خلال معايشته لعالم الأقزام، هذا العالم الذي على الرغم من إستضعافه من قبل الآخرين إلا أنه عالم يعيش فيه قوم متحابون يفعلون مايحلو لهم ويستطيعون العيش في سعادة لم يستطع وهو الإنسان السوي تحقيقها، سواء في منزله أو في عمله، على الرغم من أنه مخرج إعلانات مشهور، حيث يجد نفسه مجبراً على الدعاية والإعلان لسلع لا يحبها، بل ويشعر بزيفها.

وعندما تتحقق لحظة التنوير هذه، ينخرط شهاب بحماس في هذا العالم الجديد عليه، بل ويساهم دون أدنى تردد في حل مشكلة الأقزام المزمنة، وهي إسترجاع ملكية قطعة الأرض التي يعيشون عليها، والتي يدعي رضوان بيه (جميل راتب) ملكيته لها. وينتهي الفيلم بعد أن ينجح الأقزام ومعهم شهاب في إسترجاع ملكية الأرض، ويخرج هو أيضاً من أزمته النفسية، ليعود الى الحياة التي يحلم هو بها.

يستمد فيلم (الأقزام قادمون) فكرة موضوعه، بالتركيز على واحدة من المهام الوظيفية المؤثرة في محيط المجتمع، حيث العلاقة التي لا تنتهي بين مصمم الإعلانات التجاري والإعلان نفسه بمجرد أن يقبض أتعابه. وماذا لو تبين بأن البضاعة التي روج لها مصمم الإعلان وأبدع في الإعلان عنها، هي بضاعة فاسدة أو هي دون مستوى الإعلان نفسه؟ ألا يكون قد ساهم فعلياً في تزييف الحقيقة؟ ثم ما هو مدى المسئولية التي يتحملها؟! جميعها أسئلة طرحها الفيلم وحاول جاهداً البحث عن إجابات واضحة عليها.. إجابات أدان من خلالها الكذب والغش والتحايل والتزييف في ظل ظروف إجتماعية معينة، تتحرك في إطار ما هو مسموح.

منذ البداية تتضح لنا قدرة المخرج وكاتب السيناريو على خلق أفضل الأجواء الفنية التي تضع المتفرج في لب الأحداث، وذلك من خلال لغة سينمائية تتسلسل فيها اللقطات في مشاهد (الفلاش باك) بعفوية مقصودة لنتعرف على الشخصيات والأحداث التي وصلت الى ذروتها مع دخول الأقزام في حياة شهاب.

لقد إستغل المخرج شريف عرفة أقزام فيلمه لتحقيق المعادلة الصعبة، فجاء توظيفه لمجتمع الأقزام جيداً يخدم فكرة الفيلم، بعيداً عن التهريج، بل أعطاها أبعاداً وإسقاطات رمزية تنطبق على المجتمع ككل، وليس على مجتمع الأقزام فقط.

قدم شريف عرفة مستوى فني وتقني جيد ومبتكر، إعتمد فيه كثيراً على الصورة، حيث قدم كادرات جمالية موحية ومؤثرة تحت إدارة الفنان طارق التلمساني. كما إعتمد أيضاً على المونتاج المتدفق الذي لعب دوراً بارزاً في الإرتفاع بمستوى الفيلم، وجاء ليخدم الإيقاع العام للفيلم بمنتهى الحساسية، خاصة في مشاهد (الفلاش باك) والإنتقال من الحاضر الى الماضي والعكس، ثم الدخول الى لب الحدث مباشرة، بعيداً عن الوسائل التقليدية البالية. وقد جاء (الفلاش باك) سريعاً مركزاً لم يقطع تدفق الأحداث، بل ويؤكد نجاح السيناريست والمخرج في أولى تجاربهما الفيلمية.

 

* * * *

 

الدرجة الثالثة

1987

مرة أخرى مع المخرج شريف عرفة، وفيلمه الثاني (الدرجة الثالثة - 1988). وقد عرض هذا الفيلم، بعد أن سبقته دعاية واسعة، بدأت قبل شهور طويلة من بدء الإعداد له. فالفيلم يجمع ـ وللمرة الثانية ـ ما بين النجمة الكبيرة سعاد حسني والنجم الأسمر أحمد زكي.. إلا أن هذا لم يشفع للفيلم عند الجمهور المصري. فقد واجه (الدرجة الثالثة) كساداً غير متوقع في دور العرض المصرية، علماً بأن الفيلم قد عرض في موسم عيد الأضحى، وهو موسم من بين أهم المواسم السينمائية التي ينتهزها المنتجون لتحقيق أكبر عائد مادي وتجاري.

فقد راهن صناع الفيلم على وجود موضوع جماهيري بين أيديهم يتحدث عن كرة القدم وجماهيريتها، وهي اللعبة الأكثر شهرة بين فئات المجتمع. هذا إضافة الى ـ ماسبق وذكرنا ـ وجود نجمين كبيرين لدعم هذا الموضوع، كما رصد للفيلم ميزانية ضخمة. كل هذه الأسباب جعلت صناع الفيلم يتفائلون بالنجاح الجماهيري للفيلم. لذا جاءت النتيجة مفاجأة غير متوقعة تماماً.. حتى أن الفيلم لم يستطع الصمود وتحقيق مردود يذكر في أسبوعه الأول.

فكرة الفيلم التي، الذي كتبها السيناريست ماهر عواد، تدور حول الصراع ما بين مافيا المجتمع وبين الناس البسطاء العاديين الذين يحبون بتلقائية ويعطون ويخلصون من دون حدود ودون مقابل. وسيناريو الفيلم يناقش مشاكل الكرة والنادي واللاعبين والجمهور الكروي.. لكنه أيضاً يتخذ من كل هذا بعداً سياسياً مباشراً وموازياً للأحداث.

إن الفيلم يبلور العلاقة بين جمهور الدرجة الثالثة الكادحين وبين رواد المقصورة الرئيسية المرفهين.. الأولين يتحملون حرارة الشمس وبرودة الشتاء من أجل تحميس الفريق وفوزه، والآخرين نراهم يجلسون في المقصورة المريحة مستفيدين من نفس الإنتصارات والفوز الذي يحققه الفريق. وعندما يحاول جمهور الدرجة الثالثة الحصول على بعض الإمتيازات والحقوق، يثور عليهم السادة ويدخلون معهم في صراع يستمر طوال أحداث الفيلم، ويتصاعد لتتوتر العلاقة فيما بين الطرفين متخذة شكل العلاقة بين السيد والمسود.. بين الحاكم والمحكوم.

يتم إختيار سرور (أحمد زكي) ليكون همرة الوصل بين طرفي الصراع، وهو الإنسان البسيط الساذج الذي يستغل من قبل إدارة النادي.. الى أن تحدث لحظة التنوير للبطل، الذي تم إختياره من قاع المجتمع، والذي مع الوقت يصدق نفسه فرحاً بوضعه الجديد هذا. إلا أنه وبمساعدة زوجته نعناعه (سعاد حسني) وأصدقائه يكتشف أن لهذا التغيير ثمناً لابد أن يدفعه.. هنا تبدأ لحظة التنوير.

صحيح بأن فكرة الفيلم هادفة، إلا أن هذا لا يكفي لإنقاذ الفيلم وإعطائه صفة الجودة. فقد وقع السيناريو في أخطاء وسلبيات فيما يتعلق بالبناء والحبكة والسرد الدرامي. فالسيناريو في في ثلثيه الأخيرين جاء تقليدياً وفقد الكثير من عناصره الجيدة والحيوية التي بدأ بها. فقد تضافرت عناصر الفيلم (تصوير ومونتاج وموسيقى وإخراج) في الثلث الأول وأعطت مشاهد تميزت بالقوة والجمال الفني.. كما في المشهد الإفتتاحي قبل ظهور العناوين، والذي لعبت فيه الموسيقى والمونتاج دوراً هاماً في التأثير على المتفرج وإبهاره بالفكرة الجديدة والمبتكرة. ولكن بشكل عام لم تتجاوز المواقف والأحداث ذلك السرد الدرامي التقليدي، وحتى السلذج في بعض المشاهد. حيث تذكرنا بنفس الطرق البدائية في التفكير، والتي كانت سائدة في الستينات لصنع الأفلام الهادفة، وهي التي عبرت عن فترات التحولات السياسية والإقتصادية الصاخبة.

أما بالنسبة للإخراج، فقد حاول المخرج جاهداً إنقاذ السيناريو من تلك السذاجة التي سيطرت على البناء السردي فيه. هذا بالرغم من أن الإيقاع جاء متذبذباً مابين السرعة والبطء والتشويق والإملال. فقد قدم شريف عرفة مستوى فني جيد يتميز بلمحات إخراجية جمالية ذكية.. هناك مثلاً المشهد الفنتازي لإجتماع جمعية حبايب النادي في وسط الملعب.. ومشهد حفل زفاف سرور ونعناعة في النادي.. هذا إضافة الى المشهد الختامي، حيث البراعة في التنفيذ والسيطرة على مجموعة العناصر الإخراجية. وبشكل عام، إحتوى الفيلم على الكثير من المشاهد واللقطات المدروسة بعناية، ساهمت كثيراً في الإرتقاء بالصورةالسينمائية وإعطائها أبعاداً جمالية فنية معبرة.. وقد كان لوجود مدير التصوير (محسن نصر) بخبرته الطويلة دوراً فعالاً في تجسيد كل ذلك. كما ينبغي الإشارة الى موسيقى (مودي الإمام)، والتي ساهمت بشكل مؤثر وموحي في التعليق على الأحداث الدرامية وإثراء المجال السمعي والبصري في نفس الوقت.

 

* * * *

 

سمع هس

1990

في (سمع هس) يقدم شريف عرفة شكلاً فنياً جديداً ومبتكراً، لموضوع هو مزيج بين الكوميديا الإجتماعية والفنتازيا الإستعراضية. وهو الفيلم الذي إعتبره المخرج خيري بشارة بداية فعلية لعصر جديد للسينما المصرية.. إنه حقاً فيلم يستحق هذا التقدير باعتباره جديداً في كل شيء.. فهو جديد في كتابته، إذ يقوم بتعرية المجتمع بأسلوب ساخر لا يعتمد الميلودراما البكائية وإنما السخرية والغناء والإستعراض الحركي النابض.. وجديد في إخراجه، حيث يمتاز بجمال التكوين البصري ورشاقة الكاميرا المتحركة والمثيرة ذات الإيقاع السريع اللاهث وراء ذلك الصراع بين الشخصيات.

يحكي الفيلم عن حمص (ممدوح عبد العليم) وحلاوة (ليلى علوي)، وهما نموذجان للفقراء البسطاء القانعين، ويعيشان على هامش حياة يومية صعبة مليئة بعقبات لا تنتهي.. نراهما مطاردين دوماً لسبب أو دون سبب.. أما الشيء الوحيد الذي يملكانه ـ الى جانب الصدق والحب ـ فهو أغنيتهما التي يتغنيانها في السيرك والأفراح وفي كل مكان يتواجدان فيه.. وهي أيضاً مصدر رزقهما الرئيسي. ويحدث أن يسرق لحن أغنيتهما هذه وينسب الى آخرين أغنياء وذوي سطوة اعلامية، حولوا اللحن البسيط الى أغنية وطنية تكسب إحترام الجميع، على الرغم من لحنها المسروق.

في (سمع هس) يقدم الثنائي شريف عرفة/ ماهر عواد نموذجاً لذلك الظلم الإجتماعي الواقع من كبار اللصوص على صغار الشرفاء، وذلك من خلال عرضهما لشخصيتي حمص وحلاوة، وقضية سرقة لحنهما من قبل المغني غندور (حسن كامي). ويمتاز هذا الفيلم بأنه لا يروى، شأنه في ذلك شأن كل الأفلام التي تخاطب العقل والوجدان.. حيث لا تكفي روايته بل يجب أن يسمع ويشاهد، فبالرغم من بساطة فكرته، إلا أن مخرجه إستطاع أن يجعل القضية التي يطرحها تتسرب الى عقل المتفرج ووجدانه ليتفاعل معها بهدوء ودون صخب، حيث كان من السهل على أي مخرج آخر أن ينزلق في معالجته لموضوع كهذا الى مزالق الخطب النانة والحوار الزاعق.

لقد نجح السيناريست عندما مزج ـ في صياغته للأحداث ونسيجها الداخلي ـ بين الحس الدرامي والتعبير الموسيقي. فنراه يقترب بذلك من هموم البسطاء ويدخل عالمهم من أوسع الأبواب، ليعلن عن واحدة من قضاياهم التي لم تصل الى المحاكم ولم يناقشها قضاة، بالرغم من أنها إخترقت المسامع وتداولتها الألسن بالشفقة حيناً والسخرية والستهتار في أحيان كثيرة. فالسيناريو يغوص داخل أعماق القضية من جانب فني، متجاوزاً ممنوعات الرقابة.. وذلك عندما إختار عالم الفن الواسع مدخلاً الى قضية ثرية كهذه، مسلطاً الأضواء حولها عبر رؤية جادة ومبتكرة، فيها دعوة واضحة للتصدي وعدم القبول بالواقع الذي فرضه قادرون.

إن الإستعراض الغنائي في فيلم (سمع هس) بشكل عام جاء معبراً ويشكل جزءاً هاماً من نسيج العمل الدرامي، وليس مقحماً على الأحداث.. وهو أيضاً إستعراضاً له كل مقومات الإستعراضات الناجحة، من دقة في التكوين الجمالي للكادر، وسرعة في الإيقاع، وتناسق في الأداء الحركي. هذا إضافة الى ذلك التفاعل والإنسجام فيما بين شريط الصوت والصورة السينمائية.. فالأغنية الوطنية مثلاً قد قدمت نقداً لبعض سلبيات المجتمع بشكل كوميدي طريف.. فبينما كان الصوت يردد (سندافع عنك يا وطن ونحميك....)، كانت الصورة تقدم لنا رجالاً في المقاهي يلعبون ويدخنون الشيشة شاردين في عالم آخر، غير آبهين لمن يسرق من. ومن الصور البصرية المعبرة التي قدمها المخرج للتعبير عن حالة بطليه وأزمتهما، إنتقاله بالكاميرا مباشرة ـ بعد موقف سرقة اللحن منهما ـ الى مبنى قبر الجندي المجهول، حيث إقتربت الكاميرا مركزة على عبارة (الجندي المجهول) تأكيداً على حقهما في اللحن، وتأكيداً على وجود جنود مجهولين آخرين في مختلف المستويات. ومن الإستعراضات البارزة في الفيلم، إستعراض الفلوس، والذي يمثل حلم البطلين. وقد جاء تنفيذه جيداً، تمازجت فيه ألحان مودي الإمام وموسيقاه الدرامية المؤثرة مع كلمات بهاء جاهين المعبرة، وخطوات الراقصين الإيقاعية الرشيقة مع إضاءة محسن أحمد الدرامية ومونتاج عادل منير الراقص، إجتمعت جميعاً لتخرج لنا مشهداً قوياً وراقياً، نجح شريف عرفة في تجسيده. كما لا يفوتنا الإشارة الى إستخدام المخرج الموفق لاحدى الفرق الشعبية للتعليق على الأحداث، سواء بالعزف على الربابة وحدها تعبيراً عن تصاعد الأحداث، أو بالغناء الشعبي الذي يعلق فيه مطرب الربابة على ما يجري أمامه من أحداث.. وقد جاء هذا الإستخدام في بناء درامي قوي ومتماسك.

إن (سمع هس)، إضافة الى ما قدمه من شكل فني جيد ومبتكر، يعد بمثابة إعادة إكتشاف لطاقات ممثليه الأدائية، خاصة بطليه.. فالفنان ممدوح عبد العليم إنتقل بدوره في هذا الفيلم من مجرد ممثل لامع على شاشة التليفزيون الى نجم سينمائي شامل، يمثل ويرقص ويغني، وقد أجاد في جميعها. كذلك ليلى علوي التي كانت في نظر غالبية المتفرجين مجرد وجهاً جميلاً فقط، أصبحت بهذا الدور ممثلة تمتلك قدرات أدائية وتعبيرية تلقائية صادقة، إضافة الى المرونة في الجسم رغم إمتلائه.

 

* * * *

 

اللعب مع الكبار

1991

في فيلمه (اللعب مع الكبار - 1991)، يقدم المخرج شريف عرفه سينما جميلة متكاملة، ويؤكد من خلاله رؤيته الإخراجية الخاصة. كما ينجح في تقديم فيلم جماهيري ذو مستوى فني رفيع، يرقى بذوق المتفرج والناقد على السواء.

في (اللعب مع الكبار) توافرت ثلاثة عناصر فنية هامة، بل أنها تألقت أيضاً، فبالإضافة الى نبض شريف عرفه الخاص، كانت هناك شعبية عادل إمام (النجم الأوحد)، ثم جرأة وحيد حامد كاتباً للسيناريو ومنتجاً للفيلم. وإن هذا التفاعل الفني بين الثلاثي (عرفه/ إمام/ حامد) قد أنتج ثماراً خصبة وفيلماً يعد من بين أهم ما أنتجته السينما المصرية في السنوات العشر الأخيرة.

والفيلم كفكرة، يتحدث عن ذلك العبث الإقتصادي والإجتماعي بمصائر البشر، والذي يقوم به المستغلون الكبار بحق الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة في مواجهة هذا الإرهاب الواقع عليهم. 

يحكي الفيلم عن حسن بهلول (عادل إمام) كنموذج للإنسان البسيط الذي أجبرته ظروف الحياة على أن يعيش حالة البطالة، فهو لا يعمل ولا يستطيع حتى الزواج من خطيبته (عايدة رياض)، ويحاول أن يعيش حياته التي يصبغها بعبثية جميلة، معتمداً على قدراته وخبراته في الحياة. واقعه مظلم وآماله محطمة، إلا أنه يملك قدراً كبيراً من الحب والإحساس بالمسئولية تجاه وطنه.

تبدأ أحداث الفيلم عندما يجري حسن إتصالاً بجهاز أمن الدولة، ويتحدث الى الضابط (حسين فهمي) ليبلغه عن توقيت حريق سيحدث في أحد المصانع في اليوم التالي. وعندما يسأله الضابط عن كيفية معرفته بذلك، يبلغه حسن بأنه شاهد الحادث في الحلم. وبالفعل يقع الحادث، لتبدأ علاقة من نوع خاص بين حسن والضابط. وتتعدد الحوادث التي يشاهدها حسن في الأحلام (يعمد المخرج لتكرار مشهد إستيقاظ حسن من النوم للإيحاء بشيء ما) وفي كل مرة يصدق حسن فيما يقوله للضابط. عندها يتعرض حسن لضغط وتعذيب نفسي وجسدي عندما يتم تحويله الى ضابط آخر (مصطفى متولي) للتحقيق معه، ولكنه يصر على الصمت وكتمان أسراره ومصدر معلوماته حتى يعود لصديقه الضابط الذي بدوره يكن حباً حقيقياً لحسن. وتنتهي الأحداث عندما يتم إلقاء القبض على عضو مجلس الشعب (أحمد عقل) لإستغلاله حصانته البرلمانية لتهريب المخدرات، حيث يكتشف الكبار بأن موظف سنترال الهاتف (محمود الجندي) هو الذي أفسد صفقتهم هذه، والذي يستقي منه حسن بهلول معلوماته. فيقرر الكبار التخلص من حسن بهلول وصديقه، لتبدأ بذلك أجمل مشاهد الفيلم، وذلك في محاولة حسن الفاشلة لإنقاذ صديقه عندما يصل متأخراً. ففي المشهد الأخير (داخل السنترال) يمسك الضابط بمسدسه بينما يصرخ حسن بهلول بأنه سوف يواصل حلمه ولن يتوقف عن الحلم، مؤكداً على مواصلة المشوار في كشف صور الفساد بالحلم بواقع أفضل، الى أن يسمع صوت رنين الهاتف في النهاية ليكون بمثابة إنذار للمتفرج.

إن فيلم (اللعب مع الكبار) بالرغم من أحداثه الواقعية، إلا أنه يحلق بنا بين الحين والآخر وينطلق الى آفاق وفضاء الخيال والفانتازيا الرحبة، ونلمس ذلك في حوار وحيد حامد الذكي واللماح وكاميرا شريف عرفه الشاعرية وأداء عادل إمام الأخاذ. فعادل إمام في هذا الفيلم مختلف.. صادق وحيوي، يؤدي دوره بحميمية شديدة ينفذ بها الى مشاعر المتفرج وعقله بسهولة.. فقد شاهدناه فناناً يعرف كيف يصل بأدائه وتعبيرات وجهه الى معنى الجملة التي ينطق بها. أيضاً وصل حسين فهمي الى الذروة في أدائه، هذا بالرغم من أن الشخصية التي أداها ليس لها ملامح درامية حادة، ولهذا فإن قدرته على التواصل مع المتفرج تنبع من صدقه في التعبير الأدائي.

والفيلم بشكل عام يزخر بمناظر رائعة للقاهرة، خصوصاً في الليل، إستطاع شريف عرفه كمخرج أن يقدمها بصدق من خلال عين مدير التصوير محسن نصر. هذا بالإضافة الى ديكورات نهاد بهجت ذات التصميمات البسيطة والمعبرة وذات الألوان المنسجمة. كما يتميز (اللعب مع الكبار) أيضاً بذلك الإيقاع السريع والمدهش، الذي جعل المتفرج مشدوداً حتى آخر لقطة من الفيلم.

 

* * * *

 

يا مهلبية يا

1991

في فيلمه الخامس، يعود مخرجنا شريف عرفه إلى زميله السيناريست "ماهر عواد" ليقدما (يامهلبية.. يا - 1992). وهو باكورة إنتاج الفنانة ليلى علوي، ويشاركها البطولة هشام سليم، عبد العزيز مخيون، أحمد راتب، حسن كامي أحمد أدم، أشرف عبد الباقي، علاء ولي الدين، صلاح عبد الله.

والفيلم عبـارة عن دراما اجتماعية سياسية في قـالب كوميدي استعراضي يطرح رؤية فانتازية خاصة لشكل النضال في فترة الأربعينات، وذلك من خلال سيناريو جذاب ومدروس بدقة وعناية، قائم على البناء التركيبي للزمن، حيث أننا نشاهد فيلما داخل فيلم، ونتابع أحداثا تقع في الأربعينات وأخرى تقع في الوقت الحاضر. ومن خلال مزج جميل ومونتاج متناغم، ننتقل من الحاضر إلى المـاضي وبـالعكس، وتتخلـل الأحداث أغاني واستعراضات منسجمة تماما ومضمون الفيلم، بل وتضيف كثيرا إلى الأحداث، إذ تميزت بموسيقى مودي الإمام التعبيرية والبعيدة عن التطريب، وكلمات بهاء جاهين المساهمة في نمو الأحداث. 

وفى فيلمهما هذا، يحـاول الثنائي عرفة/ عواد أن يقدما بصدق تجربة شبه ذاتية عن معاناة السينمائيين الجدد، حيث يبدأ الفيلم بمشهد يصور أحد المخرجين (عبد العزيز مخيون) يتحدث لصديقه المؤلف (أحمد راتب) عن مدى إمكانية تحقيق حلمهما وإنجاز باكورة تجاربهما السينمائية وإخراجها إلى النور، فيبدو أن من أهم العقبات الأساسية التي تعترض طريقهما هي توفير أستوديو مناسب وغير مكلف للتصوير فيه، ولان المخرج (مخيون) يرث من خاله مخزن دقيق، فهو يقرر أن يبيعه للمليونير سيد بعكوك (احمد عقل) للاستفادة من ثمنه، ولكن وفى لحظة تجل يجد المؤلف (راتب) نفسه وقد أمسك بعصا طويلة وفي مؤخرتها لفافة من الخيش ليمسح يافطة المخزن ويكتشف بأنه كان مقرا لأستوديو سينمائي قديم، لذا يتراجع المخرج عن البيع ليصور فيه فيلمه، فيحدث شجار سريع بينه وبين المليونير "بعكوك" بسبب تراجعه عن بيع المخزن. 

وتتواصل أحداث الفيلم، الذي يصور داخل الفيلم، بعد البحث عن أبطال مناسبين للفيلم داخل الفيلم، وبعد معاناة يعثر المخرج علي بائعة هوى (ليلى علوي) لتكون بطلة فيلمه، ومن بعدها يتم اختيار أبطال الفيلم الآخرين ويبدأ تنفيذ الفيلم من خلال وجود الراقصة (مراهم) خالة (عناب) بطلة الفيلم كزعيمة وطنية تحث حاشيتها واتباعها على النضال ضد الاستعمار والملكية كتجسيد فانتازي سافر لشكل النضال في الأربعينات. بعدها يقرر المخرج (مخيون! إنهاء دور هذه الراقصة بعد انتهـائها من تقـديم آخر استعراضاتها، لتموت وهى توصي ابنة شقيقتها عناب (ليلى علوي) ومليم (هشام سليم) الصعلوك وماسح الأحذية الانتهازي، ومجموعة أخرى من الشباب الضائع، بضرورة الاستمرار والنضال ضـد الاستعمار والملكية. وبعد وفاتها تصبح (عناب) هي الزعيمة الجديدة، ويصبح الشعار الجديد (الله - الوطن - عناب) هو شعار (مليم) ورفاقه الأربعة الذين تطوعوا للنضال بمفهومهم الهش له. 

وتتداخل الأحداث بين الحاضر والماضي، بين المشاهد التي يصورها المخرج (مخيون) واللقطات التي تظهره وزميله المؤلف، حيث تعترض التصوير من آن لآخر منغصات ومشاكل، منها ظهور عم عبيد (محمد يوسف) المختبئ داخل مخزن الدقيق (الأستوديو)، وكأنه سقط من الزمن ومازال يعيش على أمل اللحظة التي يقتل فيها الملك، بالرغم من أن هذه اللحظة تأخرت نصف قرن، حيث يفاجئ الجميع وينقض على الممثل (حسن كامي) الذي يؤدى دور الملك في الفيلم، ليقتله بسكينه، إلا أن فريق التصوير ينجح في إقناعه بمقابلة الزعيم سعد زغلول. 

ويتواصل تصوير الفيلم داخل الفيلم في شكل لاذع للواقع، ويبدأ نضال عناب وحاشيتها بمحاولة فاشلة للتخلص من الملك، حيث تلجـا الحاشيـة إلى الخداع والأكاذيب لإقناع الزعيمة. بما يقومون به من نضال حر من اجل الوطن والكرامة، إلا أن عناب تكشف خداعهم وأكاذيبهم. وذلك بعد أن تركوها وحيدة في يد الملك، معتبرين أن شرفها ليس ذا أهمية باعتبارها راقصة ملاهي. لذا تقرر عقابهم بفرض تجنيدهم الإجباري في الجيش من خلال علاقتها بأحد الضباط، ويشاركون فيما بعد في حرب فلسطين 1948، وهناك تنكشف أكذوبة الأسلحة الفاسدة والتي تعتبر اكبر من كذبة مليم ورفاقه على عناب. وبعد انتهاء الحرب يطلبون السماح من "عناب" ويتكاتفون من جديد من اجل الخلاص من الملك الذي اغتصب الوطن واغتصب عناب أيضاً. 

ويستمر تصوير الفيلم داخل الفيلم، بالرغم من كل المنغصات التي تلاحق المخرج والمؤلف،فبعكوك لم ينس المقلب، حيث يكون نصيب المخرج والمؤلف علقه ساخنة من قبل رجـال بعكوك. وتتتابع الأحداث حتى نصل للمشهد الأخير الذي اعد له بعناية فائقة، والذي يجسد محاولة الشعب للخروج من الشكل الذي فرض عليهم، وليكون، الحل هو الخلاص من الملك بمؤامرة لاغتياله وتفجير القصر بالديناميت. ولأن بعكوك يخبر الشرطة عن نية المخرج والمؤلف هذه، فان الشرطة تتابع الموقف عن كثب وينجح التفجـير ويتم تصوير المشهد بصرخـة من المخرج (مخيون ) "صور". وتـأتي النهاية للمشاهـد الرئيسية في فيلم شريف عرفة باصطحاب الجميـع إلى فسم الشرطة. وهم يرددون (يامهلبية يا. يا خسارة الوطنية يا .. يا أكلة شطة حامية يا). 

إن فيلم (يامهلبية يا) بالرغم من غرابته وخروجه على الشكل التقليدي، إلا انه فيلم ذو مدلول سياسي واجتماعي خطير استطاع فيه الثنائي عرفة/ عواد إظهار الشباب المحيطين بعناب كفئة مطحونة تحاول إن تكسب لقمة العيش عن طريق الصعلكة والخداع، فتتحول إلى ضحية للأسلحة الفاسدة في حرب 1948. كما أجاد الفيلم تصوير هذه الفئة وإبراز النواحي الإيجابية عند أفرادها. إضافة الى أن الفيلم قد حمل إيحاءات متعددة، حيث توافق اسم الفيلم مع مضمونه إلى حد ما، فالمعروف أن المهلبية نوع من الحلوى ذات شكل هلامي غير محدد المعالم، وهذا ينسجم مع شكل النضال الذي جسده الفيلم. إن الرؤية الفانتازية الساخرة التي جسدها الفيلم على صعيد الصوت والصورة لاشك بأنها قامت بدورها تماما في شد الجمهور وإمتاعه، والذي كان - بين الحين والآخر- يصحو من هذه الرؤية الفانتازية ليكتشف ان هناك شيئا آخر ابعد من مجرد هذه الرؤية المباشرة. واعتقد بأن هذا كان مقصودا من قبل صانعي الفيلم عرفة/ عواد، حيث تبدى حرصهما الدائم على إيجاد هذه المسافة بين المتفرج والفيلم.. هذه المسافة التي تتيـح للمتفرج تشغيل عقله وإثارة تساؤلاته، والتي قد يجد لها إجابات، وحتى إن لم يجد فانه في هذه الحالة سيكون متأكدا أن هناك سؤالا ما طرح نفسه على المتفرج بعد نهاية العرض. 

ولقد نجح شريف عرفة كمخرج في إدارة فريقه الفني من فنيين وفنانين، وتميز الفيلم بالبطولة الجماعية، حيث ابرز عددا من الوجوه الجديدة إضافة إلى تألق ليلى علوي وهشام سليم. ويبقى أن نقول بإن الفيلم يعد خطوة إيجابية جريئة لتغيير الشكـل التقليدي للسينمـا المصرية، سواء فيما يتعلق بالسيناريو أو الإخراج، حيث نجح ماهر عواد في تقديم قضية سياسية واجتماعية هامة في قالب فانتازي ساخر، وأبدع شريف عرفة في تجسيد هذه الفكرة سواء من خلال الاستعراضات الهادفة أو من خلال الربط الجميل بين الماضي والحاضر.

 

* * * *

 

الإرهاب والكباب

1992

في فيلمه السادس (الارهاب والكباب - 1992) يكرر المخرج شريف عرفة تجربته السابقة والناجحة مع الثنائي (عادل إمام ـ وحيد حامد).. حيث كتب السيناريو لهذا الفيلم وحيد حامد وقام ببطولته النجم عادل إمام، بمشاركة كمال الشناوي ويسرا وأحمد راتب وأشرف عبدالباقي وماحدة زكي وأحمد عقل وإنعام سالوسة. 

و(الارهاب والكباب) فيلم يقدم فيه شريف عرفة دراما إجتماعية سياسية كوميدية، تتخذ الفانتازيا شكلاً لها، علماً بأن أحداثها لا تخرج عن حيز الواقع، أي أنها فانتازيا ممكنة الحدوث، وليست بعيدة عن المنطق.

يحكي الفيلم عن ذلك الموظف البسيط أحمد فتح الباب (عادل إمام) الذي إعتاد على الالتزام باللوائح والقوانين وسماع كلام الحكومة. هذا الموظف الذي يعمل في إحدى المصالح الحكومية في الصباح وكافتيريا في المساء، وذلك ليزيد من دخله ويوفر لأسرته سبل الحياة الكريمة. يتعرض لمشكلة يتصور بأنها بسيطة، ألا وهي نقل أولاده من مدرسة بعيدة عن سكنه الى أخرى قريبة، وحتى يتم ذلك لابد له من التقدم بطلب الى مديرية التعليم الواقعة بمجمع التحرير الحكومي.

هنا يصطدم هذا الموظف بالروتين الحكومي، حيث يجد صعوبة في إنهاء معاملته هذه، نتيجة لبيروقراطية الموظفين وإنصرافهم عن خدمة المواطنين. تبدأ الاحداث الحقيقية للفيلم بعد تقديم كوميدي (غير ضروري يستهلك الكثير من زمن الفيلم) بمعركة بين أحمد وبين أحد الموظفين الذي يستدعي رجال الامن بالمجمع، ويشتبكون مع أحمد، الى ان يتمكن من الاستيلاء على سلاح أحدهم، وتنطلق رصاصة بطريق الخطأ، ليهرع الجميع في حالة من الذعر الشديد، ويتسرب الخبر الى مرافق المجمع الاخرى، على ان المجمع تم إقتحامه من قبل عماصر إرهابية، وان هناك العديد من الرهائن. يجد هذا المواطن البسيط والبريء نفسه فجأة ومن غير مقدمات وقد أمسك في يده مدفع رشاش لا يعرف حتى إستخدامه، ويشعر بأنه في ورطة لا يعرف كيف ستؤدي به وكيف السبيل للخروج منها وقوات الامن قد حاصرت المكان. ولانه يجد نفسه محاصراً بل مطلوب القبض عليه، فهو يضطر الى إحتجاز بعض المواطنين كرهائن، بل وينضم إليه بعض الافراد ممن ليس لهم حق الاعتراض، فجائتها الفرصة لتهرب من واقعها الى دور البطولة. يأتي في مقدمة هؤلاء الصعيدي (أحمد راتب) ماسح الاحذية الهارب من الثأر، بعد ان باع أرضه ليدفع ثمنها كخلو لمكان في مجمع التحرير، وهو يعاني ظلم المحكمة التي دق أبوابها لسنوات للحصول على حقه دون فائدة. وهناك الجندي (أشرف عبدالباقي) الذي يعاني هو الآخر من ظلم رئيسه الضابط، الذي سخره مدة خدمته في الجيش لأغراضه الشخصية فصار خادماً له ولزوجته وأولاده. أما الزوج التعس (علاء ولي الدين) الذي ذهب لينتحر من فوق المجمع هرباً من زوجته النكدية التي أباح لها القانون أن تشكوه في المحكمة. وهناك أيضاً فتاة الملاهي (يسرا) المتهمة بقضية آداب ويريدون منها أن توقع على أنها ضمن شبكة دعارة، بالرغم من أنها كانت فقط تجالس الزبائن في فندق خمس نجوم. 

هؤلاء هم الذين إنضموا الى ذلك المواطن المحروم أحمد فتح الباب.. شخصيات تعاني من الفقر والحرمان وغياب العدالة.. هؤلاء البسطاء يجدون أنفسهم فجأة في موقف لا يحسدون عليه.. يجدون أنفسهم في موقع المذنبين، بل ويطلقون عليهم إرهابيين.. وهم الذين لا تمكنهم ثقافتهم أو معارفهم الحياتية من صياغة الافكار في مجموعة رؤى أو مفاهيم علمية، لذلك نراهم يلتقون وبالفطرة مع أحد المقهورين (عادل إمام) الذي يمثل جزءا من أحلامهم البسيطة جداً.

هنا يأخذ الفيلم منحى آخر، حيث النقد الواضح لسياسات الحكومة، والتي تبدأ من الاعلام الذي لا يذكر الحقيقة، ومن ثم رجال الامن بصورهم الكرتونية المضحكة، الخائفة والمذعورة، باستثناء وزير الداخلية (كمال الشناوي) الذي يسعى للسيطرة على الموقف بدهاء. 

وتبدأ المواجهة والمساومة معاً، في معركة غير متكافئة، بين الحكومة والمواطنين (الارهابيين).. بين جهاز منظم ومزود بالاسلحة، يمكن ان يسيطر على مدينة بكاملها.. بين هؤلاء الذين جمعوا أنابيب الغاز الموجودة في المجمع للمواجهة في حال إستفحال الامر.

وفجأة، يكتشف أحمد ان هناك من يطلب منه تحديد مطالب مقابل الافراج عن الرهائن والتخلي عن المبنى. في هذه اللحظة يبرز التساؤل: ماذا حدث؟ ولماذا؟ لتبدأ براعة كاتب السيناريو وموهبته، للهروب من الاجابة المنطقية.. حيث لا يجد بديلاً سوى تقديم مشاهد ضاحكة غير مسفة بالطبع، يتخللها حوار شيق ولاذع يدور بين وزير الداخلية و(الارهابيين).. كما تتجلي بوضوح موهبة المخرج في المزج بين الواقعي والفانتازي من خلال لغة سينمائية معبرة. 

عموماً.. يسألهم الوزير عن مطالبهم، فيطالب الجميع بأبسط حقوق الانسان (العدالة والرحمة).. حيث يتخلى أحمد فتح الباب عن مطلبه الذي جاء من أجله، ليسأل من معه عن مطالبهم وتكون المفاجأة بأنهم جميعاً ليس لديهم مطالب محددة، لتنتهي المساومة بطلب وجبة كباب لكل واحد منهم، ودواء نادر وغالي الثمن لامرأة عجوز، وهي مطالب حققها الوزير لهم.. إلا أنه رفض رفضاً قاطعاً الانصياع لمطلبهم باستقالة الحكومة.. بل أنه قرر إقتحام المبنى، لولا ان الارهابي أحمد وزملائه وافقوا، حقناً للدماء، للسماح للرهائن بالانسحاب من المجمع ، والذين بدورهم أصروا على ان بأخذوا أحمد فتح الباب معهم .. لتعود الحياة الطبيعية مرة أخرى لمجمع التحرير الحكومي.

في فيلم (الارهاب والكباب) يصل وحيد حامد الى مستوى فني عالٍ، ويقدم فكرة جديدة وجريئة، مبتعداً بذلك عن أي تقليد، ومعتمداً على موقف معين تتصاعد من خلاله الدراما.

كما يبدع حواراً ساخناً ومشوقاً تتخلله المرارة. هذا بالرغم من أنه ككاتب يتحمل مغامرة تقديم فيلم تجري أحداثه في مكان واحد، حيث يشكل ذلك قيداً على الكاتب، ولهذا نراه يلجأ أحياناً الى مونولوجات طويلة لعادل إمام يغلب على بعضها المباشرة. ثم أنه لم يعتن بتعميق الشخصيات الاخرى المساندة لشخصية عادل إمام.

أما بالنسبة للاخراج الذي حمله على كاهله الفنان الموهوب شريف عرفة، والذي يسير بخطى ثابتة نحو إحتلال مكانة بارزة بين زملائه المخرجين المصريين، فهو يثبت في فيلمه هذا مقدرة ودراية كاملة باللغة السينمائية ويؤكد موهبته في إمكانية المزج بين الواقعي والفانتازي، مستخدماً كافة عناصر اللغة السينمائية من تصوير ومونتاج وموسيقى، وإمكانية التوفيق بين أحلامه كفنان ورغبات الجمهور دون تنازلات.

لقد إستطاع عرفة ان يجسد بكاميرا محسن نصر الرشيقة والشاعرية مشاهد ساخرة قوية تمتاز بالجمال التكويني المعبر. كما برع في قيادة المجاميع، مثل مشاهد الزحام داخل الباص والحركة داخل مجمع التحرير ومحاصرة رجال الامن المركزي للمجمع.

 

* * * *

 

طيور الظلام

1995

أخيراً، وبعد مايقارب الستة شهور على عرضه في سينما أوال بالبحرين، نزل فيلم (طيور الظلام - 1995) سوق الفيديو في البحرين. وهو الفيلم الذي جلب ضجة رقابية وجماهيرية عند عرضه، وذلك للجرأة في الطرح الفكري والفني. قام ببطولة الفيلم النجم الأسطورة عادل إمام مع يسرا وجميل راتب وأحمد راتب ورياض الخولي.

وفيلم (طيور الظلام) هو الفيلم الرابع للثلاثي الفني (عرفة/ حامد/ إمام)، بعد أفلام (اللعب مع الكبار، الإرهاب والكباب، المنسي). فبالإضافة الى نبض شريف عرفة الخاص في الإخراج، كان هناك جرأة »وحيد حامد« كاتباً للسيناريو ومنتجاً للفيلم، ومن ثم شعبية عادل إمام كنجم جماهيري خارق للعادة.

ففي فيلم (طيور الظلام)، يقدم وحيد حامد دراما إجتماعية جريئة، ترصد الواقع المصري بكل تناقضاته وإتجاهاته، ويقدم موقفاً فكرياً سياسياً وفنياً حاسماً تجاه أبرز القضايا المعاصرة التي يعيشها الفرد والمجتمع على السواء. وهو بذلك يضع الفساد والإرهاب في مزيج واحد، ويقدم شخصيات حية من هذا الواقع.. شخصيات تجري وراء مصالحها الشخصية، حتى ولو أدى ذلك الى سلوكهم لطرق غير مشروعة وملتوية. لذلك فهؤلاء هم طيور الظلام الذين يعملون في الخفاء، غير قادرين على العمل في العلن أو الخروج بأفكارهم الى النور. 

وتتمحور شخصيات وحيد حامد في ثلاثة أصدقاء تخرجوا من كلية الحقوق، الأول فتحي نوفل (عادل إمام)، وهو محامي شاب وفقير يسكن شقة متواضعة في الأرياف، ويعتبرها بمثابة المسكن والكتب في نفس الوقت. ولكنه عندما يريد الصعود، فهو يستفيد من موهبته القانونية وذكائه الفطري في كشف ثغرات القانون. ومن خلال أستاذه المحامي الكبير (نظيم شعراوي) الذي يعرفه على الوسط الراقي، عندما يستخدمه في حل رموز قضية كبيرة تهم الرأي العام. حيث يقبل فتحي في تبرئة متهم بإحدى قضايا الفساد مقابل المال الكثير. بعد ذلك يدير فتحي الدعاية الإنتخابية لصالح أحد الوزراء (جميل راتب) ويلجأ الى أساليب ملتوية ذكية الى أن ينجح في الإنتخابات، ومن ثم يصبح فتحي مدير مكتبه والرجل الثاني في الوزارة، مما يرفع رصيده وينقله من حال الى حال، ليكون بعد ذلك أحد رموز الفساد الكبيرة في البلد. 

والصديق الثاني هو علي الزناتي (رياض الخولي)، الذي يتمتع بشخصية قوية، ويرى بأن المستقبل سيكون للإتجاه الديني المتطرف، لذلك ينخرط فيه، ويحاول أن يقنع فتحي بمشاركته في ذلك، إلا أنه يرفض أن يكون ضد السلطة. وينجح علي الزناتي في الصعود ويضيء نجمه في سماء المجتمع، بعد أن وفر له أصحاب الإتجاه الديني والإرهاب طموحات الشهرة والثراء، مستفيدين من ذكائه وقدراته القانونية في تنفيذ مخططاتهم الإجرامية بحق المجتمع والدفاع عن الجماعات المتطرفة. 

أما الصديق الثالث فهو محسن مختار (أحمد راتب)، ذلك المواطن الشريف والمثالي الحالم، الذي مازال يعيش سنوات الستينات المليئة بالأحلام والشعارات السياسية. فبالرغم من أنه يعيش فراغاً ساسياً شديداً في واقع مليء بالفساد كهذا، إلا أنه يرفض أن يكون أداة للفساد أو التطرف متخذاً موقفاً سلبياً من الإثنين. 

وهناك أيضاً، إضافة الى شخصيات الأصدقاء الثلاثة، شخصية سميرة (يسرا)، الفتاة المطحونة التي وجدت في بيع جسدها وسيلة لتوفير حياة أفضل، والتي دخلت حياة فتحي نوفل بعد إتهامها في قضية آداب، وبالتالي توكله للدفاع عنها، ومن ثم تصبح البنك الذي يخفي فيه فتحي نوفل ثروته.

من هنا نتوصل الى أن فتحي نوفل وعلي الزناتي هما وجهان لعملة واحدة. فالإثنان إنتهازيين، إلا أن إنتهازية فتحي تختلف عن إنتهازية صديقه علي، فهو يفضل اللعب في النور ومع السلطة، على العكس من صديقه الذي يلعب مع الجماعات الدينية المتطرفة والمعارضة للسلطة. الإثنان تجمعهما مصالح مشتركة أحياناً.. نوفل يستعين بالزناتي في إنجاح حملته الإنتخابية للوزير، في مقابل التستر على الزناتي في تحركاته غير المشروعة لتقوية التطرف، وإبعاد الأمن عن طريقه. ويصل الإثنان الى مرحلة متقدمة من الشهرة والتورط.. تصل عند الزناتي الى أن يتورط في تأمين إختباء إرهابيين بعد قيامهم بإحدى العمليات. فيقبظ عليه. وفتحي يستغل منصبه في تكوين ثروة كبيرة، يخفيها في جيب الشركة التي ينشئها بإسم صديقته سميرة فتاة الليل التي يضعها في طريق الوزير، بل ويزوجها منه عرفياً ويحتفظ هو بورقة الزواج. هذا إضافة الى زواجه من سيدة أعمال ثرية يخفي ثروته غير المشروعة في ثروتها. صحيح بأنه يتم القبض على فتحي نوفل وعلي الزناتي من قبل الأمن، إلا أنهما يؤكدان بأنهما لن يظلا في السجن طويلاً، فليس هناك ما يدينهما قانونياً.

إن فيلم (طيور الظلام) يقدم صرخة جريئة في وجه المجتمع، مبيناً أخطر القضايا التي تؤرقه. وقد نجح وحيد حامد في صياغة كل ذلك في سيناريو قوي ومتماسك وسريع، إحتفظ بعنصري الإثارة والتشويق حتى نهاية الفيلم. كما أنه إستطاع تقديم مبررات منطقية وواقعية لتصرفات شخصياته. هذا بالرغم من تلك السطحية التي إتصفت بها شخصية سميرة، وعدم التعمق في دواخلها. وكذلك الضعف الواضح في رسم شخصية الوزير، الذي بدى ساذجاً مقلوباً على أمره. وقد تجسد هذا السيناريو بعناصر سينمائية خلاقة، ساهمت كثيراً في إخفاء العيوب القليلة التي إتصف بها السيناريو. فالمصور محسن نصر نجح في إختيار زوايا تصوير تعبر عن الموقف وتتناسب والحدث الدرامي، إضافة الى حركة الكاميرا السلسة والتكوينات الجمالية القوية والمعبرة والراصدة للوجوه وتعبيراتها في الكثير من المشاهد. وقد كان المونتاج السريع والمحفز عوناً في إيصال هذا التعبير الى المتفرج وذلك بشحنه بالتوتر. كذلك الموسيقى التصويرية ذات التأثير الدرامي التعبيري، والتي جعلتنا نتعايش أكثر مع الحدث. كذلك التمثيل الذي كان في عمومه صادقاً وطبيعياً ومجسداً للشخصيات كواقع حي. وجميعها عناصر فنية نجح المخرج المبدع شريف عرفة في إدارتها وتطويعها لخدمة السيناريو. أدارها كمايسترو لأوركسترا متناسقة ومنسجمة.

 

* * * *

 

مافيا

2002

بعد مشاهدة مركزة بعين حذرة، كانت النتيجة فيها إيجابية لصالح فيلم شريف عرفه الأخير (مافيا - 2002).. باعتبار أن الدعاية التي سبقت الفيلم، نجحت في شد انتباه الجميع وخلق حالة شعورية مسبقة، على أن هذا الفيلم أميركي الصنع.. وهو بالفعل أميركي الصنع والتوجه أيضاً.

أولاُ.. نتحدث عن ذلك الإحساس الغامر الذي كنا مشحونين به بعد المشاهدة مباشرة.. وهو أن السينما المصرية، بهذا الفيلم، قد وصلت إلى مستويات تقنية وفنية عالية، توازي تلك التي يتمتع بمشاهدتها المتفرج في أوروبا وأميركا.. مما يعني بأن الفيلم لم يأتي بجديد من عنده، كل هذا كان موجوداً منذ سنين طويلة في السينما العالمية.. فقط احتاج الوقت لكي يأتي ذلك المنتج الجريء والذي يحترم جمهور السينما عندنا، ليقدم لهم متعة بصرية أخاذة، حتى ولو تكلفت الشيء الكثير.

وهذا ما يؤكد على أن أزمة السينما المصرية هي في الأساس أزمة إنتاج، وأن هناك فرق كبير بين المنتج الفنان والمنتج التاجر. فالسينما المصرية في الوقت الحاضر قائمة على الترفيه أساساً، بينما وظائف السينما الأخرى ليست متاحة (المتعة.. الحلم.. الطرح الفكري والاجتماعي). فالإنتاج التقليدي المصري قد نجح في تأخر السينما عندنا.. والسينما المصرية تفتقد كثيراً لذلك المنتج الفنان والجريء، الذي لا تهمه الماديات، بقدر اهتمامه بتطوير أدواته الإنتاجية وبالتالي تطور مستوى الفيلم العربي، والسعي لنجاحه جماهيرياً. والمسألة ليست صعبة أو مستحيلة.. فقط علينا أن نوفر ثلاثة شروط أساسية لسينما المستقبل. أولاً وثانياً.. سيناريست ومخرج يمتلكان جرأة مع حرية كاملة في التخيل والإبداع. ثالثاً.. منتج مثقف وفنان جريء يؤمن بتقديم الجديد ومستعد أن يقاوم التيار التقليدي في الإنتاج.

لقد كان الإنتاج في فيلم (مافيا) هو البطل بدون منازع.. إنتاج جريء وسخي، لم يبخل لا بالمال ولا بالجهد على كل لقطة أو مشهد، مما جعل لأحداث الفيلم مصداقية أكثر وتأثير أعمق على المتفرج، من خلال زوايا التصوير والإضاءة وكادرات فنية جميلة ومتقنة، إضافة إلى مواقع التصوير المختارة بعناية فائقة، والمقصود منها إظهار مناطق جديدة على شاشة السينما، مناطق تمتاز بالجمال الأخاذ، والخروج على المألوف الذي تعودنا عليه في ظل هذا الكم الهائل من الأفلام التقليدية.

الملاحظة الأخرى والمهمة، تتعلق بالمضمون الدرامي والطرح الفكري، الذي تناوله وتبناه الفيلم أساساً. صحيح بأن الفيلم نجح في توصيل رسالة هامة عن حب الوطن إلى المتفرج وبشكل سهل وبسيط بالرغم من احتوائها على شعارات مباشرة عن الوطنية، إلا إن بناء العمل الدرامي جاء مفككاً وغير متناسب والحدث الدرامي. فالفيلم ارتكز أساساً على حدثين متوازيين، الأول هو قضية مقاومة الإرهاب وإفشال العملية الإرهابية، والثاني هو تدريب وتجنيد وتكييف البطل للقيام بهذه العملية. فمن الطبيعي أن تكون القضية الأولى هي بؤرة الفيلم، إلا أن الذي حدث هو العكس. حيث لم تأخذ القضية الأولى حقها على خارطة الفيلم بشكل يتناسب والمساحة التي خصصت للقضية الثانية. مما دفع إلى السرعة في فبركة الأحداث في النصف الأخير من الفيلم، وكأن كاتب السيناريو قد استدرك بأن الفيلم قارب على الانتهاء، مما جعله ينهي الفيلم بدون تفاصيل مهمة، كانت بالطبع ستفيد وتعمق مفهوم القضية المطروحة، فبدا للمتفرج وكأن البؤرة الأساسية هي البطل وليس البطولة، مما أفقد الفيلم الكثير من المصداقية.

مصطفى شعبان ومنى زكي كانا مفاجأة الفيلم الثانية، حيث نجحا وبجدارة في سرقة الكاميرا من بطل الفيلم أحمد السقا، وشدا انتباه المتفرج على ذلك الأداء الأخاذ والجيد في دورين مختلفين عما سبق لهما من أعمال.. أما السقا، فقد كان نمطياً، ولم يضف إلى ما قدمه من أعمال أي جديد. ولا يمكننا أن ننسى أحمد رزق، الذي كان بالفعل فاكهة الفيلم اللذيذة، حيث أعطى للفيلم جواً مرحاً بعيداً عن الجدية التي كانت تسيطر على أحداث الفيلم، وهي شخصية مرسومة بعناية مقصودة.

المخرج المتميز شريف عرفه، عرف كيف يتعامل مع أدواته الفنية والتقنية، مع وجود حرية إنتاجية تمتاز بالجرأة. وهو كمخرج قد أثبت من جديد بأنه فنان له أسلوب خاص في التعامل مع الصوت والصورة، وفي اختيار فريق عمله الفني، منذ أول أفلامه (الأقزام قادمون)، مروراً بأفلام(اللعب مع الكبار، طيور الظلام). في هذا الفيلم، تبرز موهبة عرفه بشكل أكبر، من خلال اختياره لحجم اللقطات والكادر الجمالي والإضاءة الدرامية، وجميعها ساهمت بالفعل في إعطاء رونق وجمال فني يحسب لهذا المخرج وفريق العمل الفني الذي اختاره بعناية شديدة.

 

* * * *

 

الجزيرة

2007

لقد أثار (الجزيرة - 2007)، فيلم المخرج شريف عرفه الأخير، الكثير من الشجون، أثناء مشاهدتنا له مؤخراً.. أبرزها ذلك الإحساس عن مدى إمكانية تقديم فيلم مصري عالمي، يتميز فيه الفن والتقنية، ويصل إلى مستويات تثير المتفرج العربي وتزيد من ثقته وتفاعله مع الفيلم المصري والعربي بشكل عام.. مستويات فنية وتقنية توازي تلك التي يتمتع بمشاهدتها المتفرج في أمريكا وأوروبا.. هذا بالفعل ما نجح فيه فيلم (الجزيرة).. وقد احتاج الأمر فقط إلى منتج جريء يحترم المتفرج العربي، ويقدم له متعة بصرية خلاقة.. فالسينما المصرية زاخرة بالعديد من الكوادر الفنية.. فقط تحتاج إلى منتج مغامر يقدمها بالشكل المناسب لإمكانياتها.. إنتاج سخي لا يبخل بأي شيء في سبيل الرقي بالفيلم وبمستواه..!!

المخرج شريف عرفه يعد واحداً من أبرز مخرجي السينما المصرية الجديدة.. فحين قدم أفلامه الأولى مع منتصف الثمانينات من القرن الماضي.. نبأ عن موهبة متفردة في التعامل مع التكنولوجيا الجديدة في التقنية السينمائية.. أقصد في تعامله كمخرج مع المونتاج والموسيقى، إضافة إلى طرحه لقضايا ربما تكون تقليدية، ولكن بأسلوب مستحدث، يتناسب والتطورات الحادثة في تقنية السينما..!!

لذا ليس من الغريب أن يكتسح فيلمه الأخير (الجزيرة) المهرجان القومي للسينما المصرية للموسم الماضي (فقد حصل عرفه على جائزة أفضل إخراج، وجائزة أفضل تصوير ذهبت لأيمن أبو المكارم وجائزة أفضل ديكور لفوزي العوامري وأفضل موسيقى لعمر خيرت وأفضل مونتاج لداليا ناصر وأفضل تمثيل لبطل الفيلم احمد السقا).

في فيلمه (الجزيرة)، ينجح شريف عرفة في التعامل مع أدواته الفنية والتقنية بحرفية واضحة.. ويقدم دراما واقعية بأسلوب يغوص في عمق الصعيد المصري، للكشف عن عالم مليء بالصراعات والتناقضات، تسوده تجارة المخدرات والسلاح، متناولاً قضايا شائكة كثيرة، بشكل فني جريء..!!

يعتمد سيناريو الفيلم، الذي كتبه محمد دياب، على وقائع حقيقية، تلك الوقائع التي وقعت في جزيرة النخيلة، الواقعة في صعيد مصر، وبداية بروز مافيا تجارة المخدرات والسلاح، واستمرارها لفترة طويلة دون تدخل حقيقي من رجال الأمن، بل وتعاونها مع تلك المافيا لتنفيذ مصالح مشتركة.. ومستلهماً قصته من حادثة إمبراطور النخيلة عزت حنفي، الذي كبر نفوذه وزادت سطوته بعدما عقد صفقة مع الحكومة، يصبح بمقتضاها، العين الساهرة على مصالحها في الجزيرة، ليجد نفسه الآمر الناهي، مما جعله يتمادى أكثر ويعلن بأنه الحكومة.. لحظتها فقط تتحرك قوات الأمن في الدولة وتقضي عليه..!!

تبدأ أحداث فيلم (الجزيرة) بمشهد الفرحة الغامرة التي تنتاب الكبير علي الحفني (محمود ياسين)، بعد إنجاب ولده منصور (أحمد السقا).. لتنتقل الأحداث إلى الوقت الحاضر، بما يحمله من متغيرات وتحولات حملتها السنوات الثلاثون الماضية، أحداث خطيرة ومتشابكة، تتطور لتجعل من عصابة مجهولة الهوية أن تعترض قطار الصعيد وإيقافه، الأمر الذي جعل الدولة تشعر بالخطر القادم من هذه العصابات..!!

هذا الحدث بالذات، يجعل الجهات الأمنية من إصدار تعليمات للضابط الصغير طارق (محمود عبدالغني) للسفر إلى الصعيد للبحث والتحقيق في هذا الحادث.

أثناء تواجد هذا الضابط في الصعيد، تتضح له الكثير من الخفايا.. أبرزها تلك المصالح الشخصية التي يحملها أصحاب النفوس الضعيفة من ضباط الداخلية، ويمثلها الفيلم بشخصية العميد رشدي وهدان (خالد الصاوي)، والذي يؤمن بسياسة القبضة الحديدة في معالجة الأمور الأمنية.. وهو الأسلوب التقليدي العتيق الذي يتم تجاوزه في الفيلم على يد الجيل الجديد الذي يمثله الضابط طارق.

ويتمادى الفيلم في طرحة لهذه العلاقة بين الضابط والمجرم، عندما يتناول زوايا أخطر بكثير، ويقدم بجرأة ملفتة قضية أخلاقية خطيرة حول قانونية التعامل مع المجرمين والخارجين عن القانون إذا كان في هذا التعامل مصلحة للدولة.. وهي وجهة النظر التي يمثلها بل ويؤمن بها اللواء السابق فؤاد (عبدالرحمن أبو زهرة)، والذي يعده جيل العميد رشدي رمزاً وقدوة له.. بينما يعارض الجيل الجديد الذي يمثله طارق (وهو ابن اللواء فؤاد في الفيلم)، هذا التفكير الذي يصفه بالفساد والانتهازية، بل ولا يتردد في مواجهة والده بهذه الحقيقة.

هذه الأحداث جميعها، تتشابك مع حكاية الحب الرومانسية بين منصور (السقا) وكريمة (هند صبري).. تلك العلاقة الشفافة، التي لم تكن قط دخيلة على مجمل تلك الأحداث.. بل هي فاعلة فيها وأضفت على أحداث الفيلم المليئة بالعنف والدماء، جواً من الطمأنينة والشاعرية.... فبالرغم من هذا الحب الصارخ بين الاثنين، إلا أن التقاليد هناك في الصعيد، أقوى من تلك العواطف، تلك التي تجبر منصور على الزواج من فائقة (زينة) والتخلي عن حبه لكريمة بسبب العداوة التاريخية بين العائلتين، ليكتفي العاشقين بحب سري، يختفي وراء تلك الجبال المحيطة بهما، ولينعما أحياناً بجمال تلك الجزيرة التي ضمتهما ووقفت مع حبهما المكتوم هذا..!!

إن أحداث فيلم (الجزيرة) وشخصياته، تنم عن وعي حقيقي لدى صناع الفيلم، بخصوصية الصعيد كتضاريس وطبيعة.. كل شيء حقيقي في هذا الفيلم، من تقاليد وطبائع وأحداث وفلسفة وأخلاقيات.. فالشخصيات التي نشاهدها في الفيلم ليست كما اعتدنا على مشاهدتها في أفلام كثيرة.. بل هي شخصيات واقعية، ووجوهاً أنهكها الفقر والتعب.. وهي بالتالي ليس لها متطلبات كثيرة، ما يهمها هو لقمة العيش..!!

في (الجزيرة) نتابع لغة سينمائية تتميز بالعذوبة الساحرة وبإيقاع ساخن يفيض بطبيعة المكان وملامح الشخصيات.. حيث نجح السيناريو والإخراج في تقديم مشاهد جميلة وقوية، تحركها رؤية ناضجة وواعية بطبيعة الأحداث والشخصيات في الصعيد.. ومشاهد تستغل كافة التضاريس والمساحات لجغرافيا المكان، في تقديم رؤية إخراجية على مستوى الصوت والصورة، وحتى الحوار.. حوار فلسفي وفكري عميق يشي بطبيعة الشخصيات ومواقفها في ظل كافة الظروف المحيطة بها.. وسيناريو مليء بالإسقاطات الفكرية والفلسفية العميقة، التي تقدم تفصيلات ولمسات مبنية بسلاسة وإحكام، ساهمت في إعطاء مصداقية وخصوبة للشخصيات والأحداث والتنقلات الزمنية المختلفة..!!

نحن هنا، أمام مخرج فذ ومتمكن يتميز بأسلوب فني واضح، ميزه كمخرج عن بقية مخرجي جيله.. فهو إضافة إلى ذلك الحس الفانتازي الكوميدي، الذي ضمنها شريف عرفة أفلامه الأولى، والتي تشترك في قيمة مواجهة الفرد الضعيف لقوى أكبر منه نفوذا وتسلطاً، ثم إدانتهما من خلال مضامين بسيطة، في شكل فني مبتكر ومتجدد..  إلا أنه اتخذ أسلوب الأكشن والحركة منذ فيلمه البارز (مافيا).. أفلام حركة ضمنها أيضاً مضامين فكرية وفلسفية واضحة.. ومن خلال كلا الأسلوبين، كان واضحاً بأن عرفة قد أعطى اهتماما كبيراً للمونتاج، بل وأستخدمه بشكل ملفت ومبتكر، يزيد من إيقاع الفيلم والصعود به إلى مستويات أفضل.. هذا إضافة إلى الموسيقى، التي أصبحت علامة مميزة لأفلامه، وذلك لاستخدامها كمؤثر في الحدث والتأثير في المتفرج بحيويتها وعنفوانها..!!

في فيلم (الجزيرة)، ينجح شريف عرفة في إظهار قدرات غير عادية في التعامل مع مفرداته السينمائية.. نراه بفضل مدير تصويره (أيمن أبو المكارم)، يقدم رؤية ناضجة لطبيعة الكادر السينمائي، مستغلاً جغرافيا المكان وتوظيفها لخدمة الصورة، وتقديم مشاهد ولقطات لم يسبق مشاهدتها في السينما المصرية.. مشاهد عامة للطرق ومزارع القصب وغيرها..!!

ولابد أن نشير بالذكر بأن شريف عرفه دائماً ما ينجح في استخراج أفضل ما لدى ممثلي أفلامه.. فهو هنا يقدم نجومه وممثليه في أدوار قوية وأداءات متميزة، قل أن شاهدناهم فيه.. أحمد السقا يؤكد مواهبه مع كل فيلم جديد، وهند صبري في دور صعيدية ينسيك بأنها تونسية، وعودة جديدة للفنان الكبير محمود ياسين، في دور ثانوي متميز..!!

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 
 

إخراج:

1.     الكنز 2016 -

2.     الجزيرة 2 2014 -

3.     لحظات حرجة 3 2012 -  (ﻣﺴﻠﺴﻞ)

4.     18 يوم 2011 -  (احتباس)

5.     إكس لارج 2011 -

6.     الجماعة 2010 -  (ﻣﺴﻠﺴﻞ)

7.     لحظات حرجة 2 2010 -  (ﻣﺴﻠﺴﻞ)

8.     ولاد العم 2009 -

9.     تامر وشوقية ج1 2007 -  (ﺳﻴﺖ ﻛﻮﻡ)

10.  لحظات حرجة 2007 -  (ﻣﺴﻠﺴﻞ)

11.  الجزيرة2007 -

12.  خطوة عزيزة 2006 -  (ﺳﻴﺖ ﻛﻮﻡ)

13.  حليم 2006 -

14.  فول الصين العظيم 2004 -

15.  مافيا2002 -

16.  ابن عز 2001 -

17.  الناظر 2000 -

18.  عبود على الحدود 1999 -

19.  اضحك الصورة تطلع حلوة 1998 -

20.  كعب عالي 1996 -  (ﻣﺴﺮﺣﻴﺔ)

21.  النوم في العسل 1997 -

22.  طيور الظلام 1995 -

23.  الزعيم 1994 -  (ﻣﺴﺮﺣﻴﺔ)

24.  المنسي 1993 -

25.  الإرهاب والكباب 1992 -

26.  يا مهلبية يا 1991 -

27.  اللعب مع الكبار 1991 -

28.  سمع هس 1990 -

29.  الدرجة الثالثة 1987 -

30.  الملائكة لا تسكن الارض 1987 -  (مخرج مساعد)

31.  حد السيف 1986 -  (مساعد مخرج أول)

32.  فقراء ولكن سعداء 1986 -  (مخرج مساعد)

33.  الأقزام قادمون 1986 -

34.  المنتقمون 1985 -  (مساعد مخرج)

35.  البرنس 1984 -  (مساعد مخرج أول)

36.  ممنوع للطلبة 1984 -  (مساعد مخرج)

37.  صديقي الوفي 1984 -  (مخرج مساعد)

38.  مرزوقة 1983 -  (مخرج مساعد)

39.  دموع في ليلة الزفاف 1981 -  (مخرج مساعد)

 
 
 
 

إنتاج:

1.     لما تامر ساب شوقية 2015 -  (ﻣﺴﻠﺴﻞ) منتج

2.     لحظات حرجة 3 2012 -  (ﻣﺴﻠﺴﻞ) منتج

3.     لحظات حرجة 2 2010 -  (ﻣﺴﻠﺴﻞ) منتج

4.     تامر وشوقية ج4 2010 -  (ﺳﻴﺖ ﻛﻮﻡ) منتج

5.     لحظات حرجة 2007 -  (ﻣﺴﻠﺴﻞ) منتج

6.     الجزيرة 2007 -  منتج

7.     تامر وشوقية ج1 2007 -  (ﺳﻴﺖ ﻛﻮﻡ) منتج

8.     حليم 2006 -  (منتج منفذ)

9.     ابن عز 2001 -  (منتج منفذ)

 
 
 
 

تأليف:

1.     18 يوم 2011 -  مؤلف (احتباس)

2.     الجزيرة 2007 -  (الرواية)

3.     حليم 2006 -  (سيناريو وحوار)

4.     فول الصين العظيم 2004 -  (قصة وسيناريو وحوار)

 
 
 
 

تمثيل:

1.     نفسى اقول اكشن 2008 -  (ﻓﻴﻠﻢ ﻗﺼﻴﺮ)

2.     اضحك الصورة تطلع حلوة 1998 -

3.     الحب في الثلاجة 1992 -

4.     خرج ولم يعد 1984 -

 
 

اضغط اسم الفيلم لقراءة المزيد

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004