الجزيرة

إنتاج عام 2007

 
 
 

نشر هذا المقال في هنا البحرين على ثلاث حلقات

في 17، 24، 31 ديسمبر 2008

 
 
 
 

بطاقة الفيلم

 

تمثيل: أحمد السقا + محمود ياسين + هند صبرى + خالد الصاوى + محمود عبدالمغنى + زينة، باسم سمرة + نضال الشافعي

تأليف: شريف عرفة (الرواية)، محمد دياب (مؤلف) ـ مدير التصوير: أيمن أبو المكارم ـ مونتاج: ليلى فهمى، داليا الناصر ـ ماكياج: حسن شعبان ـ خدع ومفرقعات: خالد المغربي ـ موسيقى: عمر خيرت ـ ديكور: فوزى العوامرى ـ توزيع: اوسكار للتوزيع ودور العرض، الماسة للانتاج الفني ـ انتاج: شريف عرفة، العدل فيلم، جودنيوز فور فيلم اند ميوزيك، محمد حسن رمزي

 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 

رؤية واعية وواضحة المعالم

لخصوصية الصعيد كثقافة وطبيعة وتضاريس

لقد أثار (الجزيرة - 2007)، فيلم المخرج شريف عرفه الأخير، الكثير من الشجون، أثناء مشاهدتنا له مؤخراً.. أبرزها ذلك الإحساس عن مدى إمكانية تقديم فيلم مصري عالمي، يتميز فيه الفن والتقنية، ويصل إلى مستويات تثير المتفرج العربي وتزيد من ثقته وتفاعله مع الفيلم المصري والعربي بشكل عام.. مستويات فنية وتقنية توازي تلك التي يتمتع بمشاهدتها المتفرج في أمريكا وأوروبا.. هذا بالفعل ما نجح فيه فيلم (الجزيرة).. وقد احتاج الأمر فقط إلى منتج جريء يحترم المتفرج العربي، ويقدم له متعة بصرية خلاقة.. فالسينما المصرية زاخرة بالعديد من الكوادر الفنية.. فقط تحتاج إلى منتج مغامر يقدمها بالشكل المناسب لإمكانياتها.. إنتاج سخي لا يبخل بأي شيء في سبيل الرقي بالفيلم وبمستواه..!!

المخرج شريف عرفه يعد واحداً من أبرز مخرجي السينما المصرية الجديدة.. فحين قدم أفلامه الأولى مع منتصف الثمانينات من القرن الماضي.. نبأ عن موهبة متفردة في التعامل مع التكنولوجيا الجديدة في التقنية السينمائية.. أقصد في تعامله كمخرج مع المونتاج والموسيقى، إضافة إلى طرحه لقضايا ربما تكون تقليدية، ولكن بأسلوب مستحدث، يتناسب والتطورات الحادثة في تقنية السينما..!!

لذا ليس من الغريب أن يكتسح فيلمه الأخير (الجزيرة) المهرجان القومي للسينما المصرية للموسم الماضي (فقد حصل عرفه على جائزة أفضل إخراج، وجائزة أفضل تصوير ذهبت لأيمن أبو المكارم وجائزة أفضل ديكور لفوزي العوامري وأفضل موسيقى لعمر خيرت وأفضل مونتاج لداليا ناصر وأفضل تمثيل لبطل الفيلم احمد السقا).

في فيلمه (الجزيرة)، ينجح شريف عرفة في التعامل مع أدواته الفنية والتقنية بحرفية واضحة.. ويقدم دراما واقعية بأسلوب يغوص في عمق الصعيد المصري، للكشف عن عالم مليء بالصراعات والتناقضات، تسوده تجارة المخدرات والسلاح، متناولاً قضايا شائكة كثيرة، بشكل فني جريء..!!

يعتمد سيناريو الفيلم، الذي كتبه محمد دياب، على وقائع حقيقية، تلك الوقائع التي وقعت في جزيرة النخيلة، الواقعة في صعيد مصر، وبداية بروز مافيا تجارة المخدرات والسلاح، واستمرارها لفترة طويلة دون تدخل حقيقي من رجال الأمن، بل وتعاونها مع تلك المافيا لتنفيذ مصالح مشتركة.. ومستلهماً قصته من حادثة إمبراطور النخيلة عزت حنفي، الذي كبر نفوذه وزادت سطوته بعدما عقد صفقة مع الحكومة، يصبح بمقتضاها، العين الساهرة على مصالحها في الجزيرة، ليجد نفسه الآمر الناهي، مما جعله يتمادى أكثر ويعلن بأنه الحكومة.. لحظتها فقط تتحرك قوات الأمن في الدولة وتقضي عليه..!!

تبدأ أحداث فيلم (الجزيرة) بمشهد الفرحة الغامرة التي تنتاب الكبير علي الحفني (محمود ياسين)، بعد إنجاب ولده منصور (أحمد السقا).. لتنتقل الأحداث إلى الوقت الحاضر، بما يحمله من متغيرات وتحولات حملتها السنوات الثلاثون الماضية، أحداث خطيرة ومتشابكة، تتطور لتجعل من عصابة مجهولة الهوية أن تعترض قطار الصعيد وإيقافه، الأمر الذي جعل الدولة تشعر بالخطر القادم من هذه العصابات..!!

هذا الحدث بالذات، يجعل الجهات الأمنية من إصدار تعليمات للضابط الصغير طارق (محمود عبدالغني) للسفر إلى الصعيد للبحث والتحقيق في هذا الحادث.

أثناء تواجد هذا الضابط في الصعيد، تتضح له الكثير من الخفايا.. أبرزها تلك المصالح الشخصية التي يحملها أصحاب النفوس الضعيفة من ضباط الداخلية، ويمثلها الفيلم بشخصية العميد رشدي وهدان (خالد الصاوي)، والذي يؤمن بسياسة القبضة الحديدة في معالجة الأمور الأمنية.. وهو الأسلوب التقليدي العتيق الذي يتم تجاوزه في الفيلم على يد الجيل الجديد الذي يمثله الضابط طارق.

ويتمادى الفيلم في طرحة لهذه العلاقة بين الضابط والمجرم، عندما يتناول زوايا أخطر بكثير، ويقدم بجرأة ملفتة قضية أخلاقية خطيرة حول قانونية التعامل مع المجرمين والخارجين عن القانون إذا كان في هذا التعامل مصلحة للدولة.. وهي وجهة النظر التي يمثلها بل ويؤمن بها اللواء السابق فؤاد (عبدالرحمن أبو زهرة)، والذي يعده جيل العميد رشدي رمزاً وقدوة له.. بينما يعارض الجيل الجديد الذي يمثله طارق (وهو ابن اللواء فؤاد في الفيلم)، هذا التفكير الذي يصفه بالفساد والانتهازية، بل ولا يتردد في مواجهة والده بهذه الحقيقة.

هذه الأحداث جميعها، تتشابك مع حكاية الحب الرومانسية بين منصور (السقا) وكريمة (هند صبري).. تلك العلاقة الشفافة، التي لم تكن قط دخيلة على مجمل تلك الأحداث.. بل هي فاعلة فيها وأضفت على أحداث الفيلم المليئة بالعنف والدماء، جواً من الطمأنينة والشاعرية.... فبالرغم من هذا الحب الصارخ بين الاثنين، إلا أن التقاليد هناك في الصعيد، أقوى من تلك العواطف، تلك التي تجبر منصور على الزواج من فائقة (زينة) والتخلي عن حبه لكريمة بسبب العداوة التاريخية بين العائلتين، ليكتفي العاشقين بحب سري، يختفي وراء تلك الجبال المحيطة بهما، ولينعما أحياناً بجمال تلك الجزيرة التي ضمتهما ووقفت مع حبهما المكتوم هذا..!!

إن أحداث فيلم (الجزيرة) وشخصياته، تنم عن وعي حقيقي لدى صناع الفيلم، بخصوصية الصعيد كتضاريس وطبيعة.. كل شيء حقيقي في هذا الفيلم، من تقاليد وطبائع وأحداث وفلسفة وأخلاقيات.. فالشخصيات التي نشاهدها في الفيلم ليست كما اعتدنا على مشاهدتها في أفلام كثيرة.. بل هي شخصيات واقعية، ووجوهاً أنهكها الفقر والتعب.. وهي بالتالي ليس لها متطلبات كثيرة، ما يهمها هو لقمة العيش..!!

في (الجزيرة) نتابع لغة سينمائية تتميز بالعذوبة الساحرة وبإيقاع ساخن يفيض بطبيعة المكان وملامح الشخصيات.. حيث نجح السيناريو والإخراج في تقديم مشاهد جميلة وقوية، تحركها رؤية ناضجة وواعية بطبيعة الأحداث والشخصيات في الصعيد.. ومشاهد تستغل كافة التضاريس والمساحات لجغرافيا المكان، في تقديم رؤية إخراجية على مستوى الصوت والصورة، وحتى الحوار.. حوار فلسفي وفكري عميق يشي بطبيعة الشخصيات ومواقفها في ظل كافة الظروف المحيطة بها.. وسيناريو مليء بالإسقاطات الفكرية والفلسفية العميقة، التي تقدم تفصيلات ولمسات مبنية بسلاسة وإحكام، ساهمت في إعطاء مصداقية وخصوبة للشخصيات والأحداث والتنقلات الزمنية المختلفة..!!

نحن هنا، أمام مخرج فذ ومتمكن يتميز بأسلوب فني واضح، ميزه كمخرج عن بقية مخرجي جيله.. فهو إضافة إلى ذلك الحس الفانتازي الكوميدي، الذي ضمنها شريف عرفة أفلامه الأولى، والتي تشترك في قيمة مواجهة الفرد الضعيف لقوى أكبر منه نفوذا وتسلطاً، ثم إدانتهما من خلال مضامين بسيطة، في شكل فني مبتكر ومتجدد..  إلا أنه اتخذ أسلوب الأكشن والحركة منذ فيلمه البارز (مافيا).. أفلام حركة ضمنها أيضاً مضامين فكرية وفلسفية واضحة.. ومن خلال كلا الأسلوبين، كان واضحاً بأن عرفة قد أعطى اهتماما كبيراً للمونتاج، بل وأستخدمه بشكل ملفت ومبتكر، يزيد من إيقاع الفيلم والصعود به إلى مستويات أفضل.. هذا إضافة إلى الموسيقى، التي أصبحت علامة مميزة لأفلامه، وذلك لاستخدامها كمؤثر في الحدث والتأثير في المتفرج بحيويتها وعنفوانها..!!

في فيلم (الجزيرة)، ينجح شريف عرفة في إظهار قدرات غير عادية في التعامل مع مفرداته السينمائية.. نراه بفضل مدير تصويره (أيمن أبو المكارم)، يقدم رؤية ناضجة لطبيعة الكادر السينمائي، مستغلاً جغرافيا المكان وتوظيفها لخدمة الصورة، وتقديم مشاهد ولقطات لم يسبق مشاهدتها في السينما المصرية.. مشاهد عامة للطرق ومزارع القصب وغيرها..!!

ولابد أن نشير بالذكر بأن شريف عرفه دائماً ما ينجح في استخراج أفضل ما لدى ممثلي أفلامه.. فهو هنا يقدم نجومه وممثليه في أدوار قوية وأداءات متميزة، قل أن شاهدناهم فيه.. أحمد السقا يؤكد مواهبه مع كل فيلم جديد، وهند صبري في دور صعيدية ينسيك بأنها تونسية، وعودة جديدة للفنان الكبير محمود ياسين، في دور ثانوي متميز..!!

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004