يا مهلبية يا

إنتاج عام 1991

 
 
 

نشر هذا المقال في مجلة هنا البحرين في 25 مايو 1994

 
 
 
 

بطاقة الفيلم

 

ليلى علوي + هشام سليم + أحمد راتب + عبد العزيز مخيون + حسن كامي

تأليف: ماهر عواد ـ تصوير: محسن نصر ـ مناظر: رشدي حامد ـ موسيقى: مودي الإمام ـ مونتاج: عادل منير

 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 

في فيلمه الخامس، يعود مخرجنا شريف عرفه إلى زميله السيناريست "ماهر عواد" ليقدما (يامهلبية.. يا - 1992). وهو باكورة إنتاج الفنانة ليلى علوي، ويشاركها البطولة هشام سليم، عبد العزيز مخيون، أحمد راتب، حسن كامي أحمد أدم، أشرف عبد الباقي، علاء ولي الدين، صلاح عبد الله.

والفيلم عبـارة عن دراما اجتماعية سياسية في قـالب كوميدي استعراضي يطرح رؤية فانتازية خاصة لشكل النضال في فترة الأربعينات، وذلك من خلال سيناريو جذاب ومدروس بدقة وعناية، قائم على البناء التركيبي للزمن، حيث أننا نشاهد فيلما داخل فيلم، ونتابع أحداثا تقع في الأربعينات وأخرى تقع في الوقت الحاضر. ومن خلال مزج جميل ومونتاج متناغم، ننتقل من الحاضر إلى المـاضي وبـالعكس، وتتخلـل الأحداث أغاني واستعراضات منسجمة تماما ومضمون الفيلم، بل وتضيف كثيرا إلى الأحداث، إذ تميزت بموسيقى مودي الإمام التعبيرية والبعيدة عن التطريب، وكلمات بهاء جاهين المساهمة في نمو الأحداث. 

وفى فيلمهما هذا، يحـاول الثنائي عرفة/ عواد أن يقدما بصدق تجربة شبه ذاتية عن معاناة السينمائيين الجدد، حيث يبدأ الفيلم بمشهد يصور أحد المخرجين (عبد العزيز مخيون) يتحدث لصديقه المؤلف (أحمد راتب) عن مدى إمكانية تحقيق حلمهما وإنجاز باكورة تجاربهما السينمائية وإخراجها إلى النور، فيبدو أن من أهم العقبات الأساسية التي تعترض طريقهما هي توفير أستوديو مناسب وغير مكلف للتصوير فيه، ولان المخرج (مخيون) يرث من خاله مخزن دقيق، فهو يقرر أن يبيعه للمليونير سيد بعكوك (احمد عقل) للاستفادة من ثمنه، ولكن وفى لحظة تجل يجد المؤلف (راتب) نفسه وقد أمسك بعصا طويلة وفي مؤخرتها لفافة من الخيش ليمسح يافطة المخزن ويكتشف بأنه كان مقرا لأستوديو سينمائي قديم، لذا يتراجع المخرج عن البيع ليصور فيه فيلمه، فيحدث شجار سريع بينه وبين المليونير "بعكوك" بسبب تراجعه عن بيع المخزن. 

وتتواصل أحداث الفيلم، الذي يصور داخل الفيلم، بعد البحث عن أبطال مناسبين للفيلم داخل الفيلم، وبعد معاناة يعثر المخرج علي بائعة هوى (ليلى علوي) لتكون بطلة فيلمه، ومن بعدها يتم اختيار أبطال الفيلم الآخرين ويبدأ تنفيذ الفيلم من خلال وجود الراقصة (مراهم) خالة (عناب) بطلة الفيلم كزعيمة وطنية تحث حاشيتها واتباعها على النضال ضد الاستعمار والملكية كتجسيد فانتازي سافر لشكل النضال في الأربعينات. بعدها يقرر المخرج (مخيون! إنهاء دور هذه الراقصة بعد انتهـائها من تقـديم آخر استعراضاتها، لتموت وهى توصي ابنة شقيقتها عناب (ليلى علوي) ومليم (هشام سليم) الصعلوك وماسح الأحذية الانتهازي، ومجموعة أخرى من الشباب الضائع، بضرورة الاستمرار والنضال ضـد الاستعمار والملكية. وبعد وفاتها تصبح (عناب) هي الزعيمة الجديدة، ويصبح الشعار الجديد (الله - الوطن - عناب) هو شعار (مليم) ورفاقه الأربعة الذين تطوعوا للنضال بمفهومهم الهش له. 

وتتداخل الأحداث بين الحاضر والماضي، بين المشاهد التي يصورها المخرج (مخيون) واللقطات التي تظهره وزميله المؤلف، حيث تعترض التصوير من آن لآخر منغصات ومشاكل، منها ظهور عم عبيد (محمد يوسف) المختبئ داخل مخزن الدقيق (الأستوديو)، وكأنه سقط من الزمن ومازال يعيش على أمل اللحظة التي يقتل فيها الملك، بالرغم من أن هذه اللحظة تأخرت نصف قرن، حيث يفاجئ الجميع وينقض على الممثل (حسن كامي) الذي يؤدى دور الملك في الفيلم، ليقتله بسكينه، إلا أن فريق التصوير ينجح في إقناعه بمقابلة الزعيم سعد زغلول. 

ويتواصل تصوير الفيلم داخل الفيلم في شكل لاذع للواقع، ويبدأ نضال عناب وحاشيتها بمحاولة فاشلة للتخلص من الملك، حيث تلجـا الحاشيـة إلى الخداع والأكاذيب لإقناع الزعيمة. بما يقومون به من نضال حر من اجل الوطن والكرامة، إلا أن عناب تكشف خداعهم وأكاذيبهم. وذلك بعد أن تركوها وحيدة في يد الملك، معتبرين أن شرفها ليس ذا أهمية باعتبارها راقصة ملاهي. لذا تقرر عقابهم بفرض تجنيدهم الإجباري في الجيش من خلال علاقتها بأحد الضباط، ويشاركون فيما بعد في حرب فلسطين 1948، وهناك تنكشف أكذوبة الأسلحة الفاسدة والتي تعتبر اكبر من كذبة مليم ورفاقه على عناب. وبعد انتهاء الحرب يطلبون السماح من "عناب" ويتكاتفون من جديد من اجل الخلاص من الملك الذي اغتصب الوطن واغتصب عناب أيضاً. 

ويستمر تصوير الفيلم داخل الفيلم، بالرغم من كل المنغصات التي تلاحق المخرج والمؤلف،فبعكوك لم ينس المقلب، حيث يكون نصيب المخرج والمؤلف علقه ساخنة من قبل رجـال بعكوك. وتتتابع الأحداث حتى نصل للمشهد الأخير الذي اعد له بعناية فائقة، والذي يجسد محاولة الشعب للخروج من الشكل الذي فرض عليهم، وليكون، الحل هو الخلاص من الملك بمؤامرة لاغتياله وتفجير القصر بالديناميت. ولأن بعكوك يخبر الشرطة عن نية المخرج والمؤلف هذه، فان الشرطة تتابع الموقف عن كثب وينجح التفجـير ويتم تصوير المشهد بصرخـة من المخرج (مخيون ) "صور". وتـأتي النهاية للمشاهـد الرئيسية في فيلم شريف عرفة باصطحاب الجميـع إلى فسم الشرطة. وهم يرددون (يامهلبية يا. يا خسارة الوطنية يا .. يا أكلة شطة حامية يا). 

إن فيلم (يامهلبية يا) بالرغم من غرابته وخروجه على الشكل التقليدي، إلا انه فيلم ذو مدلول سياسي واجتماعي خطير استطاع فيه الثنائي عرفة/ عواد إظهار الشباب المحيطين بعناب كفئة مطحونة تحاول إن تكسب لقمة العيش عن طريق الصعلكة والخداع، فتتحول إلى ضحية للأسلحة الفاسدة في حرب 1948. كما أجاد الفيلم تصوير هذه الفئة وإبراز النواحي الإيجابية عند أفرادها. إضافة الى أن الفيلم قد حمل إيحاءات متعددة، حيث توافق اسم الفيلم مع مضمونه إلى حد ما، فالمعروف أن المهلبية نوع من الحلوى ذات شكل هلامي غير محدد المعالم، وهذا ينسجم مع شكل النضال الذي جسده الفيلم. إن الرؤية الفانتازية الساخرة التي جسدها الفيلم على صعيد الصوت والصورة لاشك بأنها قامت بدورها تماما في شد الجمهور وإمتاعه، والذي كان - بين الحين والآخر- يصحو من هذه الرؤية الفانتازية ليكتشف ان هناك شيئا آخر ابعد من مجرد هذه الرؤية المباشرة. واعتقد بأن هذا كان مقصودا من قبل صانعي الفيلم عرفة/ عواد، حيث تبدى حرصهما الدائم على إيجاد هذه المسافة بين المتفرج والفيلم.. هذه المسافة التي تتيـح للمتفرج تشغيل عقله وإثارة تساؤلاته، والتي قد يجد لها إجابات، وحتى إن لم يجد فانه في هذه الحالة سيكون متأكدا أن هناك سؤالا ما طرح نفسه على المتفرج بعد نهاية العرض. 

ولقد نجح شريف عرفة كمخرج في إدارة فريقه الفني من فنيين وفنانين، وتميز الفيلم بالبطولة الجماعية، حيث ابرز عددا من الوجوه الجديدة إضافة إلى تألق ليلى علوي وهشام سليم. ويبقى أن نقول بإن الفيلم يعد خطوة إيجابية جريئة لتغيير الشكـل التقليدي للسينمـا المصرية، سواء فيما يتعلق بالسيناريو أو الإخراج، حيث نجح ماهر عواد في تقديم قضية سياسية واجتماعية هامة في قالب فانتازي ساخر، وأبدع شريف عرفة في تجسيد هذه الفكرة سواء من خلال الاستعراضات الهادفة أو من خلال الربط الجميل بين الماضي والحاضر.

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004