نشر هذا المقال في مجلة هنا البحرين في 29 أغسطس 1990

 
 
 
 

بطاقة الفيلم

 

أحمد مرعي، نادية لطفي، زوزو حمدي الحكيم، شفيق نورالدين، محمد خيري، عبدالمنعم أبوالفتوح، عبدالعظيم عبدالحق، أحمد حجازي

سيناريو وحوار وإخراج: شادي عبدالسلام

تصوير: عبد العزيز فهمي

مناظر: صلاح مرعي ـ مونتاج: كمال أبوالعلا

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 
       

       
 
 
 
 
 
 
 
 

المومياء ـ 1969  

(النسخة المرممة)

احتفت مكتبة الإسكندرية، يوم الأحد 18 مارس/آذار 2018، في ذكرى ميلاد المخرج، شادي عبد السلام، بعرض النسخة المرممة لفيلم "المومياء: يوم أن تحصى السنين" لأول مرة بقاعة المسرح الصغير بمكتبة الإسكندرية. وكانت النسخة الأصلية من الفيلم الذي صدر سنة 1969 قد أعيد ترميمها سنة 2009 في أحد المعامل الإيطالية، بمشاركة ودعم من وزارة الثقافة المصرية، ومؤسسة السينما العالمية World Cinema Foundation التي أسسها المخرج الأميركي، مارتن سكورسيزي. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 

بدأ شادي بكتابة فيلمه (المومياء)، يدفعه إحساس قوي بالرغبة في تقديم ما هو جديد وجاد، دون النظر إلى إمكانية تنفيذه من عدمها. واستغرق في كتابة السيناريو عاماً ونصف العام، تاركاً ورائه كل شيء لا يتعلق بالمومياء. كان صادقاً مع نفسه منذ البداية، حيث كان يعيش أزمة مالية قاسية، بالرغم من العروض الكثيرة التي كانت تعرض عليه لتصميم وتنفيذ الديكور، والتي كانت ذات أجور مغرية، إلا أنه وجد نفسه غير قادر على عمل أي شيء غير المومياء، وشعر بأنه سيكذب عليهم وعلى نفسه لو قبل بالعمل فيها.

بعد انتهائه من كتابة المومياء، بدأ شادي بالبحث عن طريقة لتنفيذه، وقتها كان يعمل مع روسيلليني، فعرض عليه السيناريو، وبعد أن قرأه روسيلليني لم يصدق بأن هذا السيناريو يبحث عمن ينفذه. فأخذه فوراً إلى وزير الثقافة المصري، وكان ذلك بمثابة تزكية واعتراف صادق من مخرج عالمي كبير، بأهمية الفيلم وأهمية تنفيذه، لذلك دخل السيناريو ضمن مشاريع مؤسسة السينما.

لقد كانت مرحلة تنفيذ فيلم (المومياء) تجربة صعبة، مع مخرج صعب يحمل فكراً وأسلوباً مختلفين. وتكمن تلك الصعوبة في أنه استخدم الكاميرا التي تفكر، فالكاميرا عند شادي لا تنقل الملامح فقط، وإنما تربط عناصر التمثيل والأداء الصوتي بكادرات فكرية تُوظَف داخل بناء الفيلم بشكل كامل. دراسته للعمارة منحته القدرة على البناء، بناء الفيلم بكامله، فهو يقتصد ويستفيد من كل العناصر المكونة للمشهد، وأن يكون لكل عنصر شخصية مميزة، ووظيفة تتمشى مع بقية المشاهد، وذلك حتى يصبح العمل في النهاية قطعة من المعمار الحيّ، له روحه الخاصة، ويتدفق بالحياة.

كل لقطة، كما يقول شادي، محددة ومرقمة في السيناريو، وباستطاعته ـ أيضاً ـ أن يحدد عدد لقطات الفيلم منذ البداية وقبل التصوير، لأنه لا يؤمن بالارتجال أثناء التصوير في الفيلم الروائي (...أذهب لوحدي إلى أماكن التصوير، وأصورها بالفوتوغرافيا، حتى يصبح كل شيء واضح تماماً في ذهني...). كذلك، فهو يحدد على السيناريو الوقت الذي يتم فيه التصوير بالنسبة للمواقع الطبيعية، إنه لا يحدد رقم العدسة للمصور، وإنما يخبره بما يريد ويترك له تحديد الرقم المناسب للعدسة. فشادي فنان يؤمن بالتخصص كلٍ في مجاله. فقد استعان بالكاتب علاء الديب لصياغة كل حوار المومياء، فالصياغة الأدبية للحوار عنده ـ كما يقول ـ غير مكتملة وضعيفة. ولكي تظهر الصورة كما يريدها أو كما يتصورها، يلتقي شادي مع مدير التصوير عبدالعزيز فهمي في جلسات طويلة، يناقشه ويشرح له ويعيد عليه حكاية الموضوع كما يشعر به، فالمسألة بالنسبة لشادي ليست مجرد حكاية الفيلم أو ما يقوله، إنما المهم إحساس المصور بالأشياء.. فعن استخدامه للألوان، يتحدث شادي عبدالسلام، فيقول: (...أهمية اللون أن يظهر عندما أحتاج إليه، وأنا لا أحتاج إليه أكثر من مرتين أو ثلاث في الفيلم...). صحيح بأن شادي قد صور المومياء بالألوان الطبيعية، إلا أنه كان حريصاً على إعطاء اللون دلالته الدرامية، وإلا فلا داعي لإظهاره. فمثلاً في أحد المشاهد، يستخدم فيه الأبيض والأسود فقط للمشهد بكامله، فيما عدا لقطة واحدة يظهر فيها لون محدد، فالمشهد يظهر جنازة الأب، وكل القبيلة ترتدي الزي الأسود في مقابل اللون الفاتح للجبل.. يقول شادي: (...النقطة السيكولوجية عندي في هذا المشهد هي ارتباط الشاب بأبيه الذي لم نره، وبالتالي لم نتعرف على مشاعر الابن نحوه، وليس هناك حوار يدل على هذه المشاعر، فالمشهد كله صامت، إنما هناك اللحظة التي تصور وجه الابن ورأسه ينحني حزناً على قبر أبيه، فنرى الأرض من وجهة نظره مغطاة باللون البنفسجي، وهو لون الورد المفروش على القبر، وعن طريق هذا اللون وحده، أردت أن أعبر عن العاطفة التي تربط بين الابن وأبيه...). هكذا تصور، ليس إلا دليلاً على إن شادي عبدالسلام يتمتع بحس سينمائي ذو شاعرية شفافة وعميقة في نفس الوقت، ولا يفكر بهذه الطريقة، في تنفيذ مشهد واحد، إلا مخرج متمكن من تقنياته الفنية وأدواته السينمائية. 

صُورت أغلب مشاهد فيلم (المومياء) خارج الأستوديو، وهذا يعني بأن مخرجه شادي عبدالسلام، لن يستطيع أن يلون الأرض والجبال والآثار على مزاجه، لذلك استفاد شادي من الشمس ودورتها التي تلون الطبيعة، فكان يصور في الصباح مشاهد الصباح، وفي الظهر والليل كذلك. وكانت دورة الشمس اليومية هي التي تحكم عمله، وعلى أساس حركتها تم وضع جدول العمل، حتى تتحقق وحدة اللون المطلوبة للفيلم. كانت هناك ـ أيضاً ـ صعوبة التصوير في الليل بالنسبة للمشهد الأخير، وهم ينقلون التوابيت من بطن الجبل إلى النهر، فقد كان من الصعب تصويره في الليل، وذلك لأن الطبقة الحساسة على الشريط لن تسمح بظهور شيء، لعدم توفر الضوء، وكان شادي حريص كل الحرص على عدم استخدام إضاءة صناعية، فهي ترمي ظلالاً على الأرض، وهو لا يريد في هذا الفيلم الإحساس بالكهرباء إطلاقاً. لذلك اتفق مع مدير التصوير على تنفيذ هذا المشهد خلال وقت محدد وضيق جداً، وهو لحظة ما بعد الغروب مباشرة، حيث يختفي قرص الشمس وتبقى أشعته في السماء، يبقى ضوء الشمس لكن دون احمراره. ويصر شادي على التصوير في هذا الوقت بالذات، لأن الطبيعة في الأقصر ـ كما يقول ـ في هذا الوقت، تلون الجبال باللون البنفسجي المائل إلى الاحمرار. إن هذا المشهد يمتد عرضه على الشاشة اثنتي عشرة دقيقة فقط، ويتكون من ثماني وعشرون لقطة، ولم يكن من الممكن أن يتم تصوير هذا العدد من اللقطات دفعة واحدة أو في يوم واحد من تلك اللحظة المحددة، إذاً ماذا فعل هذا المخرج العبقري؟ لقد صور في كل يوم لقطة واحدة فقط من هذا المشهد، وبالتالي استغرق تصوير هذا المشهد ثمانية وعشرون يوماً، وذلك حتى يحتفظ المخرج باللون الواحد للمشهد كله.

إن هذه الدقة وقوة الملاحظة لا تصدر إلا من مخرج حساس وغير عادي، فأي مخرج عادي قد يصور فيلماً كاملاً مدته ساعتان في ثمانية وعشرون يوماً، وليس مشهداً مدته اثنتي عشرة دقيقة.. حقاً إن شادي عبدالسلام لمخرج عبقري.

بعد إنجاز الفيلم مباشرة، وقبل عرضه جماهيرياً، عرض بشكل خاص على النقاد والمهتمين بالسينما، فقوبل بعاصفة من النقد بين التأييد والمعارضة، وأمام هذه العاصفة كان من الممكن أن ينهار صاحب (المومياء)، لولا وجود النقد المخلص الذي وقف إلى جانبه ورد الثقة إلي نفسه ومنحه إحساساً بأن جهده لتقديم شيء جديد لم يذهب هباءً، فقد كان يريد أن يعرف هل هو على خطأ أم على صواب في أول تجربة إخراجية له. ولم يقتصر دور النقاد في تحقيق توازنه النفسي فحسب، بل كان لهم الفضل ـ أيضاً ـ في توجيه نظر الآخرين إلى الفيلم، واكتشاف قيمه الجديدة.

بعدها خرج فيلم (المومياء) إلى المهرجانات السينمائية الدولية، ليحصل على العديد من الجوائز.. منها أربع جوائز عالمية وسبع شهادات تقديرية من سبع مهرجانات، وكان أهمها جائزة جورج سادول الفرنسية عام 1970.

يرى البعض من السينمائيين، بأن شادي عبدالسلام يهتم بالشكل على حساب المضمون، بمعنى إن اهتمامه وتركيزه على القضايا الحرفية السينمائية يجعل المضمون في مرحلة تالية، وهذا غير صحيح، فاهتمامه الحرفي يخدم ـ أساساً ـ القضية التي يريد أن يعبر عنها، باعتبار أن الشكل له الدور الهام والفعال في تطور المضمون. ويقول شادي في هذا الصدد: (...أنا مؤمن بأن للسينما لغة خاصة بها، وهي لا تعتمد على الكلمة المنطوقة، وإنما على الصورة السينمائية التي تخدم الإطار العام للفيلم، والحرفية بالنسبة للمخرج هي آخر شيء يفكر فيه، بل من الكريه أن يكون المخرج مجرد حرفي فقط، لا بد أن يكون للمخرج وجهة نظر ورأي يلتزم به، حرفة المخرج تماثل معرفتي لاستخدام القلم...).

الفكرة عند شادي عبدالسلام هي الفيلم كله، والفيلم هو الفكرة. فنحن في (المومياء) لن نجد لقطة أو مشهد أو حدث يمكنه أن يعبر عن فكرة الفيلم، فالفكرة تجري في شرايين الفيلم بأكمله.

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004