أبي فوق الشجرة

إنتاج عام 1969

 
 
 

نشر هذا المقال في مجلة هنا البحرين في 28 نوفمبر 1990

 
 
 
 

بطاقة الفيلم

 

عبد الحليم حافظ + نادية لطفي + ميرفت أمين + عماد حمدي

سيناريو وحوار: إحسان عبد القدوس, سعد الدين وهبة, يوسف فرنسيس ـ قصة: إحسان عبد القدوس ـ تصوير: وحيد فريد ـ مناظر: حلمي عزب ـ موسيقى: علي إسماعيل ـ مونتاج: رشيدة عبد السلام ـ إنتاج: صوت الفن

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 
       

أبي فوق الشجرة

مهرجان الصور
       
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 

لقد حطم فيلم (أبي فوق الشجرة ـ 1969) جميع الأرقام القياسية في شباك التذاكر في مصر، حيث استمر عرضه في دار سينما واحدة مدة ثلاثة وخمسين أسبوعاً. فلنتخيل هذا الرقم الذي ـ حتى الآن ـ لم يتم تحطيمه على مستوى السينما المصرية والعربية بشكل عام.

أما إذا بحثنا عن سبب هذا النجاح الخارق للعادة، فلن يكون ـ بالطبع ـ بسبب مستوى الفيلم الفني.. علماً بأن حسين كمال، في هذا الفيلم، قد ساهم بشكل واضح في تطوير الأغنية السينمائية العربية، وقدمها في صورة تختلف كثيراً عن الشكل التقليدي الذي عودتنا عليه الأفلام الغنائية المصرية السابقة. إلا أن الملفت في الأمر بأن حسين كمال قد اعتمد في فيلمه هذا ـ وللأسف ـ على حكاية ضعيفة فنياً ومستهلكة، بل إنها لم تصل أحياناً إلى مستوى الكثير من الأفلام الغنائية التي سبقت فيلمه، لتكون إطاراً لهذه المجموعة الكبيرة من الأغنيات الجيدة والوجوه الجميلة والمناظر الخلابة. ومما لاشك فيه من أن قيام الفنان الكبير عبدالحليم حافظ، بنجوميته وشعبيته، ببطولة الفيلم، كان له الأثر الأكبر في نجاح الفيلم بهذا الشكل. لذلك من الصعب تخيل نجاح هذا الفيلم بدون عبدالحليم.

من الطبيعي القول بأن نجاح (أبي فوق الشجرة)، وبهذا الشكل الجماهيري الذي فاق كل التصورات، هو الذي جعل حسين كمال يتمسك أكثر بما أقدم عليه من تحول شامل في فكره وأسلوبه، واستمراره في تقديم الأفلام التجارية التقليدية.

هذا ما حدث بالضبط لحسين كمال، إنها انتكاسة كبيرة لمخرج جاد، غير فيها أسلوبه السينمائي واهتماماته الفكرية بالكامل. وإذا حاولنا البحث عن أسباب هذه الانتكاسة، فلا نجد إلا أن حسين كمال قد سعى لإرضاء الجمهور العريض الذي حققه بفيلم (أبي فوق الشجرة) على حساب امكانياته الفنية والفكرية. أما هو فيبرر ذلك بقوله: (...الفن نوعان، الفن التجريبي والفن الكبير لكل الناس، هذه مسألة محددة تماماً في رأسي، في السيدة زينب كانت الناس تحطم الكراسي سخطاً، وفي البيت كانت أكوام الصحف التي تمجد. أعتقد أن الفن التجريبي ضروري جداً ولا بد أن يوجد من يصنعه، ولكني اخترت أن أصنع الفن الكبير. لقد وضعت اسمي على باب سينما شبرا، بدلاً من أن أضعه على باب نادي السينما أو مركز السينما...).(2)

أما نحن، فنقول بأن حسين كمال قد تناسى وظيفة الفن الحقيقية. فهناك فرق كبير بين أن يكون الفن للجماهير، وبين أن يكون الفن عن الجماهير. وإن العلاقة بين الفن والجماهير/ المتلقي تشكل معضلة صعبة وحساسة جداً. فلكي يكون في وسع الفن أن يقترب من المتلقي، وفي وسع المتلقي أن يقترب من الفن، ينبغي أن يكون هناك ـ أساساً ـ مستوى فني وثقافي متقارب ـ نوعاً ما ـ بين الفنان وجمهوره/ المتلقي. وليس معنى هذا ـ بالطبع ـ أن ينزل الفنان بمستواه ليصل للجماهير. حيث إنه لو فعل ذلك فهو بالتالي يقدم للمتلقي إبداعاً مزيفاً وغير صادق، نابعاً من الذات المزيفة للفنان. وكذلك عندما يشترط الفنان في المتلقي أن يكون مثقفاً، فليس لكي يكون قادراً على استيعاب ما يقدمه الفنان له فحسب، وإنما لكي تتوفر للمتلقي الظروف الإنسانية الملائمة ليمارس حقه في الإبداع الجماعي.

يتحدث حسين كمال عن أفلامه الثلاثة الأولى، فيقول: (...كانت الأفلام سابقة لعصرها بما تقدمه من جديد مختلف عن ما كانت تقدمه السينما المصرية عموماً في الستينات، فلم يستطع الناس أن يستوعبوا هذا الجديد بسرعة.. ولكن بعد فترة أصبحت هذه الأفلام، والتي شكلت عقدة ليّ وللناس، مفهومة من الجميع، وبالتالي مرغوبة من الجميع!!...).(3)

إن كلمات حسين كمال هذه، لهي دليل على صحة حديثنا، بأن وظيفة الفن الرئيسية هي الارتفاع بمستوى المتلقي الثقافي والفني، حتى يستطيع استيعاب ما يقدمه الفنان من إبداع، وليس بالنزول إلى مستواه لكي يفهمه.

ولا يفوتنا الإشارة إلى أنه من الصعب ـ كما هو معروف ـ الجمع بين النقيضين.. إرضاء الجمهور النقاد في آن واحد، فهي معادلة صعبة، قال عنها الناقد والمؤرخ السينمائي الفرنسي "جورج سادول" بأنها محاولة اختراق المستحيل، وبالتالي فالمسألة تحتاج ـ فقط ـ إلي وقت.. وقت يحاول فيه المتلقي أن يرتقي ويطور من قدراته التذوقية للعمل السينمائي والفني بشكل عام. إلا أن مخرجنا حسين كمال لا يستطيع الانتظار طويلاً، فهو يريد من أفلامه أن تدر عليه أعلى الإيرادات بعد إنتاجها مباشرة.

ويواصل حسين كمال تبريره لهذا التحول، فيقول: (...شعرت بأنني وجدت طريقي إلى السينما، وأصبح لي أسلوب مميز في الإخراج، فكان لا بد لي أن أخوض الواقع السينمائي. فأنا مقتنع بأن السينما مخاطبة لوجدان الناس، كل الناس، وليست قاصرة على الخاصة أو على فئة بعينها دون الفئات الأخرى. فكان فيلم (أبي فوق الشجرة) هو اللقاء الأول بيني وبين الجمهور العريض وتطلب الأمر تغييراً شاملاً في فكري وأسلوبي...).(3)

ولا نخفي تصورنا من أن نجاح فيلم (أبي فوق الشجرة)، وبهذا الشكل الذي فاق كل التصورات، قد جعل حسين كمال يتمسك أكثر بما أقدم عليه من تحول شامل في فكره وأسلوبه واستمراره في تقديم الأفلام التجارية التقليدية.

وهذا ما حققه مخرجنا بالفعل، حيث إن أغلب أفلامه التي قدمها بعد انتكاسته الفنية، أي بعد إخراجه لفيلم (أبي فوق الشجرة)، والتي تجاوزت الثلاثين فيلماً، قد لاقت نجاحاً جماهيرياً تفاوت من فيلم إلى آخر. فمن بين ما نجح له من أفلام ثرثرة فوق النيل ـ 1971، إمبراطورية ميم ـ 1972، مولد يا دنيا ـ 1976، إحنا بتوع الأتوبيس ـ 1979، أرجوك أعطني هذا الدواء ـ 1982.

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004