الوسائل الأعلامية كثيرة ومتنوعة، إلا أنه لايخفى
على أحد في أن السينما تتميز بأنها وسيلة إعلامية
ذات تأثير قوي ومباشر.. إضافة الى أنها من أهم
الفروع الثقافية وأوسعها إنتشاراً. لذلك فالسينما
العربية مرشحة دوماً لأن تكون من أهم العوامل التي
تساهم في تشكيل وصياغة الوجدان العربي.. حيث إن
أهمية هذا الدور نابع من واقع المجتمع العربي
الثقافي والإجتماعي نفسه، بإعتبار أن هذا المجتمع
لاتزال نسبة الأمية فيه تتراوح مابين 60% الى 80%،
وبمعنى آخر فقدان التأثير المهم للكلمة المكتوبة
على الجماهير العربية، والتي تعاني كثيراً من هذه
الأمية. لذلك تبقى الغلبة للإذاعة المسموعة
(الراديو) والمرئية (السينما والتليفزيون).
والسينما ليست صناعة وتجارة فحسب، ولكنها بالدرجة
الأولى فن وفكر.. فكر ينمي عقل الإنسان ويساهم في
توعيته، وفن ينفذ الى أعماق النفس البشرية. ومع
ذلك فالسينما العربية، منذ بدايتها، لم تأخذ على
عاتقهامهمة القيام بتوعية الجماهير العربية ورفع
مستواها الفكري والثقافي.. بل بالعكس، فقد رستغلها
معضم المنتجين كتجارة تدر عليهم الكثير من
الأرباح، تاركين الجانب الإيجابي منها.
وعلى ضوء ماسبق، يتبين لنا بأن الإنتاج هو الحجر
الأساسي الذي تقوم عليه صناعة السينما.. وإن
المسيطر على عملية الإنتاج هو الذي يحدد هوية هذه
السينما. فعملية الإنتاج ليست عملية سهلة، بل هي
محكومة بشبكة من العلاقات لاتقتصر ـ كما في
الإنتاج الأدبي على ورق وقلم وتكاليف طباعة ، تبقى
نسبياً محدودة جداً ـ بل هي عملية تمر عبر آلات
ومواد ومؤسسات ورساميل، هي التي تكوِّن مانقول عنه
صناعة سينما.
وسيتركز حديثنا ـ بالطبع ـ عن الإنتاج في السينما
المصرية، بإعتبارها السينما الأم، فتاريخها الطويل
الذي قارب السبعين عاماً، وحجم إنتاجها (معدل
خمسين فيلماً سنوياً) ، وتأثيرها سلباً وإيجاباً
على سينما البلاد العربية الأخرى، يُحمِّلها
الكثير من تبعات ماوصلت إليه السينما العربية في
الوقت الحاضر. فقد أنتجت السينما المصرية حتى الآن
مايقارب الثلاثة آلاف فيلم روائي، في مقابل
خمسمائة أو يزيد في جميع الدول العربية الأخرى. من
هنا، لايسع أي ناقد أو باحث أو متحدث عن السينما
العربية إلا أن يكرس للسينما المصرية المكانة
الأولى والقسط الأوفر من إهتمامه.
إن في السينما المصرية قطاعان للإنتاج، قطاع خاص
وقطاع عام.. ولمدى أهمية القطاع العام والمسئولية
الكبيرة الملقاة على عاتقه، لتأسيس سينما متقدمة
غير مخدرة، سندرس هذا القطاع، بتركيز وتفصيل،
ونبحث في تاريخ تأسيسه ودوره في السينما المصرية.
تأسس القطاع العام السينمائي في مصر عام 1963، ولم
يكن هذا التأسيس كإستجابة لحاجة السينمائيين الذين
يريدون التغيير والتطوير في أساليب السينما
التقليدية، وإنما نشأ نتيجة لظهور السياسة
الإقتصادية الجديدة، على أساس من (ميثاق العمل
الوطني) الصادر عام 1962، والذي نص على (...إن
جزءاً من الكيان الإقتصادي المصري يكون للقطاع
الخاص، بينما الجزء الآخر يكون من نصيب القطاع
العام الذي تنشئه الدولة...).
وعلى غير المتوقع، فإن القطاع العام نفسه أنشيء
بحيث يكون جزءاً منه للقطاع الخاص، ليصبح ثلاثة
أرباع الكيان الإقتصادي للقطاع الخاص، والربع
الباقي للقطاع العام، هذا الذي ولد في ظروف صعبة
وغير مكتملة، لا في الكادر ولا في الفلسفة، ومن ثم
كان من السهل أن يسقط في أحضان القطاع الخاص، الذي
كان مصاحباً له وأحياناً يقوده.
وهذا بالضبط ماحدث في قطاع السينما العام،
فالمصاعب والمخاطر التي عرقلت مسيرته ليست ـ
أساساً ـ بسبب السينمائيين أنفسهم، وإنما كانت
مأساة إجتماعية وسياسية إدارية، دخلت في صلب
الكيان الإقتصادي العام للدولة.
لقد كانت تجربة القطاع العام السينمائي في مصر
تجربة هامة وخصبة، هذا بالرغم من السلبيات الكثيرة
التي صاحبته. ولم ينتبه السينمائيون الى ذلك ألا
بعد فوات الأوان، أي بعد إنقطاع الدولة عن الإنتاج
السينمائي. وبشكل موجز، سنعرض المراحل الهامة التي
صاحبت عمر القطاع العام القصير نسبياً (1963ـ
1972). وسنقوم بدراسة الإيجابيات والسلبيات التي
مر بها.
تكون القطاع العام السينمائي في مصر من عدة شركات،
كل يكمل الآخر، وهي:
#
الشركة المصرية العامة للإنتاج السينمائي العربي
"فيلمنتاج".
#
الشركة المصرية العامة للأستوديوهات
.
#
الشركة المصرية العامة للتوزيع
.
#
الشركة المصرية العامة لدور العرض
.
# "كوبرا
فيلم"،
وهي شركة مختصة بالإنتاج المشترك بين مصر والبلدان
الأجنبية.
خمس شركات أنشأت تحت إسم (المؤسسة العامة
للسينما)، إلا أن شركة فيلمنتاج كانت هي الواجهة،
وكان يطلق عليها بالخطأ إسم المؤسسة، بينما لاتمثل
هذه الشركة إلا فرعاً واحداً منها. وكان ذلك
طبيعياً، بإعتبار إن فيلمنتاج هي التي تقوم بإدارة
الإنتاج، وإن جميع مراحل صناعة الفيلم، من إنتاج
وتوزيع وعرض، تبدأبها.
منذ البداية، كان هناك إصرار على إنتاج سينما
جديدة، بالرغم من الظروف الإدارية التي أحاطت بهذا
المشروع الهام. فلأول مرة، في تاريخ السينما
المصرية، توضع خطة عامة لخريطة الإنتاج السينمائي
في مصر. وقد روعي في تطبيق هذه الخطة، عند تنفيذها
مستقبلاً، إحتياجات الجماهير وإحتياجات المرحلة
التي تجتازها البلاد، حيث قسم مخطط إنتاج الأفلام
الى أفلام فلاحية وأفلام عمالية وأفلام ترفيهية
وأفلام تاريخية وأفلام حربية.
يتبع في الحلقة القادمة...
الحلقة الثانية
أول الأزمات قاتلة
لقد أحدثت مخططات القطاع العام وأجراءاته صراعاً
رهيباً، إنحصر في باديء الأمر داخل الوسط
السينمائي، ثم مالبث أن إنتشر على صفحات الجرائد
والمجلات..
مما أدى الى معارك فنية عارمة. وقد برز في الساحة
الفنية ـ نتيجة هذا الصراع ـ تياران متضادان،
الأول يقاوم من أجل إرساء قواعد إنتاجية وفكرية
جديدة، مسنوداً من أجنحة اليسار في الصحافة
والمؤسسة.. والتيار الآخر يمثل الأفراد ذوي
الأفكار والنزعات التقليدية، وهو الأقوي ـ بالطبع
ـ بتاريخه وأمواله وعلاقاته الإعلامية والصحفية،
ويسانده أفراد من داخل المؤسسة وخارجها.
لم يكن أمام شركات الإنتاج الخاصة إلا أنتظار
المولود (الفيلم) الجديد للمؤسسة. وكان من المفترض
أن تبدأ المؤسسة بتنفيذ برامجها المبنية على أسس
مدروسة بعناية وتقديم الفيلم المثالي الناضج الذي
يخدم أفراد المجتمع، إلا أن المؤسسة قد واجهت ـ
منذ بدايتها ـ أزمة عاجلة لم تكن في الحسبان. فقد
أوقف القطاع الخاص إنتاجه، على إثر إعلان المؤسسة
عن البدء بإنتاج أول أفلامها، وبالتالي أخذ يرقب
الموقف بحذر. وعلى ضوء ذلك، أصبح عدد كبير من
الفنانين والفنيين بدون عمل، فإندفعوا بمجاميع
كبيرة نحو المؤسسة للعمل بها. فما كان من المؤسسة
إلا أن تنزل ميدان الإنتاج بشكل سريع وغير منظم
لكي تواجه حالة البطالة هذه. لذا تعاقدت مع عدد
كبير من السينمائيين لإخراج أفلام، أطلقت عليها
إسم (أفلام حرف ب)، أي أفلام من الدرجة الثانية.
هذه السرعة في مواجهة أول أزمة تعترض طريق
المؤسسة، كانت بمثابة ضربة قوية لهذا القطاع الهام
في السينما. فقد كانت هذه الأفلام ضعيفة، بل إنها
ـ أحياناً ـ هابطة ولا تختلف في شيء عن الأفلام
الرديئة التي ينتجها القطاع الخاص، وقد أساءت الى
سمعة القطاع العام والسينما المصرية عموماً.
هنا وجد القطاع الخاص ضالته، حيث إن مستوى الأفلام
التي أنتجتها المؤسسة لم تكن ـ بحال من الأحوال ـ
أفضل من الأفلام التي تنتجها شركات الإنتاج
الخاصة. فتجار السينما، بعد كل هذا الذي حدث، لم
ولن يهتموا بوجوب رفع مستوى أفلامهم.. وكان هذا ـ
بالطبع ـ أمراً خطيراً.
وقد أثارت (أفلام حرف ب) ضجة كبيرة من قبل النقاد
والصحفيين، حيث إعتبروها أفلاماً متخلفة وخطوة الى
الوراء، قد أساءت الى السينما المصرية. وعلى إثر
هذه الحملة العنيفة على هذه الأفلام، توقفت
المؤسسة عن عرض الباقي، وغيرت إتجاهها بعد أن خسرت
في تلك الأفلام. وقررت تعويض الخسارة بإنتاج أفلام
كبيرة التكاليف، حتى تحقق إيرادات كبيرة. وبماأن
الهدف في هذه الحالة هو الربح المادي، فلم يراع
المستوى الفني للفيلم، وبالتالي لم تنجح هذه
الأفلام ـ أيضاً ـ في تكوين تيار سينمائي يهدف الى
رفع مستوى الجماهير.
وبعد كل هذا الفشل الذريع الذي لاقته المؤسسة في
تدعيم صناعة حقيقية للسينما ، أحست بمدى خطورة
الموقف وأهميته، فسارعت لإصلاح مافات وإتخذت
لنفسها مسلكاً آخراً يقوِّم مسيرتها ويقودها الى
الطريق الصحيح. فأنشأت شركة فيلمنتاج معهداً
لتدريس السيناريو ـ وهذا يحدث لأول مرة في العالم
ـ وإختارت عدداً من الأساتذة ذوي الميول التقدمية
للتدريس فيه. فكان الإقبال على هذا المعهد كبيراً،
حيث تم قبول 450 طالباً في أول دفعة، كان من بينهم
عدداً من الكتاب والصحفيين المشهورين. وكانت
المؤسسة بحاجة ماسة الى هذا الدم الجديد من
الكتاب، لإرساء أفكار سينمائية جديدة تساهم في
تحقيق مشروعاتها المستقبلية، وتساهم ـ أيضاً ـ في
خلق تيار سينمائي جاد وجديد.
بعد ذلك، توجهت المؤسسة الى خريجي معاهد السينما
في الداخل والخارج، وأعطتهم الفرصة ليقدموا أولى
تجاربهم الإخراجية، أمثال: ممدوح شكري، أشرف فهمي،
علي عبدالخالق، خليل شوقي، سعيد مرزوق. كما أنتجت
أفلاماً لبعض المخرجين المثقفين وذوي السمعة
الطيبة، أمثال: يوسف شاهين وصلاح أبوسيف وغيرهم.
وبالتالي قامت المؤسسة بإنتاج أفلام ستظل علامات
بارزة في تاريخ السينما المصرية، مثل: القاهرة 30،
بداية ونهاية، البوسطجي، الأرض، المومياء، زوجتي
والكلب.
وقد إستطاع القطاع العام، بفضل عناصره التقدمية
التي أشرفت على إدارته في الفترة مابعد الأزمة، إن
تساهم في إرساء قواعد جديدة لسينما متقدمة واعية،
ونجحت في خلق جمهور واعي ومثقف، حتى ولو كان قليل
نسبياً.
إلا أن هذا لم يدم طويلاً، فقد تنبهت شركات
الإنتاج الخاصة الى هذا الخطر القادم، وإستخدمت كل
الوسائل لمحاربته، حيث إستطاعت، بالتعاون مع أفراد
من داخل المؤسسة ذاتها، النيل منها وتشويهها ونشر
الشائعات المغرضة عنها.
حتى أشيع بأن القطاع العام قد منيَّ بخسائر وصلت
الى ثمانية ملايين جنيه.
كما تم التستر على ميزاته وأهميته ككيان إقتصادي
هادف. وأصبح القطاع العام السينمائي، وكأنه
المشكلة الوحيدة التي تشغل بال مصر والمصريين.
ووصلت الحال الى أسوأ ما يمكن، عندما تم إستلام
قيادة القطاع العام ـ تريجياً ـ من قبل أشخاص
تماثل في مفاهيمها مفاهيم القطاع الخاص. وبالتالي
أزيحت المجموعة التي كانت تقوده نحو التطوير،
ليتحول القطاع العام الى جناح آخر من أجنحة القطاع
الخاص، وبالتدريج فقد القطاع العام أهميته، وأصبح
أداة في يد تجار السينما التقليديين.
بعدها، توقف القطاع العام عن الإنتاج السينمائي،
وتم تجميع مباني عديدة في مبنى واحد بمدينة
السينما في الهرم تحت إسم (هيئة السينما والمسرح
والموسيقى).
الحلقة الثالثة
للتوقف أسباب ونتائج
صحيح، بإن القطاع العام في السينما المصرية لم
يتوقف كلياً، إلا أن التغيير الوحيد والمهم جداً
هو إختفاء دور الشركة المصرية العامة للإنتاج
(فيلمنتاج). أما باقي الشركات، مثل التوزيع والعرض
والأستوديوهات، فلا زالت تمارس عملها.. وبالتالي
إقتصر دور القطاع العام على منح »سلفيات التوزيع«
لأفلام من إنتاج القطاع الخاص.
لقد كانت القروض التي تقدم من قبل القطاع العام
للمنتج سهلة المنال، إذ يكفي أن يتقدم المنتج
بمبلغ لا يتعدى الخمسة آلاف جنيه، حتى تمنحه هيئة
السينما مبلغاً يتراوح ما بين ثلاثين وخمسين
ألفاً، مقابل حق توزيع الفيلم. أو أن تقوم بضمان
المنتج لدى أحد البنوك لمنحه قرضاً بنفس المبلغ،
بشرط أن توافق الهيئة على السيناريو، علماً بأن
السيناريو في حد ذاته لا يضمن مستوى معين للفيلم
في صورته النهائية.
أما بالنسبة لقرار منع الفيلم من العرض بعد
إنجازه، وذلك لردائة مستواه، فهي مسألة في غاية
الخطورة. وأكبر دليل على هذا هو قرار وزير الثقافة
بمنع فيلمي درب الهوى، خمسة باب من العرض، ذلك
القرار الذي أحدث ضجة كبيرة في الوسط السينمائي في
مصر، وكان هناك الكثيرون ممن إستنكروا هذا القرار
وأدانوه. مع أن القرار ـ في حد ذاته ـ كانت وراءه
نية حسنة، وهي وقف ذلك الهذيان السينمائي التجاري،
والذي بلغ ذروته في طرح هذه النوعية من الأفلام في
السوق السينمائي. إلا أننا إذا نظرنا إايه من
زتوية أخرى، فسيكون بمثابة التدخل المباشر من قبل
الدولة لتكبيل الفن السينمائي بشكل عام. وبالتالي
سيضعف من دور السينمائيين في تحديد مسار حركتهم
وحريتهم الفنية. لذلك فالسينمائيون الذين نددوا
بالقرار كانوا متخوفين من ظهور موجة التعنت
الرقابي، بحيث يصبح رفض الأعمال الفنية هو القاعدة
العامة في قرارات الرقابة، متجنبين ومتخوفين من
تحمل المسئولية.
وعودة أخرى لموضوعنا الرئيسي، لنتحدث عن مذا بعد
توقف القطاع العام عن الإنتاج؟ فقد تسبب هذا
التوقف في إحداث نقلة خطيرة بالنسبة لبنية الإنتاج
السينمائي عامة، ونجم عن ذلك عدة نتائج أثرت بشكل
سلبي على المستوى العام للفيلم المصري.. من أهمها
سيطرت أفكار القطاع الخاص من جديد، وعودة تجار
الخردة الى حقل الإنتاج السينمائي، رغبة منهم في
الربح المادي فقط. وبسيطرة هؤلاء التجار على
الإنتاج، أسسوا قواعد وتقاليد جديدة مزيفة لرواج
أفلامهم جماهيرياً، متمثلة في الجنس والإغراء
والعنف والرقص والغناء والكوميديا المبتذلة،
مبتعدين بذلك عن رسالة السينما الثقافية والفنية.
وقد سجلت هذه المرحلة إنحسار الأسماء الجادة من
السينمائيين المثقفين والطليعيين، والذين آمنوا
برسالة السينما، أمثال: يوسف شاهين، صلاح أبوسيف،
كمال الشيخ، توفيق صالح، وغيرهم. وإن كانت أفلام
بعضهم تظهر من حين الى آخر، إلا أنها لا تستطيع أن
تضمن تحقيق نفس النجاح الجماهيري والتجاري، والذي
أصبح شرطاً للإنتاج.
ومنذ أن توقفت الدولة عن الإنتاج السينمائي في عام
1972، لم نلحظ مؤشراً واحداً يدلنا عن رغبتها
بالدخول في مجال الإنتاج مرة أخرى. هذا بالرغم من
أننا نلاحظ ـ من حين الى حين ـ ذلك الإهتمام من
الدولة للمساهمة في دعم الفيلم المصري والسعي
لتقويم حال السينما، والمتمثل في تصريحات
المسئولين وبعض القوانين التي أصدرتها وزارة
الثقافة المصرية.
ومن الضروري التأكيد على إنه من الصعب القيام
بسينما فكرية جادة وجديدة، مالم تكن هناك قاعدة
إنتاجية قوية ومتكاملة تدعمها، والدولة هي المرشحة
دوماً لتكوين هذه القاعدة. فكلما تمكنت الدولة من
السيطرة على وسائل الإنتاج، كلما ساهمت في تحسين
نوعية الأفلام. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى
فإننا لا يمكن أن نتناسى بأن السينما تساهم في
توسيع رقعة الدخل القومي، بإعتبارها تجارة وصناعة
مربحة. فالسينما المصرية، كانت في يوم من الأيام
تمثل المصدر الثاني ـ بعد القطن ـ من صادرات
الدولة. وتجربة الإتحاد السوفييتي ـ مثلاً ـ تؤكد
هذه الحقيقة أيضاً، فوزارة السينما هناك كانت تمول
أكبر وزارتين (الصحة والتعليم العالي)، وريع شباك
التذاكر الداخلي يساهم في التعليم والطب المجاني
(من إحصائيات عام 1973). علماً بأننا قد ذكرنا ـ
مسبقاً ـ بأن في مصر، كما في بقية الدول العربية،
نسبة الأمية لازالت كبيرة جداً، ومختلف الأمراض
متفشية فيها بشكل مخيف.
لذلك، عندما تقرر الدولة الدخول في مجال الإنتاج
مرة ثانية، يفترض منها دراسة كل الظروف التي أودت
بتجربتها الأولى الى الفشل، ومناقشة كل السلبيات
وتفاديها في تجربتها القادمة.
أما بالنسبة للسلبيات، فهي كثيرة.. لذا سنكتفي
بذكر أهمها، وهو أن القطاع العام إعتمد على نفس
الأسلوب القديم والتقليد للإنتاج. كما إعتمد على
نفس الأشخاص الذين كانوا يتزعمون القطاع الخاص في
قيادته وتسييره. ثم إن الأفلام التي قدمها القطاع
العام لم تستطع أن تتجاوز نوعية الإنتاج السينمائي
الذي كان يقدمه القطاع الخاص إلا في حالات نادرة.
ولم تستطع سينما القطاع العام ـ أيضاً ـ أن تخلق
قاعدة إنتاجية متكاملة تستوعب السينمائيين
المصريين الذين وجدوا عند القطاع الخاص ـ النشيط ـ
فرصاً للعمل وكسب القوت.
ثم لا ننسى أن نشير الى أن السينمائيين أنفسهم لم
يتنبهوا الى أهمية القطاع العام ولم يحتضنوه. فقد
كان بعضهم لا يريده والبعض لا يميل الى أفكاره
ويعاديه. بذلك يكون السينمائيين قد فوتوا على
أنفسهم هذه الفرصة، والتي كان من المتوقع
إستغلالها لصالحهم، حيث أنها ـ حتماً ـ ستفيد تطور
الفيلم المصري وتساهم في الإرتفاع بمستواه.
تمت الحلقات |