يقول الكاتب
"بول
وارن"
في كتابه
"السينما
بين
الوهم والحقيقة":
"إن
جميع الفنون تعبر عن الواقع
بعدد من الإشارات والرموز أو المواد ذات الطبيعة
الرمزية ولكنها شيء مختلف عن الواقع الذي تعبر
عنه. أما السينما فهي الفن الوحيد الذي يعبر عن
الواقع بالواقع نفسه".
وتضع الناقدة السينمائية الألمانية
"إريكا
ريشتر"
أساساً للواقعية في السينما وهو:
"وجود
علاقة
سببية جدلية بين الفن والمجتمع، ويأتي ذلك
بالتأكيد على موضوع العمل السينمائي ومحاولة تخطيه
للواقع الاجتماعي وطرح واقع أفضل".
أما المخرج المصري صلاح أبوسيف فيحدد الواقعية
بقوله:
"أفسر
الواقعية بأبسط الكلمات وهي
(الصدق).. أن تكون صادقاُ مع نفسك وفنك وبيئتك
التي تعيش فيها، وأن تعالج مشاكل حقيقية تحس بها،
ويحياها الناس، وأن تحاول إعطاء حلول أو علاج يتسم
بالصدق ولا يلجأ للهروب والتزييف".
إن صلاح أبوسيف جمع في تحديده للواقعية في الفيلم
بين الرأيين السابقين حيث التعبير عن الواقع
بالواقع، وطرح واقع أفضل للمجتمع في أفلامه.. من
خلال الصدق في التصوير وعدم الهروب من الواقع.
وموضوعنا الذي سنتناوله هنا هو الواقعية في أفلام
صلاح أبوسيف.
صلاح أبوسيف والواقعية في السينما:
صلاح أبوسيف.. اسم كبير وعلامة مميزة في مسيرة
السينما المصرية.. ويعتبر أستاذ الفيلم الواقعي
المصري. إن أفلاماً مثل (الوحش) و(الفتوة)
و(القاهرة 30) و(السقا مات)، تضع صلاح أبوسيف في
مقدمة المخرجين العرب الذين اعتمدوا الواقعية في
أفلامهم.
أول من علمه الصنعة السينمائية هو رائد الواقعية
في السينما العربية المخرج المصري
"كمال
سليم"
صاحب فيلم
"العزيمة"..
كذلك تأثر بمخرجين أجانب
أمثال (فريتز لانج) و(جون فورد).
صحيح أن أبوسيف تتلمذ على أيدي هؤلاء السينمائيين،
ولكنه اعتنق الواقعية قبل لقائه بهم بفترة طويلة..
وكان من عشاق ودارسي الواقعية في الأدب وقام
بدراسة جيدة لأعمال (أميل زولا) و(فلوبير)
و(بلزاك) و(تشيكوف) و(جوركي).
كتبت الباحثة السينمائية الألمانية (أريكا ريشتر)
عن صلاح أبوسيف فقالت: (يعتبر صلاح أبوسيف بحق
أستاذ الفيلم الواقعي في مصر.. وتمثل أفلامه
العمود الفقري للفيلم الواقعي العربي.. وتحدد
بظهوره اتجاهاً حساساً في تطور السينما العربية).
كما قال الناقد الفرنسي الكبير (جورج سادول) عن
أفلام صلاح أبوسيف: (إنها خلقت في مصر تياراً لا
تقل فعاليته عن تيار الواقعية الجديدة الذي نشأ في
إيطاليا وأدى ذلك إلى خلق موجات جديدة في فرنسا
وفي إنجلترا وفي أمريكا).
وفي موضوعنا هذا سندرس سيرة صلاح أبوسيف الذاتية
والسينمائية خلال سبعة وثلاثين عاماً.. في عدة
مراحل..
المرحلة الأولى
( 1915
ــ 1936):
ولد صلاح أبو سيف في حي من أفقر أحياء القاهرة
(بولاق) عام 1915، مع بدايات الحرب العالمية
الأولى، ونشأ في بيئة شعبية فقيرة. وقد كان حي
بولاق في تلك الفترة يموج بالمقاومة الشعبية
والاضطرابات والعنف بين المصريين والاستعمار
البريطاني. وبولاق هو نفس الحي الذي اندلعت منه
ثورة 1919، وكان خاله من بين المناضلين الذين
اعتقلتهم السلطات البريطانية. ومن الطبيعي أن يكون
لكل هذا الزخم تأثيراً كبيراً ومباشراً في نشأة
صلاح أبو سيف وتشربه بالروح الوطنية ضد الاستعمار،
وبالتالي كان له أكبر الأثر على بناء شخصيته أيضاً
وتكوين فكره السياسي فيما بعد.
وعن بداياته في التعرف على السينما يقول أبو سيف:
(...كانت
بداياتي مع السينما كتاباً صغيراً وقع في
يدي وعمري عشر سنوات، يتحدث عن مخرج السينما..
وكانت السينما قبل هذا الكتاب عبارة عن ممثلين..
هكذا كنت أتصور. وعندما قرأت الكتاب قررت أن أكون
مخرجاً سينمائياً...).
وفي شبابه، أي الفترة الواقعة بين عامي 33-1936
عندما كان يعمل في شركة النسيج بالمحلة، اشتغل أبو
سيف بالصحافة الفنية. وفي عزلته عن الوسط الفني
والسينمائي هناك، انكب على دراسة فروع السينما
المختلفة والعلوم المتعلقة بها، مثل الموسيقى وعلم
النفس والمنطق، علاوة على معايشته للظروف البائسة
التي يعاني منها عمال المحلة.
وهناك في المحلة، التقى بالمخرج نيازي مصطفى،
والذي ساعده في الانتقال إلى أستوديو مصر، وكان
ذلك عام 1936، ومن ثم أصبح رئيساً لقسم المونتاج
بالأستوديو لمدة عشر سنوات.. حيث تتلمذ على يده
الكثيرون في فن المونتاج.
واستمر أبو سيف في أستوديو مصر كمونتير ومساعد
مخرج، وأخرج عدداً من الأفلام التسجيلية
والوثائقية القصيرة. أبرزها فيلماً عن حركة المرور
في الإسكندرية، وآخر عن الضجيج والصخب في القاهرة
تحت عنوان (سيمفونية القاهرة)، وفيلماً آخراً عن
البترول. إلى أن قام بتجربته الأولى في الإخراج
السينمائي الروائي، وذلك بعد محاولات مضنية
ومريرة. وكان هذا الفيلم هو (دايماً في قلبي ـ
1936).
وفي بداية عام 1939، وقبل سفره إلى فرنسا لدراسة
السينما، عمل صلاح أبو سيف كمساعد أول للمخرج كمال
سليم في فيلم العزيمة، والذي يعتبر الفيلم الواقعي
الأول في السينما المصرية. وفي أواخر عام 1939،
عاد أبو سيف من فرنسا بسبب الحرب العالمية
الثانية.. تلك الفترة التي شهدت تبلور ونشاط
التيارات السياسية والفكرية في مصر، وكانت
الجمعيات الثقافية منتشرة في كل أنحاء القاهرة،
تنظم الندوات والمحاضرات. وقد اشترك صلاح أبو سيف
في جمعية الثقافة والفراغ، وكان يتردد عليها آنذاك
الفنانون كامل التلمساني وأسعد نديم وفؤاد كامل
وحلمي حليم، وكانت أغلب حواراتهم ونقاشاتهم تدور
حول السينما.
المرحلة الثانية
( 1951
ــ 1957):
تعتبر هذه المرحلة من أهم المراحل في حياة مخرجنا
أبو سيف، وهي المرحلة التي أطلق فيها أهم أفلامه
الواقعية. فعندما عاد من إيطاليا حيث كان يخرج
النسخة العربية من فيلم (الصقر ـ 1950)، كان قد
تأثر بتيار الواقعية الجديدة في السينما
الإيطالية. وأصر على أن يخوض هذه التجربة من خلال
السينما المصرية.
فعندما عرض أبو سيف سيناريو (لك يوم يا ظالم ـ
1951)
على المنتجين، رفضوا هذه المغامرة، كما
رفضوا من قبل فكرة المخرج كمال سليم في إخراجه
فيلم العزيمة. مما اضطر أبو سيف إلى إنتاج هذا
السيناريو بنفسه حيث نجح ولاقى إقبالاً جماهيرياً
ونقدياً كبيراً.
ثم بعد ذلك قدم أفلامه الواقعية الأربعة، والتي
تعتبر نقلة فنية هامة، ليس في مشوار صلاح أبو سيف
فحسب، وإنما في مسيرة السينما المصرية بشكل عام.
هذه الأفلام الأربعة هي: الأسطى حسن ـ 1952، ريا
وسكينة ـ 1953، الوحش ـ 1954، شباب امرأة ـ 1957،
الفتوة ـ 1957. وقد ناقش أبو سيف في الفيلمين
الأولين، الانهماك في الملذات التي تميز بها
المجتمع القديم، إضافة إلى تجسيد ظاهرة الاضطهاد
الاجتماعي وعلاقة المجرم بالسلطة الاجتماعية
والمصلحة المشتركة بينهما. بينما وصف في الفيلمين
الآخرين ألاعيب ودسائس النظام الاجتماعي
والاقتصادي من خلال حركة الأفراد ومواقفهم الخاصة.
الأسطى حسن ـ 1952:
قصة: فريد شوقي.
سيناريو وحوار: السيد بدير + أبو سيف. تمثيل: فريد
شوقي + هدى سلطان + زوزو ماضي + حسين رياض
القناعة كنز لا يفنى.. عبارة كان لها دور هام
وإيجابي وسلبي في نفس الوقت. فهذه العبارة كانت
تأشيرة السماح للفيلم بالعرض من قبل الرقابة. أما
سلباً، فهو أن هذه العبارة قد عنت أن يتقبل الأسطى
حسن واقعه الفقير كما هو. وبالطبع فقد أثارت هذه
العبارة ضجة في أوساط المثقفين.
وفيلم (الأسطى حسن) يشكل وصفاً تفصيلياً لمجتمع
الأغنياء ومجتمع الفقراء.. بين حيين: الزمالك الذي
يعتبر أغنى أحياء القاهرة، وبولاق الذي يعتبر
أفقرها. وهما قريبان من بعض ولا يفصلهما إلا نهر
النيل ويربطهما جسر يمتد في النهر. حيث نلاحظ في
أكثر من مشهد منظر هذا الجسر، وكأن أبو سيف يريد
التأكيد على هذا التقارب المكاني بينهما، بالرغم
من التفاوت الطبقي بينهما.
وبعد ثورة يوليو 52، برزت موهبة صلاح أبو سيف
بوضوح، بعد أن قبل الثورة في حالة وصف للمجتمع
(الأسطى حسن). فقد اتخذ من الإنسان الفقير
والمسحوق بطلاً لأفلامه، بعد أن كان بطل غالبية
الأفلام السابقة من الباشوات.. فيما عدا بعض
الأفلام التي قدمت الإنسان البسيط ولكن قدمته
مشوهاً.
واصل أبوسيف مسيرة كمال سليم وقدم أفلامه الأربعة
الخالدة (ريا وسكينة ـ الوحش ـ شباب امرأة ـ
الفتوة).. ناقش في الفيلمين الأولين الانهماك في
الملذات التي تميز بها المجتمع القديم والجرائم
والاضطهاد الاجتماعي وعلاقة المجرم بالسلطة
الاجتماعية والمصلحة المشتركة بينهما.. بينما وصف
في الفيلمين الآخرين ألاعيب ودسائس النظام
الاجتماعي والاقتصادي من خلال حركة الأفراد
ومواقفهم الخاصة.
الوحش – 1954
قصة نجيب محفوظ
–
سيناريو: نجيب محفوظ + صلاح أبوسيف – تمثيل: محمود
المليجي + أنور وجدي + عباس فارس + سميحة أيوب
الكل يعرف في مصر قصة المجرم الخطير (الخط)، الذي
طاردته السلطات المصرية في جبال الصعيد.. فأبوسيف
أخرج فيلماً عنه باسم (الوحش)، ولكن الجديد في هذا
الفيلم عن باقي أفلام الجريمة أنه يربط بين المجرم
والمجتمع. فالوحش هنا هو أداة بطش في يد الباشا
تقتل وتسرق وتحرق بأوامر الباشا، للسيطرة على حكم
القرية وأهلها ونهب ممتلكاتهم. كذلك يوضح لنا
الفيلم طبيعة العلاقة الإقطاعية في الريف المصري
عندما يكون الغني هو الحاكم الفعلي هناك.. فهو
يملك الأرض وكل شيء. وبعد القبض على الوحش من قبل
الحكومة ـ بمساعدة الباشا الذي أحس أنه مهدد من
الوحش نفسه ـ يتخيل الفلاحون أنهم ارتاحوا وأحسوا
بالحرية.. ولكن أبوسيف هنا يوضح فقطة مهمة وخطيرة
جداً، إذا اعتبر الوحش الحقيقي هو الباشا ولم تنته
متاعب الفلاحين بنهاية الوحش، فبما أن الباشا
موجود فبإمكانه خلق وحوش كثيرة ينفذ على أيديهم
مؤامراته وجرائمه.. ويجب القضاء على الباشا، فهو
أساس كل هذا الإجرام. هذه هي فلسفة صلاح أبوسيف في
فيلمه (الوحش).
الفتوة ـ 1957
قصة: محمود صبحي
–
سيناريو: محمود صبحي + نجيب محفوظ + صلاح أبوسيف
–
تمثيل: فريد شوقي + زكي رستم + تحية كاريوكا
+
توفيق الدقن + ميمي شكيب
يعتبر (الفتوة ـ 1957) من بين الأفلام الهامة التي
تركت بصماتها في ذاكرة السينما المصرية والعربية
بشكل عام، كما إنه من بين أهم إنجازات أبو سيف،
وأبرز الأفلام الواقعية والرائدة في السينما
المصرية.
القصة مأخوذة عن حادثة حقيقية حدثت لتاجر خضار كان
يتعاون مع الملك فاروق في احتكار السوق ورفع أسعار
الخضار بطرق ملتوية، وكان يفعل ذلك وهو مطمئن إلى
أن القصر الملكي يحميه، خصوصاً أن الأرباح يكون
للملك نصيب فيها.
وقد اعتمد أبو سيف في فيلمه هذا على نفس الحادثة،
ودرس قضية هذا التاجر بشكل مركز، هذا إضافة إلى
أنه قد نزل سوق الخضار وأخذ يتكرر عليه وهو يرسم
شخصيات فيلمه من هناك، حتى تمكن بنجاح من تصوير
شخصياته، وخصوصاً الشخصيتين الرئيسيتين
"هريدي"
(فريد شوقي) و"أبو
زيد"
(زكي رستم).. وكل ذلك من
خلال ديكور متميز، استطاع أن يبنيه بالكامل في
الأستوديو، ديكوراً لسوق الخضار، يعتبر من أبرع ما
قدم من ديكور، وذلك لصدقه وطبيعيته.
يصل بطل الفيلم هريدي إلى السوق، قادماً من القرية
للبحث عن عمل، لذا نراه يرضى بالمهانة والمذلة في
سبيل أن يجمع قليلاً من المال يعتاش به. يمرض حمار
أحد الحمالين، فيغتنم هريدي هذه الفرصة، ليعمل
بدلاً من الحمار في جر العربة، أي إنه يتساوى مع
الحمار. إن صلاح أبو سيف يؤكد، من خلال هذا
التشابه، بأنه من أراد أن يدخل حلبة الصراع ـ صراع
الكبير والصغير، وصراع تاجر الجملة مع تاجر الرصيف
ـ عليه أن يبدأ قوياً وصبوراً، حتى لو اقتضى ذلك
بأن يكون حماراً.
أما الشخصية المحورية الثانية فهي شخصية أبو زيد،
التاجر المتسلط الذي يتاجر في قوت الشعب ويتحكم في
السوق وسنده في ذلك هو القصر الملكي.. إن أبو زيد
ذو شخصية قوية، لا تتدخل العواطف في حياته
وقراراته. فهو عندما يكتشف خيانة هريدي يدبر له
عملية قتل شنيعة في ليلة زفافه، تدل على قسوته
الجبارة.
إن (الفتوة) فيلم اجتماعي سياسي واقعي، يعالج فيه
أبو سيف مرحلة اقتصادية وتاريخية، ألا وهي مرحلة
الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية، وذلك من خلال
شريحة اجتماعية يمثلها بطله هريدي القادم من الريف
المصري، حيث يمر بعدة تطورات تنقله إلى مركز أكبر
برجوازي في السوق.
نهاية الفيلم، تعتبر من النهايات النادرة والهامة
في السينما المصرية، حيث أنها نفس البداية التي
بدأ بها هريدي في السوق، ولكن الوجوه تغيرت. إن
أبو سيف يريد أن يقول ـ بهذه النهاية ـ بأن
الدائرة مستمرة بتغيير الأشخاص، ولكن النظام في
محتواه الاستغلالي باقٍ لا يتغير.. إنه ينادي
بتغيير نظام المجتمع البرجوازي بأكمله. ولتأكيد
على ما يريده وإيصاله إلى المتفرج،
فهو يلفت
انتباه هذا المتفرج بشدة، وذلك عندما اختار الممثل
الكبير والمعروف لكل الجماهير
"محمود
المليجي"
ليظهر في لقطة ختامية واحدة.
إن من شاهد فيلم (الفتوة)، لابد أن يدهشه ذلك
الأداء التمثيلي الراقي من الممثل العملاق زكي
رستم في دور أبو زيد والفنان القدير فريد شوقي في
دور هريدي. لقد دخل الاثنان في مباراة تمثيلية
الخاسر فيها رابح، حيث استطاع أبو سيف إن يكشف عن
قدرات أدائية هائلة ومدفونة لدى كل منهما، لم يتم
استثمارها من قبل.
وبفيلم (الفتوة) ينهي صلاح أبو سيف مرحلة مهمة
تعتبر من أخصب مراحل مشواره السينمائي وأعظمها.
المرحلة الثالثة
( 1957
ــ 1968
):
بعد فيلم (الفتوة)، دخل أبو سيف مرحلة الإنتاج
الوفير، فقدم في الفترة من 1957 إلى 1968، ستة عشر
فيلماً، تنوعت مواضيعها بين الواقعية والوطنية
والعاطفية والغنائية، وتفاوتت في جودتها من فيلم
إلى آخر. ففي أفلام ( الطريق المسدود ـ هذا هو
الحب ـ أنا حرة )، عالج موضوع مهم بالنسبة لتلك
الفترة من حياة مصر السياسية والاجتماعية، مع بروز
وتطور العلاقات الاجتماعية، وهو موضوع تحرر المرأة
وخروجها للعمل جنباً إلى جنب مع الرجل، وأعطاها حق
الانتخاب وحق الاختيار في الحب والزواج.
أبرز أفلامه السياسية والواقعية في هذه الفترة،
كانت: بين السماء والأرض، بداية ونهاية، القاهرة
30،
الزوجة الثانية، القضية 68.
أما الفيلمان (بداية ونهاية، القاهرة 30) فهما من
أهم أفلامه السياسية الواقعية، في هذين الفيلمين
يبرز لنا صلاح أبوسيف السياسي التقدمي.. ففي لقاء
معه يقول:
"السياسة
ليست كالمفهوم التقليدي القديم
ـ حزب وشعارات.. السياسة هي الحياة بكل ما فيها..
كونك تعالج قضية اجتماعية فهذا عمل سياسي".
وعن مفهومه للواقعية الاشتراكية يقول:
"أولا
الواقعية هي التناول الصادق للمشكلات التي تهم
الشعب والمجتمع.. وقد كانت الواقعية قديماً تتلخص
في محاولة وصف الواقع بكل ما فيه من آلام وأحزان،
وكانت ذات طابع سوداوي، فكانت ترى الإنسان يولد
ويعيش في فقر وألم وحزن حتى الموت، أما الواقعية
الاشتراكية فهي لا تنظر هذه النظرة السوداوية
وإنما تبشر بالأمل في الخلاص من هذا البؤس، وذلك
في مستقبل يضعه الإنسان بوعي وجهد".
بداية ونهاية ـ 1960:
قصة: نجيب محفوظ -
سيناريو: صلاح عز الدين + صلاح أبو سيف ـ حوار:
كامل عبد السلام + أحمد شكري – تمثيل: فريد
شوقي + عمر
الشريف +
سناء جميل + أمينة رزق + كمال
حسين
يعتبر (بداية ونهاية)، والمأخوذ عن رواية بنفس
الاسم للروائي الكبير نجيب محفوظ، من أهم ما قدم
للسينما من أدب نجيب محفوظ، حيث أن عدداً ليس
بالقليل من المخرجين قدموا روايات وقصص لمحفوظ،
إلا أن ارتباط اسم محفوظ (الروائي الواقعي) باسم
أبو سيف (السينمائي الواقعي) يعتبر مثالاً لذلك
التجانس الأدبي والفني المتميز، والذي أثمر
أعمالاً سينمائية جيدة وقوية في المضمون الفني
والتقني. وفيلم (بداية ونهاية) يعتبر من أهم ثمرات
هذا التجانس.
لقد اشترك أبو سيف في كتابة سيناريو الفيلم مع
السيناريست صلاح عز الدين، وكانت مهمة صعبة وشاقة،
حيث كانت الرواية حافلة بالأحداث والشخصيات. ومن
الطبيعي في أن قارئ الرواية سيكتشف بعد مشاهدته
للفيلم، بان ما يعرفه عن الأحداث كان أكثر مما
شاهده، حيث إن أقصى ما يستطيع أن يحققه كاتب
السيناريو من نجاح ـ عند تحويله هذه الرواية
بالذات إلى السينما ـ هو التوفيق في الاحتفاظ
بالجو العام والمضمون الذي تحمله الرواية. وهذا
بالضبط ما وفق فيه كاتب السيناريو، حيث لجأ إلى
الحذف الكامل لبعض الفصول من الرواية، والدمج بين
أحداث فصلين أو أكثر، وذلك بعمليات وتصرفات فنية
مشروعة.
ثم أن رواية
"بداية
ونهاية"
نفسها تعتبر من أكثر
روايات محفوظ قابلية للترجمة السينمائية، فقد
احتوت على العديد من المميزات التي تساهم في ذلك.
فبالإضافة إلى البناء المعماري للرواية، والذي
يتشكل في خطوط درامية تلتقي في نقطة واحدة، وذلك
النمو الطولي للأحداث.. كل هذا ساعد كثيراً على
خلق وحدة درامية مناسبة للفيلم. ثم أن ترتيب
الفصول والأحداث داخل الرواية قد أوحى بإمكانية
عمل صياغة بين تطور العلاقة بين شخصيتي (نفيسة،
سلمان) من جانب، وبين شخصيتي (حسنين، بهية) من
جانب آخر.
لقد نشرت رواية بداية ونهاية عام 1949، وتعتبر من
أنضج روايات تلك المرحلة التاريخية. فقد اهتم نجيب
محفوظ فيها بتصوير تفاعل العلاقات الاجتماعية من
جانب، وتصوير الواقع الحضاري للمجتمع من جانب
آخر.. هذا إضافة إلى البحث في التكوين الذاتي
لنفسية الفرد وعلاقته بهذا المجتمع.
"البداية"
هي موت الأب، و"النهاية"
هي تفسخ الأسرة
وانهيارها، لتتخذ هذه المأساة ذلك الشكل التراجيدي
القاتم، لكونها أصابت تلك الأسرة النموذج، والتي
تنتمي للشريحة القابعة في قاع الطبقة المتوسطة أو
الفقيرة، والتي تعاني من التكوين الهش والكيان
الاجتماعي الممزق، وتلك القيود والتقاليد التي
تتصادم بشدة مع واقعها. فبعد موت العائل الوحيد
للأسرة، لا يفصلها عن اللحاق به في قبره سوى قطع
الأثاث التي أخذت تذوب في أمعائهم شيئاً فشيئاً.
إلا أن تواطؤ المجتمع اللاإنساني الذي يترك أبناءه
يعيشون في مثل ذلك الفقر والعوز بلا تأمين أو
ضمان، إضافة إلى العوامل الذاتية لكل شخصية، قد
أدى إلى سقوطها الحتمي. فالابن الأكبر
"حسن"
هو
نموذج للبلطجي الجاهل، والذي ينتهي إلى عالم
الإجرام مروجاً للمخدرات. والابنة
"نفيسة"
هي
نموذج للعانس القليلة الحظ في كل شيء، المال
والجمال والعلم، غير إن غريزتها متأججة لا تهدأ..
لذلك تنتهي إلى الاتجار بعرضها وتنتحر بتحريض من
شقيقها الأصغر
"حسنين".
وهذا الـ"حسنين"
هو أيضاً
نموذج الأناني المتطلع طبقياً، والذي يصطدم في
النهاية بالحواجز الطبقية لتحول بينه وبين ركوب
الطبقة الأعلى، وذلك بفشله من الاقتران بإحدى
بناتها، ليفيق على واقعه الأليم في ضياع الحاضر
والمستقبل، فيلحق بشقيقته متطهراً في مياه النيل.
هذا بينما الأم نموذج الحزم والصرامة، تقف كربان
سفينة تحاول عبثاً، ومعها الابن الأوسط
"حسين"
نموذج المثقف الذي لا يتردد ـ عند الاختبار ـ عن
التضحية بمصلحته من أجل منفعة الأسرة ومصلحتها.
هذا هو الفيلم الذي أبدعه مخرجنا صلاح أبو سيف،
مستخدماً كافة أدواته الفنية ليصنع بها قصيدة
سينمائية واقعية. ثم إذا كان السيناريو قد وصل إلى
ذلك النضج الفني والاقتراب من مفهوم الرواية، فان
أبو سيف قد استفاد كثيراً من التقارب في المزاج
والأسلوب الفني بينه وبين نجيب محفوظ، بل وسخر
كامل خبرته السينمائية في الوصول إلى مستوى فني
جيد في ترجمته للرواية.. فقد تعددت إمكانيات
الصورة السينمائية لديه، من خلال الممثل والكادر
السينمائي وزوايا الكاميرا وحركتها والديكور
والملابس والإضاءة والمونتاج، هذا إضافة إلى عنصر
الصوت من موسيقى ومؤثرات سمعية. ثم التكوين العام
الذي يجمع بين عناصر الصورة المتنوعة.
لقد نجح صلاح أبو سيف في توظيف جميع هذه العناصر
الفنية والتقنية توظيفاً متناسباً ومنسجماً مع
أحداث الرواية وشخصياتها، معطياً للمتفرج لوحات
بصرية تميزت بالأصالة والصدق العميق.
القاهرة 30 ـ 1966
قصة: نجيب محفوظ
–
سيناريو: علي الزرقاني + وفية خيري + صلاح أبوسيف
–
تمثيل: سعاد حسني +
حمدي أحمد + أحمد مظهر + عبد
العزيز ميكوي + عبد المنعم إبراهيم +
يوسف وهبي
+
بهيجة حافظ + عقيلة راتب + توفيق الدقن +
شفيق نور
الدين
يحكي الفيلم قصة المجتمع المصري أيام الثلاثينات
من خلال ثلاثة شبان يدرسون الفلسفة وهم على مشارف
التخرج. الأول علي طه (عبد العزيز ميكوي) السياسي
التقدمي الذي يؤمن بالثورة الاشتراكية لتغيير
المجتمع. والثاني أحمد بدير (عبد المنعم إبراهيم)
الذي يحترف الصحافة، وهو غير راض عن وضعه المعيشي
والاجتماعي والسياسي، إلا أنه يؤمن بأنه لن يستطيع
التأثير في المجتمع وتغييره ما لم يحصل على المال
الذي يساعده في النضال. أما الثالث وهو أفقرهم
محجوب عبد الدايم (حمدي أحمد) الشخص الانتهازي
الذي يريد أن يغير ويحسن من وضعه لوحده، وليس
تغيير المجتمع، فهو ينافق ويكذب ويتنصل لأسرته
ويفعل أي شيء لكي يصل إلى مبتغاه، حتى ولو كان ذلك
على حساب كرامته. وهماك أيضاً الفتاة إحسان (سعاد
حسني) التي تحب الشاب الثوري علي طه، إلا أنها لا
تستمر في هذا الحب وتقبل بأن تكون عشيقة الباشا
(أحمد مظهر) وزوجة محجوب عيد الدايم في نفس الوقت.
وتقبل إحسان بهذا الوضع هروباً من واقع أليم، تحت
ضغط والديها وأخوتها الذين يتضورون جوعاً من جانب،
ومن جانب آخر تجد أنانية حبيبها المشغول عنها
بالسياسة وحب مصر. مع أننا نكتشف بأنها لازالت
تتمسك بأفكار حبيبها في تغيير المجتمع، إلا أنها
تؤمن في سلك طرق أخرى.
نحن أمام نماذج بشرية تمثل شرائح معينة من مجتمع
الثلاثينات، قدمها أبو سيف بشكل واقعي مقنع وجعلنا
نتعاطف معها بالرغم من سقوطهم عند أول مواجهة. وهو
بذلك يحدد الحل الجذري بالثورة والتغيير الكلي
للمجتمع.
إن وجود مشهد واحد مصور بالألوان في الفيلم، كان
مفاجأة حقيقية للمتفرجين.. فلماذا مشهد واحد فقط،
ولماذا هذا المشهد بالذات؟ إن أبوسيف عندما استخدم
الألوان في الحفلة الخيرية ـ التي أقامتها امرأة
من الطبقة البرجوازية ـ لا لشيء إلا ليبرز هذا
المجتمع بكل ألوانه البراقة وبكل اللهو والبذخ
والثراء الذي فيه.
أما نهاية الفيلم ـ كما عودنا أبوسيف أن تكون
نهاية أفلامه ذات مغزى كبير ـ فهي كلها أمل وثقة
بحتمية الثورة وقيامها.. عندما نرى الشاب الثوري
(علي طه) وهو يطوف بين الناس الخارجين من المسجد
بعد صلاة الجمعة، ويرمي منشوراته في الهواء لتبدو
وكأنها طيور الحمام الأبيض التي ترمز للسلام. هنا
يضع أبو سيف الحل لهذا الفساد المتفشي في قيام
المجتمع الاشتراكي.
بعد ذلك قدم أبوسيف في عام 1968 فيلم (القضية 68)،
وقال عن الفيلم:
"ناقشت
في هذا الفيلم فساد
الهيئات والمنظمات التي تحكمنا من خلال استخدام
الرمز.. فوحدة الاتحاد الاشتراكي كانت في أرضية
البيت المهدد بالسقوط وقصدت من هذا انفصال هذه
القيادة المنظمة عن القاعدة الجماهيرية وركوبها
الموجة ووقوفها فوق رأس الناس العاديين.. والفيلم
يقول أنها لم تكن قيادة سياسية أمينة وإنما هي
قيادة انتهازية.. ورغم جهلهم الشديد واستغلالهم
الشديد للشعب كانوا يحكمونه ولعل ذلك هو السر في
وقوع الهزيمة.. أو انهيار البيت في القضية..
والقضية المهمة هي قضية التغيير أم الإصلاح، وكان
الرمز المستخدم البيت أيضاً.. نهدم البيت ونغيره
ونعيد بناءه من جديد، أم نكتفي بإصلاحه وترميمه،
ويظل يهددنا بالانهيار . المهم انهار البيت بمفرده
بوقوع هزيمة 67، وكان علينا مضطرين وغير مضطرين
إلى إعادة بنائه. وربما ساعدنا هذا الحديث على فهم
محتوى الفيلم".
المرحلة الرابعة
والأخيرة ( 1970 ــ 1986 ):
لقد كان فيلم (فجر الإسلام) هو باكورة أفلام أبو
سيف في هذه المرحلة. وهو بهذا الفيلم يتجه إلى
الإنتاج الضخم في السينما. وقد قدم من خلاله رؤية
متطورة لذلك الصراع التقليدي بين المسلمين
والمشركين، حيث جعل هذا الصراع رمزاً لكل صراع بين
التخلف والتقدم، واتبع أسلوباً جديداً في الإخراج،
ركز فيه على المعاني الإنسانية.
في هذه المرحلة، قدم أبو سيف مجموعة كبيرة من
الأفلام، تفاوتت في المستوى وتعددت في النوعية.
ومن أهمها (حمام الملاطيلي، السقامات).
فجر الإسلام ـ 1971:
قصة وحوار: عبد
الحميد جودة السحار ـ سيناريو: عبد الحميد جودة
السحار, صلاح
أبو سيف ـ
تمثيل: محمود مرسي + نجوى
إبراهيم + يحيى شاهين + عبد الرحمن علي + سمحية
أيوب
فيلم (فجر الإسلام ـ 1971) من الأفلام التاريخية
والدينية الهامة في السينما المصرية.. فيلم أصبح
من بين كلاسيكيات هذه السينما.. فيلم يتكرر عرضه
مع أغلب المناسبات الدينية على مدار كل عام. قام
بإخراج هذا الفيلم الفنان الكبير صلاح أبو سيف،
ومثل فيه كل من: محمود مرسي، سميحة أيوب، يحيى
شاهين، وحشد كبير من الممثلين والكومبارس.
قصة الفيلم تصور ما كان عليه الناس في الجاهلية من
انحلال خلقي وانحطاط عقلي وسيطرة للخرافات، إلى أن
ظهر الدين الإسلامي في مكة، وكان من بين من آمن به
ابن شيخ قبيلة من القبائل الواقعة بين مكة
والمدينة، والذي بدوره راح يدعو قبيلته إلى هذا
الدين الجديد. حينها قام صراع بين الجيلين الجديد
والقديم، الجيل الذي يتطلع للنهوض بالحق والجيل
الذي يتمسك بالقديم الباطل.
كتب القصة والسيناريو للفيلم الأديب عبد الحميد
جودة السحار، وكان السحار يكتب في السيرة النبوية
والدراسات الإسلامية منذ أكثر من ربع قرن، دارساً
ومحللاً وروائياً، مما جعل (فجر الإسلام) ليس
فيلماً على المستوى الروائي فحسب، وإنما على مستوى
الدراسة العلمية التاريخية السليمة.
أما إنتاج الفيلم ، فقد مر بمراحل كثيرة حتى ظهوره
على الشاشة. فقد فكر الفنان مدير التصوير عبد
العزيز فهمي في إنتاج هذا الفيلم قبل خمس سنوات من
تنفيذه، وذلك عندما وضع له ميزانية قدرها ثمانين
ألف جنيه مصري. وبالرغم من ضخامة هذه الميزانية
حينها، إلا أنها لم تسعفه على إنجاز هذا الفيلم
حسب تصوراته كفنان. فاستعان بمؤسسة السينما، والتي
بدورها وضعت للفيلم ميزانية قدرها مائة وعشرون
ألفاً، وأسندت إخراجه في البداية للمخرج عاطف
سالم. وبدأ التصوير، لولا أن حادث تصادم قد وقع
للمخرج، فرأت المؤسسة إسناد الإخراج لصلاح أبو
سيف، الذي بدأ العمل من جديد، بعد أن رأي بأن يعيد
النظر في بعض الأدوار، وإدخال بعض التعديلات على
السيناريو.
إن (فجر الإسلام) هو أول فيلم ديني أو تاريخي
يخرجه صلاح أبو سيف، فقد عرفناه مخرجاً واقعياً من
قبل، في أفلام مثل الوحش، الفتوة، بداية ونهاية،
وغيره من الأفلام التي يعالج فيها واقعاً اجتماعيا
أو سياسياً يمس قضايا مصيرية هامة في أحيان كثيرة.
أما في (فجر الإسلام) فيقدم موضوعاً جديداً عليه،
موضوعاً عن ظهور الإسلام والصراع بين المسلمين
والمشركين، هذا الصراع التقليدي الذي شاهدناه في
أفلام ودراما تليفزيونية كثيرة. ولكن أبو سيف في
فيلمه هذا اتبع أسلوباً جديداً في تناوله لهذا
الصراع، حيث جعله رمزاً لكل صراع بين التخلف
والتقدم، وركز فيه على المعاني الإنسانية النفسية
والاجتماعية في الفيلم، كما أنه اختار الممثلين في
أدوار تتفق وإمكانياتهم وقدراتهم الفنية
والأدائية، ونجح في إدارتهم وإدارة جميع من معه من
فنيين، وعلى رأسهم ـ بالطبع ـ الفنان الكبير عبد
العزيز فهمي، والذي ساهم بشكل كبير وهام في إظهار
الفيلم على ما هو عليه من مستوى فني جيد. فقد
استخدم ـ هذا الفنان العبقري ـ الألوان بقيمتها
الدرامية وليس فقط قيمتها التصويرية الوصفية، وعبر
بالصورة ـ وبشكل خلاق ـ عن الحدث والدراما
الداخلية للأحداث والشخصيات. كما أبدع كادرات
سينمائية قوية ذات تكوينات جمالية موحية ومعبرة،
وأضاف بهذا الفيلم الكثير إلى تقنية الصورة في
السينما المصرية.
حمام الملاطيلي ـ
1973:
قصة: إسماعيل ولي
الدين ـ سيناريو:
محسن زايد + أبو سيف ـ
حوار:
محسن زايد ـ تمثيل: شمس البارودي + محمد العربي
+
يوسف شعبان + فايز حلاوة + إبراهيم عبد الرازق +
نعمت مختار
الجنس قضية اجتماعية هامة في عالمنا المعاصر،
والجنس في فيلم (حمام الملاطيلي) عبارة عن إسقاطات
على الفساد الأخلاقي والسياسي والإداري الذي
عالجها أبو سيف بواقعية وصدق حقيقيان، حيث عرض
شرائح تمثل المجتمع المصري بعد هزيمة 67. كما أراد
من خلال فيلمه هذا، أن يقول بأن الهزيمة لم تأت من
خارج المجتمع المصري وإنما من داخله، من ذلك
الفساد والتسوس الذي كان ينخر في نفوس الناس.
يبدأ الفيلم بمقدمة مدتها ثلاث دقائق، هي عبارة عن
شريط تسجيلي عن الحياة في القاهرة. تطوف الكاميرا
شوارع القاهرة لنشاهد المباني الشاهقة المخصصة
لإدارة الإنتاج، والتي تضم رجالاً ونساءً لا
يعملون. ونلاحظ تلك الأوامر الكثيرة المنتشرة في
كل مكان والتي زادت على الحد الطبيعي، ولم يعد
ينفذها أحد، تلك الأوامر المتمثلة في لافتات
الممنوعات. حتى أننا نلاحظها في تماثيل الميادين،
حيث تجد أغلبها لأشخاص يشيرون بأصابعهم بصيغة
الأمر. وفي هذا الشريط التسجيلي وفق أبو سيف بحركة
كاميرته الموفقة ولقطاته السريعة والمتلاحقة
للقطات الزوم والبان والترافلنج.
كذلك قدم لنا أبو سيف الانحراف الجنسي، ليعبر عن
ضعف الإنسان الذي يلجأ إلى الجنس والمخدرات
والشذوذ. ومثلما طرح أبو سيف في فيلمه (القضية 68)
على أن الهزيمة هي مسؤولية النظام السياسي الفاسد،
فهو في هذا الفيلم يرجع الهزيمة إلى فساد المجتمع
أيضاً. فالشاب أحمد حائز بين الروتين والمجتمع
الجامد.. بين الفضيلة والرذيلة.. بين الشرف
والخيانة. ويرى في الانحراف وسيلة لنسيان همومه.
يلتقي أحمد في البداية بنعيمة، التي هربت من أهلها
في الريف وجاءت إلى القاهرة لتعمل، إلا أن الفقر
جنى عليها فباعت جسدها لمن يدفع الثمن. ومن خلال
هذه الشخصية يعرض لنا أبو سيف شريحة مهمة في
المجتمع المصري، تعيش على بيع جسدها مقابل لقمة
العيش، وقد قدم هذه الشريحة بصدق وبجرأة حادة. ثم
يذهب أحمد إلى الحمام الشعبي (وهو صورة مصغرة
للمجتمع) للسكن هناك. ويشاهد في الحمام الشعبي
عالماً آخراً بشخصياته المختلفة. يستقبله المعلم
صاحب الحمام ابن البلد الأصيل والطيب، ويتعرف على
رءوف بيه الإنسان المريض جنسياً والذي ظلمته أسرته
والمجتمع على السواء ولم يجد من ينقذه من محنته،
ويتردد على الحمام عله يجد من يشبع رغباته الجنسية
الشاذة. وكذلك يشاهد الشيخ الراوي الذي نفهم من
رواياته وأحاديثه إسقاطات فلسفية وسياسية نقدية
للمجتمع، خصوصاً في قوله ( إصحي يا مصر.. شدي
الهمة وعدي يا مصر.. التاريخ ما بيستناش حد ). كما
أن أبو سيف في هذا الفيلم قد عرض لنا ظاهرة التسيب
في مكاتب القطاع العام، من خلال الموظفين
المشغولين بحل الكلمات المتقاطعة وقراءة الجرائد
وغيرها من أمور تعطلهم عن القيام بتخليص المعاملات
للجمهور.
هكذا يطرح أبوسيف الجنس للمرة الثانية، بعد فيلمه
"شباب
امرأة".
في
"حمام
الملاطيلي"
يعالج الواقع
المصري بعد حزيمة 67 بكل ما فيه من إيجابيات
وسلبيات معالجة جريئة وموفقة.
الكذاب ـ 1975:
قصة: صالح مرسي
–
سيناريو وحوار: صالح مرسي + صلاح أبوسيف – تمثيل:
محمود ياسين + ميرفت أمين + شويكار + جميل راتب
كما عودنا أبو سيف في أفلامه الواقعية السابقة
(ريا وسكينة، الوحش، الفتوة)، اعتمد في فيلم
(الكذاب) على حادثة حقيقية، فالفيلم كتب قصته
الصحفي صالح مرسي الذي نشر سلسلة من التحقيقات
الجريئة في مجلة صباح الخير حول الفساد في بعض
أجهزة القطاع العام، وكشف عن سرقات حدثت في شركة
المنسوجات. وهي قصة شغلت الرأي العام والقضاء
المصري لسنوات طويلة.
الفيلم في محوره الأساسي يدور حول الصحفي محمود
حمدي (محمود ياسين) الذي ينشر تحقيقاً مسلسلاً حول
سرقة الأقمشة من مصنع حكومي، وبيعها في السوق
السوداء لحساب رئيس مجلس الإدارة سامي بيه (جميل
راتب). ويعتمد هذا الصحفي على أقوال عاملين من
المصنع، هما أيضاً عضوين في مجلس الإدارة، إلا
أنهما ينكران أقوالهما بعد ذلك بتهديد من سامي
بيه. مما يجعل محمود في موقف حرج، فيقدم استقالته
ويذهب للبحث عن الشاهد الأول مرزوق (حمدي أحمد)،
الذي يسكن في حي السيدة زينب، لذا يتنكر الصحفي
ليعمل في القهوة الشعبية هناك.
في هذا الحي، تبرز لنا واقعية أبو سيف، حيث أن
فيلم (الكذاب) يذكرنا بحارة كمال سليم في فيلمه
(العزيمة)، والذي عمل فيه أبو سيف كمساعد مخرج منذ
حوالي النصف قرن. وفي فيلم (الكذاب) يقدم لنا أبو
سيف شخصيات من واقع الحارة المصرية، بكل صفاتها من
شهامة وتكاتف في وقت الشدة، كما قدم لنا الفقر
والبساطة التي يتحلى بها أهل الحارة الشعبية. إن
حارة صلاح أبو سيف حارة صناعية عملت في الأستوديو،
لكنها بدت حقيقية بشخصياتها وبمساعدة فنان الديكور
ماهر عبد النور، الذي جعلنا نشعر وكأننا في حي
السيدة زينب فعلاً.
أما الصحفي، ومن خلال عمله في القهوة وتواجده بين
أهلها، نراه يقيم علاقة حب مع عزيزة (شويكار) تصل
به أن يعرض عليها الزواج. ومن ناحية سامي بيه،
فيعرف من الشاهد الثاني سعيد (مدحت مرسي) بأن
الصحفي يعمل في القهوة، فيدبر له عملية قتل، يكون
ضحيتها سعيد نفسه، وبالتالي يعترف الشاهد الثاني
مرزوق بكل شيء.
هناك ايضاً شخصية المخرج زكي (إبراهيم عبد
الرازق)، الذي يدخل في خناقة مع الصحفي حول أفلامه
الهابطة التي تخدر الشعب وتزيد من تخلفه، وهي
بالطبع إشارة مهمة يثيرها أبو سيف ويشير إلى موقفه
من هذه الأفلام.
إن صلاح أبو سيف في فيلمه هذا يقدم كوميديا خفيفة
في بعض المشاهد، معتقداً بأنه يخفف من جدية الفيلم
وجفافه، إلا انه لم يوفق في ذلك، خصوصاً عندما قدم
شخصية الخادم جمعة (محمد نجم)، حيث كانت شخصية
مشوهة ومهزوزة.
إن فيلم (الكذاب) يعتبر من بين أفلام أبو سيف
الواقعية الجيدة، والتي عالج وتناول فيها الحارة
الشعبية بشكل جيد يحسب له في مسيرته الفنية
الواقعية.
سنة أولى حب ـ 1976:
قصة: مصطفى أمين
–
سيناريو وحوار: أحمد صالح – إخراج: صلاح أبوسيف
+
نيازي مصطفى + عاطف سالم + حلمي حليم – تمثيل:
محمود ياسين + نجلاء فتحي + بوسي + عدلي كاسب
فيلمنا هذا قام بإخراجه أربعة من كبار المخرجين في
مصر (صلاح أبوسيف، نيازي مصطفى، عاطف سالم، حلمي
حليم).. وهي سابقة تحدث لأول مرة في السينما
المصرية. حيث أنها عملية غير مأمونة العواقب، وذلك
لأن لكل مخرج منهم أسلوبه وشخصيته وطريقته الخاصة
في الإخراج إلا أن وجود مخرج كبير مثل كمال الشيخ،
قد ساهم كثيراً في تجاوز مثل هكذا مشكلة، حيث أشرف
على السرد الفيلمي للمونتاج. وقد نجح إلى حد ما في
تقديم أسلوب سردي موحد، ساعده في ذلك خبرته
الطويلة في المونتاج. وكتب سيناريو الفيلم
السنياريست أحمد صالح، عن قصة بنفس الاسم للكاتب
الصحفي مصطفى أمين.
يتحدث الفيلم عن فترة من أهم الفترات السياسية في
تاريخ مصر الحديث، ألا وهي بداية الثلاثينات، حيث
الفساد داخل الحكومة ومؤامراتها ضد المعارضة،
وسيادة القمع والإرهاب وإسكات الحريات، يقابلها
على الجانب الآخر الإضرابات والمظاهرات ضد الحكومة
والمطالبة بحماية الديمقراطية وإطلاق الحريات
العامة. وفي تلك الفترة من الغليان السياسي
والاجتماعي يبرز دور عمال العنابر بالسكة الحديد،
حيث إنهم أول من قاد التمرد والثورة ضد الحكومة
وضد الحكم الفاسد، مطالبين بخروج الإنجليز من مصر.
كل هذا الزخم السياسي استغله صانعو الفيلم لتقديم
دراما عاطفية ميلودرامية مع رؤية سياسية اجتماعية،
تبدو وكأنها محشورة في الفيلم حشراً لا داعي له،
وتفتقر إلى التحليل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي
لتلك الفترة، وتقدم وجهة نظر خاصة جداً وأحادية
الرؤية. تنفي الفعل الجماعي وتركز على الحل
الفردي.
يبدأ الفيلم بمظاهرة لعمال العنابر بالسكة الحديد،
وأثناء قمع المظاهرة من قبل أجهزة السلطة، يصاب
العامل حنفي (أحمد الجزيري)، والد محمد (محمود
ياسين). ومحمد طالب جامعي فقير يجب أن يكون بعيداً
عن السياسة مشاكلها، وتشاء الصدف أن يعطي محمد
دروساً خصوصية لنجوى (بوسي) ابنة المنسترلي باشا.
تحاول نجوى إقامة علاقة عاطفية معه، إلا أنه لا
يجرؤ على ذلك، خصوصاً عندما يرى ذلك البعد الطبقي
والاجتماعي بينهما.
يلقى القبض على والد محمد بتهمة خطف وزير الحربية
وقتله، حيث يعذب من قبل رجال عوني حافظ (جميل
راتب) وزير الداخلية، ليعترف والد محمد في
النهاية، من جراء قسوة التعذيب، بجريمة لم
يرتكبها، وبالتالي يقبض على محمد وأمه (أمينة
رزق)، إلا أن الحقيقة تكتشف ذلك أن الوزير لم
يختطف وإنما كان نائماً في سيارته، وعلى ضوء ذلك
يطلق سراح العائلة الفقيرة بعد أن فقد الوالد
توازنه العقلي. لذلك يقرر محمد أن يقتل عوني حافظ
انتقاماً لوالده، ولكنه يفشل في المحاولة. وتساعده
على الهرب امرأة جميلة تدعى بأنها ممرضة، ويكتشف
محمد بأنها زوجة عوني حافظ. وذلك عند دخوله قصر
عوني لسرقة بعض الأوراق الخاصة بالمعارضة بعد أن
انضم لها. وتنشأ بينه وبين زبيدة زوجة عوني (نجلاء
فتحي) قصة حب رومانسية.
أما المعارضة، فهي تحاول التصدي للحكومة. هذا من
جهة، ومن جهة أخرى يدير عوني حافظ بمساعدة جهاز
مخابراته مؤامرة ضد المعارضة حيث يصل إلى خطيبة
زعيم المعارضة لمحاولة تشويه سمعته، إلا أن
المحاولة تفشل بمساعدة محمد وزبيدة.
في النهاية ينتحر محمد بسبب اليأس والإحباط الذي
سيطر عليه، خصوصاً بعد طرده من عمله في صحيفة
المعارضة، ثم نتيجة وشاية دبرتها له نجوى التي رفض
محمد حبها، لتحطيم مستقبله. صحيح أن الحقيقة تظهر
في النهاية، إلا أنها تظهر بعد فوات الأوان، بعد
انتحار محمد.
الفيلم في تصوري من أسوأ النماذج التي تحدثت عن
تلك الفترة السياسية، حيث أنه قدم للمتفرج علاقات
مريضة وبعيدة عن المنطق الاجتماعي والسياسي، هذا
إضافة إلى استسهاله لقضية النضال الوطني وتصغير
حجمها الحقيقي وتقديمها على أنها تقتصر فقط على
المؤامرات والدسائس فيما بين الحكومة والمعارضة،
وكأنها مشاكل وخلافات شخصية لا تهم المجتمع بشيء.
مبتعداً بذلك عن قضايا الجماهير الحقيقية.
نحن إذن أمام فيلم تجاري رديء يتاجر بالشعارات
السياسية، ويخدع المتفرج ويستغله بشكل سافر وساذج
وبعيد عن المنطق، هذا إضافة إلى ضياع ذلك الجهد
الفني والإمكانيات الإنتاجية التي سخرت لفيلم يا
يستحقها ولا حتى يستحق أن يجلب له أربعة من كبار
المخرجين، وعلى رأسهم المخرج صلاح أبوسيف، الذي
قدم الواقع السياسي والاجتماعي بشكل قوي وجريء في
أفلام مثل (القاهرة 30 - القضية 68).
وسقطت في بحر العسل ـ
1977:
قصة: إحسان عبدالقدوس
–
سيناريو وحوار: وفيه حيري + صلاح أبوسيف
–
تميثيل: محمود ياسين + نبيلة عبيد + نادية لطفي
+
تحية كاريوكا
إن هذا الفيلم بعيد كل البعد عن واقعية أبوسيف،
فقد عالج فيه موضوعاً عاطفياً في قصة قصيرة من قصص
إحسان عبدالقدوس. حيث تدور أحداث الفيلم حول فتاة
من أسرة غنية اسمها
"مايسة"
(نبيلة عبيد) تتعرف
على شاب صعيدي هو
"بكر"
(محمود ياسين)، وتنشأ
بينهما علاقة حب جارفة ثم تكتشف مايسة أن بكر على
علاقة بامرأة متزوجة ويقر بكر بذلك عندما سألته.
ولكنه لا يستطيع أن يترك المرأة التي ساعدته في
بداية حياته وانه يدين لها بالكثير وتشن مايسه
حرباً تحت ستار الغيرة على
"زيزي"
(نادية
لطفي)
ولكن في النهاية تتضح الحقيقة وهي أن المرأة
الأخرى في حياة بكر هي نفوسة (تحية كاريوكا) وليست
زيزي.. وأخيراً يقطع بكر علاقته بنفوسة ويختار
مايسه شريكة حياته ويتزوجها وينتهي الفيلم نهاية
سعيدة تقليدية كمعظم الأفلام العربية.
هذا الفيلم بمثابة ثغرة خطيرة في مسيرة أبوسيف
الفنية، حيث أنه يتجه إلى الفيلم العاطفي الهزيل
الذي لا يعالج فيه الواقع المهم لحياة البسطاء..
كذلك لم يوفق أبوسيف في بعض الشخصيات التي تعتبر
دخيلة على خط الفيلم العام.. كسمير غانم ويونس
شلبي واتخذهما وسيلة لإضفاء جو الكوميديا على
مشاهد الفيلم، ولكنه لم ينجح.
هذا النوع من الأفلام لا يلائم صلاح أبوسيف الذي
عرفناه من قبل.. وقد عالج في أفلامه السابقة
الأجواء الشعبية بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات.
السقا مات ـ 1977:
قصة: يوسف
السباعي ـ سيناريو
وحوار: محسن زايد + أبو سيف ـ
تمثيل: فريد شوقي +
عزت العلايلي + ناهد جبر
+
أمينة رزق + شويكار +
بلقيس
إن رواية السباعي السقامات، والتي صدرت عام 1952
تأخرت كثيراً في تحويلها إلى السينما، وذلك لأن
أحداثها تعالج قضية الموت، وهو شيء غير مستحب أن
يصور سينمائياً. إلا أن المخرج يوسف شاهين قام
بإنتاجها بشجاعة وأوكل إخراجها لأبو سيف، وكانت
مغامرة للاثنين. ولكن عندما عرض الفيلم استقبله
النقاد والجمهور على السواء استقبالا حاراً، وذلك
للمجهود الكبير الذي بذله أبو سيف في تقديمها
للسينما. وأعتبر النقاد الفيلم علامة هامة وبارزة
في تاريخ السينما المصرية.
تجري أحداث الفيلم في بداية العشرينات في حي
الحسينية، وتدور حول شخصية السقا المعلم شوشة (عزت
العلايلي) الذي يعيش وذكرى زوجته آمنة (ناهد جبر)
لا يفارقه، وهي التي أنجبت له ابنه سيد. ويضل
الحزن يصاحبه دوماً ويلعن الموت الذي اختطفها منه.
وتمر عشر سنوات على ولادة سيد (شريف صلاح الدين)
الذي يعيش مع والده وجدته أم آمنة (أمينة رزق) في
بيت صغير يخيم عليه شبح الموت. فبالرغم من السنوات
الطويلة إلا أن حبه لزوجته لا يموت. مع أن أم
آمنة، التي تسعى لخدمته رغم كبر سنها وفقدان
بصرها، تحثه على الزواج من جارتها زكية، ولكنه
يرفض الزواج وفاء لذكرى زوجته. يلتقي المعلم شوشة
صدفة بشحاته أفندي (فريد شوقي) ويتعرف عليه بعد أن
أنقذه من شجار كاد أن يقع مع المعلمة زمزم (تحية
كاريوكا) صاحبة المطعم الذي لم يدفع فلوس الأكل
فيه. ولسبب ظروف شحاته أفندي المالية يعرض عليه
المعلم أن يسكن عنده في منزله، فقد ارتاح له
كثيراً. هنا يحاول شحاته أفندي أن يخرج السقا من
عزلته ويأسه وخوفه من الموت، ويفاجأ السقا بأن
شحاته يشتغل مطيباتي جنازات، وهي مهنة كانت منتشرة
في الثلاثينات ولكنها اندثرت الآن.
وشخصية شحاته أفندي كانت محور فلسفة الموت في
الفيلم. فبالرغم من تعامله اليومي مع الموت من
خلال مهنته، إلا أنه كان يخاف الموت ويعتبره
جباناً لأنه لا يواجه الناس وإنما يأخذهم على
غفلة. ومن خلال حديثه مع المعلم شوشة، يقول:
(...أوعى
يكون اللي بيبكوا في المياتم بيبكوا على
الميت، دول بيبكوا على نفسيهم.. الموت جبان ما
يجيش إلا على غفلة.. ومدام هو جبان أخاف منه
ليه...). ويعيش شحاته أفندي ليومه فقط، فعندما
يحاول أن يستمتع بليلة مع غانية الحي عزيزة نوفل
(شويكار) ويستعد للقاء بها، يكون قد مات في هدوء.
إن موت شحاته أفندي وزواج جارته زكية، يسببان صدمة
قوية للمعلم شوشة. فصديقه الوحيد الذي ارتاح له
أخذه الموت مثل ما أخذ زوجته من قبل. وعندما أراد
أن يخرج من عزلته ويتزوج زكية يكون قد فات الأوان،
بعد أن ساهم بغير قصد في خطبتها لشاب في مثل سنها.
ولكنه بعد ذلك يتغلب على الموت ويجابهه ولا يهابه،
وذلك عندما تحداه وحل محل شحاته أفندي في العمل
كمطيباتي جنازات. بعدها يواصل حياته العادية بعد
أن نصب في الحي شيخ السقايين.
لقد نجح صلاح أبو سيف في فيلم السقامات، في معالجة
الواقع المصري في الثلاثينات، وذلك من خلال إظهار
مهنة السقا ومهنة المطيباتي اللتان اندثرتا
وأصبحتا من التراث. وقد صور أبو سيف هاتين
المهنتين بقدرة فائقة، وجعلنا نعيش تلك الأيام
كحقيقة. كما قدم لنا وصفاً دقيقاً للأجواء الشعبية
لحي الحسينية قبل وصول المياه إلى المنازل واعتماد
الناس على السقايين. وقد أضفى أبو سيف جواً من
الرومانسية والشاعرية الواقعية في مشاهد الفلاش
باك الجميلة.
ولا يمكن أن ننسى دور موسيقى الفيلم لفؤاد
الظاهري، والتي أغنت الفيلم وأوحت لنا بالجو
النفسي الذي يحويه وهو الموت، وخصوصاً الكورال
المصاحب لها.
وبفيلم
"السقامات"
يعود بنا صلاح أبوسيف إلى
واقعيته التي قدمها سابقاً في أفلام (الفتوة، شباب
امرأة، القاهرة 30).
المجرم - 1978
قصة: أميل زولا
(تيريز راكان) – سيناريو: نجيب محفوظ + صلاح
أبوسيف – تمثيل: حسن يوسف + شمس البارودي + أمينة
رزق + محمد عوض
قصة الفيلم بإيجاز تدور حول زوجين هما
"زغلول"
(محمد عوض) و"إنصاف"
(شمس البارودي). إنصاف امرأة
جميلة كانت تساعد عمتها في إدارة حمام شعبي في
الحارة ويظهر في الحارة فجأة
"منير"
(حسن
يوسف)
الذي يطمع في إنصاف وفي نقودها، فيتعرف على أهل
الحارة ثم يحاول أن يضع خطة للتخلص من زغلول ليحل
محله في البيت، وينجح في تنفيذ خطته عن طريق
إغراقه في البحر، ولكنه في النهاية يكتشف ويظهر
على حقيقته ويهرب خوفاً ليلحق به أهل الحارة،
فيسقط صريعاً في حمام الماء الحار.
فيلم
"المجرم"
هو إعادة غير موفقه لفيلم
"لك
يوم
يا ظالم"
الذي أخرجه أبوسيف في عام 1951، أي من
حوالي ثلاثين عاماً. وقد كان إخراجه لفيلم (لك يوم
يا ظالم) بمثابة التجربة الأولى بالنسبة لواقعية
أبوسيف، ولكنه في
"المجرم"
وبعد مشوار طويل لا أحد
يغفر له هذا الخطأ الفظيع حتى أبوسيف نفسه، حيث
جاء على لسانه في ندوة أقيمت في معهد الفنون
المسرحية بالكويت، رداً على سؤال حول تقليعة إعادة
الأفلام القديمة.. حيث قال:
"بالنسبة
لموضوع إعادة
الأفلام القديمة فهذا شيء سيء للغاية، وهو دلالة
على الإفلاس والعجز عن الحصول على مضامين أفلام
جديدة. ودلالة على محاولة بعض المنتجين تقليل
تكاليف الإنتاج وذلك بالحصول على سيناريو فيلم
قديم جاهز ليس له أصحاب وأنا ضد ذلك.. وضد
الإعادة، لذا فأنا أعتبر فيلم
"المجرم"
خطأ وقعت
فيه وأنا نادم على ذلك.. وتنفيذ فيلم المجرم جاء
نتيجة لمشاكل عديدة أهمها أني شعرت أنه سيعاد
إنتاجه فقلت
"بيدي
لا بيد غيري"..
قالها وهو
يضحك؟!
إن أبوسيف عندما قدم
"المجرم"
قد أهدر طاقات فنية
في غير محلها، ولكننا لا ننسى جهود بعض الممثلين
وعلى رأسهم الفنانة القديرة (أمينة رزق) التي
أجادت وأعطت للدور كل ما تملك من خبرة فنية وقدرات
أدائية.
كذلك لا ننسى دور كل من الديكور (ماهر عبدالنور)
الذي قدم الحارة الشعبية في فيلم
"الكذاب"
أيضاً
قدم الواقعية في الحي وفي الحمام الشعبي.
الموسيقى أيضاً (جمال سلامة) أوحت بالجو المأساوي
الذي يريده المخرج في بعض المشاهد. أما التصوير
للفنان
"محمود
نصر"،
فقد أعطى لقطات جيدة وموفقة
خصوصاً تلك الكبيرة لوجه ويد أمينة رزق عندما
أصابها الشلل.
وأخيراً يعتبر فيلم
"المجرم"
بقعة سوداء في مسيرة
مخرجنا صلاح أبوسيف. انصرف أبوسيف، بعد فيلم
"المجرم"،
إلى إخراج الأفلام التاريخية ذات
الإنتاج الضخم، فقد قام بالتحضير لفيلم كان سيخرجه
لحساب الديوان الوطني لصناعة السينما بالجزائر..
والفيلم مأخوذ عن رواية للروائي الجزائري
"عبدالحميد
بن هدوقة"
تتناول واقع الجزائر
المعاصر، في الفترة التي أعقبت مرحلة التحرير. ولم
يبق من الفيلم سوى التصوير، الذي كان مقرراً أن
يكون في الجزائر وبممثلين وفنيين جزائريين، ولكن
للأسف لم يظهر هذا الفيلم إلى النور.. فنتساءل: هل
أجل هذا الفيلم إلى أجل غير مسمى؟ أم أنه لن ينتج
وقد أسدل عليه الستار؟
كذل في نفس الفترة التي كان فيها أبوسيف يعد
للفيلم الجزائري، عرض عليه من قبل المؤسسة العامة
للسينما والمسرح في العراق، إخراج فيلم يحكي عن
تاريخ العراق بفيلم تحت اسم
"القادسية".
القادسية - 1981
قصة: عبدالحميد جودة
السحار + علي أحمد باكثير + أحمد عادل كمال
–
سيناريو: محفوظ عبدالرحمن + صلاح أبوسيف – تمثيل:
عزت العلايلي + شذى سالم + سعاد حسني + محمد
المنصور
إن فيلم
"القادسية"
يدور حول المعركة التاريخية
التي دارت رحاها بين العرب المسلمين وبين الفرس
سنة 627 ميلادية، ويعتبر الفيلم أكبر إنتاج عربي
تاريخي، حيث وضعت له ميزانية قدرها مليونا دينار
عراقي، في حين أن أكبر إنتاج في تاريخ السينما
العربية كان لفيلم
"الناصر
صلاح الدين"
الذي أخرجه
"يوسف
شاهين"
وكانت ميزانيته مئة وسبعين ألفاً من
الجنيهات المصرية.
بدأ الفيلم
كفكرة ـ كما يقول مخرج الفيلم ـ في
فبراير 1978، وانتهى في مارس 1981، واستغرق
التصوير تسعة شهور فقط.
إن القادسية فيلم يثقله التطويل، بسط فيه
السيناريو فكان أقل من مستوى حدث تاريخي كمعركة
القادسية.
وجاءت الشخصيات فيه أحياناً مسطحة وجامدة، فعزت
العلايلي في دور (سعد بن أبي وقاص) كان بعيداً عن
قوة أدائه في
"الأرض"
و"السقامات"،
كذلك سعاد حسني
في دور (شيرين) كانت رديئة في دور لم يكن يحتاج
إلى نجمة السينما المصرية الأولى.. بينما برزت
العراقية شذى سالم في دور (زوجة سعد) لأول مرة على
المستوى العربي والعالمي، كذلك الكويتي محمد
المنصور في دور (أبي محجن) أعطى للدور كل ما
يستحقه وأثبت أنه فنان قدير.. أما بقية الشخصيات
فكانت في منتهى الجمود.
الجزء الأول من الفيلم لم نر فيه مشهداً واحداً
يشدنا، وإنما يغلب عليه التطويل في استعراض
الديكورات الضخمة لإيوان كسرى. أما الجزء الثاني
منه فكان أكثر إثارة، حيث عرض لنا المعركة التي
دامت ثلاثة أيام وليلة بإثارة وحماس. وكان التصوير
هو سيد المعركة بكل تفاصيلها من خلال اللقطات
الكبيرة واللقطات العامة.
إن القادسية خيب آمال كل من شاهده وخصوصاً أن
الفيلم من إخراج صلاح أبوسيف الذي كان يستحق لقب
أستاذ الواقعية في السينما المصرية. فهو بعد
تجربته الأولى لمثل هذه الأفلام في (فجر الإسلام
– 1971)
الذي لم يلق إقبالاً لا من الجماهير ولا من
النقاد.. يبقى أن نقول.. لماذا؟ أو ما الجدوى من
الغرق ثانية في الإنتاج التاريخي الواسع الذي لا
يلائم سينمائياً برهن على مقدرة أكيدة في الأجواء
الشعبية الحميمية.
يبقى هذا الفيلم نقطة تحول ليس في مسيرة أبوسيف،
وإنما في سجل السينما العربية.. ويدخل في نطاق
التاريخ والتوثيق أكثر منه في قطاع السينما العام.
وفي جريدة
"النهار
العربي والدولي"
يجيب صلاح
أبوسيف على هذا السؤال:
س: بالنسبة لفيلميك الأخيرين (الفيلم الجزائري
والقادسية) هذا الاتجاه يبدو لنا مناقضاً مع
الطابع الذي تميزت به أفلامك.. فكيف تفسر هذا
التحول؟
ج: إنها مرحلة أخرى وليس تحولاً، فأنا أولاً فنان
عربي مطالب بأن يقول شيئاً للإنسان العربي وأنا لا
أخرج إلا الفيلم الذي يجيب على أسئلة أطرحها على
نفسي وتؤرقني، والقادسية ـ في الظروف التي تمر بها
الأمة العربية ـ هي رؤيتي للإنسان العربي وكيف أنه
عندما يؤمن برسالة ويؤمن بقدراته البشرية وبذكائه
يستطيع أن يخوض أخطر المعارك وينتصر، وهي دعوة
لصحوة الإنسان العربي. أما الفيلم الجزائري فهو
تمثيل لمظهر آخر من مظاهر تحول الأمة العربية أن
حرب التحرير الجزائرية قد انعكست على نفسية
الجزائري مثلما انعكست على نفسية المصري والسوري
واللبناني والمغربي، وعندما أجسد انعكاساتها
وأحللها فأنا اسجل مرحلة من مراحل طفرة الإنسان
العربي ولا يعني ذلك أنني لن أعود إلى البيئة
الشعبية.
إن صلاح أبوسيف يقف الآن على أبواب مرحلة جديدة من
حياته الفنية.. فبعد القادسية كان ينوي بالتعاون
مع مؤسسة السينما بالعراق إخراج فيلم
"اليرموك"
عن
معركة تحرير الشام على يد خالد بن الوليد، وفيلم
"فتح
مصر"
على يد عمرو بن العاص.. ولكن حسب تصريحه
الأخير في جريدة
"الرأي
العام"
الكويتية، إنه
اعتذر عن إنجازهما وقال:
"الحقيقة،
كان من المفروض
أن نجزهما لولا الظروف والمناخ الذي يمر بالعراق
من حيث الحرب ومن حيث طروفي النفسية".
ومن مشاريعه أيضاً القيام بإخراج فيلم عالمي
تاريخي هو
"رحلة
إلى صخرة المصير"
تقوم بإنتاجه
شركة سينمائية بريطانية وضعت تحت تصرف أبوسيف
مبلغاً قدره 15 مليون دولار لإنتاج الفيلم، وقصة
الفيلم تاريخية حدثت في الحبشة عام 1860م، وتدور
حول أحد أباطرة الحبشة الذي يحاول أن يضم القبائل
المتفرقة ليقيم دولة قوية ويطلب السلاح من إنجلترا
وفرنسا لكنهما رفضتا مساعدته فيطرد القنصل الفرنسي
ويكبل القنصل الإنجليزي بالقيود، وبتداخل الصراعات
من حوله يتحول إلى ديكتاتور.. علماً بأن النجم
العالمي
"عمر
الشريف"
اختير للبطولة.
إلى هنا نكون قد تناولنا مسيرة صلاح أبو سيف
السينمائية من خلال عرض أبرز أفلامه التي قدمها
منذ بدأ مشواره الفني وحتى وفاته. ومن خلال هذا
العرض لأفلامه، نصل إلى استنتاجات وملاحظات هامة
ميزت مسيرته السينمائية الطويلة.
التأثر بالسينما
السوفييتية:
لقد تأثر أبو سيف بالسينما السوفييتية في أغلب
أفلامه. ففي حديث له، قال: (...لا أنكر تأثري
بالسينما السوفييتية، لأنها أول من لفت نظري من
خلال اطلاعي على الكتب السوفييتية التي كتبت عن
السينما. وأنا مميز بالرمزية والواقعية معاً.
بمعنى أن الرمزية عندي ليست تفلسفاً، وإنما أنا
أكتب بالكاميرا ما أشاهده وأحس به ويحس به كل
إنسان مهما كانت ثقافته بسيطة. وعندما كنت أرمز
إلى شيء في مشهد ما في أفلامي كان الجميع يفهمون
ما عنيت...).
ففي أفلامه، نستشف هذه الرموز:
في (الأسطى حسن) وضع أبو سيف فريد شوقي وهدى سلطان
الفقيرين أمام باب مفتوح لخزانة خشبية لحفظ الأكل
لا توجد فيها إلا قطعة جبنة متعفنة، وفي المقابل
وضع زوزو ماضي ورشدي أباظة الغنيين أمام باب مفتوح
لثلاجة كبيرة عامرة بالكافيار والفراخ واللحمة.
وكان يريد أن يبين للمتفرج ذلك التفاوت المعيشي
والطبقي.
وفي (ريا وسكينة) استخدم أبو سيف إناء الشاي
والماء يغلي فيه للتعبير عن حالة الغليان في نفوس
شخصيات المشهد. كما استعمل قربة الهرمونيوم وهي
تتقلص وتنتفخ مثل الكيس المستخدم في العمليات
الجراحية لتجسيد نبضات القلب. وفي آخر المشهد
انتقل إلى المجزرة ليصور بقرة وهي تذبح تعبيراً عن
ذبح الفتاة.
أما الرمز في (شباب امرأة) فقد كان عبارة عن صورة
لرجل يمسك بشاة، وهي تعبيراً عن زواج تحية كاريوكا
بشكري سرحان جبرياً.
وفي (الفتوة) يبدو الرمز في لقطات متناغمة ومتنقلة
بين فريد شوقي والحمار، أثناء العمل أو أثناء
الأكل. وبهذه اللقطات يؤكد أبو سيف على أن الإنسان
قد يصل في حالات معينة إلى مرتبة الحيوان. وكذلك
عند وقوع المعركة النهائية في السوق، نشاهد صورة
الملك وقد ضربت بالطماطم الفاسدة رمزاً لسقوط
التاج. وصورة زكي رستم أيضاً نراها تسقط على الأرض
لحظة موته.
وفي (بداية ونهاية) كان التعبير عن الدعارة
ببالوعة المجاري. كذلك عندما أراد أبو سيف أن يصور
بيت الدعارة، وكان ذلك غير مسموح به رقابياً،
استخدم موسيقى ( آه يا زمن )، وهي موسيقى معروفة
عند المصريين وتستخدم للدلالة على هذه الأماكن
ولها كلام جنسي.
وقد استخدم أبو سيف في (القاهرة 30) الصورة في
الرمز، وذلك عندما أظهر (حمدي أحمد) وخلفه قرون
معلقة على الجدار، للدلالة على أنه قد أصبح
قواداً.
السيناريو هو الأهم:
والميزة الثانية هي أن أبو سيف قد اشترك في كتابة
السيناريو لجميع أفلامه. فهو يعتبر كتابة
السيناريو أهم مراحل إعداد الفيلم. فمن الممكن عمل
فيلم جيد بسيناريو جيد وإخراج سيء ، ولكن العكس
غير ممكن . لذا فهو يشارك في كتابة السيناريو لكي
يضمن أن يكون كل ما كتبه السيناريست متفقاً مع
لغته السينمائية.
الواقع والحقيقة في
السينما:
إن أغلب أفلام أبو سيف قد حدثت في الواقع، أو أنها
مأخوذة من حوادث حقيقية. فقصة فيلم (ريا وسكينة)
معروفة. وفيلم (شباب امرأة) خطوطه الرئيسية مأخوذة
عن تجربته الشخصية عندما سافر إلى باريس.
و(الفتوة) جاءت قصته بعد أن قرأ تحقيقاً في إحدى
الصحف عن تجار الخضروات، وكيف يدورون سوق الجملة.
حتى فيلم (بين السماء والأرض) مأخوذ عن تجربة
شخصية، عندما تعطل به المصعد مع زوجته، فخطرت له
الفكرة وحملها إلى نجيب محفوظ ليبني عليها القصة.
وأيضاً فيلم (الوحش) الذي يحكي عن ذلك المجرم الذي
طاردته السلطات المصرية لفترة طويلة. وأخيراً يأتي
فيلم (الكذاب) وهو عن حادثة سرقة أموال القطاع
العام في مصر.
أبو سيف والرقابة:
كانت أفلام صلاح أبو سيف محل انتباه الرقابة
دائماً. فمثلاً كان شرط الرقابة لتمرير فيلم
(الأسطى حسن) هو وضع عبارة (القناعة كنز لا يفنى)
في أحد مشاهد الفيلم. كما اشترطت الرقابة لإجازة
فيلم (الوحش) بأن توضع عبارة (قديماً).. في أقاصي
الصعيد) في بداية الفيلم. أما فيلم (القضية 68)
فقد منع من العرض في مصر، وعرض في الخارج أولاً،
وبعد أن لاقى نجاحاً كبيراً أجيز للعرض داخل مصر
وهوجم في الصحافة بشكل قاس جداً. وقد كانت صالة
العرض تحت حراسة الشرطة، وإلى اليوم الموقف من هذا
الفيلم في مصر لم يتغير. ورمي الفيلم في المخازن،
ولا أحد يريد أن يسمع عنه شيئاً.
محفوظ.. أبو سيف:
إن ارتباط اسم الروائي المصري الكبير نجيب محفوظ
بمعظم أفلام أبو سيف، ليعتبر تجانساً أدبياً
وفنياً واقعياً، قد أثمر أفلاماً سينمائية جيدة
وقوية في المضمون الدرامي والتكنيك الفني. فنجيب
محفوظ يعتبر من أبرز كتاب الرواية الواقعية في
الوطن العربي، وأبو سيف من أبرز المخرجين
الواقعيين. وقد عمل الاثنان في أفلام كثيرة ليكونا
ثنائياً فنياً ناجحاً. والأعمال التي جمعتهما مع
بعض هي:
المنتقم (سيناريو)، مغامرات عنتر وعبلة (سيناريو)،
لك يوم يا ظالم (سيناريو)، ريا وسكينة (سيناريو)،
الوحش (سيناريو)، شباب امرأة (سيناريو)، الفتوة
(سيناريو)، الطريق المسدود (سيناريو)، أنا حرة
(سيناريو)، بين السماء والأرض (قصة)، بداية ونهاية
(رواية منشورة)، القاهرة 30 (رواية منشورة)، شيء
من العذاب (قصة)، المجرم (سيناريو). |