في السينما المصرية

المرأة المصرية كمخرجة..

كلاكيت ثاني مرة

 
 
 

نشرت هذه الدراسة في جريدة أخبار الخليج على حلقتين

في 21 و 28 يوليو 1986

 
 
 
 
 
 
 
 
 

من ضمن أهم الظواهر في السينما المصرية للموسم الماضي بروز المرأة كمخرجة للفيلم الروائي من جديد. أي أن للمرأة تجارب سابقة في الإخراج، حيث أن السينما المصرية عند ولادتها قامت على أكتاف عزيزة أمير وفاطمة رشدي وأمينة محمود وبهيجة حافظ، وقمن بإخراج بعض الأفلام الرائدة، إلا أنهن لم يواصلن وتفرغن للإنتاج والتمثيل فقط. كما أن المرأة المصرية قد برزت في مجالات سينمائية أخرى منذ سنوات طويلة، ككاتبة للسيناريو وكمساعدة مخرج فقط.

وعودة المرأة من جديد إلى عالم الإخراج السينمائي جاءت كضرورة ملحة لطرح قضايا المرأة المعاصر، حيث أن السينما المصرية ـ وعلى مدى تاريخها الطويل ـ قد أساءت إلى المرأة وقدمتها بصورة سلبية، كما أغفلت الجانب الإيجابي لدور المرأة في المجتمع، فليست المإة المصرية هي الراقصة أو بائعة الهوى فقط، بل هي أيضاً السيدة الفاضلة القوية التي تتحمل وتواجه الحياة بكل صبر وشجاعة.

وبما أن المخرج (الرجل) هو الذي يصنع الأفلام، فالسينما المصرية كانت تعكس، في معظمها، فكر الرجل عن المرأة. لذلك غالباً ما يشوه وضعها الإجتماعي نتيجة جهله لمشاكلها، وتخلف موقفه الإجتماعي تجاهها، فنرى أن السينما المصرية تقدم المرأة من زاوية علاقتها بالرجل، مع التركيز على الأنوثة والإغراء والإنحراف، والبعد عن المرأة في حالة علاقتها بالمجتمع، كإنسانة صاحبة رأي أو مهنة محترمة، أو صراع مع المجتمع والحياة.

وهذا بالطبع، لا ينفي أن تكون هناك أفلام قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة، قد عالجت المرأة وقضاياها بشكل إيجابي، مثل (الحرام، ولا عزاء للسيدات، الشقة من حق المرأة)، وأهم هذه الأفلام قدمه المخرج سعيد مرزوق تحت إسم (أريد حلاً) الذي كتبت له القصة والحوار الكاتبة والصحفية (حُسن شاه)، وقامت ببطولته الفنانة الكبيرة (فاتن حمامة). هذه الأفلام تقف وحدها أمام إنتاج ضخم من الأفلام يتعدى الألفي فيلم أنتجتها السينما المصرية عبر مسيرتها الطويلة.

لذا علينا أن ننتبه إلى جانب مهم وهو أن الخطر لا يكمن فقط في التشويه الذي تعرضت له المرأة في تلك الأفلام، ولكنه يتجسد آيضاً في تصدير هذا التشويه للمرأة كمتلقية لمثل هذه الأفلام الشاذة.

يبقى هذا التساؤل الذي يطرح نفسه دائماً على الساحة السينمائية المصرية .. هل إستطاعت المرأة المخرجة أن تساهم في إبراز قضايا المرأة الملحة من خلال الأفلام التي قدمتها؟ وهل إستطاعت أن تصنع لها مكانة بارزة في عالم الإخراج السينمائي المصري الذي يسيطر عليه الرجل منذ سنوات طويلة؟

لذلك سنحاول ـ في موضوعنا هذا ـ تناول الأفلام التي صنعتها المرأة، سواء التي ناقشت قضايا المرأة، أو التي لم تفعل ذلك. مع إستعراض سريع للتعرف على المخرجات وبدايتهن في المجال السينمائي. مع ملاحظة أن الفكر أو الكلمة التي يريد أن يقولها الفيلم والسيناريو الذي يترجم هذه الفكرة، سيكونان محور تناولنا لهذه الأفلام، بإعتبار أن المسائل المتعلقة بالحرفة ذاتها، مثل القدرة علي تحريك الكاميرا وقيادة فريق العمل الفني وغيرهما، فمن البديهي أن تتفاوت فيها القدرات، سواء كان المخرج رجلاً أو إمرأة.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

نادية حمزة:

إتجهت للإنتاج لتصبح مخرجة

تخرجت نادية حمزة من قسم السيناريو بمعهد السينما في بداية السبعينات، وعلى وجه التقريب عام ،1971 وعملت كمساعدة مخرج ملازمة للمخرج نيازي مصطفى منذ فيلم (فارس بني حمدان)، كما إشتركت في أكثر من ثلاثين فيلماً كمساعدة مخرج مع عدد كبير من المخرجين، من بينهم كما الشيخ، حسام الدين مصطفى، توفيق صالح، كمال عطيه، سيد زيادة، عبدالرحمن الشريف. وإشتغلت مع مخرجين شباب منهم المخرج ياسين اسماعيل ياسين في فيلم (اللعبة) من بطولة عادل إمام. وكانت لها عدة محاولات في مجال كتابة السيناريو ولكنها لم تر النور بسبب عدم إقتناع المنتجين بها، كما تقول المخرجة. ثم إتجهت للإنتاج إيماناً منها بأنه من المستحيل أن يجرؤ منتج مصري على منح إمرأة فرصة تحمل مسئولية إخراج فيلم سينمائي روائي طويل.

فبدأت أولاً بالإنتاج للغير .. (...خفت أن أبدآ بنفسي وأفشل فتكون نهايتي، لذا بدأت بفيلمي (العرافة) لعاطف سالم، و(الطاووس) لكمال الشيخ. ومن خلال العملين نجحت ـ والحمد للّه ـ في فرض إسمي كمنتجة، وعندما شعرت بأنني أقف فوق أرضية ثابتة منحت نفسي فرصة إخراج عملي الأول .. وهكذا تحقق حلم حياتي وأصبحت مخرجة)# الفديو العربي ـ يونيو 1984

بدأت نادية حمزة كمخرجة بفيلم (بحر الأوهام) إنتاج عام ،1983 محاولة منها لإختصار الطريق الموصل للجمهور. حيث قدمت له التوليفة التجارية من خلال التعرض لحياة بائعات الهوى وعالم الكباريهات وما يتبعه من رقص وغناء ومغامرات إلى آخره.

ولأن هذا الفيلم تناول حياة بائعات الهوي، ذلك الموضوع الشائك الي أصبح يدعب الدقباء، بعد منع فيلمي (خمسة باب، درب الهوى)، فلا بد أن يتعرض الفيلم للرقابة. وهذا التعرض من قبل الرقابة ربما أعطى للفيلم أكبر دعاية إعلانية مجانية، وحافز للمتفرج على مشاهدة الفيلم. في البدأ غيرت الرقابة إسم الفيلم، الذي كان (البنت لوله الأبهة)، وحذفت منه جزء من دور صبي العالمه (70 متر من الشريط السينمائي)، ولتلافي قصر الفيلم بعد ذلك، أضافت المخرجة مشهدين، دعمت بهما الشخصيات (90 متراً).

فكرة الفيلم تقليدية، وقدمت في أكثر من فيلم سابق .. البنت التي تدفعها الظروف إلي الإنحراف والإنجرار إلى عالم البغاء، ومن ثم تحاول الخروج من هذا العالم، بعد توبتها ومعرفتها للطريق السليم.

تقول المخرجة من خلال فيلمها هذا، بأن قيم الإنسان لا يصح التنازل عنها، تحت أية ظروف، وإلا سيتحول تدريجياً إلى إنسان ساقط بلا مباديء. الفكرة بحد ذاتها لا غبار عليها، إنما التناول السينمائي لهذه الفكرة جاء ركيكاً وغير متناسق، علاوة على أنه إتخذ الطابع التجاري المبتذل. وكان السيناريو ـ الذي كتبته المخرجة أيضاً ـ هو نقطة الضعف الرئيسية لخلوه من المواصفات الفنية والإبداعية للسيناريو، فظهر بصورة ساذجة وضعيفة، مما أفقد الفيلم عنصري الإستمتاع والإقناع، والقدرة على توصيل الفكرة للمتفرج.

بعد ذلك، أقدمت نادية حمزة على تجربتها الإخراجية الثانية في فيلم (النساء) إنتاج عام ،1984 الذي لم يكن حظه أحسن بشكل أو بآخر من فيلمها الأول ٌلا بدرجة بسيطة. حيث قدمت المخرجة نماذج نسائية مسطحة، بدون خلفيات وبدون تعمق، وأظهرت المرأة في صورة مشوهة، إعتماداً على نماذج من البورجوازية الصغيرة، حيث الإمكانيات غالباً محدودة والطموحات كثيرة، لذلك نشاهد المرأة في الفيلم تسعى إلى تغيير واقعها الإجتماعي والإقتصادي بأية طريقة ممكنة للحصول على المال، حتى ولو كانت طرق ملتوية وغير قانونية بل وساذجة، مما أحذث خلخلة في بناء الشخصيات.

فالمحامية (بوسي) الناجحة في عملها نجدها نموذجاً للكبرياء، حيث تصر أن تسكن في فندق بعد طلاقها من زوجها (محمود ياسين)، ولكنها سرعان ما تعود إليه لمجرد أنها شاهدت إنهيار العمارة التي كانا يحلمان بالحصول علي شقة فيها .. هل هذا منطق طبيعي؟! وهل هذا الحدث يكفي لتحديد العلاقة التي تربط بين الزوجين.

والنموذج الثاني للمرأة، هو الزوجة التي كانت تحلم بأن تكون معيدة بالجامعة (ماجدة زكي) ولكن ينتهي طموحها بعد زواجها من رجل معقد (نجاح الموجي) يسجنها في البيت لإنجاب الأطفال وخدمته وتلقي إهاناته. ولكننا نفاجيء بعد إنتقالهما إلى شقة أكبر وأرحب، تتغير معاملة الزوج لزوجته كلياً، وكأن تغيير المكان هو الحل الجذري والنهائي لكل مشاكلهما.

أما النموذج الأخير، والذي يعتبر زائداً على السيناريو، ولا يفيد الفيلم بتاتاً، هو قصة المرأة (ليلى علوي) التي تزور في أوراق رسمية لتسافر للعمل بالخارج. ولا تعطينا المخرجة ـ وهي كاتبة السيناريو أيضاً ـ أي مبرر لإقحام تلك القصة في الفيلم.

إدا أرادت نادية حمزة، في فيلمها هذا، أن تدافع عن المرأة وتعالج قضاياها، فمن الواضح بآنها أخفقت في ذلك، ربما عن غير قصد، فالنماذج التي إختارتها تسيء إلى المرأة ولا تدافع عنها.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

نادية سالم:

تشغلها قضايا المرأة

نادية سالم خريجة آداب صحافة ومعهد سينما، وعملت كمخرجة في المركز القومي للأفلام التسجيلية، وقامت بإخراج أفلام تسجيلية قصيرة آهمها فيلم (الطفل الشقيان) الذي حصل على عدة جوائز من مهرجان موسكو ومهرجان ليبزج الدولي للأفلام القصيرة.

وعن تناولها لقضية المرأة، تقول نادية سالم: (...قضايا المرأة من خلال الأعمال الفنية مسألة كانت تشغلني منذ كنت طالبة في معهد السينما، ولهذا كان فيلمي في مشروع التخرج (وقائع شخصية لإمرأة عصرية) نسخة عن تجارب مررت بها في حياتي (...) ورغم صدق التجربة إعتبره البعض جرأة شديدة...). # مجلة المجلة 15يناير 1986

وبعد التخرج تقدمت نادية سالم إلى الرقابة بسيناريو فيلم (صاحب الإدارة بواب العمارة) ٌنتاج عام ،1984 والذي كتبت له القصة والسيناريو والحوار، بعد أن إستوحت قصته من سجلات وزارة الداخلية، ومن دراسة ميدانية عن قرية (طهواي) المشهورة بالغجر وبعض المجرمين الذين يهاجمون ركاب القطارات.

وعن موقف الرقابة من الفيلم تقول المخرجة: (...عرض الفيلم على الرقابة ورفض ثلاث سنوات، لإحساسهم بأن إمرأة هي التي ستخرج، وبعد تنفيذه ونجاحه قالوا أنها مخرجة تفوق الرجال...). # مجلة المجلة 15 يناير 1986

ولنادية سالم وجهة نظر حول تناول الرجل لقضايا المرأة في السينما، حيث تقول: (...المرأة تعبر عن المرأة بشكل أفضل، فعندما تناقش قضايا المرأة في السينما لا بد آن تكتبها وتخرجها إمرأة (...) وعلى الرجل أن يترك تجارب وقضايا المرأة للمرأة...)# مجلة المجلة 15 يناير 1986

يدور الفيلم حول بواب عمارة (عادل أدهم)، كان في الأصل فلاحاًَ، هاجر من الريف بعد أن سيطرت عليه غجرية (نادية الجندي) أدت به إلى إحتراف الإجرام، وأصبح طريد العدالة، مما إضطره إلى اللجوء للقاهرة والعمل كبواب بإحدى العمارات الضخمة، ثم زواجه من الغجرية التي تطمع في الوصول إلى القمة، فهي في سبيل ذلك على إستعداد أن تفعل أي شيء من أجل المال. وتنجح في الحصول على ما تريد لتتحول في زمن قياسي من (زايده) الغجرية إلى (مدام زيزي).

وعلى الطرف الآخر تقف سعاد القاضي (صفية العمري) الفنانة الشابة والجادة، صامدة تدافع عن قيم المجتمع وتقاليده النبيلة الراسخة، لكنها لا تستطيع الإستمرار في الصمود، لأن التيار المعاكس أقوى منها، فتنهار أمام كل ذلك حتى تموت في النهاية.

الفيلم يقدم من خلال أحداث وحكايات كثيرة ومتشابكة، ويتحدث عن الكثير من قضايا ومشاكل المجتمع المصري، ويسعى لبلورة مشاكل المواطن المصري بجرأة. ولكن كل هذا لا يبرر للفيلم إخفاقه في البناء الدرامي، والإتجاه إلى المباشرة لتوصيل ما تريده المخرجة (كاتبة السيناريو) من قيم وأفكار .. مما أفقد الفيلم التأثير الإيجابي في المتفرج.

لم ينجح السيناريو في رسم بعض الشخصيات، فجاءت ساذجة وبدون تعمق كافٍ في ثناياها، مما جعلها تتصرف بشكل فجائي وغير طبيعي، وقد ساهم هذا في خلخلة الأحداث وعدم منطقيتها. أما تناول المخرجة لعدة مواضيع فقد أفقد الفيلم الترابط وأدى إلى التشتت بين هذا وذاك، ولو أنه تناول قضية واحدة لكان ذلك لصالح الفيلم والمخرجة.

لقد أخفقت نادية سالم في توصيل وجهة نظرها من قضايا الثقافة والمجتمع لأنها لم تنجح في إختيار الموصل الجيد لذلك، فالفنان ليس بما يحمله من قيم ومفاهيم فقط، وإنما بكيفية توصيل هذه المفاهيم بشكل إبداعي خلاق.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

الحلقة الثانية:

إيناس الدغيدي: الفكر هو الأساس

عودة المرأة من جديد إلى عالم الإخراج السينمائي جاءت كضرورة ملحة لطرح قضايا المرأة المعاصرة .. ويبقى السؤال: هل استطاعت المرأة المخرجة أن تساهم في إبراز قضايا المرأة الملحة من خلال الأفلام التي قدمتها؟

 

(عفواً أيها القانون) صرخة إحتجاج ضد قانون العقوبات المصري، أطلقتها المخرجة الجريئة (إيناس الدغيدي)، في فيلمها الذي يحمل نفس الإسم. وقد أثار هذا الفيلم ضجة كبيرة عند عرضه، بين مؤيد ورافض للفكرة التي طرحها، ولكن الكل إتفق على أن المخرجة قد نجحت في إثبات وجودها في مجال الإخراج السينمائي، وإستطاعت أن تجد لها مكاناً مرموقاً بجانب أساتذتها في الإخراج.

فإذا كانت نادية حمزة قد طرحت إسمها بشكل تجاري مباشر في فيلمها (بحر الأوهام)، ونادية سالم قد أشارت إلى موقفها الإيجابي من الثقافة الوطنية في فيلمها (صاحب الإدارة بواب العمارة)، فإن إيناس الدغيدي قد قدمت نفسها بشكل ملفت للنظر لجرأة الموضوع الذي تناولته.

بداية إتصال المخرجة بعالم السينما كان عام 1971، حيث دخلت معهد السينما وتخرجت منه في 1975، إلتحفت في البداية بقسم الإنتاج، ثم تحولت إلى قسم الإخراج. وأثناء دراستها في المعهد زاولت العمل في السينما، حيث عملت كمساعدة مخرج مع كبار المخرجين أمثال صلاح أبوسيف في (الكذاب، الساقامات)، وهنري بركات في (أفواه وأرانب).. كما عملت مع عدد كبير من المخرجين الشباب كمساعدة أيضاً لمدة عشر سنوات، آخرها كان مع المخرج يوسف فرنسيس في فيلم (عصفور من الشرق). وعندما أحست أنها قد إستفادت من خبرة هؤلاء المخرجين الكبار، مما يؤهلها لخوض أولى تجاربها في الإخراج السينمائي، باشرت في الإعداد لفيلمها (عفواً أيها القانون) إنتاج عام 1984، والذي عثرت على فكرته بالصدفة، أثناء قراءتها لكتاب صغير لضابط شرطة إسمه (نبيل مكاوي). وعندما علمت أن القصة حقيقية، أصرت على تطويرها وتقديمها في أول أفلامها. ومن ثم بدأت مرحلة التحضير الأولى مع السيناريست (إبراهيم الموجي).

أثناء مراحل التحضير تحدثت إيناس الدغيدي مع بعض أساتذة القانون للإستشارة، فوجدت البعض يعترض على هذا القانون ويطالب بتغييره، مما أعطاها دافعاً قوياً للإستمرار في تنفيذ الفيلم، بعد أن كانت خائفة ومترددة قليلاً.

(...وجدت أن وراء القصة قانون لم أكن أعرفه، تماماً مثلما لا تعرفه ملايين النساء مثلي، لقد كان الموضوع كله مفاجأة لي، فأردت أن أفاجيء به الجميع، كي يعرفوا أن هناك قانوناً ينتمي إلى محاكم التفتيش التي تم إلغاؤها منذ عهود بعيدة، المهم أنني شعرت بالظلم بالكبير الواقع تجاه المرأة، فأردت تصحيح الأوضاع المائلة...). # ملحق جريدة القبس الكويتية 13/01/1986

وبعد أن تم تجهيز الفيلم على الورق تقدمت به المخرجة إلى المنتج (واصف فايز) الذي وافق بدون تردد في إنتاج الفيلم مع علمه أن المخرج إمرأة تمارس الإخراج لأول مرة.

(...لا أعتقد أن السبب عائد إلى جمالي، كما تناهى إلى مسمعي، فأنا أولاً وحسب إعتقادي لست جميلة، ومن ينظر إليّ مثل هذه النظرة فإنما ينظر للمرأة من زاوية متخلفة، إذ لا يعقل أن يدفع منتج ربع مليون جنيه من أجل شكل إمرأة أو جمالها، المنتج يدفع فلوساً حتى يكسب فلوساً.. وتلك حقيقة..)# مجلة ألوان 24/01/1986

يبدأ الفيلم بحفل زفاف عليّ (محمود عبدالعزيز) وهدى (نجلاء فتحي) وهما إستاذان في الجامعة.. تفاجأ هدى في ليلة الزفاف أن زوجها عاجز جنسياً، لكنها تتحمل الصدمة لأنها تحبه وتعرف مدى حبه لها. في النصف الأول من الفيلم تسعى هدى، بمساعدة الطبيب إلى علاج زوجها وإكتشاف العقدة النفسية التي يحملها، وتهتدي إلى أن خيانة زوجة والده وقتل الأب لها مع عشيقها أمام عينيه وهو مازال طفلاً، هو السبب فيما أصابه، وهكذا تستطيع تخليصه من هذه العقدة.

ولكن ذلك يترتب عليه محاولة الزوج تعويض مراهقته الماضية في البحث عن علاقات نسائية جديدة، هنا يبدأ النصف الثاني من الفيلم. في حفلة إقامها الزوجان لأصدقائهما، يتعرف الزوج على زوجة صديقه صلاح (هياتم) التي تحاول جذبه إليها، فيقيم معها علاقة جنسية تصل إلى حد إصطحابها إلى منزله. حيث يضع الفيلم الزوجة في الموقف نفسه، الذي وضع فيه والد زوجها، حين تفاجيء بمشهد الخيانة الزوجية لها وفي منزلها وفوق فراشها، فتطلق النار عليهما وهي في حالة غير طبيعية من هول الصدمة. يموت الزوج في المستشفى بينما تنجو العشيقة من الموت، وتبدأ النيابة في التحقيق وتوجه إلى الزوجة تهمة القتل المتعمد. ورغم محاولات المحامية (ليلى طاهر) المستميتة لإثبات براءة الزوجة من هذه التهمة، إلا أن الحكم يصدر عليها بالسجن خمسة عشر عاماً مع الشغل والنفاذ.

لقد نجح الفيلم في إبراز التناقض في القوانين الوضعية التي تحكم مجمل العلاقات الإجتماعية، من خلال التفريق في الحكم بين الرجل والمرأة. ففي قضية معينة يصدر الحكم على المرأة بالسجن خمسة عشر عاماً مع الشغل والنفاذ وإعتبارها جناية، بينما يكون الحكم في نفس القضية على الرجل شهر مع إيقاف التنفيذ وإعتبارها جنحة.

وتكمن أهمية الموضوع، الذي طرحه الفيلم، ليس من منطلق الدعوات السطحية بمساواة المرأة بالرجل، بل من منطلق التشريع الإسلامي، وهو لا يهدف إلى المساواة فقط، بقدر ما يهدف إلى محاربة الجريمة ذاتها، وحماية المجتمع من أضرارها، بغض النظر إن كان المجرم رجلاً أو إمرأة.

تفول المحرجة في هذا الصدد: (...في الشرع لا تفرقة بين الرجل والمرأة في الخيانة.. كلاهما يقع في جريمة الزنا، لكن القانون يقف مع الرجل ولا يساند المرأة.. أنا لا أطالب بحرية الخيانة للمرأة، لكنني أطالب بالمساواة.. بإحترام المجتمع لأحاسيس المرأة، التي مازالت مظلومة في المجتمع...). # مجلة الفيديو العربي أبريل 1985

إن المخرجة التي شاركت في كتابة الرؤية السينمائية، والسيناريست إبراهيم الموجي، قد إتبعا عدة وسائل للوصول إلى الهدف الذي يرمي إليه الفيلم، لكنهما لم ينظرا بعين الإعتبار لبعض الأخطاء الواضحة التي حملها السيناريو، وأهمها هو إعتراف الزانية بواقعة الزنا علناً في المحكمة، والملابس الداخلية التي أحضرتها النيابة لزوجها، وهما دليل إثبات قوي لم يستعملهما السيناريست في الدفاع عن المتهمة، وذلك دون إعطاءنا مبررات مقنعة.

لقد نجح السيناريو في تقديم نموذج الرجل الشرقي الجاهل والغير مثقف (بدور فريد شوقي)، والذي يحمل في أعماقه مفاهيم وموروثات دينية ودنيوية خاطئة. غير أنه لم ينجح في إنهاء الفيلم بشكل مناسب، حيث أن الفيلم إنتهى فعلاً بعد النطق بالحكم في المحكمة، وبعد خلوها إلا من المحامية المحبطة أمام خسارتها لقضيتها. فالمشاهد التي تلت ذلك لم تعط أي إضافة لفكرة الفيلم الرئيسية.

ومثلما نجح الفيلم، نجحت المخرجة في قيادة فريق العمل من فنانين وفنيين بشكل موفق. وقدمت فيلماً جيداً يطرح قضية جريئة جداً من خلال الصراع بين الشريعة والفانون والمجتمع. ورغم أن الفيلم يعالج قضية الزنا، إلا أن المخرجة إبتعدت عن الإسفاف والإبتذال، وقدمت مشاهد الفراش بين الزوجين في لقطات قصيرة وعابرة، كذلك لقطات الجنس بين الزوج والعشيقة كانت سريعة. إلا أن المتفرج إستطاع أن يستخرج المقصود في كل لقطة وكل مشهد، دون الحاجة إلى مشاهد جنسية مبتذلة.

إن المخرجة إيناس الدغيدي في فيلمها الأول، إستطاعت تفادي أخطاء فنية، كثيراً ما يقع فيها المخرج في أول أعماله. وقدمت أسلوب بسيط في التقنية وتجنبت إبراز تكنيك جديد قد يخدم العمل بشكل أكبر.

فعن إستخدامها للأسلوب السينمائي، تقول المخرجة: (...أعتقد أن الفكر يجب أن يكون هو الإساس، أما التكنيك السينمائي فسأتخذ الأسلوب العادي والتقليدي، لكن بطريقة خاصة بي، إنما كشكل غير عادي ـ مثل أشكال يوسف شاهين مثلاً ـ فلا أظن أنني سأنحو إلى هذا الشكل.. بالرغم من أنه إتجاه وشكل متقدم ومبهر، إلا أنني أريد أن أصل إلى الناس أولاً وبسهولة (...) وأعتقد أن أفلامي في البداية ستكون كلها عن المرأة وحقوقها، لأنني أعتقد أن هناك أشياء كثيرة جداً عن المرأة لم تناقشها السينما حتى الآن...). # ملحق جريدة القبس الكويتية 13/09/1983

ولقد تأثرت المخرجة بثلاث إتجاهات سينمائية، عايشتها وتفاعلت معها أثناء عمله الطويل كمساعدة مخرج. لذلك ليس من الصعب أن نلاحظ في أولى تجاربها الإخراجية ملامح من واقعية صلاح أبوسيف في مشهد تهجين الثور والبقرة في الريف، ومن رومانسية بركات في المشاهد الغرامية، كذلك تأثرت بإيقاعية ورشاقة كمال الشيخ في مشاهد إطلاق الرصاص والإنتقال إلى المستشفى.

والتأثر بمن سبقونا ليس عيباً، وإنما كان على المخرجة أن تتخذ لفيلمها أسلوباً محدداً تنفرد به، لإبراز شخصيتها السينمائية المستقلة.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

التليفزيون: حضور آخر

من الملاحظ أن ظهور المرأة كمخرجة في السينما قد تأخر عن ظهورها في التليفزيون، وذلك لأن المنتجين السينمائيين يخشون ويشكون في قدرة المرأة بتحمل أعباء مشروع سينمائي كبير، لذلك كانت فرص العمل للمرأة قليلة أو منعدمة. فلولا أن نادية حمزة ونادية سالم قد قامتا بإنتاج أفلامهما، لما برزتا على الساحة السينمائية. ولا حماس واصف فايز ـ المنتج الجاد ـ للفكرة التي قدمتها له المخرجة إيناس الدغيدي، لما ظهرت هذه الفكرة ـ في هذه الفترة على الأقل ـ إلى النور. غير أن فكرة المنتجين عن المرأة كمخرجة بدأت تتغير إلى الأفضل في الآونة الأخيرة.

أما التليفزيون ـ بصفته قطاع عام ـ فقد أعطى الفرصة للمرأة في كافة المجالات الفنية من السيناريو والمونتاج والديكور إلى الإخراج. وبرزت مخرجات مثل إنعام محمد علي، وعلوية زكي، وعلية ياسين. ولم يقتصر عمل هؤلاء على إخراج المسلسلات فقط، بل قدمت علوية زكي فيلم (رجل إسمه عباس)، وقدمت إنعام محمد علي فيلم (أسفة أرفض الطلاق).

ولأهمية فيلم إنعام محمد علي وجرأة الفكرة التي طرحها، سنأخذه مثالاً لأفلام المخرجات في التليفزيون ـ علماً بأن موضوعنا يختص أساساً بمخرجات السينما ـ ولذلك سيكون تناول هذا الفيلم ومخرجته إستثناء لا بد منه.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

إنعام محمد علي:

الدعوة لمجتمع متحضر

إنعام محمد علي من المخرجات البارزات في التليفزيون المصري، وأعمالها تشهد لها بالجودة والقدرة على تلمس الواقع الإجتماعي للأسرة والمجتمع. لقد قدمت مسلسلات تليفزيونية هامة مثل (حتى لا يختنق الحب، هي والمستحيل، دعوة للحب، حصاد العمر). وقدمت سهرات أبرزها (أم مثالية). وجميعها تهتم بقضية المرأة ودورها في قيام الأسرة الناجحة.

تقول المخرجة: (...صحيح أن معظم مسلسلاتي تعالج قضية المرأة، ولكنني لست متحيزة للمرأة، لأنني لا أدافع عن المرأة فقط بل أدافع عن المجتمع كله، أنا محيزة لمجتمع متحضر يدفع عنه تهمة التمييز بين الرجل والمرأة، تلك التهمة التي مازالت قائمة في مصر والوطن العربي)# مجلة سيدتي 11/03/1985

بعد كل هذا قدمت أول تجاربها الفيلمية لأفلام التليفزيون تحت إسم (آسفة أرفض الطلاق) إنتاج عام 1985، قصة كتبتها حُسن شاه، سيناريو وحوار نادية رشاد. وقد أثار الفيلم ردود فعل قوية ومؤيدة للفكرة الجريئة التي طرحها.

يقدم لنا الفيلم شخصية الزوجة الهادئة الطيبة منى (ميرفت أمين) التي تفرغ وقتها لزوجها وتربية إبنتها الوحيدة، وتسعى بإخلاص لراحتهما، وتعتبر حياتها مع زوجها عصام (حسني فهمي) كل ما في مجتمعها. ولكن زوجها يفاجئها في العيد العاشر لزواجهما، بأنه يريد الإنفصال عنها وبهدوء. تشعر الزوجة في هذه اللحظة بأن كل شيء قد إنتهى، وكل أحلامها وكبرياؤها والإنجازات التي حققتها على مدى عشر سنوات تحطمت بكلمات قليلة تفوه بها زوجها. عندها لا تملك إلا أن ترفض هذا الطلاق، بكل قوة لديها إستمدتها من سنوات السعادة التي قضتها معه، ترفضه بدون الحاجة لمعرفة الأسباب التي جعلته يتخذ هذا القرار المفاجيء. وبعدما أفاقت من الصدمة، لم تجد معها سوى والديها وصديقتها هناء (نادية رشاد) إستاذة القانون التي أثارها الموقف التي تقف فيه صديقتها. وبدأ الجدل في هذا الموضوع يثير إهتمامها، وهي التي لا تنشغل بمثل هذا الجدل لا في البيت ولا في الجامعة، وبرز أمامها تساؤل وحيد: هل من حق الزوج أن يطلق زوجته بدون إستشارتها ؟ مع العلم إن القوانين التشريعية والوضعية تكفل للزوج هذا الحق.. فتنصح أستاذة القانون صديقتها باللجوء إلى القضاء لإستعادة زوجها، وتقرر في نفس الوقت الترافع عنها، بعد أن تركت عملها في الجامعة بدافع عشقها للعدالة، وتبنيها لقضية صديقتها كمثال للتعسف في إستخدام الحق الذي يصل إلى القتل، فالأسرة كان حي أيضاً.

وبعد أن يثار هذا الموضوع أمام الرأي العام، وفي وسائل الإعلام المقروئة والمسموعة، بعد كل ذلك لا تنجح أستاذة القانون في إقناع المحكمة بعدالة قضيتها. لكنها تنجح في مبتغاها وهو عودة الزوج لزوجته. وفعلاً يعود الزوج معتذراً ليقول لزوجته أنه سيعوضها عن كل شيء ضاع، ولكن الفيلم ينتهي بهذه العبارة على لسان الزوجة (إللي ضاع ما يتعوضش .. إللي ضاع إحساسي بالأمان).

برغم قوة الفكرة التي إعتمد عليها الفيلم في نجاحه، إلا أن السيناريو قد أخفق في بعض الأحيان. فقد إتصف الفيلم بالمشاهد الطويلة والحوار المسترسل والرتابة المملة، خصوصاً قبل معرفة الزوجة بقرار زوجها. وقد حاولت المخرجة تجنب ذلك بالمونتاج السريع في اللقطات، لتعكس التعبيرات التي تنعكس على وجوه الشخصيات.

لم يقنعنا الفيلم بموقف الزوج من إتخاذ قرار خطير كهذا، ويترك زوجته الشابة والجميلة والثرية والتي تحبه في نفس الوقت وتتفانى في خدمته لمجرد إمرأة أخرى كانت حبه الأول. وحتى لو كان هذا التصرف نزوة طارئة، فالنزوة لا يمكنها أن تأتيى من فراغ، بل لها أسباب ومقدمات تتعلق بتفاصيل حياة الأسرة.

لم يستفد الفيلم من لغة الصورة في الإهتمام بالتصوير الخارجي، فأغلب مشاهدنه صورت في أماكن مغلقة ـ كعادة التصوير في مسلسلات التليفزيون ـ ما عدا لقطات قصيرة جداً في النادي والسيارة. وإهتم الفيلم باللقطات المقربة بشكل ملفت، بإعتباره ينتمي للتليفزيون. ولقد ساهم في نجاح تجربة إنعام محمد علي وتقديم رؤيتها السينمائية الأولى، وجود موضوع جديد وجريء ذو فكرة ومعالجة فنية جيدة.

وتظل النهاية المفتوحة وغير التقليدية، من أهم ما وصل إليه الفيلم من نتائج إيجابية، حيث لم يبين للمتفرج هل عادت الزوجة لزوجها أم إنها رفضت العودة إليه مثلما رفضت رغبته في الطلاق سابقاً. إنه هنا يدق جرس الإنذار في وقت إلغي فيه قانون الأحوال الشخصية، الذي صدر في عام 1979، وفي غيبة من البرلمان الذي رفض من المحكمة الدستورية العليا، ويتجدد الحوار مرة أخرى حول علاقات الرجل بالمرأة في المجتمع المصري.

وختاماً، تبقى هناك ملاحظة مهمة، فدخول المرأة في المجال السينمائي كمخرجة، يعتبر خطوة أخرى من الخطوات التي تسعى إليها لإثبات قدراتها الإبداعية والوقوف جنباً إلى جنب مع الرجل. كع العلم أن قضية المرأة ومساواتها بالرجل في الوطن العربي، ليست قضية عادية وبسيطة، بل هي قضية عميقة ومتجددة، لا يحلها في الأساس وجود كاتبة أو مخرجة، إنها تحتاج لنسف إجتماعي شامل لتغيير النظرة الخاطئة عن المرأة. فالمرأة قادرة على أن تكون مخرجة رديئة ومخرجة جيدة، مثلها مثل الرجل تماماً.

وبروز المرأة كمخرجة يعتبر خطوة إيجابية تستحق الثناء والدعم، وذلك لإبراز القضايا الإجتماعية على الشاشة، وإبداء وجهة نظر مغايرة لما يطرحه الرجل. ولكن يجب أن يتبع هذا خطوات أكثر أهمية وإيجابية، كإبتعادها عن القصص التقليدية المملة وترك الإبتذال والتسلية في الفن، وتقديم أفكار وقيم جديدة، ذات خاصية إجتماعية حساسة. وذل لتبرر وجودها كمخرجة مميزة تطرح وجهة نظر جادة وواضحة، هذا وإلا ستكون مجرد إضافة غير فعالة للكم الهائل من المخرجين الرجال.

 
 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004