في السينما المصرية

حوار مفتوح حول السينما المصرية الجديدة

 
 
 

حدث هذا الحوار على هامش أيام السينما المصرية الجديدة

التي أقيمت بالبحرين في أكتوبر 1993 ونشر في مجلة هنا البحرين

على خمس حلقات من 1 ديسمبر 1993 إلى 5 يناير 1994

 
 
 
 
 
 
 

من إصدارات حداد

 
 
 
 
 

سينما الثمانينات..

طريق مفتون بالواقع

رؤية في مفهوم "سينما الطريق"

 
 
 
 
 
 
 

كانت فعاليات ايام السينما المصرية الجديدة من بين اهم الفعاليات في الحدث الثقافي البحريني. وكانت ايضا فرصة لا تتكرر للتعرف اكثر وعن قرب بهذه السينما الجديدة، وذلك من خلال ممثليها ومخرجيها ونقادها الضيوف.
وعلى المستوى الشخصي، كانت فرصة الالتقاء مع مخرجي السينما المصرية الجديدة، والتحاور معهم حول اشكاليات هذه السينما.. فرصة تشكل اقصى ما كنت اطمح اليه من مثل هكذا تظاهرة، حيث الاستفادة من وراء ذلك ستكون حتما ايجابية.
لذلك سعيت الى لقاء مفتوح مع ثلاثه من بين اهم مخرجي هذه السينما، شارك فيه نخبة قليلة من الاصدقاء. وقد كان حقا لقاءا فنيا خصبا وثريا تخدث فيه هؤلاء المخرجين المبدعين عن الكثير من همومهم الخاصة والعامة والتي بالطبع تأثر سلبا وايجابا على نتاجهم الفني. كان لقاءاً فتح آفاقاً جديدة في التفكير في هذه السينما لدي المشاركين في هذا اللقاء.. وربما سيكون كذلك بالنسبة للقراء.

 
 
 

أعد الحوار وقدم له:

حسن حداد

 

المشاركون في الحوار

داود عبد السيد

خيري بشارة 

محمد خان 

فريد رمضان

محمد فاضل 

حسن حداد

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

تفاصيل الحوار

 
 
 
 
 
 

 

سينما المخرج..!!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  

حسن حداد:

في تصوري.. يمكن ان نبدا بسؤال مهم، الا وهو ان السينما المصرية الجديدة، والتي نحتفي بها هذه الايام، هي سينما مخرج.. فما هو تعليقكم؟

محمد خان:

مئة بالمئة هي سينما مخرج، وحتى ان لم تكن كذلك من ناحية الاسلوب والمعالجة، فهي ايضا سينما مخرج. بمعنى ان المخرج هو الذي يختار موضوعه ويبحث عن منتج ويختار الممثلين، وهو الذي يربط كافة هذه العناصر ببعضها. وهي حتى بهذا الشكل السطحي، سينما مخرج.

حسن حداد:

ما اقصده هو ان السينما التقليدية السائدة كانت اساسا وماتزال سينما نجوم.. سينما انتاج.. بالنسبة للسينما الجديدة، ماذا يمكن ان نقول عنها؟

محمد خان:

حقيقة بأن المخرج أيضاً مرتبط بظروف صناعة ليس له أن يغير فيها. فهو أيضاً يتعامل مع الممثلين، ربما ليس مع النجوم دائماً، لكنه يفكر في النجوم حتى يستطيع الحصول على تمويل للفيلم، ويستطيع أن يحقق فيلمه. لذلك فالمخرج مجبر أحياناً على تقديم بعض التنازلات، أو أنه يعيد بعض الحسابات التي يضعها في ذهنه، حتى يستطيع تحقيق فيلمه.. لكن، رداً على السؤال عموماً، فهي بدون شك سينما مخرج.

داود عبدالسيد:

ألا تشعر أحياناً يا محمد.. لو سمحت لنا في أن نجعلها مناقشة!!

حسن حداد:

طبعاً.. فهذا بالضبط ما أريده من هذا اللقاء.. أن يكون مفتوحاً.

داود عبدالسيد:

ألا تشعر أحياناً بأن الممثل يريد أن يسرق الفيلم منك كمخرج. إذا قلنا بأن هناك سينما مخرج وسينما نجم؟

محمد خان:

الممثل دائماً لديه هذا الإحساس، حيث أنه واثق تماماً بأن المتفرج يذهب الى السينما لأجله هو. لكن بالرغم من إحساسه هذا، فأنا أشعر بأنه فيلمي.

داود عبدالسيد:

لا.. أقصد بأنه يريد أن يسرقه منك داخل العمل، حيث أننا أمام تجربة خيري الأخيرة (أمريكا.. شيكا بيكا)، نلاحظ بأن ملصق الفيلم مكتوب عليه فقط، إسم الفيلم وإسم المخرج والمؤلف والمنتج، ولا يوجد عليه إسم لأي ممثل. والفيلم أيضاً بدون نجوم لهم سعر بيع في السوق السينمائي، ومع ذلك نجح الفيلم. وبالرغم من أنني سعيد بهذا النجاح، إلا أن ذلك قد أثبت لي في النهاية بأن الفيلم الجيد يمكن أن ينجح بدون نجوم. علماً بأن هذا النجاح في حدود سوق التوزيع ذاخل مصر فقط.. يبقى أيضاً التوزيع خارج مصر، وهو الذي يصنع نظام النجوم، حيث يباع الفيلم بإسم ممثليه. صحيح بأن مخرج مثل محمد خان أو خيري بشارة حالياً لهم سعر محدد في التوزيع الخارجي، وسعر محدد داخل مصر، إلا أن السعر الأساسي هو سعر النجم.

محمد خان:

كلامك صحيح، لكن حتى مع تجربة خيري هذه، النجاح داخل مصر كان نجاحاً متوسطاً. مع أن الفيلم صاحبته حملة إعلانية كبيرة سعى إليها المنتج، والذي إستطاع أيضاً النجاح في البيع الفردي، حيث باع الفيلم للخارج بأسعار جيدة. ونحن بالطبع نتمنى النجاح لخيري أكثر وأكثر، إلا أننا لا نزال ـ وللأسف ـ مسيرين ولسنا مخيرين في مسألة الإنتاج هذه، بل ولا نعرف كيف نتخلص منها. وهذا في رأيي لن يحصل إلا بالإنتاج المستقل، من خلال مخرجين مثلنا، بمعنى عمل أفلام بميزانية صغيرة جداً، بحيث نضمن تكلفتها، ونحصل منها على الأجر الذي يكفينا للعيش، وليس مهم الباقي. وهذا لو حصل سوف نستطيع أن نفرض سعرنا في السوق. ونحن بالطبع لا نستطيع فعل ذلك، ولن نستطيع، إلا إذا تخلينا عن الأموال المسبقة من الموزع الخارجي.. علينا إذن أن نبحث عن مصادر أخرى للإنتاج.

حسن حداد:

تقصد.. مثل تجربتك في فيلم فارس المدينة؟

محمد خان:

نعم.. مثل تجربتي في فارس المدينة. أما بالنسبة لفيلمي الأخير (الغرقانة)، فقد عملته ضمن القالب الموجود (بيع مسبق) حتى يسدد خسارة فارس المدينة. ولكني إضطررت أن أصور الفيلم في ثلاثة أسابيع فقط، حتى أوفر بعض التكاليف، وكنت أتمنى بأن أنجح في تقليص ميزانيته الى أقل مما كلف، إلا أنني لم أستطع. حقيقة لم يحدث أن صورت فيلماً في ثلاثة أسابيع، فأقل فترة صورت فيها كانت ستة أسابيع ونصف، وذلك حتى يتسنى لي أن أصوره وأنا مرتاح. ولكن لكي نتغلب على مثل هذا، علينا أن نفكر بشكل إقتصادي لمصلحتنا، وليس لمصلحة أي شخص آخر.. ولكي نفكر في مصلحتنا، علينا أن ندخل مجال الإنتاج، حيث لابد من التفكير في الإنتاج في المستقبل.

حسن حداد:

هذا صحيح، فالإنتاج للفنان شيء ضروري، وذلك لتأمين حريته الفنية وتقديم ما يريده، بدون أية ضغوط من أي منتج آخر.

محمد خان:

بإعتقادي.. أن الإنتاج شيء لا مفر منه.

داود عبدالسيد:

أيضاً للإحساس بالحرية والإستقلال عن قوانين السوق المفروضة.

حسن حداد:

خيري.. هلا حدثتنا عن رأيك في نفس الموضوع؟

خيري بشارة:

من وجهة نظري، هناك نوعين من المخرجين: مخرج عاشق للسينما، ولكنه أساساً مخرج محترف، أي أنه يعمل ضمن شروط العملية الإنتاجية السائدة، وضمن نظام النجوم. وبإمكاننا أن نصف السينما التي يقدمها بأنها سينما لذيذة أومسلية، إذا لم نقل تجارية.. إنما في الأخير هي سينما ممتعة للجمهور. وهذا هو أقصى ما ممكن أن يعطيه هذا المخرج. أما إذا كان المخرج يبدأ مشواره وهو رافض للسينما التي يعشقها، يحلم بشيء أكثر من مجرد سينما. بمعنى أنه يقرر أن يربط السينما بوطن أو بشعب أو بثقافة وحضارة، وبإختصار يقرر أن يربطها بهم محدد.. يصبح لديه هم يريد أن يصبغه السينما التي يقدمها، هذا إضافة الى كونه عاشق للسينما. فمن الطبيعي أن يبدأ هذا المخرج صراعه ونضاله من أجل تأكيد المخرج (سوبر ستار). سوبر ستار، ليس معناه بأنه سيحتل أو سيرث نجومية الممثل، بل أنه يعمل على تحقيق همه وأفكاره، ويقدم ما يعشقه كمخرج سينما. وهذين النوعين من المخرجين في تصوري، سيتواجدان دائماً ولن تتخلص منهما صناعة السينما. وكلا النوعين أعتبرهما عاشقين للسينما، وإنما يختلف عاشق من عاشق.. مثل أي عشق بين أي إثنين.

داود عبدالسيد (مقاطعاً):

إسمح لي لو قاطعتك.. حيث يجوز أيضاً أن لا تكون عاشقاً للسينما. أنا مثلاً لا أعتبر نفسي عاشق للسينما، إنما أعتبر السينما هم وليس عشق. هناك فرق، بمعنى أنك أحياناً تمارس شيء مدفوع ومهموم به، هذا مع الفرق بيني وبين عشاق السينما. فقط أردت أن أوضح وجهة نظري هذه، وأنا متأسف على المقاطعة.

خيري بشارة (يتابع):

هذه نقطة.. النقطة الثانية هي ما يربط العام بالخاص، ويربط شيء مثل سينما المخرج وتجربته الخاصة. فأنا مثلاً في المرحلة الأخيرة، أو لنقل في السنوات الأخيرة، ربطتها بإستراتيجية خاصة، فيها خبث وفيهل لعب بعض الشيء. فمثلاً يبدأ الفيلم دائماً بعرضه على نجم حيث يبرز حدس أو إحساس خفي بأن النجم سيرفض الفيلم، خصوصاً عندما يكون الفيلم مكتوب بطريقة البطولة الجماعية. فمن الطبيعي بأن النجم يريد أن يظهر للمتفرج منذ بداية الفيلم حتى نهايته. وعندما لا يتوفر ذلك، أو أنه يجد نفسه أمام بطل سلبي، فلن يشعر بأن الفيلم جذاب جماهيرياً. هنا يصبح على المنتج إختبار نفسه.. هل يريد أن يتحرك الى نقطة أبعد، بمعنى بأنه لن يهتم بنظام النجوم، وبأنه يستطيع توفير بدائل أم لا؟ هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى، أنا سألعب لعبة ثانية تخص سعر المخرج في السوق وسأسعى لرفعه شيئاً فشيئاً. فموضوع السوق ينطبق حتى على السينما المختلفة، أقصد دوائر توزيعها. فدوائر توزيع السينما السائدة شيئ مغاير تماماً عن دوائر توزيع السينما المختلفة. ففي أوروبا مثلاً ليس هناك أية مشكلة من هذا القبيل، أي أن هناك قنوات معينة تهتم بالسينما المختلفة.. هناك دور عرض لها علاقة بالفن والتجربة، إضافة الى الإهتمام بأسماء معروفة في الإخراج، أمثال: جودار أو بيرجمان، وبدون النظر الى مستوى الفيلم المراد شرائه أو عرضه. أتذكر مثلاً فيلم للإيطالي فيلليني (مدينة النساء)، والذي هاجمه النقاد في بولندا، وعندما سألت: لماذا إشتريتموه إذن؟! قالوا بأنه فيلم لفيلليني. إذن المخرج هناك في أوروبا بإمكانه أن يجرب، سواء قدم فيلماً رائعاً أو العكس، وهذا يعني بأن ممارسته للتجريب متاحة، وبالتالي يحاول تقديم شيء مختلف. إنما هنا في مصر ـ وللأسف ـ لا يمكن حدوث ذلك، فنحن نحاول تقديم سينما مختلفة، إنما ضمن شروط إنتاج ودوائر توزيع السينما السائدة.. فما هو البديل؟! البديل هو ما قلته وحاولت تقديمه في السنوات الأخيرة. علينا أن نحاول تأكيد نجوميتنا كمخرجين، وإحتمال نضطر للبدأ في رفع أجورنا، ليس من أجل المردود المادي بالطبع، وإنما ليصبح لديك رقم متوازن مع النجم. علماً بأننا لم نصل حتى الى نصف أجر ثاني أغلى نجم، أو ربما أقل من هذا النصف. طبعاً لا مقارعة مع نجومية عادل إمام، فهذا رقم فلكي.. نحن نريد فقط إيجاد الحالة التي يسميها البعض (برستيج المخرج كسوبر ستار)، مثله مثل النجم.

داود عبدالسيد:

ولكن هذه أسباب إقتصادية يا خيري؟

خيري بشارة:

أنا تحدثت أيضاً عن الأسباب الأخرى، بمعنى أنني لم أركز على السبب الإقتصادي فقط، بالرغم من أنه سبب مهم جداً. 


 

إشكالية الإختيار..!!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

حسن حداد:

يجرنا الحديث هنا الى محور آخر، ألا وهو إشكالية الإختيار بين الجيد والعادي، إن لم نقل الرديء. حيث يمثل هذا إشكالية هامة عند جميع الفنانين، مخرجين.. ممثلين.. منتجين. والسؤال هو: هل يوجد هناك تصور محدد أو ظروف معينة تحكم عملية الإختيار هذه؟ فمن الملاحظ مثلاً بأن هناك تذبذب في المستوى عند مخرج معين، بين الجيد والرديء من فيلم الى آخر. فهل هذا ناتج عن سوء إختيار للسيناريو؟ أم ماذا يمكن أن نطلق عليه؟

خيري بشارة:

بإختصار.. أكثر شيء يمكن أن أستعين به، للإجابة على هكذا سؤال، هو مذكرات «بونويل»، حيث قال: هذا أنا.. بإدعائي.. بصدقي.. بالأشياء الحقيقية عندي.. وبالأشياء الكذابة أيضاً.. بنواياي. لم يخجل هذا المخرج من طرح كل شيء عن نفسه. وبونويل هذا إنسان ملحد، أو قل شيوعي، في دولة مثل أمريكا، وهو لا ينكر بأنه ملحد. وعموماً، نحن دائماً نعامل الفنان معاملة قاسية. خذ أي مخرج، كوبولا مثلاً أفلامه ليست جميعها جيدة. صحيح هناك البعض من المخرجين وهم نادرين، أمثال: تاركوفسكي، وتقريباً كوروساوا.. أسماء نادرة في السينما العالمية، لهم أفلام معضمها تقريباً ممتازة. إلا أن هذا نادر مع أية أسماء أخرى.

داود عبدالسيد (مقاطعاً):

ولا حتى الفنان مطالب بهذا.. بمعنى بأن هناك فرق مابين الفنانين والأنبياء، حتى أنهم لهم أخطاؤهم أيضاً. فالفنان في الآخر بشر وضعيف، وقد يكون جبان أو شجاع أحياناً، وسيء التقدير في أحيان أخرى. وأنا لا أتصور بأن الفنان مطالب بأن يقدم تحف فنية بشكل مستمر.. ولا حتى أتصور هذا تماماً. وبالنسبة لي أحاول أن أفعل هذا، إلا أنني لا أتصور بأني يجب أن أنجح فيه.

محمد فاضل:

معنى هذا بأنك تضع في الإعتبار إشكالية الفشل؟

داود عبدالسيد:

طبعاً.. وأيضاً ليس لأنه لا يمكن أن أنجح، ولا لأن الظروف مواتية أو العكس. دعني أفترض حدوث زلزال مثلاً، يأتي ليدمر ربع القاهرة، ويصادف وجود مخرج في الشارع، فماذا يفعل هذا المخرج. هل يرفض أن يقدم فيلماً عما حدث، ويقول بأنه لا يريد أن يقدم فيلماً غير جديد. ليس هناك من يقول هذا، فالمخرج لديه إلتزامات أسرية وإجتماعية مادية، عليه أن يوفرها لأبنائه وأسرته.

محمد فاضل:

أعتقد بأن سؤال حسن ينصرف الى الناحية الإبداعية. ومنذ قليل تحدث خيري عن دوائر الإنتاج التقليدية السائدة. وأنتم كمخرجين، أو أي مخرج عنده هم يريد توصيله، وعنده رؤية جديدة ومعالجة جديدة، يضطر أن يعمل ضمن هذه الدوائر.. دوائر الإنتاج التقليدي، حاملاً معه رؤيته الخاصة، وإصرار وإستعداد بأنه سيقاتل من أجل رؤيته، ومن أجل أن يظهر فيلمه بالشكل الذي يريده. ولو تركنا الهم الإجتماعي المباشر جانباً، وتحدثنا عن النقطة التي أثارها خيري.. نقطة شبكة التوزيع أو الدائرة الإقتصادية للفيلم نفسه، مع الأخذ في الإعتبار بأن السينما الجديدة في مصر هي سينما مخرج، بمعنى أن الفيلم هو خيار المخرج بالدرجة الأولى. أصل الى ملاحظة، وهي أن فريق العمل في الفيلم غير منسجم، أقصد بأنه ليس هناك رؤية موحدة لفريق العمل. وإذا أردنا أن نطبق هذا على نظام النجوم مثلاً، فنحن نلاحظ بأن خيري بشارة عندما إستعان بالممثلة شيريهان في فيلمه (الطوق والإسورة)، نجح في إكتشاف قدرات أدائية هائلة عندها، لدرجة أنها تفوقت مثلاً على عزت العلايلي. إلا أننا نفاجأ بشيريهان ثانية في فيلم لاحق ومع مخرج أخر.. لا نراها تقدم نفس المستوى، بل أقل بكثير من ذلك المستوى. وهذا يثبت بأن النجم شيء يختلف كثيراً عن الفنان المبدع. هنا يبرز السؤال.. بما أن المسألة متكرسة بهذه الطريقة، والمخرج هو الشخص الوحيد المسؤول عن قضية الإبداع.. إذن لماذا يظل وضعه بهذه الطريقة التي تحدثنا عنها منذ قليل؟

خيري بشارة:

لتوضيح ذلك، دعنا نأخذ السينما التونسية أو الجزائرية أو السورية مثلاً. نظام تمويل هذه السينمات والصيغة الإنتاجية لها مختلفة تماماً. هي صيغة ـ بشكل أو بآخر ـ ثرية تسمح بإنتاج فيلم بشكل مريح. هناك مثلاً المخرج محمد ملص، يخرج فيلم (الليل) خلال عام كامل. نحن في مصر متاح لنا أن نصور خلال أسابيع، ستة أسابيع أو سبعة كأقصى حد، وفي المتوسط خمسة أسابيع.

محمد فاضل:

هل هذا ناتج لظروف وضغوط إقتصادية وإنتاجية؟

خيري بشارة:

طبعاً.. لأن الصيغة الإنتاجية تحكمك بدوائر توزيع محددة.. هذا عامل.. العامل الآخر هو أن تونس والجزائر والسوريا ليس فيها صناعة سينما. هناك فقط تجارب سينمائية معدودة، يصنعها فنانون لديهم (طزاجة)، ليس لديهم أية تقاليد سينمائية تحكمهم، يقدمون ما لديهم وهم متحررون مثلاً من الأداء والتمثيل الميلودرامي المبالغ فيه.. فنانون يعملون تحت قيادة مخرج هو أكثرهم معرفة بعناصر السينما وأدواتها. لا أقصد طبعاً بأنهم يعملون في حالة إستسلام، بل في حالة ثقة وحالة إنبهار وحالة هواية. أما في مصر، فهناك صناعة سينمائية ضخمة لها تاريخ طويل. نحن كمخرجين للسينما الجديدة هذه نقاوم ميراث ضخم.. ميراث أداء.. ميراث إنتاج.. نقاوم حتى الجو العام أثناء التصوير. هناك مثلاً فنانين في حالة إبداع منذ الخمس عشرة أو العشرين سنة الأخيرة، بمعنى أن هناك سوق وصناعة وإنتاج. وعلينا كمخرجين أن نبذل جهد غير الجهد الإبداعي.. جهد لمقاومة كل هذا الميراث، وكل هذه (اللاطزاجة) داخل هذه الصناعة، والتي بدورها صناعة تقليدية قديمة وقوية في نفس الوقت. وهذا في إعتقادي، العاملان الرئيسيان اللذان يتحكمان في عملية مثل هذه. أما إذا أردنا أن نتحدث عن فترة بداية الثمانينات، فأنا أعتقد بأننا قمنا بدور بطولي. وكان ـ في تصوري ـ دور بطولة على حساب عملنا الإقتصادي الشخصي. أتذكر مثلاً بأن عمي الطبيب إلتقى بالمخرج (؟؟؟ ) وهو مخرج غزير الإنتاج، فأخبره بأنه عم المخرج خيري بشارة، فرد عليه بأن خيري ماشي في طريق لن يفيه لقمة العيش، وكان هذا توقعه. كنت وقتها شاب في العشرينات، عندما علقت على هذا وقلت هو حر طبعاً. إلا أنني إكتشفت اليوم، وأنا في السابعة والأربعين، بأن الذي صنع تلك السينما، صنع أيضاً أمانه الإقتصادي القوي، وأنا لم أصنع ذلك.. محمد لم يصنع.. داود لم يصنع أي أمان إقتصادي.

داود عبدالسيد:

لكن هذا المخرج توقف عن الإنتاج تقريباً، وأنت لازلت تعمل.

خيري بشارة:

أنا أريد أن أصل الى هذه النقطة، ولكن.....

محمد خان:

لا.. هذه ليست قاعدة.

داود عبدالسيد:

لا.. هذه قاعدة. أنظر الى جميع نجوم الإخراج في الثمانينات في مصر، وقل لي من منهم مازال يعمل حتى الآن.

خيري بشارة (يتابع):

بعد ذلك الدور البطولي الذي قمنا به، وبعد ما وصلنا الى اللحظة التاريخية أو هذا الظرف التاريخي، إكتشفنا بأننا لم نصنع لأسرنا أي أمان إقتصادي. وهو بالطبع شيء إنساني، حيث أنني شخصياً إكتشفت بأن صنع أمان إقتصادي لأسرتي شيء أهم من السينما. وهذا ليس بالنسبة لي فقط، بل ربما أيضاً بالنسبة لمحمد وداود وغيرنا كثيرون. كنا في السابق نشكل معارضة، إكتسبت شرعية وجود في دوائر التوزيع أو في السوق السينمائي، وأصبحنا كأسماء مطلوبة في السوق في الوقت الحالي. إذن علينا إستغلال هذا الوضع الإستثنائي لتحقيق كل ما كنا نحلم به في السينما. ونحاول أن نستغل هذا الظرف التاريخي لصنع ما نريد. وهذا ما نقوم به الآن، كل واحد بطريقته. يمكن بالنسبة لداود الأمر يختلف قليلاً، حيث نلاحظ الفترات المتباعدة بين فيلمه الأول والثاني، لإعتقادي بأن عليه دور أمام نفسه كفنان، قبل أن يكون دوره أمام السينما.. عليه أن يحقق ما لم يحققه، لذلك نراه يمشي في طريق خاص. إنما بالنسبة لنا، فقد حصل تحقق بشكل ما، لذلك نحن نحاول إستغلال هذه الفرصة التاريخية لتحقيق شيء آخر كنا نحلم بتحقيقه.

حسن حداد:

هل هذا معناه بأن المصالح الخاصة بدأت تأخذ حيز في......

محمد خان:

لا.. ليس المصالح الخاصة.

خيري بشارة:

لا طبعاً.. أنا لا أقصد هذا. فقط أشرت الى الأمان الإقتصادي، ولم أشرح أن لهذا علاقة بالأمان الإقتصادي. قلت أننا في الوقت الحالي نعمل في دائرة الألعاب. بمعنى أني أريد مثلاً أن أصنع قصة حب، كنت في وقت ما لا أستطيع أن أنفذها، حيث كان الهم الفني والإجتماعي هو المسيطر. بينما قصة الحب شيء عميق، مثله مثل الطوق والإسورة، بنفس شرعية التواجد عبر السينما. لديك مثلاً أشياء مكبوتة في داخلك، تحققت في بعض أفلامك، إنما في مشاهد قليلة. وأنت الآن في لحظة تاريخية تشعر فيها بأنك مطلوب في السوق.. إذن لماذا لا تسمح لهذه الأشياء المكبوتة بالخروج لتتجسد في أفلامك. من هنا تكون صدمة النقد.

حسن حداد:

هذا صحيح الى حد ما.. ولكن لابد من تجسيد هذه الأشياء المكبوتة بنفس الرؤية الإبداعية.. حيث يفترض بأن تكون الرؤية الفنية الإبداعية واحدة ومنسجمة مع تاريخك الإبداعي وما قدمته في السابق.

خيري بشارة:

لكن ليس له علاقة بالأمان الإقتصادي. فمثلاً (آيس كريم في جليم) هو فيلم شيوعي من وجهة نظر منتجه. حيث قال بأن شيوعيتك لم تنجح كثيراً في الفيلم. أما بالنسبة لليسار في مصر، فقد إعتبر الفيلم نقد لليسار.. تصور التناقضات!!

محمد خان:

أنا أريد أن أتحدث بشكل أكثر وضوحاً بالنسبة للسؤال.. لماذا ذكرت ـ في البدأ ـ بأننا مسيرين أكثر مما نحن مخيرين. بالنسبة لي كان أول أفلامي هو أنجحها، وكان هذا الفيلم بمثابة تذكرة إستمراري في السينما. كذلك عندما قدم داود فيلم (الكيت كات) ونجح ذلك النجاح الكبير، أصبح بإمكانه أن يعمل في أفلام كثيرة. أيضاً خيري عندما نجح فيلمه (كابوريا)، أصبح يستطيع أن يعمل في أفلام كثيرة. إذن المسألة متوقفة أساساً على شباك التذاكر، هذا القانون الداخلي الذي يؤثر فينا كثيراً، سواء أردنا أو لم نريد. صحيح بأننا إستطعنا أن نقدم نجاحات متوسطة في أفلامنا تسمح بإستمرارنا، وصحيح بأن النجوم أو الممثلين الجيدين يسعون الآن للتعامل معنا، مما يتيح لنا تقديم مواضيع نريدها نحن.. إنما هناك، في كثير من الأحيان، ظروف صعبة تواجهنا. فمثلاً بعد أفلام (ضربة شمس، الرغبة، الثأر، طائر على الطريق، موعد على العشاء)، أصبحنا ـ أنا وبشير الديك ـ في أزمة مالية، فقلت له ما رأيك في تقديم فيلم (أكشن)، فكتبنا (نص أرنب). وحتى في فيلم كهذا، حيث حاولنا تقديم بعض أفكارنا، كانت هناك مشاكل مع المنتج. فمثلاً كان من المفترض أن أصور في الإسكندرية لمدة أسبوعين، فجأة يأتي المنتج ليشترط أن أصور في ثلاثة أيام فقط، والباقي أصوره في فندق بالقاهرة. طبعاً رفضت بل أصريت على موقفي وأوقفت التصوير. وبعد مشاكل وإجتماعات في غرفة صناعة السينما والنقابة، أتفق على أن يشتري الفيلم منتج آخر.. وحصل وقدمت الفيلم بالشكل الذي أردته. تصور بأن هذه المشاكل حدثت مع فيلم (أكشن) عادي. وبالرغم من كل هذه المشاكل والصراعات، إستطعنا تقديم أفلام مثلما نريد نسبياً. ونستمر من فيلم الى آخر، وتستمر الصراعات بأشكال مختلفة. في تصوري بأن قوانين السينما المصرية قوانين غير عادلة بالمرة.. فمثلاً في السينما الأمريكية، نجاح فيلم لأي مخرج ما يكون سبباً منطقياً لوقوف المنتج مع هذا المخرج ومساندته في بقية أفلامه. هنا في مصر الأمر يختلف، فالمنتج يستفيد منك ويتركك لتواجه مشاكل كثيرة فيما بعد مع منتجين آخرين.. منتجين لا يعنيهم أي نجاح سابق لك. فمثلاً بالنسبة لداود وفيلمه (أرض الأحلام)، هناك الآن أفراد مهمتهم متابعة إيراداته فقط، ليس لهم علاقة لا بفن ولا بأي شيء آخر.. أفراد مهمتهم متابعة إيرادات هذا الفيلم، ومن بعدها يحكموا عليه من هذه الناحية التجارية، متناسين طبعاً نجاح فيلم (الكيت كات). أنا شخصياً مررت بنفس الشيء، فقد كان نجاح فيلم (طائر على الطريق) نجاحاً متوسطاً، حيث إستمر عرضه إحدى عشر أسبوعاً، ويعتبر هذا في تلك الفترة نجاح جيد. وكذلك نفس الشيء مع فيلم (موعد على العشاء). أما فيلم (نصف أرنب) فكان حظه سيء، حيث عرض لأسبوعين فقط، من غير أي دعاية، بعدها عرض في الفيديو. (خرج ولم يعد) إستمر أربعة أسابيع فقط، (سوبر ماركت) نفس الشيء. بينما نجح فيلم (أحلام هند وكاميلا) محققاً نجاحاً معقولاً ساعدني في تقديم فيلمين من بعده. فيلم (مستر كاراتيه) مثلاً، كان في نظر المنتجين بأنه سيحقق نصف مليون جنيه أرباح، إلا أن هذا لم يحدث، حيث حقق مليون أو أقل. 


 

ملكية الفيلم، للمخرج أم للمنتج..؟!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

داود عبدالسيد:

يبدو لي بأن المشكلة تكمن في أن إيرادات الفيلم ليست عملية مضبوطة، ولا يقدر أحد على قياسها. بمعنى أنه بإمكانك معرفة أرقام التوزيع الخارجي فقط، والمنتج الذي يعرف كل الأرقام.. والتي ربما سيخفي حقيقتها عنك، ويعطيك أرقاماً خاطئة. هذا إضافة الى توزيع الفيديو، والذي أصبح منفذاً مهماً جداً لتوزيع الفيلم. في الماضي كان هناك جمهور الترسو، وهو الجمهور الفقير مادياً، الذي يجلس أمام الشاشة مباشرة، ويدفع أقل أجر. هذا بالإضافة الى جمهور الصالة وجمهور البلكون. أما في الوقت الحاضر فنلاحظ بأن جزءاً كبيراً من هذا الجمهور، قد هجر السينما تماماً، إما لأن صالات العرض أصبحت سيئة، وإما لظهور الفيديو كمنافس قوي جذب إليه جمهور كبير. هذا الجمهور غير مقاس حتى هذه اللحظة. بمعنى إننا إذا إستطعنا أن نعرف بأن فيلم ما قد نجح في السينما، فلن نعرف عن نجاحه وتوزيعه على أشرطة الفيديو. فمثلاً فيلم مثل (خرج ولم يعد)، صحيح بأنه لم ينجح في السينما، إنما من المؤكد بأنه نال نجاحاً كبيراً في الفيديو. أيضاً بالنسبة لأفلام كثيرة حصل لها نفس الشيء. وفي تصوري........

خيري بشارة:

هذا صحيح.. لكن المشكلة في أن مدخول الفيلم المالي من الفيديو لا يذهب للمنتج.

داود عبدالسيد:

ليس فقط لا يذهب للمنتج، إنما أنت لا تعرفه أيضاً.. لا تعرف كم متفرج شاهد الفيلم في الفيديو. بإستطاعتك أن تعرف ذلك بالنسبة للسينما فقط، حيث تحول التذاكر الى أرقام، إنما بالنسبة للفيديو فلا يمكن معرفة ذلك. وعلى ضوء هذا، فأنا أدعي بأن أفلام كثيرة لم تنجح في السينما، هي في حقيقتها ناجحة في الفيديو وفي التوزيع الخارجي.

محمد خان:

أيضاً.. ليس من مصلحة المنتج أن تعرف بأن فيلمك قد نجح في الفيديو، وذلك حتى لا ترفع سعرك.

داود عبدالسيد:

بالضبط.. هذا لأن صناعة السينما في مصر تعد صناعة بدائية، إقتصادها بدائي.. بمعنى أنه لا توجد شركات كبيرة.. لا توجد بنوك تستثمر أموالها في هذه الصناعة وأنا في رأيي بأن الذي يساهم في تطوير أي صناعة هي البنوك. في مصر حصل توقف وإنهيار لهذه الصناعة.. إنهيار في البناء وشكل التوزيع والمنافذ وغير ذلك.. لاحظ بأنني لا أتكلم عن السينما كفن، وإنما أتكلم عنها كصناعة.

خيري بشارة:

هناك مثلاً واقعة سأحكيها، وأنت عليك أن تحللها مثلما ترى. منتج فيلم (آيس كريم في جليم) يقول بأنه خسر فيه، وهذا بالطبع ليس بصحيح. حيث أنني أعرف تكلفة الفيلم وكم دفع لخيري، وأعرف كم مدخوله. وكلام المنتج هو عبارة عن مناورة فقط لتخفيض الأجر. ولأنني كنت بحاجة للمال، فقد وقعت عقد فيلم جديد مع نفس المنتج، وكان يطالبني بإلحاح شديد بالبدء في العمل مسبباً لي إزعاجاً شديداً جداً لم أتحمله. ولأن الشيء الوحيد الذي نملكه هو عدم التنازل، فقد قررت إنهاء العقد مع المنتج. وهذا فقط نموذج واضح، حتى نتجاوز الفهم الخاطيء، في أنني عندما أتحدث عن الأمان الإقتصادي، فليس معناه التنازل.. لا بالعكس، نحن كمخرجين مطلوبين في السوق، ولابد من إستغلال ذلك لتقديم ما نريد. صحيح بأن من الطبيعي أن تكون هناك أوقات صعبة نصبح فيها تحت ضغوط كثيرة، إلا أننا نرفض تقديم أي حدوتة تقليدية. وهذا يعرفك مدى قسوة السينما السائدة، حيث جميعنا يعمل عبر هذه السينما.. عبر صيغة كلاسيكية قديمة بلهاء، لا تسعى لتقديم إبداع.

حسن حداد:

إذن المشكلة تكمن في كيفية التحرر من أسر دوائر الإنتاج التقليدي هذه.

داود عبدالسيد:

طبعاً.. فنحن نعمل حالياً ضمن إنتاج بدائي، بمعنى نظام إقتصادي بدائي.. كما ذكرت منذ قليل.

محمد فاضل:

حسب ما فهمته من النقاش، هو أنكم متجاوزين للناحية الإبداعية، أي متفقين عليها، إلا أن الإشكالية تكمن في البنية الإقتصادية المتخلفة للسينما المصرية. هذا إضافة الى أعتقادي بأن هناك أيضاً مشكلة أخرى، وهي أن أفلامكم نخبوية بعض الشيء.. بمعنى أن المثقف والمهتم يمكن أن يتفاعل معها. فمثلاً عندما تسأل متفرج عادي عن (آيس كريم في جليم) يكون رأيه في أن جلب عمرو دياب وسيمون مثلاً، ما هو إلا بهارات تجارية لضمان نجاح الفيلم وجذب الجمهور. وإضافة الى هذا أود الإشارة الى قضية جداً هامة، ألا وهي  الرأسمالية الوطنية المتخلفة في نظرتها للفن والتقافة، تلك النظرة التجارية الربحية البحتة. وهذا في تصوري له جانب آخر مرتبط بالوضع السياسي بشكل عام، حيث لا أعتقد بأن أفلام مثل (آيس كريم في جليم) أو (الإرهاب والكباب) يمكن أن تظهر في فترة السبعينات، وهي فترة حرجة مرت بها مصر بتحولات كبيرة. وأنا لا أستبعد تماماً هذا الربط بين السينما والوضع السياسي.

محمد خان:

طبعاً.. كما أن هناك عناصر أساسية تساهم في تشكيل الجمهور. فنحن مثلاً نتاج الستينات، حيث كانت دور العرض العادية تعرض أفلاماً ممتازة لعمالقة الإخراج، أمثال تروفو ورينيه وغيرهم، ويستمر عرض الفيلم أسبوع أو أسبوعين، وهي أفلام يتذوقها الجمهور العادي، أو يكفي بأنه يشاهدها، وهذا بالطبع شيء جيد. أما الآن فالجمهور الموجود يتابع أفلام الكاراتيه والأفلام الهندية وأفلام من نفس النوعية. لا يوجد هناك في دور العرض أفلام أخرى، تساعد على تغيير الجمهور أو الإرتقاء بذوقه وتشكيل جمهور جديد وواعي. وبالتالي ما علينا إلا أن نعمل الأفلام التي نريد.

داود عبدالسيد:

في تصوري.. هذا هو قدرك.. قدرك أن تتواصل مع الجمهور الموجود. وليس معنى هذا أن تقدم أفلاماً يتم تذوقها بعد عشرين سنة.....

محمد خان:

لا طبعاً.. ليس لهذه الدرجة.

داود عبدالسيد:

أنا هذا رأيي.. قدرك هو جمهورك، وعليك أن تتواصل معه.. بغض النظر إن كان هذا الجمهور سيء أم جيد. فمثلاً.. هناك إتجاه في السينما المصرية، يتنكر للجمهور المصري أو العربي، ويصفه بالجهل والتخلف، ويتجه للجمهور الأوروبي. وهذا الإتجاه ـ بالطبع ـ له مبرره الإقتصادي أيضاً، حيث يحصل على تمويل من أوروبا من خلال الإنتاج المشترك. وفي تصوري بأن هذا الإتجاه عقيم الى حد ما، هذا بالرغم من أنه أحياناً يقدم نماذج سينمائية جيدة. فمثلاً أنا ـ من وجهة نظري الخاصة جداً ـ أعتبر أفلام يوسف شاهين الأخيرة أفلاماً سيئة.. لاحظ بأنني لست من الجمهور العادي، إلا أن هذه الأفلام لا تعجبني، ولا تؤثر فيني. هذا مع إحترامي لأستاذية يوسف شاهين، وأنه لا يوجد في علاقتنا معه أي شيء سيء. إنما بعد فيلمه (الأرض) لا أرى له شيء جيد.. يمكن أحياناً أعجب بفيلم أو إثنين، إنما الغالبية إختيار سيء. هذا لأن يوسف شاهين لا يهمه الجمهور المصري، ثم أنه لا يأخذ تمويله من مصر أو البلاد العربية.. بمعنى لا يهمه عائد الفيلم في مصر والبلاد العربية.

محمد فاضل:

أنا أعتقد بأن هم العالمية ياداود له دور.......

داود عبدالسيد:

لكن المشكلة بأن هذا ليس عالمية........

خيري بشارة:

في رأيي.. أنه في الخارج لا يتم تذوقها بشكل صحيح.. بمعنى أنه لا يتم تقديرها كما كان يوسف شاهين يأمل. وهذا يعني بأنك تلعب على أرض ليست أرضك.

داود عبدالسيد:

لا.. أنا في تصوري بأن الجمهور الأوروبي يريد أن يتفرج على أشياء معينة.. ليس الذوق هو الحكم، وإنما الإحتياج الأوروبي. فالمفترض بأنك تقدم لهم أشياء لا توجد عندهم.. أشياء تهمهم، حتى تستطيع أن تبيعها لهم. حتى لو كان الفيلم جيد ومهم جداً ولا يهمهم كأوروبيين فلن تحصل على تمويلهم. وهذا هو إعتراضي على الإنتاج المشترك، وهو ليس إعتراض مبدئي، إنما إعتراض عملي.

خيري بشارة:

هي بالطبع ظاهرة شعبية، فمثلاً أثناء إخراجي لفيلم (الطوق والإسورة) كان إحساسي بأنني أقدم فيلماً شعبياً سيصل الى الناس بقوة. وبالرغم من أن هذا لم يحدث، إلا أنني معني أكثر بالهم الفني والإجتماعي، ولا يمكن ـ في نفس الوقت ـ أن أحتقر جمهوري، أو أصفه بالجهل والتخلف، بل أعتبر من يفعل ذلك بأنه يمارس فاشية على الجمهور. ومن وجهة نظري فإن عليك أن تقدم أفلاماً لابد لها أن تتواصل مع الجمهور، وبدون ذلك يكون الأمر صعب. صحيح بأن هناك مرحلة من حياتك كفنان، وهي بالطبع مرحلة متأخرة جداً، تستطيع فيها أن تقدم أفلاماً ذاتية جداً، ربما لا تهم أحداً. فمثلاً بالنسبة لي يراودني مشروع إخراج فيلم عن نفسي.. عن ذاتي. أحكي فيه عن كل جزئية في حياتي. و.......

حسن حداد:

في تصوري بأن الذاتية في السينما لابد لها أيضاً أن ترتبط بالواقع والمجتمع بشكل عام. حيث أن تجربة الفنان الذاتية متأثرة وتؤثر أيضاً في المجتمع.

محمد فاضل:

أنا أرى بالنسبة لداود بأنه أكثر من يتناول، ليس الهم الذاتي فحسب، وإنما أيضاً الرؤية الذاتية الخاصة. هذا بالرغم من أن أفلامه أربعة الى حد الآن. داود، إنت تطرح الشخصيات في أفلامك لتعكس بها طريقة تعاملك اليومي مع الناس. فمثلاً عندما نشاهد العلاقة الحميمية اللطيفة والشفافة بين أمينة رزق ومحمد توفيق في (أرض الأحلام) نشعر وكأنهم عشاق في ربيع العمر، يتبادلان العشق بروح شبابية.

داود عبدالسيد:

إبتداءاً من السؤال الأول، ماذا يعني مصطلح السينما الجديدة. ماهو الفرق بينها وبين السينما التقليدية السائدة؟! الفرق هي أنها سينما مخرج، ليس معناه بأن المخرج هو الذي يقول رأيه الأول والأخير، حيث من المفترض أن يكون المخرج هو قائد العملية الفنية في أي إتجاه من إتجاهات السينما. وإنما معناه بأن المخرج هنا يطرح أفكاره ويقدم رؤيته الخاصة. هذا هو الفرق بين السينما التي نقدمها والسينما الأخرى. وهي أنها سينما مخرج.. سينما فنية إن صح التعبير، بمعنى أنك أصبحت حلقة من الفن، هدفك أن تقدم أشياء فنية، بغض النظر إن كان ما تقدمه جيد أم رديء.. يكفي محاولتك لتقديم عمل فني. السينما الثانية تقدم أشياء أخرى، سينما ليس هدفها أساساً العمل الفني، هدفها التجارة فقط، كأي منتج تجاري للبيع. أما بالنسبة للسينما الذاتية، فالذاتية ليس معناها أن أتحدث عن نفسي، الذاتية هي أن أرى العالم بشكل ذاتي. 


 

ضرورة فنية.. إقتصادية، أم جماهيرية؟!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حسن حداد:

خيري.. بالنسبة للسينما التي قدمتها في أفلامك الأخيرة، والتي أطلقت عليها مرحلة من مراحل مشوارك السينمائي.. تثير لدي هذا التساؤل.. وهو أن بروز هذه المرحلة هذه المرحلة هل جاء لضرورة ما.. فنية.. إقتصادية.. أم لضرورة جماهيرية؟

خيري بشارة:

لا طبعاً فنية.. سأقول لماذا فنية. مثلاً فيلم (كابوريا) الذي صدم كثير من الناس. عندما عرض في بلد مثل ألمانيا، كان رد فعله عالياً جداً. وعندما كنت أعمل في رومانيا خرجت كوليد للسينما الرومانية، خرجت مع فيلم مثل (الطوق والإسورة)، ولكن أساتذة معهد السينما في رومانيا أعجبوا أكثر بفيلم (كابوريا). فالمتفرج العربي في النهاية يمر بمرحلة موالية للواقعية، ويميل لتصوير حياة إجتماعية واقعية شاعرية. وهو بتركيبته الجغرافية والتاريخية والثقافية مؤهل فقط لإستيعاب الواقعية، عصره هو عصر الواقعية. وهذا ليس عصري أنا، وليس مطالب بأن يهاجمني لمجرد أنني أريد أن أتجاوز هذا.

حسن حداد:

لا طبعاً.. أنا لا أقصد الواقعية بالذات، وإنما أي موضوع آخر مطروح.. حيث لابد أن تكون الصياغة فيه منسجمة والعلاقات بين الشخصيات. فمثلاً في فيلم (كابوريا) شعرت بأن....

محمد فاضل (مقاطعاً):

بشكل عام.. مشكلة النقد العربي أنه متحفظ جداً، حتى بالنسبة للجمهور العربي والنقاد العرب.. الغالبية منهم محافظين، ذوق محافظ للغاية.. بمعنى أن خيري بشارة عندما أبدع في (العوامة 70) وأبدع في (الطوق والإسورة)، وقدم قضايا إجتماعية.. تعودت الناس على هذا المناخ، حيث كانت هذه القضايا هي المطروحة في الساحة السينمائية آنذاك. حتى بالنسبة للكتابة في الصحافة، عندما تكتب عن تجربة ذاتية في مقال صحفي يهاجمك البعض بدعوى أنك تريد أن تبرز نفسك بالحديث عنها. والفنان بشكل عام لا يستطيع أن يقدم إلا ما يشعر به من قلق داخلي إن كان ذاتياً أو عاماً. ومع إحترامي للكثير من النقاد، إلا أنني أرى بأن آرائهم محافظة جداً. فمثلاً، الفنانة فيروز عندما قدمت أول شريط لها مع زياد الرحباني (معرفتي فيك)، هوجمت كثيراً، لدرجة إعلان أحد النقاد في إحدى الصحف اللبنانية عن نهاية فيروز. ولكن في النهاية فيروز هي الفنانة المجددة دائماً، منذ الستينات وحتى الآن.

حسن حداد (مقاطعاً):

أنا أقصد بالطبع القيمة الفنية في أي عمل فني، وهذا ليس له علاقة بأسلوب التناول لأي موضوع.

خيري بشارة:

نحن كعالم عربي، لدينا نظرة مستقرة وثابتة للأشياء.. بمعنى أننا نعيش على خلاصة أرسطو في النقد والإبداع. وأرسطو في النهاية ليس إله، لقد إستقى بدوره من إبداع الذين سبقوه، وأصبح هذا تراث مستمر حتى الآن، بإمتزاجه طبعاً بثقافة وأبداع العصور التي مر بها. إفترض مثلاً بأنني سأقدم فيلم كاريكاتير، الشخصيات فيه وهمية وليس فيها منطق، إنما هناك أسلوب للفيلم.. هناك إنسجام داخل العمل كأسلوب. وهذا ليس معناه أن أرفض العمل لأنه يخلوا من المنطق ويتجاوز الواقعية. لا طبعاً، فهذا أسلوب وهذا أسلوب مختلف.

حسن حداد:

طبعاً.. أتفق معك تماماً في هذا، حيث من المفترض أن يتناول الناقد أي فيلم بأدوات تتناسب والطرح أو الأسلوب الفني الذي يحمله.. وهذا ما قصدته بالضبط. إلا أنه ـ إضافة الى هذا ـ لابد لي كمتفرج أو كناقد، في أي عمل فانتازي مثلاً، أن أصل الى قيمة فنية وعلاقات لا تتناقض وهذا الأسلوب الفانتازي. شخصياً، لم أتجاوب كثيراً مع (آيس كريم في جليم) أو (كابوريا)، أراهما غير متماسكين. بغض النظر طبعاً عن كونهما يتخذان أسلوباً واقعياً أو خيالياً أو غير ذلك، لا أقصد الأسلوب تماماً، ولكني أراهما ضعيفان من حيث الصياغة ونسج العلاقات.. هذا إذا عملنا مقارنة بينهما وبين قوة الطرح في (الطوق والإسورة) أو في (العوامة 70).

خيري بشارة:

على فكرة.. فيلم (كابوريا) من وجهة نظري، أكثر تجريبية وأكثر طموحاً من (الطوق والإسورة). ففيلم (الطوق والإسورة) هو الذي أستطيع عمله كل يوم، ولكني عملته. الصحيح هو أنك تنضج عبر صيغ فنية مختلفة. (كابوريا) هو الفيلم الذي قالوا عنه بأنه فيلم تجاري، وهذه بالطبع مفارقة عجيبة، ولكنني أفسرها بأن الهجوم الضاري على الفيلم كان نتيجة نجاحه التجاري، حيث أن هذا النجاح يهدد مصالح في السوق. صحيح بأن الهجوم كان عبر أفراد المفترض بأنهم واعين، إلا أنهم إنجرفوا في العملية. وإتفق الجميع، رغم تعدد أفكارهم، ضد الفيلم. وأنا رأيي حينما يتفق الجميع ضد فيلم أشعر بالسعادة. والفيلم......

داود عبدالسيد:

وهل معناه بأنه إذا إتفق الجميع مع أي فيلم فهو فيلم رديء!!

محمد فاضل:

ينتابك قلق، على ما أعتقد.

خيري بشارة:

نعم.. ينتابني قلق، حيث أن أفلامي التي أتفق عليها سببت لي قلقاً. فمثلاً (أمريكا شيكا بيكا) تم الإتفاق عليه في مصر.......

داود عبدالسيد:

إذن.. هو فيلم رديء.. (يقولها وهو يضحك.. وضحك الجميع).

خيري بشارة:

نأخذ مثلاً فيلم (الهروب) لعاطف الطيب.. بسبب وجود موقف مسبق من عاطف، فقد تم التعامل مع الفيلم بشكل هجومي.. لقد كتب ضد الفيلم نقد جارح، ليس لأنه رديء.......

داود عبدالسيد:

حقيقة هذا فيلم جيد.

خيري بشارة:

هذا رأيي أنا أيضاً.. لكن الذي حصل هو أنه تم التعامل مع الأسطورة في النقد.

داود عبدالسيد:

إنما يوجد هناك شيء خاص بالنسبة لعاطف الطيب........

خيري بشارة:

كذلك ما حصل لفيلم (ناجي العلي).

داود عبدالسيد:

كلا.. ليس هذه هي المشكلة عند عاطف.. إنما كثرة الأفلام وتشابهها. لم يعد عاطف الطيب يقدم مفاجآت، بينما أنت مثلاً قادر على تقديم مفاجآت.

حسن حداد:

بالنسبة لعاطف الطيب.. ينتابني شعور غريب، بعد مشاهدتي لأي من أفلامه التي لم تعجبني، بأن هذا الفنان لا يمتلك رؤية واضحة ومحددة، ويعتمد فقط على توفيقه في إختيار السيناريو، و.......

محمد خان:

لا ليس هذا بصحيح.. فعاطف يؤمن بنظرية ـ تمنيت لو أنه معنا الآن ليتحدث عن نفسه ـ وهي نظرية ليست سيئة، لو تقدر أنت أن تتمسك فيها.. أحياناً الواحد لا يقدر أن يفعل هذا، وهي عدم التوقف عن العمل.

حسن حداد:

طبعاً.. هذه مسألة صعبة بالنسبة لأي فنان.........

محمد خان:

هي صحيح صعبة، ولكن.........

داود عبدالسيد:

إن مشكلة هذه النظرية، هي أنك تتوقف عن التفكير أيضاً.

حسن حداد:

تماماً.. أنا أتفق مع داود في هذا.

خيري بشارة:

صحيح.. إلا أن هناك إستثناءات، ولا يمكن أن نتمسك بنظرية ثابتة في الرأي. فمثلاً فاسبندر وجودار قدما عدد مرعب من الأفلام، ولكن......

داود عبدالسيد:

لكنك تقيس بالشواذ يا خيري.. حيث أن فاسبندر وجودار حالات خاصة جداً.

خيري بشارة:

صحيح بأن هذا لا ينطبق على عاطف، لكن.........

داود عبدالسيد:

ولا ينطبق علي أنا أيضاً، وليس على عاطف فقط. طبعاً لا أقصد.......

حسن حداد:

إنها ليست قاعدة يا خيري.

خيري بشارة:

قصدت أن أقول بأنه ليس العدد.........

حسن حداد (متابعاً):

ذاك، كان مجرد شعور ينتابني أحياناً، لكني أرجع بعد تفكير عميق لأقول لنفسي: هل هذا معقول بأن يكون السبب هو عدم وجود رؤية واضحة لدى عاطف الطيب، وهو الذي قدم أفلاماً هامة مثل (سواق الأتوبيس) وغيره. إذن ما هو سر ذلك التذبذب في المستوى عند فنان كبير كعاطف الطيب؟!

محمد خان:

عاطف قدم فيلم (قلب الليل)، النصف ساعة الأولى منه كانت تحفة عالمية........

حسن حداد:

هذا صحيح.. أتفق معك في هذا، ولكن ماذا عن بقية الفيلم، حقيقة شعرت بأن مخرجاً آخراً قد أكمل الفيلم.

داود عبدالسيد:

عاطف الطيب من المخرجين القلائل جداً في السينما المصرية، إنه فنان خطير. وفي رأيي بأنه محتاج لأن يتوقف سنة.. ماذا سيحصل له لو توقف سنة.. سنة واحدة فقط يفكر فيها ويختار ويقيم. بعدها يعمل ثلاث سنوات متواصلة.


 

الفيلم.. والحركة النقدية..!!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فريد رمضان:

أريد أن أطرح محور آخر للنقاش، أعتقد بأننا لم نتحدث فيه، وهو يخص الحركة النقدية السينمائية في مصر.. هل تعتقدون بأن هذه الحركة النقدية قد إستطاعت أن تواكب هذه التجارب الجديدة بأدواتها ومصطلحاتها، أم أنها ظلت عاجزة عن مواكبة هذه الحركة السينمائية؟

محمد خان:

من وجهة نظري.. أن حماسها لنا كان مفيداً بدون شك.. هذا في المطلق. إنما كقيمة لم تكن مواكبة.

داود عبدالسيد:

هناك بعض التجارب الجيدة، ولكن كحركة هي متخلفة عن مواكبة الفيلم الجديد.

حسن حداد:

أعتقد بأن أدواتها كانت ضعيفة بالنسبة.........

داود عبدالسيد:

أدواتها، وأيضاً إستسهال النقد، بل وحتى المفاهيم الأولية للنقد لم تكن........

محمد خان:

العملية أحياناً تصبح كأنها حكم على الفيلم.

داود عبدالسيد:

هذا صحيح.. كأنها حكم وليس تحليل وفهم. إنما هناك نماذج مهمة جداً. فسمير فريد ـ من وجهة نظري ـ ناقد مهم جداً، لكن أحد عيوبه........

محمد خان:

هذا عندما يركز.........

داود عبدالسيد:

هذا ما أردت قوله.. أحد مشاكل سمير فريد أنه صحفي. حيث يحدث لديه خلط أحياناً بين الصحفي والناقد.

خيري بشارة:

لكنه عندما يريد أن يكتب دراسة، فهو خطير.

داود عبدالسيد:

بالضبط خطير. كما أن هناك نقاد جيدين ولكنهم للأسف توقفوا عن ممارسة النقد.. نقاد مهمين جداً. مثل محمد كامل القليوبي، الذي توقف عن النقد عندما قرر أن يخرج. حيث إنتهى من إخراج أول أفلامه مؤخراً، ويعرض الآن في مصر بنجاح كبير.

حسن حداد:

وهناك أيضاً الناقد محمد شفيق.........

محمد خان:

هذا صحيح.. أنا بصراحة فوجئت به. لم أقابله شخصياً، إنما قرأت له كم مقال نقدي.. نظرته الفنية غريبة جداً.

خيري بشارة:

كذلك الناقد أحمد يوسف.

داود عبدالسيد:

أحمد يوسف، ولو أنه ينتقد من وجهة نظر أيديولوجية، إنما نقدياً هو أحد الوجوه الجيدة في النقد.

محمد فاضل (مقاطعاً):

محمد شفيق ياداود، أشعر بأنه ناقد ممتاز، بالرغم من أنني لم أقرأ له الكثير. إلا أننا عندما نظمنا أسبوع شادي عبد السلام، بحثنا عن مقالات كتبت عن فيلم (المومياء)، فلم نعثر إلا على دراسة محمد شفيق. يقول الفنان صلاح مرعي بأن شفيق قد جلس مع شادي جلسات مطولة، قبل أن يكتب هذه الدراسة أوالتحليل عن (المومياء).

داود عبدالسيد:

أنا حقيقة لا أؤمن بقضية أنه جلس مع شادي.. هذا يشككني أكثر في الناقد. هذا لأن المفروض على الناقد أن يجلس مع العمل الفني، لأنه أساساً لا يحتاج لأن يجلس مع الفنان، حيث أن الناقد أحياناً يدرك ما لا يدركه الفنان نفسه عن عمله.

محمد فاضل (متابعاً):

لقد شدت إنتباهي أكثر فقرة في هذه الدراسة، وهي متابعته لرد فعل الجمهور بعد خروجهم من قاعة عرض (المومياء).. يقول بأنه كانت هناك حالة من التشتت الذهني على وجوههم، كان هناك نوع من الذهول.

حسن حداد:

وكأنه كان يعمل رصد نفسي للمتفرج.

محمد فاضل (متابعاً):

وعندما عرضنا الفيلم، تعمدت أن أخرج من قاعة العرض قبل خمس دقائق.. وكنت قد شاهدت الفيلم عدة مرات.. وذلك فقط لملاحظة رد الفعل لدى الجمهور. أخذت ركن وتتبعت الجمهور، وكانت فعلاً نفس الملاحظة التي ذكرها شفيق.. نفس الإنفعالات شاهدتها على الوجوه. كما أنه بعد أول ربع ساعة من العرض كان يخيم على القاعة صمت مطبق تماماً، علماً بأنه كانت في الصالة فئة من الجمهور المشاغب، الذي لا يمكن أن يسكت أثناء مشاهدته لأي فيلم.. لكن مع (المومياء) إختلف الأمر تماماً.

خيري بشارة:

على فكرة.. هذا من الأفلام التي شاهدت عروضها الأولى. وأتذكر عرض خاص لـفيلم (المومياء) قبل أن أذهب الى بولندا، أعتقد كان عام 1968. كان الحضور طبعاً من خيرة المثقفين والمهتمين، إلا أنه بدى أنهم لم يتحمسوا للفيلم، ورد فعلهم كان بارداً. متى بدأ إعادة النظر لهذا الفيلم، عندما خرج من مصر و.........

محمد فاضل:

وحصل على ست عشرة جائزة دولية!!

خيري بشارة (متابعاً):

هناك أيضاً مسألة خطيرة، وذلك عندما عرض الفيلم في التليفزيون مؤخراً، وشاهده بالطبع ناس عاديين لا تعرف بأنه قد حصل على جوائز عالمية، ولا حتى يهمها ولا تتأثر بهذا. عندما شاهدوه قالوا عنه بأنه فيلم جميل جداً، وصاحبه مخرج عضيم.. هذه ردود فعل الناس العاديين. إذن بإمكاننا القول بأن النقد متخلف، وعندما يشعر بأنه متخلف، يزايد طبعاً بعد نجاح التجربة، بل ويعتبر بأن هذا هو صدى آخر لها. وهذه هي المشكلة الحقيقية للنقد.

محمد فاضل (مضيفاً):

مثل رأي بعض المثقفين عندنا، عندما شاهدوا الفيلم، حيث قالوا ما هذا.. هل هو فيلم عن الآثار الفرعونية.

حسن حداد:

عموماً.. النقد متخلف عن الإبداع. هذا لأن النقد يبدأ بإكتشاف أدواته الفنية المناسبة لمثل هذا الإبداع متأخراً. وهذا ليس فقط في السينما، وإنما حتى في الأدب وجميع أشكال الإبداع.

خيري بشارة:

على فكرة.. أحياناً يأتي نقد جيد من خارج مصر، نتيجة أن العين فيها (طزاجة). ثم أنه نقد متحرر من تراث أرسطو النقدي، مما يجعله قادراً على تقييم الفيلم بشكل أفضل. فمثلاً، عندي مقالات عن بعض أفلامي من الأردن والمغرب وتونس، أفضل مما كتب عنها في مصر. وأمامنا مثل آخر، وهي المقالة التي نشرت عن فيلم (أرض الأحلام) في النشرة اليومية للمهرجان في البحرين، أعجبتني كثيراً.

محمد فاضل:

وهي المقالة التي كتبها قاسم حداد، وكانت بعنوان أيقونة الحياة.

خيري بشارة:

كانت فعلاً مقالة مكتوبة بشكل جميل وعميق، أفضل مما كتب عن الفيلم في مصر. هناك في مصر ماذا قالوا عنه.. فيلم عذب ورقيق، هذا كحد أقصى. وبالنسبة لي أول مرة أشاهد الفيلم كان في هذا المهرجان. وعندما شاهدته أنا ومحمد كان لنا رأي مختلف عن الذي قيل في مصر. رأيي أنه يعتبر من العلامات البارزة في السينما المصرية. أما بالنسبة لهذه المقالة، فقد حللت الفيلم بشكل أعمق، وتماثل وجهة نظري ووجهة نظر محمد، كما تماثل وجهة نظر آخرين في مصر لم يكتبوا عن الفيلم.

 

 

كلمة أخيرة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كان حقاً حواراً ثرياً ومفيداً، تحدث فيه - وبصراحة - ثلاثة من فرسان السينما المصرية الجديدة.. فرسان إستطاعوا حقاً الثورة على القديم، في أحيان كثيرة، والخروج على التقاليد السينمائية السائدة، التي فرضتها تلك السينما التجارية الرديئة.. فرسان نجحوا - إلى حد كبير - في إرساء قواعد فنية جديدة، ساهمت في الإرتقاء بمستوى الفيلم المصري، والإنطلاق به إلى آفاق فنية وإبداعية رحبة.

ومن المهم الإشارة إلى أنهم فعلوا كل هذا في ظل هيمنة نظام إنتاجي بدائي، ودوائر توزيع متخلفة ومسيطرة. حيث لم يكن بالأمر الهين فعلاً، تجاوز هذا التراث الضخم لتلك الصناعة السينمائية القديمة.

إذن نحن فعلاً، أمام فرسان قاوموا بعنف هذه التقاليد، وهذا التراث، من أجل تقديم ما هو أفضل.

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004