ملفات خاصة

 
 
 

المرأة في مهرجان برلين:

حبّ وسيطرة وتوجّس

هوفيك حبشيان - المصدربرلين – النهار

برلين السينمائي

الدورة الخامسة والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

بعض الغربيين يكتشفون أن هناك كائناً اسمه المرأة، معتقدين أنه لم يكن لها وجود في السينما سابقاً، بل يعود اليهم الفضل في اختراعها وفرضها وتكريسها على الشاشة.

في "أحلام" للمكسيكي ميشال فرنكو، المعروض داخل مسابقة الدورة الخامسة والسبعين لمهرجان برلين السينمائي (13 - 23 شباط/فبراير) تلعب الأميركية جسيكا تشاستاين دور جنيفر، سيدة ثرية تقيم علاقة مع شاب مكسيكي (أيزك هرنانديس) يطمح إلى أن يصبح راقص باليه معروفاً

يتسلل راقص الباليه إلى الولايات المتحدة لملاقاة جنيفر، بعدما التقاها في المرة الأولى في المكسيك حيث نشأت بينهما علاقة عاطفية. جنيفر ابنة رجل أعمال يبدو انه معروف بمساهماته في المشاريع الثقافية والفنية. لن يصلنا الكثير من التفاصيل عن هذا العالم الذي يقتصر على شذرات هنا وهناك. حياتها محاطة بالفخامة تتبلور في بيئة هادئة خالية من الزخارف، ممّا يعكس أسلوبها التقليلي في العيش.

لكن هذه العلاقة العاطفية ليست هدفاً في ذاته عند المخرج، اذ يريد منها ان تخدم خطابه، كونها تفتح باباً على قضايا أعمق تتعلّق بالتملّك والسيطرة، مستلهماً تعقيدات العلاقة بين الولايات المتحدة والمكسيك؛ علاقة قوة وسطوة تتجاوز الحبّ والانجذاب الجسدي والدعم المالي. إنها علاقة مشحونة بتناقضات السيطرة والخضوع، حتى وإن ظهرت في إطار من العاطفة والمساعدة. وعليه، يتناول الفيلم نقداً خفياً لعالم الفنّ ومصدر التمويل. هذا الخطاب النقدي يبقى في خلفية الأحداث، لا يزعج ولا يلقي بظلاله على أي شيء، لكنه حاضر. يتعامل معه فرنكو بحذر وانضباط

تضطلع تشاستاين بدور محوري في الفيلم، إذ تمثّل نقطة التقاطع لكلّ التناقضات التي أراد فرنكو الإضاءة عليها. يقول عنها: "من السهل أن تشعر بأنك شخص جيد عندما تكون ثرياً ولا تواجه أزمات. لكن ماذا يحدث عندما تتعرض لمواقف صعبة؟ جنيفر تجد نفسها في مواقف غير متوقّعة، وتفشل في التعامل معها كما ينبغي. هذا يعكس واقع الكثير من الناس". 

الحسّ الأنثوي

فيلم آخر يحمل حسّاً أنثوياً شقّ طريقه إلى مسابقة المهرجان، لكن مَن أنجزه هذه المرة هي سيدة: "حليب ساخن" لريبيكّا لنكيفيتس. تجري الأحداث ذات صيف، في بلدة ساحلية اسبانية. علاقة معقّدة تربط أم (فيونا شاو) بابنتها (إيما ماكي)، تتخلّلها رغبة الأولى في السيطرة على الثانية. وسط هذه الأجواء، ستتعرف الابنة إلى سائحة اسمها إنغريد (فيكي كريبس) فتعيشان معاً علاقة عاطفية، ممّا سينقل الفيلم من مرحلة الرومنسيات الصيفية إلى "جانر" سينمائي مكرس، هو الأفلام التي تصوّر الانتقال من عالم المراهقة إلى عالم الراشدين وبداية الوعي بالجنس والمشاعر، وما يترافق معه من خيبة وشعور بالفقد والمرارة. بعض هذه الأحاسيس من شأنها ان تبني الإنسان إلى الأبد.

إنغريد هي الشخصية الثائرة والمؤثّرة التي كان يحتاجها الفيلم، لتبثّ فيه بعض الاثارة النوعية، وهذا ما سيحدث. لكن الشرارة تحدث عند احتكاكها بصوفيا، الفتاة التي تجرجر خلفها احساساً بالتوجسّ من كلّ ما يحيط بها. يمكن قراءة تخبّطات جيل كامل في سلوكها. في أي حال، الفيلم يلمّح إلى هذا الجانب بخجل.

رغم بعض المزايا التي نجدها موزّعة في أرجاء الفيلم، يبقى "حليب ساخن" من هذه المشاريع التي تتولّد من الرغبة المتبلورة في السنوات الأخيرة للزج بالمرأة في كلّ شيء. بعض الغربيين يكتشفون ان هناك كائناً اسمه المرأة، معتقدين أنه لم يكن لها وجود في السينما سابقاً، بل يعود اليهم الفضل في اختراعها وفرضها وتكريسها على الشاشة. بالتأكيد، لا أحد عاقلاً ومحبّاً للسينما، لا يحب مشاهدة نساء، سواء قبالة الكاميرا أو خلفها أو في الموقعين معاً، المشكلة عندما يصبح هذا الأمر أهم من الفيلم نفسه، لا بل يتحول إلى السبب الأوحد لوجوده. في هذا الصدد، تقول المخرجة في الملف الصحافي بأنها أرادت تصوير مشاهد الشاطئ على نقيض الطريقة التي يصوّرها السينمائيون الرجال، انطلاقاً من شعورها بأنه يتعين عليها احداث قطيعة مع نمط "باي ووتش" في التقاط الأجساد.

 

####

 

برلين 75 - "أحلام": أميركا والمكسيك في فراش واحد!

هوفيك حبشيان - المصدربرلين - النهار

بدأ المكسيكي ميشال فرنكو في إنجاز الأفلام في عمر مبكر نسبياً. كان في الثلاثين عندما قدّم عمله الأول في مهرجان كانّ. مر عقد ونصف العقد، وصار اسماً بارزاً في عالم السينما يدير ممثّلين وممثّلات من طراز تيم روث وجسيكا تشاستاين، والأخيرة يسميها "صديقتي"، وهي بطلة فيلميه الأخيرين. فبعدما كانت في "ذاكرة" (2023)، أول تعاونهما معاً، أمّا عزباء تحاول الخروج من الادمان قبل ان يخفق قلبها لرجل يعاني من خلل نفسي، ها انها تضطلع في جديده "أحلام"، المعروض داخل مسابقة الدورة الخامسة والسبعين من مهرجان برلين السينمائي (13 - 23 شباط)، دور سيدة ثرية من سان فرنسيسكو تقيم علاقة مع شاب مكسيكي يصغرها سناً، يطمح إلى ان يصبح راقص باليه معروفاً. تأتي العلاقة على قاعدة تبادل الخدمات. فهي تتلذّذ بجسده وتكفر عن ذنوبها بصفتها إمرأة ثرية بيضاء ذات امتيازات، وهو يفيد منها للوصول. أو على الأقل هكذا تبدو الأشياء من النظرة الأولى، لكنها، في طبيعة الحال، تحمل مجالاً أعمق للقراءة، ولو ان المعالجة غير مكتملة والنظرة غير ناضجة.

الفيلم اذاً عن جنيفر (تشاستاين)، التي تربطها علاقة بفرناندو (راقص الباليه أيزك هرنانديس) الذي سيتسلل ذات يوم إلى الولايات المتحدة لملاقاتها، بعدما التقاها في المرة الأولى في المكسيك حيث نشأت بينهما هذه العلاقة. جنيفر ابنة رجل أعمال له مساهمات في مشاريع ثقافية وفنية. لن نعرف الكثير عن هذا العالم الذي يقتصر على شذرات ملقاة في أماكن متفرقة لصناعة إيحاء على طريقة الأفلام المتوسطة الموازنة. لكن، نرى بوضوح ان حياتها محوطة بالفخامة، محصورة في بيئة هادئة خالية من الزخارف، ممّا يعكس أسلوبها التقليلي في العيش. لديها طموح لإنشاء مدرسة رقص في المكسيك، وهو ما جعل طموحاتها تتقاطع مع طموحات فرناندو، إذ دعمت حلمه وساعدته في شق طريقه نحو الشهرة. لكن أحلام فرناندو لا تقف عند الدعم الذي حصل عليه، فهو يسعى لأن يصبح نجماً في الولايات المتحدة، رافضاً الاكتفاء بالنجاح في بلده الأم. يتطلع إلى المجد في أميركا، وهو ما يخلق توتراً بين طموحاته وعلاقته بجنيفر. سيكتشف فرناندو مع الوقت انه موهوم تماماً.

منذ وصوله إلى سان فرنسيسكو، بعد عبور طريق الهجرة غير الشرعية بنجاح، يتسلل إلى منزلها بأريحية عجيبة، ومن ثم عند وصولها نراهما يمارسان الحبّ معاً، في مشاهد مشبّعة بإيروسية ترسخ ملامح الفيلم. لكن هذه العلاقة العاطفية ليست هدفاً في ذاته عند المخرج، اذ يريد منها ان تخدم خطابه، كونها تفتح باباً على قضايا أعمق تتعلّق بالتملّك والسيطرة، مستلهماً تعقيدات العلاقة بين الولايات المتحدة والمكسيك؛ علاقة قوة وسطوة تتجاوز الحبّ والانجذاب الجسدي والدعم المالي ويسارية المؤتمنين على صناعة التيارات الفنية الحديثة. إنها علاقة مشحونة بتناقضات السيطرة والخضوع، حتى وإن ظهرت في إطار من العاطفة والمساعدة. وعليه، يتناول الفيلم نقداً خفياً لعالم الفنّ ومصدر التمويل. هذا الخطاب النقدي يبقى في خلفية الأحداث، لا يزعج ولا يلقي بظلاله على أي شيء، لكنه حاضر. يتعامل معه فرنكو بحذر وانضباط.

تضطلع تشاستاين بدور محوري في الفيلم، إذ تمثّل نقطة التقاطع لكلّ التناقضات التي أراد فرنكو الإضاءة عليها. هي تتعامل مع الأشياء ببرودة وهدوء يعبّران عن الطبقة التي تنتمي اليها ويأتي ذلك من ثقتها بقدراتها. صحيح تحبّ الآخر لكن بشروطها هي. يقول عنها فرنكو الذي لا يقف في صفّها، ولكن لا ينكرها أيضاً: "من السهل أن تشعر بأنك شخص جيد عندما تكون ثرياً ولا تواجه أزمات. لكن ماذا يحدث عندما تتعرض لمواقف صعبة؟ جنيفر تجد نفسها في مواقف غير متوقّعة، وتفشل في التعامل معها كما ينبغي. هذا يعكس واقع الكثير من الناس".

متأرجحاً بين الجانرات السينمائية، ومن دون أن يقول أي شأن من الشؤون التي يستعرضها هي الأهم في رأيه، وبنظرة مختبرية ليست دائماً لمصلحته، يمضي ميشال فرنكو في تفكيك العلاقات التي تربط الشخصيات بعضها ببعض. يدرس من خلال قصّة غير مثيرة، كلّ ما يربط شخصاً بآخر، لا انطلاقاً ممّا تعيه الشخصيات، بل انطلاقاً ممّا لا تعرفه عن نفسها: التاريخ والتجربة الشخصية والخلفية السياسية والثقافية والجندرية، وكلّ ما يصنع الإنسان قبل ان ينطلق في الحياة.

 

####

 

هانا شيغولا ممثّلة غير قابلة للترويض

هوفيك حبشيان - المصدربرلين - النهار

عندما حاورتُ هانا شيغولا قبل 11 عاماً في تسالونيك، كانت الممثّلة الكبيرة ابتعدت عن السينما، واقتصرت اطلالاتها الأخيرة على عدد قليل من الأفلام. في تلك الفترة، كانت في السبعين، واليوم هي في الحادية والثمانين، ولا يزال جمالها واضحاً لا يحتاج إلى نبش كثير في صورها القديمة. مناسبة الكلام عنها، مشاركتها في بطولة فيلم "يونان" (مسابقة مهرجان برلين الخامس والسبعين المنعقد من 13 إلى 23 شباط)، للمخرج السوري الفلسطيني المقيم في ألمانيا أمير فخر الدين. في هذا الفيلم، تعطي شيغولا الكلام للممثّل اللبناني جورج خباز.

هكذا كتبتُ عنها آنذاك: "العمر، التكرار، طيف السنوات المجيدة التي فرض عليها ألا تقبل بمشروع يمرغها في وحول التسرّع، بالإضافة إلى شخصيتها المعقّدة المتطلّبة وصورتها التي لم تسقط من وجدان جمهور السينما… هذا كله جعلها تكتفي برصيدها الذي يقارب الـ50 فيلماً كانت حوّلتها إلى واحدة من أكثر ممثّلات جيلها نقاءً وموهبةً وجمالاً“.

اليوم، تعود شيغولا بـ"يونان"، فيلم لمخرج شاب في الرابعة والثلاثين من العمر، شديد الموهبة والذكاء، له فيلم واحد في رصيده: "الغريب" (2021) الذي شارك في مهرجان البندقية، وشاهدنا له اليوم ما يعتبره المخرج الجزء الثاني من ثلاثيته التي يطلق عليها "وطن". في "يونان"، تلعب شيغولا دور سيدة تعيش مع ابنها على جزيرة تغمرها المياه بين فترة وفترة. ذات يوم يصل منير (خباز)، رجل شرقي مكسور، بحثاً عن هدوء وهرباً من ماض أليم، وبعد صعوبة في التواصل مع السيدة، ستتعمّق العلاقة بينهما.

لا تزال شيغولا إلى اليوم "الرمز" الأقوى الذي يحضر إلى الذاكرة عند الحديث عن "السينما الألمانية الجديدة". سينما ظهرت في نهاية الستينات، وراحت تنبت كالأعشاب البرية من تحت ركام الواقع الألماني. أبطال تلك المرحلة: مارغريت فون تروتّا، فرنر هرتزوغ، فولكر شلوندورف، ألكسندر كلوغ. وطبعاً، رائد الحركة: راينر فرنر فاسبيندر. ما كانته جانّ مورو بالنسبة لـ"الموجة الفرنسية الجديدة"، ستصبحه شيغولا أمام كاميرا الأخير. ستكون الوجه الذي يضيء 16 من أفلامه، بين عامي 1969 و1981. عند ذكر اسم جانّ مورو التي يجمعها بها حبّ الغناء، تسارع شيغولا في التأكيد ان مورو هي أكثر ممثّلة جعلتها تحلم بالتمثيل. "عندما شاهدتُ "جول وجيم" و"الليل"، حسمتُ قراري“.

طوال مسيرتها، اضطلعت شيغولا بأدوار يختلف أحدها عن الآخر: رأيناها امرأة باردة، وحيدة، مترددة، مذنبة. اليوم، نكتشفها في دور سيدة ثمانينية تنزلق خطوة خطوة إلى أتون العواطف.

هي التي كُرِّمت في مهرجان برلين عام 2009، لن تقول الكثير عن غيابها، ستمرّ عليه ببضع كلمات وتكتفي بأن تلقي باللوم على المجهول المعلوم، متحاملةً على ذلك الجانب النيهيلي من شخصيتها المعقّدة والسهلة في آن واحد. "فقط لو كنتُ أعلم ما هو السبب"، تؤكّد بنوع من لامبالاة لا تشوبها شائبة. "لا أفهم البشر عندما يربطون حجم نشاط الإنسان بعمره. فهناك العديد من الممثّلات في مثل عمري لا يزلن تحت الضوء. في ما يخصّني، لم أكن يوماً مهتمة بالأعمال الاستهلاكية. لا يهمني أن أجسّد دوراً في مسلسل تلفزيوني بطله يحقّق في احدى الجرائم الملتبسة. أدوار كهذه تجعلك شخصاً شهيراً، ينظرون اليك أينما حللت، يزداد الطلب عليك، ولكن ما الفائدة من هذا كله؟ في النهاية، عليك تحمّل تبعات اخضاع نفسك لهذا الصنف من الأعمال المملوءة بالكليشيهات. بعد عملي مع فاسبيندر لسنوات طويلة، تولّدت عندي مناعة ضد هذه الأعمال. ببساطة، كنتُ في غنى عنها“.

تعرّفت شيغولا على فاسبيندر في معهد التمثيل. هو الذي جعلها ممثّلة عبر اسناد دور ماري إليها في أحد أفلامه الأولى عام 1969. هذه حقيقة تردّدها بابتسامة تقفز إلى خديها. كانت طالبة يسارية تسعى إلى قلب المفاهيم الاجتماعية وتتنشّق الحياة بكامل رئتيها. "كلّ واحد منّا كان مختلفاً عن الآخر. وضع لأحد أفلامه العنوان الآتي: "الحبّ أكثر برودة من الموت". أنا بالنسبة لي، كان الحبّ عصا سحرية تقلب مجرى الحياة. عنده، كنتُ دمية من لحم ودم، أداة مثالية مع جانب غير قابل للترويض“.

 

النهار اللبنانية في

19.02.2025

 
 
 
 
 

"طفل الأم" يغرق جمهور برلين في حال من التشويق

هارت بطل "بلو مون" شاعر الأغاني الأميركي يتسعيد ماضيه في حانة

هوفيك حبشيان 

ملخص

حمل مهرجان برلين إلى الجمهور فيلماً من خارج العروض الرتيبة، هو "طفل الأم" للمخرجة النمسوية يوهانا مودير. عمل تشويقي من ضمن المسابقة، جذب الجمهور طوال ما يقارب الساعتين، من دون أي إحساس بالملل. وكذلك حال فيلم "بلو مون" للمخرج الأميركي الشهير ريتشارد لينكلاتير.

الاكتشافات الكبيرة قليلة ونادرة هذا العام في مهرجان برلين السينمائي (الـ13 إلى الـ23 من فبراير / شباط)، أفلام كثيرة سقطت في فخ الثرثرة والإسفاف، وعانت المشاهد الرتيبة والخلو التام من أي بريق. ومع ذلك حملت المسابقة إلينا بعض العناوين المثيرة، من بينها "طفل الأم" للمخرجة النمسوية يوهانا مودير، فيلم يضعنا في قلب عمل تشويقي طوال ما يقارب الساعتين من دون أي إحساس بالملل، فخيوط السيناريو مشدودة والمخرجة تجيد إدارة لعبة الإثارة حتى اللحظة الأخيرة بأعصاب من جليد.

الحكاية عن زوجين، مع التركيز على الزوجة يوليا (ماري لونبرغر)، موسيقية أربعينية تفوقت في مسيرتها المهنية، ولكن ينقصها شيء واحد لتكتمل السعادة: طفل. وبما أن الزوجين يعانيان خللاً يمنعهما الإنجاب، يستعينان بعلاج لدى أحد المراكز المتخصصة في هذا الشأن. في الختام، تضع يوليا مولودها تحت عناية مباشرة من الدكتور صاحب المركز، ولكن يؤخذ منها المولود فوراً، لتتسلمه بعد ساعات، بحجة أنه يعاني نقصاً في الأوكسيجين. وعوضاً من أن تغمرها السعادة، تنتكس حالة الأم النفسية كثيراً، بعد شعورها أن الطفل ليس طفلها. هناك حالة من الانفصال الشديد عنه تزداد يوماً بعد يوم، لا أحد يعرف ما سببها. هل استبدل الطفل؟ ماذا الذي حدث عندما أبعد عنها؟ لماذا لم يبك عند الخروج من رحمها؟ أسئلة عدة تدور في رأس الأم وتنتقل لتدور في رؤوس الجمهور تدريجاً، قبل أن يتحول الموضوع إلى هاجس، جاعلاً من حياتها كابوساً لا ينتهي.

الفيلم بهذه البساطة، يحمل هوية الأفلام الألمانية الحديثة، إذ كل شيء منمق ومدروس والمشاعر مسيطر عليها. تقارب المخرجة مسألة مهمة هي مرحلة ما بعد الإنجاب عند المرأة، والتروما التي قد تتعرض لها بعد وضع مولودها. هذه من المرات النادرة التي قد يكون إسناد قصة مثل هذه المخرجة، مبرراً، فالمرأة وحدها قادرة على فهم مثل تلك الأحاسيس عند امرأة أخرى، علماً أن المخرجة نفسها أم لولدين، وهي استلهمت الأحداث من تجربة شخصية. وكم ودت أن تروي هذه القصة انطلاقاً من قناعتها بأن القصص المروية تأتي بانطباعات لا تمس إلى الواقع بصلة، فالإنجاب وتحول الزوجة إلى أم ليسا بالضرورة كما تصورهما الأفلام. 

كلما تقدم الفيلم البارع تنفيذاً والغني بصرياً (امتنعت المخرجة عن تصوير السيارات لـ"بشاعتها"، كما تقول)، وجدنا أنفسنا في مزيد من الضياع، لدرجة قد يتساءل الواحد منا إذا كان للطفل وجود أصلاً، أم أن القصة برمتها ليست سوى كابوس طويل، وها أن الأم ستستيقظ من الأحلام المزعجة لتعود لحياتها السابقة. هكذا أرادت مودير فيلمها يرتكز على خلط الأوراق، فتتشابك وجهات النظر حتى أن الجمهور لا يعرف من يصدق، في انتظار مفاجأة قد تغير المعادلة.

باختصار، هذا عمل مثير، حافل بلحظات "تضليل" سينمائي، تهدف إلى صناعة التشويق الذي يخدم في النهاية القصة، ويفتح المجال للمشاهد أن يتفاعل مع ما يراه ويأتي بتأويلاته الخاصة، خصوصاً أن بعض الجوانب في الفيلم لن تحظى بشرح وتفسير.

"بلو مون"

من الأفلام التي كانت منتظرة بشدة في مسابقة الـ"برليناله" هذا العام وشاهدناه أمس في عرضه الأول هو "بلو مون" للمخرج الأميركي الشهير ريتشارد لينكلايتر الذي لديه معجبون كثر حول العالم، لكونه أحد أبرز الأصوات التي تأتي من خارج هوليوود، ويروي حكايات أميركية من صميم مجتمعه. هذه المرة، يترك شخصيات ثلاثيته "ما قبل" الأشهر وقصص فيلم  "صبا" الذي كان عرضه هنا في برلين قبل سنوات، ليتوجه إلى الماضي، وتحديداً إلى الـ31 من مارس (آذار) من عام 1943، اللحظة التي ينطلق منها ليضعنا في "مواجهة" محببة مع كاتب الأغاني الأسطورة لورنز هارت (1895 - 1943)، أي قبل ستة أشهر من رحيله وهو لم يكن يتجاوز آنذاك الـ47.

نتعرف عليه وهو جالس في بار يترجى النادل ليعطيه مزيداً من الكحول مما يساعده في البوح وفي تجاوز محنته الوجودية، ساعياً على الدوام إلى رد الاعتبار لنفسه، كأحد أبرز المساهمين في صناعة المسرح الميوزيكالي الأميركي، لا سيما أن أغانيه، كثيراً ما عكست حياته الشخصية المضطربة. نكتشف طوال ساعة ونصف ساعة تفاصيل حياته المهنية والعاطفية، وهي تفاصيل تحضر على لسانه. نكتشف أيضاً انعدام ثقته بنفسه، بينما يحتفل زميله السابق ريتشارد روجرز بعرض الافتتاح لعمله "أوكلاهوما"! بحلول نهاية هذه الليلة، يكون هارت واجه عالماً لم يعد يقدر موهبته كما يجب.

يقول ريتشارد لينكلايتر عن هارت أنه "على الأرجح أعظم كاتب أغاني أميركي، كلماته وموسيقاه ستظلان إلى الأبد". ويتحدث عن السياق الذي تجري فيه الأحداث، بالقول: "هذا فيلم عن الفراق. كان زميله روجرز انتقل جزئياً إلى الأمام بعدما حقق "أوكلاهوما!" نجاحاً هائلاً، ولكن كانت هناك أقاويل عن احتمال إعادة التعاون مع هارت. هذه كانت بداية النصف الثاني من مسيرة روجرز، التي كانت بالفعل رائعة، لكنها وصلت إلى آفاق غير مسبوقة. أما هارت، فهو مثل الشخص الذي أهمل. كثيراً ما قاربنا الفيلم باعتباره عن الفراق، ولكن بدلاً من أن يكون بين عشيقين، فهو بين فنانين. هناك حب بينهما، لكن هناك أيضاً استنفاد أحدهما من الآخر".

من شدة إعجابه بهارت، خصص لينكلايتر فيلماً كاملاً عنه، والأفضل قبل دخول الصالة التأكد من أنك ترغب فعلاً في معرفة كل شيء عن هذا الشخص. فالفيلم، فضلاً عن أنه أميركي جداً في الشؤون التي يتناولها، ما هو سوى الجلسة "العلاجية" لفنان في نهاية حياته، بعدما أصبحت أمجاده خلفه، لدرجة أنه يسعده أن يتذكر فتى توصيل إحدى أشهر أغنياته وهي "بلو مون". لا استعادة باهظة الثمن هنا لحقبة ماضية، فكل ما احتاج إليه لينكلايتر حانة يحتسي فيها هارت مشروبه المفضل، فنرحل معه إلى الأربعينيات، زمن الحرب العالمية الثانية الذي يبدو أقل "هموماً" من اليوم. وبالتأكيد، ما كان لهذا الفيلم أن يخرج في هذا الشكل، لولا الممثل إيثان هوك في دور هارت الذي يأتي بواحد من أفضل الأداءات في حياته.

 

الـ The Independent  في

19.02.2025

 
 
 
 
 

نساء "برليناله 2025" يبحثن عن خلاصٍ واغتسال:

سردية سينمائية عن أحوال وأهوال

برلين/ نديم جرجوره

يخرج آري (أندرانيك ماني) من وظيفةٍ وأبٍ، ويبدأ رحلةً بين/مع أصدقاء ومعارف، في بيئةٍ، ارتباكها أقلّ بقليل من ارتباك ناسها. تريد تيريزا (دنيز فاينبرغِ) فضاءً مفتوحاً لها، فتعيش مغامراتٍ تكشف لها أشياء مخفية من الحياة والمشاعر والتحدّيات (هذا جزءٌ بسيط من سيرتها). تسعى جانّ/بيانْكا (كلارا باسيني) إلى خلاصٍ من ثقلٍ غير واضحةٍ معالمُه، لكنّ ضغطه عليها مباشر وحادّ، فتلتقي "ملكة الثلج" كرستينا (ماريون كوتيار) في استديو، غير مُكتفٍ بتصوير فيلمٍ عنها (ملكة الثلج)، لاختراقه "محجوبات" في ذاتٍ وروحٍ ومشاعر وعلاقات ورغبات وخيبات. ثلاث شخصيات نسائية وشاب تلتقي في خراب مُدوٍّ، والتحرّر منه صعبٌ، والنهايات رغم انكشافها، تبقى مُعلّقة في حَدٍّ بين الاحتيال والتأكيد. ثلاث شخصيات نسائية وشاب في ثلاثة أفلامٍ مُشاركة في مسابقة الدورة الـ75 (13 ـ 23 فبراير/شباط 2025) لـ"مهرجان برلين السينمائي (برليناله)"، المشترك بينها (الأفلام الثلاثة) جماليات متفاوتة الجودة لتصويرٍ يُعرّي ويفضح، لكنّه يقول غليانَ ذاتٍ وروح ومشاعر، والغليان يبوح مُواربةً بما يعتمل في علاقات ورغبات، سيكون للخيبات بينها موقعٌ أحياناً.

فآري ("آري" للفرنسية ليونور سيراي) شابٌ يُشبه "المسيح بشعره الطويل" (كما يُقال له سخريةً أو تعبيراً عن حقيقة)، تائهٌ وسط ناسه، وبينهم أقارب وأحبة. توهانه يشي بسقوط في تمزّقات غير قابلة لشفاء أو عتق، قبل أنْ يلوح أفقٌ أو أملٌ بشفاء وانعتاق (أيكتمل الشفاء والانعتاق، أمْ أنّ هناك نقصاً في لحظة/مكان؟). وتيريزا ("اللون الأزرق الأخير" للبرازيلي غبريال ماسْكارو، الترجمة الحرفية للعنوان البرازيلي، أو "المسار الأزرق" بحسب العنوان الإنكليزي الدولي) عجوزٌ "تُطرد" (بلطفٍ) من وظيفتها في مصنع، لبلوغها 72 عاماً (والطارد يُشير إلى أنّ عمرها أكثر من ذلك بأعوام لتبرير طردها)، والدولة تنفّذ مشروعاً لحماية العجائز ودعمهم/دعمهنّ (!)، ولإتاحة مجال للشباب كي يعملوا/يعملن. هذا يدفعها إلى اختيار الأصعب، وإنْ من دون تفكير كثير: خروج إلى العالم، رغم حصار خانق. بهذا، تكاد جانّ/بيانْكا ("برج الجليد" للفرنسية ذات الأصل البوسني لوسيل هادجيهاليلوفيتش) تُشبهها، رغم الفارق الكبير في السنّ بينهما، فمن تُصبح لوقتٍ قصير صديقة "ملكة الثلج" مُراهقةٌ (16 عاماً) تريد مَنفذاً يُريحها من ثقلٍ قديم منبثق، كما يبدو، من "انتحار" أمّها (أهذا انتحار، أمْ شبيهٌ به؟)، وهي غير متجاوزة الأعوام الستة.

إنْ تكن علاقة جانّ/بيانْكا بكرستينا مُرتبكة، بتناقضات تتصادم لحظاتٍ طويلة بين حب وكراهية وانجذاب وتسلّط وعشق ورغبة، ومسائل أخرى كثيرة أيضاً؛ فإنّ الارتباك سمة أساسية، بل ركيزة البناء النفسي ـ الروحي ـ المعنوي ـ الفكري لآري، الذي يُحوّل هيامه في شوارع وأبنية وأفراد، إلى درب جلجلةٍ تمنحه سكينة غير مُكتملة ربما، مع أنّ النهاية توحي باكتمالها. أمّا تيريزا، فصدمة الاهتمام القاسي بها من سلطةٍ وأهل (لها ابنة واحدة تعمل في وظيفتين، ما يحول دون تنبّهها لواجبات ومطالب أخرى) دافعٌ لها إلى بحثٍ عن هروب، تبلغه باحتيالٍ يُتيح لها رحلةً جغرافية وروحية ونفسية، مُعبّأة بجمال طبيعة غريبة، وواقعية سحرية في بلدٍ، بل قارة (أميركا اللاتينية) بارعة في عيشها، لا في ابتكارها فقط.

اختيار "ملكة الثلج" (رواية الدنماركي هانس كريستيان أندرسن، المنشورة عام 1844) غير مُلزمٍ هادجيهاليلوفيتش اقتفاءَ مسارها بحرفيته ومناخه وتفاصيله، رغم انتقاء بعضٍ من هذا، وتصويره (المُصوّر جوناثان ريكِبور) بما يتلاءم والخراب الفظيع في أعماق كرستينا، الممثلة المنهارة والباحثة بدورها عن منفذٍ يُريحها من ثقل الموت فيها، أو ما يُشبهه. وإذْ يوحي "برج الجليد" بكونه فيلماً في فيلم، يتّضح سريعاً أنّ الفيلم الذي في فيلم هادجيهاليلوفيتش ذريعةٌ درامية وجمالية وتأمّلية للبحث عميقاً في أهوال "فردٍ"، سيكون في هذه الحالة امرأة ومُراهقة في آنٍ واحد.

"اللون الأزرق الأخير" و"آري" غير محتاجَين لنصٍّ مشهور، في رحلتي آري وتيريزا، وفيهما مشتركات، أبرزها بحثٌ عن شيءٍ/حالة/شعور لن يكون سهلاً عليهما تحديده. بحثٌ يُسيِّر آري وتيريزا في مجاهل يكتشفانها تدريجياً باختلافٍ جذري في آليات الاكتشاف، وإنْ بلغةٍ بصرية غارقة في الأسود والرماديّ مع بعض الأبيض بفضل ثلجٍ قليل (برج الجليد). لكنّ "اللون الأزرق الأخير" يمتلك مفردات، وإنْ تكن قليلة، من الواقعية السحرية المشهورة، و"آري" يُحوّل شخصيته الأساسية إلى شبيهٍ بمسيحٍ عصريّ، مستعيراً من النصّ الإنجيلي "فكرة" درب الجلجلة، الذي (الدرب) يسير عليه شابٌّ مُحطّم ومخنوق وتائه، يريد مُصالحةً مع ذاته والآخر، والدرب تلك أداة وحيدة للمُصالحة، أو لمحاولة تحقيقها على الأقلّ.

في هذا ما يُذكِّر بروز (فيونا شاو)، الأم المُقعدة، وابنتها صوفيا (إيما ماكّاي)، وصديقة الأخيرة إنغريد (فيكي كريبس)، في "حليب ساخن" للإنكليزية ريبيكا لنْكِوَيتش (العربي الجديد، 17 فبراير/شباط 2025): كلّ امرأة/شابّة تريد نفاذاً من قهر وخيبة وحصار واختناق وموت. ألن تكون تيريزا وجانّ/بيانكا وكرستينا مثلهنّ أيضاً؟ وآري، ألن تكون معاناته كمعاناتهنّ؟

 

####

 

على هامش عروض "برليناله 2025":

هواتف تُسبِّب إزعاجاً وتأخيرٌ غير نافرٍ

برلين/ نديم جرجوره

ملاحظتان يُتوقَّف عندهما، في الأيام الثلاثة الأولى للدورة الـ75 (13 ـ 23 فبراير/شباط 2025) لـ"مهرجان برلين السينمائي (برليناله)"، غير نافِيَتين جهداً يُبذل في إعادة ألقٍ سينمائي مؤثّر لأحد أعرق المهرجانات السينمائية في العالم. مُلاحظتان غير سينمائيتين مباشرةً، مع أنّهما منبثقتان من السينمائيّ في المهرجان وضيوفه.

(*) مشهدٌ مُثيرٌ لانتباهٍ وتململ: نقّاد وصحافيون/صحافيات سينمائيون يخرجون من كلّ عرضٍ صحافي صباحيّ، والعدد كبير عادة (ليس أقلّ من 800 شخصٍ في كلّ عرض، وأحياناً يتجاوز العددُ الألفَ، في الصالة الرئيسية "قصر برليناله")، ببطءٍ شديد لا علاقة للزحام به فحسب، بل بسبب انصرافٍ شبه مُطلق لدى غالبيتهم/غالبيتهنّ إلى الهواتف الخلوية. هاجسٌ مُخيف، فالبطء يحول، أحياناً، دون اللحاق بمؤتمر صحافي يلي العرض الصحافي، رغم قرب المسافة بين الصالة ومقرّ المؤتمرات تلك، أو يحول دون اللحاق بعرضٍ تالٍ، وبعضُ العروض تُقام في صالاتٍ غير قريبة كفاية. لكنّ المسألة غير مرتبطة بهذا فقط، فالسلوك المزعج يحضر في الشوارع أيضاً، كأنّ المُنشغل بهاتفه الخلوي يعمل في استراتيجيات دولية تختصّ بخلاص العالم من موبقاته الجمّة.

عدمُ الاكتراث بآخرين وأخريات مُنفّر تماماً، وإنْ يدّعي هؤلاء أنّ الزحام كثير، ولا بأس بمتابعة "الحاصل" في/عبر الهواتف تلك، ريثما ينتهي الزحام بخروج الجميع من المبنى الكبير لـ"قصر برليناله".

مشهدٌ كهذا خارج الصالة لا شبيه له البتّة بمشهدِ الصالة نفسها. قبل دقائق عدّة من بدء العرض، يهتمّ البعض بمجريات العالم عبر هواتف ذكية، أو يستمرّ بكلامٍ مع آخرين/أخريات، وأحياناً يستمر الكلام مع إطفاء الضوء، وبدء عرض الشريط الترويجي للمهرجان ورعاته. في المقابل، هناك من يرغب في تصوير الصالة (1754 مقعداً في طابقين، بحسب الموقع الإلكتروني للـ"برليناله") أو الشاشة الكبيرة، التي تبثّ ذاك الشريط الترويجي، قبل إطفاء الأضواء نهائياً، أو في ثوانيها الأولى. قليلون وقليلات يستخدمون الهواتف تلك بين حين وآخر بل نادراً، في عتمة الصالة، لأسبابٍ "غامضة" أو "مجهولة".

(*) أمرٌ غير حاصل في دورات سابقة: تأخّر غير مفهوم في بدء عروضٍ صحافية قليلة، منذ أول يومٍ لها (14 فبراير/شباط 2025). في صباح كلّ يوم، هناك عرضان صحافيان، والتأخير ببدء أوّلهما يؤثّر، وإنْ قليلاً، في بدء الثاني. التأخير، الذي ربما يبلغ خمسة دقائق في عرضٍ واحد إلى الآن، وأحياناً أخرى يتجاوزها أو يقلّ عنّها قليلاً، غير مُريح في مشاهدةٍ، يُرتِّب صاحبها/صاحبتها برنامجه اليومي وفقاً لدقّة المواعيد، وعدم الإخلال بها.

هذا ـ إذْ يُزعج حضوراً يملأ الصالة الرئيسية في غالبية العروض، مع أنّ الطقس ثلجيّ والبرد قارس (ربما لهذا يقلّ عدد مشاهدي ومُشاهدات العرض الصحافي الأول، الذي يبدأ التاسعة إلّا ربعاً أو التاسعة صباحاً) ـ يُضيف إلى الإزعاج إزعاجاً إنْ يكن الفيلم المعروض مُرتبكاً وثقيلاً (بمعناه السلبي) وغير جاذبٍ، ومُملاً أحياناً. فاختيار الأفلام في المسابقات والبرامج الموازية لها فنٌّ غير مُنزَّه عن اكتراثٍ بجانب تجاري/اقتصادي بحت، أو ترويجي غالباً. سؤال اختيار الأفلام مطروحٌ دائماً، وفي الغالبية الساحقة من المهرجانات التي ينتمي بعضها إلى الفئة الأولى.

لكنّ تأخير بدء العرض نادرٌ أيضاً، والزحام في عروضٍ عدّة كبيرٌ. ولولا مشاغبات طفيفة لقليلين وقليلات للغاية مع بدء العرض وقبيل البدء وفيه، لأمكن القول إنّ عروضاً صحافية كهذه "مثالية"، لانهماك الجميع (مع استثناءات قليلة جداً) بالمُشاهدة.

 

العربي الجديد اللندنية في

19.02.2025

 
 
 
 
 

مشاهدة واحدة لا تكفي.. «ميكي 17»

طارق الشناوي

قبل أن أشد الرحال إلى مهرجان «برلين» بأكثر من أسبوع، نشط زملائى فى الجرائد والمواقع الصحفية من أجل الحصول على إجابة عن رأيى فى هذا أو ذاك المسلسل، رغم أننا لم نرَ شيئًا، وعندما أعتذر «لأنى شاهد ما شافش حاجة»، تأتى الإجابة: لديك «البرومو»، وأحاول الفكاك لأن الناقد ليس قارئ كف أو ودع، إلا أن السؤال حتى الآن لم يتوقف، وسوف أستكمل لكم إجابتى بعد أن أقدم تلك الإطلالة من «برلين» عن هذا الفيلم، الذى يحتل فى النصف الأول من المهرجان مكانة الأفضل.

فى العروض الخاصة خارج التنافس، عرض فيلم «١٧ ميكى.. ميكى ١٧»، وسط ترقب جماهيرى ونقدى، المخرج الكورى الجنوبى صاحب الفيلم الاستثنائى «طفيلى» بونج جون هو يعود بعد ست سنوات بفيلم يرسم من خلاله معالمه الخاصة كمخرج لديه وجهة نظر كونية.

فى فيلمه «طفيلى» الذى أشار بقوة الى اسمه كمبدع قادم، حذر من أن داخل الوطن غضبًا مكبوتًا، وأنهى ذلك بمذبحة، لدينا جميعًا انطباع بأن المأساة فقط هى كوريا الشمالية التى تعيش تحت وطأة حكم باطش ودموى لا يسمح حتى بالتنفس خارج معايير الدولة، بينما «كوريا الجنوبية» تحيا فى الجنة، أشار المخرج الكورى الجنوبى فى فيلمه ذى النزعة الكوميدية إلى أن هناك نيرانًا تحت الرماد وإحساسًا يقف على مشارف الانفجار، وهكذا أنهى فيلمه «طفيلى» بمذبحة قامت بها أسرة فقيرة تسرق كل شىء حتى «النت» من الجيران.

وهذه المرة، ينطلق المخرج لتقديم رؤية عالمية لغضب عام مرتقب، من خلال مزرعة على كوكب يديرها أحد الأثرياء ويتحول «ميكى» إلى فأر تجارب، والثرى ينتقل مع العديد من الشخصيات المستنسخة، التى صارت وكأنها تحرك العالم عن بعد بـ«الريموت»، أشبه بلاعب العرائس الذى يمسك بخيوط الماريونيت بأصابعه التى لا نراها، إلا أنها تستطيع أن تغير كل شىء، وهكذا قرأت فيلمه «ميكى» شخصية «أيقونية» يعرفها العالم، منذ عقود، مع اختلاف اللغات والتوجهات، ولا تزال تحمل ملامحه دلالة أسطورية، مما يدعم الرؤية الكونية التى أرادها المخرج الكورى لفيلمه، حيث تجرى التجارب على ميكى، ودائمًا يخضع مباشرة لكشف أشبه بالأشعة المقطعية لنعرف ما الذى حدث.

لو سألتنى: ما الفيلم الأهم فى «برلين» حتى كتابة هذه السطور؟ ستأتى الإجابة قاطعة إنه «ميكى»، وسوف أضيف أننى أحتاج لمشاهدة أخرى أستعيد خلالها الكثير من التفاصيل التى رشقها المخرج فى ثنايا لقطاته، يصدِّر لك كمتلق بداية الخيط ولمحة البداية وعليك أنت أن تكمل الباقى.

فى فيلمه «طفيلى» كان يبدو أكثر صرامة فى التعبير وفى نفس الوقت تميز بخفة ظل وروح ساخرة، هذه المرة مع «ميكى ١٧»، حاول التنازل عن الصرامة محتفظًا بخفة الظل.

أكثر ظلم تتعرض له الأفلام فى المهرجانات هو أنك تجد نفسك متخمًا بالعديد منها، تتكاثر عليك وكما قال الشاعر (تكاثرت الظباء على خراش / ولا يدرى خراش أى ظبى يصيد)، وحتى تحكم وأنت مطمئن على العمل الفنى وتعرف (أى ظبى تصيده)، تحتاج أحيانًا إلى مشاهدة ثانية لتقترب أكثر من التفاصيل، بينما العروض لا ترحم، ولولا ضيق الوقت وتضارب وتلاحق المواعيد لشاهدت مجددًا فى برلين «ميكى ١٧»، ورغم ذلك لا يزالون يسألوننى من «القاهرة» عن مسلسلات رمضان التى لم أر حتى الآن شيئًا منها، وكأننا نبيع «سمك فى ميه»!.

 

####

 

بعد عرضه في مهرجان برلين.. إشادات كبيرة بفيلم «المستعمرة»

كتب: محمد هيثم

نال الفيلم المصري «المستعمرة» إشادات واسعة من الجمهور خلال عرضه الأول مساء أمس ضمن فعاليات مهرجان برلين السينمائي الدولي، من خلال المسابقة الجديدة Perspectives.

جدير بالذكر أن الفيلم الذي تشارك قنوات «ART» في إنتاجه وتمتلك حقوق توزيعه في الشرق الأوسط، تم عرضه مساء أمس بحضور صناعه، حيث ينافس خلال المسابقة على جائزة أفضل فيلم أول، وهو من تأليف وإخراج محمد رشاد، في أول أعماله الروائية الطويلة.

والفيلم يشارك في بطولته مجموعة من الوجوه الشابة منهم أدهم شكري، وزياد إسلام، وهاجر عمر، ومحمد عبدالهادي، وعماد غنيم.

وفيلم «المستعمرة» تدور أحداثه في مدينة الإسكندرية حول مصرع رب أسرة في حادث أثناء العمل، وتجد أسرته أن العرض الوحيد المقدم لهم تعويضا عن فقدان الأب، هو تعيين ولديه في نفس المصنع جنبا إلى جنب مع الشخص المسؤول عن وفاة والدهما.

 

المصري اليوم في

19.02.2025

 
 
 
 
 

رسالة برلين السينمائي: "قمر أزرق"

سليم البيك

ميزة لأي فيلم في أن يحمل حوارات لامعة وذكية، تتضاعف هذه الميزة متى حصر الفيلمُ مَشاهده ضمن "جدران أربعة"، فرمى ثقله كلّه على الكلام. الكلام الخالي من القصة تحديداً.

فيلم سيرة ذاتية وإن بتصوير ليلة واحدة، سهرة يمضيها كاتب الأغاني الأمريكي لورنز هارت، في بار إثر حفلة موسيقية لملحّن كتب الشاعرُ كلماتها. ليلة واحدة، قبل موته بشهور، أفصحت عن شخصية هذا الرجل الحيوي، المداعب، الضاحك، الحزين في الوقت عينه، والوحيد جداً، في فيلم سيرة ذاتية ذكي وحساس، للأمريكي ريتشارد لينكليتر، "قمر أزرق" (Blue Moon).

للمخرج أفلام تشي بالميزة الأهم في فيلمه الأخير، الحوارات. هو أولاً كاتب ومخرج فيلم "Boyhood"، وقبله ثلاثية "Before" المعتمدة على حوارات مطولة بين شخصيتين. هنا، في الفيلم المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي، يبنى الفيلم على حوارات لكن متقطعة ومتعددة في طرفه الآخر. إذ يمضي إيثان هوك، بأداء خاص، الفيلمَ/الليلةَ بالتنقل من شخص لآخر مستهلاً أحاديثه ومكملاً ما بدا بادئاً من منتصفه.

ما يقوله الشاعرُ بخفة دمه وثقله كذلك، يقدّم ما يمكن أن يجعل الفيلم سيرة ذاتية، وإن لم يحتوِ عناصر السيرة من شمولية وامتداد زماني وغيرها. الفيلم أقرب ليكون بورتريه، لوحة ذاتية لا سيرة، لحظةً من حياة أحد أشهر كتّاب الأغاني الأمريكيين منتصف القرن  العشرين. هو لوحة لشخصية معقدة، لا تتوقف عن الكلام، عن التفوّه بما يشبه الشعر في كلامه. لوحة ولحظة، ليلة واحدة تكفي، كما قدمها الفيلم، في الإفصاح عن سيرة ذاتية لرجل واحد ووحيد.

اللقاءات تلحق عرضاً موسيقياً للشاعر، "أوكلاهوما"، ولمؤلف موسيقي نال الاحتفاء وقد ألّف العرضَ الموسيقي على كلمات زميله. الجميع يدرك "عبقرية" الكاتب، وكذلك يتجنبه لشخصيته. الجميع ممتنٌّ له لكن من بعيد، ما يزيد من وحدته، وكلامه المنفلت من عقاله، وجد له مستعماً أم لم يجد.

الفيلم، بحواراته على لسان الشاعر، أقرب ليكون صفاً من الاستعارات والصور الجمالية، بانتقالات للكاميرا من محدِّث إلى آخر، في مكان وزمان مقيّدين، كأن الفيلم عمل مسرحي تام، بديكور واحد لا حاجة لتبديله. لورنز في مكانه، يبتعد ويقترب بخطوات قليلة، والآخرون يتناوبون عليه، أو هو عليهم. حوار على البار، آخر على الدرج، ثالث في غرفة جانبية، وغيرها مما جعل الديكور مكرّساً لخدمة الكلام، والأداء.

ميزة لأي فيلم في أن يحمل حوارات لامعة وذكية، تتضاعف هذه الميزة متى حصر الفيلمُ مَشاهده ضمن "جدران أربعة"، فرمى ثقله كلّه على الكلام. الكلام الخالي من القصة تحديداً.

محرر المجلة. روائي وناقد سينمائي فلسطيني

 

مجلة رمان الثقافية في

19.02.2025

 
 
 
 
 

رسالة برلين السينمائي: "كونتيننتال ٢٥"

سليم البيك

تهدأ ضحكة لتستعد أخرى للاندلاع، وذلك في سياق حواراتيّ حول الكارثة، تلك التي تمر كالماء المتسرب من تحت أرجلنا، وتلك المحدقة، محدّقين فيها ونضحك، فقط لأنّ فيلماً عظيماً كهذا استطاع إحداث هذه في سياق تلك.

ليس تشابهاً في الملصق، ولا بروز الملصق القديم في مشهد طويل من الفيلم الجديد، ليس هذا ولا ذاك ما يحيل فيلم الروماني رادو جود إلى فيلم الإيطالي روبيرتو روسيليني، "Europa '51" (١٩٥٢)، بل أولاً المأساة، بفرق أنها كانت أوروبية، وصارت اليوم مأساةً قارّاتية.

الفيلم المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي، "كونتيننتال ٢٥" (Kontinental '25)، والأقوى في نواح كافة مما سبقه و-من يدري- من القليل مما سيلحقه وقد وصلت هذه الدورة الـ٧٥ من المهرجان إلى نهاياتها، هو استعادة عصرية لفيلم روسيليني، اللاحق للحرب العالمية الثانية وخرابها، والمحاول لاستعادة إنسانية مفقودة، ليكون الفيلم الروماني استعادة لخراب نعيش على تخومه، وليست الإشارات المتكررة لغزة وأوكرانيا، والفاشية، والشوفينية بين الرومانيين والهنغاريين (المجريين)، سوى تفاصيل تمر في الحوارات عرَضاً، كأنها واقع ألفناه ويسير بنا إلى خراب أشمل. تواجه ذلك كله الشخصيةُ الرئيسية المفعمة بإنسانية تحملها على الشعور بذنب محاولةً على طول الفيلم لا التخلص منه بل "الاستغفار".

بلقطات ثابتة، نظرات موضوعية، بصور أقرب للوثائقية، شديدة الواقعية، ينقل الفيلم محاولةَ عاملةٍ اجتماعية معايشة ذنب التسبب بموت أحد المشردين الذي خنق نفسه حتى الموت بعدما حاولت، ضمن وظيفتها، إقناعه بالتخلي عن محل إقامته لنقله إلى مكان أفضل. يرافقها رجال شرطة يسألون متحفّزين إن كان في المكان قنبلة.

تتواعد مع شاب كان طالباً عندها وتمضي الليل معه، تلتقي برجل دين لغاية الاعتراف، تزور والدتها التي تزيد بسبب شوفينيّتها الهنغارية، من همّ ابنتها، تجتمع بصديقتها، بزوجها، بآخرين. حوارات في أمكنة ثابتة تدور بينها وبينهم حول تفصيل صغير هو ما حصل وشعورها بالذنب تجاهه. وعلى هامش هذا التفصيل، تدور مواضيع إقليمية ودولية، كارثية، تجعل من الشعور بالذنب في مسألة كهذه تافهة. ما يسائل هذا الشعور أساساً. ما الذي يعنيه أن يكون أحدنا إنسانياً، شاعراً بالذنب وبدرجة قصوى، مقابل كوارث جمعية جميعنا يعرفها؟ لا يحاول الفيلم تسفيه مشاعر المرأة، الصادقة، بل من خلال صدقها، من خلال عفوية المرأة وحقيقية شعورها، يمرّر، افتراضاً، ما تقوله المرأة وتشعر به إلى آفاق أوسع، لنسأل: أي ذنب يستحق أن ينال من أحدنا أمام هول الحاصل في العالم، من الفاشيات المتفشية إلى حروبها، من غزة التي تكرر ذكرها، إلى أوكرانيا، إلى الإشارة مراراً لحروب تاريخية غابرة بين الرومانيين والهنغاريين.

"كونتيننتال ٢٥" فن سينمائي راقٍ، شديد الذكاء في إحالاته، سينمائية وشعرية وتاريخية، انتقادي واعٍ لذاته، بمستوى عالٍ من الحساسية التي تستلزمها أعمالٌ صفتها الأولى أنها فنّية. لكنه ليس فيلماً ثقيلاً على القلب ومثقلاً على العقل. هو، إضافة لكل ما ذُكر، شديد السخرية والدهاء، كما هي حال سينما رادو جود.

تهدأ ضحكة لتستعد أخرى للاندلاع، وذلك في سياق حواراتيّ حول الكارثة، تلك التي تمر كالماء المتسرب من تحت أرجلنا، وتلك المحدقة، محدّقين فيها ونضحك، فقط لأنّ فيلماً عظيماً كهذا استطاع إحداث هذه في سياق تلك.

محرر المجلة. روائي وناقد سينمائي فلسطيني

 

####

 

رسالة برلين السينمائي: "حلم"

سليم البيك

الفيلم أدبي في شكله كذلك، فمعظمه كان كلاماً ملقىً من الدفتر، بصوت الفتاة تحكي لنا عن علاقتها. يتخلل ذلك مشاهد بحوارات زامن الكلام المقروء/المحكي، أو لحقته. وذلك برهافة الأدب وحساسيته تجاه شخصياته.

الفيلم واحد من ثلاثية موضوعاتية نزلت خلال عام، أولها "Sex" في الدورة الماضية من مهرجان برلين السينمائي، ثانيها "Love" في الدورة الأخيرة من مهرجان فينيسيا السينمائي، آخرها "حلم" (Drømmer) المشارك في المسابقة الرسمية للبرليناله اليوم. وهي ثلاثية تحوم حول الرغبة في أشكالها الثلاثة: الجنس والحب والفانتازم ثالثهما.

هذا النفَس الطويل للمخرج النرويجي داغ يوها هاوغيرود، نجد تفسيره بمعرفة أنه روائي إضافة إلى صفته السينمائية. هو ما يمكن أن يفسر كذلك، موضوع فيلمه وأسلوب نقل الموضوع، فالأدب حاضر في "حلم" شكلاً ومضموناً.

فتاة تقع في حب معلّمتها الجديدة، تبقي مشاعرها لنفسها، تكتبها وحسب في دفتر يوميات. تقدم الدفتر إلى جدتها، وهي شاعرة، لتقترح الأخيرة نشر الدفتر في كتاب، قبل أن تُقرئه للأم.

الفيلم أدبي في شكله كذلك، فمعظمه كان كلاماً ملقىً من الدفتر، بصوت الفتاة تحكي لنا عن علاقتها. يتخلل ذلك مشاهد بحوارات زامن الكلام المقروء/المحكي، أو لحقته. وذلك برهافة الأدب وحساسيته تجاه شخصياته.

السرد هنا أقرب إلى الكشف، بضمير المتكلم، طبيعته المقروءة تمنحه مساحة لشاعريته أوسعَ مما يمكن لفيلم يحكي قصة بحوارات أن يكون. حميمية الكلام والمشاعر الهشة، لفتاة لا تزال تكتشف نفسها من خلال تجربتها الأولى في الحب، هذا كله منح توازناً للجانب البصري، الثلجي والبارد، محولاً البرد الخارجي، عن النافذة، إلى دفء داخلي، في البيت بأغطيته ووسائده، والصوف المنتشر، بكرات وكنزات، والشالات، وغيرها مما رافق الكلام ودفئه على طول الفيلم.

ما إن تقترح الجدة أن تعرض النص على ناشرها، علّه يصير كتاباً، حتى يتحول الحديث الهش إلى بارد وبليد، يدخل في صناعة النشر وتجارته، في قانونية ما فعلته المعلمة، أو حتى الفتاة. وذلك بدفع من الأم التي لم ترَ من الدفتر سوى إمكانية الاستثمار.

ليس الفيلم عملاً عظيماً، لكنه بحساسية الفتاة ومشاعرها، واختار مؤلفه أسلوباً كان أدبياً، مانحاً تلك الحساسية شكلها الأنسب. أما التفصيل شديد الهامشية في الفيلم، الرفوف الممتلئة بالكتب، حيثما توجّت الكاميرا، مضيفةً دفئاً لا يمكن للكتب المصفوفة على أرفف خشبية إلا أن تفوح به، التفصيل الهامشي هذا، كذلك يمكن تفسيره بمعرفة أن المخرج والروائي، هو كذلك مكتبيّ، بائع كتب.

محرر المجلة. روائي وناقد سينمائي فلسطيني

 

مجلة رمان الثقافية في

20.02.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004