عُرض ضمن مسابقة «البحر الأحمر السينمائي»
..
مراجعة فيلم | «عايشة» لـ مهدي البرصاوي
الفرصة الثانية للتخلص من أغلال
الماضي
جدة ـ خاص «سينماتوغراف»
«عايشة»
هو الفيلم الروائي الطويل الثاني بعد «بيك نعيش» في رصيد المخرج التونسي
مهدي البرصاوي، وفي العمل الجديد تتخذ الناجية الوحيدة من حادث تحطم حافلة
هوية جديدة من أجل تخليص نفسها من أغلال الماضي، فهل تنجح؟. عُرض الفيلم
ضمن المسابقة الرئيسية لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي الرابع.
صحيح إن تغيير الهوية والبدء من الصفر يشكلان خطوط السرد
الرئيسية في الفيلم، ولكنه يتعمق في موضوعات العلاقات الأسرية المعقدة،
والاعتماد المتبادل، والفساد على مستوى الدولة.
الشخصية الرئيسية، آية، التي تلعب دورها فاطمة صفار – التي
تجلب مزيجًا من الحضور القوي والتقدير الأدائي لدورها – هي امرأة تبلغ من
العمر ثمانية وعشرين عاماً، تعمل في فندق في مدينة توزر التونسية الصغيرة.
ترتبط بعلاقة غرامية مع مديرها المتزوج، الذي يصر على أن تنتظر عامين آخرين
قبل أن يطلق زوجته، وأن عليها أن تكون ممتنة لمجرد أنها لم تكن جزءًا من
موجة التسريح الأخيرة في العمل. فترد عليه كاشفةً أن الاستقرار النسبي لا
يساوي الرضا.
وفي المنزل، علاقة آية بوالديها مشحونة بنفس القدر. فهي
مستاءة من أنهما أجبراها على التوقف عن دراستها، وبدلًا من ذلك ”استعبداها“
منذ سن 14 عامًا. لقد سعيا ذات مرة لتزويجها من رجل كبير في العمر، مما
يكشف أن ولاءهما الأبوي هو محض صفقة. تتوق آية إلى التحرر، حيث تشعر بأنها
محاصرة في حياة بلا مستقبل، وتثقلها توقعات والديها بأنها ستساعد في سداد
ديون الأسرة، ولكنها تحصل بشكل غير متوقع على فرصة ثانية.
في أحد الأيام، تتحطم الحافلة الصغيرة التي تستقلها للتنقل
بين مدينتها والفندق الذي تعمل فيه، ويُعلن عن وفاة جميع الركاب. ومع ذلك،
فهي الناجية الوحيدة التي لم يُلحظها أحد من الحادث، مما يمنحها فرصة فريدة
للبدء من جديد، (وتسمح لوالديها بالاستمتاع بحزمة التعويضات الكبيرة التي
سيحصلون عليها).
تهرب آية إلى تونس، وتتخذ هوية جديدة باسم أمينة، لكن
بدايتها الجديدة سرعان ما تتعرض للخطر. أما عايشة وهو عنوان الفيلم، فتعني
حية في اللغة العربية، وفي العمل لم تولد بعد.
تستأجر آية غرفة داخل شقة لبنى المريحة. وصاحبة الشقة هي
امرأة منفتحة على الحياة الليلية النابضة بالحياة في المدينة المليئة
بالرجال الصاخبين والمليئة بالخمر والمخدرات الأخرى.
وفي أحد الأيام، تقتل الشرطة رجلاً يُدعى كريم في ملهى ليلي
بعد أن يُزعم أنه غازل آية/أمينة. يجبرها المحققون على أن تصبح شاهدة
رسمية. عليها أن تكذب تحت القسم، وتدعي كذبًا أن الرجل التعيس تحرش بها
بالفعل. وهي تفعل ذلك بتردد ومليئة بالذنب. أولويتها هي الحفاظ على سرية
هويتها الحقيقية، ومواصلة حياتها تحت اسمها المستعار الذي اختارته.
ترغب أمينة في إبقاء آية مدفونة في الماضي. لكن تداعيات
المحنة أكبر مما توقعه أي شخص، حيث يطالب أقارب الضحية بإجراء تحقيق أكثر
عمقاً.
وعلى الرغم من أن آية لم تؤذِ أحدًا، إلا أنها تدرك جيدًا
أنها خالفت القانون بأكثر من طريقة، وأن الهوية المزيفة وشهادة الزور قد
تزج بها في السجن لفترة طويلة جدًا.
يجبر ضابط الشرطة الرئيسي - وهي امرأة بالمناسبة -
آية/أمينة على التوقيع على ”شفافية الإفادة“ - وهي وثيقة تنص على أن
إفادتها الأصلية صحيحة، وأنها لن تتراجع عنها أبدًا.
بعبارة أخرى: يتم إكراهها بشكل مضاعف على الكذب. وتصبح
بطلتنا محاصرة بشكل فظيع في شبكة من الأكاذيب التي اختلقتها من أجل أن تضمن
استقلاليتها. إنها فريسة للمؤسسات الفاسدة للغاية التي تدير بلدها: الشرطة
والمحاكم وحتى الحكومة المركزية.
الجميع مهتمون أكثر بمستقبلهم الوظيفي، وتصبح الحقيقة هي
الضحية الأولى. تقوم عائشة بنسج خيوط مختلفة من التعليقات الاجتماعية
والسياسية - الاضطهاد النسائي، والفساد المؤسسي، والدين، والتقاليد -
بنتائج ممتازة.
تبقي التقلبات والمنعطفات غير المتوقعة المشاهدين مشدودين
طوال مدة الفيلم البالغة 123 دقيقة.
ومن المثير للاهتمام أن النقاب يصبح سلاحًا تحويليًا. حيث
تستخدم بطلة الفيلم هذا الزي الإسلامي من أجل إخفاء هويتها، والتمتع بعدم
الكشف عن هويتها في بعض اللحظات الحاسمة في الفيلم.
كان الفيلم مبنيًا على قصة حقيقية، لذلك عندما سًئل عن ما
جذبه إلى مصير امرأة غيرت هويتها، أوضح مهدي برصاوي أن شجاعتها هي التي
أسرته.
لكن يشوب هذا الفيلم الفعال للغاية هذا الإدعاء المخادع.
أنه مستوحي من أحداث حقيقية. وفي الواقع، هناك حدث حقيقي واحد فقط (حادث
الحافلة مع الناجي الوحيد).
ومهما كان تنفيذ الفيلم جيدًا، لا يحق لصانعه الإدعاء
استنادًا إلى عنصر واحد أن العمل كله مأخوذ عن قصة حقيقية، لأن أي فيلم
خيالي يستند إلى الواقع بطريقة ما وبشكل فضفاض.
عموماً ، فيلم ”عايشة“ هو تشويق اجتماعي خيالي بالكامل. نجح
في صياغة قصة رائعة - سواء كانت واقعية أم لا – لكن قدمها مهدي البرصاوي
بشكل جيد جداً للغاية. |