سينما مصرية "تتحدى المخاوف" على شواطئ جدة
إسقاطات سياسية وكوميديا سوداء وحضور خاص في مهرجان البحر
الأحمر بـ "رامبو" و"شرق 12" و"ضي"
نجلاء أبو النجا
عرضت ثلاثة أفلام مصرية، منها "شرق 12" و"البحث عن مخرج
للسيد رامبو" و"ضي"، وهو فيلم سعودي - مصري وحقق نجاحاً ملاحظاً على مستوى
النقاد والجمهور وصناع السينما.
مرت أيام منذ انطلاقة فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان
البحر الأحمر السينمائي الدولي
في مدينة جدة،
سجلت خلالها عرض نخبة من الأفلام العربية والأجنبية المميزة، إضافة إلى عدد
من الجلسات الحوارية لكبار النجوم العالميين مثل كاترين زيتا جونز ومايكل
دوغلاس وكارينا كابور وإيميلي بلانت.
وعرضت ثلاثة أفلام مصرية منها "شرق 12" و"البحث عن مخرج
للسيد رامبو" و"ضي"، وهو فيلم سعودي - مصري وحقق نجاحاً ملاحظاً على مستوى
النقاد والجمهور وصناع السينما.
"شرق 12"
يحظى فيلم "شرق 12" للمخرجة المصرية هالة القوصي بخلفية
مثيرة، إذ ينتمي إلى نوعية الفانتازيا والكوميديا السوداء. ورأى عدد كبير
من الحضور أنه يحمل عدداً من الإسقاطات السياسية والاجتماعية والدينية
والمجتمعية، وتدور الأحداث من دون وجود اسم للمكان أو تحديد للزمان في
مستعمرة أو مكان مغلق تحت اسم "شرق 12".
تشير مجريات الفيلم إلى مكان به كثير من الشخصيات التي
تمارس أفعال معظمها قاس وفاسد مثل القتل ودفن الجثث، وتمارس البطلة الرذيلة
في مقابل المال مع معظم رجال هذا المكان حتى تحمل سفاحاً من دون معرفة والد
الطفل في حين أنها تحب شاباً يدعى عبده.
كما يوجد أكثر من شخص يتحكم في السلطة، أحدهما يمثل سلطة
أمنية، ويعمل على تعذيب المسجونين، والآخر يبدو أنه يمارس سلطة سياسية
ويعاني اضطرابات تتعلق بشخصيته وجنون العظمة والسادية أحياناً.
أما جلالة فهي السيدة العجوز التي يحبها الجميع ويلقبونها
بالجدة وهي ذات سلطة تبدو أحياناً متهاوية وأحياناً متماسكة، وتتحكم في
الجميع من دون وضوح الروابط التي تجمع الشخصيات، ويعاني الجميع في مستعمرة
"شرق 12" كل بطريقة مختلفة. ويرى الناس الحياة سوداء فاقدة للألوان، إذ
دارت الأحداث جميعها بالأبيض والأسود فقط.
يتزايد الظلم والقتل والتسلط السلطوي وتفشي الفساد، فتعم
فوضى عارمة تجعل الجميع يحفرون الأرض بحثاً عن جثث مدفونة في ظروف غامضة،
وأملاً في وجود كنز يشاع أنه مدفون بباطن أرض المستعمرة.
تداخلت الموسيقى لفترات ليست قصيرة بين الأحداث لتخلق روحاً
تخفف قتامة الأحداث وسواد الصورة، ووظفت الموسيقى المبهجة بين البطلين نونا
وعبده، إذ الأخير يحترف العزف ويريد الهرب من المستعمرة ليبحث عن حلمه،
واصفاً ما يعيش فيه بأنه مقبرة يريد الخلاص منها، لكنه يعاني طغيان وتحكم
شخصين يمثلان سلطتين في المستعمرة مثله مثل كل الفقراء المكبوتين في
المكان.
كانت رموز الفيلم وقسوتها الواضحة سبباً في حدوث بعض
التفسيرات التي أسقطت تلك الشخصيات على الواقع، في صورة أحداث أو حكام أو
ظلم يعانيه الناس في الحقيقة.
وقالت كاتبة الفيلم ومخرجته هالة القوصي في حديث
لـ"اندبندنت عربية"، إن "الفيلم لا يناقش زمناً معيناً ولا مكاناً محدداً،
بل هو يتطرق لمشكلات تحدث في أي زمان ومكان، وتعمدت إزالة العنصرين لتكون
الحكاية هي البطل، فالجميع يتذكر حكايات ألف ليلة وليلة ورسالتها، لكن لا
يهتم في أي وقت أو زمان أو مكان وقعت، وهذا ما أردت أن يكون عليه فيلمي
فقط".
وكشفت القوصي عن أن فكرة الفيلم الأساسية التي أرادت
التعبير عنها هي كيف يتسبب موت الخيال في قهر الناس وأحلامهم، "فالعالم من
دون خيال قاس وفارغ وأسود لا يحتوى على أية حياة أو لون أو أهمية، واعتبرته
بروفة مرتبطة بشكل الفيلم والمكونات والعناصر"، وأشارت المخرجة إلى أن
الهدف من العمل هو إيقاظ خيال الناس ووعيهم.
وعن التصوير بطريقة مختلفة تماماً عن المعتاد بالسينما،
قالت إنها كفنانة تشكيلية تتأثر برؤية صور، وهذه الصور تلهمها للوصول
لحكايات تتحول إلى أفلام، لهذا فالفيلم هو صور سارت نحو طريق الحكايات.
وأوضحت القوصي أن التحضير للفيلم استغرق ثمانية أعوام بسبب البحث عن
التمويل، لكنها أكدت أن هذه الفترة سمحت بتطوير العمل وخروجه بالصورة التي
شاهدها الجمهور.
واختتمت أنه تم التصوير باستخدام خام السينما، وهو أول فيلم
يتم تصويره بهذه الصورة منذ ما يزيد على 10 أعوام، والفيلم من بطولة منحة
البطراوي وأحمد كمال وعمر رزيق وفايزة شامة وأسامة أبو العطا وباسم وديع
ومحمود فارس.
"ضي" ورقم 55
أما فيلم "ضي" فجمع أكثر من 12 نجماً كضيوف شرف وتم تصويره
في 55 موقعاً، وهو من تأليف هيثم دبور وإخراج كريم الشناوي، وتناول حكاية
صبي ألبينو "عدو الشمس"، ويدعى ضي وله شقيقة واحدة اسمها ليلة، وهما أسرة
من النوبة هجرها الأب لتعيش الأم في معاناة تربية ابن له ظروف خاصة وسط
تنمر دائم من المحيطين، وفي الوقت نفسه تخشى الأم على ابنها من مواجهة
العالم وتزرع فيه الرهبة لدرجة أنه يمتلك موهبة غنائية كبيرة ويعشق صوت
المطرب المصري محمد منير، لكن والدته تمنعه من الغناء ومواجهة العالم.
تترسخ لدى الصبي عقدة الرهاب الاجتماعي فلا يجرؤ على الحديث
أو الغناء نظراً إلى حالته الخاصة وكذلك تربيته المرتعشة، ويحدث الاستثناء
الوحيد في حياة الصبي على يد مدرسة الموسيقى صابرين التي تجعله شخصاً آخر
وتشجعه على ممارسة الغناء ومواصلة حلمه والخروج من جدران الخوف.
تواجه صابرين والدة ضي التي ترفض أن يخرج للعالم بخاصة
عندما تسعى مدرسة الموسيقى إلى أن تجعل ضي يشارك في مسابقة اكتشاف الأصوات
الجديدة التابعة لبرنامج شهير، وتستمر المواجهات حتى تنجح صابرين في الخروج
بضي وعائلته من المدينة الصعيدية الصغيرة إلى العاصمة القاهرة، لكن رحلة
الطريق كانت مسرحاً كاشفاً لكل المخاوف التي تمر بها الشخصيات الأساسية،
وهي ضي ووالدته وشقيقته ومدرسته، ويتعرضون لمصاعب وعراقيل تقلب الأحداث
وتجعلهم في مواجهة مع أشخاص يعانون على صعيد آخر مشكلات تتحد مع مصاعب ضي
لتتغير كثير من الأمور عبر دقائق ولحظات فارقة في حياة كل المشاركين
بالأحداث.
وتمثل رحلة خروج ضي من بلدته وحتى المدينة تحديات ومواجهة
كل أنواع الخوف، ومحاولة لتحقيق الأمل على رغم الصعاب. وجمع الفيلم بين
أنماط تقابلها تعقيدات كثيرة مثل الطائفية والتشوه من الحريق والخوف من
الآخرين والإحساس بالفشل وضياع الأحلام، ويحاول الفيلم خلق حالة مع التصالح
مع الذات والأحلام والمتغيرات والأنماط المختلفة في المجتمع.
الفيلم بطولة الممثلة السعودية أسيل عمران، والممثلة
السودانية إسلام مبارك، إضافة إلى المصريين حنين سعيد وبدر محمد، ومن تأليف
هيثم دبور، وإخراج كريم الشناوي. وشارك في بطولة العمل كضيوف شرف أحمد حلمي
ومحمد ممدوح وصبري فواز وتامر نبيل وعارفة عبدالرسول وأمينة خليل والمذيعة
لميس الحديدي، ومن مفاجآت الفيلم ظهور المطرب المصري محمد منير بشخصيته
الحقيقية وغناؤه إحدى الأغنيات الشهيرة بالعمل.
ونجح الفيلم في توحيد عدد من الجنسيات التي شاركت في أركانه
بخاصة بالتمثيل باللهجة المصرية سواء النوبية أو الصعيدية أن القاهرية.
وجرى التحضير والتصوير على مدار أربعة أعوام، واختير بطل الفيلم الذي قام
بدور ضي بعد تصفيات استمرت نحو عام ونصف عام، بحسب تصريحات المخرج كريم
الشناوي.
انتقام رامبو
وعرض كذلك في فعاليات المهرجان الفيلم المصري "البحث عن
منفذ لخروج السيد رامبو"، من بطولة عصام عمر وركين سعد وسماء إبراهيم وأحمد
بهاء أحد مؤسسي فرقة شارموفرز الغنائية، إضافة إلى عدد من الوجوه الشابة،
وهو من إخراج خالد منصور في أول تجربة روائية طويلة له، ومن تأليف محمد
الحسيني.
والفيلم شارك في مهرجانات عالمية منها مهرجان كان الأخير
وحمل موضوعه محتوى ساخراً وكوميدياً جعله شديد التميز والاختلاف على رغم
بساطة الفكرة. وتدور الأحداث حول الشاب الثلاثيني حسن الذي يمتلك كلباً
يدعى رامبو، لكن الأخير يورطه في مشكلة كبرى عندما يهاجم مالك المنزل الذي
يعيش فيه حسن، فيضطر الشاب إلى الهرب وكلبه خوفاً من انتقام كارم الذي توعد
بالثأر من الكلب الشرس.
يحاول حسن البحث عن مكان آمن ليعيشا فيه، ولكن أثناء رحلة
الهرب يكتشف كثيراً من الأمور التي يعانيها، ويضطر إلى مواجهة مخاوفه
وماضيه وإعادة اكتشاف نفسه، كما يتضح له كثير من العلاقات التي تخص من
حوله.
وقال عصام عمر بطل العمل في تصريح خاص إن بساطة الفيلم هي
سر تميزه، على رغم أن هناك كثيراً من الأعمال العالمية تناولت فكرة وجود
حيوان أليف مثل الكلب في الأحداث، لكن أن يكون هو المحور الرئيس وصانع عقدة
الدراما فهذا الأمر جديد بالنسبة إلى السينما العربية.
وأشار عمر إلى أن الفيلم يحاول البحث في صراعات النفس
البشرية وعلاقاتها بكل المحيطين بها في الحياة لتأكيد أن الجميع يتأثر بكل
شيء، ويمكن أن يحدث تغييراً غير متوقع يقلب الأمور رأساً على عقب، كما أن
الفيلم يهدف إلى رسالة مهمة، وهي اكتشاف النفس وتحدي المخاوف.
وحول فكرة الفيلم، قال المخرج خالد منصور إنه كان يريد في
أول عمل روائي له أن يعبر عن الناس البسيطة التي تعيش بصورة أكبر بمناطق
شعبية، وكيف تكون العلاقات بينهم مؤثرة في كل النواحي، بخاصة أنه يعشق
السرد الشعبي والحكايات التي يمتلكها جيرانه وذويه والتي تربى عليها، لذلك
توصل إلى فكرة الفيلم وقدمها بهذه الصورة البسيطة الكوميدية التي تحمل
كثيراً من السخرية والإحساس.
وعن صعوبة تنفيذ العمل من الناحية الإنتاجية، قال "كان
الأمر شديد الصعوبة، ومررنا بخطوات كثيرة أنا وصناع العمل وتحديداً المنتجة
رشا حسني والمؤلف محمد الحسيني وعملنا على تطوير العمل لمدة تسعة أعوام،
وحصلنا على أول جائزة تطوير وكانت قيمتها 9 آلاف دولار، وأنفقناها بالكامل
على تطوير السيناريو حتى نصل إلى نسخة متماسكة إلى أن وصلنا إلى النسخة
الـ13 وهي التي تم تنفيذها وظهرت بالفيلم بصورته النهائية".
صحافية @nojaaaaa |