تحمل روحه الفكاهة البسيطة غير المبتذلة.. أحببت محمود
حميدة الإنسان وتعلمت منه خلال الحوار أشياءً كثيرة.
فهو شخصية من الطراز «المعتبر»، متصالح مع ذاته إلى أبعد
حد، ثقافته أثرت على تكوينه. وهذا هو الجزء الثانى من الحوار:
■
عملت أكثر من دويتو مع نادية الجندى ونبيلة عبيد وليلى علوى
وإلهام شاهين، فمَن نقدر نقول إنها استطاعت أن تخرج شيئًا جديدًا من محمود
حميدة؟
-
لا يوجد عندى هذه الحكاية، عندما أتعاون فى شغل يصبح إخلاصى كله للعمل بغض
النظر عن باقى الموجودين، والتواصل معهم بيكون عالى المستوى من أجل صنع
الفيلم وليس من أجل العلاقة الشخصية. يكمل: «لدىّ أصحاب من قبل الاحتراف
بنشتغل مع بعض بيجدونى شخصًا مختلفًا طبعًا الود والحب موجود لكن فى العمل
بأنسى أى شىء.. قريبى، ابن أختى، أخويا.. ولو معايا فى نفس العمل شخص لا
أطيقه ولا أحبه أو هو لا يطيق أن يرانى فده عادى، نفس الموضوع عندما نعمل
مع بعض شىء آخر ولو وجدت نفسى لا أستطيع التغلب على هذا الموضوع أعتذر عن
العمل».
■
عندما يُعرَض عليك سيناريو فيلم أو مسلسل هل تضع شروطا
معينة، وهل تضع رقمًا ماليًا كأجر؟
-
ليس لى علاقة بمثل هذه الأمور، لدىّ مديرة أعمال هى تقرر وليس أنا. كنت
بأعمل زمان ولكن بطلت وأنا لم أطلب أجرًا، ما يعطوننى كنت أوافق عليه».
يكمل: «أنا أرخص ممثل فى السوق، عندما كنت أحكى لتلامذتى عن
المبالغ التى كنت أتقاضاها فى الأفلام بيستغربوا، عندى أول ستة أفلام أجرى
كان 2000 جنيه وبعد الضرائب صافى حوالى 1300، عندما كان يسألنى أحد عن أجرى
فى فيلم (الإمبراطور) كنت أقول أنا وأحمد زكى 102 ألف.
■
أحمد زكى 100 ألف وحضرتك 2000؟
-
أيوه علشان صاحبى اللى بيسألنى لا يغضب.. ضحك حميدة قائلًا: «كنت بأفهمه
إننا بناخد فلوس كثير قوى.. لأن أنا شخص عارف إنه لا يوجد ما يقابل أى عمل
فى الحياة كمسمى مالى.. مرة واحدة سألتنى وقالت أنت مهنتك صعبة جدًا قلت
لها آه بس فيه ناس أصعب.. قالت مثل مَن؟ قلت لها مثل الخباز.. فقالت بدهشة
شديدة لماذا؟.. قلت لها طبعًا واحد يقف أمام الفرن 12 ساعة يخبز لى عيش كى
آكله وأعيش.. هذا أصعب وأكثر قيمة من الذى أفعله أنا.. وبيأخذ مرتب قد إيه؟!».
أكمل: «لا عمل فى الدنيا يقابله مسمى مالى يجازيه.. نحن
نقدر احتياجاتنا على حسب ما نراه.. أريد أن أقدّم لابنى فى مدرسة جيدة ابنى
تعب لازم يتعالج فأعمل حسابى يبقى عندى فلوس أكثر فأطلب فى هذا الفيلم كام،
وكان على حسب تصوراتى، أقول كويس 2000 جنيه رغم إن أنا لوحدى كنت أصرف قدهم
ألف مرة فى الشهر.. ولأنى لا أعرف تقدير الأمور المالية، تركت هذه المسألة
لابنتى «إيمان» كى أبعد عن رأسى التفكير فى هذه الأمور.. لأنك لو سألتينى
حتاخد مننا كام فأبدأ أفكر فبذلك عملى نقص من قبل ما أشتغل.. شغلى بيقل
لأننى وضعت له ثمن وهو لا يقدر».
■
لكن سبق أن قلت فى أحد البرامج أنا أبويا ما صرفش عليّا
علشان أطلع ببلاش؟
-
قلت
أنا أبويا لم يعلمنى ببلاش كى أجلس مع واحدة مثلك تكلمنى ولا آخذ نقود
مقابل المعلومات التى أقولها.. هذه الجملة أنا قلتها كى أوضح حقوق الملكية
الفكرية.
■
لك أدوار عديدة لا تُنسَى مثل دورك فى (شمس الزناتى وعصر
القوة وفارس المدينة) أغلبها أدوار لا تزال عالقة مع الجمهور ويحبها.. فما
هو الدور الذى لا يزال عالقًا فى ذهن محمود حميدة أو حبّه؟
-
لا ألعب الشخصية قبل أن أحبها.
■
معنى ذلك أنك لم تقدم دورًا لم يعجبك إطلاقا؟
-
لم ألعب شخصية حتى لو لم تعجبنى.. لا تعجبنى لكن قررت ألعبها.. لازم أحبها.
■
قدمت للسينما أدوارًا عديدة لمهن عديدة مثل الضابط والمحامى
ورجل الأعمال وغيرها من المهن.. فما أكثر مهنة رأيت فيها محمود حميدة؟
-
لو الممثل لا يرى نفسه فى الدور ما يلعبوش، لكن لو لم أكن ممثل كنت بقيت
حاجات كثير وبطّلتها، أنا اشتغلت حاجات كثير جدًا وكلها كان بيتهيألى إن
أنا هأحقق فيها رغم أننى عملت خطوات كبيرة فيها وبعد ذلك تخليت عن هذه
الأشغال وفضلت ممثل.
■
مهن مثل ماذا؟
-
تاجر مواشى، تاجر حبوب، صحيح تاجرت وكنت تاجر كبير وبطلت التجارة وأنا عندى
16 سنة.
■
16
سنة كيف ومتى بدأت إذن؟
-
وأنا عندى 3 سنوات أو 4 سنوات.
■
كيف تتاجر وأنت 3 سنوات؟! سوف أكتب ذلك؟
-
اكتبى.. ثم أشار بيده على الحائط وقال: شايفة هذا الرجل؟
■
نعم.. هل هو جدك؟
-
كان فلاح تاجر قطن كبير وكان قاضيًا عُرفيًا، شخصية مهيبة جدًا.. وكان
مَثلى الأعلى، كنت أجلس بجواره وأنا عندى سنة بيتهيألى إنى راجل كبير مثله
فى الديوان، كنت أرى حب الناس له.. قرايبى فى البلد كانوا يقولون لى جدك
غنى، وأنا اعتقدت أن هذه الهيبة أتت له من المال، فقلت بس إذن الموضوع
هنا.. فأبدأ أعمل نفسى بنفسى، هو أيضًا عمل نفسه بنفسه، كنت كطفل يرى
جدّه.. هكذا توهمت أننى أيضًا رجل كبير وأعمل الأشياء التى يفعلها الكبار.
■
ما هى أول تجارة عملتها؟
-
جبت بطة وشاركت عليها سيدة فلاحة قريبتنا، هذه هى أول تجارة وهذه البطة
أصبحت عنزة بعد مُدة وكبرت التجارة وبدأت أتعلم شوية بشوية، مارست أشياء
كثيرة فى تجارة المواشى، وبعدها دخلت فى تجارة الحبوب، دخلت تجارة الحبوب
لأن كان لدينا جُرن كبير كانت الناس تيجى تعمل فيه المحاصيل الخاصة بها..
كان فيه عندنا محاصيل خارج التجارة العامة أشياء تابعة للأمن الغذائى ولازم
تتورد للجمعية الزراعية، لكن الفلاح لم يكن يورد كل شىء للجمعية.. كانوا
بيعملوا تلك المحاصيل فى الجُرن لدينا فكنت أشترى منهم وأبيعه أنا للتجار.
■
مقتنع بأن القوة فى المال فكنت تسعى وراءه بأى شكل؟
-
نعم.. لكن بعد ذلك أبويا الله يرحمه هو الذى كرَّهنى فى المال، الحمد لله
هو كان غير جدّى، كان وحيد لكنه مختلف عنه تمامًا لم تكن الفلوس تعنى له
شىء.. جدى أدخله كلية الزراعة كى يزرع أرضنا.. لكنه راح اشتغل مدرس، المدرس
حياخد كام فى النهاية 3 تعريفة، غير لو زرع الأرض كان حيكسب فلوس كثير، عمل
والدى مدرس وترقى فى سلك التعليم لوظائف كبيرة، كان أهم شىء عنده إن الواحد
يتعلم لأنه يرى إنه لو تعلم يستطيع أن تكون له حياة، ليس المال الأهم لديه.
■
كيف جعلك تأثرك بوالدك تكره النقود؟
-
ضحك كثيرًا وقال: «هناك ظروف حياتية أخرى الانقلابات الحياتية تحدث هكذا،
الخلاف الذى بينى وبين أبى حول ذلك الموضوع هو أنه لا يريد أن أكون مهتمًا
بهذا الجانب رغم أنه شاهد نجاحات كثيرة، خلاص بقيت غنى لا أحتاجه فى أى
شىء، بمقاييس ذلك الوقت فأنا لا أحتاج لشىء، لكنه يقول لأ أنت محتاج تتعلم،
وكنت وقتها لا أشعر بأهمية التعليم رغم أننى كنت أتعلم».
■
تخرجت فى كلية التجارة؟
-
نعم تخرجت فى كلية التجارة لكننى درست فى كلية الهندسة سبع سنوات قبلها،
فترة الجامعة كانت فترة شبه تشتت كامل لا أعرف أين موقعى وأريد أن يكون لى
موقع.
■
مَن الذى اختار لك كلية الهندسة؟
-
اخترتها وأنا عندى ثمانى سنوات.
■
وفضلت فيها سبع سنوات وتركتها لماذا؟
-
«فشلت..
اكتشفت إننا بنتربى على ألا نعرف كيف نختار.. اخترتها وأنا 8 سنين علشان
كنت معجب بخالى الذى كان مهندس ميكانيكا شاطر، وفى الثانوية العامة كان
مجموعى كبير يدخلنى كلية طب قصر العينى، لكننى دخلت هندسة عين شمس والتى
كانت تأخذ وقتها من أقل من 70%، ورغم أننى كنت متفوقًا جدًا فى الطبيعة
والرياضيات والميكانيكا، ومع ذلك لم أكمل دراسة الهندسة، وفى ذلك الوقت كنت
أدرس رقص ومسرح فى منتخب الجامعة، أمارس هواياتى التى أحبها أهمها التمثيل».
يكمل: «ضمن الأشياء التى لها تأثير فى حياتى وأنا عندى 11
سنة كنت بألعب مسرحية لشيكسبير اسمها (تاجر البندقية) بلعب دور واحد يهودى
اسمه «شايلوك» كان بطل المسرحية وأخذت جائزة أحسن ممثل فى مسابقات المدارس،
كان رئيس اللجنة الأستاذ نبيل الألفى رحمه الله فقال لأبويا أنا عاوز الواد
ده بعد ما يخلص ثانوية عامة.. ييجى لى على الأكاديمية وأنا حأخليه يدرس
وبعد ذلك أبعته بعثة يكمل فى أمريكا.
لما أخذت الثانوية العامة أبويا قال مش حتروح المعهد؟ قلت
له أنت عارف أننى عاوز الهندسة، وعندما فشلت فى الهندسة، قال لى أبويا روح
المعهد لكننى قلت له لأ أنا حأجيب لك شهادة محترمة ودخلت كلية تجارة».
■
مَن تسمع من المطربين؟
-
كلهم تقريبًا.. طبعًا فيه أصوات عندما تُسمع جيدًا فتمنح طاقة عظيمة جدًا
مثل أم كلثوم، فتحية أحمد، محمد عبدالوهاب، محمد عبدالمطلب، محمد فوزى،
صباح، ليلى مراد، شادية، أحلام، رجاء عبده، سعاد مكاوى، إسماعيل يس، كل
هؤلاء جبارين.
■
هل قابلت أحد هؤلاء الذين ذكرتهم؟
-
طبعًا..
■
هل قابلت شادية مثلاً؟
-
لأ لم أقابل شادية كلمتها فى التليفون فقط، وعمرى ما شفتها.. شفت أم كلثوم
وأنا عندى 8 سنوات أو تسعة.
■
قابلتها فى حفلة؟
-
صحيح.. رُحت إليها فى البيت مع خالة أمى كانت صديقتها اسمها إقبال عاصم.
■
وأنت عمرك 8 سنوات كنت تسمع أم كلثوم؟
-
طبعًا.. أنا كنت بأغنى وكنت بمثل مصر فى الغناء وأنا عندى 9 سنوات.. وقابلت
صباح طبعًا، وليلى مراد قابلتها مرة بالصدفة فى الشارع.
■
لماذا عندما ذكرت صباح قلت طبعًا؟
-
صباح طبعًا لأنها كانت صاحبتى جدًا من وقت ما اتعرّفت عليها.. صباح كانت
تحب كل الناس.. صباح كانت كائن لا يحمل ضغينة لأى شخص فى الحياة.. من أجمل
البشر الشحرورة.
■
هل تأثرت لوفاتها؟
-
نعم تأثرت لكن تأثرى ليس فيه مرار الفقد.. لا يوجد عندى مرار الفقد لأى حد.
■
حتى لوالدتك رحمة الله عليها؟
-
ليس لدى مرار الفقد لأى شخص.. لا أشعر بالمرار.. حزين آه.. لكن دون مرار
«أبكى دون مرار».
■
كيف يرى محمود حميدة المرأة؟
-
هى كل حاجة.. الكون أنحاء امرأة.. أنا ذكر من داخل رحم أنثى خرجت منه ورضعت
منها وحبتها وتزوجتها وخلفت منها.
■
ماذا عن الحب فى حياة محمود حميدة؟
-
الحب
تنفس.. شهيق وزفير.
■
تقرأ لمن؟
-
اسمها بتقرأ إيه مش بتقرأ لمين ده كان زمان وأنا طفل صغير.
■
طيب ماذا تقرأ؟
-
فلسفة وأدب وشعر وفيزياء ورياضيات، بس بطلت ميكانيكا.
■
لماذا أنتجت فيلم جمال عبدالناصر فى حين إنه اتعمل من قبل
بطولة الراحل أحمد زكى (ناصر 56)؟
-
«فيلم
عبدالناصر من قبل (ناصر 56) بكثيرأصلاً، فيلم أنور القوادرى، أنور بن تحسين
القوادرى وهو أكبر موزع سينما فى العالم العربى كله وأنور اتعلم سينما فى
انجلترا هم أيضًا ناصريين يحبوا جمال عبدالناصر، فـ أنور كان يريد أن يعمل
فيلم عن جمال عبدالناصر إنجليزى وبعد أن حضّر له هناك لم يكتمل، فقرر يعمله
عربى، يجيب بطل مين؟ أحمد زكى يعمل الدور واتفق مع أحمد زكى اتفاقًا
مبدئيًا واشتغلوا فترة، ثم ما حدث بعد ذلك أحمد زكى لسبب أو لآخر ترك
الفيلم لا أعرف ما السبب تحديدًا».
يكمل: «وبعدها عمل فيلم (ناصر 56) مع محمد فاضل.. فـ أنور
جاء لى وقال أريدك أن تعمل الفيلم وتنتجه، قلت له موافق.. فـ أنور يريد أن
أقترب من الأبعاد الفيزيقية لعبدالناصر وأنا ضد هذه الحكاية، ضد إنى أقرب
من الأبعاد الفيزيقية للشخصية التاريخية المعاينة؛ لأن هذا من وجهة نظرى لا
يضيف أى شىء.. ما الداعى إنك تجعله نفس شكله، والسؤال هو: لو عملت عن شخصية
تاريخية لم نرها قبل ذلك هل حيكون له أبعاد معينة؟ لأ ممكن يبقى تخين رفيع
طويل قصير.. إذن لماذا لا تفعل ذلك فى الشخصية التى عايناها فيصبح عنصر
دهشة مضاف لعنصر الدهشة الأصلى؟ ما عنصر الدهشة الأصلى فى مثل هذه الأفلام؟
إنى أقدم لحظات لم يرها السيد الجمهور وأفترضها ثم أطلق لخيالى العنان
وأقول ما أريد.. مثل لحظة اتخاذ أنور السادات قرار الحرب لم يكن أحد معه
وقتها، فهنا لى أن أنطلق وأعمل اللى أنا عاوزه وهذا يصبح عنصر دهشة مضاف..
والأشياء التى لم يرها الجمهور مثل علاقته بأسرته وأصحابه على سبيل المثال
كل هذه العناصر تحدث دهشة فى الدراما المطروحة.. وبكده يظل فى التاريخ أما
عكس ذلك لا يمكن أن يظل فى التاريخ».
يضيف: «أنور السادات لما فكروا يعملوا عنه فيلم عندما أخذ
نوبل فى هوليوود، قال موافق لكن بشرط أريد ممثل معين هو الذى يلعب الدور،
قالوا له من؟ طلب روبرت ريدفورد، عينه زرقاء وشعره ذهبى، هذا هو الصح
السادات بيفهم، كده يعيش السادات إنما تجيب واحد شبهه يموت السادات.
فعندما طلب منّى أنور أن أقترب من الأبعاد الفيزيقية
لعبدالناصر قلت له لأ ورفضت الدور ورشحت له خالد الصاوى.
■
ماذا عن الطفل الذى داخل محمود حميدة؟
-
ضحك وقال: موجود ومضايقنى قوى.
■
ما الذى يصل أكثر إلى الناس السينما أمْ الدراما؟
-
السينما أعلى أنواع فنون الخطاب دون منازع وهى أثقل صناعة فى التاريخ، غير
أى صناعة أخرى. |