ملفات خاصة

 
 
 

الجزء الثانى من حوار الذكريات:

محمود حميدة: اشتغلت وأنا 3 سنين وكنت أكره التمثيل

كتب حوار: هبة شوقى

الجونة السينمائي

الدورة السابعة

   
 
 
 
 
 
 

تحمل روحه الفكاهة البسيطة غير المبتذلة.. أحببت محمود حميدة الإنسان وتعلمت منه خلال الحوار أشياءً كثيرة.

فهو شخصية من الطراز «المعتبر»، متصالح مع ذاته إلى أبعد حد، ثقافته أثرت على تكوينه. وهذا هو الجزء الثانى من الحوار:

عملت أكثر من دويتو مع نادية الجندى ونبيلة عبيد وليلى علوى وإلهام شاهين، فمَن نقدر نقول إنها استطاعت أن تخرج شيئًا جديدًا من محمود حميدة؟

- لا يوجد عندى هذه الحكاية، عندما أتعاون فى شغل يصبح إخلاصى كله للعمل بغض النظر عن باقى الموجودين، والتواصل معهم بيكون عالى المستوى من أجل صنع الفيلم وليس من أجل العلاقة الشخصية. يكمل: «لدىّ أصحاب من قبل الاحتراف بنشتغل مع بعض بيجدونى شخصًا مختلفًا طبعًا الود والحب موجود لكن فى العمل بأنسى أى شىء.. قريبى، ابن أختى، أخويا.. ولو معايا فى نفس العمل شخص لا أطيقه ولا أحبه أو هو لا يطيق أن يرانى فده عادى، نفس الموضوع عندما نعمل مع بعض شىء آخر ولو وجدت نفسى لا أستطيع التغلب على هذا الموضوع أعتذر عن العمل».

عندما يُعرَض عليك سيناريو فيلم أو مسلسل هل تضع شروطا معينة، وهل تضع رقمًا ماليًا كأجر؟

- ليس لى علاقة بمثل هذه الأمور، لدىّ مديرة أعمال هى تقرر وليس أنا. كنت بأعمل زمان ولكن بطلت وأنا لم أطلب أجرًا، ما يعطوننى كنت أوافق عليه».

يكمل: «أنا أرخص ممثل فى السوق، عندما كنت أحكى لتلامذتى عن المبالغ التى كنت أتقاضاها فى الأفلام بيستغربوا، عندى أول ستة أفلام أجرى كان 2000 جنيه وبعد الضرائب صافى حوالى 1300، عندما كان يسألنى أحد عن أجرى فى فيلم (الإمبراطور) كنت أقول أنا وأحمد زكى 102 ألف.

أحمد زكى 100 ألف وحضرتك 2000؟

- أيوه علشان صاحبى اللى بيسألنى لا يغضب.. ضحك حميدة قائلًا: «كنت بأفهمه إننا بناخد فلوس كثير قوى.. لأن أنا شخص عارف إنه لا يوجد ما يقابل أى عمل فى الحياة كمسمى مالى.. مرة واحدة سألتنى وقالت أنت مهنتك صعبة جدًا قلت لها آه بس فيه ناس أصعب.. قالت مثل مَن؟ قلت لها مثل الخباز.. فقالت بدهشة شديدة لماذا؟.. قلت لها طبعًا واحد يقف أمام الفرن 12 ساعة يخبز لى عيش كى آكله وأعيش.. هذا أصعب وأكثر قيمة من الذى أفعله أنا.. وبيأخذ مرتب قد إيه؟!».

أكمل: «لا عمل فى الدنيا يقابله مسمى مالى يجازيه.. نحن نقدر احتياجاتنا على حسب ما نراه.. أريد أن أقدّم لابنى فى مدرسة جيدة ابنى تعب لازم يتعالج فأعمل حسابى يبقى عندى فلوس أكثر فأطلب فى هذا الفيلم كام، وكان على حسب تصوراتى، أقول كويس 2000 جنيه رغم إن أنا لوحدى كنت أصرف قدهم ألف مرة فى الشهر.. ولأنى لا أعرف تقدير الأمور المالية، تركت هذه المسألة لابنتى «إيمان» كى أبعد عن رأسى التفكير فى هذه الأمور.. لأنك لو سألتينى حتاخد مننا كام فأبدأ أفكر فبذلك عملى نقص من قبل ما أشتغل.. شغلى بيقل لأننى وضعت له ثمن وهو لا يقدر».

لكن سبق أن قلت فى أحد البرامج أنا أبويا ما صرفش عليّا علشان أطلع ببلاش؟

-  قلت أنا أبويا لم يعلمنى ببلاش كى أجلس مع واحدة مثلك تكلمنى ولا آخذ نقود مقابل المعلومات التى أقولها.. هذه الجملة أنا قلتها كى أوضح حقوق الملكية الفكرية.

لك أدوار عديدة لا تُنسَى مثل دورك فى (شمس الزناتى وعصر القوة وفارس المدينة) أغلبها أدوار لا تزال عالقة مع الجمهور ويحبها.. فما هو الدور الذى لا يزال عالقًا فى ذهن محمود حميدة أو حبّه؟

- لا ألعب الشخصية قبل أن أحبها.

معنى ذلك أنك لم تقدم دورًا لم يعجبك إطلاقا؟

- لم ألعب شخصية حتى لو لم تعجبنى.. لا تعجبنى لكن قررت ألعبها.. لازم أحبها.

قدمت للسينما أدوارًا عديدة لمهن عديدة مثل الضابط والمحامى ورجل الأعمال وغيرها من المهن.. فما أكثر مهنة رأيت فيها محمود حميدة؟

- لو الممثل لا يرى نفسه فى الدور ما يلعبوش، لكن لو لم أكن ممثل كنت بقيت حاجات كثير وبطّلتها، أنا اشتغلت حاجات كثير جدًا وكلها كان بيتهيألى إن أنا هأحقق فيها رغم أننى عملت خطوات كبيرة فيها وبعد ذلك تخليت عن هذه الأشغال وفضلت ممثل.

مهن مثل ماذا؟

- تاجر مواشى، تاجر حبوب، صحيح تاجرت وكنت تاجر كبير وبطلت التجارة وأنا عندى 16 سنة.

■ 16 سنة كيف ومتى بدأت إذن؟

- وأنا عندى 3 سنوات أو 4 سنوات.

كيف تتاجر وأنت 3 سنوات؟! سوف أكتب ذلك؟

- اكتبى.. ثم أشار بيده على الحائط وقال: شايفة هذا الرجل؟

نعم.. هل هو جدك؟

- كان فلاح تاجر قطن كبير وكان قاضيًا عُرفيًا، شخصية مهيبة جدًا.. وكان مَثلى الأعلى، كنت أجلس بجواره وأنا عندى سنة بيتهيألى إنى راجل كبير مثله فى الديوان، كنت أرى حب الناس له.. قرايبى فى البلد كانوا يقولون لى جدك غنى، وأنا اعتقدت أن هذه الهيبة أتت له من المال، فقلت بس إذن الموضوع هنا.. فأبدأ أعمل نفسى بنفسى، هو أيضًا عمل نفسه بنفسه، كنت كطفل يرى جدّه.. هكذا توهمت أننى أيضًا رجل كبير وأعمل الأشياء التى يفعلها الكبار.

ما هى أول تجارة عملتها؟

- جبت بطة وشاركت عليها سيدة فلاحة قريبتنا، هذه هى أول تجارة وهذه البطة أصبحت عنزة بعد مُدة وكبرت التجارة وبدأت أتعلم شوية بشوية، مارست أشياء كثيرة فى تجارة المواشى، وبعدها دخلت فى تجارة الحبوب، دخلت تجارة الحبوب لأن كان لدينا جُرن كبير كانت الناس تيجى تعمل فيه المحاصيل الخاصة بها.. كان فيه عندنا محاصيل خارج التجارة العامة أشياء تابعة للأمن الغذائى ولازم تتورد للجمعية الزراعية، لكن الفلاح لم يكن يورد كل شىء للجمعية.. كانوا بيعملوا تلك المحاصيل فى الجُرن لدينا فكنت أشترى منهم وأبيعه أنا للتجار.

مقتنع بأن القوة فى المال فكنت تسعى وراءه بأى شكل؟

- نعم.. لكن بعد ذلك أبويا الله يرحمه هو الذى كرَّهنى فى المال، الحمد لله هو كان غير جدّى، كان وحيد لكنه مختلف عنه تمامًا لم تكن الفلوس تعنى له شىء.. جدى أدخله كلية الزراعة كى يزرع أرضنا.. لكنه راح اشتغل مدرس، المدرس حياخد كام فى النهاية 3 تعريفة، غير لو زرع الأرض كان حيكسب فلوس كثير، عمل والدى مدرس وترقى فى سلك التعليم لوظائف كبيرة، كان أهم شىء عنده إن الواحد يتعلم لأنه يرى إنه لو تعلم يستطيع أن تكون له حياة، ليس المال الأهم لديه.

كيف جعلك تأثرك بوالدك تكره النقود؟

- ضحك كثيرًا وقال: «هناك ظروف حياتية أخرى الانقلابات الحياتية تحدث هكذا، الخلاف الذى بينى وبين أبى حول ذلك الموضوع هو أنه لا يريد أن أكون مهتمًا بهذا الجانب رغم أنه شاهد نجاحات كثيرة، خلاص بقيت غنى لا أحتاجه فى أى شىء، بمقاييس ذلك الوقت فأنا لا أحتاج لشىء، لكنه يقول لأ أنت محتاج تتعلم، وكنت وقتها لا أشعر بأهمية التعليم رغم أننى كنت أتعلم».

تخرجت فى كلية التجارة؟

- نعم تخرجت فى كلية التجارة لكننى درست فى كلية الهندسة سبع سنوات قبلها، فترة الجامعة كانت فترة شبه تشتت كامل لا أعرف أين موقعى وأريد أن يكون لى موقع.

مَن الذى اختار لك كلية الهندسة؟

- اخترتها وأنا عندى ثمانى سنوات.

وفضلت فيها سبع سنوات وتركتها لماذا؟

- «فشلت.. اكتشفت إننا بنتربى على ألا نعرف كيف نختار.. اخترتها وأنا 8 سنين علشان كنت معجب بخالى الذى كان مهندس ميكانيكا شاطر، وفى الثانوية العامة كان مجموعى كبير يدخلنى كلية طب قصر العينى، لكننى دخلت هندسة عين شمس والتى كانت تأخذ وقتها من أقل من 70%، ورغم أننى كنت متفوقًا جدًا فى الطبيعة والرياضيات والميكانيكا، ومع ذلك لم أكمل دراسة الهندسة، وفى ذلك الوقت كنت أدرس رقص ومسرح فى منتخب الجامعة، أمارس هواياتى التى أحبها أهمها التمثيل».

يكمل: «ضمن الأشياء التى لها تأثير فى حياتى وأنا عندى 11 سنة كنت بألعب مسرحية لشيكسبير اسمها (تاجر البندقية) بلعب دور واحد يهودى اسمه «شايلوك» كان بطل المسرحية وأخذت جائزة أحسن ممثل فى مسابقات المدارس، كان رئيس اللجنة الأستاذ نبيل الألفى رحمه الله فقال لأبويا أنا عاوز الواد ده بعد ما يخلص ثانوية عامة.. ييجى لى على الأكاديمية وأنا حأخليه يدرس وبعد ذلك أبعته بعثة يكمل فى أمريكا.

لما أخذت الثانوية العامة أبويا قال مش حتروح المعهد؟ قلت له أنت عارف أننى عاوز الهندسة، وعندما فشلت فى الهندسة، قال لى أبويا روح المعهد لكننى قلت له لأ أنا حأجيب لك شهادة محترمة ودخلت كلية تجارة».

مَن تسمع من المطربين؟

- كلهم تقريبًا.. طبعًا فيه أصوات عندما تُسمع جيدًا فتمنح طاقة عظيمة جدًا مثل أم كلثوم، فتحية أحمد، محمد عبدالوهاب، محمد عبدالمطلب، محمد فوزى، صباح، ليلى مراد، شادية، أحلام، رجاء عبده، سعاد مكاوى، إسماعيل يس، كل هؤلاء جبارين.

هل قابلت أحد هؤلاء الذين ذكرتهم؟

- طبعًا..

هل قابلت شادية مثلاً؟

- لأ لم أقابل شادية كلمتها فى التليفون فقط، وعمرى ما شفتها.. شفت أم كلثوم وأنا عندى 8 سنوات أو تسعة.

قابلتها فى حفلة؟

- صحيح.. رُحت إليها فى البيت مع خالة أمى كانت صديقتها اسمها إقبال عاصم.

وأنت عمرك 8 سنوات كنت تسمع أم كلثوم؟

- طبعًا.. أنا كنت بأغنى وكنت بمثل مصر فى الغناء وأنا عندى 9 سنوات.. وقابلت صباح طبعًا، وليلى مراد قابلتها مرة بالصدفة فى الشارع.

لماذا عندما ذكرت صباح قلت طبعًا؟

- صباح طبعًا لأنها كانت صاحبتى جدًا من وقت ما اتعرّفت عليها.. صباح كانت تحب كل الناس.. صباح كانت كائن لا يحمل ضغينة لأى شخص فى الحياة.. من أجمل البشر الشحرورة.

هل تأثرت لوفاتها؟

- نعم تأثرت لكن تأثرى ليس فيه مرار الفقد.. لا يوجد عندى مرار الفقد لأى حد.

حتى لوالدتك رحمة الله عليها؟

- ليس لدى مرار الفقد لأى شخص.. لا أشعر بالمرار.. حزين آه.. لكن دون مرار «أبكى دون مرار».

كيف يرى محمود حميدة المرأة؟

- هى كل حاجة.. الكون أنحاء امرأة.. أنا ذكر من داخل رحم أنثى خرجت منه ورضعت منها وحبتها وتزوجتها وخلفت منها.

ماذا عن الحب فى حياة محمود حميدة؟

-  الحب تنفس.. شهيق وزفير.

تقرأ لمن؟

- اسمها بتقرأ إيه مش بتقرأ لمين ده كان زمان وأنا طفل صغير.

طيب ماذا تقرأ؟

- فلسفة وأدب وشعر وفيزياء ورياضيات، بس بطلت ميكانيكا.

لماذا أنتجت فيلم جمال عبدالناصر فى حين إنه اتعمل من قبل بطولة الراحل أحمد زكى (ناصر 56)؟

- «فيلم عبدالناصر من قبل (ناصر 56) بكثيرأصلاً، فيلم أنور القوادرى، أنور بن تحسين القوادرى وهو أكبر موزع سينما فى العالم العربى كله وأنور اتعلم سينما فى انجلترا هم أيضًا ناصريين يحبوا جمال عبدالناصر، فـ أنور كان يريد أن يعمل فيلم عن جمال عبدالناصر إنجليزى وبعد أن حضّر له هناك لم يكتمل، فقرر يعمله عربى، يجيب بطل مين؟ أحمد زكى يعمل الدور واتفق مع أحمد زكى اتفاقًا مبدئيًا واشتغلوا فترة، ثم ما حدث بعد ذلك أحمد زكى لسبب أو لآخر ترك الفيلم لا أعرف ما السبب تحديدًا».

يكمل: «وبعدها عمل فيلم (ناصر 56) مع محمد فاضل.. فـ أنور جاء لى وقال أريدك أن تعمل الفيلم وتنتجه، قلت له موافق.. فـ أنور يريد أن أقترب من الأبعاد الفيزيقية لعبدالناصر وأنا ضد هذه الحكاية، ضد إنى أقرب من الأبعاد الفيزيقية للشخصية التاريخية المعاينة؛ لأن هذا من وجهة نظرى لا يضيف أى شىء.. ما الداعى إنك تجعله نفس شكله، والسؤال هو: لو عملت عن شخصية تاريخية لم نرها قبل ذلك هل حيكون له أبعاد معينة؟ لأ ممكن يبقى تخين رفيع طويل قصير.. إذن لماذا لا تفعل ذلك فى الشخصية التى عايناها فيصبح عنصر دهشة مضاف لعنصر الدهشة الأصلى؟ ما عنصر الدهشة الأصلى فى مثل هذه الأفلام؟ إنى أقدم لحظات لم يرها السيد الجمهور وأفترضها ثم أطلق لخيالى العنان وأقول ما أريد.. مثل لحظة اتخاذ أنور السادات قرار الحرب لم يكن أحد معه وقتها، فهنا لى أن أنطلق وأعمل اللى أنا عاوزه وهذا يصبح عنصر دهشة مضاف.. والأشياء التى لم يرها الجمهور مثل علاقته بأسرته وأصحابه على سبيل المثال كل هذه العناصر تحدث دهشة فى الدراما المطروحة.. وبكده يظل فى التاريخ أما عكس ذلك لا يمكن أن يظل فى التاريخ».

يضيف: «أنور السادات لما فكروا يعملوا عنه فيلم عندما أخذ نوبل فى هوليوود، قال موافق لكن بشرط أريد ممثل معين هو الذى يلعب الدور، قالوا له من؟ طلب روبرت ريدفورد، عينه زرقاء وشعره ذهبى، هذا هو الصح السادات بيفهم، كده يعيش السادات إنما تجيب واحد شبهه يموت السادات.

فعندما طلب منّى أنور أن أقترب من الأبعاد الفيزيقية لعبدالناصر قلت له لأ ورفضت الدور ورشحت له خالد الصاوى.

ماذا عن الطفل الذى داخل محمود حميدة؟

- ضحك وقال: موجود ومضايقنى قوى.

ما الذى يصل أكثر إلى الناس السينما أمْ الدراما؟

- السينما أعلى أنواع فنون الخطاب دون منازع وهى أثقل صناعة فى التاريخ، غير أى صناعة أخرى.

 

صباح الخير المصرية في

06.11.2024

 
 
 
 
 

فلسطين في قلب الشام... أفلام تحيي زمن النضال

دمشق ــــ مروة جردي

عبر تاريخ الجرح الفلسطيني، شهدت الأرض انتفاضات وحركات احتجاج تتباعد أو تتقارب زمنياً بحسب الظروف الدولية واللوجستية لاستمرار الفعل العسكري المقاوم، وكان آخرها طوفان السّابع من تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي. لكن في خط موازٍ تماماً، كان هناك فعلُ رفضٍ آخر مستمر، لم يتوقف ولو مرةً واحدة منذ النكبة وربما قبلها، هو الفعل الثقافي بأشكاله المختلفة من عمليات التوثيق والدراسات وتقديم الأبحاث الأكاديمية إلى كتابة الأغاني والشعر والرواية، كما فعل الشهيد يحيى السّنوار عندما كتب روايته «شوك وقرنفل» في السجن. وهذا ما يجعل عروض فعالية «أيام فلسطين السينمائية الدولية» مهمة ضرورية أيضاً في مسيرة العمل المقاوم للقول «ما زلنا على قيد الحياة نقف ها هنا» كما جاء في افتتاحية العروض لعام 2024.

وفي هذا السّياق، يبدو بديهياً أن تكون دمشق إحدى محطات العرض لفعالية فنية تحتفي بالصوت الفلسطيني، وخصوصاً أنّ لسوريا التي تستضيف أكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني بحسب الأونروا، إسهاماً مهماً على صعيد الإنتاج الدرامي لأعمال تحمل مقولات القضية وقيم النضال ضد المستعمر والاحتلال الإسرائيلي، وصلت إلى حد إنتاج عمل متكامل وثّق «التغريبة الفلسطينية» وحمل اسمها. حول مشاركة حركة مدنية سورية مستقلة ضمن فعالية دولية لعرض أفلام سينمائية فلسطينية في ظل تجنب عدد من المؤسسات الثقافية والمدنية الحديث عن فلسطين خوفاً على مصالح وشروط تتعلق بالتمويل، تتحدث حنين الأحمد مديرة البرامج في حركة «البناء الوطني»، قائلةً: «ما فكرنا حتى! وجود اسم فلسطين في سوريا هو شيء بديهي وفلسطين بتخصنا كسوريين»، مشيرة إلى أهمية «التزام المؤسسات الثقافية والمدنية بالقضايا الإنسانية والمحقة وبإحياء الصوت الفلسطيني الذي يتعرض للتهميش».

وبالتزامن مع الذكرى السنوية لوعد بلفور المشؤوم، عرض الصالون الثقافي في حركة «البناء الوطني» في دمشق فيلم «المطلوبون الـ 18» للمخرجين الفلسطيني عامر شوملي والكندي بول كاون، الذي يستعيد قصصاً من الانتفاضة الفلسطينية الأولى من قرية بيت ساحور المحتلة. قدمها الفيلم بطريقة كوميدية تقرب القضية من جمهور يافع، لكنها في الوقت عينه، تنكأ جرحاً قديماً لدى جيل الآباء والأجداد، عندما يُطلق أبطال الفيلم في نهايته حسرة «يا ريت ما وقفت الانتفاضة» التي توقفت آنذاك بسبب توقيع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات اتفاقية أوسلو مع العدو، التي كانت «أول مسمار في نعش قضيتنا» كما همس أحد الحاضرين بتنهد عميق مع نهاية الفيلم.

وخلال استراحة للنقاش والتعارف على هامش الفعالية، فُتحت بوابة زمنية على 76 سنة من الحزن والقهر والقبض على الجمر بين الحضور، فكان من اللافت رؤية مراهقتين من أصول فلسطينية تحضران مع جدتهما الفعالية حرصاً على استمرار ارتباط الجيل الجديد بأصوله وجذوره التاريخية، والتي ربما التمسوا جزءاً منها خلال الحرب القائمة. ومع عرض الفيلم الثاني «11 يوماً في مايو» للمخرجين الفلسطيني محمد الصواف والبريطاني مايكل وينتربوتوم، الذي يروي حكاية أطفال في غزة كانوا ضحايا عدوان إسرائيلي أودى بحياة 261 فلسطينياً في القطاع المحاصر، تعود القضية بثقلها إلى التخييم على الصالون الثقافي وضيوفه، وتصبح أصوات البكاء بصمت في الظلام موسيقى خلفية لعرض الفيلم الأخير، الذي أثار أسئلة بين الصحافيين والعائلات والناشطين المدنيين السوريين والفلسطينيين حول أهمية استمرار المقاومة رغم الخسائر الكبيرة، حتى حفّز النقاش الذي دار مع نهاية الفعالية تنظيم عرض خاص في اليوم التالي لفيلم «لماذا المقاومة؟».

 

الأخبار اللبنانية في

06.11.2024

 
 
 
 
 

سينما المرأة في "الجونة"... لجوء وميراث وتحرش

أكثر من 30 فيلماً ناقشت أزمات النساء أبرزها

"تودا" و"السلام عليك يا ماريا" و"احكي لهم عنا"

نجلاء أبو النجا 

تستحوذ قضايا المرأة على نسبة عظمى من اهتمام صناع السينما لأن لها هموماً دائمة ومستمرة وملحة على مدار السنين، وهي الكائن المحرك لكل شيء في المجتمع ومع ذلك تعاني بطرق مختلفة.

لا تزال قضايا المرأة تحتل مقدمة اهتمام مهرجانات عالمية ومحلية، وتأتي في المقام الأول من حيث الجذب والتنوع والاستحواذ على الدعم والمتابعة.

وفي مهرجان الجونة هذا العام سيطرت قضايا المرأة على عدد كبير من الأفلام على رغم تنوع المائدة السينمائية بين الأعمال السياسية والإنسانية والدرامية لكن النساء استحوذن بمشكلاتهن وتفاصيلهن نصيب الأسد، وعرض نحو 30 فيلماً في مسابقات المهرجان المختلفة سواء الروائية الطويلة أو الوثائقية أو القصيرة عن هموم المرأة وأحلامها وطموحها في كل المجتمعات بمختلف البلدان والجنسيات.

إعلان

الجميع يحب "تودا"

جاء الفيلم المغربي "الجميع يحب تودا" بطولة نسرين الراضي وإخراج نبيل عيوش في مقدمة الأفلام التي تصدرت الحديث والاهتمام، وسبق وعرض الفيلم بمهرجان "كان" الماضي وهو المرشح للمشاركة في "الأوسكار" كاختيار رسمي من المغرب.

ويدور الفيلم حول تودا الفتاة التي تحلم بالغناء وتنتمي لقرية نائية صغيرة، وتتعرض البطلة لكل أنواع المعوقات التي تعيدها خطوات للوراء كلما تقدمت خطة، فهي امرأة مؤمنة بالفن وبالطموح وسط مجتمع يناهض تقدم النساء، ويتعامل مع المطربة أو عاشقة الفن بنوع من الاستباحة حيث تتعرض تودا للاغتصاب في بداية مشوارها، وتتصاعد الأحداث بمعاناة مستمرة مع المجتمع ومع ابنها الصغير التي تريده أن يتعلم وهو أبكم، وتحاول أن تحقق فيه حلمها وتلاشي عجزها لأنها أمية وتدفع ثمن عدم تعليمها.

تواصل تودا رحلتها وتقرر ترك بلدتها لتعيش في كازابلانكا وتبدأ طريق الغناء الحقيقي الذي يحقق طموحها لكن الابتذال والتدني والقهر يجبرونها دائماً على السقوط، ويلاحقها الرجال الذين يتعاملون مع المرأة كفريسة لا بد أن تدفع ثمن وجودها أو محاولة تحقيق حلمها، فتتخذ تودا القرار الذي يحفظ كرامتها كامرأة في مجتمع ذكوري يطارد النساء ويساومهن على أجسادهن.

وحقق الفيلم تأثيراً كبيراً نقدياً وجماهيرياً لأنه عبر عن مشوار ملغوم عانت منه نساء كثيرات في العالم بكل الجنسيات.

وقالت نسرين الراضي بطلة الفيلم لـ" اندبندنت عربية"، "إنها أحبت تودا وقصتها منذ أن عرضها عليها المخرج نبيل عيوش الذي يتميز بدعمه للمرأة والتعبير عن المهمشين وحقهم في أن يكون لهم مكان تحت الضوء، وفي حكاية تودا يعبر عن امرأة شعبية فقيرة لا تجيد القراءة والكتابة وتعيش في قرية نائية مع ابنها الأصم والأبكم، وتحلم أن تصبح يوماً ما إحدى "شيخات" (مطربات) فن العيطة، المستمد من التراث الشعبي المغربي، والذي يعتمد على الأداء الصوتي القوي ممزوجاً بالرقص والموسيقى، تبدأ رحلتها متنقلة بين الأعراس والحفلات الشعبية لتثبت موهبتها بإصرار تقابل طامعين في جسدها ومبتزين لا يكترثون لموهبتها ويتعاملون مع المرأة الطموحة كالفريسة أو الكائن الضعيف الذي لا بد أن يقبل مبدأ الابتزاز والتضحية بالجسد والكرامة حتى يصل لهدفه".

وأشارت نسرين أن "قضايا المرأة بالفعل تستحوذ على نسبة عظمى من اهتمام صناع السينما لأن لها هموماً دائمة ومستمرة وملحة على مدار السنين، وهي الكائن المحرك لكل شيء في المجتمع ومع ذلك تعاني بطرق مختلفة".

وحول إجادتها للغناء والرقص الشعبي قالت الراضي، إنها "قابلت شيخات حقيقيات قبل التصوير وتدربت على يد أكثر من شيخة، وأكدت أنها أحبت هذه المهنة جداً بخاصة أن الشيخات وهو اللقب الذي يطلق على المؤديات المخضرمات لفن العيطة لهن دور سياسي كبير أثناء الاحتلال ومنهن نماذج وطنية شديدة التأثير في المجتمع، كما أنهن يتمتعن بموهبة وحضور وكرامة على مر الزمان".

ميراث المرأة

وعن الميراث وحقوق المرأة الشرعية دارت أحداث الفيلم الفلسطيني "شكراً لأنك تحلم معنا"، والعمل من تأليف وإخراج ليلى عباس، ومن بطولة ياسمين المصري وكلارا خوري وكامل الباشا وأشرف برهوم.

والقصة تدور حول الشقيقتين مريم ونورا اللتين توفيَّ والدهما تاركاً إرثاً كبيراً من المال، فتخطط الشقيقتان للاستحواذ على الميراث قبل أن يعلم أخوهما بوفاة الأب لأنه شرعاً وقانوناً سيرث نصف التركة، وهو ما ترى فيه الأختان ظلماً لهما.

أما فيلم "السلام عليكِ يا ماريا" وهو إنتاج إسباني يدور حول مشكلات الأمومة بخاصة ما بعد الولادة وبطلته هي  ماريا الكاتبة الصاعدة التي دخلت حديثاً عالم الأمومة، وتشعر برهبة وخوف وارتباك من هذه المرحلة الجديدة عليها وتدخل في نوبة اكتئاب عندما تصطدم بحادث تقرأ عنه في الصحف عن امرأة فرنسية تُغرِق توأمها ذوا الـ10 أشهر في حوض الاستحمام، تشعر ماريا بالرعب ويطاردها الخبر ويتحول إلى هوس في حياتها ولا تستطيع نسيان الأمر بل تحاول أن تبحث عن أسباب وصول الأم الفرنسية لهذه المرحلة المأساوية.

معاناة اللاجئات

وعن اللاجئات العربيات إلى أوروبا يدور الفيلم الأردني الوثائقي "احكي لهم عنا" حيث يعرض على مدار ما يقرب من ساعة ونصف الساعة رحلة 4 سنوات من حياة لاجئات عربيات صغيرات السن وصلن لألمانيا مع عائلتهن، ويستعرض الفيلم مشكلاتهن وتحولاتهن لسن المراهقة ومحاولات تحقيق الطموح وسط الغربة والذكريات السيئة من صراعات الحروب التي تحفر ذاكرتهن.

ويتصاعد الصراع عندما تحاول الفتيات إيجاد مكان في عالم مغاير ومجتمع لا يرحب بهن وينظر للاجئين كأنهم كائنات أدنى وخطر يهدد المجتمع الأوروبي، بخاصة إذا كانت الفتيات محجبات، وهذا يرمز لتعصب ديني وعنصري من وجهة نظر بعض المجتمعات الغربية.

وقالت المخرجة رند بيروتي بعد عرض الفيلم عربياً للمرة الأول في مهرجان الجونة السينمائي، إنها فكرت في الفيلم عندما كانت بمرحلة الدراسات العليا في ألمانيا وحاولت التواصل مع مركز لمساعدة اللاجئات العرب، وتعرفت إلى بطلات الفيلم اللاتي كن يتدربن في المركز وشاركتهن في ورش تدريب على المسرح والموسيقى والرسم، وكان المشروع في بدايته يتمحور حول أنشطة الفتيات في المركز لكنها بعد الاختلاط بهن قررت أن يكون الموضوع أوسع لأن هناك تفاصيل إنسانية واجتماعية كثيرة جداً تصلح للدراما والسينما".

تتابع، "اقتربت من الفتيات وعائلتهن وتعرفت إلى أحلامهن ومشكلاتهن، وقررت أن يستعرض العمل آمال وأحلام وطموحات وصعوبات الحياة التي تواجه اللاجئات في مرحلة الاغتراب عن الأوطان وكيف يتغلبن على عنصرية المجتمع الغربي".

وأضافت أنها "فكرت بداية في عمل فيلم توثيقي عن أنشطة الفتيات والمركز، لكن بعد أن اختلطت بهن ودخلت بيوتهن وتعرفت إلى عائلاتهن قررت أن هناك الكثير مما يستحق الحكي عنه وعن أحوالهن وأحلامهن".

وأوضحت أن "علاقتها بالفتيات توطدت على مدى سنوات صناعة الفيلم ولم تعرضه إلا بعد أن شاهدن النسخة النهائية وأعجبتهن، وكانت تتمنى أن يأتين لرؤية رد فعل الجمهور لكن تعذر حصولهن على تأشيرات سفر".

مغادرة النجومية

وعن معاناة المرأة عندما تكون نجمة سينمائية وترحل نجوميتها وهي تغادر مرحلة الشباب يدور فيلم "المادة" بطولة النجمة العالمية ديمي مور، والفيلم للمخرج كورالي فرجاه، وحصل على جائزة أفضل سيناريو في مهرجان "كان" السينمائي.

وأشاد الجميع بأداء ديمي مور التي عبرت عن مشاعر متداخلة تقهر المرأة عندما يقل شبابها وتترنح نجوميتها، وتلعب ديمي دور نجمة سينمائية تدعى اليزابيث سباركل تغيب عنها الأضواء ومحبة الجمهور وتسقط من ذاكرة معجبيها كلما زاد سنها، فتحاول أن تستخدم حلاً سحرياً عن طريق عقار يباع في السوق السوداء يعيد الشخص إلى شبابه لمدة أسبوع فقط ثم يعود بعدها لسنه الحقيقية.

وتتصاعد الأحداث عندما تمر اليزابيث بتعقيدات ومفاجآت كارثية وتظهر لها نسخة أخرى اسمها "سو". وعبر الفيلم بشكل عام عن أزمات المرأة والتقدم في العمر وفقدان الشباب وآثار عدم تقبل المراحل العمرية المختلفة.

قضايا المراهقات

وعن المراهقات ومشكلاتهن دار أكثر من عمل ومنها فيلم "الفتيات سيبقين فتيات" من إخراج شوتشي تالاتي، والعمل من إنتاج الهند، ويدور في مدرسة داخلية صارمة تقع في جبال الهيمالايا، حول "ميرا" الفتاة المراهقة الرومانسية، وتعاني الفتاة من أمها التي تعيق صحوتها الجنسية المتمردة.

ويدور فيلم "سام" عن المراهقات أيضاً، وبطلتاه فتاتان تحلمان بالهرب من كآبة بلدتهما، فيدرسا في مدرسة محلية لتعليم عرض الأزياء، وتربطهما علاقة قوية، وفي رحلة تحقيق الحلم من أجل حياة أفضل يتعرضان هما وغيرهن لصدمات قاسية بسبب انتهاك أجسادهن بطرق شديدة التطرف.

ويدور فيلم "طائر" الذي شارك في المسابقة الرسمية في مهرجان "كان"، عن طفلة تدعى بايلي، عمرها 12 سنة، تعيش مع والدها الأعزب وشقيقها في منزل صغير.

وتعاني من انشغال والدها عنها وهي في مرحلة حرجة وهي البلوغ، فتحاول تعويض هذا الإهمال بطرق مختلفة لجذب الانتباه وتعويض النقص التي تعيشه بأسرتها.

ومن الأفلام التي عبرت عن قضايا مختلفة للمرأة فيلم "أضواء صغيرة" وناقش قضية الانفصال الزوجي وكيف تؤثر في حياة المرأة والأبناء.

وتناولت أفلام أخرى قضايا متعددة مثل "حين تسمع صرصور الليل يحين دورك" وطرح تأثير الارتباط الخاطئ في حياة المرأة، و"عن السقوط" الذي ناقش قصة فتاة تحاول الاندماج في مجتمع غريب وتعاني من الخوف الاجتماعي.

 وناقش فيلم "نحن في الداخل" علاقة فتاة بأبيها الطاعن في السن وإحساسها بضرورة تداخل العوالم بينهما.

صحافية @nojaaaaa

 

الـ The Independent  في

06.11.2024

 
 
 
 
 

"آخر المعجزات" يعيد سجال السينما المصرية وعيون الرقيب

متخصصون يلقون باللوم على تعدد الجهات الرقابية والمبالغة في الرعب من حملات السوشيال ميديا

حميدة أبو هميلة 

بعد استبعاد فيلم "آخر المعجزات" من العرض في افتتاح مهرجان الجونة خلال اللحظات الأخيرة، ثارت تساؤلات بين متابعي السينما في مصر تخص طبيعة عمل جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، وهل يتخذ قرارات استباقية دون أسانيد خوفاً من الغضب المجتمعي على السوشيال ميديا أو تفادياً لغضب مؤسسات دينية أو أمنية؟

انتهت فعاليات الدورة السابعة من مهرجان الجونة السينمائي، لكن الجدل الذي صاحب انطلاق أنشطته في الـ14 من شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تمدد إلى نقاش أكثر عمقاً، عندما منعت إدارة المهرجان عرض فيلم "آخر المعجزات" في حفل الافتتاح قبيل ساعات من موعده.

وفيما انهالت على المهرجان انتقادات بسبب ما عُدَّ استسلاماً للرقيب، عاب البعض ما سموه "تهاوناً" من قطاع الصناع والمبدعين، ورأوا أنهم كان بإمكانهم أن يشكلوا حراكاً فنياً أو حتى افتراضياً يواجه "التعنت الرقابي" ضد فيلم قصير مأخوذ بالأساس عن قصة شهيرة لنجيب محفوظ بعنوان "معجزة" ضمن مجموعة "خمارة القط الأسود" صدرت في نهاية ستينيات القرن الماضي.

وعلى رغم أن هناك فارقاً بين الشريط السينمائي وما أبدعه أديب نوبل، لكن التطور المجتمعي والانفتاح الفني كان من المفترض أن يضمن رحابة أكبر في التعامل مع موضوعات الأفلام، وذلك وفقاً لمئات التعليقات من المهتمين والمتخصصين ومن شاهدوا العمل على قرار استبعاد الفيلم، فيما لم يعلق أي من مسؤولي مهرجان الجونة حتى الآن على كواليس وتوابع هذا الموقف، وكذلك جهاز الرقابة.

وعلى رغم عدم صدور تصريح رسمي يؤكد أن منع الفيلم جاء بقرار رقابي فإن عدم رد أي من الأطراف على ما يتداول جعل الأمر واقعاً، كما أن النقاش القديم الجديد في شأن العلاقة بين المنتج الإبداعي السينمائي على وجه التحديد والجهاز الإداري المتمثل في الرقابة على المصنفات الفنية التابع للمجلس الأعلى للثقافة، بات أكثر تشعباً، مع صراعات المسؤولين أنفسهم بين واجبهم في تنفيذ القانون وروحه والالتزام بلوائحه.

أما النقطة الأكثر إثارة للجدل فهي مدى تأثير الخوف من الردع المجتمعي والغضب الجماعي على هذه القرارات، فعلى رغم تعدد أفكار المتلقين واختلاف مستويات تحررهم، وعلى رغم التطور والانفتاح الثقافي يبدو الغاضبون والداعون إلى المنع والإيقاف هم الأعلى صوتاً، وهم كتلة قد يكون من الصعب تجاهلها.

لوائح فضفاضة

وفقاً للائحة التنفيذية لتنظيم أعمال الرقابة على المصنفات السمعية والبصرية الصادرة عام 1993 والمستندة للدستور ولقانون حماية المؤلف عام 1954 وقرارات وزارة الإرشاد القومي 1955، فإن "الأعمال التي لا يجوز منحها ترخيصاً بالتصوير أو العرض هي التي تدعو للإلحاد أو تنال من الأديان السماوية أو تشجع على الرذيلة والمخدرات أو تعرض الجرائم بطريقة تشجع عليها، أو تتضمن مشاهد خادشة وعبارات بذيئة".

بعض من تلك النقاط تبدو فضفاضة وبخاصة مع قراءة التفسيرات القانونية التفصيلية لها، من ثمَّ قد تتيح اتخاذ قرارات وفقاً لموقف الرقيب ورؤيته للعمل التي قد تحمل شيئاً من المبالغة، أي المنع الاستباقي تحسباً لوقوع أية أزمة.

مع منع عرض فيلم "آخر المعجزات" بدا المشهد مربكاً، فكثير من المهتمين بالسينما تذكروا موقف المبدعين قبل نحو ثلاثة عقود عندما كانوا يداً واحدة في المحكمة لمؤازرة المخرج المصري يوسف شاهين بعد قرار منع عرض فيلم "المهاجر" بحجة أنه يحاكي قصة النبي يوسف، وبالفعل حُكم لمصلحة العمل على رغم طول مدة التقاضي.

أما اليوم فتبدو الصورة مختلفة تماماً ولم يصدر حتى بيان واحد من جهة أو مجموعة سينمائيين للتعبير عن الموقف إزاء ما حدث مع المخرج عبدالوهاب شوقي، واقتصر الأمر على تدوينات متفرقة تندد بما حدث، حتى المخرج نفسه الذي كان يستعد للاحتفاء بأول أعماله اكتفي بتدوينة طويلة حكى فيه قصة خروج الفيلم إلى النور ولم يتطور الأمر إلى مخاطبات أو مناشدات أو مؤتمر فني لمناقشة الوضع.

الرقابة تساند الإبداع أيضاً

من جهتها، تقول الناقدة الفنية ماجدة موريس إنها لمست اهتماماً من صناع السينما بإعلان تضامنهم مع مخرج الفيلم الممنوع، وكان خطابهم عبر السوشيال ميديا حاداً ورافضاً لما يجري وواجهوا من خلاله المسؤولين الرقابيين بأسئلة لم يتلقوا لها إجابة، وتتابع "من غير المنصف أن نقول إن هناك تجاهلاً من جانبهم لكن مع ذلك وبما أنني عاصرت كثيراً من القضايا المماثلة على مدى عقود، فقد كانت هناك طرق أخرى للتعبير يلجأ إليها السينمائيون كما أن الرقابة نفسها كانت خلال وقت سابق أكثر انفتاحاً، فرقيب مثل الدكتور مدكور ثابت كان يواجه بنفسه البنود التي تكبل العمل الإبداعي وحينما كان يجد رفضاً من المؤسسات الدينية لعمل ما مثلما حدث عل سبيل المثال في أزمة "بحب السيما" 2004، إذ اعترضت الكنيسة على صورة العائلة المسيحية أجرى حواراً مجتمعياً فعالاً ونقاشات علنية مع المعترضين والمبدعين وشاركت أنا في عدد منها، والنتيجة انتصر الإبداع وتيقن الجميع أن الفيلم يعرض حالة إنسانية لا تسيء لأي طرف".

المعروف أن مدكور ثابت رئيس الرقابة على المصنفات الفنية وقتها تشبث بموقفه على رغم مواجهته وفريق العمل دعاوى قضائية تطالب بإيقاف العرض، إذ مثل أمام نيابة محكمة استئناف القاهرة ليدلي بأقواله حول الفيلم وكذلك بطلته ليلى علوي، فيما قال منتجه هاني جرجس فوزي حينها إن الحملة الهجومية ما هي إلا ابتزاز فكري وديني يرفض الرضوخ له.

بالعودة للناقدة ماجدة موريس فهي تصف ما يحدث حالياً بأنه يشبه المجاملة للمجتمع أو للصوت الأكثر تطرفاً في المجتمع، مستشهدة بوجود قطاعات كبيرة منفتحة وتتفهم جيداً أن الحديث عن الشخصيات الفاسدة لا يعني وصم فئة معينة بالفساد، وطالبت بضرورة "إنهاء هذا الرعب الاستباقي من بعض القطاعات التي قد لا تعبر بالضرورة عن الغالبية".

وتشير إلى أنها تقدر تماماً المسؤولية التي تحملها الرقابة للمساعدة في تقليل مساحات الاستفزاز والضغوط، وبخاصة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب، لكنها مع ذلك تنبه إلى أن هناك ما يشبه التوجه العام لإبراز عدم الترحيب بالفنون والسينما، والنتيجة هي تضاؤل ملحوظ في عدد الأفلام القيمة والعميقة وذات الأفكار الفلسفية والجدلية، مشددة على ضرورة وضع حد لهذا المناخ السلبي من طريق حلقات نقاشية أو إعادة إحياء مجلس شورى النقاد الذي كان معمولاً به في ما قبل، لمناقشة الأعمال التي يثار حولها جدل من جانب ذوي التخصص والخبرة للوصول إلى أفضل حل دون صدامات مع أي طرف.

 رقابة المهرجانات

مهرجان الجونة كان واجه انتقاداً من البعض قبل نحو ثلاثة أعوام عقب عرض فيلم "ريش" للمخرج عمر زهيري الذي تطرق للأوضاع الاقتصادية الضاغطة التي تعانيها أسرة في أقصى صعيد مصر ووصفه فنانون بأنه يسيء لسمعة البلاد، وعلى رغم أن الفيلم كان احتُفي به قبل تلك الواقعة بأشهر عدة حينما حصل على الجائزة الكبرى في مسابقة النقاد بمهرجان كان السينمائي في دورته الـ74 عام 2021، فإن الأمر انقلب تماماً عندما عرض في مهرجان الجونة الذي احتجب بعدها لمدة عام قبل أن يستأنف نشاطه عام 2023.

أما فيلم "آخر المعجزات" فهو يتماس مع قضايا متأزمة في المجتمع، إذ يقدم تجربة سردية بصرية فلسفية يختلط فيها السخط الوظيفي بعالم التصوف والمشروبات الروحية، ولم تخل مشاهده من العنف والدماء كذلك، فيما تحضر جبانات القاهرة التاريخية بقوة في عدد من اللقطات التي تضيء على شخصية البطل، هذه التوليفة رفعت سقف الاجتهادات حول سبب المنع في ظل عدم وجود تصريح رسمي، حول فيلم مدته 19 دقيقة كان سيعرض لجمهور نوعي بعيد من العاصمة بأكثر من 400 كيلومتر، فما مدى خضوع الأفلام التي تعرض في المهرجانات للوائح الرقابة المعتادة؟

يشير أحد المتخصصين الذي كان له باع كبير في تنظيم عروض سينمائية ضمن أنشطة النوادي والجمعيات المتخصصة إلى أن العادة جرت بأن أفلاماً معينة تخضع لعين الرقيب، لكن الأمر يختلف إذا كان العمل محلياً أو عالمياً، كما أن السقف بالنسبة إلى أفلام المهرجانات يكون أعلى بكثير مقارنة بالنسخ التي تعرض جماهيرياً، إضافة إلى أن بعض الأعمال التي تتضمن مشاهد جريئة قد تعرض فقط لفئة محددة في المهرجانات، إذ قد تتضمن قدراً غير مسبوق من الجرأة سواء سياسياً أو دينياً أو في ما يتعلق بالمشاهد الحميمية مقارنة بنظيرتها التي تجد طريقها للعرض الجماهيري.

ويعتقد المصدر أن صدمة المهتمين بالسينما في ما يتعلق بمنع الفيلم ربما جاءت من هذا المنطلق، مؤكداً أن مهرجانات السينما شهدت عروضاً لأفلام عالمية كثيرة تفوق في جرأتها ما يعرض اليوم، مشدداً على أن الرقابة طوال الوقت حاضرة لكنها تفرق بين العرض العام والعرض لفئة متخصصة محدودة، مشدداً على أن الجهة الوحيدة التي لم تكن تراقب أعمالها في مصر هي نوادي السينما لكن حتى هذه استُحدثت قرارات برقابتها منذ أعوام عدة.

القلق من "التأديب"

على الجهة الأخرى يقول موظف يعمل في جهاز الرقابة على المصنفات الفنية فضل عدم الكشف عن هويته، إن الحكم على العمل سواء في مرحلة السيناريو أو التصوير وما بعد التصوير يستند إلى لوائح وقوانين محددة لكن لا أحد يمكن أن ينحي خلفية الرقيب الثقافية جانباً، من ثمَّ قد تتأثر قراراته وفقاً لقناعاته كما أن هناك خوفاً حقيقياً من التلقي المجتمعي في ما يتعلق بعمل الرقابة وبخاصة في ظل الحملات التي تفرزها مواقع التواصل، ومهما كان هناك ادعاء بعدم الالتفات إليها إلا أنها تؤثر بصورة أو بأخرى.

ويتابع "هناك كثر من الرقباء يفضلون السلامة خوفاً من التوبيخ ويأخذون العبرة من تعرض زملائهم للتحقيق والتأديب الإداري في حوادث سابقة، وهو مبدأ قد يسود في مختلف الأقسام سواء سينما وتلفزيون أو تسجيلات صوتية أو مسرحيات وإعلانات وتفتيش فني"، وفي ما يتعلق بمدى تأثير قرار التصنيف العمري على عمل الرقابة يشير الموظف إلى أنه لا يتعدى كونه وسيلة لتصنيف الأعمال وفقاً لبند الآداب العامة، فهناك ما يصلح للمشاهدة العائلية وأخرى تتضمن ألفاظاً غير ملائمة فتصنف للكبار، لكن في ما يتعلق بالقضايا الكبرى سواء كانت سياسية أو دينية أو لو كان يتضمن العمل مشاهد جريئة فالأمر مختلف تماماً.

مواقف متناقضة

تاريخ صراع الرقابة والمبدعين عادة في مصر طويل وبه فصول عدة وقد يكون من أحدثها أيضاً المصير الغامض لفيلم "الملحد" الذي وفقاً لمنتجه أحمد السبكي حصل على جميع التراخيص، وعلى رغم ذلك لم يعرض، فيما قال مخرجه ماندو العدل إن السبب يعود بصورة مباشرة لموقف الرقابة وفقاً لمنشور له عبر "فيسبوك"، على رغم أنه من المعروف أن الفيلم التزم الملاحظات التي أبدتها المؤسسة الدينية وأضاف بعض المشاهد بالفعل وأرفقت الرقابة قرارها الإيجابي نحوه بعبارة "الفيلم لا يشوه الدين الإسلامي قط، بل يكشف الحجاب عن بعض الذين يفسرون الإسلام على أهوائهم"، قبل أن يتم إبلاغ صناعه بصورة مفاجئة بالتراجع عن العرض دون إبداء تفاصيل.

والملاحظ أن فيلم "الملحد" يواجه بغضب جماهيري واتهام بأنه يدعو إلى الإلحاد على رغم أن صناعه يؤكدون أن العكس هو الصحيح، وربما يعود سبب الحملة السلبية لموقف البعض من مؤلفه إبراهيم عيسى وهو الكاتب الذي عادة ما تواجه أعماله بهجوم، وبخاصة تلك التي تتطرق لقضايا دينية مجتمعية سبق وأن اصطدمت ببعض الأفكار التي وجدها قطاع من المشاهدين صادمة وبينها "مولانا والضيف وصاحب المقام".

ويعلق الموظف بجهاز الرقابة والذي مثل باقي زملائه تخرج في أكاديمية الفنون بأنهم يحملون تقديراً كبيراً للعمل الإبداعي، لكن الالتزام بالقانون أمر لا تهاون فيه إذ تتم قراءة العمل من قبل ثلاثة رقباء وفي حال كان هناك ما يستدعي التعديل يتم إبداء الرأي بذلك والتصريح بالتصوير، وبعدها عند المشاهدة يمكن إبداء ملاحظات مجدداً وإذا تم الالتزام بها في النسخة النهائية يكتبون توصية بأنه لا يوجد ما يمنع العرض، ومع ذلك وفقاً للموظفين أيضاً فإن العمل قد لا يحصل على الترخيص النهائي لأسباب لا تخصهم بالمرة إذا ما كان يتناول قضية حساسة، إذ تكرر هذا الموقف أخيراً أكثر من مرة.

هل تراجعت مساحات التسامح؟

على رغم الصراعات مع الجهات الرقابية المتعددة في البلاد والتي عادة ما ترتبط بصورة أو بأخرى بمؤسسات دينية وأمنية إضافة إلى الجهات الثقافية المعتادة، فإنه في كل مرة كان يعثر على طريقة للتعايش والقفز على المحاذير لتخفيف مساحات المنع، كما أن السينما المصرية نجحت نهاية ثلاثينيات القرن الماضي في أن تقدم فيلماً روائياً طويلاً مدته ساعة ونصف الساعة بعنوان "حياة وآلام السيد المسيح" ظهرت فيه شخصية النبي عيسى والسيدة مريم، إذ شارك في بطولته أحمد علام وعزيزة حلمي وتوفيق الدقن، وأشرف على المادة التاريخية بالعمل عميد الأدب العربي طه حسين فيما تبدو أفكار مثل هذه في العصر الحالي شبه مستحيلة وفقاً لتجارب السينمائيين ومحاولاتهم التي باءت بالفشل في هذا الصدد.

وفي حين يعتقد البعض أن السبب يعود للخوف من الجمهور، فالمتخصصون يرون أن صوت الجمهور قد لا يكون دقيقاً في أوقات كثيرة وبخاصة أنه يعتمد على تصورات مسبقة وليس على المشاهدة الحقيقية، فهل الخوف من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن يكون محركاً لبعض متخذي القرار، خصوصاً أن أسباب المنع يمكن أن تستند بسهولة إلى بنود فضفاضة مثل السلم المجتمعي والآداب العامة والمقدسات الدينية، أم أن الرقباء يتجردون تماماً من أية تأثيرات من هذه الناحية.

وتشير الناقدة ماجدة موريس إلى أن "المجتمع يمكن أن يكون رقيباً واعياً من طريق قادة رأيه الذين ينخرطون في حوارات بناءة حول القضايا الخلافية، لكن هذا لا يحدث حالياً في رأيها مذكرة بمجد السينما المصرية الذي حدث بسبب الانفتاح في النقاش، فيما وضع السينما الآن في أتعس حالاته فهناك حال من الخوف المبالغ فيه تحرك بعض القرارات المتعلقة بالفنون".

معارك رقابية

المعارك الشهيرة مع الرقابة تضمنت أيضاً أزمات مع الكنيسة في أفلام شهيرة حصلت على إشادات نقدية وحصدت جوائز وبينها "بحب السيما" و"لا مؤاخذة" و"واحد صفر"، كما أن القائمة تضم أفلاماً ذات محتوى سياسي بحت مثل "البريء" 1986 الذي منع لمدة 20 عاماً تقريباً، و"زائر الفجر" 1973 الذي تناول الفساد السياسي في الأجهزة الأمنية ودخل مخرجه ممدوح شكري في نوبة اكتئاب انتهت بوفاته حزناً على إيقاف عرضه، هناك كذلك أعمال تتماس مع قضايا مجتمعية وسياسية مثل "باب الحديد" و"العصفور" و"الكرنك" و"ثرثرة فوق النيل" وغيرها، فيما يعد "شيء من الخوف" 1969 من أشهر الأعمال التي واجهت تعنتاً رقابياً، إذ تردد أن مؤلفه ثروت أباظة كان يقصد بشخصية عتريس المتجبرة والمتسلطة والمكروهة إسقاطاً مباشراً على شخصية الرئيس جمال عبدالناصر وقتها، لكن بعد هذا اللغط سمح عبدالناصر نفسه بعرض العمل بعد أن شاهده في نسخة خاصة، فيما من أبرز الأعمال الحديثة نسبياً التي واجهت أزمات بسبب محتواها الذي يتماس مع الآداب العامة "حلاوة روح" 2014 و"هاني" 2024، وقبل عقود كانت هناك صولات وجولات مع أعمال مثل "حمام الملاطيلي"، و"خمسة باب".

 

الـ The Independent  في

07.11.2024

 
 
 
 
 

«رفعت عيني للسما» يبدأ رحلته التجارية بدور العرض المصرية

بعد فوزه بـ«نجمة الجونة» و«العين الذهبية» في «كان»

القاهرةانتصار دردير

بعد تتويجه بجائزة «العين الذهبية» في مهرجان كان السينمائي، وفوزه أخيراً بجائزة «نجمة الجونة» لأفضل فيلم وثائقي «مناصفة»، وحصول مخرجيه ندى رياض وأيمن الأمير على جائزة مجلة «فارايتي» الأميركية لأفضل موهبة عربية، ومشاركته في مهرجانات دولية من بينها «شيكاغو» الأميركي، بدأ الفيلم الوثائقي المصري «رفعت عيني للسما» المعنون بالإنجليزية «The Brink Of Dreams» رحلته في دور العرض بمصر، حيث يعرض في 20 من دور العرض بالقاهرة والإسكندرية والأقصر وبنها والجونة بالبحر الأحمر، في واقعة غير مسبوقة لفيلم وثائقي، ويعد الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين مصر وفرنسا والدنمارك والسعودية وقطر.

يتتبع الفيلم رحلة مجموعة من الفتيات بقرية «برشا» في صعيد مصر لتأسيس فرقة مسرحية وعرض مسرحياتهن في شوارع القرية لطرح قضايا تؤرقهن، مثل الزواج المبكر والعنف الأسري وتعليم الفتيات، ويواجهن رفض مجتمعهن، بل ويصفهن البعض بالخروج عن الأدب، ويتعرضن لمضايقات من رواد العروض الذين يسخرون منهن.

يعرض الفيلم الذي جرى تصويره على مدى 4 سنوات لوقائع حقيقية، وتنتقل الكاميرات بين الشوارع والبيوت الفقيرة التي يعشن فيها، وأسطح المنازل اللاتي يقمن بعقد اجتماعات الفرقة بها، والتدريب على العروض التي تتسم بالجرأة وتنتقد المجتمع الصعيدي في تعامله مع المرأة، وحاز الفيلم إشادات نقدية واسعة من نقاد عرب وأجانب.

وتصدر الملصق الدعائي للفيلم صور بطلات الفرقة «ماجدة مسعود، وهايدي سامح، ومونيكا يوسف، ومارينا سمير، ومريم نصار، وليديا نصر مؤسسة الفرقة»، وهن صاحبات هذه المبادرة اللاتي بدأنها قبل 10 سنوات، ولفت نشاطهن نظر المخرجين ندى رياض وأيمن الأمير، فقررا توثيق رحلتهن بعدما لاحظا إصراراً من البنات على مواصلة عروضهن.

وحول عرض الفيلم في هذا العدد الكبير من دور العرض ومدى ما يعكسه ذلك كونه فيلماً وثائقياً يقول المخرج أيمن الأمير لـ«الشرق الأوسط»: «الفيلم يحكي قصة وينقل مشاعر، ويعبر عن شخصيات بغض النظر عن نوعه، وهناك جمهور أحبه وتأثر وهو يشاهده، والتقينا به في عروض حضرتها البنات بطلات الفيلم، وقد التف الجمهور يتحدث معهن ويطمئن على أخبارهن، وهذا بالنسبة لي النجاح، وأن تتصدر بنات من الصعيد بطولة فيلم ويعرض فيلمهن بجوار أفلام لنجوم معروفة؛ فهذا بالنسبة لي هو النجاح بعينه».

وقد تغيرت أحوال بطلاته وبدأن بشق طريقهن الفني، فقد جاءت ماجدة وهايدي إلى القاهرة؛ الأولى لدراسة التمثيل، والثانية لدراسة الرقص المعاصر، فيما طرحت مونيكا 3 أغنيات على مواقع الأغاني المعروفة، من بينها أغنيتها التي تؤديها بالفيلم «سيبوا الهوى لصحابه».

تقول ماجدة لـ«الشرق الأوسط»: «الأوضاع تغيرت تماماً، قبل ذلك كان الناس في قريتنا يرفضون ما قمنا به وكانوا يقولون (عيب أن تتكلموا في قضايا النساء)، ويتهموننا بتحريض البنات على عدم الزواج، لكن بعد الفيلم اختلفت الصورة تماماً، وأقام أخي بعد عودتنا من (كان) احتفالاً كبيراً، والقرية كلها أقامت احتفالاً لاستقبالنا عند عودتنا، وبدأت الأسر ترسل بناتها للانضمام للفرقة، لقد كان الفيلم أكبر حدث تحقق لنا، وقدمنا عروضاً بالشارع خلال مهرجان (كان)، وكانت مصحوبة بترجمة فرنسية، وفوجئنا بالفرنسيات ينضممن لنا ويصفقن معنا».

وتضيف ماجدة أنه «قبل الفيلم كنا نكتفي بالتمثيل في شوارع القرية وما حولها وما زلنا نواصل ذلك، لكن الآن أصبح لدينا أمل، ليس فقط في مناقشة قضايانا، بل لأن نشق طريقنا في الفن، وقد بدأت منذ عام دراسة المسرح الاجتماعي في (الجيزويت) لأنني أتمنى أن أكون ممثلة في السينما والمسرح».

لكن هايدي التي انضمت للفرقة عام 2016 وجدت تشجيعاً من والدها في الواقع مثلما ظهر بالفيلم يشجعها ويدفعها للاستمرار والتعلم والدراسة، وقد شعرت بالحزن لوفاته عقب تصوير الفيلم، كما شجعتها أيضاً والدتها دميانة نصار بطلة فيلم «ريش»، كانت هايدي تحلم بدراسة الباليه، لكن لأن عمرها 22 عاماً فقد أصبح من الصعب تعلمه، وقد جاءت للقاهرة لتعلم الرقص المعاصر وتتمنى أن تجمع بين الرقص والتمثيل، مؤكدة أن الموهبة ليست كافية ولا بد من اكتساب الخبرة.

وتلفت هايدي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «تكاليف الورش التي يتعلمن بها كبيرة وفوق قدراتهن، آملة الحصول على منحة للدراسة لاستكمال طريقهن».

ووفقاً للناقد خالد محمود، فإن الفيلم يعد تجربة مهمة لخصوصية قصته وما يطرحه؛ كونه يخترق منطقة في صعيد مصر ويناقش فكرة كيف يتحرر الإنسان ويدافع عن أحلامه، أياً كانت ظروف المجتمع حوله، قائلاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أتمنى أن يكون الشق التوثيقي للفيلم أفضل من ذلك وأن يحمل رؤية فنية أعمق، وأرى أن المشهد الأخير بالفيلم هو أهم مشاهده سينمائياً، حيث تتسلم البنات الصغيرات الراية من الكبار ويقلدهن ويقدمن مسرح شارع مثلهن، ما يؤكد أن فرقة (برشا) تركت تأثيراً على الجيل الجديد».

ويشير محمود إلى أنه «من المهم عرض هذه النوعية من الأفلام في دور العرض كنوع من التغيير لثقافة سينمائية سائدة»، مؤكداً أن عرضها يمكن أن يبني جسوراً مع الجمهور العادي وبالتالي تشجع صناع الأفلام على تقديمها، مثلما تشجع الموزعين على قبول عرضها دون خوف من عدم تحقيقها لإيرادات.

 

الشرق الأوسط في

07.11.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004