اختتمت يوم الجمعة الماضي الدورة السابعة من "مهرجان الجونة
السينمائي" (24 أكتوبر/ تشرين الأول – 1 نوفمبر/ تشرين الثاني) في مصر،
التي شهدت عرض زهاء 55 فيلما روائيا طويلا ووثائقيا، من 40 دولة حول
العالم، 6 أفلام منها في عرضها العالمي الأول، فيما قُدمت 12 تجربة
سينمائية لمخرجين جدد، ولتمكين المرأة في صناعة السينما.
حملت الدورة برنامجا متنوعا الاختيارات، وبالرغم من تواضع
الأفلام عالميا هذه السنة، اجتهد مبرمجو المهرجان في الوصول إلى بعض أفضل
أفلام العام، التي حصلت على جوائز، من بينها عدد من الأفلام التي اخترنا
الكتابة عنها انطلاقا من اشتباكها مع اللحظة العربية الحالية، فنيا وسياسيا.
ستة أفلام عربية بين الروائي والوثائقي، تروي قصصا مختلفة
ومركّبة وتحمل خطابا جماعيا يبدو بوعي أو من دون وعي اختيار جيل سينمائي
جديد أكثر تحررا تجاه الأشياء: من الأردن فيلم "إحكيلهم عنا"، ومن سوريا
"ذاكرتي مليئة بالأشباح"، ومن لبنان "نحن في الداخل"، ومن المغرب "الجميع
يحب تودا"، ومن تونس "ماء العين"، وأخيرا من فلسطين "شكرا لأنك تحلم معنا".
"إحكيلهم
عنا" و"ذاكرتي مليئة بالأشباح"... تناقضات تنتج المعنى
في ختام المهرجان مُنحت "نجمة الجونة" لأفضل فيلم
وثائقي عربي
مناصفة لفيلمين، أحدهما "ذاكرتي مليئة بالأشباح" من سوريا للمخرج أنس
الزواهري الذي يقدم فيلمه الطويل الأول بعد فيلمين قصيرين، "يوم عادي جدا"
و"صيف... مدينة وكاميرا "عام 2022. يبدو "ذاكرتي مليئة بالأشباح" منذ
اللحظة الأولى، مرثية بصرية متعددة المشاهد تحدّق في حمص/ سوريا المدمّرة،
أحيانا بأسى على ما آلت إليه وأحيانا أخرى لاستيعاب التجربة ومحاولة البناء
مرة أخرى. تتجوّل كاميرا الزواهري بين الشوارع والناس لتتذكر الحياة
الشبحية التي صارت مفروضة على الجميع ولتبحث عن سبل النجاة منها.
يبدو "ذاكرتي مليئة بالأشباح" منذ اللحظة الأولى مرثية
بصرية متعددة المشاهد تحدّق في حمص المدمّرة
لقطات طويلة ثابتة وخالية من القطع المونتاجي أو التدخل
الموسيقي الذي يقلل حدة الفراغ في أحشاء الصورة النهائية. قد يبدو ذلك من
باب بناء إطار للتشظي والدمار السوريين العامين اللذين باتت تعيشهما
المدينة أو تبثّهما في روح سكّانها المهزومين. لكن الفيلم يعيد خلق صورة
جديدة للمدينة، بات على الجميع التعايش معها أو عدم الهروب منها بصريا.
يتحوّل المشهد الأول في الفيلم من صورة طويلة ثابتة على الحي المهدّم
بالكامل تقريبا إلى حي تعود إليه الحياة رويدا رويدا بشكل هادئ. تدخل
العجلات ونسمع أصوات الناس على خلفية الخراب. ثمة مأساة، على الجميع أن
يقبلها ويعيد تخيّلها ذاتيا للبدء مرة أخرى.
في بداية الفيلم تظهر على الشاشة كلمات تقول "من جديد ها
أنا في مدينتي القديمة عائدا لئلا ينال النسيان منّي". وفي آخر مشاهده
تتساءل الفتاة التي نسمع الحكاية بصوتها عن الفئة الأكثر تأثرا بالحرب.
يفتح ذلك التساؤل جراحا كبيرة بين الكبار والصغار. "ذاكرتي مليئة
بالأشباح"، يمكن قراءته كدعوة الى تجاوز الماضي، ليس بتجاهله أو البكاء
عليه بل بالتحديق مباشرة في المأساة من دون خوف. يحكي البعض قصص رحيل
أهلهم، من بينهم فتاة تروي قصة تقبّل فدية والدها الذي قتله الشبّيحة هناك.
تبدو قصة مثالية: فتاة تتقبّل قتل والدها أو تختار الحياة بذكاء لأنها تعرف
أن القتلة لن ينالوا عقابهم الآن بينما تحتاج هي الى المال كي تسد رمق
عيشها. من دون مزايدات عليها، تقف أمام الكاميرا مباشرة لتحكي ما آل إليه
مصيرها ومستقبلها الذي عليها أن تبنيه، وإن بأموال قتلة والدها.
فيلم "ذاكرتي مليئة بالأشباح"
يخرج "ذاكرتي مليئة بالأشباح" في العام ذاته الذي يخرج فيه
"أثر الأشباح"، الفيلم الروائي الذي فاز بـ"نجمة الجونة". كلاهما يحركه
إبراز أشباح الحرب المخيفة للانتقام منها بأشكال مختلفة. المساجين هنا
حرفيا ومجازيا ليسوا ضحايا أو مجرد مظلومين منسحقين أمام طاغية قوي،
بل يتتبعون خطوات الرجل الذي يعتقد أنه كان يعذّبهم في السجن في كل خطوة
له. يبدون ظلّه، عقابا له عن كل تلك السنوات.
لا يبتعد فيلم "إحكيلهم عنّا" الذي أنجزته الأردنية رند
بيروتي، عن الفكرة المحورية ذاتها، وإن كانت الوجهة مختلفة نسبيا. تروي
بيروتي حكاية مجموعة من الفتيات وصلن لاجئات مع عائلاتهن إلى ألمانيا،
وتحولاتهن في سن المراهقة، بالتوازي مع صراعهن الخارجي في البحث عن فرص
لتحقيق طموحهن، وسط مجتمع ينظر إلى المهاجرين باعتبارهم خطرا يتهدده. وفي
حين يبدو أن قصة الفيلم لا تحمل جديدا، لكنها في سياق ما تبدو إعادة خلق
لتقبل المأساة العربية كلها، وإعادة هيكلة لجيل جديد عليه أن يعي غربته ولا
يرتضيها تماما. يبدو التعايش هنا حتميا، من دون نسيان اللحظة التي وضعت
هؤلاء هناك معا.
يبدو أن قصة "إحكيلهم عنا" لا تحمل جديدا، لكنها في سياقٍ
ما تبدو إعادة خلق لتقبل المأساة العربية كلها
يمكن أن تنقسم أفلام
اللجوء رؤيتين
مختلفتين، إحداهما تسرح تماما في تقبّل التعايش، والأخرى ترفضه تماما. أما
"احكيلهم عنا" فيروي حكاية جيل جديد تعلّم لغة الآخر المهاجر إليه جيدا
بخلاف آبائه. يحارب لتقبّله بشكل كامل، ويحلم بالانخراط والعمل. نتحدث هنا
تحديدا عن بطلات الفيلم اللواتي يسعين إلى تجسيد أحلامهن كممثلات في
المسرح. كل هذا المعنى يُنتج ذاته من التحديق في المأساة ومن تجاوزها،
الأمر الذي بات ضرورة ملحّة على الجميع. هذا الجيل الذي لم يتمكّن حتى من
اصطحاب مقتنياته الشخصية أثناء هجرته الإجبارية بعد أن حجزها البحر، بات
يتقبل أن يحصل على أشياء جديدة مرة أخرى، للعيش هنا والعودة لاحقا. تغني
إحدى الفتيات: "نفس البذور راح نرجع بس من غير ورق/ نفس البذور راح نزرع بس
من غير قلق/ كل الحدود راح نقطع بس من غير غرق". في الحفل ذاته نشاهد عددا
من جوازات السفر قد وُضعت في التورتة للاحتفال بعيد ميلاد إحداهن.
"نحن
في الداخل" و"الجميع يحب تودا"... تمرد إلزامي لجيل جديد
رغم الحرب، كانت المشاركة اللبنانية في المهرجان لافتة
نقديا وجماهيريا، إذ فاز بجائزة "سينما من أجل الإنسانية" فيلم "مشقلب"
للمخرجين لوسيان بورجيلي وبانة فقيه ووسام شرف وأريج محمود، الذي يدور حول
أربع قصص قصيرة مختلفة ترصد الوضع الراهن في لبنان وتأثيره النفسي
والاجتماعي والاقتصادي على الجميع، وبخاصة الشباب، ومحاولات الجميع التعايش
مع الظروف القاسية. عُرض أيضا الفيلم الأحدث للسينمائي اللبناني المخضرم
هادي زكاك، "سيلّما"، الذي يحكي خلاله تاريخ وجود السينمات في طرابلس. وهو
فيلم مبني على كتابه عن الفكرة نفسها. يتأمل زكاك حال السينمات اللبنانية
المهدّمة كمجاز صريح عن البلد ككل. يقرر زكاك أن يكون الفيلم عبارة عن صور
فقط، على خلفيتها يحكي ضيوف مجهولون عن تاريخ وجودهم في السينما بأزمنة
مختلفة. أو كما يقول لاحقا في حديثه مع "المجلة": "كلها أفلام عن لبنان
الذي بات استديو طبيعيا لتصوير الحرب، والتعايش من خلالها، في طرابلس
ولبنان كله".
غير بعيد من طرابلس، كانت المخرجة فرح قاسم تقدم فيلمها
"نحن في الداخل" الذي فاز بجائزة "شبكة ترويج السينما الآسيوية" (نيتباك)،
التي تُمنح لأحسن فيلم آسيوي طويل. وهو فيلم ذاتي تحكي فيه عن عودتها الى
منزل والدها في مدينة طرابلس بعد غياب 10 سنوات، لتكتشف الهوة ما بين جيلها
وجيل أبيها الشاعر المخضرم مصطفى قاسم. عندما تدرك أنها لن تتمكن من
التقرّب إليه إلا من خلال الشعر الذي يكتبه، تقرر أن تنضم إلى منتدى الشعر
الذي أسسه قديما مع مجموعة من أصدقائه الناصريين لتصبح أول عضو أنثى شابة
بين مجموعة من الرجال المسنين.
لا يبدو "نحن في الداخل" مشغولا بالحرب أو السياسة بشكل
مباشر. يرى أثرها في الأخبار، لكنه منشغل بالمقابلة بين نظرة جيلين إلى
الأمور
لا يبدو الفيلم مشغولا بالحرب أو السياسة بشكل مباشر. يرى
أثرها في الأخبار، لكنه منشغل بالمقابلة بين نظرة جيلين إلى الأمور. على
مدار ما يقرب من ثلاث ساعات، تتحرك المخرجة لتأمل كيفية فهم والدها للأمور،
التي تبدو تفهّما للوضع القديم والتعايش معه بالكامل. بدا ذلك مَخرج لبنان
الوحيد.
عمرو منسي متحدثا في حفل الختام
الأب يكتب شعرا تقليديا مقفّى في مواجهة الفتاة التي تحاول
أن تكتب قصيدة النثر. هو يرى أنه "لم يعد لدينا شيء نقدمه سوى الشعر"،
بينما تتحرك هي على الأرض وتتعلّم كتابة الشعر/ فهم جيل والدها تماما. تجلس
لتحدّثه عن خطأ في الاختيار بين المرشحين السياسيين رغم سخريته من ذلك. بات
عليها أن تتقبل تماما موت والدها، أو للدقة رغبته في أن يموت، في اللحظة
التي يبدو توثيقها تأملا لإعادة إنتاج حياة طبيعية. "نحن في الداخل" يتحرك
في طريق وعرة ولا يبحث كثيرا عن اللحظة السياسية الخارجية، بينما يغوص أكثر
في داخله، في هشاشة لبنان التي باتت لا تُحتمل لولا فهم اللحظة الراهنة.
شهد المهرجان أيضا عرض أحدث أفلام المخرج المغربي نبيل
عيوش، "الجميع يحب تودا". لم يتحرّك الرجل بعيدا عن قصصه المألوفة التي
يدافع فيها عن قضايا المرأة ويربطها بالفن. يحكي هنا قصة الفتاة تودا
الوحيدة مع طفلها الأصم والأبكم. تحلم أن تصبح فنانة شهيرة، "شيخة" في فن
العيطة، المستمد من التراث الشعبي المغربي. تتنقل بين الأعراس والاحتفالات
الشعبية، ضمن فرق فنية مختلفة، وتبحث عن فرصة لإثبات موهبتها، وتعمل بإصرار
على تنميتها، رغم جهلها بالقراءة والكتابة، بينما تطاردها نظرات الطامعين
في جسدها من جانب، وتحجيم الفرق الشعبية لدورها في الرقص.
ما يبدو نموذجيا للتعاطف مع تودا، هو إدراكها ضرورة حصول
ابنها على تعليم جيد. كان ذلك الحسم الذي تريد به تعليم الطفل، مصدر
البطولة الأقوى خطابيا في العمل. ولا يبدو أن البلد يتحرك أو أن الطفل سيجد
مصيرا مختلفا عن والدته وأهله دون تعليم جيد. نظرة تتفوق ربما على تمردها
الاجتماعي وحلمها في الشهرة والصيت. وبينما تسعى بطلة "نحن في الداخل" إلى
التعلّم الذاتي من والدها الذي وفّر لها حياة جيدة رغم عدم توافقهما
النسبي، تضع تودا خطة عكسية تؤدي الى المعنى ذاته. هذا الطفل/ البلد الذي
لا يبدو لديه آمال وتطلعات كبيرة، لن يجد مفرا أبعد من التعليم الذي يأتي
بعده كل شيء. في الفيلم يبدو فعلا أن الجميع يحب تودا، بينما تودا ذاتها
يتحرك حبها في اتجاهات متناقضة تسعى من خلالها لجمع شتات الطفل.
في الفيلم يبدو فعلا أن الجميع يحب تودا، بينما تودا ذاتها
يتحرك حبها في اتجاهات متناقضة
"ماء
العين" و"شكرا لأنك تحلم معنا"... مجازات للحديث السياسي
جاءت
جائزة "نجمة الجونة" لأفضل فيلم روائي عربي، مناصفة بين فيلم "ماء عين" من
إخراج مريم جعبر و"شكرا لأنك تحلم معنا" من إخراج ليلى عباس. وربما كانت
تلك الجائزة من بين كل جوائز الدورة، هي الأكثر استحقاقا للفيلمين.
الفيلم الفلسطيني "شكراً لأنك تحلم معنا"
يحكي الفيلم الأول مشاعر شاب يعود إلى أهله في ريف تونس بعد
انخراطه في تنظيم "داعش" الإرهابي، اثر موت شقيقه، وبرفقته امرأة حامل تضع
النقاب. نترقب الحياة الجديدة التي يحاولان التأقلم معها، خصوصا مع عدم
قدرتهما على مغادرة المنزل خوفا من الملاحقة الأمنية. لا نشاهد تماما، لأن
الكاميرا ضبابية وقريبة من الجميع. الشعور هنا أو تأمل المأساة هو أكثر من
توثيقها. تماما كما نشاهد في الفيلم التونسي الآخر، "برج الرومي"، الذي
اعتبره المخرج منصف ذويب "أول فيلم لأدب السجون هناك"، وهو عن المعتقل
وكيفية تعايش المعتقل مع سجّانه الى ان يتحرر.
"ماء
العين" قصيدة سينمائية مجازية عن شاب عربي مأزوم. اختمرت قصته جيدا بعد
تحويل جعبر له من فيلمها القصير، "إخوان"، ليصبح على الشكل المثالي في
الفيلم الطويل الذي تتداخل فيه صور الخيال مع الحقيقة لينتج صورة موتّرة
لمشاهده وخالقة لأسئلة شخصية لا تنتهي. قد يبدو تأمل الانضمام الى "داعش"
اليوم غير محمّل بخطورة نوعا ما، لكن على مدار ست سنوات لعمل الفيلم بدا
يحمل خطابا فلسفيا سياسيا يحتاج إلى الطرح حول شبان يحاولون التأقلم مرة
أخرى بعد إدراك جريمتهم بالانضمام الى الارهاب في لحظة يأس أو انهزام.
الفيلم إقرار بلحظة لم يتجاوزها عدد غير قليل من الشباب العربي اليوم. رحلة
تطهّر من ماض لا يجب نسيانه تماما، بل تفهّمه جيدا لعدم الوقوع فيه مرة
أخرى.
يحمل "ماء العين" خطابا فلسفيا سياسيا حول شبان يحاولون
التأقلم مرة أخرى بعد إدراك جريمتهم بالانضمام الى الارهاب
في آخر أيام المهرجان عُرض الفيلم
الفلسطيني "شكرا
لأنك تحلم معنا"، وقد ظلمته البرمجة بعرضه السريع المتأخر. يحكي الفلم قصة
شقيقتين يتوفى والدهما ويترك ثروة كبيرة. وعلى رغم الخلافات القائمة
بينهما، فإنهما تتحدان بسبب الثروة الكبيرة، بخاصة عندما تتعرضان لمشكلة
كبيرة تتمثل في مواجهة القانون المستمد من الشريعة، الذي يمنح أخاهما ضعف
ميراث الواحدة منهما. هذه القصة العادية تماما في سياقها الحالي، تبدو حالة
أكثر استثنائية من كل ما سبقها وتترك تساؤلا مؤسسا ومفتوحا: ما الذي يجعله
فيلما فلسطينيا رغم قصته المعتادة؟
حمل المهرجان مفاجآت عديدة كان من بينها هذا العمل الخفيف
الاستقبال الثقيل الأثر. فإذا كانت كل الأعمال السابقة تعيد تخيل أو تركيب
مجاز لفهم الواقع وقبوله، فإن هذا الفيلم يغرد في منطقة موازية تماما،
متمردة الى الحد الأقصى. على اعتباره آخر الأفلام التي صوّرت في فلسطين،
كان المتوقع أن يحمل القضية فوق ظهره في لحظة إبادة فلسطينية شاملة وسط دعم
أميركي وتجاهل أوروبي وصمت عربي. يفتح الفيلم مسارا موازيا بعيدا من
السياسة ملاصقا لها مجازيا تماما.
يفتح "شكرا لأنك تحمل معنا" مسارا تخييليا حول حق
الفلسطينييين في تفاصيل حياتية تناساها الناس عنهم
يفتح الفيلم مسارا تخييليا حول حق الفلسطينييين في تفاصيل
حياتية تناساها الناس عنهم، وربما يشعرون أنه لم يعد لديهم الحق أساسا في
الحديث عنها. تفاصيل تخص كيفية العيش، محاولة إحدى الأختين الدخول في علاقة
عاطفية أو تأمين حياتها المادية، في لحظة لا يلتفت إليها أحد. أو حتى
محاولات إعادة حب ماض مع زوجها بعد أحداث حياتية شغلت الجميع ودمرت الشخصي
والعام. حتى اسم الفيلم، مأخوذ من أغنية الانتظار للبنك الفلسطيني، التي
تبدو سخرية نوعا ما من قبل أشخاص يواجهون الموت يوميا ولا تزال لديهم
الرغبة في جمع المال والتشبث بالحياة.
في أحد المشاهد أثناء بحثهما عن رجل يساعدهما في الحصول على
مال والدهما من البنك دون معرفة الأخ الأكبر، تفاجأ الشقيقتان بكمين لشبان
فلسطينيين يسدون الشارع، يحرقون العجلات ويشتبكون مع صهيوني على مقربة.
تحوّلان مسارهما الى شارع آخر دون أن يصيبهما ذلك بالجنون. تاهدانش فتى
يافعا تخبره إحداهما بأن لا يتظاهر ويذهب الى المنزل. تمر تلك الأشياء
وغيرها سريعا لكنها تبدو محركة لكل شيء. تختار المخرجة الابتعاد المباشر عن
السياسة، لكنها تُظهرها بذكاء في مشاهد عابرة يدرك من خلالها المشاهد
استحالة الحياة في فلسطين لغير الفلسطيني: من يتحمّل حياة كهذه؟
"شكرا
لأنك تحلم معنا"، تهويدة حالمة، لا يمكن فصل الاجتماعي فيها عن السياسي.
إدانة بصرية شديدة الذكاء عن حق الفلسطيني في سرد قصص بعيدة عن الحرب رغم
قربها الدائم منها. نموذج للمجاز العربي الذي يحاول أن يحيا طبيعيا بينما
يمنعه الآخر من ذلك بكل الطرق، يبدو استكمالا للأفلام الأخرى رغم اتجاهه
المعاكس. |